منتدى نافذة ثقافية

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

    من أَوْلَادُ إسْمَاعِيلَ بِمَكّةَ إلى وِلَايَةُ الْمُطّلِبِ لِلرّفَادَةِ وَالسّقَايَةِ

    بص وطل
    بص وطل
    Admin


    عدد المساهمات : 2283
    تاريخ التسجيل : 29/04/2014

    من أَوْلَادُ إسْمَاعِيلَ بِمَكّةَ إلى وِلَايَةُ الْمُطّلِبِ لِلرّفَادَةِ وَالسّقَايَةِ Empty من أَوْلَادُ إسْمَاعِيلَ بِمَكّةَ إلى وِلَايَةُ الْمُطّلِبِ لِلرّفَادَةِ وَالسّقَايَةِ

    مُساهمة من طرف بص وطل السبت مايو 31, 2014 5:33 pm

    من أَوْلَادُ إسْمَاعِيلَ بِمَكّةَ إلى وِلَايَةُ الْمُطّلِبِ لِلرّفَادَةِ وَالسّقَايَةِ Cera10

    بّسم الله الرّحمن الرّحيم
    السيرة النبوية المطهرة
    السيرة النبوية لابن هشام
    المُجلد ألأول
    من أَوْلَادُ إسْمَاعِيلَ بِمَكّةَ إلى وِلَايَةُ الْمُطّلِبِ لِلرّفَادَةِ وَالسّقَايَةِ 1410
    من أَوْلَادُ إسْمَاعِيلَ وَجُرْهُمٍ بِمَكّةَ
    إلى وِلَايَةُ الْمُطّلِبِ لِلرّفَادَةِ وَالسّقَايَةِ

    [ أَوْلَادُ إسْمَاعِيلَ وَجُرْهُمٍ بِمَكّةَ ]
    ثُمّ نَشَرَ اللّهُ وَلَدَ إسْمَاعِيلَ بِمَكّةَ وَأَخْوَالُهُمْ مِن ْ جُرْهُمٍ ، وُلَاةُ الْبَيْتِ وَالْحُكّامُ بِمَكّةَ لَا يُنَازِعُهُمْ وَلَدُ إسْمَاعِيلَ فِي ذَلِكَ لِخُئُولَتِهِمْ وَقَرَابَتِهِمْ وَإِعْظَامًا لِلْحُرْمَةِ أَنْ يَكُونَ بِهَا بَغْيٌ أَوْ قِتَالٌ . فَلَمّا ضَاقَتْ مَكّةُ عَلَى وَلَدِ إسْمَاعِيلَ انْتَشَرُوا فِي الْبِلَادِ فَلَا يُنَاوِئُونَ قَوْمًا إلّا أَظْهَرَهُمْ اللّهُ عَلَيْهِمْ بِدِينِهِمْ فَوَطِئُوهُمْ .
    اسْتِيلَاءُ قَوْمِ كِنَانَةَ وَخُزَاعَةَ عَلَى الْبَيْتِ ونَفي جُرْهُمٍ

    [ بَغْيُ جُرْهُمٍ بِمَكّةَ وَطَرْدُ بَنِي بَكْرٍ لَهُمْ ]
    ثُمّ إنّ جُرْهُمًا بَغَوْا بِمَكّةَ وَاسْتَحَلّوا خِلَالًا مِنْ الْحُرْمَةِ فَظَلَمُوا مَنْ دَخَلَهَا مِنْ غَيْرِ أَهْلِهَا ، وَأَكَلُوا مَالَ الْكَعْبَةِ الّذِي يُهْدَى لَهَا ، فَرَقّ أَمْرَهُمْ . فَلَمّا رَأَتْ بَنُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ مَنَاةَ بْنِ كِنَانَةَ ، وَغُبْشَانُ مِنْ خُزَاعَةَ ذَلِكَ أَجَمَعُوا [ ص 114 ] مَكّةَ . فَآذَنُوهُمْ بِالْحَرْبِ فَاقْتَتَلُوا ، فَغَلَبَتْهُمْ بَنُو بَكْرٍ وَغُبْشَانُ فَنَفَوْهُمْ مِنْ مَكّةَ . وَكَانَتْ مَكّةُ فِي الْجَاهِلِيّةِ لَا تُقِرّ فِيهَا ظُلْمًا وَلَا بَغْيًا ، وَلَا يَبْغِي فِيهَا أَحَدٌ إلّا أَخَرَجَتْهُ فَكَانَتْ تُسَمّى النّاسّةَ ، وَلَا يُرِيدُهَا مَلِكٌ يَسْتَحِلّ حُرْمَتَهَا إلّا هَلَكَ مَكَانَهُ فَيُقَالُ إنّهَا مَا سُمّيَتْ بِبَكّةِ إلّا أَنّهَا كَانَتْ تَبُكّ أَعْنَاقَ الْجَبَابِرَةِ إذَا أَحْدَثُوا فِيهَا شَيْئًا .

    [ بَكّةُ لُغَةً ]
    قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : أَخْبَرَنِي أَبُو عُبَيْدَةَ أَنّ بَكّةَ اسْمٌ لِبَطْنِ مَكّةَ ، لِأَنّهُمْ يَتَبَاكَوْنَ فِيهَا ، أَيْ يَزْدَحِمُونَ . وَأَنْشَدَنِي :
    إذَا الشّرِيبُ أَخَذَتْهُ أَكّهُ ... فَخَلّهِ حَتّى يَبُكّ بَكّهُ
    أَيْ فَدَعْهُ حَتّى يَبُكّ إبِلَهُ أَيْ يُخَلّيهَا إلَى الْمَاءِ فَتَزْدَحِمُ عَلَيْهِ . وَهُوَ مَوْضِعُ الْبَيْتِ وَالْمَسْجِدِ . وَهَذَانِ الْبَيْتَانِ لِعَامَانَ بْنِ كَعْبِ بْنِ عَمْرِو بْنِ سَعْدِ بْنِ زَيْدِ مَنَاةَ بْنِ تَمِيمٍ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَخَرَجَ عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ بْنِ مُضَاضٍ الْجُرْهُمِيّ بِغَزَالِيّ الْكَعْبَةِ وَبِحَجَرِ الرّكْنِ فَدَفَنَهَا فِي زَمْزَمَ ، وَانْطَلَقَ هُوَ وَمَنْ مَعَهُ مِنْ جُرْهُمٍ إلَى الْيَمَنِ ، فَحَزِنُوا عَلَى مَا فَارَقُوا مِنْ أَمْرِ مَكّةَ وَمُلْكِهَا حُزْنًا شَدِيدًا . فَقَالَ عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ ( بْنِ عَمْرِو ) بْنِ مُضَاضٍ فِي ذَلِكَ وَلَيْسَ بِمُضَاضٍ الْأَكْبَرِ [ ص 115 ]
    وَقَائِلَةٍ وَالدّمْعُ سَكْبٌ مُبَادِرُ ... وَقَدْ شَرِقَتْ بِالدّمْعِ مِنْهَا الْمَحَاجِرُ
    كَأَنّ لَمْ يَكُنْ بَيْنَ الْحَجُونِ إلَى الصّفَا ... أَنِيسٌ وَلَمْ يَسْمُرْ بِمَكّةَ سَامِرُ
    فَقُلْتُ لَهَا وَالْقَلْبُ مِنّي كَأَنّمَا ... يُلَجْلِجُهُ بَيْنَ الْجَنَاحَيْنِ طَائِرُ
    بَلَى نَحْنُ كُنّا أَهْلَهَا ، فَأَزَالَنَا ... صُرُوفُ اللّيَالِي وَالْجُدُودِ الْعَوَاثِرِ
    وَكُنّا وُلَاةَ الْبَيْتِ مِنْ بَعْدِ نَابِتٍ ... نَطُوفُ بِذَاكَ الْبَيْتِ وَالْخَيْرُ ظَاهِرُ
    وَنَحْنُ وَلِينَا الْبَيْتَ مِنْ بَعْدِ نَابِتٍ ... بِعَزّ فَمَا يَحْظَى لَدَيْنَا الْمُكَاثِرُ
    مَلَكْنَا فَعَزّزْنَا فَأَعْظِمْ بِمُلْكِنَا ... فَلَيْسَ لِحَيّ غَيْرِنَا ثَمّ فَاخِرُ
    أَلَمْ تُنْكِحُوا مِنْ خَيْرِ شَخْصٍ عَلِمْته ... فَأَبْنَاؤُهُ مِنّا وَنَحْنُ الْأَصَاهِرُ
    فَإِنْ تَنْثَنِ الدّنْيَا عَلَيْنَا بِحَالِهَا ... فَإِنّ لَهَا حَالًا وَفِيهَا التّشَاجُرُ
    فَأَخْرَجَنَا مِنْهَا الْمَلِيكُ بِقُدْرَةٍ ... كَذَلِكَ يَا لِلنّاسِ تَجْرِي الْمَقَادِرُ
    أَقُولُ إذَا نَامَ الْخَلِيّ وَلَمْ أَنَمْ ... أَذَا الْعَرْشِ لَا يَبْعُدُ سُهَيْلٌ وَعَامِرٌ
    وَبُدّلْت مِنْهَا أَوْجُهًا لَا أُحِبّهَا ... قَبَائِلُ مِنْهَا حِمْيَرُ وَيُحَابِرُ
    وَصِرْنَا أَحَادِيثَا وَكُنّا بِغِبْطَةٍ ... بِذَلِكَ عَضّتْنَا السّنُونَ الْغَوَابِرُ
    فَسَحّتَ دُمُوعُ الْعَيْنِ تَبْكِي لِبَلْدَةٍ ... بِهَا حَرَمٌ أَمْنٌ وَفِيهَا الْمَشَاعِرُ
    وَتَبْكِي لِبَيْتٍ لَيْسَ يُوذَى حَمَامُهُ ... يَظَلّ بِهِ أَمْنًا وَفِيهِ الْعَصَافِرُ
    وَفِيهِ وُحُوشٌ لَا تُرَامُ أَنِيسَةٌ ... إذَا خَرَجَتْ مِنْهُ فَلَيْسَتْ تُغَادِرُ
    [ ص 116 ] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : قَوْلُهُ " فَأَبْنَاؤُهُ منا " ، عن غَيْرِ ابْنِ إسْحَاقَ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَالَ عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ أَيْضًا يَذْكُرُ بَكْرًا وَغُبْشَانُ وَسَاكِنِي مَكّةَ الّذِينَ خَلَفُوا فِيهَا بَعْدَهُمْ
    يَا أَيّهَا النّاسُ سِيرُوا إنّ قَصْرَكُمْ ... أَنْ تُصْبِحُوا ذَاتَ يَوْمٍ لَا تَسِيرُونَا
    حُثّوا الْمَطِيّ وَأَرْخُوا مِنْ أَزِمّتِهَا ... قَبْلَ الْمَمَاتِ وَقَضّوا مَا تُقِضّونَا
    كُنّا أُنَاسًا كَمَا كُنْتُمْ فَغَيّرَنَا ... دَهْرٌ فَأَنْتُمْ كَمَا كُنّا تَكُونُونَا
    قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : هَذَا مَا صَحّ لَهُ مِنْهَا . وَحَدّثَنِي بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْم بِالشّعْرِ أَنّ هَذِهِ الْأَبْيَاتَ أَوّلُ شِعْرٍ قِيلَ فِي الْعَرَبِ ، وَأَنّهَا وُجِدَتْ مَكْتُوبَةً فِي حَجَرٍ بِالْيَمَنِ وَلَمْ يُسَمّ لِي قَائِلَهَا . [ ص 117 ]

