منتدى نافذة ثقافية

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

    الأحداث من سنة ثمان الى اثنتي عشرة ومائتين والف

    بص وطل
    بص وطل
    Admin


    عدد المساهمات : 2283
    تاريخ التسجيل : 29/04/2014

    الأحداث من سنة ثمان الى اثنتي عشرة ومائتين والف Empty الأحداث من سنة ثمان الى اثنتي عشرة ومائتين والف

    مُساهمة من طرف بص وطل السبت مارس 24, 2018 3:40 pm

    الأحداث من سنة ثمان الى اثنتي عشرة ومائتين والف Tarek411

    بّسم الله الرّحمن الرّحيم
    مكتبة التاريخ
    عجائب الآثار
    الجزء الأول
    الأحداث من سنة ثمان الى اثنتي عشرة ومائتين والف 1410
    { الفصل الثاني }
    في ذكر حوادث مصر وولاتها وتراجم اعيانها
    ووفياتهم ابتداء من ظهور امر الفقارية
    { احداث سنة ثمان ومائتين وألف }

    فيها أوفى النيل أذرعه في سادس عشر المحرم الموافق لثامن عشر مسرى القبطي وأول برج السنبلة وفيها انحلت الاسعار وبورك في رمي الغلال حتى ان الفدان الواحد زكا بقدر خمسة أفدنة وبلغ النيل الى الزيادة المتوسطة وثبت الى أول بابه وشمل الماء غالب الارض بسبب التفات الناس لسد المجارى وحفر الترع واصلاح الجسور
    وفي اوائل شهر صفر وصل قابجي من الديار الرومية بطلب مال المصالحة والحلوان فانزلوه في دار وهادوه ورتبوا له مصروفا
    ومن الحوادث ان الناس انتظروا جاويش الحاج وتشوفوا لحضوره ولم يذهب اليهم في هذه السنة ملاقاة بالوش ولا بالازلم وأرسل ابراهيم بك هجانا يستخبر عن الحجاج فذهب ورجع ليلة الثالث والعشرين من شهر صفر وأخبر ان العرب تجمعوا على الحج من سائر النواحي عند مغاير شعيب ونهبوا الحجاج وكسروا المحمل واحرقوه وقتلوا غالب الحجاج والمغاربة معهم وأخذوا أحمالهم ودوابهم ونهبوا أثقالهم وانجرح أمير الحج وأصابه ثلاث رصاصات وغاب خبره ثلاثة ايام ثم أحضره العرب وهو عريان في أسوأ حال وأخذوا النساء بأجمالهن والذي تبقى منهم أدخلوه الى قلعة العقبة وتركهم الهجان بها من غير ماء ولا زاد فنزر بالناس من الغم والحزن تلك الليلة مالا مزيد عليه ثم أنهم عينوا محمد بك الالفي وعثمان بك الاشقر ليسافرا بسبب ذلك فخرجا في يوم الخميس سابع عشرين صفر وخطف اتباعهم في ذلك اليوم ما صادفوه من الجمال والبغال والحمير وقرب السقائين التي تنقل الماء من الخليج ونهبوا الخبر من الطوابين والمخابر والكعك والعيش من الباعة وفي يوم خروجهم وصل جماعة من الحجاج ودخلوا في أسوأ حال من العري والجوع والتعب فلما وصلوا الى نخل تلاقوا مع باقي الحجاج عل مثل ذلك ووجدوا أمير الحاج ذهب الى غزة وصحبته جماعة من الحجاج وأرسل يطلب الامان ولم يزوروا المدينة في هذه السنة وأرسل من صرة المدينة اثنين وثلاثين ألف ريال مع عرب حرب ضاع في هذه الحادثة من الاموال والمحزوم شيء كثير جدا واخبروا ان مواسم هذا العام كان من أعظم المواسم لم يتفق مثله من مدة مديدة
    وفي يوم الاثنين غرة ربيع الاول دخل باقي الحجاج على مثل حالة من وصل منهم قبل ذلك
    وفي صبحها يوم الثلاثاء عملوا الديوان بالقلعة واجتمع الامراء والوجاقلية والمشايخ وقرىء المرسوم الذي حضر بصحبة الاغا فكان مضمونه طلب الحلوان والخزينة وقدر ذلك تسعة الاف واربعمائة كيس وعشرة الاف وخمسة واربعون نصفا فضة تسلم ليد الاغا المعين من غير تأخير
    وفيه عملوا على زوجات أمير الحاج ثلاثين الف ريال وأرسلوا الى بيت حسن كاشف المعمار فأخذوا ما فيه من الغلال وغيرها لانه قتل في معركة العرب مع الحجاج وألبسوا زوجته الخاتم قهرا عنها ليزوجوها لمملوك من مماليك مراد بك وهي بنت علي اغا المعمار ووجدت على زوجها وجدا عظيما وارسلت جماعة لاحضار رمته من قبره الذي دفن فيه في صندوق على هيئة تابوت
    وفيه شرع الامراء في عمل تفريدة على البلاد بسبب الاموال المطلوبة وقرروها عال وهو اربعمائة ريال ووسط ثلثمائة والدون مائة وخمسون وكتبوا اوراقها على الملتزمين ليحصلوها منهم
    وفي يوم الخميس سافر حسن كتخدا ايوب بك بامان لعثمان بك ليحضره من غزة ووصل المتسفرون بجثة حسن كاشف المعمار
    وفي عشرين جمادى الاولى وصل عثمان بك طبل الاسماعيلي امير الحاج الى مصر مكسوف البال ودخل الى بيته
    وفيه حضر الصدر الاعظم يوسف باشا الى الاسكندرية ليتوجه الى الحجاز فاعتنى الامراء بشأنه وارسلوا له ملاقاة وتقادم وهدايا وفرشوا له قصر العيني ووصل الى مصر وطلع من المراكب الى قصر العيني واسلوا له تقادم وضيافات ثم حضروا للسلام عليه في زحمة وكبكبة فخلع على ابراهيم بك ومراد بك خلعا ثمينة وقدم لهما حصانين بسرجين مرختين ثم نزل له الباشا المنولي بعد يومين وسلم عليه ورجع الى القلعة واقاموا لخفارته عبد الرحمن بك الابراهيمي جلس بالقصر المواجه لقصر العيني وقد تخيلوا من حضوره وظنوا ظنونا
    وفي يوم الاحد ثالث جمادى الثانية طلع يوسف باشا الى القلعة باستدعاء من الباشا المتولي فجلس عنده الى بعد الظهر ونزل في موكب حافل الى محله بقصر العيني وارسل له ابراهيم بك ومراد بك مع كتخدائهم هدية وهي خمسمائة أردب قمح ومائة اردب ارز وتعبيات اقمشة هندية وغير ذلك واقام بالقصر اياما وقضوا أشغاله وهيؤا له اللوازم والمراكب بالسويس وركب في اواسط جمادى الثانية وذهب الى السويس ليسافر الى جدة من القلزم وانقضت هذه السنة وحوادثها واستهلت الاخرى

