من طرف بص وطل الأربعاء يناير 09, 2019 10:17 am
بّسم الله الرّحمن الرّحيم
مكتبة الحديث الشريف
جامع العلوم والحكم
● [ الحديث السابع عشر ] ●
عَنْ أَبي يَعْلَى شَدَّاد بنِ أوسٍ ، عَنْ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - قال : ( إنَّ الله كَتَبَ الإحسّانَ على كُلِّ شيءٍ، فإذَا قَتَلْتُم فَأَحْسِنُوا القِتْلَة ، وإذا ذَبَحْتُم فَأَحْسِنُوا الذِّبْحَةَ (1) ، وليُحِدَّ أحدُكُمْ شَفْرَتَهُ ، ولْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ ).
رواهُ مُسلم(2) .
الشرح
هذا الحديث خرَّجه مسلم دونَ البخاري من رواية أبي قلابة ، عن أبي الأشعث الصنعاني ، عن شدَّادِ بنِ أوس(3) ، وتركه البخاري ؛ لأنَّه لم يخرِّج في " صحيحه " لأبي الأشعث شيئاً وهو شاميٌّ ثقة . وقد روي نَحوهُ من حديث سَمُرُةَ ، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال : ( إنَّ الله - عز وجل - محسِنٌ فأحسنوا ، فإذا قَتَلَ أحدكُم ، فليُكْرِم مقتولَه ، وإذا ذبح ، فليحدَّ شفرته ، وليُرِحْ ذبيحته ) خرَّجه ابن عدي(4) .
وخرَّج الطبراني(5)
__________
(1) بكسر الذال والهاء كالقتلةِ ، وهي الهيئة ، ويروى : ( الذَّبح ) بفتح الذال بغير هاء . انظر : شرح النووي على صحيح مسلم 7/95 ( 1955 ) ( 57 ) .
(2) في " صحيحه " 6/72 ( 1955 ) ( 57 ) .
وأخرجه : الطيالسي ( 1119 ) ، وعبد الرزاق ( 8603 ) و( 8604 ) ، وعلي بن الجعد ( 1262 ) ، وأحمد 4/123 و124 و125، والدارمي ( 1976 ) ، وأبو داود ( 2815 )، وابن ماجه ( 3170 ) ، والترمذي ( 1409 ) ، والنسائي 7/227 و229 و230 ، وابن الجارود ( 839 ) و( 899 ) ، والطبراني في " الصغير " ( 1035 ) ، والبيهقي 8/60-61 و9/68 و280 ، والخطيب في " تاريخه " 5/278 ، والبغوي ( 2783 ) من حديث شداد بن أوس ، به .
(3) في " صحيحه " 6/72 ( 1955 ) ( 57 ) من حديث شداد بن أوس ، به .
(4) في " الكامل " 8/175 من حديث الحسن ، عن سمرة بن جندب ، به ، وإسناده ضعيف لضعف مجاعة بن الزبير فقد ضعفه الدارقطني كما في " الميزان " 3/437 ، والحسن لم يسمع جميع ما رواه عن سمرة .
(5) في " الأوسط " ( 5735 ) .
وأخرجه : ابن أبي عاصم في "الديات" : 94 ، وإسناده ضعيف من أجل عمران بن داور القطان .
● [ الصفحة التالية ] ●
من حديث أنس ، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال : ( إذا حكمتُمْ فاعْدِلُوا ، وإذا قَتَلتُم فأَحْسِنُوا ، فإنَّ الله مُحْسِنٌ يُحِبُّ المحسنين ) .
فقولُه - صلى الله عليه وسلم - : ( إنَّ الله كتب الإحسّانَ على كُلِّ شيء ) ، وفي رواية لأبي إسحاق الفزاري في كتاب " السير " عن خالدٍ ، عن أبي قِلابة ، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - : ( إنَّ الله كتبَ الإحسّانَ على كلِّ شيءٍ ) ، أو قال : ( على كلِّ خلقٍ ) هكذا خرَّجها مرسلةً ، وبالشكِّ في : ( كُلِّ شيءٍ ) ، أو : ( كلِّ خلق ) ، وظاهرُهُ يقتضي أنَّه كتب على كلِّ مخلوق الإحسّان ، فيكون كُلُّ شيءٍ ، أو كُلُّ مخلوق هو المكتوبَ عليه ، والمكتوب هو الإحسّانُ(1) .
وقيل : إنَّ المعنى : أنَّ الله كتب الإحسّانَ إلى كلِّ شيء ، أو في كلِّ شيء ، أو كتب الإحسّانَ في الولاية على كُلِّ شيءٍ ، فيكون المكتوبُ عليه غيرَ مذكور ، وإنَّما المذكورُ المحسن إليه(2) .
__________
(1) من قوله : ( فيكون كل شيء ... ) إلى هنا سقط من ( ص ) .
(2) انظر : شرح النووي لصحيح مسلم 7/94-95 .
● [ الصفحة التالية ] ●
ولفظ : ( الكتابة ) يقتضي الوجوب عندَ أكثرِ الفقهاء والأصوليين خلافاً
لبعضهم ، وإنَّما يعرف(1) استعمالُ لفظة الكتابة في القرآن فيما هو واجب حتمٌ إمَّا شرعاً، كقوله تعالى : { إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَوْقُوتاً } (2) ، وقوله : { كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ } (3) ، { كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ } (4) ، أو فيما هو واقع
قدراً لا محالة ، كقوله : { كَتَبَ اللهُ لأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي } (5) ، وقوله : { وَلَقَدْ
كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ } (6) ، وقوله
: { أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الإِيمَان } (7) . وقال النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - في قيام شهر رمضانَ: ( إنِّي خشيتُ أنْ يُكْتَبَ عَلَيكُمْ )(8)
__________
(1) يعرف ) سقطت من ( ج ) .