    [ اسْتِبْدَادُ قَوْمٍ مِنْ خُزَاعَةَ بِوِلَايَةِ الْبَيْتِ ]
    قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : ثُمّ إنّ غُبْشَانَ مِنْ خُزَاعَةَ وَلِيَتْ الْبَيْتَ دُونَ بَنِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ مَنَاةَ ، وَكَانَ الّذِي يَلِيهِ مِنْهُمْ عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ الْغُبْشَانِيّ ، وَقُرَيْشٌ إذْ ذَاكَ حُلُولٌ وَصِرَمٌ وَبُيُوتَاتٌ مُتَفَرّقُونَ فِي قَوْمِهِمْ مِنْ بَنِي كِنَانَةَ فَوَلِيَتْ خُزَاعَةُ الْبَيْتَ يَتَوَارَثُونَ ذَلِكَ كَابِرًا عَنْ كَابِرٍ حَتّى كَانَ آخِرُهُمْ حُلَيْلُ بْنُ حَبَشِيّةَ بْنِ سَلُولَ بْنِ كَعْبِ بْنِ عَمْرٍو الْخُزَاعِيّ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : يُقَالُ حُبْشِيّةُ بْنُ سَلُولَ . تَزَوّجُ قُصَيّ بْنِ كِلَابٍ حُبّى بِنْتَ حُلَيْلٍ

    [ أَوْلَادُ قُصَيّ ]
    قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : ثُمّ إنّ قُصَيّ بْنَ كِلَابٍ خَطَبَ إلَى حُلَيْلِ بْنِ حُبْشِيّةَ ابْنَتَهُ حُبّى ، فَرَغِبَ فِيهِ حُلَيْلٌ فَزَوّجَهُ فَوَلَدَتْ لَهُ عَبْدَ الدّارِ وَعَبْدَ مَنَافٍ وَعَبْدَ الْعُزّى ، وَعَبْدًا . فَلَمّا انْتَشَرَ وَلَدُ قُصَيّ ، وَكَثُرَ مَالُهُ وَعَظُمَ شَرَفُهُ هَلَكَ حُلَيْلٌ .

    [ تَوَلّي قُصَيّ أَمْرَ الْبَيْتِ وَنُصْرَةَ رُزَاحٍ لَهُ ]
    فَرَأَى قُصَيّ أَنّهُ أَوْلَى بِالْكَعْبَةِ وَبِأَمْرِ مَكّةَ مِنْ خُزَاعَةَ وَبَنِيّ بَكْرٍ ، وَأَنّ قُرَيْشًا قُرْعَةُ إسْمَاعِيلَ بْنِ إبْرَاهِيمَ وَصَرِيحُ وَلَدِهِ . فَكَلّمَ رِجَالًا مِنْ قُرَيْشٍ ، وَبَنِيّ كِنَانَةَ ، [ ص 118 ] وَدَعَاهُمْ إلَى إخْرَاجِ خُزَاعَةَ وَبَنِيّ بَكْرٍ مِنْ مَكّةَ ، فَأَجَابُوهُ . وَكَانَ رَبِيعَةُ بْنُ حَرَامٍ مِنْ عُذْرَةَ بْنِ سَعْدِ بْنِ زَيْدِ قَدْ قَدِمَ مَكّةَ بَعْدَ هُلْكِ كِلَابٍ فَتَزَوّجَ فَاطِمَةَ بِنْتَ سَعْدِ بْنِ سَيَلٍ وَزُهْرَةَ يَوْمَئِذٍ رَجُلٌ وَقُصَيّ فَطِيمٌ فَاحْتَمَلَهَا إلَى بِلَادِهِ فَحَمَلَتْ قُصَيّا مَعَهَا ، وَأَقَامَ زُهْرَةَ فَوَلَدَتْ لِرَبِيعَةَ رِزَاحًا . فَلَمّا بَلَغَ قُصَيّ وَصَارَ رَجُلًا أَتَى مَكّةَ ، فَأَقَامَ بِهَا ، فَلَمّا أَجَابَهُ قَوْمُهُ إلَى مَا دَعَاهُمْ إلَيْهِ كَتَبَ إلَى أَخِيهِ مِنْ أُمّهِ رِزَاحِ بْنِ رَبِيعَةَ ، يَدْعُوهُ إلَى نُصْرَتِهِ وَالْقِيَامِ مَعَهُ . فَخَرَجَ رِزَاحُ بْنُ رَبِيعَةَ وَمَعَهُ إخْوَتُهُ حُنّ بْنُ رَبِيعَةَ ، وَمَحْمُودُ بْنُ رَبِيعَةَ ، وَجُلْهُمَةُ بْنُ رَبِيعَةَ ، وَهُمْ لِغَيْرِ فَاطِمَةَ فِيمَنْ تَبِعَهُمْ مِنْ قُضَاعَةَ فِي حَاجّ الْعَرَبِ ، وَهُمْ مُجْمِعُونَ لِنُصْرَةِ قُصَيّ . وَخُزَاعَةُ تَزْعُمُ أَنّ حُلَيْلَ بْنَ حُبْشِيّةَ أَوْصَى بِذَلِكَ قُصَيّا وَأَمَرَهُ بِهِ حِينَ انْتَشَرَ لَهُ مِنْ ابْنَتِهِ مِنْ الْوَلَدِ مَا انْتَشَرَ . وَقَالَ أَنْتِ أَوْلَى بِالْكَعْبَةِ وَبِالْقِيَامِ عَلَيْهَا ، وَبِأَمْرِ مَكّةَ مِنْ خُزَاعَةَ ، فَعِنْدَ ذَلِكَ طَلَبَ قُصَيّ مَا طَلَبَ . وَلَمْ نَسْمَعْ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِهِمْ فَاَللّهُ أَعْلَمُ أَيّ ذَلِكَ كَانَ . [ ص 119 ]
    مَا كَانَ يَلِيهِ الْغَوْثُ بْنُ مُرّ مِنْ الْإِجَازَةِ لِلنّاسِ بِالْحَجّ
    وَكَانَ الْغَوْثُ بْنُ مُرّ بْنِ أَدّ بْنِ طَابِخَةَ بْنِ إلْيَاسَ بْنِ مُضَرَ يَلِي الْإِجَازَةَ لِلنّاسِ بِالْحَجّ مِنْ عَرَفَةَ ، وَوَلَدُهُ مِنْ بَعْدِهِ وَكَانَ يُقَالُ لَهُ و لِوَلَدِهِ صُوفَةُ . وَإِنّمَا وَلِيَ ذَلِكَ الْغَوْثُ بْنُ مُرّ ، لِأَنّ أُمّهُ كَانَتْ امْرَأَةً مِنْ جُرْهُمٍ ، وَكَانَتْ لَا تَلِدُ فَنَذَرَتْ لِلّهِ إنْ هِيَ وَلَدَتْ رَجُلًا أَنْ تَصّدّقَ بِهِ عَلَى الْكَعْبَةِ عَبْدًا لَهَا يَخْدُمُهَا ، وَيَقُومُ عَلَيْهَا . فَوَلَدَتْ الْغَوْثَ ، فَكَانَ يَقُومُ عَلَى الْكَعْبَةِ فِي الدّهْرِ الْأَوّلِ مَعَ أَخْوَالِهِ مِنْ جُرْهُمٍ ، فَوَلِيَ الْإِجَازَةَ بِالنّاسِ مِنْ عَرَفَةَ ، لِمَكَانِهِ الّذِي كَانَ بِهِ مِنْ الْكَعْبَةِ ، وَوَلَدُهُ مِنْ بَعْدِهِ حَتّى انْقَرَضُوا . فَقَالَ مُرّ بْنُ أَدّ لِوَفَاءِ نَذْرِ أُمّهِ
    إنّي جَعَلْتُ رَبّ مَنْ بَييّه ... رَبِيطَةً بِمَكّةَ الْعَلِيّه
    فَبَارِكْنَ لِي بِهَا أليّهْ ... وَاجْعَلْهُ لِي مِنْ صَالِحِ الْبَرِيّه
    وَكَانَ الْغَوْثُ بْنُ مُرّ - فِيمَا زَعَمُوا - إذَا دَفَعَ بِالنّاسِ قَالَ
    لاهُمّ إنّي تَابِعٌ تَبَاعَهُ ... إنْ كَانَ إثْمٌ فَعَلَى قُضَاعَهُ [ ص 120 ]