    من مات فيها من الاعيان ومن سارت بذكرهم الركبان

    مات نادرة الدهر وغرة وجه العصر انسان عين الاقاليم فريد عقد المجد النظيم جامع الفضائل والمحاسن ومظهر اسم الظاهر والباطن من لبس رداء النجابة في صباه ولاح عنوان المكارم على صحائف علاه ولم تقصر عليه أثواب مجده التي ورثها عن ابيه وجده الحسيب النسيب والنجيب الاريب السيد محمد افندي البكري الصديقي شيخ سجادة السادة البكرية ونقيب السادة الاشراف بمصر المحمية تقلد بعد والده المنصبين وورث عنه السيادتين فسار فيهم سيرة الملوك ونثر فرائد المكارم من أسلاك السلوك فجوده حدث عن البحر ولا حرج وبراعة منطقه تلتج سلب الالباب والمهج مع حسن منظر تتزاحم عليه وفود الابصار وفيض نوال تضطرب لغيرتها منه البحار وقد اجتمع فيه من الكمال ما تضرب به الامثال واخبار غنية عن البيان مسطرة في صحف الامكان زمانه كأنه عروس الفلك فكم قال له الدهر اما الكمال فلك ولم يزل كذلك الى ان آذنت شمسه بالزوال وغربت بعد ما طلعت من مشرق الاقبال وقطفت زهرة شبابه وقد سقتها دموع احبابه وكانت وفاته ليلة الجمعة ثامن عشر ربيع الثاني وخرجوا بجنازته من بيتهم بالازبكية وصلى عليه بالازهر في مشهد حافل ودفن عند اجداده بجوار الامام الشافعي رضي الله عنه وبالجملة فهو كان مسك الختام قلما تسمح بمثله الايام ولما مات تولى سجادة الخلافة البكرية ابن خاله سيدي الشيخ خليل افندي وتقلد النقابة السيد عمر افندي الاسيوطي
    ومات علامة العلوم والمعارف وروضة الاداب الوريقة وظلها الوارف جامع المزايا والمناقب شهاب الفضل الثاقب الامام العلامة الشيخ احمد ابن موسى بن داود ابو الصلاح العروسي الشافعي الازهري ولد سنة ثلاث وثلاثين ومائة والف وقدم الازهر فسمع على الشيخ احمد الملوي الصحيح بالمشهد الحسيني وعلى الشيخ عبد الله الشبراوي الصحيح والبضاوي والجلالين وعلى السيد البليدي البيضاوي في الأشرفية وعلى الشمس الحفني الصيح مع شرحه للقسطلاني ومختصر بن ابي جمرة والشمائل وابن حجر على الاربعين والجامع الصغير وتفقه على كل من الشبراوي والعزيزي والحفني والشيخ علي قايتباي الاطفيجي والشيخ حسن المدابغي والشيخ سابق والشيخ عيسى البراوي والشيخ عطية الاجهوري وتلقى بقية الفنون عن الشيخ علي الصعيدي لازمه السنين العديدة وكان معيدا لدروسه وسمع عليه الصحيح بجامع مرزة ببولاق وسمع من الشيخ ابن الطيب الشمائل لما ورد مصر متوجها الى الروم وحضر دروس الشيخ يوسف الحفني والشيخ ابراهيم الحلبي وابراهيم بن محمد الدلجي ولازم الشيخ الوالد وأخذ عنه وقرأ عليه في الرياضيات والجبر والمقابلة وكتاب الرقائق للسبط وقوللي زاده على المجيب وكفاية القنوع والهدايةوقاضي زادة وغير ذلك وتلقن الذكر والطريقة عن السيد مصطفى البكري ولازمه كثير واجتمع بعد ذلك على ولي عصره الشيخ احمد العربان فأحبه ولازمه واعتنى به الشيخ وزوجه احدى بناته وبشره بانه سيسود ويكون شيخ الجامع الازهر فظهر ذلك بعد وفاته بمدة لما توفي شيخنا الشيخ احمد الدمنهوري واختلفوا في تعيين الشيخ فوقعت الاشارة عليه واجتمعوا بمقام الامام الشافعي رضي الله عنه كما تقدم واختاروه لهذه الخطة العظيمة فكان كذلك واستمر شيخ الجامع على الاطلاق ورئيسهم بالاتفاق يدرس ويعيد ويملي ويفيد ولم يزل يراعي للحقير حق الصحبة القديمة والمحبة الاكيدة وسمعت من فوائده كثيرا ولازمت دروسه في المغني لابن هشام بتمامه وشرح جمع الجوامع للجلال المحلي والمطول وعصام على السمرقندية وشرح رسالة الوضع وشرح الورقات وغير ذلك وكان رقيق الطباع مليح الاوضاع لطيفا مهذبا اذا تحدث نفت الدر واذا لقيته لقيت من لطفه ما ينعش ويسر ولم تزل كؤوس فضله على الطلبة مجلوة حتى ورد موارد الموت ودعاه الله تعالى بجوار الجنان وتلقاه جدثه بروح رحمة ورضوان وذلك في حادي عشرين شعبان وصلى عليه بالازهر في مشهد حافل ودفن بمدفن صهره الشيخ العريان تغمده الله بالرحمة والرضوان ومن تآليفه شرح على نظم التنوير في اسقاط التدبير الشيخ الملوي وهو نظم وحاشية على الملوي على السمرقندية وغير ذلك وخلف أولاده الاربعة كلهم فضلاء أذكياء نبلاء أحدهم الذي تعين بالتدريس في محله بالازهر العلامة اللوذعي والفهامة الالمعي شمس الدين السيد محمد واخوه النبيه الفاضل المتقن شهاب الدين السيد أحمد وأخوه الذكي اللبيب والفهيم النجيب السيد عبد الرحمن والنبيه الصالح والمفرد الناجح السيد مصطفى بارك الله فيهم
