بّسم الله الرّحمن الرّحيم مكتبة الثقافة الأدبية كشف الأسرار في حكم الطيور والأزهار ● [ إشارة النسيم ] ●
فأول ما سمعت همهمة النسيم، يترنّم بصوته الرخيم، يقول بلسان حاله، عن صريح لفظه ومقاله: أنا رسول كل محب إلى حبيبه وحامل شكوى كل عليل إلى طبيبه، إن استودعت سِرّاً أديته كما استودعته، وإن حُمّلتُ نشراً رويته كما سمعته، وإن صحبتُ مصحوباً اتّحدتُ فيه بلطافة إيناسى، ومازجته بصفاء أنفاسى، فإن طاب طبت، وإن خبث خبثت، كما قال الشاعر: الرَّاحُ كالرِّيّحِ إن مرَّت عَلَى عَطرٍ . طَابت، وتَخْبُثُ إنْ مَرَّت على الجيفِ ثم إني إن اعتللت صحّ بي العليل، وحيث حللت طاب بي المقيل، وإن تنفّست تنفّس المشتاق، وإن نمّت توسوست العشّاق، فأنا لّين الإعطاف، هيّن الانعطاف، سريع الائتلاف، ولولا وجودي في الوجود لما كان مخلوق موجود، يعرف لطفى ذوو الألطاف فلا تظن اختلاف هوائي سبب إغوائي، بل أختلف في الفصول الأربع، لما هو أصلح لك وأنفع، فأهبُّ في الربيع شمالاً لألقح الأشجار، وأُعدّل فصلى الليل والنهار، وأهب في الصيف صبّاً لأنمّى الثمار، وأُصفّى الأنهار، وأهب في الخريف جنوباً فتأخذ كل شجرة حد طيبها، وتستوفى حق تركيبها، وأهبّ في الشتاء دبوراً فآخذ عن كل شجرة حملها وأوراقها ويبقى أصلها. فأنا الذي تنمو بي الثمار، وتسمو بي الأزهار، وتتسلسل الأنهار، وتلقّح بي الأشجار، وتتروح بي الأسرار، وأبشرك في الأسحار بقرب المزار، وفي ذلك أقول: يَاطِيب ما نقلَ النَّسيمُ لمَسْمعى . عن طِيبِ ذيَّاك المحلّ الأرفعِ وَافى لينشرَ ما انْطَوَى من نَشْرِهِ . فَسَكِرتُ مِنْ طِيبِ الشَّذَا المتضوّعِ ولربما أعتلّ النَّسيم إذا بَدَتْ . أنفاس شوقي المستكنُ بأضلعِي هبَّ الصَّبا سَحَراً لتُبرَد عُلّتي . فَأثارَ نار تَحرّقي وتَوجّعى مَا ذَاكَ إِلاَّ أنَّهَا لِمَا سِرْتُ . مرّتْ عَلى تِلْكَ الرُّبَا الأَرْبَعِ فَتَحَمَّلتْ نَشْرَ الصَّبَا في طّيّهَا . فَسَكرتُ وسَمِعْتُ مَا لم يُسْمَعِ وَآفتْ تُبَشّرنى بِلَيْلى أَنَّهَا . في حُسْنهَا سَفَرتْ فَلَم تَتَبَرْقَعِ وَجَلتْ عَلَى عُشّاقِهَا في حَانِهَا . وَجْهاً تمنّع في حِمىً متمنّعِ
كشف الأسرار في حكم الطيور والأزهار تأليف : عز الدين المقدسي منتدى همســــــات . البوابة