(2) النساء : 103 .
(3) البقرة : 183 .
(4) البقرة : 216 .
(5) المجادلة : 21 .
(6) الأنبياء : 105 .
(7) المجادلة : 22 .
(8) أخرجه : البخاري 1/186 ( 729 ) من حديث عائشة ، به .
وأخرجه : أحمد 5/182 و184 و187 ، والبخاري 9/117 ( 7290 ) ، ومسلم 2/188 ( 781 ) ( 213 ) ، والنسائي 3/197-198 ، والطبراني في " الكبير " ( 4892 ) ، والبيهقي 3/109 من حديث زيد بن ثابت ، به .
● [ الصفحة التالية ] ●
، وقال : ( أُمِرْتُ بالسِّواكِ حتَّى خشيتُ أنْ يُكتَبَ عليَّ )(1) ، وقال : ( كُتِبَ على ابنِ آدمَ حظُّه من الزِّنى ، فهو مُدرِكٌ ذلك لا محالة )(2) .
وحينئذٍ فهذا الحديث نصٌّ في وجوب الإحسّان ، وقد أمر الله تعالى به ، فقال : { إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ } (3) ، وقال : { وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ } (4) .
وهذا الأمرُ(5) بالإحسّان تارةً يكونُ للوجوب كالإحسّان إلى الوالدين والأرحام بمقدار ما يحصل به البرُّ والصِّلَةُ والإحسّانُ إلى الضيف بقدر ما يحصل به قِراه على ما سبق ذكره .
وتارةً يكونُ للندب كصدقةِ التطوعِ ونحوها(6) .
وهذا الحديثُ يدلُّ على وجوب الإحسّانِ في كل شيء من الأعمال ، لكن إحسانُ كُلِّ شيء بحسبه ، فالإحسّانُ في الإتيان بالواجبات الظاهرة والباطنةِ : الإتيانُ بها على وجه كمال واجباتها ، فهذا القدرُ من الإحسّان فيها واجب ، وأمَّا الإحسانُ فيها بإكمالِ مستحباتها فليس بواجب .
والإحسّانُ في ترك المحرَّمات : الانتهاءُ عنها ، وتركُ ظاهرها وباطنها ، كما قال تعالى : { وَذَرُوا ظَاهِرَ الإِثْمِ وَبَاطِنَهُ } (7) . فهذا القدرُ من الإحسّان فيها واجب(8) .
__________
(1) أخرجه : أحمد 3/490 ، والطبراني في " الكبير " 22/( 189 ) و( 190 ) من حديث واثلة بن الأسقع ، به ، وإسناده ضعيف لضعف ليث بن أبي سليم ، وانظر : مجمع الزوائد 2/98 .
(2) أخرجه : أحمد 2/317 و343 و379 و536 ، والبخاري 8/156 ( 6612 ) ، ومسلم 8/52 ( 2657 ) ( 20 ) ، وأبو داود ( 2152 ) و( 2153 ) و( 2154 ) من حديث أبي هريرة ،
به .
(3) النحل : 90 .
(4) البقرة : 195 .
(5) من قوله : ( وقال : فأحسنوا ... ) إلى هنا سقط من ( ص ) .
(6) انظر : الواضح في شرح مختصر الخرقي 2/94 .
(7) الأنعام : 120 .
(8) انظر : تفسير البغوي 2/155 ، وزاد المسير 3/114 .
● [ الصفحة التالية ] ●
وأما الإحسّانُ في الصبر على المقدورات ، فأنْ يأتي بالصبر عليها على وجهه من غير تَسَخُّطٍ ولا جَزَع .
والإحسّانُ الواجبُ في معاملة الخلق ومعاشرتهم : القيامُ بما أوجب الله من حقوق ذلك كلِّه، والإحسّانُ الواجب في ولاية الخلق وسياستهم ، القيام بواجبات الولاية كُلِّها، والقدرُ الزائد على الواجب في ذلك كلِّه إحسانٌ ليس بواجب .
والإحسّانُ في قتل ما يجوزُ قتله من الناس والدواب : إزهاقُ نفسه على أسرعِ الوجوه وأسهلِها وأَوحاها من غير زيادةٍ في التعذيب ، فإنَّه إيلامٌ لا حاجة إليه . وهذا النوعُ هو الذي ذكره النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - في هذا الحديث ، ولعله ذكره على سبيلِ المثال ، أو لحاجته إلى بيانه في تلك الحال فقال : ( إذا قتلتُم فأحسِنوا القِتلة ، وإذا ذبحتم فأحسِنوا الذِّبحة ) والقِتلة والذِّبحة بالكسر ، أي : الهيئة ، والمعنى : أحسنوا هيئة الذبح ، وهيئة القتل . وهذا يدلُّ على وجوب الإسراع في إزهاق النفوس التي يُباحُ إزهاقُها على أسهلِ الوجوه(1) . وقد حكى ابنُ حَزمٍ الإجماع على وجوب الإحسان في الذبيحة(2) ، وأسهلُ وجوه(3) قتل الآدمي ضربه بالسيف على العنق ، قال الله تعالى في حقِّ الكفار : { فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ } (4) ، وقال تعالى : { سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الأَعْنَاقِ } (5) . وقد قيل : إنَّه عيَّن الموضع الذي يكونُ الضربُ فيه أسهلَ على المقتول وهو فوقَ العظام دونَ الدماغ ، ووصى دريدُ بنُ الصِّمة قاتله أنْ يَقْتُلَهُ كذلك .
__________
(1) انظر : عون المعبود 8/10 .
(2) انظر : المحلى 12/31-32 .
(3) سقطت من ( ص ) .
(4) محمد : 4 .
(5) الأنفال : 12 .
● [ الصفحة التالية ] ●
وكان النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - إذا بعث سريةً تغزوا في سبيل الله قال لهم : ( لا تُمَثِّلُوا ولا تقتلوا وليداً )(1) .