    ومات الخواجة المعظم والملاذ المفخم حائز رتب الكمال وجامع مزايا الافضال سيدي الجامع محمود بن محرم اصل والده من الفيوم واستوطن مصر وتعاطى التجارة وسافر الى الحجاز مرارا واتسعت دنياه وولد له المترجم فتربى في العز والرفاهية ولما ترعرع وبلغ رشده وخالط الناس وشارك وباع واشترى وأخذ واعطى ظهرت فيه نجابة وسعادة حتى كان اذا مسك التراب صار ذهبا فانجمع والده وسلم له قياد الامور فاشتهر ذكره ونسا امره وشاع خبره بالديار المصرية والحجازية والشامية والرومية وعرف بالصدق والامانة والنصح فاذعنت له الشركاء والوكلاء ووثقوا بقوله ورأيه واحبه الامراء المصرية وتداخل فيهم بعقل وحشمة وحسن سير وفطانة ومدارات وتؤدة وسياسة ولطف وادب وحسن تخلص في الامور الجسيمة وعمر داره ووسعها واتحفها وخرفها وأنشأ بها قاعة عظيمة وامامها فسحة مليحة الشكل وحول القاعة بستان بديع المثال وهي مطلة عليه من الجهتين وزوج ولده سيدي احمد الموجود الان وعمل له مهما عظيما دعا اليه الاكابر والاعيان والتجار وتفاخر فيه الى الغاية وعمر مسجدا بجوار بيته بالقرب من حبس الرحبة فجاء في غاية الاتقان والحسن والبهجة ووقف عليه بعض جهات ورتب فيه وظائف وتدريسا وبالجملة كان انسانا حسنا وقورا محتشما جميل الطباع مليح الاوضاع ظاهر العفاف كامل الاوصاف حج في هذه السنة من القلزم ورجع في البرمع الحجاج في امارة عثمان بك الشرقاوي على الحج في احمال مجملة وهيئة زائدة مكملة فصادفتهم شوبة فقضى عليه فيها ودفن بالخيوف ولم يخلف في بابه مثله رحمه الله
    ومات الامير حسن كاشف المعمار واصله مملوك محمود بك واعطاه لعلي اغا المعمار اخذه صغيرا ورباه ودربه في الامور وزوجه ابنته وعمل لزواجهما مهما وولائم ولما مات سيده قام مقامه وفتح بيته ووضع يده على تعلقاته وبلاده ونما امره وانتظم في سلك الامراء المحمدية لكونه في الاصل مملوك محمد بك وخشداشهم وكان رئيسا عاقلا ساكن الجاش جميل الصورة واسع العينين أحورهما ولما حج في هذه السنة وخرجت عليهم العرب ركب وقاتلهم حتى مات شهيدا ودفن بمغاير شعيب ونهب متاعه واحماله وحزنت عليه زوجته الست حفيظة ابنة علي أغا حزنا شديدا وارسلت مع العرب ونقلته الى مصر ودفنته عند ابيها بالقرافة وزوجته المذكورة هي الان زوجة لسليمان بك المرادي
    ومات الامير شاهين بك الحسني وقد تقدم انه كان حضر الى مصر رهينة وسكن ببيت بالقرب من الموسكي وهو مملوك حسن بك الجداوي امره ايام حسن باشا وسكن ببيت مصطفى بك الكبير الذي على بركة الفيل المعروف سابقا بشكر فره وصار من جملة الامراء المعدودين ولما مات اسمعيل بك وحصل ما تقدم من قدوم المحمديين وخروجهم فحضر المترجم صحبة عثمان بك الشرقاوي رهينة عن سيده واقام بمصر وكان سبب موته ان انسانا كلمه عن اصول الصبغة التي تنبت بالغيطان ولها ثمر يشبه عنب الديب في عناقيد يصبغ منه القراشون مياه القناديل في المواسم والافراح وان من اكل من اصولها شيئا أسهله اسهالا مفرطا ولم يذكر له المسكن لذلك ولعله كان يجهله فأرسل من اتى له بشي منها من البستان واكل منه فحصل هل اسهال مفرط حتى غاب عن حسه ومات وتسكين فعلها اذا بلغت غايتها ان يمتص شيئا من الليمون المالح فانها تسكن في الحال ويفيق الشخص كان لم يكن به شيء
    ومات الامير احمد بك الوالي بقبلي وهو ايضا مملوك حسن بك الجداوي وقد تقدم ذكره ووقائعه مع اهل الحسينية وغيرهم في ايام زعامته

