منتدى نافذة ثقافية

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

    الأحاديث: الحادي عشر والثانى عشر والثالث عشر

    بص وطل
    بص وطل
    Admin


    عدد المساهمات : 2283
    تاريخ التسجيل : 29/04/2014

    الأحاديث: الحادي عشر والثانى عشر والثالث عشر Empty الأحاديث: الحادي عشر والثانى عشر والثالث عشر

    مُساهمة من طرف بص وطل الجمعة ديسمبر 07, 2018 7:23 pm

    الأحاديث: الحادي عشر والثانى عشر والثالث عشر Game10

    بّسم الله الرّحمن الرّحيم
    مكتبة الحديث الشريف
    جامع العلوم والحكم
    الأحاديث: الحادي عشر والثانى عشر والثالث عشر 1410
    ● [ الحديث الحادي عشر ] ●

    عَنِ الحَسَنِ بن علي سِبْطِ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - ورَيحَانَتِهِ - رضي الله عنه - قال : حَفِظْتُ مِنْ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - : ( دَعْ ما يريبُكَ إلى ما لاَ يرِيبُكَ ).
    رواه النسائي(1) والترمِذيُّ(2)، وقال : حَسَنٌ صحيحٌ.

    الشرح
    هذا الحديث خرّجه الإمام أحمد ، والترمذي ، والنسائي ، وابنُ حبان في " صحيحه " والحاكم(3) من حديث بُريد بن أبي مريم ، عن أبي الحوراء ، عن الحسن ابن عليٍّ ، وصححه الترمذي ، وأبو الحوراء(4) السَّعدي ، قال الأكثرون : اسمه ربيعةُ بنُ شيبان ، ووثقه النسائي وابن حبان ، وتوقف أحمد في أنَّ أبا الحوراء (5)اسمه ربيعةُ بن شيبان ، ومال إلى التفرقة بينهما ، وقال الجوزجاني : أبو الحوراء مجهول لا يعرف(6) .
    وهذا الحديثُ قطعة من حديثٍ طويلٍ فيه ذكر قنوت الوتر(7) ، وعند الترمذي وغيره زيادة في هذا الحديث وهي : ( فإنَّ الصِّدق طُمأنينة ، وإنَّ الكذبَ ريبةٌ ) ، ولفظ ابنِ حبان : ( فإنَّ الخيرَ طمأنينةٌ ، وإنَّ الشرَّ ريبةٌ ) .
    وقد خرّجه الإمامُ أحمد(8)
    __________
    (1) المجتبى 8/327 .
    (2) الجامع الكبير ( 2518 ) .
    (3) أخرجه : أحمد 1/200، والترمذي ( 2518 ) ، والنسائي 8/327 ، وابن حبان ( 722 )، والحاكم 2/13 .
    (4) من قوله : ( عن الحسن بن علي ... ) إلى هنا سقط من ( ص ) .
    (5) عبارة : ( أبا الحوراء ) سقطت من ( ص ) .
    (6) انظر : تهذيب الكمال 2/468 .
    (7) سقطت من ( ص ) .
    (8) في "مسنده" 3/153. وفي إسناده : أبو عبد الله الأسدي مجهول .
    وأخرجه : أحمد 3/111 ، والبزار كما في " كشف الأستار " ( 22920 ) من طرق عن أنس ابن مالك ، موقوفاً .
    ● [ الصفحة التالية ] ●
    بإسنادٍ فيه جهالة عن أنس ، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال
    : ( دَعْ ما يريبُك إلى ما لا يريبُك ) وخرَّجه من وجهٍ آخر أجود منه موقوفاً على أنس (1).
    وخرّجه الطبراني(2) من رواية مالك ، عن نافع ، عن ابن عمر مرفوعاً ، قال الدارقطني : وإنَّما يُروى هذا من قول ابنِ عمر ، وعن عمر(3) ، ويُروى عن مالك من قوله (4) . انتهى .
    ويروى بإسنادٍ ضعيف ، عن عثمان بنِ عطاء الخراساني - وهو ضعيف - عن
    أبيه ، عن الحسن ، عن أبي هريرة ، عنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - : أنَّه قال لرجل : ( دَعْ ما يريبُكَ إلى ما لا يريبُكَ ) ، قال : وكيف لي بالعلم بذلك ؟ قال : ( إذا أردتَ أمراً ، فضع يَدَكَ على صدرِكَ ، فإنَّ القلبَ يضطرب للحرام ، ويسكن للحلال ، وإنَّ المسلم الورعَ يدع الصغيرةَ مخافةَ الكبيرة ) . وقد رُوي عن عطاء الخراساني مرسلاً (5).
    وخرّج الطبراني(6) نحوه بإسناد ضعيف عن واثلة بن الأسقع ، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، وزاد فيه : قيل له : فمن الورعُ ؟ قال : ( الذي يقف عند الشبهة ) .
    __________
    (1) من قوله : ( عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ... ) إلى هنا لم يرد في ( ص )
    (2) في " الصغير " ( 276 ) .
    وأخرجه : أبو نعيم في " الحلية " 6/352 ، والقضاعي في " مسند الشهاب " ( 645 ) ، والخطيب في "تاريخه" 2/220 و6/386 من طرق عن ابن عمر ، به ، وإسناده ضعيف جداً ؛ لشدة ضعف عبد الله بن أبي رومان .
    (3) عن عمر ) لم ترد في ( ص ) .
    (4) وكذا قال الخطيب في " تاريخه " 3/673 طبعة دار الغرب .
    (5) وهذه الرواية لم أقف عليها ، وفيها ثلاث علل : ضعف عثمان ، وعدم سماع الحسن من أبي هريرة ، وإعلاله بالإرسال .
    (6) في " الكبير " 22/( 193 ) .
    وأخرجه : أبو يعلى ( 7491 ) ، وإسناده ضعيف جداً .
    ● [ الصفحة التالية ] ●
    وقد روي هذا الكلام موقوفاً على جماعة من الصحابة : منهم عُمَرُ ، وابنُ عمرَ ، وأبو الدرداء ، وعن ابن مسعود ، قال : ما تريدُ إلى ما يريبُكَ وحولَك أربعةُ آلاف لا تريبُكَ ؟!(1)
    وقال عمر(2) : دَعُوا الرِّبا والرِّيبة ، يعني : ما ارتبتم فيه ، وإنْ لم تتحققوا أنَّه رِباً .
    ومعنى هذا الحديث يرجع إلى الوقوف عند الشبهات واتقائها ، فإنَّ الحلالَ المحض لا يَحْصُلُ لمؤمن في قلبه منه ريب - والريب : بمعنى القلق والاضطراب - بل تسكن إليه النفسُ ، ويطمئن به القلبُ ، وأما المشتبهات فيَحْصُل بها للقلوب القلقُ(3) والاضطرابُ الموجب للشك .
    وقال أبو عبد الرحمان العمري الزاهد : إذا كان العبدُ ورعاً ، ترك ما يريبه إلى ما لا يريبُه .
    وقال الفضيلُ : يزعم الناسُ أنَّ الورعَ شديدٌ ، وما ورد عليَّ أمران إلا أخذتُ بأشدِّهما ، فدع ما يريبُك إلى ما لا يريبُك(4) .
    وقال حسّانُ بن أبي سنان : ما شيء أهون من الورع ، إذا رابك شيء فدعه . وهذا إنَّما يسهل على مثل حسّان - رحمه الله - .
    __________
    (1) أخرجه : عبد الرزاق ( 8791 ) ، وأحمد في " الزهد " ( 1067 ) ، والبزار ( 8791 ) من طرق عن ابن عمر ، موقوفاً .
    وأخرجه : ابن أبي شيبة ( 16154 ) من حديث أبي الدرداء ، موقوفاً .
    (2) لم ترد في ( ص ) .
    (3) من قوله : ( بل تسكن إليه النفس ... ) إلى هنا سقط من ( ص ) .
    (4) أخرجه : ابن عساكر في " تاريخ دمشق " 51/297 .
    ● [ الصفحة التالية ] ●
    قال ابن المبارك : كتب غلامٌ لحسّانَ بن أبي سنان إليه من الأهواز : إنَّ قَصَبَ السكر أصابته آفةٌ ، فاشتر السكر فيما قِبَلَكَ ، فاشتراه من رجل ، فلم يأتِ عليه إلا قليلٌ فإذا فيما اشتراه ربحَ ثلاثين ألفاً ، قال : فأتى صاحبَ السُّكرِ ، فقال : يا هذا إنَّ غلامي كان قد كتب إليَّ ، فلم أُعْلِمكَ ، فأَقِلْني فيما اشتريتُ منك ، فقال له الآخر : قد أعلمتني الآن ، وقد طَيَّبْتُه لك ، قال : فرجع فلم يحتمل قَلْبُهُ ، فأتاه ، فقال : يا هذا إني لم آتِ هذا الأمر من قبل وجهه ، فأُحبُّ أنْ تستردَّ هذا البَيع ، قال : فما زال به حتى ردَّ عليه.
    وكان يونُس بنُ عبيد إذا طُلِبَ المتاعُ ونَفَقَ ، وأرسل يشتريه يقول لمن يشتري له : أَعْلِمْ من تشتري منه أنَّ المتاعَ قد طُلِبَ .
    وقال هشامُ بنُ حسّان : ترك محمدُ بن سيرين أربعين ألفاً فيما لا ترون به اليومَ بأساً(1) .
    وكان الحجاج بنُ دينار قد بعث طعاماً إلى البصرة مع رجلٍ وأمره أنْ يبيعه يَوْمَ يدخل بسعر يومه ، فأتاه كتابه : أني قدمت البصرة ، فوجدتُ الطعام مبغَّضاً فحبستُه ، فزاد الطعامُ ، فازددتُ(2) فيه كذا وكذا ، فكتب إليه الحجاج : إنَّك قد خُنتنا ، وعملتَ بخلافِ ما أمرناك به ، فإذا أتاك كتابي ، فتصدَّق بجميع ثمن ذَلِكَ الطعام على فقراء البصرة ، فليتني أسلم إذا فعلتَ ذلك .
    وتنَزَّه يزيدُ بنُ زُريع عن خمس مئة ألف من ميراث أبيه ، فلم يأخذه ، وكان أبوه يلي الأعمال للسلاطين ، وكان يزيدُ يعملُ الخُوص ، ويتقوَّتُ منه إلى أنْ مات - رحمه الله -.
    __________
    (1) أخرجه : ابن عساكر في " تاريخ دمشق " 56/165 .
    (2) سقطت من ( ص ) .
    ● [ الصفحة التالية ] ●
    وكان المِسْوَرُ بنُ مَخرَمَةَ قد احتكر طعاماً كثيراً ، فرأى سحاباً في الخريف فكرهه ، فقال : ألا أُراني قد كرهت ما يَنفعُ المسلمين ؟ فآلى أنْ لا يربحَ فيه شيئاً ، فأخبر بذلك عمر بن الخطاب ، فقال له عمر : جزاك الله خيراً(1) .
    وفي هذا أنَّ المحتكر ينبغي له التنَزُّه عن ربح ما احتكره احتكاراً منهياً عنه . وقد نصَّ الإمامُ أحمد رحمه الله على التنزُّه عن ربح ما لم يدخل في ضمانه لِدخوله في ربح ما لم يضمن ، وقد نهى عنه النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -(2) ، فقال أحمد في رواية عنه فيمن أجَّر ما استأجره بربحٍ : إنَّه يتصدَّق بالربح ، وقال في رواية عنه في ربح مال المضاربة إذا خالف فيه المضارب : إنَّه يتصدق به ، وقال في رواية عنه فيما إذا اشترى ثمرة قبل بدو(3) صلاحها بشرط القطع ، ثم تركها حتّى بدا صلاحها : إنَّه يتصدَّق بالزيادة ، وحمله طائفة من أصحابنا على الاستحباب ؛ لأنَّ الصدقة بالشبهات مستحب .
    وروي عن عائشة – رضي الله عنها - : أنَّها سُئِلَتْ عن أكل الصيدِ للمحرم، فقالت : إنَّما هي أيامٌ قلائل فما رابك فدعه(4) ، يعني : ما اشتبه عليك ، هل هو حلال أو حرام ، فاتركه ، فإنَّ الناسَ اختلفوا في إباحة أكل الصيد للمحرم إذا لم يَصِدْه هُوَ .
    __________
    (1) أخرجه : ابن عساكر في " تاريخ دمشق " 61/123 .
    (2) قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( لا يحلّ سلفٌ وبيعٌ ، ولا شرطان في بيعٍ ، ولا ربح ما لم يضمن ، ولا بيع ما ليس عندك ) .