    [ صُوفَةُ وَرَمْيُ الْجِمَارِ ]
    قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : حَدّثَنِي يَحْيَى بْنُ عَبّادِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ الزّبَيْرِ عَنْ أَبِيهِ . قَالَ كَانَتْ صُوفَةُ تَدْفَعُ بِالنّاسِ مِنْ عَرَفَةَ ، وَتُجِيزُ بِهِمْ إذَا نَفَرُوا مِنْ مِنًى ، فَإِذَا كَانَ يَوْمُ النّفْرِ أَتَوْا لِرَمْيِ الْجِمَارِ وَرَجُلٌ مِنْ صُوفَةَ يَرْمِي لِلنّاسِ لَا يَرْمُونَ حَتّى يَرْمِي . فَكَانَ ذَوُو الْحَاجَاتِ الْمُتَعَجّلُونَ يَأْتُونَهُ فَيَقُولُونَ لَهُ قُمْ فَارْمِ حَتّى نَرْمِيَ مَعَك ؛ فَيَقُولُ لَا وَاَللّهِ حَتّى تَمِيلَ الشّمْسُ . فَيَظَلّ ذَوُو الْحَاجَاتِ الّذِينَ يُحِبّونَ التّعَجّلَ يَرْمُونَهُ بِالْحِجَارَةِ ويستعجلونه بِذَلِكَ وَيَقُولُونَ لَهُ وَيْلَكَ قُمْ فَارْمِ فَيَأْبَى عَلَيْهِمْ . حَتّى إذَا مَالَتْ الشّمْسُ قَامَ فَرَمَى وَرَمَى النّاسُ مَعَهُ .

    [ تَوَلّي بَنِي سَعْدٍ أَمْرَ الْبَيْتِ بَعْدَ صُوفَةَ ]
    قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَإِذَا فَرَغُوا مِنْ رَمْيِ الْجِمَارِ وَأَرَادُوا النّفْرَ مِنْ مِنًى ، أَخَذَتْ صُوفَةُ بِجَانِبَيْ الْعَقَبَةِ ، فَحَبَسُوا النّاسَ وَقَالُوا : أَجِيزِى صُوفَةَ فَلَمْ يَجُزْ أَحَدٌ مِنْ النّاسِ حَتّى يَمُرّوا ، فَإِذَا نَفَرَتْ صُوفَةُ وَمَضَتْ خُلّيَ سَبِيلُ النّاسِ فَانْطَلَقُوا بَعْدَهُمْ فَكَانُوا كَذَلِكَ حَتّى انْقَرَضُوا ، فَوَرِثَهُمْ ذَلِكَ مِنْ بَعْدِهِمْ بِالْقُعْدُدِ بَنُو سَعْدِ بْنِ زَيْدِ مَنَاةَ بْنِ تَمِيمٍ وَكَانَتْ مِنْ بَنِي سَعْدٍ فِي آلِ صَفْوَانَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ شِجْنَةَ .

    [ نَسَبُ صَفْوَانَ ]
    قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : صَفْوَانُ بْنُ جُنَابِ بْنِ شِجْنَةَ بْنِ عُطَارِدَ بْنِ عَوْفِ بْنِ كَعْبِ بْنِ سَعْدِ بْنِ زَيْدِ مَنَاةَ بْنِ تَمِيمٍ . [ ص 121 ]

    [ صَفْوَانُ وَكَرِبٌ وَالْإِجَازَةُ فِي الْحَجّ ]
    قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَكَانَ صَفْوَانُ هُوَ الّذِي يُجِيزُ لِلنّاسِ بِالْحَجّ مِنْ عَرَفَةَ ، ثُمّ بَنَوْهُ مِنْ بَعْدِهِ حَتّى كَانَ آخِرَهُمْ الّذِي قَامَ عَلَيْهِ الْإِسْلَامُ كَرِبُ بْنُ صَفْوَانَ وَقَالَ أَوْسُ بْنُ تَمِيمِ بْنِ مَغْرَاءَ السّعْدِيّ :
    لَا يَبْرَحُ النّاسُ مَا حَجّوا مُعَرّفَهُمْ ... حَتّى يُقَالَ أَجِيزُوا آلَ صَفْوَانَا
    قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : هَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لِأَوْسِ بْنِ مَغْرَاءَ .

    [ مَا كَانَتْ عَلَيْهِ عَدْوَانُ مِنْ إفَاضَةِ الْمُزْدَلِفَةِ ]
    [ شِعْرُ ذِي الْإِصْبَعِ فِي إفَاضَتِهِمْ بِالنّاسِ ]
    وَأَمّا قَوْلُ ذِي الْإِصْبَعِ الْعَدْوَانِيّ وَاسْمُهُ حُرْثَانُ ( مِنْ عَدْوَانَ ) بْنِ عَمْرٍو ؛ وَإِنّمَا سُمّيَ ذَا الْإِصْبَعِ لِأَنّهُ كَانَ لَهُ إصْبَعٌ فَقَطَعَهَا :
    عَذِيرَ الْحَيّ مِنْ عَدْوَانَ ... كَانُوا حَيّةَ الْأَرْضِ
    بَغَى بَعْضُهُمْ ظُلْمًا ... فَلَمْ يُرْعِ عَلَى بَعْضِ
    وَمِنْهُمْ كَانَتْ السّادَا ... تُ وَالْمُوفُونَ بِالْقَرْضِ
    وَمِنْهُمْ مَنْ يُجِيزُ النّا ... سَ بِالسّنّةِ وَالْفَرْضِ
    وَمِنْهُمْ حَكَمٌ يَقْضِي ... فَلَا يُنْقَضُ مَا يَقْضِي [ ص 122 ]

    [ أَبُو سَيّارَةَ وَإِفَاضَتُهُ بِالنّاسِ ]
    - وَهَذِهِ الْأَبْيَاتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ - فَلِأَنّ الْإِفَاضَةَ مِنْ الْمُزْدَلِفَةِ كَانَتْ فِي عَدْوَانَ - فِيمَا حَدّثَنِي زِيَادُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ الْبَكّائِيّ عَنْ مُحَمّدِ بْنِ إسْحَاقَ - يَتَوَارَثُونَ ذَلِكَ كَابِرًا عَنْ كَابِرٍ . حَتّى كَانَ آخِرَهُمْ الّذِي قَامَ عَلَيْهِ الْإِسْلَامُ أَبُو سَيّارَةَ عُمَيْلَةُ بْنُ الْأَعْزَلِ . فَفِيهِ يَقُولُ شَاعِرٌ مِنْ الْعَرَبِ :
    نَحْنُ دَفَعْنَا عَنْ أَبِي سَيّارَهْ ... وَعَنْ مَوَالِيهِ بَنِي فَزَارَهْ
    حَتّى أَجَازَ سَالِمًا حِمَارَهْ ... مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ يَدْعُو جَارَهُ
    قَالَ وَكَانَ أَبُو سَيّارَةَ يَدْفَعُ بِالنّاسِ عَلَى أَتَانٍ لَهُ فَلِذَلِك يَقُولُ " سَالِمًا حِمَارَهُ " .