وخرَّج أبو داود ، وابن ماجه من حديثِ ابنِ مسعود ، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال: ( أَعَفُّ الناسِ قِتلةً أهلُ الإيمانِ )(2) .
وخرَّج أحمد وأبو داود من حديث عمران بنِ حُصينٍ وسَمُرَة بنِ جُندبٍ : أنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - كان ينهى عن المُثْلةِ(3) .
وخرَّجه البخاري(4) من حديث عبد الله بن يزيد ، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - أنَّه : نَهى عن المُثلَةِ(5) .
وخرَّج الإمامُ أحمدُ من حديث يعلى بنِ مُرة ، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - : ( قال الله تعالى : لا تُمَثِّلوا بِعِبادي(6) )(7)
__________
(1) أخرجه : مسلم 5/139-140 ( 1731 ) ( 3 ) من حديث بريدة ، به .
(2) أخرجه : أبو داود في " سننه " ( 2666 ) ، وابن ماجه ( 2681 ) و( 2682 ) .
وأخرجه : أحمد 1/393 ، وابن الجارود ( 840 ) ، وابن حبان ( 5994 ) ، والبيهقي 8/61 و9/71 من حديث عبد الله بن مسعود ، به . وإسناده معلول بالوقف ، وقد حصل فيه اختلاف كبير بيانه في كتابي " الجامع في العلل " .
وأخرجه : عبد الرزاق ( 18232 ) ، والطبراني في " الكبير " ( 9737 ) من حديث عبد الله بن مسعود ، موقوفاً .
(3) أخرجه : أحمد 4/439 و440 و445 ، والطبراني في " الكبير " 18/( 325 ) من حديث عمران بن حصين ، به .
وأخرجه : أحمد 5/12 ، وأبو داود ( 2667 ) ، والطبراني في " الكبير " ( 6945 ) من حديث سمرة بن جندب ، به .
(4) في " صحيحه " 3/177 ( 2474 ) و7/122 ( 5516 ) .
وأخرجه : أحمد 4/307 من حديث عبد الله بن يزيد الأنصاري ، به .
(5) من قوله : ( وخرجه البخاري ... ) إلى هنا سقط من ( ص ) .
(6) متن الحديث لم يرد في ( ص ) .
(7) في " مسنده " 4/172 و173 .
وأخرجه : الطبراني 22/( 697 ) و( 698 ) و( 699 ) ، وإسناده ضعيف لجهالة عبد الله بن حفص ، وقد سقط من بعض الروايات .
● [ الصفحة التالية ] ●
وخرَّج أيضاً من حديث رجلٍ من الصحابة عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال : ( من مَثَّلَ بذي روحٍ ، ثم لم يَتُبْ مثَّلَ الله به يومَ القيامة )(1) .
واعلم أنَّ القتلَ المباحَ يقع على وجهين : أحدُهما أنْ يكون قصاصاً ، فلا يجوزُ التمثيلُ فيه بالمقتص منه ، بل يُقتَلُ كما قَتَلَ ، فإنْ كان قد مَثَّلَ بالمقتولِ ، فهل يُمثَّلُ به كما فعل أمْ لا يُقتل إلا بالسيف ؟ فيهِ قولان مشهوران للعلماء :
أحدُهما(2) : أنَّه يُفعَلُ به كما فَعَلَ ، وهو قولُ مالك والشافعي(3) وأحمد في المشهور عنه(4) ، وفي " الصحيحين " (5) عن أنسٍ قالَ : خَرَجَتْ جاريةٌ عليها أوضاحٌ بالمدينة ، فرماها يهودي بحجر ، فجيء بها إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبها رَمَقٌ ، فقالَ لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( فلانٌ قتلك ؟ ) فرفعت رأسها، فقال لها في الثالثة : ( فلان قتلك ؟ ) فخفضت رأسها ، فدعا به رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - ، فرضخ رأسه بَيْنَ الحَجَرَين . وفي روايةٍ لهما : فَأُخِذَ فاعترفَ ، وفي روايةٍ لمسلم : أنَّ رجلاً من اليهود قتلَ جاريةً من الأنصار على حليٍّ لها ، ثم ألقاها في القَلِيب ، ورضَخَ رأسَها بالحجارة ، فأُخِذَ ، فأُتي به النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - ، فأمر به أنْ يُرجَمَ حتّى يموت ، فرُجِمَ حتى ماتَ(6) .
__________
(1) مسند الإمام أحمد 2/92 و115 من حديث رجل من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - . وإسناده ضعيف لضعف شريك النخعي .
وأخرجه : الطبراني في " الأوسط " ( 7297 ) عن عبد الله بن عمر ، به ؛ لكن سنده ضعيف .
(2) سقطت من ( ص ) .
(3) لم يرد في ( ص ) .
(4) انظر : الواضح في شرح مختصر الخرقي 4/259 .
(5) سبق تخريجه .
(6) صحيح مسلم 5/104 ( 1672 ) ( 16 ) من حديث أنس ، به .
● [ الصفحة التالية ] ●
والقول الثاني : لا قَوَدَ إلاَّ بالسيف ، وهو قولُ الثوري ، وأبي حنيفة ، ورواية عن أحمد(1) .
وعن أحمد رواية ثالثة : يُفعل به كما فعل إلا أنْ يكونَ حرَّقه بالنار أو مَثَّلَ به ، فيُقْتَلُ بالسيف للنهي عن المُثلة وعن التحريق بالنار نقلها عنه الأثرمُ(2) ، وقد رُوِيَ عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال: ( لا قَودَ إلاَّ بالسيف ) خرَّجه ابن ماجه وإسناده ضعيف(3) ، قال أحمد : يُروى : ( لا قَوَدَ إلاَّ بالسيف ) وليس إسنادُه بجيدٍ(4) ، وحديث أنس ، يعني : في قتل اليهودي بالحجارة أسندُ منه وأجودُ(5) .
