منتدى نافذة ثقافية

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

    من سلطان جرفتن الى سلطانة الجزائر

    بص وطل
    بص وطل
    Admin


    عدد المساهمات : 2283
    تاريخ التسجيل : 29/04/2014

    من سلطان جرفتن الى سلطانة الجزائر Empty من سلطان جرفتن الى سلطانة الجزائر

    مُساهمة من طرف بص وطل الجمعة يناير 11, 2019 3:29 pm

    من سلطان جرفتن الى سلطانة الجزائر Batota11

    بّسم اللّه الرّحمن الرّحيم
    رحلة إبن بطوطة
    الجزء الثانى
    من سلطان جرفتن الى سلطانة الجزائر
    من سلطان جرفتن الى سلطانة الجزائر 1410
    ● [ ذكر سلطان جرفتن ] ●

    وهو يسمى بكويل " بضم الكاف على لفظ التصغير "، وهو من أكبر سلاطين المليبار. وله مراكب كثيرة تسافر إلى عمان وفارس واليمن. ومن بلاده فتن وبدفتن، وسنذكرهما. وسرنا من جرفتن إلى مدينة ده فن " بفتح الدال المهمل وسكون الهاء "، وقد ذكرنا ضبط فتن. وهي مدينة كبيرة على خور، كثيرة البساتين. وبها النارجيل والفلفل والفوفل والتنبول، وبها القلقاص الكثير، ويطبخون به اللحم. وأما الموز فلم أر في البلاد أكثر منه بها ولا أرخص ثمناً. وفيها الباين الأعظم، طوله خمسمائة خطوة وعرضه ثلاثمائة خطوة. وهو مطوي بالحجارة الحمر المنحوتة، وعلى جوانبه ثمانٍ وعشرون قبة من الحجر. في كل قبة أربعة مجالس من الحجر. وكل قبة يصعد إليها على درج حجارة. وفي وسطه قبة كبيرة من ثلاث طبقات، في كل طبقة أربعة مجالس. وذكر لي أن والد هذا السلطان كويل هو الذي عمر هذا الباين. وبإزائه مسجد جامع للمسلمين، وله أدراج ينزل منها إليه فيتوضأ منه الناس ويغتسلون. وحدثني الفقيه حسين أن الذي عمر المسجد والباين أيضاً هو أحد أجداد كويل، وأنه كان مسلماً، ولإسلامه خبر عجيب نذكره.
    ● [ ذكر الشجرة العجيبة الشأن التي بإزاء الجامع ] ●

    ورأيت أنا بإزاء الجامع شجرة خضراء تشبه أوراقها أوراق التين، إلا أنها لينة. وعليها حائط يطيف بها، وعندها محراب صليت فيه ركعتين. واسم هذه الشجرة عندهم درخت الشهادة ودرخت " بفتح الدال المهمل والراء وسكون الخاء المعجم وتاء معلوة " وأخبرت هنالك أنه إذا كان زمان الخريف من كل سنة، تسقط من هذه الشجرة ورقة واحدة بعد أن يستحيل لونها إلى الصفرة، ثم إلى الحمرة، ويكون فيها مكتوباً بقلم القدرة: لا اله إلا الله محمد رسول الله. وأخبرني الفقيه حسين وجماعة من الثقات أنهم عاينوا هذه الورقة، وقرأوا المكتوب الذي فيها. وأخبرني أنه إذا كانت أيام سقوطها قعد تحتها الثقات من المسلمين والكفار، فإذا سقطت أخذ المسلمون نصفها، وجعل نصفها في خزانة السلطان الكافر، وهم يستشفون بها للمرضى. وهذه الشجرة كانت سبب إسلام جد كويل الذي عمر المسجد والباين. فإنه كان يقرأ الخط العربي. فلما قرأها وفهم ما فيها أسلم وحسن إسلامه. وحكايته عندهم متواترة. وحدثني الفقيه حسين أن أحد أولاده كفر بعد أبيه وطغى، وأمر باقتلاع الشجرة من أصلها فاقتلعت، ولم يترك لها أثر. ثم نبتت بعد ذلك، وعادت كأحسن مما كانت عليه، وهلك الكافر سريعاً. ثم سافرنا إلى مدينة بدفتن. وهي مدينة كبيرة على خور كبير، وبخارجها مسجد بمقربة من البحر يأوي إليه غرباء المسلمين. لأنه لا مسلم بهذه المدينة. ومرساها من أحسن المراسي، وماؤها عذب، والفوفل بها كثير. ومنها يحمل للهند والصين. وأكثر أهلها براهمة. وهم معظمون عند الكفار، مبغضون في المسلمين. ولذلك ليس بينهم مسلم.
    حكاية
    أخبرت أن سبب تركهم هذا المسجد غير مهدوم، أن أحد البراهمة خرب سقفه ليصنع منه سقفاً لبيته، فاشتعلت النار في بيته. فأحرق هو وأولاده ومتاعه. فاحترموا هذا المسجد، ولم يتعرضوا له بسوء بعدها، وخدموه، وجعلوا بخارجه الماء، يشرب منه الصادر والوارد وجعلوا على بابه شبكة لئلا يدخله الطير. ثم سافرنا من مدينة بدفتن إلى مدينة فندرينا " وضبط اسمها بفاء مفتوح ونون ساكن ودال مهمل وراء مفتوحة وياء آخر الحروف "، مدينة كبيرة حسنة ذات بساتين وأسواق. وبها للمسلمين ثلاث محلات، في كل محلة مسجد والجامع بها على الساحل، وهو عجيب، له مناظر ومجالس على البحر. وقاضيها وخطيبها رجل من أهل عمان، وله أخ فاضل. وبهذه البلدة تشتو مراكب الصين. ثم سافرنا منها إلى مدينة قالقوط " وضبط اسمعا بقافين وكسر اللام وضم القاف الثاني وآخره طاء مهمل "، وهي إحدى البنادر العظام ببلاد المليبار. يقصدها أهل الصين والجاوة وسيلان والمهل وأهل اليمن وفارس. ويجتمع بها تجار الآفاق. ومرساها من أعظم مراسي الدنيا.
    ● [ ذكر سلطان قالقوط ] ●