    أخرجه : أحمد 2/174 و178 و205 ، والدارمي ( 2563 ) ، وأبو داود ( 3504 ) ، وابن ماجه ( 2188 ) ، والترمذي ( 1234 ) ، والنسائي 7/288 و295 وفي " الكبرى " ، له ( 6204 ) و( 6226 ) و( 6227 ) ، والبيهقي 5/340 من طرق عن عبد الله بن عمرو ابن العاص ، به ، وقال الترمذي : ( حسن صحيح ) .
    (3) سقطت من ( ج ) .
    (4) أخرجه : عبد الرزاق ( 8326 ) .
    ● [ الصفحة التالية ] ●
    وقد يستدلُّ بهذا على أنَّ الخروج من اختلاف العلماء أفضلُ(1) ؛ لأنَّه أبعدُ عن الشبهة ، ولكن المحققون من العلماء من أصحابنا وغيرهم على أنَّ هذا ليس هو على إطلاقه، فإنَّ من مسائل الاختلاف ما ثبت فيه عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - رخصة ليس لها معارض، فاتباعُ تلك الرخصة أولى من اجتنابها ، وإنْ لم تكن تلك الرخصة بلغت بعضَ العلماء ، فامتنع منها لذلك ، وهذا كمن تَيَقَّن الطهارة ، وشكَّ في الحدث ، فإنَّه صحَّ عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - أنَّه قال: ( لا يَنْصَرِف حتّى يَسمع صوتاً أو يَجِدَ(2) ريحاً )(3) ولا سيما إنْ كان شكُّه في الصلاة ، فإنَّه لا يجوز له قطعُها لِصحة النهي عنه ، وإنْ كان بعض العلماء يوجب ذلك .
    __________
    (1) وهذا إذا لم يترجح أحد الدليلين ، وأما إذا ترجح أحد الدليلين فيؤخذ بالراجح ويترك المرجوح .
    (2) سقطت من ( ص ) .
    (3) أخرجه : الحميدي ( 413 )، وأحمد 4/40 ، والبخاري 1/46 ( 137 ) و1/55 ( 177 ) و3/71 ( 2056 ) ، ومسلم 1/189 ( 361 ) ( 98 ) ، وأبو داود ( 176 ) ، وابن ماجه ( 513 ) ، والنسائي 1/98-99 وفي "الكبرى" ، له ( 152 ) ، وابن الجارود في " المنتقى " ( 3 ) ، وابن خزيمة ( 25 ) و( 1018 ) ، والبيهقي 1/114 و161 ، و2/254 ، و7/364 من طرق عن عبد الله بن زيد ، به .
    وأخرجه : أحمد 2/410 و414 و435 و471 ، والدارمي ( 727 ) ، ومسلم 1/190
    ( 362 ) ( 99 )، وأبو داود ( 177 ) ، وابن ماجه ( 515 ) والترمذي ( 74 ) و( 75 ) ، وابن خزيمة ( 24 ) و( 28 ) ، والبيهقي 1/117 و161 و2/254 من طرق عن أبي هريرة ، به .
    ● [ الصفحة التالية ] ●
    وإنْ كان للرخصة معارض ، إما من سنة أخرى ، أو من عمل الأُمَّةِ بخلافها ، فالأولى تركُ العمل بها ، وكذا لو كان قد عمل بها شذوذٌ من الناس ، واشتهر في الأمة العملُ بخلافها في أمصار المسلمين من عهد الصحابة ، فإنَّ الأخذ(1) بما عليه عملُ المسلمين هو المتعيَّنُ ، فإنَّ هذه الأمة قد أجارها الله أنْ يظهر أهلُ باطلها على أهل حَقِّها ، فما ظهر العملُ به في القرون الثلاثة المفضلة ، فهو الحقُّ ، وما عداه فهو باطل .
    وهاهنا أمر ينبغي التفطنُ له وهو أنَّ التدقيقَ في التوقف عن(2) الشبهات إنَّما يَصْلُحُ لمن استقامت أحواله كلها ، وتشابهت أعمالُه في التقوى والورع ، فأما مَنْ يقع في انتهاك المحرَّمات الظاهرة ، ثم يريد أنْ يتورَّعَ عن شيء من دقائق الشُّبَهِ ، فإنَّه لا يحتمل له ذلك ، بل يُنكر عليه ، كما قال ابنُ عمر لمن سأله عن دم البعوض من أهل العراق : يسألونني عن دم البعوض وقد قتلُوا الحسين ، وسمعتُ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - يقول : ( هُمَا رَيحَانَتاي من الدُّنيا )(3) .
    وسأل رجلٌ بشرَ بنَ الحارث عن رجلٍ له زوجةٌ وأُمَّه تأمره بطلاقها ، فقال : إنْ كان بَرَّ أمه في كُلِّ شيءٍ ، ولم يبق من برِّها إلا طلاقُ زوجته فليفعلْ ، وإنْ كان يَبَرُّها بطلاق زوجته ، ثم يقوم بعد ذلك إلى أُمِّه ، فيضربها ، فلا يفعل .
    __________
    (1) في ( ص ) : ( كان العمل ) .
    (2) عبارة : ( التوقف عن ) سقطت من ( ص ) .
    (3) أخرجه : الطيالسي ( 1927 ) ، وأحمد 2/85 و93 و114 و153 ، والبخاري 5/33 ( 3753 ) و8/8 ( 5994 ) وفي " الأدب المفرد " ، له ( 85 ) ، والترمذي ( 3770 ) ، والنسائي في " الخصائص " ( 145 ) ، وأبو يعلى ( 5739 ) ، وابن حبان ( 6969 ) ، والطبراني في " الكبير " ( 2884 ) ، وأبو نعيم في " الحلية " 5/70-71 و7/165 ، والبغوي ( 3935 ) من طرق عن ابن عمر ، به .
    ● [ الصفحة التالية ] ●
    وسئل الإمامُ أحمد رحمه الله عن رجلٍ يشتري بقلاً ، ويشترط الخُوصة ، يعني : التي تربط بها جُرْزَةُ(1) البقل ، فقال أحمد : أيش هذه المسائل ؟! قيل لهُ : إنَّه إبراهيمَ بن أبي نعيم، فقال أحمد : إنْ كان إبراهيمُ بنُ أبي نعيم ، فنعم هذا يُشبه ذاك.
    وإنَّما أنكر هذه المسائل ممن لا يشبه حاله ، وأما أهل التدقيق في الورع فيشبه حالهم هذا ، وقد كان الإمام أحمد نفسه يستعمل في نفسه هذا الورع ، فإنَّه أمر من يشتري له سمناً ، فجاء به على ورقة ، فأمر بردِّ الورقة إلى البائع .
    وكان الإمام أحمد لا يستمدُّ من محابر أصحابه ، وإنَّما يُخرج معه محبرَةً يستمدُّ منها ، واستأذنه رجل أنْ يكتب من محبرته ، فقال له : اكتب فهذا ورع مظلم، واستأذن رجل آخر في ذلك فتبسَّم ، وقال : لم يبلغ ورعي ولا ورعك هذا ، وهذا قاله على وجه التواضع وإلا فهو كان في نفسه يستعمل هذا الورع ، وكان يُنكِرُه على من لم يَصِلْ(2) إلى هذا المقام ، بل يتسامحُ في المكروهات الظاهرة ، ويقدم على الشبهات من غير توقف .
    وقوله - صلى الله عليه وسلم - : ( فإنَّ الخيرَ طُمأنينة وإنَّ الشرَّ ريبة ) (3) يعني : أنَّ الخيرَ تطمئنُّ به
    القلوبُ ، والشرَّ ترتابُ به ، ولا تطمئنُّ إليه ، وفي هذا إشارة إلى الرجوع إلى القلوب عند الاشتباه ، وسيأتي مزيدٌ لهذا الكلام على حديث النَّواس بن سمعان إنْ شاء الله تعالى(4) .
    __________
    (1) في ( ص ) : ( عوزة ) .
    (2) في ( ص ) : ( على من يقبل ) .
    (3) سبق تخريجه .
    (4) سيأتي تخريجه عند الحديث السابع والعشرين .
    ● [ الصفحة التالية ] ●
    وخرَّج ابنُ جرير بإسناده عن قتادة ، عن بشير بن كعب : أنَّه قرأ هذه الآية :
    { فامشُوا في منَاكبِها } (1) ثم قال لجاريته : إنْ دَرَيْتِ ما مناكِبُها ، فأنت حُرَّةٌ لوجه الله ، قالت: مناكبُها : جبالُها ، فكأنَّما سُفِعَ في وجهه ، ورغب في جاريته ، فسألهم، فمنهم من أمره ، ومنهم من نهاه ، فسأل أبا الدرداء ، فقال : الخيرُ طمأنينة والشر ريبة ، فذَرْ ما يريبك إلى ما لا يريبك(2) .
    وقوله في الرواية الأخرى : ( إنَّ الصدقَ طمأنينةٌ ، وإنَّ الكذبَ ريبةٌ ) يشير إلى أنَّه لا ينبغي الاعتمادُ على قول كلِّ قائلٍ كما قال في حديث وابصة : ( وإنْ أفتاك الناسُ وأفتوكَ ) (3) وإنَّما يُعْتَمَدُ على قولِ مَنْ يقول الصدقَ ، وعلامةُ الصدق أنَّه تطمئن به القلوبُ، وعلامة الكذب أنَّه تحصل به الريبةُ ، فلا تسكن القلوبُ إليه ، بل تَنفِرُ منه .
    ومن هنا كان العقلاء في عهد النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - إذا سمعوا كلامَه وما يدعو إليه ، عرفوا أنَّه صادق ، وأنَّه جاء بالحق ، وإذا سمعوا كلامَ مسيلمة ، عرفوا أنَّه كاذب ، وأنَّه جاء بالباطل ، وقد رُوي أنَّ عمرو بن العاص سمعه قبلَ إسلامه يَدَّعي أنَّه أُنْزِلَ عليه : يا وَبْرُ يا وَبْرُ ، لَكِ أذنان وصَدْر ، وإنَّك لتعلم يا عمرو ، فقال : والله إني لأعلم أنَّك تَكْذِبُ .
    __________
    (1) الملك : 15 .
    (2) أخرجه : الطبري في " تفسيره " ( 26739 ) و( 26742 ) ، وطبعة التركي 23/128 و129 .
    (3) أخرجه : الطبراني في " الكبير " 22/( 403 ) .
    ● [ الصفحة التالية ] ●
    وقال بعضُ المتقدمين : صوِّرْ ما شئتَ في قلبك ، وتفكر فيه ، ثم قِسه إلى ضدِّه ، فإنَّك إذا ميَّزْتَ بينهما ، عرفتَ الحقَّ من الباطل ، والصدقَ من الكذب ، قال : كأنَّك تَصَوَّرُ محمداً - صلى الله عليه وسلم - ، ثم تتفكر فيما أتى(1) به من القرآن فتقرأ { إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ } (2) ، ثم تَتَصوَّرُ ضِدَّ محمد - صلى الله عليه وسلم - ، فتجده مسيلمة ، فتتفكر فيما جاء به فتقرأ :
    ألا يَا رَبَّة المَخْدَع . قَدْ هُيئ لَكِ المَضْجَعْ
    يعني قوله لِسجاح حين تزوَّج بها ، قال : فترى هذا - يعني : القرآن - رصيناً
    عجيباً ، يلوطُ بالقلب ، ويَحْسُنُ في السمع ، وترى ذا - يعني : قول مسيلمة - بارداً غثَّاً فاحشاً ، فتعلم أنَّ محمداً حقا أُتِي بوحي ، وأنَّ مسيلمة كذَّاب أُتِيَ
    بباطل .
    __________
    (1) في ( ص ) : ( جاء ) .
    (2) البقرة : 164 .
    ● [ تم شرح الحديث ] ●

    بص وطل
    بص وطل
    Admin


    عدد المساهمات : 2283
    تاريخ التسجيل : 29/04/2014

    الأحاديث: الحادي عشر والثانى عشر والثالث عشر Empty الحديث الثاني عشر

    مُساهمة من طرف بص وطل الثلاثاء يناير 08, 2019 2:46 pm

    الأحاديث: الحادي عشر والثانى عشر والثالث عشر Game10

    بّسم الله الرّحمن الرّحيم
    مكتبة الحديث الشريف
    جامع العلوم والحكم
    الأحاديث: الحادي عشر والثانى عشر والثالث عشر 1410
    ● [ الحديث الثاني عشر ] ●

    عَنْ أبي هريرةَ - رضي الله عنه - ، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال : ( مِنْ حُسْنِ إسْلامِ المَرءِ تَرْكُهُ ما لا يَعْنِيهِ ).
    حديثٌ حَسَنٌ ، رَوَاهُ التِّرمذيُّ وغَيرُهُ .