    [ أَمْرُ عَامِرِ بْنِ ظَرِبِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عِيَاذِ بْنِ يَشْكُرَ بْنِ عَدْوَانَ ]
    قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَوْلُهُ " حَكَمٌ يَقْضِي " ، يَعْنِي عَامِرَ بْنَ ظَرِبِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عِيَاذِ بْنِ يَشْكُرَ بْنِ عَدْوَانَ الْعَدْوَانِيّ . وَكَانَتْ الْعَرَبُ لَا يَكُونُ بَيْنَهَا نَائِرَةٌ وَلَا عُضْلَةٌ فِي قَضَاءٍ إلّا أَسْنَدُوا ذَلِكَ إلَيْهِ ثُمّ رَضُوا بِمَا قَضَى فِيهِ . فَاخْتُصِمَ إلَيْهِ فِي بَعْضِ مَا كَانُوا يَخْتَلِفُونَ فِيهِ فِي رَجُلٍ خُنْثَى ، لَهُ مَا لِلرّجُلِ وَلَهُ مَا لِلْمَرْأَةِ فَقَالُوا : أَتَجْعَلُهُ رَجُلًا أَوْ امْرَأَةً ؟ وَلَمْ يَأْتُوهُ بِأَمْرِ كَانَ أَعْضَلَ مِنْهُ . فَقَالَ حَتّى أَنْظُرَ فِي أَمْرِكُمْ فَوَاَللّهِ مَا نَزَلَ بِي مِثْلُ هَذِهِ مِنْكُمْ يَا مَعْشَرَ الْعَرَبِ فَاسْتَأْخَرُوا عَنْهُ . فَبَاتَ لَيْلَتَهُ سَاهِرًا ، يُقَلّبُ أَمْرَهُ وَيَنْظُرُ فِي شَأْنِهِ لَا يَتَوَجّهُ لَهُ مِنْهُ وَجْهٌ . وَكَانَتْ لَهُ جَارِيَةٌ يُقَالُ لَهَا سُخَيْلَةُ تَرْعَى عَلَيْهِ غَنَمَهُ وَكَانَ يُعَاتِبُهَا إذَا سَرَحَتْ فَيَقُولُ [ ص 123 ] صَبّحْتِ وَاَللّهِ يَا سُخَيْلُ وَإِذَا أَرَاحَتْ عَلَيْهِ قَالَ مَسّيْتِ وَاَللّهِ يَا سُخَيْلُ وَذَلِك أَنّهَا كَانَتْ تُؤَخّرُ السّرْحَ حَتّى يَسْبِقَهَا بَعْضُ النّاسِ وَتُؤَخّرُ الْإِرَاحَةَ حَتّى يَسْبِقَهَا بَعْضٌ . فَلَمّا رَأَتْ سَهَرَهُ وَقِلّةَ قَرَارِهِ عَلَى فِرَاشِهِ قَالَتْ مَا لَك لَا أَبَا لَك مَا عَرَاك فِي لَيْلَتِك هَذِهِ ؟ قَالَ وَيْلَك دَعِينِي ، أَمْرٌ لَيْسَ مِنْ شَأْنِك ، ثُمّ عَادَتْ لَهُ بِمِثْلِ قَوْلِهَا . فَقَالَ فِي نَفْسِهِ عَسَى أَنْ تَأْتِيَ مِمّا أَنَا فِيهِ بِفَرَجٍ فَقَالَ وَيْحَك اُخْتُصِمَ إلَيّ فِي مِيرَاثِ خُنْثَى ، أَأَجْعَلُهُ رَجُلًا أَوْ امْرَأَةً ؟ فَوَاَللّهِ مَا أَدْرِي مَا أَصْنَعُ وَمَا يَتَوَجّهُ لِي فِيهِ وَجْهٌ . قَالَ فَقَالَتْ سُبْحَانَ اللّهِ لَا أَبَا لَك أَتْبِعْ الْقَضَاءَ الْمَبَالَ أَقْعِدْهُ فَإِنْ بَالَ مِنْ حَيْثُ يَبُولُ الرّجُلُ فَهُوَ رَجُلٌ وَإِنْ بَالَ مِنْ حَيْثُ تَبُولُ الْمَرْأَةُ فَهِيَ امْرَأَةٌ . قَالَ مَسّي سُخَيْلُ بَعْدَهَا أَوْ صَبّحِي ، فَرّجْتِهَا وَاَللّهِ . ثُمّ خَرَجَ عَلَى النّاسِ حِينَ أَصْبَحَ فَقَضَى بِاَلّذِي أَشَارَتْ عَلَيْهِ بِهِ .

    [ غَلَبُ قُصَيّ بْنِ كِلَابٍ عَلَى أَمْرِ مَكّةَ وَجَمْعُهُ أَمْرَ قُرَيْشٍ وَمَعُونَةُ قُضَاعَةَ لَهُ ]
    [ هَزِيمَةُ صُوفَةَ ]
    قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَلَمّا كَانَ ذَلِكَ الْعَامُ فَعَلَتْ صُوفَةُ كَمَا كَانَتْ تَفْعَلُ وَقَدْ عَرَفَتْ ذَلِكَ لَهَا الْعَرَبُ ، وَهُوَ دِينٌ فِي أَنْفُسِهِمْ فِي عَهْدِ جُرْهُمٍ وَخُزَاعَةَ وَوِلَايَتِهِمْ فَأَتَاهُمْ قُصَيّ بْنُ كِلَابٍ بِمَنْ مَعَهُ مِنْ قَوْمِهِ مِنْ قُرَيْشٍ وَكِنَانَةَ وَقُضَاعَةَ عِنْدَ الْعَقَبَةِ ، فَقَالَ لَنَحْنُ أَوْلَى بِهَذَا مِنْكُمْ فَقَاتِلُوهُ فَاقْتَتَلَ النّاسُ قِتَالًا شَدِيدًا ، ثُمّ انْهَزَمَتْ صُوفَةُ وَغَلَبَهُمْ قُصَيّ عَلَى مَا كَانَ بِأَيْدِيهِمْ مِنْ ذَلِكَ .

    [ مُحَارَبَةُ قُصَيّ لِخُزَاعَةَ وَبَنِيّ بَكْرٍ وَتَحْكِيمُ يَعْمُرَ بْنِ عَوْفٍ ]
    وَانْحَازَتْ عِنْدَ ذَلِكَ خُزَاعَةُ وَبَنُو بَكْرٍ عَنْ قُصَيّ ، وَعَرَفُوا أَنّهُ سَيَمْنَعُهُمْ كَمَا مَنَعَ صُوفَةَ وَأَنّهُ سَيَحُولُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْكَعْبَةِ وَأَمْرِ مَكّةَ . فَلَمّا انْحَازُوا عَنْهُ بَادَاهُمْ وَأَجْمَعَ لِحَرْبِهِمْ وَثَبَتَ مَعَهُ أَخُوهُ رِزَاحُ بْنُ رَبِيعَةَ بِمَنْ مَعَهُ مِنْ قَوْمِهِ مِنْ قُضَاعَةَ . [ ص 124 ] وَخَرَجَتْ لَهُ خُزَاعَةُ وَبَنُو بَكْرٍ فَالْتَقَوْا ، فَاقْتَتَلُوا قِتَالًا شَدِيدًا بِالْأَبْطَحِ حَتّى كَثُرَتْ الْقَتْلَى فِي الْفَرِيقَيْنِ جَمِيعًا ، ثُمّ إنّهُمْ تَدَاعَوْا إلَى الصّلْحِ وَإِلَى أَنْ يُحَكّمُوا بَيْنَهُمْ رَجُلًا مِنْ الْعَرَبِ ، فَحَكّمُوا يَعْمُرَ بْنَ عَوْفِ بْنِ كَعْبِ بْنِ عَامِرِ بْنِ لَيْثِ بْنِ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ مَنَاةَ بْنِ كِنَانَةَ فَقَضَى بَيْنَهُمْ بِأَنّ قُصَيّا أَوْلَى بِالْكَعْبَةِ وَأَمْرِ مَكّةَ مِنْ خُزَاعَةَ ، وَأَنّ كُلّ دَمٍ أَصَابَهُ قُصَيّ مِنْ خُزَاعَةَ وَبَنِيّ بَكْرٍ مَوْضُوعٌ يَشْدَخُهُ تَحْتَ قَدَمَيْهِ وَأَنّ مَا أَصَابَتْ خُزَاعَةُ وَبَنُو بَكْرٍ مِنْ قُرَيْشٍ ، وَكِنَانَةَ وَقُضَاعَةَ فَفِيهِ الدّيَةُ مُؤَدّاةٌ وَأَنْ يُخَلّى بَيْنَ قُصَيّ وَبَيْنَ الْكَعْبَةِ وَمَكّةَ .

    [ سَبَبُ تَسْمِيَةِ يَعْمُرَ بِالشّدّاخِ ]
    فَسُمّيَ يَعْمُرُ بْنُ عَوْفٍ يَوْمَئِذٍ الشّدّاخَ لِمَا شَدَخَ مِنْ الدّمَاءِ وَوَضَعَ مِنْهَا . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَيُقَال : الشّدَاخُ .