ولو مَثَّلَ به ، ثم قتله مثلَ أنْ قطّع أطرافَه ، ثم قتله ، فهل يُكتفى بقتله أم يُصنع به كما صنع ، فَتُقطع أطرافُه ثم يُقتل ؟ على قولين :
أحدهما : يُفعل به كما فعل سواء ، وهو قولُ أبي حنيفة والشافعي وأحمد في إحدى الروايتين وإسحاق وغيرهم(6) .
والثاني : يُكتفى بقتله ، وهو قولُ الثوري وأحمد في رواية وأبي يوسف ومحمد(7) ، وقال مالك : إنْ فعل به ذلك على سبيل التمثيلِ والتعذيبِ ، فُعِلَ به كما فَعَلَ ، وإنْ لم يكن على هذا الوجه اكتفي بقتله(8) .
__________
(1) انظر : الهداية للكلوذاني 2/235 بتحقيقنا ، والمغني 9/387 ، والواضح في شرح مختصر الخرقي 4/259 .
(2) انظر : المغني 9/392 .
(3) السنن ( 2668 ) .
وأخرجه : البيهقي 8/63 من حديث أبي بكرة ، به . وللحديث طرق أخرى .
(4) انظر : المغني 9/388 ، والواضح في شرح مختصر الخرقي 4/260 .
(5) المغني 9/387-388 ، والواضح في شرح مختصر الخرقي 4/260 .
(6) انظر : المغني 9/387 ، والواضح في شرح مختصر الخرقي 4/259-260، وبداية المجتهد 2/716.
(7) انظر : المصادر السابقة .
(8) انظر : بداية المجتهد 2/716 .
● [ الصفحة التالية ] ●
الوجه الثاني : أنْ يكون القتلُ(1) للكفر ، إما لكفر أصلي ، أو لردَّة عن الإسلام ، فأكثرُ العلماء على كراهة المُثلة فيه أيضاً ، وأنَّه يُقتل فيه بالسيف ، وقد رُوي عن طائفةٍ من السَّلف جوازُ التمثيل فيه بالتحريق بالنار وغير ذلك ، كما فعله خالدُ بن الوليد وغيره(2) .
ورُوي عن أبي بكر : أنَّه حرَّق الفجاءة بالنَّار(3) .
ورُوي أنَّ أم قِرْفة الفزارية ارتدت في عهد أبي بكر الصديق ، فأمر بها ، فشدَّت ذوائِبُها في أذناب قَلُوصَيْنِ أو فرسين ، ثم صاح بهما فتقطعت المرأة ، وأسانيد هذه القصة منقطعة . وقد ذكر ابنُ سعد في " طبقاته " بغير إسناد : أنَّ زيدَ بن حارثة قتلها هذه القتلة على عهد رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - ، وأخبر النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - بذلك(4) .
__________
(1) سقطت من ( ص ) .
(2) انظر : الطبقات الكبرى 7/278 ، والمغني 10/76 ، والشرح الكبير 10/80 ، والواضح في شرح مختصر الخرقي 4/384 ، وفتح الباري 6/182 .
(3) انظر : تاريخ الطبري 3/264 .
(4) انظر : الطبقات الكبرى 2/69 .
● [ الصفحة التالية ] ●
وصحَّ عن عليٍّ أنَّه حرَّق المرتدين ، وأنكر ذلك ابنُ عباس عليه(1) ، وقيل : إنَّه لم
يُحرّقهم ، وإنَّما دَخَّنَ عليهم حتى ماتوا(2) ، وقيل : إنَّه قتلهم ، ثم حَرَّقَهُم ، ولا يصحُّ ذلك . وروي عنه أنَّه جيء بمرتدٍّ ، فأمر به فوطئ بالأرجل حتَّى مات .
__________
(1) أخرجه : عبد الرزاق ( 18706 ) ، والحميدي ( 533 ) ، وأحمد 1/217 و220 و282 ، والبخاري 4/75 ( 3017 ) و9/18 ( 6922 )، وأبو داود ( 4351 )، والترمذي ( 1458 )، والنسائي 7/104 ، وأبو يعلى ( 2532 ) ، والطحاوي في " شرح المشكل " ( 2865 ) و( 2866 ) و( 2867 ) و( 2868 ) ، وابن حبان ( 4476 ) ، والطبراني في " الكبير " ( 11850 ) ، والدارقطني 3/85 ( 3157 ) ، والحاكم 3/538-539 ، والبيهقي 8/195 و202 و9/71 ، والبغوي ( 2561 ) من حديث عبد الله بن عباس ، به .
(2) ذكره : البيهقي 9/71 .
● [ الصفحة التالية ] ●
واختار ابنُ عقيلٍ - من أصحابنا - جوازَ القتل بالتمثيل للكفر لاسيما إذا تغلَّظ ، وحمل النهي عن المُثلةِ على القتل بالقصاص ، واستدلَّ من أجاز ذلك بحديثِ العُرنيين ، وقد خرَّجاه في " الصحيحين " من حديث أنس : أنَّ أناساً من عُرينة قَدِمُوا على رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - المدينة فاجْتَوَوْهَا ، فقال لهم رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - : ( إنْ شئتم أنْ تَخْرُجُوا إلى إبل الصدقة، فتشربوا من ألبانها وأبوالها ، فافعلوا ) ففعلوا فصحُّوا، ثم مالوا على الرعاء ، فقتلوهم ، وارتدُّوا عن الإسلام ، وساقوا ذَودَ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - ، فبلغ ذلك النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - ، فبعث في أثرهم ، فأُتي بهم ، فقطع أيديهم وأرجُلَهم ، وسَمَلَ أعينَهم ، وتركهم في الحرة حتى ماتوا(1) ، وفي روايةٍ : ثم نُبِذُوا في الشمس حتى ماتوا(2) ، وفي روايةٍ : وسمرت أعينُهم ، وألقوا في الحرَّةِ(3) يَستسقونَ فلا يُسقون(4) ، وفي رواية للترمذي : قطع أيديَهم وأرجلهم من خلافٍ(5)
__________
(1) أخرجه : عبد الرزاق ( 17132 ) و( 18538 ) ، وأحمد 3/170 و177 و233 و290 ، والبخاري 5/164 ( 4192 ) و7/159 ( 5685 ) و7/160 ( 5686 ) و7/167 ( 5727 ) ، ومسلم 5/102 ( 1671 ) ( 9 ) ، وأبو داود ( 4364 ) ، والترمذي ( 72 ) ، والنسائي 1/158 و7/96-97 وفي " التفسير " ، له ( 163 ) ، وابن حبان ( 1388 ) و( 4472 ) ، والبيهقي 9/69 و10/4 من حديث أنس بن مالك ، به .