    الشرح
    هذا الحديث خرَّجه الترمذي(1) ، وابن ماجه(2) من رواية الأوزاعي ، عن قُرَّةَ ابنِ عبد الرحمان ، عن الزهري ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة - رضي الله عنهم - ، وقال الترمذي : غريب(3) ، وقد حسّنه الشيخ المصنف رحمه الله ؛ لأنَّ رجال إسناده ثقات ، وقرة ابن عبد الرحمان بن حيويل(4) وثقة قوم وضعفه آخرون(5)
    __________
    (1) في " الجامع الكبير " ( 2317 ) .
    (2) في " سننه " ( 3976 ) .
    وأخرجه : ابن حبان ( 229 ) ، والطبراني في " الأوسط " ( 361 ) ، وابن عدي في "الكامل" 5/454-455 ، والقضاعي في " مسند الشهاب " ( 192 ) ، والبغوي ( 4132 ) من حديث أبي هريرة ، به .
    (3) ذكره في " الجامع الكبير " عقب حديث ( 2317 ) ، وانظر : تحفة الأشراف 10/432 ( 1534 ) .
    (4) قال ابن حجر في " التقريب " ( 5541 ) : ( بمهملة مفتوحة ثم تحتانية ، وزن جبريل ) .
    (5) من الذين وثقوه : الأوزاعي ، قال عنه : ( ما أحد أعلم بالزهري من قرة بن عبد الرحمان بن حيويل ) . انظر : الجرح والتعديل 7/177 ( 2295 ) .
    ومن الذين ضعفوه : الإمام أحمد بن حنبل ، قال عنه : ( منكر الحديث جداً ) ، وقال يحيى بن معين : ( ضعيف الحديث ) ، وقال أبو زرعة : ( الأحاديث التي يرويها مناكير ) ، وقال أبو حاتم : ( ليس بقوي ) . انظر : الجرح والتعديل 7/177 ( 2295 ) .
    ● [ الصفحة التالية ] ●
    ، وقال ابنُ عبد البرِّ(1) : هذا الحديثُ محفوظ عن الزهري بهذا الإسناد من رواية الثقات ، وهذا موافق لتحسين الشيخ له ، وأما أكثر الأئمة ، فقالوا : ليس هو محفوظاً بهذا الإسناد وإنَّما هو محفوظٌ عن الزهري ، عن عليّ بن حسين ، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - مرسلاً(2) ، كذلك رواه الثقات عن الزهري ، منهم : مالك في " الموطأ " (3) ، ويونس ، ومعمر ، وإبراهيم ابن سعد إلا أنَّه قال : ( من إيمان المرء تركه ما لا يعنيه )(4) وممن قال : إنَّه لا يصح إلا عن عليّ بن حسين مرسلاً الإمام أحمد ، ويحيى بن معين ، والبخاري ، والدارقطني(5) ، وقد خلط الضعفاءُ في إسناده عن الزهري تخليطاً فاحشاً ، والصحيح فيه المرسل ، ورواه عبد الله(6) بن عمر(7) العمري ، عن الزهري ، عن عليِّ بن حسين ، عن أبيه ، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، فوصله وجعله من مسند الحسين بن عليٍّ ، وخرَّجه الإمامُ أحمد في "
    __________
    (1) كلام ابن عبد البر هذا لم أجده في " التمهيد " .
    (2) أخرجه : مالك في " الموطأ " ( 2628 ) برواية الليثي ، والبخاري في " التاريخ الكبير " 4/188 ، والترمذي ( 2318 ) ، والرامهرمزي في " المحدّث الفاصل " ( 90 ) ، وأبو نعيم في " الحلية " 8/249 ، والقضاعي في " مسند الشهاب " ( 193 ) ، والبغوي ( 4133 ) من طرق عن الزهري ، عن علي بن الحسين ، مرسلاً .
    (3) الموطأ ( 2628 ) برواية الليثي .
    (4) عن يونس ، أخرجه : معمر في " جامعه " ( 20617 ) ، والقضاعي في " مسند الشهاب " ( 193 ) ، وأما إبراهيم بن سعد فلم أقف له على رواية ، والله أعلم.
    (5) لم أجد كلام الإمام أحمد ، ويحيى بن معين . وكلام البخاري في " التاريخ الكبير " 4/188 ، وكلام الدارقطني في " العلل " 3/108 ( 310 ) .
    (6) في ( ص ) : ( ورواه عبد الرحمان وعبد الله ) .
    (7) تحرف في ( ج ) إلى : ( عمرو ) والصواب ما أثبته . انظر : الجرح والتعديل 5/131 ( 499 ) .
    ● [ الصفحة التالية ] ●
    مسنده " من هذا الوجه(1) ، والعمري ليس بالحافظ(2) ، وخرَّجه أيضاً من وجه آخر عن الحسين ، عن النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - (3)، وضعفه البخاري في
    " تاريخه " من هذا الوجه أيضاً ، وقال : لا يصحُّ إلا عن عليِّ بن حسين مرسلاً(4) ، وقد روي عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - من وجوه أخر وكُلُّها ضعيفة .
    وهذا الحديث أصلٌ عظيم من أصول الأدب ، وقد حكى الإمامُ أبو عمرو بن الصلاح ، عن أبي محمد بن أبي زيد إمام المالكية في زمانه أنَّه قال : جماعُ آداب(5) الخير وأزمته تتفرَّعُ من أربعة أحاديث : قول النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - : ( مَنْ كَانَ يُؤمنُ باللهِ واليومِ الآخر فليَقُلْ خيراً أو ليَصْمُتْ ) (6) ، وقوله - صلى الله عليه وسلم - : ( مِنْ حُسْنِ إسلامِ المَرءِ تَركُهُ ما لا يَعْنِيهِ ) (7) ، وقوله للذي اختصر له في الوصية : ( لا تَغْضَبْ(8) ) ، وقوله - صلى الله عليه وسلم - : ( المُؤْمِنُ يُحبُّ لأخيه ما يُحبُّ لنفسه )(9) .
    __________
    (1) في " مسنده " 1/201 ، وسبق تخريجه موسعاً .
    (2) قال أحمد بن حنبل : ( صالح لا بأس به ، قد روي عنه ، ولكن ليس مثل عبيد الله ) ، وقال يحيى بن معين : ( صويلح ) . انظر : الجرح والتعديل 5/131 ( 499 ) ، وقال الذهبي : ( صدوق في حفظه شيء ) ، وقال ابن المديني : ( عبد الله ضعيف ) ، وقال ابن حبان = = ... : ( كان ممن غلب عليه الصلاح والعبادة ، حتى غفل عن حفظ الأخبار، وجودة الحفظ للآثار، فلما فحش خطؤه : استحق الترك ) . انظر : ميزان الاعتدال 2/465 ( 4472 ) .
    (3) من قوله : ( وجعله من مسند الحسين … ) إلى هنا سقط من ( ص ) .
    (4) انظر : التاريخ الكبير 4/188 .
    (5) سقطت من ( ص ) .
    (6) سيأتي تخريجه عند الحديث الخامس عشر .
    (7) سبق تخريجه .
    (8) سيأتي تخريجه عند الحديث السادس عشر .
    (9) سيأتي تخريجه عند الحديث الثالث عشر .
    ● [ الصفحة التالية ] ●
    ومعنى هذا الحديث : أنَّ مِنْ حسن إسلامه تَركَ ما لا يعنيه من قولٍ وفعلٍ ، واقتصر على ما يعنيه من الأقوال والأفعال ، ومعنى يعنيه : أنْ تتعلق عنايتُه به ، ويكونُ من مقصده ومطلوبه ، والعنايةُ : شدَّةُ الاهتمام بالشيء ، يقال : عناه يعنيه : إذا اهتمَّ به وطلبه ، وليس المُراد أنَّه يترك ما لا عناية له به ولا إرادة بحكم الهوى وطلب النفس ، بل بحكم الشرع والإسلام ، ولهذا جعله من حسن الإسلام ، فإذا حَسُنَ إسلامُ المرء ، ترك ما لا يعنيه في الإسلام من الأقوال والأفعال ، فإنَّ الإسلامَ يقتضي فعل الواجبات كما سبق ذكره في شرح حديث جبريل - عليه السلام - .
    وإنَّ الإسلام الكاملَ الممدوحَ يدخل فيه تركُ المحرمات ، كما قال - صلى الله عليه وسلم - : ( المسلمُ مَنْ سَلِمَ المسلمون من لسانه ويده ) (1)
    __________
    (1) أخرجه : أحمد 2/379 ، والترمذي ( 2627 ) ، والنسائي 8/104-105 ، وابن حبان ( 180 ) ، والحاكم 1/10 من طرق عن أبي هريرة ، به .
    وأخرجه: البخاري 1/9 ( 10 ) ، ومسلم 1/47 ( 40 ) ( 64 ) ، وأبو داود ( 2481 ) ، وابن حبان ( 196 ) من طرق عن عبد الله بن عمرو بن العاص ، به .
    وأخرجه : الطيالسي ( 1777 ) ، وأحمد 3/372 ، ومسلم 1/48 ( 41 ) ( 65 ) ، وابن حبان ( 197 ) من طرق عن جابر بن عبد الله ، به .
    ● [ الصفحة التالية ] ●
    ، وإذا حسن الإسلامُ ، اقتضى ترك ما لا يعني كله من المحرمات والمشتبهات والمكروهات ، وفضول المباحات التي لا يحتاج إليها ، فإنَّ هذا كله لا يعني المسلم إذا كمل إسلامهُ ، وبلغ إلى درجة الإحسان ، وهو أنْ يَعْبُدَ الله تعالى كأنَّه يراه ، فإنْ لم يكن يراه ، فإنَّ الله يراه ، فمن عبد الله على استحضار قربه ومشاهدته بقلبه ، أو على استحضار قرب الله منه واطلاعه عليه ، فقد حسن إسلامه ، ولزم من ذلك أنْ يترك كل ما لا يعنيه في الإسلام ، ويشتغل بما يعنيه فيه ، فإنَّه يتولَّدُ من هذين المقامين الاستحياءُ من الله وترك كلِّ ما يُستحيى منه ، كما وصَّى - صلى الله عليه وسلم - رجلاً أنْ يستحيي من الله كما يستحيي من رجل من صالحي عشيرته لا يُفارقه.
    وفي " المسند " والترمذي عن ابن مسعود مرفوعاً : ( الاستحياء من الله تعالى أنْ تَحْفَظَ الرَّأْسَ وما حَوَى ، وتَحفَظَ البَطنَ وما وَعَى ، ولْتَذْكُرِ الموتَ والبِلى(1) ، فمن فَعَل ذلك ، فقد استحيَى من الله حقَّ الحياء )(2) .
    قال بعضهم : استحي من الله على قدر قربه منك ، وخَفِ الله على قدر قدرته عليك .
    وقال بعضُ العارفين : إذا تكلمتَ فاذْكُر سَمعَ اللهِ لك ، وإذا سكتَّ فاذكر نظره إليك(3).
    __________
    (1) ج ) : ( ولتذكر الموت والبلى ) .
    (2) أخرجه : أحمد 1/387 ، والترمذي ( 2458 ) . = = ... وأخرجه : ابن أبي شيبة ( 34320 ) ، وأبو يعلى ( 5047 ) ، والطبراني في " الكبير " ( 10290 ) ، والحاكم 4/323 ، وأبو نعيم في " حلية الأولياء " 4/209 ، والبيهقي في " شعب الإيمان " ( 7730 ) و( 10561 ) ، وإسناده ضعيف لضعف الصباح بن محمد ، وقد تفرد به مرفوعاً ، والحديث معلول بالوقف .
    (3) روي هذا القول عن أحمد بن منيع ، وروي عن الربيع بن خثيم ، وروي عن حاتم الأصم . انظر : سير أعلام النبلاء 11/485 ، وصفة الصفوة 3/68 و4/162.
    ● [ الصفحة التالية ] ●
    وقد وقعتِ الإشارةُ في القرآن العظيم إلى هذا المعنى في مواضع كثيرة (1): كقوله تعالى : { وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ } (2) ، وقوله تعالى : { وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلاَّ كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُوداً إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ وَلا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْبَرَ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ } (3) ، وقال تعالى : { أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ } (4) .
    وأكثر ما يُراد بترك ما لا يعني حفظ اللسان من لغو الكلام كما أشير إلى ذلك في الآيات الأولى التي هي في سورة ( ق ) .
    وفي " المسند " من حديث الحسين ، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال : ( إنَّ من حُسْنِ إسلام المَرءِ قِلَّةَ الكَلامِ فيما لا يَعنيه )(5) .
    وخرَّج الخرائطي(6) من حديث ابن مسعود قال : أتى النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - رجل ، فقال : يا رسول الله إني مطاعٌ في قومي فما آمرهم ؟ قال له : ( مُرْهُم بإفشاء السَّلام ، وقِلَّةِ الكلام إلا فيما يعنيهم ) .
    __________
    (1) كثيرة ) سقطت من ( ج ) .
    (2) ق : 16-18 .
    (3) يونس : 61 .
    (4) الزخرف : 80 .
    (5) سبق تخريجه .
    (6) في " مكارم الأخلاق " ( 196 ) ، وإسناده ضعيف جداً ؛ فإنَّ السري بن إسماعيل الكوفي متروك .
    ● [ الصفحة التالية ] ●
    وفي " صحيح ابن حبان "(1) عن أبي ذرٍّ ، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال : ( كان في صحف إبراهيم عليه الصَّلاةُ والسلام : وعلى العاقل ما لم يكن مغلوباً على عقله أنْ تكونَ له ساعات : ساعةٌ يُناجي فيها ربَّه ، وساعةٌ يُحاسِبُ فيها نَفسه ، وساعةٌ يتفكَّرُ فيها في صُنع الله ، وساعةٌ يخلو فيها لحاجته من المطعم والمشرب ، وعلى العاقل أنْ لا يكون ظاعناً إلا لثلاث : تزوُّدٍ لمعاد ، أو مَرَمَّةٍ لمعاشٍ ، أو لذَّةٍ في غير محرَّم ، وعلى العاقل أنْ يكونَ بصيراً بزمانه ، مقبلاً على شأنه ، حافظاً للسانه ، ومَنْ حَسَب كلامَه من عمله قلَّ كلامُه إلا فيما يعنيه ) .