    ● { أحداث سنة تسع ومائتي والف } ●

    لم يقع بها شيء من الحوادث الخارجية سوى جور الامراء وتتابع مظالمهم واتخد مراد بك الجيزة سكنا وزاد في عمارته واستولى على غالب بلاد الجيزة بعضها بالثمن القليل وبعضها غصبا وبعضها معاوضه واتخذ صالح اغا ايضا له دار بجانبه وعمرها وسكنها بحريمه ليكون قريبا من مراد بك
    وفي سابع عشرين المحرم الموافق لعشرين شهر مسرى القبطي أوفىالنيل أذرعه وكسر السد في صبحها بحضرة الباشا والامراء وجرى الماء في الخليج
    وفي شهر صفر ورد الخبر بوصول صالح باشا والى مصر الى اسكندرية واخذ محمد باشا في اهبة السفر ونزل وسافر الى جهة اسكندرية
    وفي عشرين شهر ربيع الاول وصل صالح باشا الى مصر وطلع القلعة
    وفي اواخره ورد الخبر بوصول تقليد الصدارة الى محمد باشا عزت المنفصل عن مصر وورد عليه التقليد وهو باسكندرية وكان صالح أغا الوكيل ذهب صحبته ليشيعه الى اسكندرية فأنعم اليه بفرمان مرتب على الضربخانة باسم حريمه ألف نصف فضة في كل يوم
    وفي ليلة السبت خامس عشر ربيع الثاني أمطرت السماء مطرا غزيرا قبل الفجر وكان ذلك آخر بابه القبطي
    وفي شهر الحجة وقع به من الحوادث ان الشيخ الشرقاوي له حصفة في قرية بشرقية بلبيس حضر اليه اهلها وشكوا من محمد بك الالفي وذكروا ان اتباعه حضروا اليهم وظلموهم وطلبوا منهم مالا قدرة لهم عليه واستغاثوا بالشيخ فاغتاظ وحضر الى الازهر وجمع المشايخ وقفلوا ابواب الجامع وذلك بعد ما خاطب مراد بك وابراهيم بك فلم يبديا شيئا ففعل ذلك في ثاني يوم وقفلوا الجامع وامروا الناس بغلق الاسواق والحوانيت ثم ركبوا في ثاني يوم واجتمع عليهم خلق كثير من العامة وتبعوهم وذهبوا الى بيت الشيخ السادات وازحم الناس على بيت الشيخ من جهة الباب والبركة بحيث يراهم ابراهيم بك وقد بلغه اجتماعهم فبعث من قبله ايوب بك الدفتردار فحضر اليهم وسلم عليهم ووقف بين يديهم وسألهم عن مرادهم فقالوا له نريد العدل ورفع الظلم والجور واقامة الشرع وابطال الحوادث والمكوسات التي ابتدعتموها واحدثتموها فقال لا يمكن الاجابة الى هذا كله فاننا ان فعلنا ذلك ضاقت علينا المعايش والنفقات فقيل له هذا ليس بعذر عند الله ولا عند الناس وما الباعث على الاكثار من النفقات وشراء المماليك والامير يكون اميرا بالاعطاء لا بالأخذ فقال حتى ابلغ وانصرف ولم يعد لهم بجواب وانفض المجلس وركب المشايخ الى الجامع الازهر واجتمع اهل الاطراف من العامة والرعية وباتوا بالمسجد وارسل ابراهيم بك الى المشايخ بعضدهم ويقول لهم انا معكم وهذه الامور على غير خاطري ومرادي وارسل الى مراد بك يخيفه عاقبة ذلك فبعث مراد بك يقول اجيبكم الى جميع ما ذكرتموه الا شيئين ديوان بولاق وطلبكم المنكسر من الجامكية ونبطل ما عدا ذلك من الحوادث والظلم وندفع لكم جامكية سنة تاريخه اثلاثا ثم طلب أربعة من المشايخ عينهم بأسمائهم فذهبوا اليه بالجيزة فلاطفهم والتمس منهم السعي في الصلح على ما ذكر ورجعوا من عنده وباتوا على ذلك تلك الليلة وفي اليوم الثالث حضر الباشا الى منزل ابراهيم بك واجتمع الامراء هناك وارسلوا الى المشايخ فحضر الشيخ السادات والسيد النقيب والشيخ الشرقاوي والشيخ البكري والشيخ الامير وكان المرسل اليهم رضوان كتخدا ابراهيم بك فذهبوا معه ومنعوا العامة من السعي خلفهم ودار الكلام بينهم وطال الحديث وانحط الامر علىانهم تابوا ورجعوا والتزموا بما شرطه العلماء عليهم وانعقد الصلح على ان يدفعوا سبعمائة وخمسين كيسا موزعة وعلى ان يرسلوا غلال الحرمين ويصرفوا غلال الشون واموال الرزق ويبطلوا رفع المظالم المحدثة والكشوفيات والتفاريد والمكوس ما عدا ديوان بولاق وان يكفوا اتباعهم عن امتداد أيديهم الى اموال الناس ويرسلوا صرة الحرمين والموائد المقررة من قديم الزمان ويسيروا في الناس سيرة حسنة وكان القاضي حاضر بالمجلس فكتب حجة عليهم بذلك وفر من عليها الباشا وختم عليها ابراهيم بك وأرسلها الى مراد بك فختم عليها ايضا وانجلت الفتنة ورجع المشايخ وحول كل واحد منهم وامامه وخلفه جملةعظيمة من العامة وهم ينادون حسب ما رسم ساداتنا العلماء بأن جميع المظالم والحوادث والمكوس بطالة من مملكة الديار المصرية وفرح الناس وظنوا صحته وفتحت الاسواق وسكن الحال على ذلك نحو شهر ثم عاد كل ما كان مما ذكر وزيادة ونزل عقيب ذلك مراد بك الى دمياط وضرب عليها الضرائب العظيمة وغير ذلك