(2) أخرجه : أحمد 3/177 ، ومسلم 5/102 ( 1671 ) ( 10 ) من حديث أنس بن مالك ، به .
(3) عبارة : ( وألقوا في الحرة ) سقطت من ( ص ) .
(4) أخرجه : عبد الرزاق ( 18538 ) ، وأحمد 3/170 ، والبخاري 7/167 ( 5727 ) ، ومسلم 5/102 ( 1671 ) ( 11 ) ، والترمذي ( 72 ) ، والنسائي 7/97 ، وابن حبان ( 1388 ) و( 4472 ) من حديث أنس بن مالك ، به .
(5) الجامع الكبير ( 72 ) من حديث أنس بن مالك ، به .
● [ الصفحة التالية ] ●
، وفي رواية للنسائي : وصَلَبَهُم(1) .
وقد اختلف العلماء في وجه عقوبة هؤلاء ، فمنهم من قال : من فعل مِثلَ فعلهم فارتدَّ ، وحارب ، وأخذ المالَ ، صنع به كما صنع بهؤلاء ، وروي هذا عن طائفة ، منهم : أبو قِلابة(2) ، وهو روايةٌ عن أحمد .
ومنهم مَنْ قال : بل هذا يدلُّ على جواز التمثيل بمن تغلَّظَتْ جرائمُهُ في الجملة ، وإنَّما نهي عن التمثيل في القصاص ، وهو قول ابنِ عقيل من أصحابنا .
ومنهم من قال : بل نسخ ما فعل بالعرنيين بالنهي عن المُثلةِ(3) .
ومنهم من قال : كان قبلَ نزولِ الحدود وآيةِ المحاربة(4) ، ثم نُسخ بذلك(5) ، وهذا قولُ جماعة منهم : الأوزاعي وأبو عُبيد .
ومنهم من قال : بل ما فعله النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - بهم إنَّما كان بآية المحاربة ، ولم ينسخ شيء من ذلك ، وقالوا : إنَّما قتلهم النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - ، وقَطَعَ أيديهم ؛ لأنَّهم أخذوا المالَ ، ومن أخذ المالَ وقَتَلَ(6) ، قُطِعَ وقُتِلَ ، وصُلِبَ حتماً ، فيُقتَلُ لقتله(7) ويُقطع لأخذه المال يَدُه ورجلُه من خِلاف ، ويُصلَبُ لجمعه(8) بين الجنايتين وهما : القتلُ وأخذُ المال ، وهذا قول الحسن، ورواية عن أحمد(9) .
وإنَّما سَمَلَ أعينهم ؛ لأنَّهم سملوا أعينَ الرعاة كذا خرَّجه مسلم من حديثِ أنس(10)
__________
(1) في " المجتبى " 7/96 من حديث أنس بن مالك ، به .
(2) ذكره : أبو داود ( 4364 ) ، وانظر : معالم السنن 3/256-257 .
(3) انظر : المحلى 12/29-30 .
(4) ذكره : أحمد 3/290 ، وأبو داود ( 4371 ) ، والترمذي ( 73 ) ، وانظر : معالم السنن 3/258 ، والمحلى 12/30-31 .
(5) انظر : المحلى 12/31 و13/154 .
(6) سقطت من ( ص ) .
(7) سقطت من ( ص ) .
(8) سقطت من ( ص ) .
(9) انظر : المغني 10/299-300 ، والشرح الكبير 10/300 .
(10) في " صحيحه " 5/103 ( 1671 ) ( 14 ) .
وأخرجه : الترمذي ( 73 ) ، والبيهقي 9/70 ، وانظر : المحلى 12/29 و13/155 ، وتحفة الأحوذي 1/246 .
● [ الصفحة التالية ] ●
، وذكر ابنُ شهابٍ أنَّهم قتلوا الراعي(1) ، ومَثَّلوا به(2) ، وذكر ابن سعد أنَّهم قطعوا يدَه ورجله ، وغرسوا الشوكَ في لسانه وعينيه حتّى مات(3) ، وحينئذ فقد يكونُ قطعُهم ، وسملُ أعينهم ، وتعطيشُهم قصاصاً(4) ، وهذا يتخرَّجُ على قول مَنْ يقولُ : إنَّ المحاربَ إذا جنى جنايةً توجبُ القصاصَ استُوفِيت منه قبل قتله ، وهو مذهب أحمد . لكن هل يستوفى(5) منه تحتماً كقتله أم على وجه القصاص ، فيسقط بعفو الولي ؟ على روايتين عنه(6) ، ولكن رواية الترمذي أنَّ قطعَهُم من خلاف يدلُّ على أنَّ قطعهم للمحاربة إلا أنْ يكونوا قد قطعوا يدَ الراعي ورجلَه من خلاف ، والله
أعلم(7) .