    وقال عمر بنُ عبد العزيز - رَحِمه الله - : من عدَّ كلامه من عمله ، قلَّ كلامُه إلا فيما يعنيه(2) . وهو كما قال ؛ فإنَّ كثيراً من الناس لا يعدُّ كلامَه من عمله ، فيُجازف فيه ، ولا يتحرَّى ، وقد خَفِيَ هذا على معاذ بن جبل حتى سأل عنه النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - فقال : أنؤاخذ بما نتكلَّمُ به ؟ قال : ( ثَكِلَتكَ أُمُّك يا معاذ ، وهل يكبُّ الناسَ على مناخرهم في النار إلا حصائدُ ألسنتهم )(3) .
    وقد نفى الله الخير عن كثيرٍ مما يتناجى به الناسُ بينهم ، فقال : { لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاس } (4) .
    وخرَّج الترمذي(5) ، وابن ماجه(6)
    __________
    (1) في " الإحسان " ( 361 ) ، وإسناده ضعيف جداً ؛ فإنَّ في سنده إبراهيم بن هشام متروك .
    (2) أخرجه : ابن عساكر في " تاريخ دمشق " 48/117 .
    (3) سيأتي تخريجه عند الحديث التاسع والعشرين .
    (4) النساء : 114 .
    (5) في " الجامع الكبير " ( 2412 ) .
    (6) في " سننه " ( 3974 ) .
    ● [ الصفحة التالية ] ●
    وأخرجه : عبد بن حميد ( 1554 ) ، والبخاري في" التاريخ الكبير " 1/258-259
    ( 837 ) ، وأبو يعلى ( 7132 ) و( 7134 ) ، والطبراني في " الكبير " 23/( 484 ) ، وابن السني في " عمل اليوم والليلة " ( 5 ) ، والحاكم 2/512-513 ، والقضاعي في " مسند الشهاب " ( 305 ) ، وإسناده ضعيف لجهالة أم صالح .
    ● [ الصفحة التالية ] ●
    من حديث أمِّ حبيبة ، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال : ( كلُّ(1) كلام ابن آدم عليه لا له إلا الأمرَ بالمعروفِ ، والنهيَ عن المنكر ، وذكر الله - عز وجل - ) .
    وقد تعجب قومٌ من هذا الحديث عندَ سفيان الثوري ، فقال سفيان : وما تعجُّبُكم من هذا، أليسَ قد قال الله تعالى: { لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاس } ؟(2) أليس قد قال تعالى : { يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلائِكَةُ صَفّاً لا يَتَكَلَّمُونَ إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَانُ وَقَالَ صَوَاباً } ؟(3)
    وخرَّج الترمذي من حديث أنسٍ قالَ : تُوفِّيَ رجُلٌ من أصحابه – يعني : النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - - فقالَ رجل : أبشرْ بالجَنَّةِ ، فقالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - : ( أو لا تدري ، فلعلَّه تَكلَّم بِما لا يَعنيه أو بَخِلَ بما لا يُغنِيه )(4) . وقد روي معنى هذا الحديث من وجوهٍ متعددةٍ عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، وفي بعضها : أنَّه قتل شهيداً(5) .
    __________
    (1) سقطت من ( ص ) .
    (2) النساء : 114 .
    (3) النبأ : 38 .
    (4) في " الجامع الكبير " ( 2316 ) .
    وأخرجه : ابن أبي الدنيا في " الصمت " ( 109 ) ، وأبو يعلى ( 4017 ) ، وأبو نعيم في " الحلية " 5/55-56 ، والبيهقي في " شعب الإيمان " ( 10835 ) و( 10836 ) ، والذهبي في " سير أعلام النبلاء " 6/240 من طرق عن الأعمش ، عن أنس بن مالك ، به ، وقال الترمذي : ( غريب ) أي : ضعيف ، وذلك لانقطاعه فإنَّ الأعمش لم يسمع من أنس .
    (5) أخرجه : ابن عدي في " الكامل " 7/86 ، والبيهقي في " شعب الإيمان " ( 5010 ) من طرق عن أبي هريرة ، مرفوعاً ، وإسناده ضعيف لضعف عصام بن طليق .
    ● [ الصفحة التالية ] ●
    وخرَّج أبو القاسم البغوي في " معجمه " من حديث شهاب بن مالك ، وكان وَفَدَ على النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - : أنَّه سَمعَ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - وقالت له امرأة : يا رسولَ الله ألا تُسلمُ علينا ؟ فقالَ : ( إنَّكِ من قَبيلٍ يُقَلِّلن الكثيرَ ، وتمنع ما لا يُغنيها ، وسؤالها عما لا يعنيها )(1) .
    وخرَّج العقيلي من حديث أبي هريرة مرفوعاً : ( أكثرُ الناسِ ذنوباً أكثَرُهُم كلاماً فيما لا يعنيه )(2) .
    قال عمرو بنُ قيس الملائي : مرَّ رجلٌ بلقمان والناسُ عندَه ، فقال له : ألستَ
    عبدَ بني فلان(3) ؟ قال : بلى ، قال : الذي كنت ترعى عندَ جبلِ كذا وكذا ؟ قال : بلى ، قال : فما بلغ بك ما أرى ؟ قالَ : صِدْقُ الحديثِ وطولُ السُّكوت عما لا يعنيني(4) .
    وقال وهبُ بنُ مُنبِّهٍ : كانَ في بني إسرائيل رجلان بلغت بهما عبادتهما أنْ مشيا على الماء ، فبينما هما يمشيان في البحر إذ هما برجل يمشي على الهواء ، فقالا لهُ : يا عبدَ الله بأيِّ شيء أدركت هذه المنزلة ؟ قال : بيسيرٍ من الدُّنيا : فَطَمْتُ نفسي عن الشهوات ، وكففتُ لساني عما لا يعنيني ، ورغبتُ فيما دعاني إليه ، ولزمت الصمتَ ، فإنْ أقسمتُ على الله ، أبرَّ قسمي ، وإنْ سألته أعطاني .
    دخلوا على بعض الصحابة في مرضه ووجهه يتهلَّلُ ، فسألوه عن سبب(5) تهلل
    وجهه ، فقال: ما مِنْ عمل أوثقَ عندي من خَصلتين: كنت لا أتكلم فيما لا يعنيني، وكان قلبي سليماً للمسلمين .
    __________
    (1) أخرجه : ابن قانع في " معجم الصحابة " 1/350 ، وإسناده ضعيف .
    (2) في " الضعفاء الكبير " 3/424 .
    وأخرجه : ابن أبي شيبة ( 34659 ) ، وابن الجوزي في " العلل المتناهية " 2/705 من طرق عن أبي هريرة ، به . وإسناده ضعيف لضعف عصام بن طليق .
    (3) سقطت من ( ص ) .
    (4) انظر : تفسير ابن كثير 3/444 ، وشعب الإيمان 4/230 ، والتمهيد 9/200 .
    (5) سقطت من ( ص ) .
    ● [ الصفحة التالية ] ●
    وقال مُوَرِّق العجلي : أمرٌ أنا في طلبه منذ كذا وكذا سنة لم أقدِرْ عليه ولستُ بتاركٍ طلبه أبداً ، قالوا : وما هو ؟ قالَ : الكفُّ عما لا يعنيني . رواه ابن أبي الدنيا(1) .
    وروى أسدُ بن موسى ، حدثنا أبو معشر(2) ، عن محمد بن كعب قالَ : قالَ
    رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - : ( أوَّل من يَدخُلُ عليكم رَجُلٌ من أهل الجنة ) فدخل عبدُ الله بنُ سلام ، فقامَ إليه ناسٌ ، فأخبروه ، وقالوا له : أخبرنا بأوثق عَمَلِكَ في نَفسِكَ ، قال : إنَّ عملي لضعيف ، أوثقُ ما أرجو به سلامةُ الصدر ، وتركي ما لا يعنيني .
    وروى أبو عبيدة ، عن الحسن قال : مِنْ علامة إعراض الله تعالى عن العبد أنْ يجعل شغله فيما لا يعنيه . وقال سهل بنُ عبد الله التُّسترِي : من تكلم فيما لا يعنيه حُرِم الصدق(3) ، وقال معروف : كلام العبد فيما لا يعنيه(4) خذلان من اللهِ - عز وجل -(5) .
    وهذا الحديث يدلُّ على أنَّ تركَ ما لا يعني المرء من حسن إسلامه ، فإذا ترك ما لا يعنيه ، وفعل ما يعنيه كله ، فقد كَمُلُ حُسْنُ إسلامه ، وقد جاءت الأحاديثُ بفضل من حسن إسلامُه وأنَّه تضاعف حسناته ، وتُكفر سيئاته ، والظاهر أنَّ كثرة المضاعفة تكون بحسب حسن الإسلام ، ففي " صحيح مسلم " (6)
    __________
    (1) أخرجه : أبو نعيم في "حلية الأولياء" 2/235 ، وابن الجوزي في " صفة الصفوة " 3/140 .
    (2) وهو ضعيف .
    (3) أخرجه : أبو نعيم في " حلية الأولياء " 10/169 .
    (4) من قوله : ( وقال سهل بن عبد الله ... ) إلى هنا لم يرد في ( ص ) .
    (5) أخرجه : أبو نعيم في " حلية الأولياء " 8/361 .
    (6) الصحيح 1/81 ( 129 ) ( 205 ) .
    وأخرجه : أحمد 2/317 ، والبخاري 1/17 ( 42 ) ، وابن حبان ( 228 ) ، وابن منده في " الإيمان " ( 373 ) ، وابن حزم في " المحلى " 1/99 ، والبيهقي في " شعب الإيمان " ( 7046 ) ، والبغوي ( 4148 ) .
    ● [ الصفحة التالية ] ●
    عن أبي هريرة ، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال : ( إذا أحْسَنَ أَحَدُكُم إسلامَهُ ، فكُلُّ حَسَنةٍ يَعْمَلُها تُكتَبُ بِعَشرِ أَمْثالِها إلى سبعِ مئة ضعفٍ ، وكلُّ سَيِّئةٍ يعملها تُكتَبُ بمثلِها حتَّى يَلقى الله - عز وجل - ) فالمضاعفةُ للحسنة بعشر أمثالها لابدَّ منه ، والزيادةُ على ذلك تكونُ بحسب إحسّان الإسلام ، وإخلاصِ النية والحاجة إلى ذلك العمل وفضله ، كالنفقة في الجهاد ، وفي الحج ، وفي الأقارب ، وفي اليتامى والمساكين ، وأوقات الحاجة إلى النفقة ، ويشهد لذلك ما رُوي عن عطية ، عن ابن عمر قال : نزلت : { مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا } (1) في الأعراب ، قيل له : فما للمهاجرين (2) ؟ قال : ما هو أكثرُ ، ثم تلا قوله تعالى : { وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً } (3) (4) .
    وخرَّج النسائي(5)
    __________
    (1) الأنعام : 160 .
    (2) في ( ص ) : ( فما بال المهاجرين والأنصار ) ، وزيادة : ( والأنصار ) غير صحيحة لعدم ورودها في مصادر التخريج .
    (3) النساء : 40 .
    (4) أخرجه : سعيد بن منصور ( 636 ) طبعة الحميد ، والطبري في " تفسيره " ( 7542 ) ، وطبعة التركي 7/36 ، وابن أبي حاتم في " تفسيره " 3/955 ( 5338 ) .
    (5) في " المجتبى " 8/105-106 .
    وأخرجه : البيهقي في " شعب الإيمان " ( 24 ) ، وإسناده لا بأس به .
    وعلقه البخاري 1/17 ( 41 ) مختصراً بصيغة الجزم .
    ● [ الصفحة التالية ] ●
    من حديث أبي سعيد ، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال : ( إذا أسلمَ العبدُ فحَسنُ إسلامُهُ ، كَتبَ الله له كُلَّ حَسنةٍ كان أزلَفَها ، ومُحِيتْ عنه كُلُّ سيئة كان أزلَفَها(1) ، ثم كان بَعْدَ ذلك القِصَاصُ ، الحسَنَةُ بِعَشْر أمثالِها إلى سَبع مئةِ ضِعفٍ ، والسَّيِّئَةُ بمِثلِها إلا أنْ يتجاوَزَ الله ) ، وفي رواية أخرى : ( وقيلَ له : استأنفِ العمل ).
    والمراد بالحسنات والسيئات التي كان أزلفها : ما سبق منه قبل الإسلام ، وهذا يدلُّ على أنَّه يُثاب بحسناته في الكفر إذا أسلم وتُمحى عنه سيئاته إذا أسلم ، لكن بشرط أنْ يَحْسُنَ إسلامُه ، ويتقي تلك السيئات في حال إسلامه ، وقد نص على ذلك الإمام أحمد ، ويدلُّ على ذلك ما في " الصحيحين " (2) عن ابن مسعود قال : قلنا : يا رسول الله ، أنؤاخذ بما عملنا في الجاهلية ؟ قال : ( أمَّا مَنْ أحسَنَ منكم في الإسلام فلا يُؤَاخَذُ بها ، ومن أساءَ أُخِذَ بعمله في الجاهلية والإسلام ) .
    وفي " صحيح مسلم " عن عمرو بن العاص قال للنَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - لما أسلم : أريدُ أنْ أَشْتَرطَ ، قال : ( تشترط ماذا ؟ ) قلتُ : أنْ يُغْفَرَ لي ، قال : ( أما عَلمتَ أنَّ الإسلامَ يَهدِمُ ما كان قبله ؟ )(3)
    __________
    (1) من قوله : ( ومحيت عنه كل ... ) إلى هنا لم ترد في ( ص ) .
