منتدى نافذة ثقافية

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

    تابع الحديث الحادي والثلاثون

    بص وطل
    بص وطل
    Admin


    عدد المساهمات : 2283
    تاريخ التسجيل : 29/04/2014

    تابع الحديث الحادي والثلاثون Empty تابع الحديث الحادي والثلاثون

    مُساهمة من طرف بص وطل الإثنين مايو 22, 2017 4:33 pm

    تابع الحديث الحادي والثلاثون Game10

    بّسم الله الرّحمن الرّحيم
    مكتبة الحديث الشريف
    جامع العلوم والحكم
    تابع الحديث الحادي والثلاثون 1410
    ● [ تابع الحديث الحادي والثلاثون ] ●

    عَنْ سهلِ بنِ سعْدٍ السَّاعِديِّ قال : جاءَ رجُلٌ إلى النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - فقالَ : يا رَسولَ الله دُلَّني عَلى عَمَلٍ إذا عَمِلْتُهُ أَحَبَّنِي الله ، وأحَبَّنِي النَّاسُ ، فقال : ( ازهَدْ فِي الدُّنيا يُحِبَّكَ الله ، وازهَدْ فيمَا في أيدي النَّاسِ يُحبَّكَ النَّاسُ ) . حديثٌ حسنٌ رَواهُ ابنُ ماجه (1) وغيرُهُ بأسانِيدَ حَسَنةٍ.
    وقد اختلف العلماء : أيُّما أفضلُ : من طلبَ الدُّنيا منَ الحلال ، ليصل رحمَه ، ويقدِّم منها لنفسه ، أم من تركها فلم يطلبها بالكُليَّة ؟ فرجَّحت طائفةٌ من تركها وجانبها ، منهم : الحسن وغيره ، ورجَّحت طائفةٌ من طلبها على ذلك الوجه ، منهم : النخعي وغيره ، وروي عن الحسن عنه نحوه.
    والزَّاهدون في الدُّنيا بقلوبهم لهم ملاحظُ ومشاهدُ يشهدونها ، فمنهم من يشهدُ كثرةَ التَّعب بالسَّعي في تحصيلها ، فهو يزهدُ فيها قصداً لراحةِ نفسه . قال الحسن : الزُّهد في الدُّنيا يُريح القلب والبدن.
    ومنهم من يخافُ أنْ ينقصَ حظُّه من الآخرة بأخذ فضولِ الدُّنيا . ومنهم من يخافُ من طُولِ الحساب عليها ، قال بعضهم : من سأل الله الدُّنيا ، فإنَّما يسأل طولَ الوُقوفِ للحساب.
    ومنهم من يشهدُ كثرةَ عُيوبِ الدُّنيا ، وسرعة تقلُّبها وفنائها ، ومزاحمةَ الأراذِلِ في طلبها ، كما قيل لبعضهم : ما الذي زهَّدكَ في الدُّنيا ؟ قالَ : قلَّةُ وفائها ، وكثرةُ جفائها ، وخسة شُركائها.
    ومنهم من كان ينظر إلى حقارةِ الدُّنيا عند الله ، فيقذرها ، كما قال الفضيلُ : لو أنَّ الدُّنيا بحذافيرها عرضت عليَّ حلالاً لا أحاسب بها في الآخرة ، لكنت أتقذرها كما يتقذر الرَّجلُ الجيفةَ إذا مرَّ بها أنْ تصيبَ ثوبه.
    ومنهم من كان يخافُ أنْ تشغلَه عن الاستعدادِ للآخرة والتزوُّدِ لها . قال الحسن : إنْ كان أحدهم ليعيش عمره مجهوداً شديدَ الجهد ، والمالُ الحلال إلى جنبه ، يقال له : ألا تأتي هذا فتُصيب منه ؟ فيقول : لا والله لا أفعل ، إنِّي أخافُ أنْ آتيه ، فأصيبَ منه ، فيكون فسادَ قلبي وعملي.
    وبُعِثَ إلى عمر بن المنكدر بمالٍ ، فبكى ، واشتدَّ بكاؤه ، وقال : خشيت أنْ تغلب الدُّنيا على قلبي ، فلا يكون للآخرة فيه نصيب ، فذلك الذي أبكاني ، ثم أمر به ، فتُصُدِّقَ به على فقراء أهل المدينة.