    من مات فيها ممن له ذِكر وشهرة

    مات الامام العلامة والرحلة الفهامة بقية المحققين وعمدة المدققين الشيخ المعمر شهاب الدين احمد بن محمد بن عبد الوهاب السمنودي المحلي الشافعي من بيت العلم والصلاح والرشد والفلاح واصلهم من سمنود ولد هو بالمحلة وقدم الجامع الازهر وحضر على الشمس السجيني والعزيزي والملوي والشبراوي وتكمل في الفنون الغريبة وتلقى عن السيد علىالضرير والشيخ محمد الغلاني الكشناوي مشاركا للشيخ الوالد والشيخ ابراهيم الحلبي وعاد الى المحلة فدرس في الجامع الكبير مدة ثم اتى الى مصر بأهله وعياله ومكث بها وأقرأ بالجامع الأزهر درسا وتردد الى الاكابر والامراء واجلوه وقرأ في المحمدية بعد موت الشنويهي في المنهج وانضوى الى الشيخ ابي الانوار السادات ويأتي اليه في كل يوم وكان انسانا حسنا بهي الشكل لطيف الطباع عليه رونق وجلال جميل المحادثة حسن الهيئة توفي بعد ان تعلل دون شهر عن مائة وست عشرة سنة كامل الحواس اذا قام نهض نهوض الشباب ودفن ببستان المجاورين وكان يتكتم سني عمره رحمه الله
    ومات الامام العلامة واللوذعي الفهامة رئيس المحققين وعمدة المدققين النحوي المنطقي الجدلي الاصولي الشيخ احمد بن يونس الخليفي الشافعي الازهري من قرابة الشهاب الخليفي ولد سنة 1131 كما سمعته من لفظه وقرأ القرآن وحفظ المتون وحضر كل من الشبراوي والحفني واخيه الشيخ يوسف والسيد البليدي والشيخ محمد الدقري والدمنهوري وسالم النفراوي والطحلاوي والصعيدي وسمع الحديث على الشهابين الملوي والجوهري ودرس وأفاد بالجامع الازهر وتقلد وظيفة الافتاء بالمحمدية عندما انحرف يوسف بك على الشيخ حسن الكفراوي كما تقدم فأتخذ الشيخ احمد ابا سلامة امينا على فتاويه لجودة استحضاره في الفروع الفقهية وله مؤلفات منها حاشية على شرح شيخ الاسلام على متن السمرقندية في آداب البحث وآخرى على شرح الملوي في الاستعارات واخرى على شرح المذكور على السلم في المنطق واخرى على شرح شيخ الاسلام على آداب البحث واخرى على شرح الشمسية في المنطق واخرى على متن الياسمينية في الجير والمقابلة وشرح على اسماء التراجم ورسالة متعلقة بالابحاث الخمسة التي اوردها الشيخ الدمنهوري ولازم الشيخ الوالد مدة وتلقى عنه بعض العلوم الغريبة وكملها بعد وفاته على تلميذه محمود افندي النيشي وكان جيد التقرير غاية في التحرير ويميل بطبعه الى ذوي الوسامة والصور الحسان من الجدعان والشبان فإذا رجع من درسه خلع زي العلماء ولبس زي العامة وجلس بالاسواق وخالط الرفاق ويمشي كثيرا بين المغرب والعشاء بالخفيفة نواحي داره جهة السيارج وغيرها ويرى في بعض الاحيان على تلك الصورة في الاوقات المذكورة في نواح بعيدة عن داره وسافر مرة الى جهة قبلي في سفارة بين الامراء ايام عابدي باشا ولم يزل على ذلك الى ان توفي في اوائل رجب من هذه السنة سامحه الله
    ومات العمدة الجليل والنبيه النبيل العلامة الفقيه المفوه الشريف الضرير السيد عبد الرحمن بن بكار الصفا قسى نزيل مصر قرأ في بلاده على علماء عصره ودخل كرسي مملكة الروم فاكرم وانسلخ عن هيئة المغاربة ولبس ملابس المشارقة مثل التاج والفراجة وغيرها واثرى وقدم الى مصر وألقى دروسا بالمشهد الحسيني وتأهل وولد له ولد به فضيلة ونجابة واتحد بشيخ السادات الوقائية السيد أبي الانوار فراج حاله وزادت شوكته علىأبناء جنسه وتردد الى الامراء وأشير اليه ودرس كتاب الغرر في مذهب الحنفية وتولى مشيخة رواق المغاربة بعد وفاة الشيخ عبد الرحمن البناني وسار فيها أحسن سيرة مع شهامة وصرامة وفصاحة لفظ في الالقاء وكان جيد البحث مليح المفاكهة والمحادثة واستحضار اللطائف والمناسبات ليس فيه عربدة ولا فظاظة ويميل بطبعه الى الحظ والخلاعة وسماع الالحان والآلآت المطربة توفي رحمه الله في هذه السنة وتولى بعده على مشيخة رواقهم الشيخ سالم بن مسعود
    ومات الفقيه العلامة الصالح الصوفي الشيخ احمد بن احمد السماليجي الشافعي الاحمدي المدرس بالمقام الاحمدي بطندتاء ولد ببلده سماليج بالمنوفية وحفظ القرآن وحضر الى مصر وحضر على الشيخ عطية الاجهوري والشيخ عيسى البراوي والشيخ محمد الخشني والشيخ احمد الدردير ورجع الى طندتاء فاتخذها سكنا وأقام بها يقرى دروسا ويفيد الطلبة ويفتي على مذهبه ويقضي بين المتنازعين من اهالي البلاد فراج امره واشتهر ذكره بتلك النواحي ووثقوا بفتياه وقوله واتوه افواجا بمكانه المسمى بالصف فوق باب المسجد المواجه لبيت الخليفة وتزوج بأمرأة جميلة الصورةمن بلد الفرعونية وولد منها ولد سماه احمد كأنما أفرغ في قالب الجمال واودع بعينيه السحر الحلال فلما ترعرع حفظ القرآن والمتون وحضر على ابيه في الفقه والفنون وكان نجيبا جيد الحافظة يحفظ كل شيء سمعه من مرة واحدة ونظم الشعر من غير قراءة شيء في علم العروض اول ما رأيته في سنة 1189 في ايام زيارة سيدي احمد البدوي فحضر الي وسلم علي وآنسني بحسن الفاظه وجذبني بسحر الحاظة ولما بلغ زوجه والده بزوجتين في سنة واحدة ولم يزل يجتهد ويشتغل حتى مهر وانجب ودرس لجماعة من الطلبة وحضر الى مصر مع والده مرارا وتردد علينا واجتمع بنا كثيرا في مواسم الموالد المعتادة الى ان اخترمته في شبابه المنية وحالت بينه وبين الامنية وذلك في سنة ثلاث ومائتين وخلف ولدا صغيرا استأنس به جده المترجم وصبر على فقد ابنه وترحم وتوفي هو ايضا في هذه السنة رحمهما الله تعالى
