بّسم الله الرّحمن الرّحيم
مختصر موسوعة المفاهيم العربية والإسلامية
الصادرة عن المجلس الأعلى للشئون الإسلامية
باق حرف الصاد حتى نهايته
مفهوم : الصحوة
الصحوة لغة : من الصحو، وهو ذهاب الغيم وارتفاع النهار، وذهاب السكر، وترك الباطل.(كما فى اللسان).
واصطلاحا : اليقظة، تصيب الفرد أو الأمة، بعد سنة وغفلة وتخلف وتراجع.
ويشيع إطلاقها -فى واقعنا المعاصر- على نزوع أمتنا إلى النهضة الإسلامية، بعد عصر التراجع الحضارى، الذى امتد تحت حكم العسكر المماليك والسلطنة العثمانية، وهى صحوة تجاهد على صعيدين ، وفى جبهتين:
1- صعيد وجبهة التخلف الذاتى الموروث عن حقبة التراجع الحضارى.
2- وصعيد وجبهة التحديات الغربية، التى تريد تهميش دور الأمة الإسلامية، وإلحاقها بالتبعية للغرب ، ليتأبد استغلال الغرب وهيمنته على عالم الإسلام.
ووصف هذه الصحوة بالإسلامية، إنما يأتى تمييزا لها عن مشاريع النهوض التى اختار أصحابها المذاهب والفلسفات الغربية مرجعية لدعوات النهوض ، ونماذج التحديث التى يبشرون بها ليبرالية، أو اشتراكية أو قومية.
فالصحوة الإسلامية: هى ذلك التيار العريض المتعدد الفصائل والمستويات الذى يسعى إلى تجديد الدين الإسلامى لتتجدد به دنيا المسلمين.
ولما كانت سنة الله سبحانه وتعالى فى مسارات الأمم والحضارات ، هى سنة الدورات التى تتداول فيها الأمم والحضارات فترات وحقب التقدم والتراجع ، والصعود والهبوط ، والنهوض والركود ، والحياة والموت ، وهى السنة التى أشار إليها القرآن الكريم بقوله تعالى: {وتلك الأيام نداولها بين الناس وليعلم الله الذين آمنوا ويتخذ منكم شهداء والله لا يحب الظالمين} آل عمران:140 ، {وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم} محمد:38 ، {ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض} البقرة:251 ، والتى بينها حديت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، الذى قال فيه (لا يلبث الجور بعدى إلا قليلا حتى يطلع ، فكلما طلع من الجور شىء ذهب من العدل مثله ،حتى يولد فى الجور من لم يعرف غيره ، ثم يأتى الله تبارك وتعالى بالعدل ، فكلما جاء من العدل شىء ذهب من الجور مثله ، حتى يولد فى العدل من لا يعرف غيره) (رواه أحمد).
فإذا كانت سنة الدورات هى التى تحكم مسارات الأمم والحضارات ، فإن هذه السنة تقتضى الصحوة، واليقظة، والتجديد ، خروجا من مراحل ودورات الغفلة، والتراجع ،والجمود، فصحوة التجديد هى الأخرى سنة من سنن الله فى الاجتماع الإنسانى وفى مسارات الحضارات ، وعن هذه الحقيقة ينبىء حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ، الذى قال فيه (يبعثا الله لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها) (رواه أبو داود).
وإذا كانت الحضارات الإنسانية هى مواضعات بشرية وإبداعات مدنية، لا توصف بالخلود ولا بالإطلاق ، ومن ثم يجوز عليها الموت وإخلاء الطريق لحضارات أخرى وارثة لأممها وشعوبها وتاريخها ، بمعنى أن سنة الصحوة والتجديد قد تأتى فى صورة تداول الحضارات ، لا بعثها وتجددها ، فإن الحضارة الإسلامية -وأيضا اللغة العربية- مع أنهما مواضعات بشرية وإبداعات إنسانية، هما استثناء من مصيرموت وفناء الحضارات واللغات ، وذلك لارتباطهما بالمطلق الدينى، وهو الإسلام الخالد والخاتم ، والقرآن الكريم الذى تعهد الله بحفظه بلسان عربى مبين.
ولذلك ، كانت الصحوة وكان التجديد سنة مطردة وقانونا لازما فى مسار الحضارة الإسلامية، يقودها إلى النهوض بعد كل ركود، وهذا هو الذى جعل حضارتنا الإسلامية -ومعها اللغة العربية- أطول الحضارات المعاصرة عمرا ، وأرسخها قدما على درب النهوض من العثرات ، وأكثرها استعصاء على فقدان الهوية والخصوصية، لارتباط ذلك فيها بالمطلق الدينى والخالد الإلهى، فهى إبداع مدنى بشرى، حفز إليه وصبغه وحدد معاييره الوضع الإلهى -المتمثل فى وحى الله ونبأ السماء العظيم- وتلك خصوصية لحضارتنا الإسلامية تفردت بها دون كل الحضارات.
وإذا كانت الحقبة المملوكية العثمانية، قد مثلت مرحلة التراجع فى مسيرة حضارتنا الإسلامية، فإن بواكير الصحوة الإسلامية قد بدأت فى بلادنا منذ أكثرمن قرنين من الزمان ، وفى استطاعة المؤرخ لهذه الصحوة
أن يتخذ من نداء الشيخ حسن العطار (1180-1250هـ /1711-1835م) أواخر القرن الثامن عشر الميلادى علامة على مرحلة التبلور لبواكير هذه الصحوة، ذلك النداء الذى قال فيه هذا الشيخ الرائد : إن بلادنا لابدأن تتغيز ويتجدد بها من العلوم والمعارف ما ليس فيها.
ولقد كان تلاميذ الشيخ حسن العطار وفى طليعتهم الشيخ رفاعة رافع الطهطاوى (1216-1290هـ /1801- 873م) الذين سعوا إلى تجديد "الذات الإسلامية" بالاحياء، وإلى الاستفادة من علوم المدنية الغربية -علوم الواقع والتمدن المدنى- بالتفاعل ، وليس بالمحاكاة والتقليد هم طلائع وجذور الصحوة الإسلامية الحديثة والمعاصرة.
فلما حدث وعاجل المد الاستعمارى الغربى مشروع النهضة الذى قاده محمد على باشا الكبير (1184-1265هـ / 770-1846م). والذى جسد إلى حد كبير فكر هذه الصحوة تسلم ريادة هذه الصحوة تيار الجامعة الإسلامية، الذى تبلور -شعبيا- عبر العالم الإسلامى حول جمال الدين الأفغانى (1254-1265هـ /1770-1849م) والذى كان الإمام محمد عبده المهندس الأول لمشروعه الفكرى النهوضى، والذى حملته إلى العالم الإسلامى -على امتداد أربعين عاما- مجلة (المنار) التى رأس تحريرها الإمام محمد رشيد رضا (1282-1354هـ /1865-1935م) ، ثم أسلم أمانة هذه الصحوة إلى الحركات والتنظيمات الإسلامية الحديثة -سواء منها تنظيمات الصفوة أو التنظيمات الجماهيرية- تلك التى نشأت عقب عموم بلوى الاستعمار الغريى للعالم الإسلامى إبان الحرب الاستعمارية العالمية الأولى (1332-1336هـ /1914-1918م) وبعد إسقاط الخلافة الإسلامية (1342هـ) ، ولأن هذه الصحوة كانت تواجه جناحى المأزق الحضارى: التخلف الموروث ، والزحف الاستعمارى الغربى، ولأنها قد سعت إلى الإحياء والتجديد الدينى، لبلورة معالم المشروع النهضوى العصرى، فى مواجهة الجمود والتقليد اللذين أوجدا "الفراغ الفكرى" فى بلادنا ، وهو الفراغ الذى سعى الاستعمار الغربى إلى ملئه بنموذجه الحضارى الوضعى العلمانى، فلقد كان تركيز هذه الصحوة على تجديد دين الإسلام لتتجدد به -وليس بالنموذج الغربى- دنيا المسلمين.
وهذه الحقيقة هى التى جعلت رفاعة الطهطاوى يدعو إلى إحياء الشريعة الإسلامية بالاجتهاد الجديد ، وإلى تقنين فقه معاملاتها ، ليحكم -بدلا من القانون الوضعى الفرنسى- حركة الاجتماع والاقتصاد والسياسة فى بلادنا "لأن بحر هذه الشريعة الغراء، على تفرع مشارعه ، لم يغادر من أمهات المسائل صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها وأحياها بالسقى والرى، ولقد انطلق الأفغانى من ذات الموقف -إسلامية الصحوة- فرفض أن نبدأ صحوتنا من حيث انتهى المشروع الغربى العلمانى، قائلا: "إنه لا ملجئ للشرقى فى بدايته أن يقف موقف الغربى فى نهايته" فالتمدن الغربى هو فى الحقيقة تمدن للبلاد التى نشأ فيها على نظام الطبيعة وسير الاجتماع الإنسانى، والإسلام هو السبب المفرد لسعادة الإنسان ، ومن طلب إصلاح الأمة بوسيلة سوى هذه ،فقد ركب بها شططا،ولا يزيدها إلا نحسا،ولا يكسبها إلا تعسا.
وعلى هذا الدرب فى إسلامية الصحوة سار الإمام محمد عبده ، الذى قال: "إن الإسلام دين وشرع ،وهو لم يدع ما لقيصر لقيصر وإنما كان من شأنه أن يحاسب قيصرعلى ماله ، ويأخذ على يديه فى عمله " فهو كمال للشخص.
ولم تتكف هذه الصحوة عند حدود الفكر والدعوة وإنما سلكت سبيل التنظيم ، لإبلاغ الرسالة، واستمرارية الدعوة، فعرفت مسيرتها تنظيمات: الحزب الوطنى الحر وجمعية العروة الوثقى وجمعية أم القرى، فى الثلث الأخير من القرن التاسع عشر، كما عرفت الحزب الوطنى الذى قاده مصطفى كامل (1291-1326هـ /1874-1908م) فى العقد الأول من القرن العشرين وهو الحزب الذى جمع فى دوائر الانتماء بين الوطنية وبين الجامعة الإسلامية.
وليس صحيحا ما يظنه البعض من أن الصحوة الإسلامية قد تمثلت فقط فى الحركات والتنظيمات الإسلامية، فأوسع وأعرض فصائل الصحوة الإسلامية هو التيار الشعبى، المستمسك بالهوية الإسلامية،
وفى مقدمة مؤسسات الصحوة الإسلامية الأزهر الشريف ، الذى ظل يرعى علوم الشريعة والعربية ويحرس الوجدان الإسلامى للأمة عبر تاريخها الطويل. فلقد سعى على هذا الطريق العديد من أعلام الفقه والقانون ، وكان الدكتور عبدالرازق السنهورى باشا (1313-1391هـ /1895-1971م) واحدا منهم ، جعل هذه المهمة مشروع حياته ، تأليفا وتطبيقا، مؤكدا أن دول الشرق لا يمكن أن تجتمع على شىء واحد غير الإسلام ، فالإسلام بالشرق والشرق بالإسلام.
وإذا كانت العقود الأخيرة قد شهدت تعاظم الصحوات الدينية، فى مختلف الديانات ، بعد أن فشلت مشاريع النهوض والتحديث اللادينية، فإن تعاظم الصحوة الإسلامية يستند إلى خصيصة إسلامية، ينفرد بها الإسلام عن غيره من الديانات ،هى منهاجه الشامل ، الذى يجعله بديلا حضاريا، وليس مجرد عقائد وعبادات.
وهكذا ارتبطت الصحوة الإسلامية بحلم الأمة فى النهوض ، والانعتاق من أسر التخلف الموروث ، ومن الهيمنة الاستعمارية والحضارية الغربية، منذ فجر هذه الصحوة وحتى الآن.