    وخواص هؤلاء يخشى أنْ يشتغلَ بها عن اللهِ ، كما قالت رابعة : ما أحبُّ أنَّ لي الدُّنيا كلَّها مِنْ أوَّلها إلى آخرها حلالاً ، وأنا أنفقُها في سبيل الله ، وأنَّها شغلتني عنِ الله طرفةَ عينٍ.
    وقال أبو سليمان : الزهد ترك ما يشغل عن الله. وقال : كلُّ ما شغلك عن اللهِ مِنْ أهلٍ ومالٍ وولدٍ ، فهو مشؤوم.
    وقال : أهلُ الزُّهد في الدُّنيا على طبقتين : منهم من يزهدُ في الدُّنيا ، فلا يُفْتَحُ له فيها روح الآخرة ، ومنهم من إذا زَهِدَ فيها ، فُتحَ له فيها روحُ الآخرة، فليس شيءٌ أحبَّ إليه من البقاء ليطيع الله.
    وقال : ليس الزاهد من ألقى همومَ الدُّنيا ، واستراح منها ، إنَّما الزَّاهد من زَهِدَ في الدُّنيا ، وتعب فيها للآخرة.
    فالزُّهد في الدُّنيا يُرادُ به تفريغُ القلب منَ الاشتغال بها ؛ ليتفرَّغ لِطلب الله ، ومعرفته ، والقرب منه ، والأُنس به ، والشَّوقِ إلى لقائه ، وهذه الأمورُ ليست مِنَ الدُّنيا كما كان النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - يقول : ( حُبِّبَ إلي من دُنياكم النِّساءُ والطِّيبُ ، وجُعلت قرَّةُ عيني في الصَّلاة )، ولم يجعل الصَّلاةَ ممَّا حُبِّبَ إليه مِنَ الدُّنيا ، كذا في
    " المسند " و" النسائي "، وأظنُّه وقع في غيرهما : ( حبِّبَ إليَّ من دنياكم ثلاث )، فأدخل الصلاة في الدُّنيا ، ويشهدُ لذلك حديث : ( الدُّنيا ملعونةٌ ، ملعونٌ ما فيها ، إلاَّ ذكر الله وما والاه ، أو عالماً أو متعلماً ) خرَّجه ابن ماجه والترمذي، وحسَّنه من حديث أبي هريرة مرفوعاً . وروي نحوه من غير وجه مرسلاً ومتصلاً.
    وخرَّج الطبراني من حديث أبي الدرداء مرفوعاً قال : ( الدُّنيا ملعونةٌ ، ملعونٌ ما فيها إلا ما ابتُغِيَ به وجه الله ) . وخرَّجه ابنُ أبي الدُّنيا موقوفاً ، وخرَّجه أيضاً من رواية شهر بن حوشب، عن عبادة ، أراه رفعه ، قال
    : ( يُؤتى بالدُّنيا يومَ القيامة ، فيقال : مِيزوا منها ما كان لله - عز وجل - ، وألقوا سائرها في النار ).
    فالدُّنيا وكلُّ ما فيها ملعونة ، أي : مُبعدَةٌ عن الله ؛ لأنَّها تَشغلُ عنه ، إلاَّ العلمَ النَّافع الدَّالَّ على الله ، وعلى معرفته ، وطلب قُرْبِه ورضاه ، وذكر الله وما والاه ممَّا يُقَرِّبُ مِنَ الله ، فهذا هو المقصودُ مِنَ الدُّنيا ، فإنَّ الله إنَّما أمرَ عبادَه بأنْ يتَّقوه ويُطيعوه ، ولازِمُ ذلك دوامُ ذكره ، كما قال ابن مسعود : تقوى الله حقّ تقواه أنْ يُذكَرَ فلا يُنسى. وإنَّما شرعَ الله أقام الصَّلاةِ لذكره ، وكذلك الحج والطَّواف . وأفضلُ أهل العبادات أكثرُهم ذكراً لله فيها ، فهذا كلُّه ليس مِنَ الدُّنيا المذمومة ، وهو المقصودُ من إيجاد الدُّنيا وأهلها ، كما قال تعالى : { وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ }.
    وقد ظنَّ طوائفُ مِنَ الفقهاء والصُّوفيَّة أنَّ ما يُوجدُ في الدُّنيا مِنْ هذه العبادات أفضلُ ممَّا يُوجد في الجنَّة مِنَ النَّعيم ، قالوا : لأنَّ نعيمَ الجنَّةِ حقُّ العبد ، والعباداتُ في الدُّنيا حقُّ الربِّ ، وحقُّ الربِّ أفضلُ من حظِّ العبد ، وهذا غلطٌ ، ويقوِّي غلطَهم قولُ كثيرٍ من المفسِّرين في قوله : { مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا } قالوا : الحسنةُ : لا إله إلا الله ، وليس شيءٌ خيراً منها . ولكنَّ الكلامَ على التَّقديم والتَّأخير ، والمراد : فله منها خيرٌ ، أي : له خيرٌ بسببها ولأجلها.