    [ قُصَيّ أَمِيرًا عَلَى مَكّةَ وَسَبَبُ تَسْمِيَتِهِ مُجَمّعًا ]
    قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَوَلِيَ قُصَيّ الْبَيْتَ وَأَمْرَ مَكّةَ ، وَجَمَعَ قَوْمَهُ مِنْ مَنَازِلِهِمْ إلَى مَكّةَ ، وَتَمَلّكَ عَلَى قَوْمِهِ وَأَهْلِ مَكّةَ فَمَلّكُوهُ . إلّا أَنّهُ قَدْ أَقَرّ لِلْعَرَبِ مَا كَانُوا عَلَيْهِ وَذَلِك أَنّهُ كَانَ يَرَاهُ دِينًا فِي نَفْسِهِ لَا يَنْبَغِي تَغْيِيرُهُ . فَأَقَرّ آلَ صَفْوَانَ وَعَدْوَانَ وَالنّسْأَةَ وَمُرّةَ بْنَ عَوْفٍ عَلَى مَا كَانُوا عَلَيْهِ حَتّى جَاءَ الْإِسْلَامُ فَهَدَمَ اللّهُ بِهِ ذَلِكَ كُلّهُ . فَكَانَ قُصَيّ أَوّلَ بَنِي كَعْبِ بْنِ لُؤَيّ أَصَابَ مُلْكًا أَطَاعَ لَهُ بِهِ قَوْمُهُ فَكَانَتْ [ ص 125 ] وَالرّفَادَةُ وَالنّدْوَةُ ، وَاللّوَاءُ فَحَازَ شَرَفَ مَكّةَ كُلّهُ . وَقَطَعَ مَكّةَ رِبَاعًا بَيْنَ قَوْمِهِ فَأَنْزَلَ كُلّ قَوْمٍ مِنْ قُرَيْشٍ مَنَازِلَهُمْ مِنْ مَكّةَ الّتِي أَصْبَحُوا عَلَيْهَا ، وَيَزْعُمُ النّاسُ أَنّ قُرَيْشًا هَابُوا قَطْعَ شَجَرِ الْحَرَمِ فِي مَنَازِلِهِمْ فَقَطَعَهَا قُصَيّ بِيَدِهِ وَأَعْوَانِهِ فَسَمّتْهُ قُرَيْشٌ مُجَمّعًا لِمَا جَمَعَ مِنْ أَمْرِهَا ، وَتَيَمّنَتْ بِأَمْرِهِ فَمَا تُنْكَحُ امْرَأَةٌ وَلَا يَتَزَوّجُ رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ ، وَمَا يَتَشَاوَرُونَ فِي أَمْرٍ نَزَلَ بِهِمْ وَلَا يَعْقِدُونَ لِوَاءً لِحَرْبِ قَوْمٍ مِنْ غَيْرِهِمْ إلّا فِي دَارِهِ يَعْقِدُهُ لَهُمْ بَعْضُ وَلَدِهِ وَمَا تَدّرِعُ جَارِيَةٌ إذَا بَلَغَتْ أَنْ تَدّرِعَ مِنْ قُرَيْشٍ إلّا فِي دَارِهِ يَشُقّ عَلَيْهَا فِيهَا دِرْعَهَا ثُمّ تَدّرِعُهُ ثُمّ يَنْطَلِق بِهَا إلَى أَهْلِهَا . فَكَانَ أَمْرُهُ فِي قَوْمِهِ مِنْ قُرَيْشٍ فِي حَيَاتِهِ وَمِنْ بَعْدِ مَوْتِهِ كَالدّينِ الْمُتّبِعِ لَا يُعْمَلُ بِغَيْرِهِ . وَاِتّخَذَ لِنَفْسِهِ دَارَ النّدْوَةِ وَجَعَلَ بَابَهَا إلَى مَسْجِدِ الْكَعْبَةِ ، فَفِيهَا كَانَتْ قُرَيْشٌ تَقْضِي أُمُورَهَا . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَقَالَ الشّاعِرُ [ ص 126 ]
    قُصَيّ لَعَمْرِي كَانَ يُدَعّى مُجَمّعًا ... بِهِ جَمَعَ اللّهُ الْقَبَائِلَ مِنْ فِهْرِ
    قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : حَدّثَنِي عَبْدُ الْمَلِكِ بْنِ رَاشِدٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ سَمِعْت السّائِبَ بْنَ خَبّابٍ صَاحِبَ الْمَقْصُورَةِ يُحَدّثُ أَنّهُ سَمِعَ رَجُلًا يُحَدّثُ عُمَرَ بْنَ الْخَطّابِ ، وَهُوَ خَلِيفَةٌ حَدِيثَ قُصَيّ بْنِ كِلَابٍ ، وَمَا جَمَعَ مِنْ أَمْرِ قَوْمِهِ وَإِخْرَاجِهِ خُزَاعَةَ وَبَنِيّ بَكْرٍ مِنْ مَكّةَ ، وَوِلَايَتِهِ الْبَيْتَ وَأَمْرَ مَكّةَ ، فَلَمْ يَرُدّ ذَلِكَ عَلَيْهِ وَلَمْ يُنْكِرْهُ .

    [ شِعْرُ رِزَاحٍ فِي نُصْرَتِهِ قُصَيّا وَرَدّ قُصَيّ عَلَيْهِ ]
    قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَلَمّا فَرَغَ قُصَيّ مِنْ حَرْبِهِ انْصَرَفَ أَخُوهُ رِزَاحُ بْنُ رَبِيعَةَ إلَى بِلَادِهِ بِمَنْ مَعَهُ مِنْ قَوْمِهِ وَقَالَ رِزَاحٌ فِي إجَابَتِهِ قُصَيّا [ ص 127 ]
    لَمّا أَتَى مِنْ قُصَيّ رَسُول ُ ... فَقَالَ الرّسُولُ أَجِيبُوا الْخَلِيلَا
    نَهَضْنَا إلَيْهِ نَقُودُ الْجِيَادَ ... وَنَطْرَحُ عَنّا الْمَلُولَ الثّقِيلَا
    نَسِيرُ بِهَا اللّيْلَ حَتّى الصّبَاحِ ... وَنَكْمِي النّهَارَ لِئَلّا نَزُولَا
    فَهُنّ سِرَاعٌ كَوِرْدِ الْقَطَا ... يُجِبْنَ بِنَا مِنْ قُصَيّ رَسُولَا
    جَمَعْنَا مِنْ السّرّ مِنْ أَشْمَذَيْنِ ... وَمِنْ كُلّ حَيّ جَمَعْنَا قَبِيلَا
    فَيَا لَك حُلْبَةَ مَا لَيْلَة ... تَزِيدُ عَلَى الْأَلْفِ سَيْبًا رَسِيلَا
    فَلَمّا مَرَرْنَ عَلَى عَسْجَدٍ ... وَأَسْهَلْنَ مِنْ مُسْتَنَاخٍ سَبِيلَا
    وَجَاوَزْنَ بِالرّكْنِ مِنْ وَرِقَانٍ ... وَجَاوَزْنَ بِالْعَرْجِ حَيّا حُلُولَا
    مَرَرْنَ عَلَى الْحِلّ مَا ذُقْنَهُ ... وَعَالَجْنَ مِنْ مَرّ لَيْلًا طَوِيلَا
    نُدْنِي مِنْ الْعُوذِ أَفْلَاءَهَا ... إرَادَةَ أَنْ يَسْتَرِقْنَ الصّهِيلَا
    فَلَمّا انْتَهَيْنَا إلَى مَكّةَ ... أَبَحْنَا الرّجَالَ قَبِيلًا قَبِيلًا
    نُعَاوِرُهُمْ ثُمّ حَدّ السّيُوفِ ... وَفِي كُلّ أَوْبٍ خَلَسْنَا الْعَقُولَا
    نُخَبّزُهُمْ بِصَلَابِ النّسُو ... رِ خَبْزَ الْقَوِيّ الْعَزِيزَ الذّلِيلَا
    قَتَلْنَا خُزَاعَةَ فِي دَارِهَا ... وَبَكْرًا قَتَلْنَا وَجِيلًا فَجِيلَا
    نَفَيْنَاهُمْ مِنْ بِلَادِ الْمَلِيكِ ... كَمَا لَا يَحِلّونَ أَرْضًا سُهُولَا
    فَأَصْبَحَ سَبْيُهُمْ فِي الْحَدِيدِ ... وَمِنْ كُلّ حَيّ شَفَيْنَا الْغَلِيلَا
    [ ص 128 ] وَقَالَ ثَعْلَبَةُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ ذُبْيَانَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ سَعْدِ هُذَيْمٍ الْقُضَاعِيّ فِي ذَلِكَ مِنْ أَمْرِ قُصَيّ حِينَ دَعَاهُمْ فَأَجَابُوهُ
    جَلَبْنَا الْخَيْلَ مُضْمَرَةً تَغَالِي ... مِنْ الْأَعْرَافِ أَعْرَافَ الْجِنَابِ
    إلَى غَوْرَى تِهَامَةَ فَالْتَقَيْنَا ... مِنْ الْفَيْفَاءِ فِي قَاعٍ يَبَابِ
    فَأَمّا صُوفَةُ الْخُنْثَى فَخَلّوْا ... مَنَازِلَهُمْ مُحَاذَرَةَ الضّرَابِ
    وَقَامَ بَنُو عَلِيّ إذْ رَأَوْنَا ... إلَى الْأَسْيَافِ كَالْإِبِلِ الطّرَابِ
    وَقَالَ قُصَيّ بْنُ كِلَابٍ :
    أَنَا ابْنُ الْعَاصِمِينَ بَنِي لُؤَيّ ... بِمَكّةَ مَنْزِلِي وَبِهَا رَبِيتُ
    إلَى الْبَطْحَاءِ قَدْ عَلِمَتْ مَعَدّ ... وَمَرْوَتُهَا رَضِيت بِهَا رَضِيت
    فَلَسْت لِغَالِبِ إنْ لَمْ تَأَثّلْ ... بِهَا أَوْلَادُ قَيْذَرَ وَالنّبِيتُ
    رِزَاحٌ نَاضِرِي وَبِهِ أُسَامِي ... فَلَسْتُ أَخَافُ ضَيْمًا مَا حَيِيتُ [ ص 129 ]