أ.د/ محمد عمارة
مفهوم : الصحة
الصحة اصطلاحا : تطور تعريف الصحة مع ارتقاء المستويات الاقتصادية والاجتماعية حتى أصبح كل ما من شأنه سلامة البدن (الجسم) والنفس والتوافق الاجتماعى.
وقد حرصت التعاليم الإسلامية على التنبيه على أهمية الصحة ففى الحديث الشريف: " المؤمن القوى خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفى كل خير ".
وفى حديث آخر ينصح الرسول صلى الله عليه وسلم أحد صحابته " إن لبدنك عليك حقا " بعد ما قال " إن لنفسك عليك حقا " وقد أصبح من المتعارف عليه الآن أن الصحة الجيدة مطلوبة للمجتمع كما هى مندوبة للفرد ، فهى تمكن الناس من الاستمتاع بحياتهم وإنجاز ما يفيدهم ويفيد المجتمع بالتالى، ولهذا السبب تدخل المستويات الصحية فى المعايير التى يقاس بها التقدم وفى معايير التنمية البشرية.
وقد بلور الطب فكره فى أنه لابد لكافة أجزاء الجسم من العمل مع بعضها البعض بصورة صحيحة من أجل المحافظة على صحة البدن ، ومن مقومات الحياة الصحية الرئيسية: الغذاء الصحيح ، الرياضة، الراحة، النوم ، النظافة ، الرعاية الصحية ، ورعاية الإنسان.
وتلعب الصحة النفسية دورا مهما فى سلوكيات الناس ومشاعرهم ، وأولئك الذين يتمتعون بأقدار معقولة من الثبات الانفعالى يستطيعون تحقيق قدر أكبر من السعادة ، لأنهم يتقبلون أنفسهم علما بأوجه الضعف وأوجه القوة على حد سواء، ويظلون أيضا على صلة بالواقع ، كما يتمكنون من التعامل الرشيد مع الضغوط ودواعى الإحباط ، كما يستطيعون التصرف دون الاعتماد على المؤثرات الخارجية وردود الأفعال.
وفى المجتمعات المعاصرة تتولى وزارات متخصصة بالصحة المسئولية عن توفير عدد كبير من الخدمات الصحية، وقد تنامى الاهتمام المؤسسى بالرعاية الصحية الأولية والثانوية والمتقدمة، ويشمل هذا توفير الوسائل الكفيلة بمنع الأمراض ، والسيطرة عليها ، والتحكم فى الأوبئة، وتنفيذ برامج للتطعيم وللفحوص الروتينية، فضلا عن إجراءات الحجر الصحى والتوعية الصحية.
وتتولى مؤسسات عديدة الإسهام فى تقديم الرعاية الصحية وقد نشأت منظمة الصحة العالمية كإحدى منظمات الأمم المتحدة ولا تزال تعمل من أجل رفع المستوى الصحى فى كافة أنحاء العالم ،وقد كان شعارها فى العقدين "الماضيين" الصحة للجميع بحلول عام 2000 م "وقد نجحت السلطات الصحية بالفعل فى استئصال بعض الأمراض كالجدرى، وفى تقليل مخاطر أمراض كثيرة أخرى.
أ.د/ محمد الجوادى
مفهوم : الصدق
الصدق لغة : ضد الكذب ، يقال: هو رجل صدق ،وصديق صدق أى صادق الرجولة والصداقة لا يخون صدق يصدق صدقا، صدقا ، فى وعده أو وعيده: أنفذه وصدقه: قبل قوله والمصدق: هو الذى يصدقك فى حديثك والصديق: الدائم التصديق ، وهو أيضا الذى يصدق قوله بالعمل.
واصطلاحا : هو من الصفات الحميدة فى الإنسان، بل إنه من أفضل الصفات الإنسانية على الإطلاق ، ذلك أن من يتحلى بالصدق فى القول وفى العمل ، فهو لبنه صالحة فى بناء المجتمع الإنسانى ، لأن الصدق من أهم الدعائم التى تستقيم بها حياة الفرد، وتصلح بها العلاقات الاجتماعية، وتقوى بها الروابط بين الناس فى المجتمع ،ولذا حث الإسلام عليه ، ووعد الصادقين جنات النعيم ، فقد ورد مدح الصادقين فى القرآن الكريم أكثر من خمسين مرة، منها قوله تعالى: {ليجزى الله الصادقين بصدقهم} الأحزاب:24 ، وقوله: {قل أؤنبئكم بخيرمن ذلكم ، للذين اتقوا عند ربهم جنات تجرى من تحتها الأنهارخالدين فيها وأزواج مطهرة ورضوان من الله والله بصير بالعباد الذين يقولون ربنا إننا آمنا فاغفرلنا ذنوبنا وقنا عذابا النار الصابرين والصادقين ...} آل عمران:15-17.
كما ورد أن الصدق من صفات هؤلاء الذين سينعمون بجنات تجرى من تحتها الأنهار، فقال تعالى: {قال الله هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم ، لهم جنات تجرى من تحتها الأنهارخالدين فيها أبدا، رضى الله عنهم ورضوا عنه ذلك الفورالعظيم} المائدة:119.
كذلك ورد فى حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو المسلمين إلى التحلى بالصدق فى القول والعمل ، فقد روى أبو هريرة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: (من أفتى بغيرعلم كان إثمه على من أفتاه ، ومن أشاربعلم وهو يعلم أن الرشد فى غيره فقد خانه) رواه أبو داود.
فالصدق صفة مطلوبة، وفضيلة يجب على كل مسلم أن يتحلى بها، فإن لم يفعل ذلك ، كان جزاؤه النار وبئس المصير، فقد روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (عليكم بالصدق ، فإن الصدق يهدى إلى البر وإن البر يهدى إلى الجنة، وما يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقا، وإياكم والكذب ، فإن الكذب يهدى إلى الفجور وإن الفجور يهدى إلى النار وما يزال الرجل يكذب حتى يكتب عند الله كذابا) (رواه البخارى).
وكما حث الإسلام المسلمين على الالتزام بالصدق فى القول ، ووعد من التزم به جزاء فى الدنيا والآخرة، كذلك أمرهم بالصدق فى العمل ، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه) أى أن يكون صادقا فيما يقوم به من عمل فى جميع المجالات سواء كانت دينية أم دنيوية.
أ.د/ محمد شامة
مفهوم : صدقة الفطر
صدقة الفطر لغة : الصدقة ما يعطى على وجه القربى لله تعالى لا المكرمة.
والفطر : نقيض الصوم ، وقد أفطر وفطر وأفطره وفطره تفطيرا.
وشرعا : صدقة واجبة يقدمها المسلمون إلى المحتاجين بمناسبة عيد الفطر.
وهى تسمى زكاة الفطر، وزكاة الفطرة، فمن قال: زكاة الفطر أوجبها بدخول الفطر، ومن قال: زكاة\ الفطرة أوجبها على الفطرة، والفطرة الخلقة، قال الله تعالى: {فطرت الله التى فطر الناس عليها} الروم:30 ، أى خلقته التى جبل الناس عليها.
ولهذا فهى واجبة على المسلمين إجماعا على الحر والعبد ، الذكر والأنثى ، الصغير والكبير. والأصل فيها أحاديث كثيرة، منها ما ورد عن ابن عباس قال: (فرض رسول صلى الله عليه وسلم زكاة الفطرة طهرة للصائم من الرفث واللغو وطعمة للمساكين ، من أداها قبل الصلاة فهى زكاة مقبولة، ومن أداها بعد الصلاة فهى صدقة من الصدقات).
وحيث ثبت وجوبها فهى فرض كزكوات الأموال ، وقال أبوحنيفة: هى واجبة وليست فرضا كالوتر، بناء على أصله فى الفرق بين الواجبه والفرض وهذا الخلاف إذا قدر كان خلافا فى العبارة وفاقا فى المعنى، والخلاف فى العبارة مع الوفاق فى المعنى غير مؤثر.
ومقدارها على كل مسلم صاع من تمر أو من شعير، كصاع رسول الله صلى الله عليه وسلم لما ورد فى ذلك عنه صلى الله عليه وسلم.
ووقتها قبل صلاة العيد، على خلاف بين الفقهاء فى جوازها فى أيام رمضان.
أ.د/ على جمعة محمد
مفهوم : الصلاة
الصلاة لغة : الدعاء، لقوله تعالى: {وصل عليهم} التوبة:103 ، أى ادع لهم.
واصطلاحا : قال الجمهور: هى أقوال وأفعال مفتتحة بالتكبير مختتمة بالتسليم مع النية بشرائط مخصوصة.
وعند الأحناف هى عبارة عن الأركان المعهودة والأفعال المخصوصة وعليه فإذا ورد فى الشرع أمر بصلاة أو حكم معلق بها، انصرف بظاهره إلى الصلاة الشرعية.
والصلاة مفروضة شرعا، دل على فرضيتها الكتاب والسنة والإجماع: أما الكتاب فآيات كثيرة منها:
قوله تعالى فى غير موضع من القرآن: {وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة} البقرة:110.
وأما السنة: فأحاديث كثيرة منها: ما رواه ابن عمر عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال: (بنى الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصيام رمضان ،وحج البيت من استطاع إليه سبيلا) (متفق عليه).
وأما الاجماع: فقد أجمعت الأمة سلفا وخلفا على وجوب خمس صلوات فى اليوم والليلة.
والصلوات المكتوبات خمس فى اليوم والليلة ، وهى: الظهر، أربع ركعات ، والعصر أربع ركعات ، والمغرب ثلاث ركعات ، والعشاء أربع ركعات ، والصبح ركعتان.
ولا خلاف بين المسلمين فى وجوبها، ولا يجب غيرها إلا لعارض من نذر، وذلك لما رواه أنس بن مالك قال: (فرضت على النبى صلى الله عليه وسلم الصلوات ليلة أسرى به خمسين ،ثم نقصت حتى جعلت خمسا،
ثم نودى يا محمد، إنه لا يبدل القول لدى، وإن لك بهذه الخمس خمسين).
والصلاة أفضل أركان الإسلام بعد الإيمان ، وهى أول ما يحاسب عليه العبد يوم القيامة.
والصلوات المكتوبات معلومة من الدين بالضرورة، فمنكرها كافر، حيث إن تارك الصلاة حالين:
الأولى: أن يتركها جحودا لفرضيتها، وفى هذه الحالة أجمع العلماء على أنه كافر مرتد يستتاب ، فإن تاب ، وإلا قتل كفرا.
الثانية: أن يترك الصلاة تهاونا وكسلا لا جحودا ، وفى حكم هذه الحالة اختلف الفقهاء، فذهب المالكية والشافعية ورواية عن أحمد إلى أنه يستتاب فإن تاب وإلا قتل حدا لا كفرا. أى أن حكمه بعد الموت حكم المسلم ،فيغسل ويصلى عليه ويدفن مع المسلمين.
وذهب الإمام أحمد فى الرواية الثانية وهى أرجح الروايتين عنه ، وعبد الله بن المبارك ، وابن راهويه ، وهو وجه عند الشافعية إلى أن حكم المتكاسل عن الصلاة يستتاب ، فإن تاب، وإلا قتل كفرا. وذهب أبو حنيفة والإمام المزنى إلى أنه لا يكفر ولا يقتل ، بل يعزر ويحبس حتى يصلى.
وللصلاة شروط يجب توافرها ، وهى نوعان: شروط وجوب ، وشروط صحة.
أولا: شروط الوجوب ، هى:
1- الإسلام: فتجب الصلاة على كل مسلم ، ذكرا أو أنثى، ولا تجب على الكافر ولكن يعاقب على تركها فى الآخرة، لتمكنه من فعلها بالإسلام.
2- العقل: فلا تجب الصلاة على المجنون باتفاق الفقهاء.
3- البلوغ: اتفق على أن البلوغ شرط لوجوب الصلاة، فلا تجب على الصبى حتى يبلغ ، ولكنه يؤمر بها تعليما له عندما يبلغ سبع سنوات ، ويضرب على تركها إذا بلغ عشر سنوات.