    والصَّوابُ إطلاقُ ما جاءت به نصوصُ الكتاب والسُّنة أنَّ الآخرة خيرٌ مِنَ الأُولى مطلقاً . وفي " صحيح الحاكم " عن المستورد بن شدَّادٍ ، قال : كنَّا عندَ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، فتذاكروا الدُّنيا والآخرة ، فقال بعضهم : إنَّما الدُّنيا بلاغٌ للآخرة ، وفيها العمل ، وفيها الصلاةُ ، وفيها الزَّكاةُ . وقالت طائفة منهم : الآخرةُ فيها الجنَّةُ ، وقالوا ما شاء الله ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( ما الدُّنيا في الآخرة إلاَّ كما يَمشي أحدكم إلى اليمِّ ، فأدخل إصبعه فيه ، فما خرج منه ، فهو الدُّنيا ) ، فهذا نصٌّ بتفضيل الآخرة على الدُّنيا ، وما فيها من الأعمال.
    ووجه ذلك : أنَّ كمالَ الدُّنيا إنَّما هو في العلم والعمل ، والعلمُ مقصودُ الأعمالِ ، يتضاعف في الآخرة بما لا نسبةَ لِمَا في الدُّنيا إليه ، فإنَّ العلم أصلُه العلمُ بالله وأسمائه وصفاته ، وفي الآخرة ينكشفُ الغِطاءُ ، ويصيرُ الخبر عياناً ، ويصيرُ علمُ اليقين عينَ اليقين ، وتصيرُ المعرفةُ بالله رؤيةً له ومشاهدةً ، فأين هذا مما في الدُّنيا ؟
    وأما الأعمال البدنية ، فإنَّ لها في الدُّنيا مقصدين :
    أحدهما : اشتغالُ الجوارح بالطَّاعة ، وكدُّها بالعبادة.
    والثاني : اتِّصالُ القلوب بالله وتنويرُها بذكره.
    فالأوَّلُ قد رُفعَ عن أهل الجنَّة ، ولهذا رُوي أنَّهم إذا همُّوا بالسُّجودِ لله عند تجلِّيه لهم يقال لهم : ارفعوا رؤوسكم فإنَّكم لستم في دار مجاهدة.
    وأما المقصود الثاني ، فحاصلٌ لأهل الجنَّة على أكمل الوُجُوهِ وأتمِّها ، ولا نسبةَ لما حصل لقلوبهم في الدُّنيا من لطائف القُرْبِ والأنس والاتِّصال إلى ما يُشاهدونه في الآخرة عياناً ، فتتنعَّمُ قلوبُهم وأبصارُهم وأسماعُهم بقرْبِ الله ورؤيته ، وسماع كلامه ، ولاسيما في أوقات الصَّلوات في الدُّنيا ، كالجُمَع والأعياد ، والمقرَّبون منهم يحصلُ ذلك لهم كلَّ يومٍ مرَّتين بكرةً وعشياً في وقت صلاة الصُّبح وصلاة العصر ، ولهذا لمَّا ذكرَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - أنَّ أهل الجنَّةِ يرونَ ربَّهم حضَّ عقيب ذلك على المحافظة على صلاةِ العصر وصلاة الفجر ؛ لأنَّ وقت هاتين الصَّلاتين وقتٌ لرؤية خواصِّ أهلِ الجنَّةِ ربَّهم وزيارتهم لهُ ، وكذلك نعيمُ الذِّكر وتلاوةُ القرآن لا ينقطعُ عنهم أبداً ، فيُلهمون التَّسبيحَ كما يُلهمونَ النَّفسَ . قالَ ابنُ عيينة : لا إله إلا الله لأهلِ الجنَّة ، كالماء البارد لأهل الدُّنيا ، فأينَّ لذَّة الذِّكرِ للعارفين في الدُّنيا مِنْ لذَّتهم به في الجنَّة.
    فتبيَّن بهذا أن قوله : { مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا } على ظاهره ، فإنَّ ثواب كلمة التَّوحيد في الدُّنيا أنْ يصِلَ صاحبها إلى قولها في الجَنَّةِ على الوجه الذي يختصُّ به أهل الجنّةِ.