    وسلطانها كافر يعرف بالسامري، شيخ مسن يحلق لحيته، كما تفعل طائفة الروم، رأيته بها، وسنذكره إن شاء الله. وأمير التجار بها إبراهيم شاه بندر من أهل البحرين فاضل ذو مكارم، يجتمع إليه التجار، ويأكلون في سماطه. وقاضيها فخر الدين عثمان فاضل كريم، وصاحب الزاوية بها الشيخ شهاب الدين الكازروني، وله تعطى النذور التي ينذر بها أهل الهند والصين للشيخ أبي إسحاق الكازروني نفع الله به. وبهذه المدينة الناخوذة مثقال، الشهير الإسم، صاحب الأموال الطائلة والمراكب الكثيرة لتجارته بالهند والصين واليمن وفارس. ولما وصلنا إلى هذه المدينة، خرج إلينا إبراهيم شاه بندر، والقاضي، والشيخ شهاب الدين، وكبار التجار، ونائب السلطان الكافر والمسمى بقلاج، " بضم القاف وآخره جيم " ومعه الأطبال والأنفار والأبواق والأعلام في مراكبهم. ودخلنا المرسى في بروز عظيم ما رأيت مثله بتلك البلاد. فكانت فرحة تتبعها ترحة. وأقمنا بمرساها، وبه يومئذ ثلاثة عشر من مراكب الصين ونزلنا بالمدينة. وجعل كل واحد منا في دار. وأقمنا ننتظر زمان السفر إلى الصين ثلاثة أشهر، ونحن في ضيافة الكافر، وبحر الصين لا يسافر فيه إلا بمراكب الصين. ولنذكر ترتيبها.
    ● [ ذكر مراكب الصين ] ●

    ومراكب الصين ثلاثة أصناف: الكبار منها تسمى الجنوك، واحدها جنك " بجيم معقود مضموم ونون ساكن "، والمتوسطة اسمها الزو " بفتح الزاي وواو "، والصغار اسم أحدها الككم " بكافين مفتوحتين ". ويكون في المركب الكبير منها اثنا عشر قلعاً فما دونها إلى ثلاثة. وقلعها من قضبان الخيزران منسوجة كالحصر لا تحط أبداً، ويديرونها بحسب دوران الريح. وإذا أرسوا تركوها واقفة في مهب الريح، ويخدم في المركب منها ألف رجل، منهم البحرية ستمائة، ومنهم أربعمائة من المقاتلة تكون فيهم الرماة وأصحاب الدرق والجرخية، وهم الذين يرمون بالنفط، ويتبع كل مركب كبير منا ثلاثة: النصفي والثلثي والربعي. ولا تصنع هذه المراكب إلا بمدينة الزيتون من الصين، أو بصين كلان، وهي صين الصين. وكيفية إنشائها أنهم يصنعون حائطين من الخشب، يصلون ما بينهما بخشب ضخام جداً، موصولة بالعرض والطول بمسامير ضخام، طول المسمار منها ثلاثة أذرع. فإذا التأم الحائطان بهذه الخشب صنعوا على أعلاهما فرش الأسفل، ودفعوهما في البحر، وأتموا عمله، وتبقى تلك الخشب والحائطان موالية الماء ينزلون فيغتسلون ويقضون حاجتهم. وعلى جوانب تلك الخشب تكون مجاذيفهم، وهي كبار كالصواري، يجتمع على أحدها العشرة والخمسة عشر رجلاً، ويجذفون وقوفاً على أقدامهم. ويجعلون للمركب أربعة ظهور، ويكون فيه البيوت والمصاري والغرف للتجار، والمصرية منها يكون فيه البيوت والسنداس، وعليها المفتاح يسدها صاحبها، ويحمل معه الجواري والنساء، وربما كان الرجل في مصريته فلا يعرف بعه غيره ممن يكون بالمركب، حتى يتلاقيا إذا وصلا بعض البلاد. والبحرية يسكنون فيه أولادهم ويزدرعون الخضر والبقول والزنجبيل في أحواض خشب، ووكيل المركب كأنه أمير كبير، وإذا نزل إلى البر مشت الرماة والحبشة بالحراب والسيوف والأطبال والأبواق والأنفار أمامه. وإذا وصل إلى المنزل الذي يقيم به ركزوا رماحهم عن جانبي بابه، ولا يزالون كذلك مدة إقامته. ومن أهل الصين من تكون له المراكب الكثيرة، يبعث بها وكلاءه إلى البلاد. وليس في الدنيا أكثر أموالاً من أهل الصين.
    ● [ ذكر أخذنا في السفر إلى الصين ومنتهى ذلك ] ●