ثانيا: شروط الصحة، هى:
(أ) طهارة البدن والثوب والمكان من النجاسة الحقيقية.
(ب) الطهارة من الحدث ، وتكون بالوضوء، أو الغسل ، أو التيمم.
(ب) العلم بدخول وقت الصلاة، فلا تصح الصلاة إذا أديت قبل دخول وقتها.
(د) ستر العورة، فتبطل الصلاة مع كشف العورة للقادر على سترها، ولو كان منفردا فى مكان مظلم ، والعورة من الذكر ما بين السرة والركبة، ومن الأنثى جميع بدنها ما عدا الوجه والكفين.
(هـ) استقبال القبلة، فيجب على المصلى أن يولى وجهه شطر المسجد الحرام.
أقوال الصلاة وأفعالها تنقسم إلى أركان وسنن ، فالأركان هى التى لا تصح الصلاة بدونها ، والسنن تصح الصلاة بدونها على خلاف بين الفقهاء.
نكتفى بذكر الأركان إجمالا، أما تفصيلها ومعرفة السنن فيرجع إليها فى كتاب الصلاة من كتب المذاهب.
والأركان هى: النية، وتكبيرة الإحرام ،والقيام للقإدر عليه ، وقراءة الفاتحة، وآيات من القرآن ، والركوع ، والرفع من الركوع والاعتدال ، والسجود ، والرفع من السجود ،والجلوس بين السجدتين ، والطمأنينة فى الأركان ، والجلوس الأخير، والتشهد الأخير، والسلام ، وترتيب أركان الصلاة.
أ.د/ على مرعى
مفهوم : صلاة القصر
صلاة القصر لغة : قصر من الصلاة وقصر من الشىء على كذا: لم يجاوز به إلى غيره ، والسفر قطع المسافة كما فى الصحاح.
واصطلاحا : أن تصير الصلاة الرباعية ركعتين فى السفر.
والصلاة التى تقصر هى: الظهر والعصر والعشاء، أما الصبح والمغرب فلا قصر فيهما ؛ لأن الالتزام بأحكام الصلاة أمر تعبدى.
وقد ثبتته مشروعية القصر بالكتاب والسنة، قال تعالى {واذا ضربتم فى الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة} النساء:101، وجاء فى صحيح مسلم عن عبدالله بن عمر رضى الله عنهما قال: (صحبت النبى صلى الله عليه وسلم ، فكان لا يزيد فى السفر على ركعتين ، وأبا بكر وعمر وعثمان كذلك).
وبالنسبة إلى حكم صلاة القصر: ذهب الحنفية إلى وجوب قصر الصلاة، لقول السيدة عائشة رضى الله عنها (فرضت الصلاة ركعتين ركعتين ، فأقرت صلاة السفر وزيد فى صلاة الحضر) ولا يعلم ذلك إلا توقيفا.
وذهب غير الحنفية إلى جواز قصر الصلاة، فقالوا: والمسافر له القصر وله الإتمام ، وذلك لما ورد عن يعلى عن أبيه أنه قال: قلت لعمر بن الخطاب {فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا} النساء:101 ، فقد أمن الناس ، قال: عجبت بما عجبت منه ، فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك ، فقال: (صدقة تصدق الله بها عليكم ، فاقبلوا صدقته) (رواه مسلم).
والقصر والإتمام فى السفر سواء، وإن كنا نرى أن الأولى هو قصر الصلاة مراعاة للخلاف الواقع بين الفقهاء فى حكم قصر الصلاة.
ومسافة السفر التى تبيح قصر الصلاة فقد حددها الحنفية بثلاثة أيام سيرا على الأقدام ، وعند غيرهم بيومين ، ولا فرق فى ذلك بين أن تقطع هذه المسافة سيرا على الأقدام أو تقطع بالوسائل العصرية فى ساعة واحدة، لأن العبرة فى ذلك بقطع المسافة المبيحة للسفر.
واختلف الفقهاء فى مدة الإقامة التى ترفع حكم القصر:
1- فذهب المالكية والشافعية إلى أن إقامة أربع أيام صحاح تقطع حكم القصر، لأن المسافر يعتبر مقيما.
2- وذهب الحنفية إلى اعتبار الإنسان مقيما إن كانت المدة خمسة عشر يوما، ويبدأ المسافر قصر الصلاة من حين مجاوزة حدود إقامته ، وتنتهى بنية الإقامة، ويظل المسافر يقصر الصلاة مادام على نية سفر، حتى وإن طالت المدة ، لأن العبرة بنية السفر، ومادام قد نوى قطع السفر فإنه لا يجوز له قصر الصلاة بعد ذلك.
وإذا كان الإنسان يعيش فى بلدة، وانتقل إلى بلدة أخرى وأقام بها إقامة دائمة، فإن البلدة الأولى لا تكون له دار إقامة، فإذا سافر إلى بلدته الأولى التى تركها جاز له قصر الصلاة بها، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم حينما فتح مكة قصر الصلاة بها، وكما نعلم جميعا أن مكة هى الموطن الأصلى لسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولكنه بعد أن انتقل إلى المدينة صارت المدينة له وطنا: ولهذا قصر الصلاة بمكة، وأمر أهل مكة بإتمام صلاتهم ، وهذا معناه أن العبرة بالإقامة الدائمة فى مكان معين ، وليست العبرة بمحل الميلاد أو وجود الأقارب.
وعلى المسافر أن يعلم أنه لا يجوز له أن يأتم بمقيم ، فإن اقتدى بمقيم فعليه أن يتم صلاته تابعة لصلاة الإمام عملا بقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (إنما جعل الإمام ليؤتم به ، فلا تختلفوا عليه) (رواه مسلم).
ولكن يجوز للمقيم ان يأتم بالمسافر؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (أتموا يا أهل مكة صلاتكم فإنا قوم سفر) (رواه الترمذى).
أ.د/ صبرى عبدالرؤوف محمد عبدالقوى
مفهوم : الصلح
الصلح لغة : اسم من الصلاح وهو التوفيق ، وأصلحت بين القوم: أى وفقت قال الراغب: الصلح يختص بإزالة النفار بين الناس ، فهو قطع المنازعة.
وشرعا : هو الانتقال عن حق أو دعوى بعوض لرفع نزاع أو خوف وقوعه ، فهذا التعريف يشير إلى أنه قد يكون الصلح عن المنازعة بعد وقوعها، كما أنه يكون أيضا عند خوف المنازعة واحتماك وقوعها وقاية منها.
والصلح مشروع بالكتاب والسنة والاجماع.
أما الكتاب: قوله تعالى: {لا خير فى كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس} النساء: 114 ، وقوله تعالى: {والصلح خير} النساء:128 ، فالله تعالى وصفه الصلح بالخيرية، ولا يوصف بها إلا ما كان مشروعا ومأذونا فيه.
وأما السنة : فبما روى أبو هريرة رضى الله عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم قال (الصلح جائز بين المسلمين) فالحديث واضح الدلالة على مشروعية الصلح.
وأما الإجماع : فقد أجمع الفقهاء على مشروعية الصلح فى الجملة، وإن كان هناك خلاف فى بعض الصور.
أما عن درجة المشروعية : فالأصل أنه مندوب ، ومع ذلك فقد يكون واجبا عند تعين مصلحة، وقد يكون حراما أو مكروها عند استلزامه مفسدة يجب درؤها ، أو يترجح جانب المفسدة.
وللصلح أنواع خمسة:
(أ) الصلح بين أهل العدل وأهل البغى.
(ب) الصلح بين الزوجين عند خوف الشقاق.
(ج) الصلح بين المتخاصمين فى غير مال كالجنايات العمدية.
(د) الصلح بين المسلمين والكفار.
(هـ) الصلح بين المتخاصمين فى الأموال.
وهذا الأخير قد أفرد له الفقهاء بابا فى كتب الفقه.
ويجوز للقاضى أن يرد الخصوم إلى الصلح إن طمع فى الصلح منهم ، وإلا فلا يردهم ، بل ينفذ القضاء فيهم ، لأنه لا فائدة فى الرد.
وعقد الصلح ليس عقدا مستقلأ بذاته ، بل هو متفرع عن غيره ، بمعنى أنه تسرى عليه أحكام أقرب العقود إليه شبها بحسب المضمون ، فالصلح عن مال بمال يعتبرفى حكم البيع ، والصلح عن مال بمنفعة يعد في حكم الإجارة، والصلح عن نقد بنقد له حكم الصرف وهكذا. ويترتب على ذلك أنه تجرى على الصلح أحكام العقد الذى تشابه معه أواعتبر به، فتراعى فيه شروطه ومتطلباته ،وذلك لأن العبرة للمعانى دون الصور.
وقد ذهب جمهور الفقهاء إلى أن للصلح أركانا ثلاثة:
1- الصيغة (الإيجاب والقبول).
2- والعاقدان.
3- والمحل (المصالح به والمصالح عنه).
وللصلح أقسام نوجزها فيما يلى، ومن أراد الأستزادة فليرجع إلى التفصيل فى كتب الفقهاء.
فالصلح إما أن يكون بين المدعى والمدعى عليه ، وإما أن يكون بين المدعى والأجنبى المتوسط.
كما ينقسم الصلح بنوعيه إلى ثلاثة أقسام : صلح عن الإقرار، وصلح عن الإنكار، وصلح عن السكوت.
(أ) فالصلح مع إقرار المدعى عليه جائز باتفاق الفقهاء، وهو ضربان: صلح عن الأعيان وصلح عن الديون ، والصلح عن الأعيان نوعان: صلح الحطيطة، وصلح المعاوضة والصلح عن الديون نوعان: صلح إسقاص وإبراء ، وصلح معاوضة.
(ب) وأما الصلح مع إنكار المدعى عليه فقد اختلف الفقهاء فى جوازه على قولين:
القول الأول: أن الصلح على الإنكار جائز، بشرص أن يعتقد المدعى أن له الحق ، والمدعى عليه يعتقد أن لا حق عليه ، فيتصالحان قطعا للخصومة والنزاع. وبهذا قال الحنفية والمالكية والحنابلة.
والقول الثانى: أن الصلح على الإنكار باطل وبهذا قال الشافعية وابن أبى ليلى.
(ج) وأما الصلح مع سكوت المدعى عليه ، كما إذا ادعى شخص على آخر شيئا، فسكت المدعى عليه دون أن ينكر أو يقر، ثم صالح عنه وهذا النوع اعتبره الفقهاء فى حكم الصلح عن الإنكار، وبالتالى ففيه القولان السابقان.
وقد بين الفقهاء أنه يترتب على انعقاد الصلح حصول البراءة عن الدعوى، ووقوع الملك فى بدل الصلح للمدعى، وفى المصالح به للمدعى عليه إن كان مما يحتمل التمليك ،كما أن الصلح يعتبر بأقرب العقود إليه ، فما كان فى معنى البيع أو الإجارة أخذ حكمه ؛ ذلك أن العبرة فى العقود للمقاصد والمعانى دون الألفاظ والمبانى.
كما أن الصلح من العقود اللازمة، فإذا انعقد صحيحا خاليا من العيوب ، فإنه لا يملك أحد المتعاقدين فسخه أو الرجوع عنه بمفرده.
أما عن شروط الصلح وسائر تفصيلات أحكامه وفروعها، فيرجع إليها فى كتب الفقه.
أ.د/ على مرعى
مفهوم : صلح الحديبية
صلح الحديبية اصطلاحا : هو الصلح الذى تم بين قريش وبين النبى صلى الله عليه وسلم وألف وأربعمائة من الصحابة،
فى وادى الحديبية، فى شهر ذى القعدة من العام السادس للهجرة الموافق لسنة ستمائة وسبع وعشرين ميلادية، بعد مفاوضات شاقة وظروف صعبة، وقد تم الصلح بينهما على شروط أربعة هى:
1- أن توضع الحرب عن الناس عشر سنين.