وقد رُوي عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - : أنَّه كان أَذِنَ في التحريق بالنار(8) ، ثم نهى عنه كما في " صحيح البخاري " (9)
__________
(1) انظر : المحلى 13/155 .
(2) ذكره : البيهقي 9/70 .
(3) في " الطبقات " 2/71 .
(4) انظر : معالم السنن 3/258 ، وتحفة الأحوذي 8/246-247 .
(5) عبارة : ( لكن هل يستوفى ) سقطت من ( ص ) .
(6) انظر : الشرح الكبير على المغني 10/303 .
(7) من قوله : ( يدل على أن قطعهم ... ) إلى هنا سقط من ( ص ) .
(8) سقطت من ( ص ) .
(9) الصحيح 4/60 ( 2954 ) و4/74 ( 3016 ) .
وأخرجه : أحمد 2/307 و338 و453 ، وأبو داود ( 2674 ) ، والترمذي ( 1571 ) وفي " العلل " ، له ( 278 ) ، والنسائي في "الكبرى " ( 8613 ) و( 8804 ) و( 8832 ) ، وابن الجارود ( 1057 ) ، والبيهقي 9/71 .
● [ الصفحة التالية ] ●
عن أبي هريرة قال : بعثنا رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - في بعث(1) فقال : ( إنْ وَجَدتُم فلاناً وفلاناً - لرجلين من قريشٍ - فاحرقوهما بالنار ) ، ثمَّ قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - حين أردنا الخروجَ : ( إني كنتُ أمرتُكم أنْ تحرِقوا فُلاناً وفُلاناً بالنار ، وإنَّ النارَ لا يُعذِّبُ بها إلا الله ، فإنْ وجدتموهما فاقتلوهما ) .
وفيه أيضاً عن ابن عبَّاسٍ : أنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قال : ( لا تُعذِّبُوا بعذاب الله - عز وجل - )(2) .
وخرَّج الإمام أحمد ، وأبو داود ، والنَّسائي من حديث ابن مسعودٍ قال : كُنَّا مع النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، فمَرَرنا بقريةِ نملٍ قد أُحرقَت ، فغَضِب النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - وقال : ( إنَّه لا ينبغي لِبشرٍ أنْ يعذِّبَ بعذاب الله - عز وجل - )(3) .
وقد حرَّقَ خالدٌ جماعة في الرِّدة(4) ، وروي عن طائفة من الصحابة تحريقُ من عَمِل عمل قومِ لوطٍ(5) ، ورُوي عن عليٍّ أنَّه أشار على أبي بكر أنْ يقتلَه ثم يحرقه بالنار(6) ، واستحسن ذلك إسحاق بن راهويه(7) لئلا يكون تعذيباً بالنار(8).
__________
(1) عبارة : ( في بعث ) سقطت من ( ص ) .
(2) سبق تخريجه .
(3) أخرجه : أحمد 1/423 ، وأبو داود ( 2675 ) و( 5268 ) ، والنسائي في " الكبرى " ( 8614 ) ، وهو حديث صحيح .
(4) انظر : المغني 10/6 ، والشرح الكبير 10/80 ، والواضح في شرح مختصر الخرقي 4/384 .
(5) انظر : المغني 10/156 ، والشرح الكبير 10/170 .
(6) انظر : المغني 10/156 ، والشرح الكبير 10/170-171 .
(7) انظر : الجواب الكافي لمن سئل عن الدواء الشافي : 210 .
(8) من قوله : ( واستحسن ذلك إسحاق ... ) إلى هنا سقط من ( ص ) .
● [ الصفحة التالية ] ●
وفي " مسند الإمام أحمد " (1) : أنَّ علياً لما ضربه ابنُ مُلجم ، قال : افعلوا به كما أرادَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - أنْ يفعلَ برجل أراد قتلَه ، قال : ( اقتلوه ثم حرِّقوه ) .
وأكثرُ العلماء على كراهةِ التحريق بالنار حتى للهوام ، وقال إبراهيم النَّخعيُّ : تحريقُ العقرب بالنار مُثلةٌ . ونهت أمُ الدرداء عن تحريق البرغوث بالنار . وقال أحمد : لا يُشوى السمكُ في النار وهو حيٌّ ، وقال : الجرادُ أهونُ ؛ لأنَّه لا دم لهُ(2) .
وقد ثبت عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - : أنَّه نهى عن صَبرِ البهائم ، وهو : أنْ تحبس البهيمة ، ثُمَّ تُضرب بالنبل ونحوه حتَّى تموتَ(3) . ففي " الصحيحين " (4) عن أنسٍ : أنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - نهى أنْ تُصبر البهائم .
وفيهما أيضاً عن ابن عمر : أنَّه مرَّ بقوم نصبوا دجاجةً يرمونها ، فقال ابنُ عمر : من فعل هذا ؟ إنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لعن من فعل هذا (5) .
وخرَّج مسلم من حديث ابنِ عباس ، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - : أنَّه نهى أنْ يُتخذ شيء فيه الروح غرضاً(6)
__________
(1) المسند 1/92-93 ، وإسناده ضعيف لضعف شريك بن عبد الله النخعي .
(2) انظر : المغني 11/43 ، والشرح الكبير 11/48 .
(3) انظر : النهاية 3/8 ، وشرح السيوطي لسنن النسائي 7/238 .
(4) صحيح البخاري 7/121 ( 5513 ) ، وصحيح مسلم 6/72 ( 1956 ) ( 58 ).
وأخرجه : أحمد 3/117 و171 و180 و191، وأبو داود ( 2816 )، وابن ماجه ( 3186 )، والنسائي 7/238 وفي " الكبرى " ، له ( 4528 ) من حديث أنس بن مالك ، به .