    [مَا كَانَ بَيْنَ رِزَاحٍ وَبَيْنَ نَهْدٍ وَحَوْتَكَةَ وَشِعْرُ قُصَيّ فِي ذَلِكَ ]
    فَلَمّا اسْتَقَرّ رِزَاحُ بْنُ رَبِيعَةَ فِي بِلَادِهِ نَشَرَهُ اللّهُ وَنَشَرَ حُنّا ، فَهُمَا قَبِيلَا عُذْرَةَ الْيَوْمِ . وَقَدْ كَانَ بَيْنَ رِزَاحِ بْنِ رَبِيعَةَ ، حِينَ قَدِمَ بِلَادَهُ وَبَيْنَ نَهْدِ بْنِ زَيْدِ وَحَوْتَكَةَ بْنِ أَسْلُمَ ، وَهُمَا بَطْنَانِ مِنْ قُضَاعَةَ ، شَيْءٌ فَأَخَافَهُمْ حَتّى لَحِقُوا بِالْيَمَنِ وَأَجْلَوْا مِنْ بِلَادِ قُضَاعَةَ ، فَهُمْ الْيَوْمَ بِالْيَمَنِ . فَقَالَ قُصَيّ بْنُ كِلَابٍ ، وَكَانَ يُحِبّ قُضَاعَةَ وَنَمَاءَهَا وَاجْتِمَاعَهَا بِبِلَادِهَا ، لِمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ رِزَاحٍ مِنْ الرّحِمِ وَلِبَلَائِهِمْ عِنْدَهُ إذْ أَجَابُوهُ إذْ دَعَاهُمْ إلَى نُصْرَتِهِ وَكَرِهَ مَا صَنَعَ بِهِمْ رِزَاحٌ
    أَلَا مِنْ مُبْلِغٍ عَنّي رِزَاحَا ... فَإِنّي قَدْ لَحَيْتُك فِي اثْنَتَيْنِ
    لَحَيْتُك فِي بَنِي نَهْدِ بْنِ زَيْدِ ... كَمَا فَرّقْتَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنِي
    وَحَوْتَكَةُ بْنُ أَسْلُمَ إنّ قَوْمًا ... عَنَوْهُمْ بِالْمَسَاءَةِ قَدْ عَنَوْنِي
    قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَتُرْوَى هَذِهِ الْأَبْيَاتُ لِزُهَيْرِ بْنِ جَنَابٍ الْكَلْبِيّ .

    [ مَا آثَرَ بِهِ قُصَيّ عَبْدَ الدّارِ ]
    قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَلَمّا كَبِرَ قُصَيّ وَرَقّ عَظْمُهُ وَكَانَ عَبْدُ الدّارِ بِكْرَهُ وَكَانَ عَبْدُ مَنَافٍ قَدْ شَرُفَ فِي زَمَانِ أَبِيهِ وَذَهَبَ كُلّ مَذْهَبٍ وَعَبْدُ الْعُزّى وَعَبْدٌ . قَالَ قُصَيّ لِعَبْدِ الدّارِ أَمَا وَاَللّهِ يَا بُنَيّ لِأُلْحِقَنّك بِالْقَوْمِ وَإِنْ كَانُوا قَدْ شَرُفُوا عَلَيْك : لَا يَدْخُلُ رَجُلٌ مِنْهُمْ الْكَعْبَةَ حَتّى تَكُونَ أَنْت تَفْتَحُهَا لَهُ وَلَا يَعْقِدُ لِقُرَيْشٍ لِوَاءً لِحَرْبِهَا إلّا أَنْت بِيَدِك ، وَلَا يَشْرَبُ أَحَدٌ بِمَكّةَ إلّا مِنْ سِقَايَتِك ، وَلَا يَأْكُلُ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْمَوْسِمِ طَعَامًا إلّا مِنْ طَعَامِك ، وَلَا تَقْطَعُ قُرَيْشٌ [ ص 130 ] دَارِك . فَأَعْطَاهُ دَارَهُ دَارَ النّدْوَةِ ، الّتِي لَا تَقْضِي قُرَيْشٌ أَمْرًا مِنْ أُمُورِهَا إلّا فِيهَا ، وَأَعْطَاهُ الْحِجَابَةَ وَاللّوَاءَ وَالسّقَايَةَ وَالرّفَادَةَ .

    [ الرّفَادَةُ ]
    وَكَانَتْ الرّفَادَةُ خَرْجًا تُخْرِجُهُ قُرَيْشٌ فِي كُلّ مَوْسِمٍ مِنْ أَمْوَالِهَا إلَى قُصَيّ بْنِ كِلَابٍ ، فَيَصْنَعُ بِهِ طَعَامًا لِلْحَاجّ فَيَأْكُلُهُ مَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ سَعَةٌ وَلَا زَادٌ . وَذَلِك أَنّ قُصَيّا فَرَضَهُ عَلَى قُرَيْشٍ ، فَقَالَ لَهُمْ حِينَ أَمَرَهُمْ بِهِ " يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ ، إنّكُمْ جِيرَانُ اللّهِ وَأَهْلُ بَيْتِهِ وَأَهْلُ الْحَرَمِ ، وَإِنّ الْحَاجّ ضَيْفُ اللّهِ وَزُوّارُ بَيْتِهِ وَهُمْ أَحَقّ الضّيْفِ بِالْكَرَامَةِ فَاجْعَلُوا لَهُمْ طَعَامًا وَشَرَابًا أَيّامَ الْحَجّ حَتّى يَصْدُرُوا عَنْكُمْ فَفَعَلُوا . فَكَانُوا يُخْرِجُونَ لِذَلِك كُلّ عَامٍ مِنْ أَمْوَالِهِمْ خَرْجًا فَيَدْفَعُونَهُ إلَيْهِ فَيَصْنَعُهُ طَعَامًا لِلنّاسِ أَيّامَ مِنًى . فَجَرَى ذَلِكَ مِنْ أَمْرِهِ فِي الْجَاهِلِيّةِ عَلَى قَوْمِهِ حَتّى قَامَ الْإِسْلَامُ ثُمّ جَرَى فِي الْإِسْلَامِ إلَى يَوْمِك هَذَا . فَهُوَ الطّعَامُ الّذِي يَصْنَعُهُ السّلْطَانُ كُلّ عَامٍ . بِمَنَى لِلنّاسِ حَتّى يَنْقَضِيَ الْحَجّ " . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : حَدّثَنِي بِهَذَا مِنْ أَمْرِ قُصَيّ بْنِ كِلَابٍ ، وَمَا قَالَ لِعَبْدِ الدّارِ فِيمَا دُفِعَ إلَيْهِ مِمّا كَانَ بِيَدِهِ أَبِي إسْحَاقُ بْنُ يَسَارٍ ، عَنْ الْحَسَنِ بْنِ مُحَمّدِ بْنِ عَلِيّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ قَالَ سَمِعْته يَقُولُ ذَلِكَ لِرَجُلِ مِنْ بَنِي عَبْدِ الدّارِ يُقَالُ لَهُ نُبَيْهُ بْنُ وَهْبِ بْنِ عَامِرِ بْنِ عِكْرِمَةَ بْنِ عَامِرِ بْنِ هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ عَبْدِ الدّارِ بْنِ قُصَيّ . قَالَ الْحَسَنُ فَجَعَلَ إلَيْهِ قُصَيّ كُلّ مَا كَانَ بِيَدِهِ مِنْ أَمْرِ قَوْمِهِ وَكَانَ قُصَيّ لَا يُخَالَفُ وَلَا يُرَدّ عَلَيْهِ شَيْءٌ صَنَعَهُ .

    [ ذِكْرُ مَا جَرَى مِنْ اخْتِلَافِ قُرَيْشٍ بَعْدَ قُصَيّ وَحِلْفِ الْمُطَيّبِينَ ]
    قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : ثُمّ إنّ قُصَيّ بْنَ كِلَابٍ هَلَكَ فَأَقَامَ أَمْرَهُ فِي قَوْمِهِ وَفِي غَيْرِهِمْ بَنُوهُ مِنْ بَعْدِهِ فَاخْتَطّوا مَكّةَ رِبَاعًا - بَعْدَ الّذِي كَانَ قَطَعَ [ ص 131 ] فَكَانُوا يَقْطَعُونَهَا فِي قَوْمِهِمْ وَفِي غَيْرِهِمْ مِنْ حُلَفَائِهِمْ وَيَبِيعُونَهَا ؛ فَأَقَامَتْ عَلَى ذَلِكَ قُرَيْشٌ مَعَهُمْ لَيْسَ بَيْنَهُمْ اخْتِلَافٌ وَلَا تَنَازُعٌ ثُمّ إنّ بَنِي عَبْدِ مَنَافِ بْنِ قُصَيّ عَبْدَ شَمْسٍ وَهَاشِمًا وَالْمُطّلِبَ وَنَوْفَلًا أَجَمَعُوا عَلَى أَنْ يَأْخُذُوا مَا بِأَيْدِي بَنِي عَبْدِ الدّارِ بْنِ قُصَيّ مِمّا كَانَ قُصَيّ جَعَلَ إلَى عَبْدِ الدّارِ مِنْ الْحِجَابَةِ وَاللّوَاءِ وَالسّقَايَةِ وَالرّفَادَةِ وَرَأَوْا أَنّهُمْ أَوْلَى بِذَلِكَ مِنْهُمْ لِشَرَفِهِمْ عَلَيْهِمْ وَفَضْلِهِمْ فِي قَوْمِهِمْ فَتَفَرّقَتْ عِنْدَ ذَلِكَ قُرَيْشٌ ، فَكَانَتْ طَائِفَةٌ مَعَ بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ عَلَى رَأْيِهِمْ يَرَوْنَ أَنّهُمْ أَحَقّ بِهِ مِنْ بَنِي عَبْدِ الدّارِ لِمَكَانِهِمْ فِي قَوْمِهِمْ وَكَانَتْ طَائِفَةٌ مَعَ بَنِي عَبْدِ الدّارِ يَرَوْنَ أَنْ لَا يُنْزَعَ مِنْهُمْ مَا كَانَ قُصَيّ جَعَلَ إلَيْهِمْ .