    ومات الاجل المعظم والملاذ المفخم الامير حسين بن السيد محمد الشهير بدرب الشمس القادري وابوه محمد افندي كاتب صغير بوجاق التفكجيان وهو ابن حسين افندي باش اختيار تفكجيان تابع المرحوم حسن جوربجي تابع المرحوم رضوان بك الكبير الشهير صاحب العمارة ولما مات والد المتجرم اجتمع الاختيارية وقلدوا ابنه المذكور منصب والده في بابه وكان اذ ذاك مقتبل الشبيبة وذلك في سنة ثلاث وستين ومائة والف ونوه بشأنه وفتح بيت أبيه وعد في الاعيان واشتهر ذكره وكان نجيبا نبيها ولم يزل حتى صار من ارباب الحل والعقد واصحاب المشورة ولما استقل علي بك بأمارة مصر اخرجه هو واخوته من مصر ونفاهم الى بلاد الحجاز فأقاموا بها سبع سنوات الى ان استقل محمد بك بالامارة فأحضرهم واكرمهم ورد اليهم بلادهم فاستمروا بمصر لا كالحالة الاولى مع الوجاهة والحرمة الوافرة وكان انسانا حسنا فطنا يعرف مواقع الكلام ويكره الظلم وهو الى الخير أقرب واقتنى كتبا كثيرة نفيسة في الفنون وخصوصا في الطب والعلوم الغريبة ويسمح باعارتها لمن يكون أهلا لها ولما حضرته الوفاة أوصى ان لا يخرجوا جنازته على الصورة المعتادة بمصر بل يحضرها مائة شخص من القادرية يمشون امامه في المشهد وهم يقرأون الصمدية سر الاغير وأوصى لهم بقدر معلوم من الدراهم فكان كذلك
    ومات الامير محمد أغا بن محمد كتخدا أباظة وقد تقدم انه كان تولى الحسبة في ايام حسن باشا وسار فيها سيرا بشهامة واخاف السوقة وعاقبهم وزجرهم واتفق انه وزن جانبا من اللحم وجده مع من اشتراه ناقصا واخبره عن جزاره فذهب اليه وكملها بقطعة من جسد الجزار ثم انفصل عن ذلك وعمل كتخدا عند رضوان بيك الى ان مات رضوان بك ولم يزل معدودا في عداد الامراء الاكابر الى ان توفي في هذه السنة
    ومات العمدة الصالح الورع الصوفي الضرير الشيخ محمد السقاط الخلوتي المغربي الاصل خليفة شيخنا الشيخ محمود الكردي حضر الى مصر وجاور بالازهر وحضر على الاشياخ في فقه مذهبه وفي المعقول واخذ الطريق على شيخنا الشيخ محمود المذكور ولقنه الاسماء على طريق الخلوتية والاوراد والاذكار وانسلخ من زي المغاربة وألبسه الشيخ التاج وسلك سلوكا تاما ولازم الشيخ ملازمة كلية بحيث انه لا يفارق منزله في غالب أوقاته ولاحت عليه الانوار وتحلى بحلل الابرار وأذن له الشيخ بالتلقين والتسليك ولما انتقل شيخه الى رحمة الله تعالى صار هو خليفته بالاجماع من غير نزاع وجلس في بيته وانقطع للعبادة واجتمع على الجماعة في ورد العصر والعشاء ولقن الذكر للمريدين وسلك الطريق للطالبين وانجذبت القلوب اليه واشتهر ذكره واقبلت عليه الناس ولم يزل علي حسن حاله حتى توفي في منتصف شهر ربيع الاول وصلي عليه بالازهر في مشهد حافل
    ومات الذمي المعلم ابراهيم الجوهري رئيس الكتبة الاقباط بمصر وأدرك في هذه الدولة بمصر من العظمة ونفاذ الكلمة وعظم الصيت والشهرة مع طول المدة بمصر ما لم يسبق لمثله من ابناء جنسه فيما نعلم وأول ظهوره من ايام المعلم رزق كاتب علي بك الكبير ولما مات علي بك والمعلم رزق ظهر أمر المترجم ونما ذكره في ايام محمد بك فلما انقضت ايام محمد بك وترأس ابراهيم بك قلده جميع الامور فكان هو المشار اليه في الكليات والجزئيات حتى دفاتر الروزنامة والميري وجميع الايراد والمنصرف وجميع الكتبة والصيارف من تحت يده واشارته وكان من دهاقين العالم ودهاتهم لا يعزب عن دهنه شيء من دقائق الامور ويداري كل انسان بما يليق به من المداراة ويحابي ويهادي ويواسي ويفعل ما يوجب انجذاب القلوب والمحبةويهادي ويبعث الهدايا العظيمة والشموع الى بيوت الامراء وعند دخول رمضان يرسل الى غالب ارباب المظاهر ومن دونهم الشموع والهدايا والارز والسكر والكساوى وعمرت في ايامه الكنائس وديور النصارى وأوقف عليها الاوقاف الجلية والاطيان ورتب لها المرتبات العظيمة والارزاق الدارة والغلال وحزن ابراهيم بك لموته وخرج في ذلك اليوم الى قصر العيني حتى شاهد جنازته وهم ذاهبون به الى المقبرة وتأسف على فقده تأسفا زائد وكان ذلك في شهر القعدة من السنة