    ولما حان وقت السفر إلى الصين، جهز لنا السلطان السامري جنكاً من الجنوك الثلاثة عشر التي بمرسى قالقوط. وكان وكيل الجنك يسمى بسليمان الصفدي الشامي، وبيني وبينه معرفة. فقلت له: أريد مصرية لا يشاركني فيها أحد، لأجل الجواري. ومن عادتي أن لا أسافر إلا بهن. فقال: إن تجار الصين قد اكتروا المصاري ذاهبين وراجعين. ولصهري مصرية أعطيكها، لكنها لا سنداس فيها. وعسى أن تمكن معاوضتها. فأمرت أصحابي فأوسقوا ما عندي من المتاع، وصعد العبيد والجواري إلى الجنك، وذلك في يوم الخميس. وأقمت لأصلي الجمعة وألحق بهم. وصعد الملك سنبل وظهير الدين مع الهدية. ثم إن فتى لي يسمى بهلال أتاني غدوة الجمعة فقال: إن المصرية التي أخدناها بالجنك ضيقة لا تصلح، فذكرت ذلك للناخوذة، فقال: ليس في ذلك حيلة، فإن أحببت أن تكون في الككم ففيه المصاري على اختيارك. فقلت: نعم. وأمرت أصحابي، فنقلوا الجواري والمتاع إلى الككم. واستقروا به قبل صلاة الجمعة. وعادة هذا البحر أن يشتد هيجانه كل يوم بعد العصر، فلا يستطيع أحد ركوبه. وكانت الجنوك قد سافرت، ولم يبق منها إلا الذي فيه الهدية، وجنك عزم أصحابه على ان يشتوا بفندرينا، والككم المذكور، فبتنا ليلة السبت على الساحل، لا نستطيع الصعود إلى الككم، ولا يستطيع من فيه النزول إلينا. ولم يكن بقي معي إلا بساط أفترشه. وأصبح الجنك والككم يوم السبت على بعد من المرسى. ورمى البحر بالجنك الذي كان أهله يريدون فندرينا، فتكسر. ومات بعض أهله، وسلم بعضهم، وكانت فيه جارية لبعض التجار عزيزة عليه، فرغب في إعطاء عشرة دنانير ذهباً لمن يخرجها. وكانت قد التزمت خشبة في مؤخر الجنك. فانتدب لذلك بعض البحرية الهرمزيين فأخرجها. وأبى أن يأخذ الدنانير، وقال: إنما فعلت ذلك لله تعالى. ولما كان الليل رمى البحر بالجنك الذي كانت فيه الهدية، فمات جميع من فيه. ونظرنا عند الصباح إلى مصارعهم، ورأيت ظهير الدين قد انشق رأسه، وتناثر دماغه، والملك سنبل قد ضرب مسمار في أحد صدغيه، ونفذ من الآخر. وصلينا عليهما ودفناهما. ورأيت الكافر سلطان قالقوط في وسطه شقة بيضاء كبيرة قد لفها من سرته إلى ركبته، وفي رأسه عمامة صغيرة، وهو حافي القدمين، والشطر بيد غلام فوق رأسه، والنار توقد بين يديه في الساحل، وزبانيته يضربون الناس لئلا ينتهبوا ما يرمي البحر. وعادة بلاد المليبار أن كل ما انكسر من مركب يرجع ما يخرج منه للمخزن إلا في هذا البلد خاصة، فإن ذلك يأخذه أربابه. ولذلك عمرت، وكثر تردد الناس إليها. ولما رأى أهل الككم ما حدث عن الجنك، رفعوا قلعهم وذهبوا، ومعهم جميع متاعي وغلماني وجواري، وبقيت منفرداً على الساحل، ليس معي إلا فتى كنت أعتقته. فلما رأى ما حل بي ذهب عني، ولم يبق عندي إلا العشرة الدنانير التي أعطانيها الجوكي، والبساط الذي كنت أفترشه. وأخبرني الناس أن ذلك الككم لا بد له أن يدخل مرسى كولم، فعزمت على السفر إليها، وبينهما مسيرة عشر في البر أو في النهر أيضاً لمن أراد ذلك. فسافرت في النهر، واكتريت رجلاً من المسلمين يحمل لي البساط. وعادتهم إذا سافروا في ذلك النهر أن ينزلوا بالعشي فيبيتوا بالقري التي على حافتيه، ثم يعودوا إلى المركب بالغدو. فكنا نفعل ذلك. ولم يكن بالمركب مسلم إلا الذي اكتريته، وكان يشرب الخمر عند الكفار إذا نزلنا، ويعربد علي، فيزيد خاطري. ووصلنا في اليوم الخامس من سفرنا إلى كنجي كري " وضبط اسمها بكاف مضموم ونون ساكن وجيم وياء مد وكاف مفتوح وراء مسكور وياء "، وهي بأعلى جبل هنالك. يسكنها اليهود، ولهم أمير منهم، ويؤدون الجزية لسلطان كولم.
    ● [ ذكر القرفة والبقم ] ●