2- أن من أراد الدخول فى عهد محمد صلى الله عليه وسلم دخل فيه ، ومن أراد الدخول فى عهد قريش دخل فيه.
3- أن يعيد محمد صلى الله عليه وسلم إلى مكة من أتاه مسلما من غير إذن مواليه ، ولا تفعل كذلك قريش.
4- أن يعود محمد صلى الله عليه وسلم عامه هذا، ويأتى فى العام المقبل ، فيقيم فى مكة ثلاثة أيام تخليها قريش له ، وليس معه سوى سلاح المسافر، وهو السيوف فى الأغماد.
وقد اعترض الفاروق عمر بن الخطاب رضى الله عنه على الشرطين الثالث والرابع ، واشتد حتى قال له الصديق: الزم غرزك ، فإنى أشهد أنه رسول الله ، وأن الله لا يضيعه.
كذلك اعترض على بن أبى طالب رضى الله عنه على ما أصرعليه سهيل بن عمرو عند كتابة الصلح من كتابة باسمك اللهم بدلا من البسملة، وكتابة اسم محمد وأبيه بدلا من محمد رسول الله، ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم يعلم ما سيجنيه من المكاسب للإسلام من وراء هذا الصلح ما لا يعلمه غيره ، فقد أجاب سهيلا إلى ما أراده.
ولما جاء وقت الحلق والتقصير لم يستجب المسلمون ؛ على أساس أنهم لم يدخلوا المسجد الحرام كما وعدهم النبى صلى الله عليه وسلم ، فدخل النبى صلى الله عليه وسلم على أم سلمة أم المؤمنين وأخبرها الخبر، فأشارت عليه أن يكون هو البادىء بالحلق ، فإن الناس لن يخالفوه ، وكان الأمر كما توقعت.
وقد سمى هذا الصلح فتحا مبينا من قبل الله عز وجل ، ونزلت فى تسجيل أحداثه سورة تحمل هذا الاسم (سورة الفتح)، وذلك لعدة أسباب ، منها:
1- اعتراف قريش بالإسلام ، والسماع للمسلمين بزيارة البيت وأداء المناسك للحج.
2- إتاحة الفرصة أمام القبائل لإرسال بعوثها إلى المدينة لزيارة النبى صلى الله عليه وسلم والاستماع لما يدعو إليه.
3- إرسال النبى صلى الله عليه وسلم الكتب والرسل لدعوة الحكام فى كل مكان إلى الدخول فى الإسلام هم ورعاياهم.
أ.د/ عبدالعزيز غنيم عبدالقادر
مفهوم : الصيدلة
الصيدلة لغة : الصيدلانى، فارسى معرب ، والجمع صيادلة كما فى اللسان.
واصطلاحا : فن علمى يبحث فى أصول الأدوية سواء كانت نباتية أو حيوانية أو أدوية مصنعة كيميائيا، من حيث تركيبها وتحضيرها ومعرفة خواصها الكيميائية والطبيعية، وتأثيرها فى علاج الأمراض والوقاية منها، كما تختص الصيدلة بكيفية استحضار الأدوية المركبة من هذه الأصول.
ويدل المصطلح العربى " صيدلى " أو " صيدلانى " - طبقا لما ذهب إليه العالم المسلم البيرونى - على المحترف بجمع الأدوية على أحد صورها واختيار الأجود من أنواعها مفردة أو مركبة؛ لاستعمالها فى علاج الأمراض.
ويرى البيرونى أن كلمة "صيدلانى" تعريب لكلمة "جندولانى" بقلب الجيم صادا ، وكلمة "جندن "و" صندل " تدل على أفواه الطيب العطر، وقد تنسب كلمة " صيدلانى" أيضا إلى " الصندل " وفى كلتا الحالتين فإن المصطلح يدل على أن " الصيدلى" هو الشخص الذى يجمع الأعشاب النافعة للتطبيب.
ولقد عرف الإنسان الدواء منذ فجر التاريخ ، حيث اهتدى الإنسان البدائى بالفطرة إلى اكتشاف الدواء الذى يسكن آلامه ويعالج مرضه ، فقد استعمل الكحول والأفيون لتسكين الآلام ، كما استخدم "السنكونا " لعلاج الملاريا ، ونبات عرق الذهب لعلاج الدوسنتريا.
وتعتبر الحضارة المصرية القديمة من أعرق الحضارات التى زخرت بالكثير من العلوم الطبية، والتى كان لها الفضل فى اكتشاف بعض الأدوية التى لا يزال يستعمل عدد منها حتى الآن ، وتشهد بعض البرديات التى يرجع تابخها إلى (1600) سنة قبل الميلاد، على أن قدماء المصريين قد توصلوا إلى علاج أمراض عديدة ومتنوعة، حيث تزخر البرديات الطبية بما يزيد عن (700) وصفة علاجية تشمل طريقة تحضير الدواء، وكيفية إعطائه للمريض ، منها استعمال الحنظل والزعتر والزعفران والثوم والبصل وزيت الزيتون والسمسم والقرنفل ، وغير ذلك مما يدل على أنهم قد برعوا فى مجال الطب والصيدلة.
وقد توصل الهنود فى القرن السادس قبل الميلاد إلى الوقاية من مرض الجدرى باستعمال وسيلة التطعيم ، وعلاج بعض الأمراض باستعمال النباتات والأدوية الطبيعية، كما كانوا يعتقدون فى العلاج بالسحر.
كما توصل أيضا قدماء اليونانيين إلى علاج بعض الأمراض باستعمال الأدوية الطبيعية والنباتات ، كما كانوا يعتقدون كذلك فى العلاج بالسحر.
ولقد استطاع العالم اليونانى أبقراط (460- 377 ق م) وأتباعه أن يحرروا الطب من الخرافات والخزعبلات ، وأوصى أبقراط بالوقاية من الأمراض وعلاجها بتناول الغذاء الأمثل والتعرض للهواء النقى وتدليك الجسم ، كما أوصى باستعمال الأدوية المسهلة والحقن الشرجية وبعض الأدوية فى علاج الأمراض.
وفى العصر الرومانى انتقل التراث الطبى من اليونان إلى روما ، ويعتبر العالم جالينوس - وهو يونانى المنشأ - من أشهر علماء الطب والصيدلة فى العصر الرومانى، حيث كان له أبلغ الأثر فى تقدم الصيدلة، فهو أول من أدخل المستحضرات الدوائية المركبة فى مجال الصيدلة، وأول من حضر صبغة الأفيون ومستحضرات بعض النباتات الطبية، التى أطلق عليها فيما بعد اسم "الجالينات". ولقد كان للإسلام أبلغ الأثر فى تقدم وتطور علوم الطب والصيدلة، حيث حث المسلمين على طلب العلم وتكريم العلماء، ولقد شهد العالم الإسلامى مولد أول مدرسة للصيدلة، وبذلك استقل مبحث الصيدلة عن مبحث الطب ،ويشهد لعلماء العصر الإسلامى ببراعتهم فى فن تحضير الدواء، وكان المسلمون هم أول من أنشأوا صيدليات لبيع الدواء.
ولقد أسهم الأطباء والصيادلة العرب والمسلمون إسهاما كبيرا فى تقدم وتطور علوم الطب والصيدلة فى مختلف دول العالم بما قدموه من دراسات ومؤلفات ، مما كان له أثر كبير فى تطورها، وكانت تعد من أهم المراجع الطبية والصيدلية فى أوروبا إلى ما بعد القرن السابع عشر.
ولقد شهد العصر الحديث تطورا مذهلا فى علوم الصيدلة، حيث شيدت آلاف الأدوية الكيميائية، واكتشفت الآثار الطبية العديد من الأدوية الطبيعية، كما تنوعت وتقدمت وسائل العلاج الدوائى، وتحضير الأدوية والمركبات الصيدلية، كما شهد هذا العصرتقدما علميا وتقنيا فى الصناعات الدوائية ودراسات وبحوث الصيدلة.
أ.د/ عز الدين الدنشارى
مفهوم : الصيرفة
الصيرفة لغة : مشتقة من الصرف ، وهو صرف الذهب والفضة فى الميزان ، أى فضل الدرهم على الدرهم ، والدينار على الدينار ، لأن كل واحد منهما يصرف عن قيمة صاحبه ، ويقال بين الدرهمين صرف أى فضل لجودة فضة أحدهما ، والصرف أيضا بيع الذهب بالفضة، ويقال صرفت الدراهم بالدنانير(كما فى اللسان).
واصطلاحا : وظيفة من وظائف كتاب الأموال فى الدول الإسلامية.
والصراف والصريف والصيرفى هو الذى كان يتولى قبض الأموال وصرفها ونقدها ،والجمع صيارف وصيارفة، وقد يجمع شخص واحد مهمة الصيرفى والجابى.
ونظرا لأهمية وظيفة الصيرفة ألفت كتب لإرشاد الصيارفة، منها : كتاب "المختار فى كشف الأسرار" للجويرى، وهو من علماء النصف الأول من القرن الهجرى، وقد تناول هذا الكتاب كشف أسرار الغش والتدليس فى الصناعات ، وعنى بصفة خاصة بأعمال الصيارف. كتاب "الباهر فى الحيل والشعبذة" لأحمد بن عبدالملك الأندلسى. واهتم الكتاب بتنبيه الصيارفة إلى تجنب التصرفات المخالفة للشرع ، فحذرهم السباكى مثلا من خلط أموال الناس بعضها ببعض ،وعدم بيع النقدين بالآخر نسيئة، بل نقدا، وذكرهم أيضا بأن من حق الصيرفى معرفة عقد الصرف ،وألزم بضمان ما يتلف فى يده من النقد للغير. ومن الأمورالتى لفت السباكى نظر الصيرفى إليها انه إذا سلم صبى درهما إلى صيرفى لينقده لم يحل للصيرفى رده إليه ، وإنما يرده إلى وليه.
ومن الملاحظ أن كثيرين من اليهود والنصارى مارسوا الصيرفة فى مصر فى العصر الإسلامى، وأثروا منها ثراء كبيرا، وحصلوا عن طريقها على كثير من النفوذ.
وحدد ديوان الإنشاء فى عصر المماليك ألقابا الصيارف من اليهود والنصارى، وذكر أنها تصدر "بالشيخ" كما كانوا يتخذون ألقابا مضافة إلى الدولة مثل ولى الدولة وشمس الدولة،وربما قيل: الشيخ الشمسى للتفخيم.
وكان الصيرفى إذا أسلم أضيف لقبه إلى الدين بدلا من الدولة، فيقال مثلا شمس الدين ، وإذا كان لقبه لا ينالب الإضافة إلى الدين نعت بلقب قريب ، مثلا الشيخ السعيد، قد يقال له سعد الدين.
هذا.. واشتهر بعض الأعلام بلقب الصيرفى مما يرجح اشتغالهم بهذه الوظيفة، أو انتسابهم إلى من اشتغل بها، ومن أمثلة هؤلاء: الصيرفى على بن بندار الصوفى والصيرفى عمرو بن عدى، والشيخ أبو القاسم على بن منجب الصيرفى الكاتب ،مؤلف كتاب "قانون ديوان الرسائل" وشهرته ابن الصيرفى، وقد ورد اسمه بمسجد مهدم بقرية الحصن.
وقد وصلتنا بعض شواهد قبور تشتمل على أسماء مصحوبة بهذه الوظيفة، منها: شاهد رخام من ترابانى مؤرخ ربيع الأول سنة 474هـ باسم سيدة الأهل بنت عبدالعزيز الصيرفى من أهل مازر. شاهد حجر جيرى مؤرخ آخر رجب سنة 583هـ من جبانة باب الشاغور بدمشق باسم الحاج أبو المكارم بن جامع بن على الصيرفى.
هذا ويطلق حاليا فى مصروغيرها من البلاد العربية على شركات تغيير العملات أو استبدالها شركات الصرافة.