    (2) صحيح البخاري 9/17 ( 6921 ) ، وصحيح مسلم 1/77 ( 120 ) ( 189 ) و( 190 ) و( 191 ) . = = ... وأخرجه : معمر في " جامعه " ( 19686 ) ، والحميدي ( 108 ) وأحمد 1/379 و409 و429 و431 و462 ، وابن ماجه ( 4242 ) ، وأبو يعلى ( 5071 ) و( 5113 ) ، وابن حبان ( 396 ) ، وأبو نعيم في " حلية الأولياء " 7/125 ، والبيهقي 9/123 وفي " شعب الإيمان " ، له ( 23 ) .
    (3) في " صحيحه " 1/78 ( 121 ) ( 129 ) .
    وأخرجه أيضاً: ابن خزيمة ( 2515 ) ، وابن منده في "الإيمان" ( 270 ) ، والبيهقي 9/98 .
    ● [ الصفحة التالية ] ●
    . وخرَّجه الإمام أحمد ولفظه : ( إنَّ الإسلام يَجُبُّ ما كان قبله من الذنوب )(1) وهذا محمولٌ على الإسلام الكامل الحسن جمعاً بينه وبين حديث ابن مسعودٍ الذي قبله .
    وفي " صحيح مسلم " (2) أيضا عن حكيم بن حزامِ قال : قلتُ : يا رسول الله أرأيتَ(3) أموراً كنت أصنعها في الجاهلية من صدقة أو عتاقة أو صلة رحم ، أفيها أجرٌ ؟ فقال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - : ( أَسْلَمْتَ على ما أَسْلَفْتَ من خيرٍ ) وفي رواية له : قال : فقلتُ : والله لا أدعُ شيئا صنعتُه في الجاهلية إلا صنعتُ في الإسلام مثله ، وهذا يدلّ على أنَّ حسنات الكافر إذا أسلم يُثابُ عليها كما دلَّ عليه حديث أبي سعيد المتقدِّم .
    __________
    (1) في " مسنده " 4/198 و204 و205 .
    وأخرجه أيضاً : البخاري في " التاريخ الكبير " 2/299 ( 2587 ) ، والبيهقي 9/123 ، وفي " دلائل النبوة " ، له 4/343 و346-348 .
    (2) في " صحيحه " 1/78-79 ( 123 ) ( 194 ) و( 195 ) و( 196 ) .
    وأخرجه أيضاً : معمر في " جامعه " ( 19685 ) ، والحميدي ( 554 ) ، وأحمد 3/402 ، والبخاري 2/141 ( 1436 ) و3/107 ( 2220 ) و3/193 ( 2538 ) و8/7 ( 5992 ) وفي " الأدب المفرد " ، له ( 70 ) ، وابن أبي عاصم في " الآحاد والمثاني " ( 594 ) ، وابن حبان ( 329 ) ، والطبراني في " الكبير " ( 3084 ) و( 3085 ) و( 3086 ) و( 3087 ) و( 3088 ) و( 3089 ) ، والحاكم 3/483-484 ، والبيهقي 9/123 و10/316 ، والبغوي ( 27 ) .
    (3) سقطت من ( ص ) .
    ● [ الصفحة التالية ] ●
    وقد قيل : إنَّ سيئاته في الشرك تبدَّل حسنات ، ويُثابُ عليها أخذاً من قوله تعالى : { وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً إِلاَّ مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ } (1) ، وقد اختلف المفسرون في هذا التبديل على قولين :
    فمنهم مَنْ قال : هو في الدنيا بمعنى أنَّ الله يُبَدِّلُ من أسلم وتاب إليه بَدَلَ ما كان عليه من الكفر والمعاصي : الإيمان والأعمال الصالحة ، وحكى هذا القول إبراهيم الحربي في " غريب الحديث " عن أكثر المفسرين ، وسمى منهم : ابنَ عباس ، وعطاء ، وقتادة ، والسُّدي ، وعِكرمة ، قلت : وهو المشهورُ عن الحسن .
    قال : وقال الحسن وأبو مالك وغيرهما : هي في أهل الشرك خاصة ليس هي في أهل الإسلام . قلت : إنَّما يصحُّ هذا القول على أنْ يكونَ التبديلُ في الآخرة كما سيأتي ، وأما إنْ قيل : إنَّه في الدنيا ، فالكافرُ إذا أسلم والمسلمُ إذا تاب في ذلك سواء ، بل المسلم إذا تاب ، فهو أحسنُ حالاً من الكافر إذا أسلم .
    __________
    (1) الفرقان : 68-70 .
    ● [ الصفحة التالية ] ●
    قال : وقال آخرون : التبديلُ في الآخرة : جعلت لهم مكان كلِّ سيئةٍ حسنة ، منهم : عمرو بن ميمون ، ومكحول ، وابن المسيب ، وعلى بن الحسين قال : وأنكره أبو العالية ، ومجاهد ، وخالد سبلان(1) ، وفيه مواضع إنكار ، ثم ذكر ما حاصلهُ أنَّه يلزمُ من ذلك أنْ يكونَ مَنْ كثرت سيئاته أحسنَ حالاً ممن قلَّت سيئاته(2) حيث يُعطى مكان كلّ سيئة حسنة ، ثم قال : ولو قال قائل : إنَّما ذكر الله أنْ يُبدل السيئات حسنات ولم يذكر العدد كيف تبدل ، فيجوز أنَّ معنى تبدل : أنَّ من عمل سيئةً واحدةً وتاب منها تبدل مئةَ ألفِ حسنةٍ ، ومنْ عمل ألف سيئة أنْ تبدَّل ألف حسنةٍ ، فيكون حينئذ من قلت سيئاتُهُ أحسن حالاً .
    __________
    (1) في ( ص ) : ( خالد بن معدان ) .
    (2) عبارة : ( أحسن حالاً ممن قلت ) سقطت من ( ص ) .
    ● [ الصفحة التالية ] ●
    قلت : هذا القول - وهو التبديل في الآخرة - قد أنكره أبو العالية ، وتلا قوله تعالى : { يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً } (1) وردَّه بعضهم بقوله تعالى : { وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ } (2) ، وقوله تعالى : { وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِراً وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً } (3) ولكن قد أجيب عن هذا بأنَّ التائبَ يُوقف على سيئاته ، ثم تبدَّل حسنات ، قال أبو عثمان النَّهدي(4) : إنَّ المؤمن يُؤتى كتابَه في ستر من الله - عز وجل - ، فيقرأ سيئاته ، فإذا قرأ تغيَّر لها لونُه حتّى يمرَّ بحسّناته، فيقرؤها فيرجع إليه لونه ، ثم ينظر فإذا سيئاتُه قد بُدِّلت حسّناتٍ، فعند ذلك يقول : { هَاؤُمُ اقْرَأوا كِتَابِيَهْ } (5) ورواه بعضهم عن أبي عثمان ، عن ابن مسعود ، وقال بعضهم : عن أبي عثمان ، عن سلمان (6) .
    وفي " صحيح مسلم " (7)
    __________
    (1) آل عمران : 30 .
    (2) الزلزلة : 8 .
    (3) الكهف : 49 .
    (4) أخرجه : ابن أبي حاتم كما في "تفسير ابن كثير" : 1914 ، والخطيب في " تاريخه " 11/6 ، وطبعة دار الغرب 12/251 .
    (5) الحاقة : 19 .
    (6) أخرجه : ابن أبي حاتم كما في " تفسير ابن كثير " : 1366 .
    (7) الصحيح 1/121 ( 190 ) ( 314 ) و( 315 ) .
    وأخرجه : وكيع في " الزهد " ( 367 ) ، وأحمد 5/157 و170 ، والترمذي ( 2596 ) وفي " الشمائل " ، له ( 229 ) بتحقيقي ، وابن حبان ( 7375 ) ، وابن منده في " الإيمان " ( 847 ) و( 848 ) و( 849 ) ، والبيهقي 10/190 ، والبغوي ( 4360 ) .
    ● [ الصفحة التالية ] ●
    من حديث أبي ذرٍّ ، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال : ( إنِّي لأعْلَمُ آخِرَ أهلِ الجنَّةِ دُخولاً الجنَّة ، وآخِرَ أهلِ النار خروجاً منها ، رجلٌ يُؤتَى به يوم القيامةِ فيقال : اعرضُوا عليه صِغارَ ذنوبه ، وارفَعُوا عنه كِبارَهَا ، فيعْرِضُ الله عليه صِغَارَ ذنوبهِ(1) ، فيقال له : عَمِلْتَ يوم كذا وكذا كذا وكذا ، وعَمِلْتَ يوم كذا وكذا كذا وكذا ، فيقول : نعم ، لا يستطيعُ أنْ يُنكر وهو مشفقٌ من كبار ذنوبه أنْ تعرض عليهِ ، فيقال له : فإنَّ لك مكانَ كُلِّ سيئةٍ حسنةً ، فيقول : يا ربِّ قد عمِلْتُ أشياء لا أراها هاهنا ) قال : فلقد رأيتُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - ضَحِكَ حتَّى بدتْ نواجذه .
    فإذا بُدِّلَت السيئاتُ بالحسّنات في حقِّ من عوقِبَ على ذنوبه بالنار ، ففي حقِّ من مَحى سيئاته بالإسلام والتوبة النصوح أولى ؛ لأنَّ مَحْوَها بذلك أحبُّ إلى الله من محوها بالعقاب .
    __________
    (1) من قوله : ( وأرفعوا عنه كبارها ... ) إلى هنا لم يرد في ( ص ) .
    ● [ الصفحة التالية ] ●
    وخَرَّج الحاكم(1) من طريق الفَضْل بن موسى ، عن أبي العَنْبس ، عن أبيه ، عن أبي هُريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( ليتَمنَّينَّ أقوامٌ أنَّهم أكثَرُوا من
    السيِّئاتِ ) ، قالوا : بِمَ يا رسولَ الله ؟ قالَ : ( الذين بَدَّل الله سيئاتهم حسّنات ) ، وخرَّجه ابنُ أبي حاتم(2) من طريق سليمان أبي داود(3) الزهري ، عن أبي العَنْبس ، عن أبيه(4) ، عن أبي هريرة موقوفاً ، وهو أشبهُ مِن المرفوع(5) ، ويروى مثلُ هذا عن الحسن البصري أيضاً يُخالف قولَه المشهور : إنَّ التبديل في الدنيا(6) .
    وأمَّا ما ذكره الحربي في التبديل ، وأنَّ من قلَّت سيئاتُه يُزاد في حسناته ، ومن كثرت سيئاتُه يُقَلَّلُ من حسناته ، فحديثُ أبي ذرٍّ صريحٌ في ردِّ هذا ، وأنَّه يُعطى مكان كلّ سيئة حسنة .
    وأما قوله : يَلْزَمُ من ذلك أنْ يكون مَنْ كَثُرَت سيئاتُه أحسنَ حالاً ممن
    قلَّتْ سيئاتُهُ ، فيقال : إنَّما التبديلُ في حقِّ مَنْ نَدِمَ على سيئاته ، وجعلها نصبَ
    عينيه ، فكلما ذكرها ازداد خوفاً ووجلاً ، وحياء من الله ، ومسارعة إلى الأعمال الصالحة المكفرة كما قال تعالى : { إِلاَّ مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً } (7) وما ذكرناه كله داخل في العمل الصالح ومن كانت هذه حاله ، فإنَّه يتجرَّعُ من مرارة الندم والأسف على ذنوبه أضعافَ ما ذاق من حلاوتها عندَ فعلها ، ويصيرُ كلُّ ذنبٍ من ذنوبه سبباً لأعمال صالحةٍ ماحية له ، فلا يُستنكر بعد هذا تبديل هذه الذنوب حسنات .
    __________
    (1) في " المستدرك " 4/252 .
    (2) كما في " تفسير ابن كثير " : 1366 .
    (3) تحرف في ( ص ) : ( إلى سليمان بن داود ) .
    (4) عن أبيه ) سقطت من ( ص ) .
    (5) على أنَّ الشيخ الألباني أورده في السلسلة الصحيحة ( 2177 ) .
    (6) انظر : تفسير القرطبي 13/78 .
    (7) الفرقان : 70 .
    ● [ الصفحة التالية ] ●
    وقد ورَدَت أحاديثُ صريحةٌ في أنَّ الكافرَ إذا أسلم ، وحَسُنَ إسلامُه ، تبدَّلت سيئاتُه في الشِّرْك حسنات ، فخرَّج الطبراني(1) من حديث عبد الرحمان بن جبير بن نفير ، عن أبي فروة شطب : أنَّه أتى النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - فقال : أرأيتَ رجلاً عَمِلَ الذنوب كُلَّها ، ولم يترك حاجةً ولا داجةً ، فهل له مِنْ توبة ؟ فقالَ : ( أسلمتَ ؟ ) قال : نَعَمْ ، قال: ( فافعلِ الخيراتِ ، واترك السيئاتِ ، فيجعلها الله لك خيراتٍ كلّها(2) )، قال : وغَدَرَاتي وفَجَرَاتي ؟ قال : ( نعم ) ، قال : فما زال يُكبِّرُ حتّى توارَى . وخرَّجه من وجه آخر بإسناد ضعيف عن سلمة بن نفيل ، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - .
    وخرَّج ابنُ أبي حاتم نحوه من حديث مكحول مرسلاً ، وخرَّج البزارُ(3) الحديثَ الأوَّل وعنده : عن أبي طويل شطب الممدود(4) : أنَّه أتى النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - فذكره بمعناه ، وكذا خرَّجه أبو القاسم البغوي في " معجمه " ، وذكر أنَّ الصوابَ عن عبد الرحمان بن جُبير بن نفير مرسلاً : أنَّ رجلاً أتى النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - طوي(5) شَطْب ، والشطب في اللغة : الممدود ، فصحفه بعض الرواة ، وظنه اسم رجل .
    __________
    (1) في " الكبير " ( 7235 ) .
    وأخرجه : ابن أبي عاصم في " الآحاد والمثاني " ( 2718 ) ، وأبو نعيم في " معرفة الصحابة " ( 3809 ) ، والخطيب في " تاريخه " 3/352 وطبعة دار الغرب 4/559 ، والحديث صححه ابن منده كما في " الإصابة " 2/152 .
    (2) في ( ص ) : ( حسنات ) .
    (3) في زوائده كما في " كشف الأستار " ( 3244 ) .
    (4) انظر كتاب : تسمية من لقب بالطويل : 62-64 ليحيى بن عبد الله الشهري .
    (5) في ( ص ) : ( طويل ) .
    ● [ تم شرح الحديث ] ●