    [ مَنْ نَاصَرُوا بَنِي عَبْدِ الدّارِ وَمَنْ نَاصَرُوا بَنِي أَعْمَامِهِمْ ]
    فَكَانَ صَاحِبَ أَمْرِ بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ عَبْدُ شَمْسِ بْنُ عَبْدِ مَنَافٍ وَذَلِك أَنّهُ كَانَ أَسَنّ بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ وَكَانَ صَاحِبَ أَمْرِ بَنِي عَبْدِ الدّارِ عَامِرُ بْنُ هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ عَبْدِ الدّارِ . فَكَانَ بَنُو أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزّى بْنِ قُصَيّ ، وَبَنُو زُهْرَةَ بْنِ كِلَابٍ ، وَبَنُو تَيْمِ بْنِ مُرّةَ بْنِ كَعْبٍ ، وَبَنُو الْحَارِثِ بْنِ فِهْرِ بْنِ مَالِكِ بْنِ النّضْرِ ، مَعَ بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ . وَكَانَ بَنُو مَخْزُومِ بْنِ يَقَظَةَ بْنِ مُرّةَ ، وَبَنُو سَهْمِ بْنِ عَمْرِو بْنِ هُصَيْصِ بْنِ كَعْبٍ ، وَبَنُو جُمَحَ بْنِ عَمْرِو بْنِ هُصَيْصِ بْنِ كَعْبٍ ، وَبَنُو عَدِيّ بْنِ كَعْبٍ ، مَعَ بَنِي عَبْدِ الدّارِ وَخَرَجَتْ عَامِرُ بْنُ لُؤَيّ وَمُحَارِبُ بْنُ فِهْرٍ ، فَلَمْ يَكُونُوا مَعَ وَاحِدٍ مِنْ الْفَرِيقَيْنِ . فَعَقَدَ كُلّ قَوْمٍ عَلَى أَمْرِهِمْ حِلْفًا مُؤَكّدًا عَلَى أَنْ لَا يَتَخَاذَلُوا ، وَلَا يُسَلّمُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا مَا بَلّ بَحْرَ صُوفَةَ . [ ص 132 ]

    [ مَنْ دَخَلُوا فِي حِلْفِ الْمُطَيّبِينَ ]
    فَأَخْرَجَ بَنُو عَبْدِ مَنَافٍ جَفْنَةً مَمْلُوءَةً طِيبًا . فَيَزْعُمُونَ أَنّ بَعْضَ نِسَاءِ بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ أَخْرَجَتْهَا لَهُمْ فَوَضَعُوهَا لِأَحْلَافِهِمْ فِي الْمَسْجِدِ عِنْدَ الْكَعْبَةِ ، ثُمّ غَمَسَ الْقَوْمُ أَيْدِيَهُمْ فِيهَا ، فَتَعَاقَدُوا وَتَعَاهَدُوا هُمْ وَحَلْفَاؤُهُمْ ثُمّ مَسَحُوا الْكَعْبَةَ بِأَيْدِيهِمْ تَوْكِيدًا عَلَى أَنْفُسِهِمْ فَسُمّوا الْمُطَيّبِينَ .

    [ مَنْ دَخَلُوا فِي حِلْفِ الْأَحْلَافِ ]
    وَتَعَاقَدَ بَنُو عَبْدِ الدّارِ وَتَعَاهَدُوا هُمْ وَحُلَفَاؤُهُمْ عِنْدَ الْكَعْبَةِ حِلْفًا مُؤَكّدًا ، عَلَى أَنْ لَا يَتَخَاذَلُوا وَلَا يُسَلّمُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا ، فَسُمّوا الْأَحْلَافَ .

    [ تَوْزِيعُ الْقَبَائِلِ فِي الْحَرْبِ ]
    ثُمّ سُونِدَ بَيْنَ الْقَبَائِلِ وَلُزّ بَعْضُهَا بِبَعْضِ فَعُبّيَتْ بَنُو عَبْدِ مَنَافٍ لِبَنِي سَهْمٍ ، وَعُبّيَتْ بَنُو أَسَد ٍ لِبَنِي عَبْدِ الدّارِ وَعُبّيَتْ زُهْرَةُ لِبَنِي جُمَحَ وَعُبّيَتْ بَنُو تَيْمٍ لِبَنِي مَخْزُومٍ وَعُبّيَتْ بَنُو الْحَارِثِ بْنِ فِهْرِ لِبَنِي عَدّي بْنِ كَعْبٍ . ثُمّ قَالُوا : لِتُفْنَ كُلّ قَبِيلَةٍ مَنْ أُسْنِدَ إلَيْهَا .

    [ مَا تَصَالَحَ الْقَوْمُ عَلَيْهِ ]
    فَبَيْنَا النّاسُ عَلَى ذَلِكَ قَدْ أَجَمَعُوا لِلْحَرْبِ إذْ تَدَاعَوْا إلَى الصّلْحِ عَلَى أَنْ يُعْطُوا بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ السّقَايَةَ وَالرّفَادَةَ وَأَنْ تَكُونَ الْحِجَابَةُ وَاللّوَاءُ وَالنّدْوَةُ لِبَنِي عَبْدِ الدّارِ كَمَا كَانَتْ . فَفَعَلُوا وَرَضِيَ كُلّ وَاحِدٍ مِنْ الْفَرِيقَيْنِ بِذَلِكَ وَتَحَاجَزَ النّاسُ عَنْ الْحَرْبِ وَثَبَتَ كُلّ قَوْمٍ مَعَ مَنْ حَالَفُوا ، فَلَمْ يَزَالُوا عَلَى ذَلِكَ حَتّى جَاءَ اللّهُ تَعَالَى بِالْإِسْلَامِ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَا كَانَ مِنْ حِلْفٍ فِي الْجَاهِلِيّةِ فَإِنّ الْإِسْلَامَ لَمْ يَزِدْهُ إلّا شِدّةً [ ص 133 ]

    [ حِلْفُ الْفُضُولِ ]
    قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَأَمّا حِلْفُ الْفُضُولِ فَحَدّثَنِي زِيَادُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ الْبَكّائِيّ عَنْ مُحَمّدِ بْنِ إسْحَاقَ قَالَ تَدَاعَتْ قَبَائِلُ مِنْ قُرَيْشٍ إلَى حِلْفٍ فَاجْتَمَعُوا لَهُ فِي دَارِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ جُدْعَانَ بْنِ عَمْرِو بْنِ كَعْبِ بْنِ سَعْدِ بْنِ تَيْمِ بْنِ مُرّةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيّ ، لِشَرَفِهِ وَسِنّهِ فَكَانَ حِلْفُهُمْ عِنْدَهُ بَنُو هَاشِمٍ ، وَبَنُو الْمُطّلِبِ ، وَأَسَدُ بْنُ عَبْدِ الْعُزّى . وَزُهْرَةُ بْنُ كِلَابٍ ، وَتَيْمُ بْنُ مُرّةَ فَتَعَاقَدُوا وَتَعَاهَدُوا عَلَى أَنْ لَا يَجِدُوا بِمَكّةَ مَظْلُومًا ْ [ ص 134 ] دَخَلَهَا مِنْ سَائِرِ النّاسِ إلّا قَامُوا مَعَهُ وَكَانُوا عَلَى مَنْ ظَلَمَهُ حَتّى تُرَدّ عَلَيْهِ مَظْلِمَتُهُ فَسَمّتْ قُرَيْشٌ ذَلِكَ الْحِلْفَ حِلْفَ الْفُضُولِ .