    وبكلِّ حال ، فالذي يحصُلُ لأهلِ الجنَّةِ مِنْ تفاصيل العلم بالله وأسمائه وصفاته وأفعاله ، ومن قُربه ومشاهدته ولذَّةِ ذكره ، هو أمرٌ لا يمكنُ التَّعبيرُ عن كُنهه في الدُّنيا ؛ لأنَّ أهلها لم يُدرِكوه على وجهه ، بل هو ممَّا لا عينٌ رأت ، ولا أُذنٌ سمعت ، ولا خطر على قلب بشرٍ ، والله تعالى المسؤول أنْ لا يَحْرِمنا خيرَ ما عنده بشرِّ ما عندنا بمنِّه وكرمه ورحمته آمين.
    ولنرجع إلى شرح حديث : ( ازهد في الدُّنيا يحبَّك الله )، فهذا الحديثُ يدلُّ على أنَّ الله يحبُّ الزاهدين في الدُّنيا ، قال بعض السَّلف : قال الحواريون لعيسى - عليه السلام - : يا روحَ الله ، علِّمنا عملاً واحداً يُحبُّنا الله - عز وجل - عليهِ ، قالَ : أبغِضُوا الدُّنيا يحبكُم الله - عز وجل -.
    وقد ذمَّ الله تعالى من يحبُّ الدُّنيا ويؤثِرُها على الآخرة ، كما قال : { كَلاَّ بَلْ تُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ وَتَذَرُونَ الآخِرَةَ }، وقال : { وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبّاً جَمّاً }، وقال : { وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ }، والمراد حبُّ المال ، فإذا ذمَّ من أحبَّ الدُّنيا دلَّ على مدحِ مَنْ لا يحبُّها ، بل يرفُضها ويترُكُها.
    وفي " المسند " و" صحيح ابن حبان " عن أبي موسى ، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، قال : ( من أحبَّ دُنياه أضرَّ بآخرته ، ومن أحبَّ آخرتَه ، أضرَّ بدُنياه ، فآثروا ما يبقى على ما يفنى ).
    وفي " المسند " و" سنن ابن ماجه " عن زيد بن ثابت ، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، قال : ( من كانت الدُّنيا همه ، فرَّق الله عليه أمره ، وجعل فقرَه بين عينيه ، ولم يأته من الدُّنيا إلا ما كُتب له ، ومن كانت الآخرة نيَّتَه ، جمعَ الله له أمره ، وجعل غناه في قلبه ، وأتته الدُّنيا وهي راغمةٌ ) . وخرَّجه الترمذي من حديث أنس
    مرفوعاً بمعناه.
    ومن كلام جندب بن عبد الله الصَّحابي : حبُّ الدُّنيا رأسُ كلِّ خطيئةٍ، وروي مرفوعاً ، ورُوي عن الحسن مرسلاً.
    قال الحسن : من أحبَّ الدُّنيا وسرَّته ، خرج حبُّ الآخرة من قلبه.
    وقال عونُ بن عبد الله : الدُّنيا والآخرةُ في القلب ككفَّتي الميزان بِقَدْرِ ما ترجحُ إحداهُما تخِفُّ الأخرى.
    وقال وهب : إنَّما الدُّنيا والآخرة كرجلٍ له امرأتانِ : إنْ أرضى إحداهما أسخط الأخرى.
    وبكلِّ حالٍ ، فالزُّهد في الدُّنيا شعارُ أنبياءِ الله وأوليائه وأحبَّائه ، قال عمرو بن العاص : ما أبعدَ هديكُم مِنْ هدي نبيِّكم - صلى الله عليه وسلم - ، إنّه كان أزهدَ النَّاس في الدُّنيا ، وأنتم أرغبُ الناس فيها ، خرَّجه الإمام أحمد.
    وقال ابن مسعود لأصحابه : أنتم أكثرُ صوماً وصلاةً وجهاداً من أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - ، وهُمْ كانوا خيراً منكم ، قالوا : وكيف ذلك ؟ قال : كانوا أزهدَ منكم في الدُّنيا ، وأرغب منكم في الآخرة.