    وجميع الأشجار التي على هذا النهر أشجار القرفة والبقم، وهي حطبهم هنالك. ومنها كنا نقد النار لطبخ طعامنا في ذلك الطريق. وفي اليوم العاشر وصلنا إلى مدينة كولم " وضبط اسمها بفتح الكاف واللام وبينهما واو "، وهي أحسن بلاد المليبار، وأسواقها حسان، وتجارها يعرفون بالصوليين. " بضم الصاد " لهم أموال عريضة "، يشتري أحدهم المركب بما فيه، ويوسقه من داره بالسلع. وبها من التجار المسلمين جماعة، كبيرهم علاء الدين الآوجي من أهل آوة، من بلاد العراق. وهو رافضي، ومعه أصحاب له على مذهبه، وهو يظهرون ذلك. وقاضيها فاضل من أهل قزوين. وكبير المسلمين بها محمد شاه بندر، وله أخ فاضل كريم اسمه تقيي الدين. والمسجد الجامع بها عجيب، عمره التاجر خواجه مهذب. وهذه المدينة أول ما يوالي الصين من بلاد المليبار، وإليها يسافر أكثرهم. والمسلمون بها أعزة محترمون.
    ● [ ذكر سلطان كولم ] ●

    وهو كافر يعرف بالتيروري " بكسر التاء المعلوة وياء مد وراء وواو مفتوحين وراء مكسورة وياء " وهو معظم للمسلمين. وله أحكام شديدة على السراق والدعار.
    حكاية
    ومما شاهدت بكولم أن بعض الرماة العراقيين قتل آخر منهم، وفر إلى دار الآوجي، وكان له مال كثير، وأراد المسلمون دفن المقتول، فمنعهم نواب السلطان من ذلك، وقالوا: لا يدفن حتى تدفعوا لنا قاتله فيقتل به. وتركوه في تابوته على باب الآوجي، حتى أنتن وتغير. فمكنهم الآوجي من القاتل، ورغب منهم أن يعطيهم أمواله، ويتركوه حياً، فأبوا ذلك وقتلوه. وحينئذ دفن المقتول.
    حكاية
    أخبرت أن السلطان كولم ركب يوماً إلى خارجها، وكان طريقه فيما بين البساتين، ومعه صهره زوج بنته، وهو من أبناء الملوك، فأخذ حبة واحدة من العنبة سقطت من بعض البساتين. وكان السلطان ينظر إليه فأمر به عند ذلك، فوسط، وقسم نصفين، وصلب نصفه عن يمين الطريق، ونصفه الآخر عن يساره، وقسمت حبة العنبة نصفين، فوضع على كل نصفٍ منه نصف منها، وترك هنالك عبرة للناظرين.
    حكاية
    ومما اتفق نحو ذلك بقالقوط أن ابن أخي النائب عن سلطانها غصب سيفاً لبعض تجار المسلمين فشكا بذلك إلى ابن عمه، فوعده بالنظر في أمره، وقعد على باب داره. فإذا بابن أخيه متقلد ذلك السيف. فدعاه، فقال: هذا سيف المسلم ? قال: نعم. قال: اشتريته منه ? قال: لا. فقال لأعوانه: أمسكوه. ثم أمر به. فضربت عنقه بذلك السيف. وأقمت بكولم مدة بزاوية الشيخ فخر الدين ابن الشيخ شهاب الدين الكازروني، شيخ زاوية قالقوط، فلم أتعرف للككم خبراً. وفي أثناء مقامي بها، دخل إليها أرسال ملك الصين الذين كانوا معنا، وكانوا مع أحد تلك الجنوك، فانكسر أيضاً، فكساهم تجار الصين، وعادوا إلى بلادهم، ولقيتهم بها بعد. وأردت أن أعود من كولم إلى السلطان لأعلمه بما اتفق على الهدية، ثم خفت أن يتعقب فعلي ويقول: لم فارقت الهدية ? فعزمت على العودة إلى السلطان جمال الدين الهنوري، وأقيم عنده، حتى أتعرف خبر الككم، فعدت إلى قالقوط، ووجدت بها بعض مراكب السلطان. فبعث فيها أميراً من العرب يعرف بالسيد أبي الحسن، وهو من البردارية، وهم خواص البوابين، بعثه السلطان بأموال يستجلب بها من قدر عليه من العرب من أرض هرمز والقطيف لمحبته في العرب، فتوجهت إلى هذا الأمير، ورأيته عازماً على أن يشتو بقالقوط، وحينئذ يسافر إلى بلاد العرب. فشاورته في العودة إلى السلطان فلم يوافق على ذلك. فسافرت بالبحر من قالقوط، وذلك آخر فصل السفر فيه. فكنا نسير نصف النهار الأول ثم نرسو إلى الغد. ولقينا في طريقنا أربعة أجفان غزوية. فخفنا منها، ثم لم يتعرضوا لنا بشر. ووصلنا إلى مدينة هنور، فنزلت إلى السلطان، وسلمت عليه. فأنزلني بدار، ولم يكن لي خديم. وطلب مني أن أصلي معه الصلوات. فكان أكثر جلوسي في مسجده. وكنت أختم القرآن كل يوم، ثم كنت أختم مرتين في اليوم. أبتدئ القراءة بعد صلاة الصبح فأختم عند الزوال، وأجدد الوضوء وأبتدء القراءة فأبتدئ الختمة الثانية عند الغروب. ولم أزل كذلك مدة ثلاثة أشهر، واعتكفت فيها أربعين يوماً.
    ● [ ذكر توجهنا إلى الغزو وفتح سندابور ] ●