    بص وطل
    بص وطل
    Admin


    عدد المساهمات : 2283
    تاريخ التسجيل : 29/04/2014

    الأحاديث: الحادي عشر والثانى عشر والثالث عشر Empty الحديث الثالث عشر

    مُساهمة من طرف بص وطل الثلاثاء يناير 08, 2019 2:48 pm

    الأحاديث: الحادي عشر والثانى عشر والثالث عشر Game10

    بّسم الله الرّحمن الرّحيم
    مكتبة الحديث الشريف
    جامع العلوم والحكم
    الأحاديث: الحادي عشر والثانى عشر والثالث عشر 1410
    ● [ الحديث الثالث عشر ] ●

    عَنْ أنسِ بنِ مالكٍ - رضي الله عنه - عَنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قالَ : ( لا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حتَّى يُحِبَّ لأَخيهِ ما يُحِبُّ لِنَفسه ).
    رواهُ البُخاريُّ ومُسلِمٌ(1) .

    الشرح
    هذا الحديث خرَّجاه في " الصحيحين " (2) من حديث قتادة ، عن أنسٍ ، ولفظُ مسلم : ( حَتَّى يُحِبَّ لجاره أو لأخيه ) بالشَّكِّ(3) .
    وخرَّجه الإمام أحمد ، ولفظه : ( لا يبلغُ عبدٌ حقيقةَ الإيمان حتَّى يحبَّ للناس ما يُحِبُّ لنفسه من الخِير )(4) .
    __________
    (1) أخرجه : البخاري 1/10 ( 13 ) ، ومسلم 1/49 ( 45 ) ( 71 ) .
    وأخرجه : ابن المبارك في " الزهد " ( 677 ) ، والطيالسي ( 2004 ) ، وأحمد 3/176 و206 و251 و272 و278 و289 ، وعبد بن حميد ( 1175 ) ، والدارمي ( 2743 ) ، وابن ماجه ( 66 ) ، والترمذي ( 2515 ) ، والنسائي 8/115 ، وأبو عوانة 1/33 ، وابن حبان ( 234 ) و( 235 ) ، وابن منده في " الإيمان " ( 294 ) و( 295 ) و( 296 )
    و( 297 ) ، والقضاعي في " مسند الشهاب " ( 889 ) من حديث أنس بن مالك ، به .
    (2) صحيح البخاري 1/10 ( 13 ) ، وصحيح مسلم 1/49 ( 45 ) ( 71 ) من طريق قتادة ، عن أنس بن مالك ، به .
    (3) الصحيح 1/49 ( 45 ) ( 72 ) من حديث أنس بن مالك ، به .
    (4) لم أره بهذا اللفظ عند أحمد ، والذي عنده هو لفظ الشيخين ، ولفظ : ( والذي نفسي بيده لا يؤمن عبد حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه من الخير ) .
    انظر : مسند الإمام أحمد 3/206 .
    وأما لفظ : ( لا يبلغ عبد حقيقة الإيمان …. ) فهو عند ابن حبان ( 235 ) من رواية ابن عدي ، عن حسين المعلم ، عن قتادة ، عن أنس ، به .
    ● [ الصفحة التالية ] ●
    وهذه الرواية تبيِّنُ معنى الرِّواية المخرجة في " الصحيحين " ، وأنَّ المرادَ بنفي الإيمان نفيُّ بلوغِ حقيقته ونهايته ، فإنَّ الإيمانَ كثيراً ما يُنفى لانتفاءِ بعض أركانِهِ وواجباته(1) ، كقوله - صلى الله عليه وسلم - : ( لا يزني الزَّاني حِينَ يَزني وهو مؤمن ، ولا يسرقُ السارقُ حين يسرقُ وهو مؤمنٌ ، ولا يشربُ الخمرَ حين يشربها وهو مؤمنٌ )(2) ، وقوله : ( لا يُؤْمِنُ مَنْ لا يَأْمَنُ جَارُهُ بوائِقَه )(3) .
    وقد اختلف العلماءُ (4) في مرتكب الكبائر : هل يُسمَّى مؤمناً ناقصَ الإيمان ، أم لا يُسمى مؤمناً ؟ وإنَّما يُقالُ : هو مسلم ، وليس بمؤمنٍ على قولين ، وهما روايتان عن الإمام أحمد(5) .
    __________
    (1) انظر : الإيمان لابن تيمية : 30 .
    (2) سبق تخريجه عند الحديث الثاني .
    قال الحسن : يجانبه الإيمان ما دام كذلك ، فإن راجع راجعه الإيمان .
    وقال أحمد : حدثنا معاوية ، عن أبي إسحاق ، عن الأوزاعي ، قال : وقد قلت للزهري حين ذكر هذا الحديث : ( لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن … ) فإنَّهم يقولون : فإنْ لم يكن مؤمناً فما هو ؟ قال : فأنكر ذلك ، وكره مسألتي ، انظر : الإيمان لابن تيمية : 30 .
    (3) سبق تخريجه عند الحديث الثاني .
    (4) لم ترد في ( ص ) .
    (5) انظر : الإيمان لابن تيمية : 190 ، والعقيدة الطحاوية :65-66 ، والتبصير بقواعد التكفير : 16-17 ، وشرح العقيدة الطحاوية : 321-322 .
    قال محمد بن نصر المروزي : وحكى غير هؤلاء أنَّه سأل أحمد بن حنبل عن قول النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - : ( لا يزني الزاني ….. ) فقال : من أتى هذه الأربعة أو مثلهن أو فوقهن فهو مسلم ، ولا أُسميه مؤمناً ؟ ومن أتى دون ذلك - يريد : دون الكبائر - أُسميه مؤمناً ناقص الإيمان .
    انظر : الإيمان لابن تيمية : 199 .
    ● [ الصفحة التالية ] ●
    فأمَّا من ارتكبَ الصَّغائرَ ، فلا يزول عنه اسم الإيمان بالكلية ، بل هو مؤمنٌ ناقصُ الإيمان ، ينقص من إيمانه بحسب ما ارتكبَ من ذلك(1) .
    والقولُ بأنَّ مرتكب الكبائر يقال له : مؤمنٌ ناقصُ الإيمانِ مرويٌّ عن جابرِ بنِ
    عبد الله ، وهو قولُ ابنِ المبارك وإسحاق وأبي عُبيد وغيرهم ، والقول بأنَّه مسلمٌ ، ليس بمؤمنٍ مرويٌّ عن أبي جعفر محمد بن علي ، وذكر بعضُهم أنَّه المختارُ عندَ أهلِ السُّنَّةِ .
    وقال ابنُ عباس : الزاني يُنزَعُ منه نورُ الإيمان(2) . وقال أبو هريرة : يُنْزَعُ منه الإيمانُ ، فيكون فوقَه كالظُّلَّةِ ، فإذا تابَ عاد إليه(3) .
    وقال عبدُ الله بن رواحة وأبو الدرداء : الإيمانُ كالقميصِ ، يَلبَسُه الإنسانُ تارةً ، ويخلعه أخرى ، وكذا قال الإمام أحمد - رحمه الله - وغيره(4) ، والمعنى : أنَّه إذا كمَّل خصالَ الإيمان لبسه ، فإذا نقصَ منها شيئاً نزعه ، وكلُّ هذا إشارةٌ إلى الإيمان الكامل التَّام الذي لا يَنْقُصُ من واجباته شيء .
    __________
    (1) انظر : الإيمان لابن تيمية : 199 ، والتبصير بقواعد التكفير : 17 ، والوجيز في عقيدة السلف الصالح : 121 .
    (2) ذكره : الآجري في " الشريعة " : 115 ، وابن تيمية في " الإيمان " : 30 .
    (3) ذكر : ابن تيمية في " الإيمان " : 30 نحوه .
    (4) ورد نحو هذا القول عن أبي هريرة . انظر : الإيمان لابن تيمية : 30 .
    وورد نحوه أيضاً من قول سفيان الثوري . انظر : حلية الأولياء 7/32 .
    وورد من قول الإمام أحمد . انظر : المسائل والرسائل المروية عن الإمام أحمد بن حنبل في العقيدة 1/92 .
    ● [ الصفحة التالية ] ●
    والمقصودُ أنَّ مِن جملة خِصال الإيمانِ الواجبةِ أنْ يُحِبَّ المرءُ لأخيه المؤمن ما يحبُّ لنفسه ، ويكره له ما يكرهه لنفسه ، فإذا زالَ ذلك عنه ، فقد نَقَصَ إيمانُهُ بذلك . وقد رُوِيَ أنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قال لأبي هريرة : ( أَحِبَّ للنَّاسِ ما تُحبُّ لنفسِك تكن مسلماً ) خرَّجه الترمذي وابن ماجه(1) .
    وخرَّج الإمام أحمد(2) من حديث معاذٍ : أنَّه سألَ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - عن أفضلِ الإيمان ، قال : ( أفضلُ الإيمانِ أنْ تُحِبَّ للهِ وتُبغِضَ للهِ ، وتُعْمِلَ لسانَك في ذكر الله ) ، قال : وماذا يا رسول الله ؟ قال : ( أنْ تُحِبَّ للنَّاس ما تُحبُّ لنفسك ، وتكرَه لهم ما تكرهُ لنفسك ، وأنْ تقول خيراً أو تَصْمُت ) .
    وقد رتَّب النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - دخولَ الجنَّة على هذه الخَصْلَةِ ؛ ففي " مسند الإمام أحمد " (3) - رحمه الله - عن يزيد بن أسدٍ القَسْري ، قال : قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( أتحبُّ الجنَّةَ ) قلت : نعم ، قال : ( فأحبَّ لأخيكَ ما تُحبُّ لنفسك ) .
    وفي " صحيح مسلم " (4) من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص ، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال : ( مَنْ أحبَّ أنْ يُزَحْزَحَ عن النَّارِ ويُدخَلَ الجنة فلتدركه منيَّتُه وهو يؤمنُ باللهِ واليومِ الآخرِ ، ويأتي إلى الناسِ الذي يحبُّ أنْ يُؤْتَى إليه ) .