أ.د/ حسن الباشا
منتديات الرسالة الخاتمة
الصحوة لغة : من الصحو، وهو ذهاب الغيم وارتفاع النهار، وذهاب السكر، وترك الباطل.(كما فى اللسان).
واصطلاحا : اليقظة، تصيب الفرد أو الأمة، بعد سنة وغفلة وتخلف وتراجع.
ويشيع إطلاقها -فى واقعنا المعاصر- على نزوع أمتنا إلى النهضة الإسلامية، بعد عصر التراجع الحضارى، الذى امتد تحت حكم العسكر المماليك والسلطنة العثمانية، وهى صحوة تجاهد على صعيدين ، وفى جبهتين:
1- صعيد وجبهة التخلف الذاتى الموروث عن حقبة التراجع الحضارى.
2- وصعيد وجبهة التحديات الغربية، التى تريد تهميش دور الأمة الإسلامية، وإلحاقها بالتبعية للغرب ، ليتأبد استغلال الغرب وهيمنته على عالم الإسلام.
ووصف هذه الصحوة بالإسلامية، إنما يأتى تمييزا لها عن مشاريع النهوض التى اختار أصحابها المذاهب والفلسفات الغربية مرجعية لدعوات النهوض ، ونماذج التحديث التى يبشرون بها ليبرالية، أو اشتراكية أو قومية.
فالصحوة الإسلامية: هى ذلك التيار العريض المتعدد الفصائل والمستويات الذى يسعى إلى تجديد الدين الإسلامى لتتجدد به دنيا المسلمين.
ولما كانت سنة الله سبحانه وتعالى فى مسارات الأمم والحضارات ، هى سنة الدورات التى تتداول فيها الأمم والحضارات فترات وحقب التقدم والتراجع ، والصعود والهبوط ، والنهوض والركود ، والحياة والموت ، وهى السنة التى أشار إليها القرآن الكريم بقوله تعالى: {وتلك الأيام نداولها بين الناس وليعلم الله الذين آمنوا ويتخذ منكم شهداء والله لا يحب الظالمين} آل عمران:140 ، {وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم} محمد:38 ، {ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض} البقرة:251 ، والتى بينها حديت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، الذى قال فيه (لا يلبث الجور بعدى إلا قليلا حتى يطلع ، فكلما طلع من الجور شىء ذهب من العدل مثله ،حتى يولد فى الجور من لم يعرف غيره ، ثم يأتى الله تبارك وتعالى بالعدل ، فكلما جاء من العدل شىء ذهب من الجور مثله ، حتى يولد فى العدل من لا يعرف غيره) (رواه أحمد).
فإذا كانت سنة الدورات هى التى تحكم مسارات الأمم والحضارات ، فإن هذه السنة تقتضى الصحوة، واليقظة، والتجديد ، خروجا من مراحل ودورات الغفلة، والتراجع ،والجمود، فصحوة التجديد هى الأخرى سنة من سنن الله فى الاجتماع الإنسانى وفى مسارات الحضارات ، وعن هذه الحقيقة ينبىء حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ، الذى قال فيه (يبعثا الله لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها) (رواه أبو داود).
وإذا كانت الحضارات الإنسانية هى مواضعات بشرية وإبداعات مدنية، لا توصف بالخلود ولا بالإطلاق ، ومن ثم يجوز عليها الموت وإخلاء الطريق لحضارات أخرى وارثة لأممها وشعوبها وتاريخها ، بمعنى أن سنة الصحوة والتجديد قد تأتى فى صورة تداول الحضارات ، لا بعثها وتجددها ، فإن الحضارة الإسلامية -وأيضا اللغة العربية- مع أنهما مواضعات بشرية وإبداعات إنسانية، هما استثناء من مصيرموت وفناء الحضارات واللغات ، وذلك لارتباطهما بالمطلق الدينى، وهو الإسلام الخالد والخاتم ، والقرآن الكريم الذى تعهد الله بحفظه بلسان عربى مبين.
ولذلك ، كانت الصحوة وكان التجديد سنة مطردة وقانونا لازما فى مسار الحضارة الإسلامية، يقودها إلى النهوض بعد كل ركود، وهذا هو الذى جعل حضارتنا الإسلامية -ومعها اللغة العربية- أطول الحضارات المعاصرة عمرا ، وأرسخها قدما على درب النهوض من العثرات ، وأكثرها استعصاء على فقدان الهوية والخصوصية، لارتباط ذلك فيها بالمطلق الدينى والخالد الإلهى، فهى إبداع مدنى بشرى، حفز إليه وصبغه وحدد معاييره الوضع الإلهى -المتمثل فى وحى الله ونبأ السماء العظيم- وتلك خصوصية لحضارتنا الإسلامية تفردت بها دون كل الحضارات.
وإذا كانت الحقبة المملوكية العثمانية، قد مثلت مرحلة التراجع فى مسيرة حضارتنا الإسلامية، فإن بواكير الصحوة الإسلامية قد بدأت فى بلادنا منذ أكثرمن قرنين من الزمان ، وفى استطاعة المؤرخ لهذه الصحوة
أن يتخذ من نداء الشيخ حسن العطار (1180-1250هـ /1711-1835م) أواخر القرن الثامن عشر الميلادى علامة على مرحلة التبلور لبواكير هذه الصحوة، ذلك النداء الذى قال فيه هذا الشيخ الرائد : إن بلادنا لابدأن تتغيز ويتجدد بها من العلوم والمعارف ما ليس فيها.
ولقد كان تلاميذ الشيخ حسن العطار وفى طليعتهم الشيخ رفاعة رافع الطهطاوى (1216-1290هـ /1801- 873م) الذين سعوا إلى تجديد "الذات الإسلامية" بالاحياء، وإلى الاستفادة من علوم المدنية الغربية -علوم الواقع والتمدن المدنى- بالتفاعل ، وليس بالمحاكاة والتقليد هم طلائع وجذور الصحوة الإسلامية الحديثة والمعاصرة.
فلما حدث وعاجل المد الاستعمارى الغربى مشروع النهضة الذى قاده محمد على باشا الكبير (1184-1265هـ / 770-1846م). والذى جسد إلى حد كبير فكر هذه الصحوة تسلم ريادة هذه الصحوة تيار الجامعة الإسلامية، الذى تبلور -شعبيا- عبر العالم الإسلامى حول جمال الدين الأفغانى (1254-1265هـ /1770-1849م) والذى كان الإمام محمد عبده المهندس الأول لمشروعه الفكرى النهوضى، والذى حملته إلى العالم الإسلامى -على امتداد أربعين عاما- مجلة (المنار) التى رأس تحريرها الإمام محمد رشيد رضا (1282-1354هـ /1865-1935م) ، ثم أسلم أمانة هذه الصحوة إلى الحركات والتنظيمات الإسلامية الحديثة -سواء منها تنظيمات الصفوة أو التنظيمات الجماهيرية- تلك التى نشأت عقب عموم بلوى الاستعمار الغريى للعالم الإسلامى إبان الحرب الاستعمارية العالمية الأولى (1332-1336هـ /1914-1918م) وبعد إسقاط الخلافة الإسلامية (1342هـ) ، ولأن هذه الصحوة كانت تواجه جناحى المأزق الحضارى: التخلف الموروث ، والزحف الاستعمارى الغربى، ولأنها قد سعت إلى الإحياء والتجديد الدينى، لبلورة معالم المشروع النهضوى العصرى، فى مواجهة الجمود والتقليد اللذين أوجدا "الفراغ الفكرى" فى بلادنا ، وهو الفراغ الذى سعى الاستعمار الغربى إلى ملئه بنموذجه الحضارى الوضعى العلمانى، فلقد كان تركيز هذه الصحوة على تجديد دين الإسلام لتتجدد به -وليس بالنموذج الغربى- دنيا المسلمين.
وهذه الحقيقة هى التى جعلت رفاعة الطهطاوى يدعو إلى إحياء الشريعة الإسلامية بالاجتهاد الجديد ، وإلى تقنين فقه معاملاتها ، ليحكم -بدلا من القانون الوضعى الفرنسى- حركة الاجتماع والاقتصاد والسياسة فى بلادنا "لأن بحر هذه الشريعة الغراء، على تفرع مشارعه ، لم يغادر من أمهات المسائل صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها وأحياها بالسقى والرى، ولقد انطلق الأفغانى من ذات الموقف -إسلامية الصحوة- فرفض أن نبدأ صحوتنا من حيث انتهى المشروع الغربى العلمانى، قائلا: "إنه لا ملجئ للشرقى فى بدايته أن يقف موقف الغربى فى نهايته" فالتمدن الغربى هو فى الحقيقة تمدن للبلاد التى نشأ فيها على نظام الطبيعة وسير الاجتماع الإنسانى، والإسلام هو السبب المفرد لسعادة الإنسان ، ومن طلب إصلاح الأمة بوسيلة سوى هذه ،فقد ركب بها شططا،ولا يزيدها إلا نحسا،ولا يكسبها إلا تعسا.
وعلى هذا الدرب فى إسلامية الصحوة سار الإمام محمد عبده ، الذى قال: "إن الإسلام دين وشرع ،وهو لم يدع ما لقيصر لقيصر وإنما كان من شأنه أن يحاسب قيصرعلى ماله ، ويأخذ على يديه فى عمله " فهو كمال للشخص.
ولم تتكف هذه الصحوة عند حدود الفكر والدعوة وإنما سلكت سبيل التنظيم ، لإبلاغ الرسالة، واستمرارية الدعوة، فعرفت مسيرتها تنظيمات: الحزب الوطنى الحر وجمعية العروة الوثقى وجمعية أم القرى، فى الثلث الأخير من القرن التاسع عشر، كما عرفت الحزب الوطنى الذى قاده مصطفى كامل (1291-1326هـ /1874-1908م) فى العقد الأول من القرن العشرين وهو الحزب الذى جمع فى دوائر الانتماء بين الوطنية وبين الجامعة الإسلامية.
وليس صحيحا ما يظنه البعض من أن الصحوة الإسلامية قد تمثلت فقط فى الحركات والتنظيمات الإسلامية، فأوسع وأعرض فصائل الصحوة الإسلامية هو التيار الشعبى، المستمسك بالهوية الإسلامية،
وفى مقدمة مؤسسات الصحوة الإسلامية الأزهر الشريف ، الذى ظل يرعى علوم الشريعة والعربية ويحرس الوجدان الإسلامى للأمة عبر تاريخها الطويل. فلقد سعى على هذا الطريق العديد من أعلام الفقه والقانون ، وكان الدكتور عبدالرازق السنهورى باشا (1313-1391هـ /1895-1971م) واحدا منهم ، جعل هذه المهمة مشروع حياته ، تأليفا وتطبيقا، مؤكدا أن دول الشرق لا يمكن أن تجتمع على شىء واحد غير الإسلام ، فالإسلام بالشرق والشرق بالإسلام.
وإذا كانت العقود الأخيرة قد شهدت تعاظم الصحوات الدينية، فى مختلف الديانات ، بعد أن فشلت مشاريع النهوض والتحديث اللادينية، فإن تعاظم الصحوة الإسلامية يستند إلى خصيصة إسلامية، ينفرد بها الإسلام عن غيره من الديانات ،هى منهاجه الشامل ، الذى يجعله بديلا حضاريا، وليس مجرد عقائد وعبادات.
وهكذا ارتبطت الصحوة الإسلامية بحلم الأمة فى النهوض ، والانعتاق من أسر التخلف الموروث ، ومن الهيمنة الاستعمارية والحضارية الغربية، منذ فجر هذه الصحوة وحتى الآن.
أ.د/ محمد عمارة
مفهوم : الصحة
الصحة اصطلاحا : تطور تعريف الصحة مع ارتقاء المستويات الاقتصادية والاجتماعية حتى أصبح كل ما من شأنه سلامة البدن (الجسم) والنفس والتوافق الاجتماعى.