    وقال أبو الدَّرداء : لَئِنْ حَلفتُمْ لِي على رجلٍ أنَّه أزهدُكم ، لأحلفنَّ لكم أنَّه خيرُكم. ويروى عن الحسن ، قال : قالوا : يا رسول الله ، من خيرُنا ؟ قال : ( أزهدُكم في الدُّنيا ، وأرغبُكم في الآخرة ) والكلام في هذا الباب يطولُ جداً . وفيما أشرنا إليه كفاية إنْ شاء الله تعالى.
    الوصية الثانية : الزهدُ فيما في أيدي الناس، وأنَّه موجبٌ لمحبَّة الناس. وروي عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - أنَّه وصَّى رجلاً ، فقالَ: ( ايأَسْ ممَّا في أيدي النَّاس تكُن غنياً ) خرَّجه الطبراني وغيره.
    ويروى من حديث سهل بن سعد مرفوعاً : ( شرف المؤمن قيامُه بالليل ، وعزُّه استغناؤُه عن الناسِ ).
    وقال الحسن : لا تزالُ كريماً على الناس ، أو لا يزالُ الناسُ يكرمُونَك ما لم تَعاطَ ما في أيديهم ، فإذا فعلتَ ذلك ، استخفُّوا بكَ ، وكرهوا حديثك ، وأبغضوك.
    وقال أيوب السَّختياني : لا يَنْبُلُ الرجلُ حتى تكونَ فيه خصلتان : العفَّةُ عمَّا في أيدي الناس ، والتجاوزُ عمّا يكون منهم.
    وكان عمر يقول في خطبته على المنبر : إنَّ الطمع فقر ، وإنَّ اليأس غنى ، وإنَّ الإنسانَ إذا أَيِسَ من الشيء استغنى عنه.
    وروي أنَّ عبد الله بن سلام لقيَ كعب الأحبار عند عمر ، فقال : يا كعب ، مَنْ أربابُ العلم ؟ قال : الذين يعملون به ، قال : فما يذهب بالعلم من قلوب العلماء بعد إذ حفظوه وعقلوه ؟ قال : يُذهبه الطمعُ ، وشرَهُ النفس ، وتطلبُ الحاجات إلى النَّاس ، قال : صدقت.
    وقد تكاثرت الأحاديثُ عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - بالأمر بالاستعفاف عن مسألة الناس والاستغناء عنهم ، فمن سألَ النّاس ما بأيديهم ، كرهوه وأبغضوه ؛ لأنَّ المال محبوبٌ لنفوس بني آدم ، فمن طلب منهم ما يحبُّونه ، كرهوه لذلك.
    وأما من كان يرى المِنَّة للسائل عليه ، ويرى أنَّه لو خرج له عن مُلكِه كُلِّه ، لم يفِ له ببذل سؤاله له وذِلَّته له ، أو كان يقول لأهله : ثِيابُكم على غيركم أحسن منها عليكم ، ودوابُّكم تحتَ غيركم أحسن منها تحتكم ، فهذا نادرٌ جداً من طباع بني آدم ، وقد انطوى بساطُ ذلك من أزمانٍ متطاولةٍ.
    وأما من زهد فيما في أيدي الناس ، وعفَّ عنهم ، فإنَّهم يحبُّونه ويُكرمونه لذلك ويسود به عليهم ، كما قال أعرابيٌّ لأهل البصرة : من سيِّدُ أهل هذه القرية ؟ قالوا : الحسن ، قال : بما سادهم ؟ قالوا : احتاجَ الناسُ إلى علمه ، واستغنى هو عن دنياهم، وما أحسن قول بعض السَّلف في وصف الدُّنيا وأهلها :
    وما هِيَ إلاَّ جِيفةٌ مستحيلةٌ ● عليها كلابٌ هَمُّهُنَّ اجتذابُها
    فإنْ تَجْتَنبها كنتَ سِلْماً لأهلها ● وإنْ تجتذبها نازعتك كِلابُها

    تابع الحديث الحادي والثلاثون Fasel10

    جامع العلوم والحكم لابن رجب الحنبلي
    منتدى ميراث الرسول
    صلى الله عليه وسلم
    تابع الحديث الحادي والثلاثون E110


      الوقت/التاريخ الآن هو الخميس نوفمبر 21, 2024 11:21 pm