(5) صحيح البخاري 7/122 ( 5515 ) ، وصحيح مسلم 6/73 ( 1958 ) ( 59 ) . = = ... وأخرجه : أحمد 1/338 و2/13 و43 و60 و86 و103 و141 ، والدارمي ( 1979 ) ، والنسائي 7/238 وفي " الكبرى " ، له ( 4530 ) من حديث عبد الله بن عمر ، به .
(6) في " صحيحه " 6/73 ( 1957 ) ( 58 ) .
وأخرجه: أحمد 1/274 و280 و285 و340 و345، والنسائي 7/238-239 وفي "الكبرى"، له ( 4532 ) و( 4533 ) ، وابن حبان ( 5608 ) ، والطبراني في " الكبير " ( 12262 )
و( 12263 ) ، والبيهقي 9/70 ، والبغوي ( 2784 ) من حديث عبد الله بن عباس ، به .
● [ الصفحة التالية ] ●
، والغرض : هو الذي يرمى فيه بالسهام(1) .
وفي " مسند الإمام أحمد " (2) عن أبي هُريرة : أنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - نهى عن الرَّمِيَّةِ : أنْ ترمى الدابة ثم تُؤكلُ ولكن تُذبح ، ثم يرموا (3) إنْ شاؤوا . وفي هذا المعنى أحاديث كثيرة .
فلهذا أمر النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - بإحسانِ القتلِ والذبح ، وأمر أنْ تُحَدَّ الشفرةُ ، وأنْ تُراح الذبيحة ، يشير إلى أنَّ الذبح بالآلة الحادة يُرِيحُ الذبيحة بتعجيل زهوق نفسها(4) .
وخرَّج الإمام أحمد ، وابنُ ماجه من حديث ابنِ عمر ، قال : أمر رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - بحَدِّ الشفارِ ، وأنْ تُوارى عن البهائم ، وقال : ( إذا ذَبَحَ أَحَدُكُم ، فليُجْهِزْ )(5) يعني : فليسرع الذبح(6) .
وقد ورد الأمر بالرفق بالذبيحة عندَ ذبحها ، وخرَّج ابنُ ماجه(7) من حديث أبي سعيد الخدري قال : مرَّ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - برجل وهو يجرُّ شاة بأُذنها ، فقال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - : ( دع أُذنَها وخُذْ بِسالِفَتِها ) والسالفة : مقدَّمُ العنق(8) .
__________
(1) انظر : النهاية 3/360 ، وشرح السيوطي لسنن النسائي 7/238 .
(2) المسند 2/402 ، وإسناده ضعيف لضعف ابن لهيعة .
(3) في ( ج ) : ( ليرموا ) ، وهو يخالف ما في المسند و( ص ) .
(4) انظر : شرح النووي لصحيح مسلم 7/95 .
(5) أخرجه : أحمد 2/108 ، وابن ماجه ( 3172 ) ، والطبراني في " الكبير " ( 13144 ) ، والبيهقي 9/280 ، وإسناده ضعيف لضعف ابن لهيعة .
(6) انظر : لسان العرب 2/400 .
(7) السنن ( 3171 ) ، وإسناده ضعيف جداً ؛ فإنَّ موسى بن محمد بن إبراهيم منكر الحديث .
(8) انظر : النهاية في غريب الحديث 2/390 .
● [ الصفحة التالية ] ●
وخرَّج الخلالُ والطبرانيُّ من حديث عكرمة ، عن ابن عباس قال : مرَّ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - برجلٍ واضع رجلَه على صفحة شاةٍ وهو يحدُّ شفرته وهي تلحظ إليه ببصرها ، فقال : ( أفلا قبْلَ هذا ؟ تريدُ أنْ تُميتها موتتان(1) ؟ )(2) . وقد روي عن عكرمة مرسلاً خرَّجه عبدُ الرزاق(3) وغيره ، وفيه زيادة : ( هلاَّ حددت شفرتك قبل أنْ تُضْجِعها ) .
وقال الإمام أحمد : تُقاد إلى الذبح قوداً رفيقاً ، وتُوارى السكينُ عنها ، ولا تُظهر السكين إلا عندَ الذبح ، أمر رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - بذلك : أنْ تُوارى الشفار(4) . وقال : ما أبهمت عليه البهائم فلم تبهم أنَّها تعرف ربها ، وتعرف أنَّها تموت . وقال : يُروى عن ابن سابط أنَّه قال : إنَّ البهائم جُبِلَتْ على كلِّ شيءٍ إلاَّ على أنَّها تعرف ربها ، وتخافُ الموتَ .
وقد وردَ الأمرُ بقطع الأوداج عندَ الذبح ، كما خرَّجه أبو داود من حديث عِكرمة ، عن ابن عباس ، وأبي هريرة ، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - : أنَّه نهى عن شريطة الشيطان ، وهي التي تذبح فتقطع الجلد ، ولا تفري الأوداج ، وخرَّجه ابن حبان في " صحيحه " وعنده : قال عكرمة : كانوا يقطعون منها الشيء اليسيرَ ، ثم يدعونها حتى تموتَ ، ولا يقطعون الودجَ ، فنهى عن ذلك(5)
__________
(1) في ( ج ) : ( موتات ) ، والمثبت من ( ص ) ، و" المعجم الكبير " للطبراني .
(2) أخرجه : الطبراني في " الكبير " ( 11916 ) وفي " الأوسط " ، له ( 3590 ) ، وذكر الطبراني في " الأوسط " أنَّ عبد الرحيم بن سليمان تفرد بوصله.
وأخرجه : الحاكم 4/233 من حديث عبد الله بن عباس ، به ، وصححه . انظر : مجمع الزوائد 4/33 .
(3) المصنف ( 8608 ) .
(4) انظر : المغني 11/47 ، والشرح الكبير 11/61-62 .
(5) أخرجه : أبو داود ( 2826 ) ، وابن حبان ( 5888 ) .