    __________
    (1) سبق تخريجه .
    (2) في" مسنده " 5/247 من حديث معاذ بن أنس الجهني ، به ، وإسناده ضعيف لضعف رشدين ابن سعد ولضعف زبان بن فائد .
    (3) المسند 4/70 . وأخرجه : الحاكم 4/168 ، وإسناده ضعيف لضعف روح بن عطاء بن أبي ميمونة .
    (4) الصحيح 6/18-19 ( 1844 ) ( 46 ) و( 47 ) .
    وأخرجه : أحمد 2/161 و191 و192 ، وابن ماجه ( 3956 ) ، والنسائي 7/152-153، وابن حبان ( 5961 ) من حديث عبد الله بن عمرو ، به .
    ● [ الصفحة التالية ] ●
    وفيه أيضاً عن أبي ذرٍّ ، قال : قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( يا أبا ذرٍّ ، إني أراكَ ضعيفاً ، وإني أحبُّ لك ما أُحبُّ لنفسي ، لا تَأَمَّرَنَّ على اثنين ، ولا تولَّينَّ مالَ يتيم ) (1) .
    وإنَّما نهاه عن ذلك ، لما رأى من ضعفه ، وهو - صلى الله عليه وسلم - يحبُّ هذا لكلِّ ضعيفٍ ، وإنَّما كان يتولَّى أمورَ النَّاسِ ؛ لأنَّ الله قوَّاه على ذلك ، وأمره بدعاء الخَلْقِ كلِّهم إلى طاعته ، وأنْ يتولَّى سياسةَ دينهم ودنياهم(2) .
    وقد رُوِيَ عن عليٍّ قال : قال لي النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - : ( إنِّي أرضى لك ما أرضى لِنفسي ، وأكره لك ما أكرهُ لنفسي ، لا تقرأ القرآن وأنتَ جنبٌ ، ولا وأنتَ
    راكعٌ ، ولا وأنت ساجد )(3)
    __________
    (1) صحيح مسلم 6/7 ( 1826 ) ( 17 ) . وأخرجه : أبو داود ( 2868 ) ، والنسائي 6/255 ، وابن حبان ( 5564 ) من حديث أبي ذر ، به .
    (2) انظر : شرح السيوطي لسنن النسائي 6/255-256 .
    (3) أخرجه : عبد الرزاق ( 2836 ) ، وأحمد 1/146 ، والدارقطني 1/125 ( 420 ) ( طبعة دار الكتب العلمية ) ، مرفوعاً . وهو ضعيف .
    وأخرجه : عبد الرزاق ( 2833 ) ، ومسلم 2/48 ( 480 ) ( 209 ) ، وابن حبان ( 1895 ) عن علي بلفظ : ( نهاني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن أقرأ راكعاً أو ساجداً ) .
    وأخرجه : الطيالسي ( 101 ) ، والحميدي ( 57 ) ، وأحمد 1/83 و84 و107 و124 و134 ، وأبو داود ( 229 ) ، وابن ماجه ( 594 ) ، والترمذي ( 146 ) ، والنسائي 1/144 ، وابن الجارود ( 94 ) ، وأبو يعلى ( 287 ) و( 348 ) و( 406 ) و( 524 ) و( 579 ) و 623 ) ، وابن خزيمة ( 208 ) ، وابن حبان ( 799 ) ، والدارقطني 1/125 ( 419 ) ( طبعة دار الكتب العلمية ) ، والحاكم 4/107 ، والبيهقي 1/88-89 ، والبغوي في " شرح السنة " ( 273 ) ، عن علي . بلفظ : كان رسول الله يأتي الخلاء فيقضي الحاجة ثم يخرج فيأكل معنا الخبز واللحم ويقرأ القرآن ، ولا يحجبه ، وربما قال : ولا يحجزه عن القرآن شيء إلا الجنابة .
    ● [ الصفحة التالية ] ●
    وكان محمَّدُ بنُ واسعٍ يبيع حماراً له ، فقال له رجل : أترضاه لي ؟ قال : لو رضيته لم أبعه(1) ، وهذه إشارةٌ منه إلى أنَّه لا يرضى لأخيه إلاَّ ما يرضى لنفسه ، وهذا كلُّه من جملة النصيحة لعامة المسلمين التي هي مِنْ جملة الدين كما سبق تفسيرُ ذلك في موضعه(2) .
    وقد ذكرنا فيما تقدَّم حديثَ النعمان بنِ بشير ، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، قال : ( مَثَلُ المؤمنينَ في توادِّهم وتعاطفهم وتراحمهم مثلُ الجسدِ ، إذا اشتكى منه عُضوٌ ، تداعى له سائرُ الجسدِ بالحُمى والسَّهر ) خرَّجاه في " الصحيحين " (3) ، وهذا يدلُّ على أنَّ المؤمنَ يسوؤه ما يسوءُ أخاه المؤمن ، ويُحزِنُه ما يُحزنه .
    وحديثُ أنس الذي نتكلَّمُ الآن فيه يدلُّ على أنَّ المؤمن يَسُرُّهُ ما يَسرُّ أخاه المؤمن ، ويُريد لأخيه المؤمن ما يُريده لنفسه من الخير ، وهذا كُلُّه إنَّما يأتي من كمالِ سلامةِ الصدر من الغلِّ والغشِّ والحسدِ ، فإنَّ الحسدَ يقتضي أنْ يكره الحاسدُ أنْ يَفوقَه أحدٌ في خير ، أو يُساوَيه فيه ؛ لأنَّه يُحبُّ أنْ يمتازَ على الناسِ بفضائله ، وينفرِدَ بها عنهم ، والإيمانُ يقتضي خلافَ ذلك ، وهو أنْ يَشْرَكَه المؤمنون كُلُّهم فيما أعطاه الله من الخير من غير أنْ ينقص عليه منه شيء(4) .
    __________
    (1) ذكره : أبو نعيم في " الحلية " 2/349 .
    (2) انظر : الحديث السابع .
    (3) سبق تخريجه .
    (4) انظر : شرح النووي لصحيح مسلم 2/98 ، وفتح الباري 1/80 .
    ● [ الصفحة التالية ] ●
    وقد مدح الله تعالى في كتابه من لا يُريد العلوَّ في الأرض ولا الفساد ، فقال :
    { تلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الأَرْضِ وَلا فَسَاداً } (1) . وروى ابنُ جريرٍ بإسنادٍ فيه نظرٌ(2) عن عليٍّ - رضي الله عنه - ، قال : إنَّ الرَّجُلَ ليُعْجِبهُ مِن شِراكِ نعله أنْ يكونَ أجود من شراكِ صاحبه فَيدْخُلُ في قوله : { تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الأَرْضِ وَلا فَسَاداً وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ } (3) (4) . وكذا رُوي عن الفضيل بنِ عياض في هذه الآية ، قال : لا يُحِبُّ أنْ يكونَ نعلُه أجودَ من نعل غيره ، ولا شِراكُهُ أجودَ مِنْ شراك غيره (5).
    __________
    (1) القصص : 83 .
    (2) وذلك أنَّ في إسناده أشعث بن سعيد البصري السمان، قال عنه أبو حاتم : ( ضعيف الحديث، منكر الحديث، سيء الحفظ، يروي المناكير عن الثقات ) . الجرح والتعديل 2/199 ( 980 ).
    (3) القصص : 83 .
    (4) أخرجه : الطبري في " تفسيره " ( 21060 ) وطبعة التركي 18/344 ، وابن أبي حاتم في " تفسيره " 9/3023 ( 17181 ) ، وأبو حيان في " تفسيره " 7/131 ، وأورده ابن كثير في " تفسيره " : 1427 ( طبعة دار ابن حزم ) ، والسيوطي في " الدر المنثور " 5/265 .
    (5) عبارة : ( ولا شراكه أجود من شراك غيره ) سقطت من ( ص ) .
    ● [ الصفحة التالية ] ●
    وقد قيل : إنَّ هذا محمولٌ على أنَّه إذا أراد(1) الفخر على غيره لا مجرَّد التجمل(2)، قال عكرمةُ وغيرُه من المفسرين في هذه الآية : العلوُّ في الأرض : التكبُّر، وطلبُ الشرف والمنْزلة عند ذي سلطانها ، والفساد : العمل بالمعاصي(3) .
    وقد ورد ما يَدُلُّ على أنَّه لا يأثم مَنْ كره أنْ يفوقَه من الناسِ أحدٌ في الجمال ، فخرَّج الإمامُ أحمدُ - رحمه الله -(4) والحاكم في " صحيحه "(5) من حديث ابن مسعود - رضي الله عنه - ، قال : أتيتُ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - وعنده مالكُ بن مرارةَ الرَّهَاوِيُّ ، فأدركتُه وهو يقول : يَا رسولَ الله ، قد قُسِمَ لي من الجمال ما ترى ، فما أحبُّ أحداً من النَّاس فضلني بشِراكَيْن فما فوقهما ، أليس ذلك هو من البَغي ؟ فقال : ( لا ، ليس ذلك بالبغي ، ولكن البغي من بَطِرَ – أو قال : سفه - الحقَّ وغَمط الناس ) .
    وخرَّج أبو داود(6) من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - ، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - معناه ، وفي حديثه : ( الكبر ) (7) بدل : ( البغي ) .
    __________
    (1) إذا أراد ) سقطت من ( ص ) .
    (2) ذكره : ابن كثير في " تفسيره " : 1427 ( طبعة دار ابن حزم ) .
    (3) ذكره : الطبري في " تفسيره " ( 21056 ) و( 21059 ) ، وابن أبي حاتم في " تفسيره " 9/3022 ( 17176 ) و9/3023 ( 17185 ) ، وابن الجوزي في " تفسيره " 6/248 ، والقرطبي في " تفسيره " 13/320 ، وابن كثير في " تفسيره " : 1427 طبعة دار ابن حزم ، والسيوطي في " الدر المنثور " 5/264-265 .
    (4) في " المسند " 1/385 ، وهو حديث صحيح .
    (5) " المستدرك " 4/182 .
    (6) في " سننه " ( 4092 ) وهو صحيح .
    (7) سقطت من ( ص ) .
    ● [ الصفحة التالية ] ●