    ● { أحداث سنة عشرة ومائتين وألف } ●

    لم يقع بها شيء من الحوادت التي يعتني بتقييدها سوى مثل ما تقدم من جور الامراء والمظالم
    وفيها في غرة شهر الحجة عزل صالح باشا ونزل الى قصر العيني ليسافر فأقام هناك اياما وسافر الى اسكندرية

    من مات فيها ممن له ذِكر وشهرة

    مات بها الامام العلامة المفيد الفهامة عمدة المحققين والمدققين الصالح الورع المهذب الشيخ عبد الرحمن النحراوي الاجهوري الشهير بمقرىء الشيخ عطية خدم العلم وحضر فضلاء الوقت ودرس وتمهر في المعقول والمنقول ولازم الشيخ عطية الاجهوري ملازمة كلية وأعاد الدروس بين ديه واشتهر بالمقرىء وبالاجهوري لشدة نسبته الى الشيخ المذكور ودرس بالجامع الازهر وأفاد الطلبة وأخذ طريق الخلوتية عن الشيخ الحفني ولقنه الاذكار وألبسه الخرقة والتاج وأجازه بالتلقين والتسليك وكان يجيد حفظ القرآن بالقراءات ويلازم المبيت في ضريح الامام الشافعي في كل ليلة سبت يقرأ مع الحفظة بطول الليل وكان انسانا حسنا متواضعا لا يرى لنفسه مقاما يحمل طبق الخبز على رأسه ويذهب به الى الفران ويعود به الى عياله فان اتفق ان احد رآه ممن يعرفه حمله عنه والا ذهب به ووقف بين يدي الفران حتى يأتيه الدور ويخبزه له وكان كريم النفس جدا يجود وما لديه قليل ولم يزل مقبلا على شأنه وطريقته حتى نزلت به الباردة وبطل شقه واستمر على ذلك نحو السنة وتوفي الى رحمة الله تعالى غفر الله له
    ومات العمدة العلامة والرحلة الفهامة الفقيه الفاضل ومن ليس له في الفضل مناضل الشيخ حسن بن سالم الهواري المالكي احد طلبة شيخنا الشيخ الصعيدي لازمه في دروسه العامة وحصل بجده ما به ناموس جاهه أقامه وبعد وفاة شيخه ولى مشيخة رواق الصعايدة وساس فيهم أحسن سياسة بشهامة زائدة مع ملازمته للدروس وتكلمه في طائفته مع الرئيس والمرؤوس وكان فيه صلابة زائدة وقوة جنان وشدة تجارى واشترى خرابة بسوق القشاشين بالقرب من الازهر وعمرها دارا لسكنه وتعدى حدوده وحاف على أماكن جيرانه وهدم مكتب المدرسة السنانية وكان مكتباص عظيما ذا واجتهين وعامودين وأربع بوائك وزاوية جداره من الحجر النحيت عجيبة الصنعة في البروز والاتقان فهدمه وأدخله في بنائه من غير تحاش او خشية لوم مخلوق أو خوف خالق واوقف اعوانه من الصعايدة المنتسبين للمجاورة وطلب العلم يسخرون من يمر بهم من حمير الترابين وجمال الأعيان المارين عليهم فيستعملونها في نقل تراب الشيخ لاجل التبرك اما قهرا او محاباة ويأذ من مياسير الناس والسوقة دراهم على سبيل القرض الذي لا يرد وكذلك المؤن حتى تممها على هذه الصورة وسكن فيها واحدق به الجلاوزة من الطلبة يغدون ويروحون في الخصومات والدعاوى ويأخذون الجعالات والرشوات من المحق والمبطل ومن خالف عليهم ضربوه واهانوه ولو عظيما من غير ميالاة ولا حياء ومن اشتد عليهم اجتمعوا عليه من كل فج حتى بوابين الوكائل وسكان الطباق وباعة النشوق وينسب الكل الى الازهر ومن عذلهم او لامهم كفروه ونسبوه الى الظلم والتعدي والاستهزاء بأهل العلم والشريعة وزاد الحال وصار كل من رؤساء الجماعة شيخا على انفراده يجلس في ناحية ببعض الحوانيت يقضي ويأمر وينهى وفحش الامر الى ان نادى عليهم حاكم الشرطة فانكفوا ومرض شيخهم بالتشيخ شهورا وتوفي في هذه السنة رحمه الله تعالى
    ومات الامام الفقيه العلامة والفاضل والفهامة عثمان بن محمد الحنفي المصري الشهير بالشامي ولد بمصر وتفقه على علماء مذهبه كالسيد محمد أبي السعود والشيخ سليمان المنصوري والشيخ حسن المقدسي والشيخ الوالد واتقن الالات ودرس الفقه في عدة مواضع وبالازهر وانتفع به الناس وقرأ كتاب الملتقي بجامع قوصون وكان له حافظه جيدة واستحضار في الفروع ولا يمسك بيده كراسا عند القراءة ويلقى التقرير عن ظهر قلب مع حسن السبك وألف متنا مفيدا في المذهب ثم حج وزار قبر النبي صلى الله عليه و سلم وقطن بالمدينة وطلب عياله في ثاني عام وباع ما يتعلق به وتجرد على المجاورة ولازم قراء الحديث والفقه بدار الهجرة وأحبه اهل المدينة وتزوج وولد له أولاد ثم تزوج بآخرى ولم يزل على ذلك حتى توفي الى رحمه الله تعالى في هذه السنة
    ومات العمدة الفاضل المفوه النبيه المناضل الحافظ المجود الاديب الماهر صاحبنا الشيخ شمس الدين بن عبد الله بن فتح الفرغلي المحمدي الشافعي السبريائي نسبة الى سبرباى قرية بالغربية قرب طندتا وبها ولد ونسبة يرجع الى القطب سيدي الفرغلي المحمدي من ولد سيدنا محمد بن الحنفية صاحب ابي تيج من قرى الصعيد تفقه على علماء عصره وأنجب في المعارف والفهوم وعانى الفنون فأدرك من كل فن الحظ الاوفر ومال الى فن الميقات والتقاويم فنال من ذلك ما يرومه وألف في ذلك وصنف زيجا مختصار دل على سعة باعه ورسوخه في الفن ومعرفة القواعد والاصول ودقائق الحساب ونهج مسلك الادب والتاريخ والشعر ففاق فيه الاقران ومدح الاعيان وصاحبناه وساجلناه كثيرا عندما كان يأتينا مصر وبطندتا في الموالد المعتادة فكان طودا راسخا وبحرا زاخرا مع دماسة الاخلاق وطيب الاعراق ولين العريكة وحسن العشرة ولطف الشمائل والطباع وكان يلي نيابة القضاء ببلده وبالجملة فكان عديم النظير في اقرانه لم ار من يدانيه في أوصافه الجميلة وله مصنفات كثيرة منها الضوابط الجليلة في الاسانيد العلية آلفه سنة 1177 وذكر فيه سنده عن الشيخ نور الدين ابي الحسن سيدي علي بن الشيخ العلامة أبي عبد الله سيدي محمد العربي الفاسي المغربي الشهير بالسقاط وسليقته في الشعر عذبة رائقة كلامه بديع مقبول في سائر انواعه من المدح والرثاء والتشبيب والغزل والحماسة والجد والهزل وله ديوان جمع فيه أمداحه صلى الله عليه و سلم سماه عقود القرائد توفي المترجم في شهر ربيع الاول من السنة ببلده ودفن هناك رحمه الله تعال

    ● { أحداث سنة أحدى عشرة } ●
    وسنة اثنتي عشرة ومائتين والف

    لم يقع فيهما من الحوادث التي تتشوف لها النفوس او تشتاق اليها الخواطر فتقيد في بطون الطروس سوى ما تقدمت اليه الاشارة من أسباب نزول النوازل وموجبات ترادف البلاء المتراسل ووقوع الانذارات الفلكية والايات المخوفة السماوية وكلها اسباب عادية وعلامات من غير ان ينسب لتلك الاثار تأثيرات فبالنظر في ملكوت السموات والارض يستدلون وبالنجم هم يهتدون فمن اعظم ذلك حصول الخسوف الكلي في منتصف شهر الحجة ختام سنة اثنتي عشرة بطالع مشرق الجوزاء المنسوب اليه اقليم مصر وحضر طائفة الفرنسيس اثر ذلك في اوائل السنة التالية كما سيأتي خبر ذلك مفصلا ان شاء الله تعالى