وأخرجه : أحمد 1/289 ، والحاكم 4/113 ، والبيهقي 9/278 ، وإسناده ضعيف لضعف عمرو ابن عبد الله اليماني .
● [ الصفحة التالية ] ●
وروى عبدُ الرزاق في " كتابه " (1) عن محمد بن راشدٍ ، عن الوضين بنِ عطاء ، قال : إنَّ جزَّاراً فتح باباً على شاةٍ ليذبحها فانفلتت منه حتَّى جاءت النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - ، فاتبعها ، فأخذ يَسْحَبُها برجلها ، فقال لها النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - : ( اصبري لأمرِ الله ، وأنتَ يا جزَّارُ فسُقْها إلى الموتِ سَوقاً رفيقاً ) .
وبإسناده عن ابن سيرين : أنَّ عُمَرَ رأى رجلاً يسحب شاةً برجلها ليذبحها ، فقال له : وَيْلَكَ قُدْها إلى الموت(2) قوداً جميلاً(3) .
وروى محمدُ بنُ زيادٍ : أنَّ ابن عمر رأى قصَّاباً يجُرُّ شاةً ، فقال : سُقها إلى الموت سوقاً جميلاً ، فأخرج القصابُ شفرة ، فقال : ما أسوقها سوقا جميلاً وأنا أريد أنْ أذبحها الساعة ، فقال : سقها سوقاً جميلاً(4) .
وفي " مسند الإمام أحمد " (5) عن معاوية بنِ قُرة ، عن أبيه : أنَّ رجلاً قال للنَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - : يا رسولَ اللهِ إني لأذبحُ الشاةَ وأنا أرحمها ، فقال النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - : ( والشاة إنْ رحمتها رَحِمَكَ الله ) .
__________
(1) المصنف ( 8609 ) ، وإسناده ضعيف لإرساله فإنَّ الوضين بن عطاء متأخر من الطبقة السادسة مات سنة ( 149 ه ) وقد تكلم فيه بعضهم .
(2) زاد بعدها في ( ص ) : ( قوداً رفيقاً ) .
(3) أخرجه : عبد الرزاق ( 8605 ) .
(4) من قوله : ( فأخرج القصاب شفرة ... ) إلى هنا سقط من ( ص ) .
(5) المسند 3/436 و5/34 .
وأخرجه : البخاري في "الأدب المفرد" ( 373 ) ، والبزار كما في "كشف الأستار" ( 1221 ) ، والطبراني في " الكبير " 19/( 44 ) و( 45 ) و( 46 ) و( 47 ) وفي " الصغير " ، له ( 293 ) ، والحاكم 3/586-587 و4/231 ، وأبو نعيم في " الحلية " 2/302 و6/343 ، والبيهقي في " شعب الإيمان " ( 11067 ) و( 11069 ) ، وهو حديث صحيح .
● [ الصفحة التالية ] ●
وقال مطرف بنُ عبد الله : إنَّ الله ليرحم برحمة العصفور(1) .
وقال نوفٌ البكالي : إنَّ رجلاً ذبح عِجَّوْلاً (2) له بين يدي أمه ، فخُبِّلَ ، فبينما هو تحتَ شجرة فيها وكْرٌ فيه فَرْخٌ ، فوقع الفرخُ إلى الأرض ، فرحمه فأعاده في مكانه ، فردَّ الله إليه قوَّته(3) .
وقد رُوي من غير وجه عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - : أنَّه نهى أنْ تُولَّه والدة عن ولدها ، وهو عام في بني آدم وغيرهم(4) .
وفي " سنن أبي داود " (5) : أنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - سُئِلَ عن الفَرَعِ ، فقال : ( هو حَقٌّ وإنْ تتركوه حتّى يكونَ بكراً ابنَ مخاض ، أو ابنَ لَبُون ، فتُعطيه أرملة ، أو تحمل عليه في سبيل الله خيرٌ من أنْ تَذْبَحَهُ فيلصقَ لحمُه بوبره ، وتُكفئ إناءك وتُولِّه ناقتك ) .
__________
(1) ذكره : أبو نعيم في " الحلية " 2/210 .
(2) هو الأنثى من ولد البقرة . انظر : لسان العرب ( عجل ) .
(3) ذكره : أبو نعيم في " الحلية " 6/52 .
(4) أخرجه : البخاري في " الأدب المفرد " ( 382 ) ، وأبو داود ( 2675 ) و( 5268 ) ، والطبراني في " الكبير " ( 10375 ) و( 10376 ) ، والحاكم 4/239 ، والبيهقي في " دلائل النبوة " 6/32-33 من حديث عبد الله بن مسعود ، به بهذا المعنى .
وأخرجه : أحمد 1/404 ، مرسلاً من حديث عبد الرحمان بن عبد الله ، به بمعناه .
(5) السنن ( 2842 ) .
وأخرجه : أحمد 2/182-183 ، والحاكم 4/236 ، والبيهقي 9/312 عن عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده ، به ، ورواية عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده من نوع الحسن .
وأخرجه : النسائي 7/168 وفي " الكبرى " ، له ( 4551 ) عن عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده وزيد بن أسلم .
● [ الصفحة التالية ] ●
والمعنى : أنَّ ولد الناقة إذا ذبح وهو صغير عندَ ولادته لم يُنتفع بلحمه ، وتضرَّر صاحبُه بانقطاع لبنِ ناقته ، فتُكفِئ إناه وهُوَ المِحْلَبُ الذي تُحلَب فيه الناقة ، وتولَّه الناقة على ولدها بفقدها إيَّاه(1) .
__________
(1) انظر : معالم السنن 4/266 ، وحاشية السندي على سنن النسائي 7/168-169 ، وعون المعبود 8/45 .
● [ تم شرح الحديث ] ●
جامع العلوم والحكم
لإبن رجب الحنبلي
منتدى ميراث الرسول . البوابة