وقد حرصت التعاليم الإسلامية على التنبيه على أهمية الصحة ففى الحديث الشريف: " المؤمن القوى خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفى كل خير ".
وفى حديث آخر ينصح الرسول صلى الله عليه وسلم أحد صحابته " إن لبدنك عليك حقا " بعد ما قال " إن لنفسك عليك حقا " وقد أصبح من المتعارف عليه الآن أن الصحة الجيدة مطلوبة للمجتمع كما هى مندوبة للفرد ، فهى تمكن الناس من الاستمتاع بحياتهم وإنجاز ما يفيدهم ويفيد المجتمع بالتالى، ولهذا السبب تدخل المستويات الصحية فى المعايير التى يقاس بها التقدم وفى معايير التنمية البشرية.
وقد بلور الطب فكره فى أنه لابد لكافة أجزاء الجسم من العمل مع بعضها البعض بصورة صحيحة من أجل المحافظة على صحة البدن ، ومن مقومات الحياة الصحية الرئيسية: الغذاء الصحيح ، الرياضة، الراحة، النوم ، النظافة ، الرعاية الصحية ، ورعاية الإنسان.
وتلعب الصحة النفسية دورا مهما فى سلوكيات الناس ومشاعرهم ، وأولئك الذين يتمتعون بأقدار معقولة من الثبات الانفعالى يستطيعون تحقيق قدر أكبر من السعادة ، لأنهم يتقبلون أنفسهم علما بأوجه الضعف وأوجه القوة على حد سواء، ويظلون أيضا على صلة بالواقع ، كما يتمكنون من التعامل الرشيد مع الضغوط ودواعى الإحباط ، كما يستطيعون التصرف دون الاعتماد على المؤثرات الخارجية وردود الأفعال.
وفى المجتمعات المعاصرة تتولى وزارات متخصصة بالصحة المسئولية عن توفير عدد كبير من الخدمات الصحية، وقد تنامى الاهتمام المؤسسى بالرعاية الصحية الأولية والثانوية والمتقدمة، ويشمل هذا توفير الوسائل الكفيلة بمنع الأمراض ، والسيطرة عليها ، والتحكم فى الأوبئة، وتنفيذ برامج للتطعيم وللفحوص الروتينية، فضلا عن إجراءات الحجر الصحى والتوعية الصحية.
وتتولى مؤسسات عديدة الإسهام فى تقديم الرعاية الصحية وقد نشأت منظمة الصحة العالمية كإحدى منظمات الأمم المتحدة ولا تزال تعمل من أجل رفع المستوى الصحى فى كافة أنحاء العالم ،وقد كان شعارها فى العقدين "الماضيين" الصحة للجميع بحلول عام 2000 م "وقد نجحت السلطات الصحية بالفعل فى استئصال بعض الأمراض كالجدرى، وفى تقليل مخاطر أمراض كثيرة أخرى.
أ.د/ محمد الجوادى
مفهوم : الصدق
الصدق لغة : ضد الكذب ، يقال: هو رجل صدق ،وصديق صدق أى صادق الرجولة والصداقة لا يخون صدق يصدق صدقا، صدقا ، فى وعده أو وعيده: أنفذه وصدقه: قبل قوله والمصدق: هو الذى يصدقك فى حديثك والصديق: الدائم التصديق ، وهو أيضا الذى يصدق قوله بالعمل.
واصطلاحا : هو من الصفات الحميدة فى الإنسان، بل إنه من أفضل الصفات الإنسانية على الإطلاق ، ذلك أن من يتحلى بالصدق فى القول وفى العمل ، فهو لبنه صالحة فى بناء المجتمع الإنسانى ، لأن الصدق من أهم الدعائم التى تستقيم بها حياة الفرد، وتصلح بها العلاقات الاجتماعية، وتقوى بها الروابط بين الناس فى المجتمع ،ولذا حث الإسلام عليه ، ووعد الصادقين جنات النعيم ، فقد ورد مدح الصادقين فى القرآن الكريم أكثر من خمسين مرة، منها قوله تعالى: {ليجزى الله الصادقين بصدقهم} الأحزاب:24 ، وقوله: {قل أؤنبئكم بخيرمن ذلكم ، للذين اتقوا عند ربهم جنات تجرى من تحتها الأنهارخالدين فيها وأزواج مطهرة ورضوان من الله والله بصير بالعباد الذين يقولون ربنا إننا آمنا فاغفرلنا ذنوبنا وقنا عذابا النار الصابرين والصادقين ...} آل عمران:15-17.
كما ورد أن الصدق من صفات هؤلاء الذين سينعمون بجنات تجرى من تحتها الأنهار، فقال تعالى: {قال الله هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم ، لهم جنات تجرى من تحتها الأنهارخالدين فيها أبدا، رضى الله عنهم ورضوا عنه ذلك الفورالعظيم} المائدة:119.
كذلك ورد فى حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو المسلمين إلى التحلى بالصدق فى القول والعمل ، فقد روى أبو هريرة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: (من أفتى بغيرعلم كان إثمه على من أفتاه ، ومن أشاربعلم وهو يعلم أن الرشد فى غيره فقد خانه) رواه أبو داود.
فالصدق صفة مطلوبة، وفضيلة يجب على كل مسلم أن يتحلى بها، فإن لم يفعل ذلك ، كان جزاؤه النار وبئس المصير، فقد روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (عليكم بالصدق ، فإن الصدق يهدى إلى البر وإن البر يهدى إلى الجنة، وما يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقا، وإياكم والكذب ، فإن الكذب يهدى إلى الفجور وإن الفجور يهدى إلى النار وما يزال الرجل يكذب حتى يكتب عند الله كذابا) (رواه البخارى).
وكما حث الإسلام المسلمين على الالتزام بالصدق فى القول ، ووعد من التزم به جزاء فى الدنيا والآخرة، كذلك أمرهم بالصدق فى العمل ، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه) أى أن يكون صادقا فيما يقوم به من عمل فى جميع المجالات سواء كانت دينية أم دنيوية.
أ.د/ محمد شامة
مفهوم : صدقة الفطر
صدقة الفطر لغة : الصدقة ما يعطى على وجه القربى لله تعالى لا المكرمة.
والفطر : نقيض الصوم ، وقد أفطر وفطر وأفطره وفطره تفطيرا.
وشرعا : صدقة واجبة يقدمها المسلمون إلى المحتاجين بمناسبة عيد الفطر.
وهى تسمى زكاة الفطر، وزكاة الفطرة، فمن قال: زكاة الفطر أوجبها بدخول الفطر، ومن قال: زكاة\ الفطرة أوجبها على الفطرة، والفطرة الخلقة، قال الله تعالى: {فطرت الله التى فطر الناس عليها} الروم:30 ، أى خلقته التى جبل الناس عليها.
ولهذا فهى واجبة على المسلمين إجماعا على الحر والعبد ، الذكر والأنثى ، الصغير والكبير. والأصل فيها أحاديث كثيرة، منها ما ورد عن ابن عباس قال: (فرض رسول صلى الله عليه وسلم زكاة الفطرة طهرة للصائم من الرفث واللغو وطعمة للمساكين ، من أداها قبل الصلاة فهى زكاة مقبولة، ومن أداها بعد الصلاة فهى صدقة من الصدقات).
وحيث ثبت وجوبها فهى فرض كزكوات الأموال ، وقال أبوحنيفة: هى واجبة وليست فرضا كالوتر، بناء على أصله فى الفرق بين الواجبه والفرض وهذا الخلاف إذا قدر كان خلافا فى العبارة وفاقا فى المعنى، والخلاف فى العبارة مع الوفاق فى المعنى غير مؤثر.
ومقدارها على كل مسلم صاع من تمر أو من شعير، كصاع رسول الله صلى الله عليه وسلم لما ورد فى ذلك عنه صلى الله عليه وسلم.
ووقتها قبل صلاة العيد، على خلاف بين الفقهاء فى جوازها فى أيام رمضان.
أ.د/ على جمعة محمد
مفهوم : الصلاة
الصلاة لغة : الدعاء، لقوله تعالى: {وصل عليهم} التوبة:103 ، أى ادع لهم.
واصطلاحا : قال الجمهور: هى أقوال وأفعال مفتتحة بالتكبير مختتمة بالتسليم مع النية بشرائط مخصوصة.
وعند الأحناف هى عبارة عن الأركان المعهودة والأفعال المخصوصة وعليه فإذا ورد فى الشرع أمر بصلاة أو حكم معلق بها، انصرف بظاهره إلى الصلاة الشرعية.
والصلاة مفروضة شرعا، دل على فرضيتها الكتاب والسنة والإجماع: أما الكتاب فآيات كثيرة منها:
قوله تعالى فى غير موضع من القرآن: {وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة} البقرة:110.
وأما السنة: فأحاديث كثيرة منها: ما رواه ابن عمر عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال: (بنى الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصيام رمضان ،وحج البيت من استطاع إليه سبيلا) (متفق عليه).
وأما الاجماع: فقد أجمعت الأمة سلفا وخلفا على وجوب خمس صلوات فى اليوم والليلة.
والصلوات المكتوبات خمس فى اليوم والليلة ، وهى: الظهر، أربع ركعات ، والعصر أربع ركعات ، والمغرب ثلاث ركعات ، والعشاء أربع ركعات ، والصبح ركعتان.
ولا خلاف بين المسلمين فى وجوبها، ولا يجب غيرها إلا لعارض من نذر، وذلك لما رواه أنس بن مالك قال: (فرضت على النبى صلى الله عليه وسلم الصلوات ليلة أسرى به خمسين ،ثم نقصت حتى جعلت خمسا،
ثم نودى يا محمد، إنه لا يبدل القول لدى، وإن لك بهذه الخمس خمسين).
والصلاة أفضل أركان الإسلام بعد الإيمان ، وهى أول ما يحاسب عليه العبد يوم القيامة.
والصلوات المكتوبات معلومة من الدين بالضرورة، فمنكرها كافر، حيث إن تارك الصلاة حالين:
الأولى: أن يتركها جحودا لفرضيتها، وفى هذه الحالة أجمع العلماء على أنه كافر مرتد يستتاب ، فإن تاب ، وإلا قتل كفرا.
الثانية: أن يترك الصلاة تهاونا وكسلا لا جحودا ، وفى حكم هذه الحالة اختلف الفقهاء، فذهب المالكية والشافعية ورواية عن أحمد إلى أنه يستتاب فإن تاب وإلا قتل حدا لا كفرا. أى أن حكمه بعد الموت حكم المسلم ،فيغسل ويصلى عليه ويدفن مع المسلمين.
وذهب الإمام أحمد فى الرواية الثانية وهى أرجح الروايتين عنه ، وعبد الله بن المبارك ، وابن راهويه ، وهو وجه عند الشافعية إلى أن حكم المتكاسل عن الصلاة يستتاب ، فإن تاب، وإلا قتل كفرا. وذهب أبو حنيفة والإمام المزنى إلى أنه لا يكفر ولا يقتل ، بل يعزر ويحبس حتى يصلى.
وللصلاة شروط يجب توافرها ، وهى نوعان: شروط وجوب ، وشروط صحة.
أولا: شروط الوجوب ، هى:
1- الإسلام: فتجب الصلاة على كل مسلم ، ذكرا أو أنثى، ولا تجب على الكافر ولكن يعاقب على تركها فى الآخرة، لتمكنه من فعلها بالإسلام.
2- العقل: فلا تجب الصلاة على المجنون باتفاق الفقهاء.
3- البلوغ: اتفق على أن البلوغ شرط لوجوب الصلاة، فلا تجب على الصبى حتى يبلغ ، ولكنه يؤمر بها تعليما له عندما يبلغ سبع سنوات ، ويضرب على تركها إذا بلغ عشر سنوات.