    وكان السلطان جمال الدين قد جهز اثنين وخمسين مركباً وسفرته برسم غزو سندابور. وكان وقع بين سلطانها وولده خلاف، فكتب ولده إلى السلطان جمال الدين أن يتوجه لفتح سندابور، ويسلم الولد المذكور، ويزوجه السلطان أخته. فلما تجهزت المراكب، ظهر لي أن أتوجه فيها إلى الجهاد. ففتحت المصحف أنظر فيه، فكان في أول الصفح يذكر فيه اسم الله كثيراً " ولينصرن الله من ينصره " فاستبشرت بذلك. وأتى السلطان إلى صلاة العصر، فقلت له: إني أريد السفر. فقال: فأنت إذاً تكون أميرهم. فأخبرته بما خرج لي في أول الصفح، فأعجبه ذلك، وعزم على السفر بنفسه. ولم يكن ظهر له ذلك من قبل، فركب مركباً منها، وأنا معه، وذلك في يوم السبت. فوصلنا عشي الاثنين إلى سندابور، ودخلنا خورها، فوجدنا أهلها مستعدين للحرب، وقد نصبوا المجانيق. فبتنا عليها تلك الليلة. فلما أصبح ضربت الطبول والأنفار والأبواق، وزحفت المراكب، ورموا عليها بالمجانيق. فلقد رأيت حجراً أصاب بعض الواقفين بمقربة من السلطان. ورمى أهل المراكب أنفسهم في الماء، وبأيديهم الترسة والسيوف. ونزل السلطان إلى العكيري، وهو شبه الشلير، ورميت بنفسي في الماء في جملة الناس. وكان عندنا طريدتان مفتوحتا المواخر، فيها الخيل. وهي بحيث يركب الفارس فرسه في جوفها ويتدرع ويخرج. ففعلوا ذلك. وأذن الله في فتحها، وأنزل النصر على المسلمين فدخلنا بالسيف، ودخل معظم الكفار في قصر سلطانها. فرمينا النار فيه فخرجوا، وقبضنا عليهم. ثم إن السلطان أمنهم، ورد لهم نساءهم وأولادهم، وكانوا نحو عشرة آلاف، وأسكنهم بربض المدينة. وسكن السلطان القصر، وأعطى الديار بمقربة منه لأهل دولته، وأعطاني جارية منهن، تسمى بلكي، فسميتها مباركة. وأراد زوجها فداءها فأبيت، وكساني فرجية مصرية، وجدت في خزائن الكافر. وأقمت عنده بسندابور من يوم فتحها، وهو الثالث عشر لجمادى الأولى إلى منتصف شعبان. وطلبت منه الاذن في السفر، فأخذ علي العهد في العودة إليه. وسافرت في البحر إلى هنور، ثم إلى فاكنور، ثم إلى منجرور، ثم إلى هيلي، ثم إلى جرفتن وده فتن وبدفتن وفندرينا وقالقوط، وقد تقدم ذكر جميعها، ثم إلى مدينة الشاليات، " وهي بالشين المعجم والف ولام وياء آخر الحروف وألف وتاء معلوة "، مدينة من حسان المدن، تصنع بها الثياب المنسوبة لها. وأقمت بها، فطال مقامي، فعدت إلى قالقوط. ووصل إليها غلامان كانا لي بالككم، فأخبراني أن الجارية التي كانت حاملاً، وبسببها كان تغير خاطري توفيت وأخذ صاحب الجاوة سائر الجواري، واستولت الأيدي على المتاع، وتفرق أصحابي إلى الصين والجاوة وبنجالة فعدت لما تعرفت هذا، إلى هنور ثم إلى سندابور، فوصلتها في آخر المحرم، وأقمت بها إلى الثاني من شهر ربيع الآخر. وقدم سلطانهم الكافر الذي دخلنا عليه برسم أخذها، وهرب إليه الكفار كلهم. وكانت عساكر السلطان متفرقة في القرى، فانقطعوا عنا، وحصرنا الكفار وضيقوا علينا. ولما اشتد الحال خرجت عنها، وتركتها محصورة، وعدت إلى قالقوط، وعزمت على السفر إلى ذيبة المهل، وكنت أسمع بأخبارها. فبعد عشرة أيام من ركوبنا البحر بقالقوط وصلنا جزائر ذيبة المهل، وذيبة على لفظ مؤنث الذيب، والمهل " بفتح الميم والهاء ". وهذه الجزائر إحدى عجائب الدنيا، وهي نحو ألفي جزيرة، ويكون منها مائة فما دونها مجتمعات مستديرة كالحلقة، لها مدخل كالباب، لا تدخل المراكب إلا منه. وإذا وصل المركب إلى إحداها فلا بد له من دليل من أهلها يسير به إلى سائر الجزائر. وهي من التقارب بحيث تظهر رؤوس النخل التي بإحداها عند الخروج من الأخرى، فإن أخطأ المركب سمتها، لم يمكنه دخولها، وحملته الريح إلى المعبر أو سيلان. وهذه الجزائر أهلها كلهم مسلمون ذوو ديانة وصلاح. وهي منقسمة إلى أقاليم، على كل إقليم والٍ يسمونه الكردوبي. ومن أقاليمها إقليم بالبور " وهو بباءين معقودتين وكسر اللام وآخره راء "، ومنها كنلوس " بفتح الكاف والنون مع تشديدها وضم اللام وواو وسين مهمل "، ومنها إقليم المهل، وبه تعرف الجزائر كلها. وبها يسكن سلاطينها. ومنها إقليم تلاديب " بفتح التاء المعلوة واللام والف ودال مهمل وباء مد وباء موحدة "، ومنها إقليم كارايدو " بفتح الكاف وسكون الياء المسفولة وضم الدال المهمل وواو "، منها إقليم التيم " بفتح التاء المعلوة وسكون الياء المسفولة "، ومنها إقليم تلدمتي " بفتح التاء المعلوة الاول واللام وضم الدال المهمل وفتح الميم وتشديدها وكسر التاء الأخرى وياء "، ومنها إقليم هلدمتي، وهو مثل اللفظ الذي قبله إلا ان الهاء أوله، ومنها إقليم برويدو " بفتح الباء الموحدة والراء وسكون الياء وضم الدال المهمل وواو "، ومنها إقليم كندكل " بفتح الكافين والدال المهمل ولام "، ومنها إقليم ملوك " بضم الميم، ومنها إقليم السويد "بالسين المهمل "، وهو أقصاها. وهذه الجزائر كلها لا زرع بها، إلا أن في إقليم السويد منها زرعاً يشبة أتلي، ويجلب منه إلى المهل. وإنما أكل أهلها سمك يشبه الليرون، يسمونه قلب الماس "بضم القاف"، ولحمه أحمر، ولا زفر له، إنما ريحه كريح لحم الأنعام، وإذا اصطادوه قطعوا السمكة منه أربع قطع، وطبخوه يسيراً ثم جعلوه في مكائيل من سعف النخل، وعلقوه للدخان. فإذا استحكم يبسه أكلوه. ويحمل منها إلى الهند والصين واليمن، ويسمونه قلب الماس " بضم القاف ".
    ● [ ذكر أشجارها ] ●