    فنفى أنْ تكونَ كراهتُه ؛ لأنْ يَفوقَهُ أحدٌ في الجمال بغياً أو كبراً ، وفسَّر الكبر والبغي ببطر الحقِّ وغمط الناس(1) ، وهو التكبُّر عليه ، والامتناع مِن قبوله كِبراً إذا خالف هواه . ومن هنا قال بعض السَّلف : التَّواضُعُ أنْ تَقْبَلَ الحقَّ مِن كلِّ من جاء به ، وإنْ كان صغيراً ، فمن قَبِلَ الحقَّ ممَّن جاء به ، سواء كان صغيراً أو كبيراً ، وسواء كان يحبُّه أو لا يحبه ، فهو متواضع ، ومن أبى قَبُولَ الحقِّ تعاظُماً عليه ، فهو متكبِّرٌ .
    وغمط الناس : هو احتقارُهم وازدراؤهم ، وذلك يحصُل مِنَ النَّظرِ إلى النَّفس بعينِ الكمالِ ، وإلى غيره بعينِ النَّقص(2) .
    وفي الجملة : فينبغي للمؤمن أنْ يُحِبَّ للمؤمنينَ ما يُحبُّ لنفسه ، ويكره لهم ما يكره لِنفسه ، فإنْ رأى في أخيه المسلم نقصاً في دينه اجتهدَ في إصلاحه . قال بعضُ الصالحين مِن السَّلف : أهلُ المحبة لله نظروا بنور الله ، وعطَفُوا على أهلِ معاصي الله ، مَقَتُوا أعمالهم ، وعطفوا عليهم ليزيلوهُم بالمواعظ عن فِعالهم ، وأشفقوا على أبدانِهم من النار ، لا يكون المؤمنُ مؤمناً حقاً حتى يرضى للناسِ ما يرضاه لنفسه ، وإنْ رأى في غيره فضيلةً فاق بها عليه فيتمنى لنفسه مثلها ، فإنْ كانت تلك الفضيلةُ دينية ، كان حسناً ، وقد تمنى النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - لنفسه منْزلةَ الشَّهادة(3).
    __________
    (1) عبارة ( وغمط الناس ) سقطت من ( ج ) .
    (2) انظر : النهاية 3/1014-1015 ، ومجمل اللغة 3/686 ، وأساس البلاغة 1/713 ، ولسان العرب 10/125 ، ومختار الصحاح : 481-482 .
    (3) حديث تمني النبي - صلى الله عليه وسلم - الشهادة أخرجه : البخاري 1/15 ( 36 )، ومسلم 6/33 ( 1876 ) ( 103 ) و6/64 ( 1876 ) ( 106 ) من حديث أبي هريرة .
    ● [ الصفحة التالية ] ●
    وقال - صلى الله عليه وسلم - : ( لا حسدَ إلاَّ في اثنتين : رجل آتاهُ الله مالاً ، فهو يُنفقهُ آناءَ الليلِ وآناءَ النَّهارِ ، ورجُلٌ آتاهُ الله القرآن ، فهو يقرؤهُ آناءَ الليل وآناءَ النهار )(1) .
    وقال في الذي رأى مَنْ(2) ينفق مالَه في طاعة الله ، فقال : ( لو أنَّ لي مالاً ، لفعلتُ فيه كما فعل ، فهما في الأجر سواءٌ )(3) وإنْ كانت دنيويةً ، فلا خيرَ في تمنيها ، كما قال تعالى : { فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً } (4) . وأما قول الله - عز وجل - : { وَلا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ } (5) ، فقد فُسِّرَ ذلك بالحسد ، وهو تمنِّي الرجل نفس ما أُعطي أخوه من أهلٍ ومال ، وأنْ ينتقل ذلك إليه ، وفُسِّرَ بتمني ما هو ممتنع شرعاً أو قدراً ، كتمني النِّساءِ (6) أنْ يكنَّ رجالاً ، أو يكون لهن مثلُ ما للرجالِ من الفضائلِ الدينية كالجهاد ، والدنيوية كالميراثِ والعقلِ والشهادةِ ونحو ذلك ، وقيل : إنَّ الآية تشمل ذلك كُلَّه(7) .
    __________
    (1) أخرجه : البخاري 1/28 ( 73 ) و2/134 ( 1409 ) ، ومسلم 2/201 ( 816 ) ( 268 ) ، من حديث عبد الله بن مسعود .
    (2) عبارة : ( رأى من ) سقطت من ( ص ) .
    (3) أخرجه : البخاري 6/236 ( 5026 ) من حديث أبي هريرة ، به .
    (4) القصص : 79-80 .
    (5) النساء : 32 .
    (6) سقطت من ( ص ) .
    (7) انظر : تفسير مجاهد : 154 ، وتفسير الطبري ( 7319 ) و( 7320 ) و( 7321 ) و( 7322 ) ، وتفسير ابن أبي حاتم 3/935 ( 5226 ) ، وتفسير القرطبي 5/162-163 ، والبحر المحيط 1/609 ، وأسباب النزول عن الصحابة والمفسرين : 66 .
    ● [ الصفحة التالية ] ●
    ومع هذا كُلِّه ، فينبغي للمؤمن أنْ يحزنَ لفواتِ الفضائل الدينية ، ولهذا أُمِرَ أنْ ينظر في الدين إلى مَنْ فوقَه ، وأنْ يُنافِسَ في طلب ذلك جهده وطاقته ، كما قال تعالى : { وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمتَنَافِسُونَ } (1) ولا يكره أنَّ أحداً يُشارِكُه في ذلك ، بل يُحِبُّ للناس كُلِّهم المنافسةَ فيه ، ويحثُّهم على ذلك ، وهو من تمام أداءِ النَّصيحة للإخوان(2) .
    قال الفضيلُ : إنْ كُنتَ تحبُّ أنْ يكونَ الناسُ مثلَك ، فما أديتَ النَّصيحة لأخيك(3) ، كيف وأنت تحبُّ أنْ يكونوا دونك ؟!(4) يشير إلى أنَّ أداء النَّصيحة لهم أنْ يُحبَّ(5) أنْ يكونوا فوقَه ، وهذه منزلةٌ عالية ، ودرجةٌ رفيعةٌ في النُّصح ، وليس ذَلِكَ بواجبٍ ، وإنَّما المأمورُ به في الشرع أنْ يُحبَّ أنْ يكونوا مثلَه ، ومع هذا فإذا فاقه أحدٌ في فضيلة دينية اجتهد على لَحاقه ، وحزن على تقصير نفسه ، وتخلُّفِهِ عن لحاق السابقين ، لا حسداً لهم على ما آتاهُم الله من فضله - عز وجل - (6)، بل منافسةً لهم ، وغبطةً وحزناً على النَّفس بتقصيرها وتخلُّفها عن درجات السابقين .
    __________
    (1) المطففين : 26 .
    (2) انظر ما ذكره الطبري في " تفسيره " 15/134 ، والقرطبي في " تفسيره " 19/266 ؛ والبغوي في " تفسيره " 5/266 ، وابن عطية في " تفسيره " 15/366 ، وابن الجوزي في " تفسيره " 9/59 .
    (3) في ( ج ) : ( لربك ) .
    (4) انظر : حلية الأولياء 8/87 نحوه .
    (5) أن يحب ) سقطت من ( ص ) .
    (6) عبارة : ( من فضله - عز وجل - ) لم ترد في ( ج ) .
    ● [ الصفحة التالية ] ●
    وينبغي للمؤمن أنْ لا يزال يرى نفسَه مقصِّراً عن الدَّرجات العالية ، فيستفيد بذلك أمرين نفيسين : الاجتهاد في طلب الفضائل ، والازدياد منها ، والنظر إلى نفسه بعينِ النَّقص ، وينشأ مِنْ هذا أنْ يُحِبَّ للمؤمنين أنْ يكونوا خيراً منه ؛ لأنَّه لا يرضى لَهم أنْ يكونوا على مثلِ حاله ، كما أنَّه لا يرضى لنفسه بما هي عليه ، بل يجتهد في إصلاحها ، وقد قالَ محمدُ بنُ واسع لابنه : أمَّا أبوكَ ، فلا كثَّرَ الله في المسلمين مثلَه(1) .
    فمن كان لا يرضى عن نفسه ، فكيف يُحبُّ للمسلمين أنْ يكونوا مثلَه مع نصحه لهم ؟ بل هو يحبُّ للمسلمين أنْ يكونوا(2) خيراً منه ، ويحبُّ لنفسه أنْ يكونَ خيراً ممَّا هو عليه .
    وإنْ عَلِمَ المرءُ أنَّ الله قد خصَّه على غيره بفضل ، فأخبر به لمصلحة دينية ، وكان إخباره على وجه التحدُّث بالنِّعمِ ، ويرى نفسه مقصراً في الشُّكر ، كان جائزاً ، فقد قال ابنُ مسعود : ما أعلم أحداً أعلمَ بكتاب الله مني ، ولا يمنع هذا أنْ يُحِبَّ للنَّاسِ أنْ يُشاركوه فيما خصَّهُ الله به ، فقد قال ابنُ عبَّاسٍ : إني لأمرُّ على الآية من كِتاب الله ، فأودُّ أنَّ النَّاسَ كُلَّهم يعلمُون منها ما أعلم ، وقال الشافعيُّ : وددتُ أنَّ النَّاسَ تعلَّموا هذا العلمَ ، ولم يُنْسَبْ إليَّ منه شيء(3) ، وكان عتبةُ الغلامُ إذا أراد أنْ يُفطر يقول لبعض إخوانه المطَّلِعين على أعماله : أَخرِج إليَّ ماءً أو تمراتٍ أُفطر عليها ؛ ليكونَ لك مثلُ أجري(4) .
    __________
    (1) أخرجه : أبو نعيم في " الحلية " 2/350 .
    (2) من قوله : ( مثله مع نصحه ... ) إلى هنا سقط من ( ص ) .
    (3) أخرجه : أبو نعيم في " الحلية " 9/119 .
    ... وانظر : سير أعلام النبلاء 10/55 ، وآداب الشافعي : 92 ، وتهذيب الأسماء واللغات 1/540 ، والمناقب للبيهقي 1/173 ، والانتقاء : 84 ، ومعرفة السنن والآثار 1/129 .
    (4) أخرجه : أبو نعيم في " الحلية " 6/235 .
    ● [ تم شرح الحديث ] ●

    الأحاديث: الحادي عشر والثانى عشر والثالث عشر Fasel10

    جامع العلوم والحكم
    لإبن رجب الحنبلي
    منتدى ميراث الرسول . البوابة
    الأحاديث: الحادي عشر والثانى عشر والثالث عشر E110


      الوقت/التاريخ الآن هو الخميس نوفمبر 21, 2024 6:18 pm