    من مات في هذين العامين ممن له ذِكر وشهرة

    مات العمدة العلامة والفقيه الفهامة الشيخ علي بن محمد الاشبولي الشافعي كان والده أحد العدول بالمحكمة الكبرى وكان ذا ثروة وشهرة ولما كبر ولده المترجم حفظ القرآن والمتون واشتغل بالعلم وحضر الدروس وتفقه على أشياخ الوقت ولازم الشيخ عيسى البراوي وتمهر في المعقول وانجب وتصدر ودرس وانتظم في سلك الفضلاء والنبلاء وصار له ذكر وشهرة ووجاهة ومات والده فاحرز طريفه وتالده وكان لابيه دار بحارة كتامة المعروفة بالعينية بقرب الازهر وأخرى عظيمة بقناطر السباع على الخليج واخرى بشاطى النيل بالجيزة فكان ينتقل في تلك الدور ويتزوج حسان النساء مع ملازمته للاقراء والافادة وحدثته نفسه بمشيخة الازهر وكان بيده عدة وظائف وتداريس مثل جامع الآثار والنظامية ولم يباشرها الا نادرا ويقبض معلوماتها المرتب لها ولم يزل حتى تعلل وتوفي سنة 1111
    ومات الاديب الماهر الصالح الجليس الانيس السيد ابراهيم بن قاسم ابن محمد بن محمد بن علي الحسني الرويدي المكتب المكني بأبي الفتح ولد بمصر كما أحبر عن نفسه سنة 1127 وحفظ القرآن وجوده على الشيخ الحجازي غنام وجود الخط على الشيخ احمد بن اسمعيل الافقم على الطريقة المحمدية فمهر فيه وأجازه فكتب بخطه الحسن الفائق كثيرا من المصاحف والاحزاب والدلائل والادعية والقطع وأشير اليه بالرياسة في الفن وكان انسانا حسنا متمشدقا يحفظ كثيرا من نوادر الاشعار وغرائب الحكايات وعجائب المناسبات وروايتها على أحسن اسلوب وأبلغ مطلوب وسمعت كثيرا من انشاده لم يعلق بذهني منها شيء وقد تفرد بمحاسن لم يشاركه فيها أهل عصره منها صحة الوضع وتكمله على أصوله بغاية التحرير توفي ستة احدى عشرة رحمه الله تعالى
    ومات النبيه الاريب والفاضل النجيب الناظم الناثر المفوه اسمعيل افندي بن خليل بن علي بن محمد بن عبد الله الشهير بالظهوري المصري الحنفي المكتب كان انسانا حسنا قانعا بحاله يتكسب بالكتابة وحسن الخط وقد كان جوده واتقنه على أحمد افندي الشكري وكتب بخطه الحسن كثيرا من الكتب والسبع المنجيات ودلائل الخيرات والمصاحف وكان له حاصل يبيع به بن القهوة بوكالة البقل بقرب خان الخليلي وله معرفة جيدة بعلم الموسيقى والالحان وضرب العود وينظم الشعر وله مدائح وقصائد موشحات توفي رحمه الله تعالى سنة 1211
    ومات الاجل الامثل والوجيه الاوحد المبجل حسين افندي قلفة الشرقية والده الامير عبد الله من مماليك داود صاحب عيار وتربى المترجم عند محمد افندي البرقوقي وزوجه ابنته وعانى قلم الكتابة واصطلاح كتاب الروزنامة ومهر في ذلك فلما توفي محمد افندي كتابة الروزنامة قلده قلف الشرقية ولم تطل مدة محمد افندي ومات بعد شهرين فاستولى المترجم على تعلقاته وراج امره واشترى بيتا جهة الشيخ الظلام وانتقل اليه وسكن به وساس اموره واشتهر ذكره وانتظم في عداد الاعيان واقتنى السراري والجواري والمماليك والعبيد وكان انسانا لا بأس به جميل الاخلاق حسن العشرة مع الرفاق مهذب الطباع لين العريكة واقفا على حدود الشريعة لا يتداخل فيما لا يعنيه مليح الصورة والسيرة توفي رحمه الله ايضا سنة 1211
    ومات العمدة النبيه الفهامة بضعة السلالة الهاشمية وطراز العصابة المطلبية الفصيح المفوه السيد حسين بن عبد الرحمن بن الشيخ محمد بن احمد بن احمد بن حمادة المنزلاوي الشافعي خطيب جامع المشهد الحسيني وأم ابيه السيد عبد الرحمن السيدة فاطمة بنت السيد محمد العمري ومنها اتاه الشرف حضر على الشيخ الملوي والحفني والجوهري والمدابغي والشيخ علي قايتباي والشيخ البسيوني والشيخ خليل المغربي وأخذ ايضا عن سيدي محمد الجوهري الصغير والشيخ عبد الله امام مسجد العشراني والشيخ سعودي الساكن بسوق الخشب وتضلع بالعلوم والمعارف وصار له ملكة وحافظة ولسانة واقتدار تام واستحضار غريب وينظم الشعر الجيد والنثر البليغ وانشأ الخطب البديعة وغالب خطبه التي كان يخطب بها بالمشهد الحسيني من انشائه على طريقة لم يسبق اليها وانضوى الى الشيخ ابي الانوار السادات وشملته انواره ومكارمه ويصلى به في بعض الاحيان ويخطب بزاويتهم ايام المواسم ويأتي فيهما بمدائح السادات وما تقتضيه المناسبات توفي في منتصف شهر شعبان من السنة غفر الله لنا وله

    الأحداث من سنة ثمان الى اثنتي عشرة ومائتين والف Fasel10

    عجائب الآثار في التراجم والأخبار
    المؤلف : عبد الرحمن بن حسن الجبرتي
    مجلة نافذة ثقافية ـ البوابة
    الأحداث من سنة ثمان الى اثنتي عشرة ومائتين والف E110


      الوقت/التاريخ الآن هو الجمعة نوفمبر 22, 2024 7:42 am