    ومعظم أشجار هذه الجزائر النارجيل، وهو من أقواتهم مع السمك، وقد تقدم ذكره. وأشجار النارجيل شأنها عجيب. وتثمر النخل منها اثنى عشر عذقاً في السنة، يخرج في كل شهر عذق، فيكون بعضها صغيراً وبعضها كبيراً وبعضها يابساً وبعضها أخضر، هكذا أبداً. ويصنعون منها الحليب والزيت والعسل، حسب ما ذكرنا لك في السفر الأول. ويصنعون من عسله الحلواء، فيأكلونها مع الجوز اليابس منه. ولذلك كله، وللسمك الذي يغتذون به قوة عجيبة في الباءة، لا نظير لها. ولأهل هذه الجزائر عجب في ذلك. ولقد كان لي بها أربع نسوة وجوار سواهن، فكنت أطوف على جميعهن كل يوم، وأبيت عند من تكون ليلتها. وأقمت بها سنة ونصف أخرى على ذلك. ومن أشجارها الجموح والأترج والليمون والقلقاص، وهم يصنعون من أصوله دقيقاً يعملون منه شبه الأطرية، ويطبخونها بحليب النارجيل، وهي من أطيب الطعام. كنت أستحسنها كثيراً وآكلها.
    ● [ ذكر أهل هذه الجزائر وبعض عوائدهم ] ●
    وذكر مساكنهم