    [ حَدِيثُ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَنْ حِلْفِ الْفُضُولِ ]
    قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَحَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ زَيْدِ بْنِ الْمُهَاجِرِ بْنِ قُنْفُذٍ التّيْمِيّ أَنّهُ سَمِعَ طَلْحَةَ بْنَ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عَوْفِ الزّهْرِيّ يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَقَدْ شَهِدْت فِي دَارِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ جُدْعَانَ حِلْفًا مَا أُحِبّ أَنّ لِي بِهِ حُمْرَ النّعَمِ وَلَوْ أُدْعَى بِهِ فِي الْإِسْلَامِ لَأَجَبْت

    [ نَازَعَ الْحُسَيْنُ الْوَلِيدَ فِي حَقّ وَهَدّدَ بِالدّعْوَةِ إلَى حِلْفِ الْفُضُولِ ]
    قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي يَزِيدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أُسَامَةَ بْنِ الْهَادِي اللّيْثِيّ أَنّ مُحَمّدَ بْنَ إبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَارِثِ التّيْمِيّ حَدّثَهُ أَنّهُ كَانَ بَيْنَ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمَا ، وَبَيْنَ الْوَلِيدِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ . وَالْوَلِيدُ يَوْمَئِذٍ أَمِيرٌ عَلَى الْمَدِينَةِ أَمّرَهُ عَلَيْهَا عَمّهُ مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ [ ص 135 ] مُنَازَعَةً فِي مَالٍ كَانَ بَيْنَهُمَا بِذِي الْمَرْوَةِ . فَكَانَ الْوَلِيدُ تَحَامَلَ عَلَى الْحُسَيْنِ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ فِي حَقّهِ لِسُلْطَانِهِ فَقَالَ لَهُ الْحُسَيْنُ أَحْلِفُ بِاَللّهِ لَتُنْصِفَنّي مِنْ حَقّي أَوْ لَآخُذَن سَيْفِي ، ثُمّ لَأَقُومَن فِي مَسْجِد رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ثُمّ لَأَدْعُوَن بِحِلْفِ الْفُضُولِ . قَالَ فَقَالَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ الزّبَيْرِ ، وَهُوَ عِنْدَ الْوَلِيدِ حِينَ قَالَ الْحُسَيْنُ رَضِيَ اللّه عَنْهُ مَا قَالَ وَأَنَا أَحْلِفُ بِاَللّهِ لَئِنْ دَعَا بِهِ لَآخُذَن سَيْفِي ، ثُمّ لَأَقُومَن مَعَهُ حَتّى يُنْصَفَ مِنْ حَقّهِ أَوْ نَمُوتَ جَمِيعًا . قَالَ فَبَلّغْت الْمِسْوَرَ بْنَ مَخْرَمَةَ بْنَ نَوْفَلٍ الزّهْرِيّ ، فَقَالَ مِثْلَ ذَلِكَ وَبَلّغْت عَبْدَ الرّحْمَنِ بْنَ عُثْمَانَ بْنِ عُبَيْدِ اللّهِ التّيْمِيّ فَقَالَ مِثْلَ ذَلِكَ . فَلَمّا بَلَغَ ذَلِكَ الْوَلِيدَ بْنَ عُتْبَةَ أَنْصَفَ الْحُسَيْنَ مِنْ حَقّهِ حَتّى رَضِيَ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي يَزِيدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أُسَامَةَ بْنِ الْهَادِي اللّيْثِيّ عَنْ مُحَمّدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَارِثِ التّيْمِيّ قَالَ قَدِمَ مُحَمّدُ بْنُ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمِ بْنِ عَدِيّ بْنِ نَوْفَلِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ - وَكَانَ مُحَمّدُ بْنُ جُبَيْرٍ أَعْلَمَ قُرَيْشٍ - عَلَى عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ حِينَ قَتَلَ ابْنَ الزّبَيْرِ وَاجْتَمَعَ النّاسُ عَلَى عَبْدِ الْمَلِكِ فَلَمّا دَخَلَ عَلَيْهِ قَالَ لَهُ يَا أَبَا سَعِيدٍ أَلَمْ نَكُنْ نَحْنُ وَأَنْتُمْ يَعْنِي بَنِي عَبْدِ شَمْسِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ وَبَنِيّ نَوْفَلِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ فِي حِلْفِ الْفُضُولِ ؟ قَالَ أَنْتَ أَعْلَمُ قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ لِتُخْبِرَنّي يَا أَبَا سَعِيدٍ بِالْحَقّ مِنْ ذَلِكَ فَقَالَ لَا وَاَللّهِ لَقَدْ خَرَجْنَا نَحْنُ وَأَنْتُمْ مِنْهُ قَالَ صَدَقْت . تَمّ خَبَرُ حَلِفِ الْفُضُولِ .

    [ وِلَايَةُ هَاشِمٍ الرّفَادَةَ وَالسّقَايَةَ وَمَا كَانَ يَصْنَعُ إذَا قَدِمَ الْحَاجّ ]
    قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَوَلِيَ الرّفَادَةَ وَالسّقَايَةَ هَاشِمُ بْنُ عَبْدِ مَنَافٍ وَذَلِك أَنّ عَبْدَ شَمْسٍ كَانَ رَجُلًا سِفَارًا قَلّمَا يُقِيمُ بِمَكّةَ وَكَانَ مُقِلّا ذَا وَلَدٍ وَكَانَ هَاشِمٌ مُوسِرًا فَكَانَ - فِيمَا يَزْعُمُونَ - إذَا حَضَرَ الْحَاجّ قَامَ فِي قُرَيْشٍ فَقَالَ يَا مَعْشَرَ [ ص 136 ] قُرَيْشٍ ، إنّكُمْ جِيرَانُ اللّهِ وَأَهْلُ بَيْتِهِ وَإِنّهُ يَأْتِيكُمْ فِي هَذَا الْمَوْسِمِ زُوّارُ اللّهِ وَحُجّاجُ بَيْتِهِ . وَهُمْ ضَيْفُ اللّهِ وَأَحَقّ الضّيْفِ بِالْكَرَامَةِ ضَيْفُهُ فَاجْمَعُوا لَهُمْ مَا تَصْنَعُونَ لَهُمْ بِهِ طَعَامًا أَيّامَهُمْ هَذِهِ الّتِي لَا بُدّ لَهُمْ مِنْ الْإِقَامَةِ بِهَا ، فَإِنّهُ وَاَللّهِ لَوْ كَانَ مَالِي يَسَعُ لِذَلِك مَا كَلّفْتُكُمُوهُ فَيُخْرِجُونَ لِذَلِك خَرْجًا مِنْ أَمْوَالِهِمْ كُلّ امْرِئِ بِقَدْرِ مَا عِنْدَهُ فَيَصْنَعُ بِهِ لِلْحُجّاحِ طَعَامًا حَتّى يُصْدَرُوا مِنْهَا.

    [ شَيْءٌ مِنْ أَعْمَالِ هَاشِمٍ ]
    وَكَانَ هَاشِمٌ فِيمَا يَزْعُمُونَ أَوّلَ مَنْ سَنّ الرّحْلَتَيْنِ لِقُرَيْشِ رِحْلَتَيْ الشّتَاءِ وَالصّيْفِ وَأَوّلَ مَنْ أَطْعَمَ الثّرِيدَ بِمَكّةَ وَإِنّمَا كَانَ اسْمُهُ عَمْرًا ، فَمَا سُمّيَ هَاشِمًا إلّا بِهَشْمِهِ الْخُبْزَ بِمَكّةَ لِقَوْمِهِ . فَقَالَ شَاعِرٌ مِنْ قُرَيْشٍ أَوْ مِنْ بَعْضِ الْعَرَبِ :
    عَمْرُو الّذِي هَشَمَ الثّرِيدَ لِقَوْمِهِ ... قَوْمٌ بِمَكّةَ مُسْنِتِينَ عِجَافِ
    سُنّتْ إلَيْهِ الرّحْلَتَانِ كِلَاهُمَا ... سَفَرُ الشّتَاءِ وَرِحْلَةُ الْأَصْيَافِ
    قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : أَنْشَدَنِي بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالشّعْرِ مِنْ أَهْلِ الْحِجَازِ : قَوْمٌ بِمَكّةَ مُسْنِتِينَ عِجَافِ [ ص 137 ]

    [ وِلَايَةُ الْمُطّلِبِ لِلرّفَادَةِ وَالسّقَايَةِ ]
    قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : ثُمّ هَلَكَ هَاشِمُ بْنُ عَبْدِ مَنَافٍ بِغَزّةَ مِنْ أَرْضِ الشّامِ تَاجِرًا ، فَوَلِيَ السّقَايَةَ وَالرّفَادَةَ مِنْ بَعْدِهِ الْمُطّلِبُ بْنُ عَبْدِ مَنَافٍ ، وَكَانَ أَصْغَرَ مِنْ عَبْدِ شَمْسٍ وَهَاشِمٍ وَكَانَ ذَا شَرَفٍ فِي قَوْمِهِ وَفَضْلٍ وَكَانَتْ قُرَيْشٌ إنّمَا تُسَمّيهِ الْفَيْضَ لِسَمَاحَتِهِ وَفَضْلِهِ .

    من أَوْلَادُ إسْمَاعِيلَ بِمَكّةَ إلى وِلَايَةُ الْمُطّلِبِ لِلرّفَادَةِ وَالسّقَايَةِ Fasel10

    كتاب : السيرة النبوية لابن هشام
    المؤلف : أبو محمد عبد الملك بن هشام البصري
    منتديات الرسالة الخاتمة - البوابة
    من أَوْلَادُ إسْمَاعِيلَ بِمَكّةَ إلى وِلَايَةُ الْمُطّلِبِ لِلرّفَادَةِ وَالسّقَايَةِ E110


      الوقت/التاريخ الآن هو الخميس مارس 28, 2024 12:58 pm