ثانيا: شروط الصحة، هى:
(أ) طهارة البدن والثوب والمكان من النجاسة الحقيقية.
(ب) الطهارة من الحدث ، وتكون بالوضوء، أو الغسل ، أو التيمم.
(ب) العلم بدخول وقت الصلاة، فلا تصح الصلاة إذا أديت قبل دخول وقتها.
(د) ستر العورة، فتبطل الصلاة مع كشف العورة للقادر على سترها، ولو كان منفردا فى مكان مظلم ، والعورة من الذكر ما بين السرة والركبة، ومن الأنثى جميع بدنها ما عدا الوجه والكفين.
(هـ) استقبال القبلة، فيجب على المصلى أن يولى وجهه شطر المسجد الحرام.
أقوال الصلاة وأفعالها تنقسم إلى أركان وسنن ، فالأركان هى التى لا تصح الصلاة بدونها ، والسنن تصح الصلاة بدونها على خلاف بين الفقهاء.
نكتفى بذكر الأركان إجمالا، أما تفصيلها ومعرفة السنن فيرجع إليها فى كتاب الصلاة من كتب المذاهب.
والأركان هى: النية، وتكبيرة الإحرام ،والقيام للقإدر عليه ، وقراءة الفاتحة، وآيات من القرآن ، والركوع ، والرفع من الركوع والاعتدال ، والسجود ، والرفع من السجود ،والجلوس بين السجدتين ، والطمأنينة فى الأركان ، والجلوس الأخير، والتشهد الأخير، والسلام ، وترتيب أركان الصلاة.
أ.د/ على مرعى
مفهوم : صلاة القصر
صلاة القصر لغة : قصر من الصلاة وقصر من الشىء على كذا: لم يجاوز به إلى غيره ، والسفر قطع المسافة كما فى الصحاح.
واصطلاحا : أن تصير الصلاة الرباعية ركعتين فى السفر.
والصلاة التى تقصر هى: الظهر والعصر والعشاء، أما الصبح والمغرب فلا قصر فيهما ؛ لأن الالتزام بأحكام الصلاة أمر تعبدى.
وقد ثبتته مشروعية القصر بالكتاب والسنة، قال تعالى {واذا ضربتم فى الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة} النساء:101، وجاء فى صحيح مسلم عن عبدالله بن عمر رضى الله عنهما قال: (صحبت النبى صلى الله عليه وسلم ، فكان لا يزيد فى السفر على ركعتين ، وأبا بكر وعمر وعثمان كذلك).
وبالنسبة إلى حكم صلاة القصر: ذهب الحنفية إلى وجوب قصر الصلاة، لقول السيدة عائشة رضى الله عنها (فرضت الصلاة ركعتين ركعتين ، فأقرت صلاة السفر وزيد فى صلاة الحضر) ولا يعلم ذلك إلا توقيفا.
وذهب غير الحنفية إلى جواز قصر الصلاة، فقالوا: والمسافر له القصر وله الإتمام ، وذلك لما ورد عن يعلى عن أبيه أنه قال: قلت لعمر بن الخطاب {فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا} النساء:101 ، فقد أمن الناس ، قال: عجبت بما عجبت منه ، فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك ، فقال: (صدقة تصدق الله بها عليكم ، فاقبلوا صدقته) (رواه مسلم).
والقصر والإتمام فى السفر سواء، وإن كنا نرى أن الأولى هو قصر الصلاة مراعاة للخلاف الواقع بين الفقهاء فى حكم قصر الصلاة.
ومسافة السفر التى تبيح قصر الصلاة فقد حددها الحنفية بثلاثة أيام سيرا على الأقدام ، وعند غيرهم بيومين ، ولا فرق فى ذلك بين أن تقطع هذه المسافة سيرا على الأقدام أو تقطع بالوسائل العصرية فى ساعة واحدة، لأن العبرة فى ذلك بقطع المسافة المبيحة للسفر.
واختلف الفقهاء فى مدة الإقامة التى ترفع حكم القصر:
1- فذهب المالكية والشافعية إلى أن إقامة أربع أيام صحاح تقطع حكم القصر، لأن المسافر يعتبر مقيما.
2- وذهب الحنفية إلى اعتبار الإنسان مقيما إن كانت المدة خمسة عشر يوما، ويبدأ المسافر قصر الصلاة من حين مجاوزة حدود إقامته ، وتنتهى بنية الإقامة، ويظل المسافر يقصر الصلاة مادام على نية سفر، حتى وإن طالت المدة ، لأن العبرة بنية السفر، ومادام قد نوى قطع السفر فإنه لا يجوز له قصر الصلاة بعد ذلك.
وإذا كان الإنسان يعيش فى بلدة، وانتقل إلى بلدة أخرى وأقام بها إقامة دائمة، فإن البلدة الأولى لا تكون له دار إقامة، فإذا سافر إلى بلدته الأولى التى تركها جاز له قصر الصلاة بها، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم حينما فتح مكة قصر الصلاة بها، وكما نعلم جميعا أن مكة هى الموطن الأصلى لسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولكنه بعد أن انتقل إلى المدينة صارت المدينة له وطنا: ولهذا قصر الصلاة بمكة، وأمر أهل مكة بإتمام صلاتهم ، وهذا معناه أن العبرة بالإقامة الدائمة فى مكان معين ، وليست العبرة بمحل الميلاد أو وجود الأقارب.
وعلى المسافر أن يعلم أنه لا يجوز له أن يأتم بمقيم ، فإن اقتدى بمقيم فعليه أن يتم صلاته تابعة لصلاة الإمام عملا بقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (إنما جعل الإمام ليؤتم به ، فلا تختلفوا عليه) (رواه مسلم).
ولكن يجوز للمقيم ان يأتم بالمسافر؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (أتموا يا أهل مكة صلاتكم فإنا قوم سفر) (رواه الترمذى).
أ.د/ صبرى عبدالرؤوف محمد عبدالقوى
مفهوم : الصلح
الصلح لغة : اسم من الصلاح وهو التوفيق ، وأصلحت بين القوم: أى وفقت قال الراغب: الصلح يختص بإزالة النفار بين الناس ، فهو قطع المنازعة.
وشرعا : هو الانتقال عن حق أو دعوى بعوض لرفع نزاع أو خوف وقوعه ، فهذا التعريف يشير إلى أنه قد يكون الصلح عن المنازعة بعد وقوعها، كما أنه يكون أيضا عند خوف المنازعة واحتماك وقوعها وقاية منها.
والصلح مشروع بالكتاب والسنة والاجماع.
أما الكتاب: قوله تعالى: {لا خير فى كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس} النساء: 114 ، وقوله تعالى: {والصلح خير} النساء:128 ، فالله تعالى وصفه الصلح بالخيرية، ولا يوصف بها إلا ما كان مشروعا ومأذونا فيه.
وأما السنة : فبما روى أبو هريرة رضى الله عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم قال (الصلح جائز بين المسلمين) فالحديث واضح الدلالة على مشروعية الصلح.
وأما الإجماع : فقد أجمع الفقهاء على مشروعية الصلح فى الجملة، وإن كان هناك خلاف فى بعض الصور.
أما عن درجة المشروعية : فالأصل أنه مندوب ، ومع ذلك فقد يكون واجبا عند تعين مصلحة، وقد يكون حراما أو مكروها عند استلزامه مفسدة يجب درؤها ، أو يترجح جانب المفسدة.
وللصلح أنواع خمسة:
(أ) الصلح بين أهل العدل وأهل البغى.
(ب) الصلح بين الزوجين عند خوف الشقاق.
(ج) الصلح بين المتخاصمين فى غير مال كالجنايات العمدية.
(د) الصلح بين المسلمين والكفار.
(هـ) الصلح بين المتخاصمين فى الأموال.
وهذا الأخير قد أفرد له الفقهاء بابا فى كتب الفقه.
ويجوز للقاضى أن يرد الخصوم إلى الصلح إن طمع فى الصلح منهم ، وإلا فلا يردهم ، بل ينفذ القضاء فيهم ، لأنه لا فائدة فى الرد.
وعقد الصلح ليس عقدا مستقلأ بذاته ، بل هو متفرع عن غيره ، بمعنى أنه تسرى عليه أحكام أقرب العقود إليه شبها بحسب المضمون ، فالصلح عن مال بمال يعتبرفى حكم البيع ، والصلح عن مال بمنفعة يعد في حكم الإجارة، والصلح عن نقد بنقد له حكم الصرف وهكذا. ويترتب على ذلك أنه تجرى على الصلح أحكام العقد الذى تشابه معه أواعتبر به، فتراعى فيه شروطه ومتطلباته ،وذلك لأن العبرة للمعانى دون الصور.
وقد ذهب جمهور الفقهاء إلى أن للصلح أركانا ثلاثة:
1- الصيغة (الإيجاب والقبول).
2- والعاقدان.
3- والمحل (المصالح به والمصالح عنه).
وللصلح أقسام نوجزها فيما يلى، ومن أراد الأستزادة فليرجع إلى التفصيل فى كتب الفقهاء.
فالصلح إما أن يكون بين المدعى والمدعى عليه ، وإما أن يكون بين المدعى والأجنبى المتوسط.
كما ينقسم الصلح بنوعيه إلى ثلاثة أقسام : صلح عن الإقرار، وصلح عن الإنكار، وصلح عن السكوت.
(أ) فالصلح مع إقرار المدعى عليه جائز باتفاق الفقهاء، وهو ضربان: صلح عن الأعيان وصلح عن الديون ، والصلح عن الأعيان نوعان: صلح الحطيطة، وصلح المعاوضة والصلح عن الديون نوعان: صلح إسقاص وإبراء ، وصلح معاوضة.
(ب) وأما الصلح مع إنكار المدعى عليه فقد اختلف الفقهاء فى جوازه على قولين:
القول الأول: أن الصلح على الإنكار جائز، بشرص أن يعتقد المدعى أن له الحق ، والمدعى عليه يعتقد أن لا حق عليه ، فيتصالحان قطعا للخصومة والنزاع. وبهذا قال الحنفية والمالكية والحنابلة.
والقول الثانى: أن الصلح على الإنكار باطل وبهذا قال الشافعية وابن أبى ليلى.
(ج) وأما الصلح مع سكوت المدعى عليه ، كما إذا ادعى شخص على آخر شيئا، فسكت المدعى عليه دون أن ينكر أو يقر، ثم صالح عنه وهذا النوع اعتبره الفقهاء فى حكم الصلح عن الإنكار، وبالتالى ففيه القولان السابقان.
وقد بين الفقهاء أنه يترتب على انعقاد الصلح حصول البراءة عن الدعوى، ووقوع الملك فى بدل الصلح للمدعى، وفى المصالح به للمدعى عليه إن كان مما يحتمل التمليك ،كما أن الصلح يعتبر بأقرب العقود إليه ، فما كان فى معنى البيع أو الإجارة أخذ حكمه ؛ ذلك أن العبرة فى العقود للمقاصد والمعانى دون الألفاظ والمبانى.
كما أن الصلح من العقود اللازمة، فإذا انعقد صحيحا خاليا من العيوب ، فإنه لا يملك أحد المتعاقدين فسخه أو الرجوع عنه بمفرده.
أما عن شروط الصلح وسائر تفصيلات أحكامه وفروعها، فيرجع إليها فى كتب الفقه.
أ.د/ على مرعى
مفهوم : صلح الحديبية
صلح الحديبية اصطلاحا : هو الصلح الذى تم بين قريش وبين النبى صلى الله عليه وسلم وألف وأربعمائة من الصحابة،
فى وادى الحديبية، فى شهر ذى القعدة من العام السادس للهجرة الموافق لسنة ستمائة وسبع وعشرين ميلادية، بعد مفاوضات شاقة وظروف صعبة، وقد تم الصلح بينهما على شروط أربعة هى:
1- أن توضع الحرب عن الناس عشر سنين.