    وأهل هذه الجزائر أهل صلاح وديانة وإيمان صحيح ونية صادقة، أكلهم حلال، دعاؤهم مجاب. وإذا رأى الإنسان أحدهم قال له: الله ربي ومحمد نبيي وأنا أمي مسكين. وأبدانهم ضعيفة، ولا عهد لهم بالقتال والمحاربة، وسلاحهم الدعاء. ولقد أمرت مرة بقطع يد سارق بها، فغشي على جماعة منهم كانوا بالمجلس. ولا تطرقهم لصوص الهند، ولا تذرعهم لأنهم جربوا أن من أخذ لهم شيئاً أصابته مصيبة عاجلة. وإذا أتت أجفان العدو إلى ناحيتهم أخذوا من وجدوا من غيرهم، ولم يتعرضوا لأحد منهم بسوء. وإن أخذ أحد الكفار، ولو ليمونة، عاقبه أمير الكفار وضربه الضرب المبرح، خوفاً من عاقبة ذلك. ولولا هذا لكانوا أهون الناس على قاصدهم بالقتال لضعف بنيتهم. وفي كل جزيرة من جزائرهم المساجد الحسنة، وأكثر عمارتهم بالخشب. وهم أهل نظافة وتنزه عن الأقذار. وأكثرهم يغتسلون مرتين في اليوم تنظفاً لشدة الحر بها، وكثرة العرق. ويكثرون من الأدهان العطرية كالصندلية وغيرها، ويتلطخون بالغالية المجلوبة من مقدشو. ومن عادتهم أنهم إذا صلوا الصبح أتت كل امرأة إلى زوجها أو ابنها بالمكحلة وماء الورد ودهن الغالية، فيكحل عينيه، ويدهن بماء الورد ودهن الغالية، فتصقل بشرته، وتزيل الشحوب عن وجهه. ولباسهم فوط، يشدون الفوطة منها على أوساطهم عوض السراويل، ويجعلون على ظهورهم ثياب الوليان " بكسر الواو وسكون اللام وياء " وهي شبه الأحاريم. وبعضهم يجعل عمامة، وبعضهم منديلاً صغيراً عوضاً منها. وإذا لقي أحدهم القاضي أو الخطيب، وضع ثوبه على كتفيه، وكشف ظهره، ومضى معه كذلك، حتى يصل إلى منزله. ومن عوائدهم أنه إذا تزوج الرجل منهم، ومضى إلى دار زوجته، بسطت له ثياب القطن من باب دارها إلى باب البيت، وجعل عليها غرفات من الودع عن يمين طريقه إلى البيت وشماله، وتكون المرأة واقفة عند باب البيت تنتظره. فإذا وصل إليها رمت على رجليه ثوباً يأخذه خدامه، وإن كانت المرأة هي التي تأتي إلى منزل الرجل بسطت داره، وجعل فيها الودع، ورمت المرأة عند الوصول إليه الثوب على رجليه. وكذلك عادتهم في السلام على السلطان عندهم، لا بد من ثوب يرمى عند ذلك، وسنذكره.
    وبنيانهم بالخشب، ويجعلون سطوح البيوت مرتفعة عن الأرض توقياً من الرطوبات، لأن أرضهم ندية. وكيفية ذلك أن ينحتوا حجارة يكون طول الحجر منها ذراعين أو ثلاثة، ويجعلونها صفوفاً، ويعرضون عليها خشب النارجيل، ثم يصنعون الحيطان من الخشب. ولهم صناعة عجيبة في ذلك، ويبنون في إسطوان الدار بيتاً يسمونه المالم " بفتح اللام "، يجلس الرجل به مع أصحابه، ويكون له بابان: أحدهما إلى جهة الأسطوان يدخل منه الناس، والآخر إلى جهة الدار يدخل منه صاحبها. ويكون عند هذا البيت خابية مملوءة ماء، ولها مستقى، يسمونه الوالنج " بفتح الواو واللام وسكون النون وجيم "، هو من قشر جوز النارجيل، وله نصاب، طوله ذراعان. وبه يسقون الماء من الآبار لقربها. وجميعهم حفاة الأقدام من رفيع ووضيع، وأزقتهم مكنوسة نقية، تظللها الأشجار. فالماشي بها كأنه في بستان. ومع ذلك لا بد لكل داخل إلى الدار أن يغسل رجليه بالماء الذي في الخابية بالمالم، ويمسحها بحصير غليظ من الليف، يكون هنالك، ثم يدخل بيته. وكذلك يفعل كل داخل إلى المسجد.
    ومن عوائدهم إذا قدم عليهم مركب، أن تخرج إليه الكنادر، وهي القوارب الصغار، واحدها كندرة " بضم الكاف والدال ". وفيها أهل الجزيرة معهم التنبول أو الكرنبة، وهو جوز النارجيل الأخضر، فيعطي الإنسان منهم ذلك لمن شاء من أهل المركب، ويكون نزيله، ويحمل أمتعته إلى داره، كأنه بعض أقربائه. ومن أراد التزوج من القادمين عليهم تزوج. فإذا حان سفره، طلق المرأة لأنهن لا يخرجن عن بلادهن. ومن لم يتزوج، فالمرأة التي ينزل بدارها، تطبخ له وتخدمه وتزوده إذا سافر، وترضى منه في مقابلة ذلك بأيسر شيء من الإحسان. وفائدة المخزن، ويسمونه البندر، أن يشتري من كل سلعة بالمركب حظاً بسوم معلوم، سواء كانت السلعة تساوي ذلك أو أكثر منه، ويسمونه شرع البندر. ويكون للبندر بيت في كل جزيرة من الخشب، يسمونه البجنصار " بفتح الباء الموحدة والجيم وسكون النون وفتح الصاد المهمل وآخره راء "، يجمع به الوالي وهو الكردوري جميع سلعه، ويبيع بها ويشتري. وهم يشترون الفخار إذا جلب إليهم بالدجاج. فتباع عندهم القدر بخمس دجاجات وست، وتحمل المراكب من هذه الجزائر السمك الذي ذكرناه وجوز النارجيل والفوط والوليان والعمائم، وهي من القطن، ويحملون منها أواني النحاس. فإنها عندهم كثيرة، ويحملون الودع، ويحملون القنبر "بفتح القاف وسكون النون وفتح الباء الموحدة والراء "، وهو ليف جوز النارجيل. وهم يدبغونه في حفر على الساحل، ثم يضربونه بالمرازب، ثم تغزله النساء، وتصنع منه الحبال لخياطة المراكب، وتحمل إلى الصين والهند واليمن، وهو خير من القنب. وبهذه الحبال تخاط مراكب الهند واليمن، لأن ذلك البحر كثير الحجارة، فإن كان المركب مسمراً بمسامير الحديد صدم الحجارة فانكسر، وإذا كان مخيطاً بالحبال أعطى الرطوبة فلم ينكسر. وصرف أهل الجزائر الودع، وهو حيوان يلتقطونه في البحر، ويضعونه في حفر هنالك، فيذهب لحمه، ويبقى عظمه أبيض، ويسمون المائة منه سياه " بسين مهمل وياء آخر الحروف "، ويسمون السبعمائة منه الفال " بالفاء "، ويسمون الثني عشر ألفاً منه الكتي " بضم الكاف وتشديد التاء المعلوة "، ويسمون المائة ألف منه بستو " بضم الباء الموحدة والتاء المعلوة وبينهما سين مهمل"، ويباع بها بقيمة أربعة بساتي بدينار من الذهب، وربما رخص حتى يباع عشر بساتي منه بدينار. ويبيعونه من أهل بنجالة بالأرز، وهو أيضاً صرف أهل بلاد بنجالة. ويبيعونه من أهل اليمن، فيجعلونه عوض الرمل في مراكبهم. وهذا الودع أيضاً هو صرف السودان في بلادهم، رأيته يباع بمالي وجوجو بحساب ألف وخمسين للدينار الذهبي.
    ● [ ذكر نسائها ] ●