2- أن من أراد الدخول فى عهد محمد صلى الله عليه وسلم دخل فيه ، ومن أراد الدخول فى عهد قريش دخل فيه.
3- أن يعيد محمد صلى الله عليه وسلم إلى مكة من أتاه مسلما من غير إذن مواليه ، ولا تفعل كذلك قريش.
4- أن يعود محمد صلى الله عليه وسلم عامه هذا، ويأتى فى العام المقبل ، فيقيم فى مكة ثلاثة أيام تخليها قريش له ، وليس معه سوى سلاح المسافر، وهو السيوف فى الأغماد.
وقد اعترض الفاروق عمر بن الخطاب رضى الله عنه على الشرطين الثالث والرابع ، واشتد حتى قال له الصديق: الزم غرزك ، فإنى أشهد أنه رسول الله ، وأن الله لا يضيعه.
كذلك اعترض على بن أبى طالب رضى الله عنه على ما أصرعليه سهيل بن عمرو عند كتابة الصلح من كتابة باسمك اللهم بدلا من البسملة، وكتابة اسم محمد وأبيه بدلا من محمد رسول الله، ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم يعلم ما سيجنيه من المكاسب للإسلام من وراء هذا الصلح ما لا يعلمه غيره ، فقد أجاب سهيلا إلى ما أراده.
ولما جاء وقت الحلق والتقصير لم يستجب المسلمون ؛ على أساس أنهم لم يدخلوا المسجد الحرام كما وعدهم النبى صلى الله عليه وسلم ، فدخل النبى صلى الله عليه وسلم على أم سلمة أم المؤمنين وأخبرها الخبر، فأشارت عليه أن يكون هو البادىء بالحلق ، فإن الناس لن يخالفوه ، وكان الأمر كما توقعت.
وقد سمى هذا الصلح فتحا مبينا من قبل الله عز وجل ، ونزلت فى تسجيل أحداثه سورة تحمل هذا الاسم (سورة الفتح)، وذلك لعدة أسباب ، منها:
1- اعتراف قريش بالإسلام ، والسماع للمسلمين بزيارة البيت وأداء المناسك للحج.
2- إتاحة الفرصة أمام القبائل لإرسال بعوثها إلى المدينة لزيارة النبى صلى الله عليه وسلم والاستماع لما يدعو إليه.
3- إرسال النبى صلى الله عليه وسلم الكتب والرسل لدعوة الحكام فى كل مكان إلى الدخول فى الإسلام هم ورعاياهم.
أ.د/ عبدالعزيز غنيم عبدالقادر
مفهوم : الصيدلة
الصيدلة لغة : الصيدلانى، فارسى معرب ، والجمع صيادلة كما فى اللسان.
واصطلاحا : فن علمى يبحث فى أصول الأدوية سواء كانت نباتية أو حيوانية أو أدوية مصنعة كيميائيا، من حيث تركيبها وتحضيرها ومعرفة خواصها الكيميائية والطبيعية، وتأثيرها فى علاج الأمراض والوقاية منها، كما تختص الصيدلة بكيفية استحضار الأدوية المركبة من هذه الأصول.
ويدل المصطلح العربى " صيدلى " أو " صيدلانى " - طبقا لما ذهب إليه العالم المسلم البيرونى - على المحترف بجمع الأدوية على أحد صورها واختيار الأجود من أنواعها مفردة أو مركبة؛ لاستعمالها فى علاج الأمراض.
ويرى البيرونى أن كلمة "صيدلانى" تعريب لكلمة "جندولانى" بقلب الجيم صادا ، وكلمة "جندن "و" صندل " تدل على أفواه الطيب العطر، وقد تنسب كلمة " صيدلانى" أيضا إلى " الصندل " وفى كلتا الحالتين فإن المصطلح يدل على أن " الصيدلى" هو الشخص الذى يجمع الأعشاب النافعة للتطبيب.
ولقد عرف الإنسان الدواء منذ فجر التاريخ ، حيث اهتدى الإنسان البدائى بالفطرة إلى اكتشاف الدواء الذى يسكن آلامه ويعالج مرضه ، فقد استعمل الكحول والأفيون لتسكين الآلام ، كما استخدم "السنكونا " لعلاج الملاريا ، ونبات عرق الذهب لعلاج الدوسنتريا.
وتعتبر الحضارة المصرية القديمة من أعرق الحضارات التى زخرت بالكثير من العلوم الطبية، والتى كان لها الفضل فى اكتشاف بعض الأدوية التى لا يزال يستعمل عدد منها حتى الآن ، وتشهد بعض البرديات التى يرجع تابخها إلى (1600) سنة قبل الميلاد، على أن قدماء المصريين قد توصلوا إلى علاج أمراض عديدة ومتنوعة، حيث تزخر البرديات الطبية بما يزيد عن (700) وصفة علاجية تشمل طريقة تحضير الدواء، وكيفية إعطائه للمريض ، منها استعمال الحنظل والزعتر والزعفران والثوم والبصل وزيت الزيتون والسمسم والقرنفل ، وغير ذلك مما يدل على أنهم قد برعوا فى مجال الطب والصيدلة.
وقد توصل الهنود فى القرن السادس قبل الميلاد إلى الوقاية من مرض الجدرى باستعمال وسيلة التطعيم ، وعلاج بعض الأمراض باستعمال النباتات والأدوية الطبيعية، كما كانوا يعتقدون فى العلاج بالسحر.
كما توصل أيضا قدماء اليونانيين إلى علاج بعض الأمراض باستعمال الأدوية الطبيعية والنباتات ، كما كانوا يعتقدون كذلك فى العلاج بالسحر.
ولقد استطاع العالم اليونانى أبقراط (460- 377 ق م) وأتباعه أن يحرروا الطب من الخرافات والخزعبلات ، وأوصى أبقراط بالوقاية من الأمراض وعلاجها بتناول الغذاء الأمثل والتعرض للهواء النقى وتدليك الجسم ، كما أوصى باستعمال الأدوية المسهلة والحقن الشرجية وبعض الأدوية فى علاج الأمراض.
وفى العصر الرومانى انتقل التراث الطبى من اليونان إلى روما ، ويعتبر العالم جالينوس - وهو يونانى المنشأ - من أشهر علماء الطب والصيدلة فى العصر الرومانى، حيث كان له أبلغ الأثر فى تقدم الصيدلة، فهو أول من أدخل المستحضرات الدوائية المركبة فى مجال الصيدلة، وأول من حضر صبغة الأفيون ومستحضرات بعض النباتات الطبية، التى أطلق عليها فيما بعد اسم "الجالينات". ولقد كان للإسلام أبلغ الأثر فى تقدم وتطور علوم الطب والصيدلة، حيث حث المسلمين على طلب العلم وتكريم العلماء، ولقد شهد العالم الإسلامى مولد أول مدرسة للصيدلة، وبذلك استقل مبحث الصيدلة عن مبحث الطب ،ويشهد لعلماء العصر الإسلامى ببراعتهم فى فن تحضير الدواء، وكان المسلمون هم أول من أنشأوا صيدليات لبيع الدواء.
ولقد أسهم الأطباء والصيادلة العرب والمسلمون إسهاما كبيرا فى تقدم وتطور علوم الطب والصيدلة فى مختلف دول العالم بما قدموه من دراسات ومؤلفات ، مما كان له أثر كبير فى تطورها، وكانت تعد من أهم المراجع الطبية والصيدلية فى أوروبا إلى ما بعد القرن السابع عشر.
ولقد شهد العصر الحديث تطورا مذهلا فى علوم الصيدلة، حيث شيدت آلاف الأدوية الكيميائية، واكتشفت الآثار الطبية العديد من الأدوية الطبيعية، كما تنوعت وتقدمت وسائل العلاج الدوائى، وتحضير الأدوية والمركبات الصيدلية، كما شهد هذا العصرتقدما علميا وتقنيا فى الصناعات الدوائية ودراسات وبحوث الصيدلة.
أ.د/ عز الدين الدنشارى
مفهوم : الصيرفة
الصيرفة لغة : مشتقة من الصرف ، وهو صرف الذهب والفضة فى الميزان ، أى فضل الدرهم على الدرهم ، والدينار على الدينار ، لأن كل واحد منهما يصرف عن قيمة صاحبه ، ويقال بين الدرهمين صرف أى فضل لجودة فضة أحدهما ، والصرف أيضا بيع الذهب بالفضة، ويقال صرفت الدراهم بالدنانير(كما فى اللسان).
واصطلاحا : وظيفة من وظائف كتاب الأموال فى الدول الإسلامية.
والصراف والصريف والصيرفى هو الذى كان يتولى قبض الأموال وصرفها ونقدها ،والجمع صيارف وصيارفة، وقد يجمع شخص واحد مهمة الصيرفى والجابى.
ونظرا لأهمية وظيفة الصيرفة ألفت كتب لإرشاد الصيارفة، منها : كتاب "المختار فى كشف الأسرار" للجويرى، وهو من علماء النصف الأول من القرن الهجرى، وقد تناول هذا الكتاب كشف أسرار الغش والتدليس فى الصناعات ، وعنى بصفة خاصة بأعمال الصيارف. كتاب "الباهر فى الحيل والشعبذة" لأحمد بن عبدالملك الأندلسى. واهتم الكتاب بتنبيه الصيارفة إلى تجنب التصرفات المخالفة للشرع ، فحذرهم السباكى مثلا من خلط أموال الناس بعضها ببعض ،وعدم بيع النقدين بالآخر نسيئة، بل نقدا، وذكرهم أيضا بأن من حق الصيرفى معرفة عقد الصرف ،وألزم بضمان ما يتلف فى يده من النقد للغير. ومن الأمورالتى لفت السباكى نظر الصيرفى إليها انه إذا سلم صبى درهما إلى صيرفى لينقده لم يحل للصيرفى رده إليه ، وإنما يرده إلى وليه.
ومن الملاحظ أن كثيرين من اليهود والنصارى مارسوا الصيرفة فى مصر فى العصر الإسلامى، وأثروا منها ثراء كبيرا، وحصلوا عن طريقها على كثير من النفوذ.
وحدد ديوان الإنشاء فى عصر المماليك ألقابا الصيارف من اليهود والنصارى، وذكر أنها تصدر "بالشيخ" كما كانوا يتخذون ألقابا مضافة إلى الدولة مثل ولى الدولة وشمس الدولة،وربما قيل: الشيخ الشمسى للتفخيم.
وكان الصيرفى إذا أسلم أضيف لقبه إلى الدين بدلا من الدولة، فيقال مثلا شمس الدين ، وإذا كان لقبه لا ينالب الإضافة إلى الدين نعت بلقب قريب ، مثلا الشيخ السعيد، قد يقال له سعد الدين.
هذا.. واشتهر بعض الأعلام بلقب الصيرفى مما يرجح اشتغالهم بهذه الوظيفة، أو انتسابهم إلى من اشتغل بها، ومن أمثلة هؤلاء: الصيرفى على بن بندار الصوفى والصيرفى عمرو بن عدى، والشيخ أبو القاسم على بن منجب الصيرفى الكاتب ،مؤلف كتاب "قانون ديوان الرسائل" وشهرته ابن الصيرفى، وقد ورد اسمه بمسجد مهدم بقرية الحصن.
وقد وصلتنا بعض شواهد قبور تشتمل على أسماء مصحوبة بهذه الوظيفة، منها: شاهد رخام من ترابانى مؤرخ ربيع الأول سنة 474هـ باسم سيدة الأهل بنت عبدالعزيز الصيرفى من أهل مازر. شاهد حجر جيرى مؤرخ آخر رجب سنة 583هـ من جبانة باب الشاغور بدمشق باسم الحاج أبو المكارم بن جامع بن على الصيرفى.
هذا ويطلق حاليا فى مصروغيرها من البلاد العربية على شركات تغيير العملات أو استبدالها شركات الصرافة.
أ.د/ حسن الباشا
منتديات الرسالة الخاتمة