    ونساؤها لا يغطين رؤوسهن، ولا سلطانتهم تغطي رأسها. ويمشطن شعورهن، ويجمعنها إلى جهة واحدة. ولا يلبسن أكثرهن إلا فوطة واحدة تسترها من السرة إلى أسفل، وسائر أجسادهن مكشوفة. وكذلك يمشين في الأسواق وغيرها. ولقد جهدت لما وليت القضاء بها أن أقطع تلك العادة وآمرهن باللباس، فلم أستطع ذلك. فكنت لا تدخل إلي منهن امرأة في خصومة إلا مسترة الجسد، وما عدا ذلك لم تكن عليه قدرة. ولباس بعضهن قمص زائدة على الفوطة، وقمصهن قصار الأكمام عراضها. وكان لي جوارٍ كسوتهن لباس أهل دهلي يغطين رؤوسهن، فعابهن ذلك أكثر ما زانهن إذ لم يتعودنه. وحليهن الأساور وتجعل المرأة منها جملة في ذراعيها، بحيث تملأ ما بين الكوع والمرفق، وهي من الفضة. ولا تحمل أساور الذهب إلا نساء السلطان وأقاربه. ولهن الخلاخيل، ويسمونها البايل " بباء موحدة والف وياء آخر الحروف مكسورة "، وقلائد ذهب يجعلنها على صدورهن، ويسمونها البسدر " بالباء الموحدة وسكن السين المهمل وفتح الدال المهمل والراء ". ومن عجيب أفعالهن أنهن يؤجرن أنفسهن للخدمة بالديار على عدد معلوم من خمسة دنانير فما دونها. وعلى مستأجرهن نفقتهن، ولا يرين ذلك عيباً، ويفعله أكثر بناتهم. فتجد في دار الإنسان الغني منهن العشرة والعشرين. وكل ما تكسره من الأواني يحسب عليها قيمته. وإذا أرادت الخروج من دار إلى دار أعطاها أهل الدار التي تخرج إليها العدد الذي هي مرتهنة فيه، فتدفعه لأهل الدار التي خرجت منها، ويبقى عليها للآخرين. وأكثر شغل هؤلاء المسأجرات غزل القنبر. والتزوج بهذه الجزائر سهل، لنزارة الصداق وحسن معاشرة النساء. وأكثر الناس لا يسمي صداقاً، إنما تقع الشهادة، ويعطى صداق مثلها. وإذا قدمت المراكب تزوج أهلها النساء، فإذا أرادوا السفر طلقوهن، وذلك نوع من نكاح المتعة. وهن لا يخرجن عن بلادهن أبداً. ولم أر في الدنيا أحسن معاشرة منهن. ولا تكل المرأة عندهم خدمة زوجها لسواها، بل هي تأتيه بالطعام، وترفعه بين يديه، وتغسل يده، وتأتيه بالماء للوضوء، وتغم رجليه عند النوم. ومن عوائدهن أن لا تأكل المرأة مع زوجها، ولا يعلم الرجل ما تأكله المرأة. ولقد تزوجت بها نسوة، فأكل معي بعضهن بعد محاولة، وبعضهن لم تأكل معي، ولا استطعت أن أراها تأكل، ولا نفعتني حيلة في ذلك.
    ● [ ذكر السبب في إسلام هذه الجزائر ] ●
    وذكر العفاريت من الجن التي تضربها في كل شهر

    حدثني الثقات من أهلها كالفقيه عيسى اليمني، والفقيه المعلم علي، والقاضي عبد الله وجماعة سواهم، أن أهل هذه الجزائر كانوا كفاراً، وكان يظهر لهم في كل شهر عفريت من الجن، يأتي ناحية البحر، كأنه مركب مملوء بالقناديل. وكانت عادتهم إذا رأوه، أخذوا جارية بكرأ فزينوها وأدخلوها إلى بدخانة. وهي بيت الأصنام، وكان مبنياً على ضفة البحر، وله طاق ينظر إليه، ويتركونها هنالك ليلة، ثم يأتون عند الصباح فيجدونها مفتضة ميتة. ولا يزالون في كل شهر يقترعون بينهم، فمن أصابته القرعة أعطى بنته. ثم إنهم قدم عليهم مغربي يسمى بأبي البركات البربري، وكان حافظاُ للقرآن العظيم، فنزل بدار عجوز منهم بجزيرة المهل، فدخل عليها يوماً، وقد جمعت أهلها، وهن يبكين كأنهن في مأتم. فاستفهمهن عن شأنهن، فلم يفهمنه. فأتى ترجمان فأخبره أن العجوز كانت القرعة عليها، وليس لها إلا بنت واحدة، يقتلها العفريت. فقال لها أبو البركات: أنا أتوجه عوضاً من بنتك بالليل. وكان سناطاً، لا لحية له، فاحتملوه تلك الليلة، وأدخلوه إلى بدخانة، وهو متوضئ. وأقام يتلو القرآن، ثم ظهر له العفريت من الطاق، فداوم التلاوة، فلما كان منه بحيث يسمع القراءة غاص في البحر. وأصبح المغربي، وهو يتلو على حاله. فجاءت العجوز وأهلها وأهل الجزيرة، ليستخرجوا البنت على عادتهم فيحرقوها، فوجدوا المغربي يتلو، فمضوا به إلى ملكهم، وكان يسمى شنورازة " بفتح الشين المعجم وضم النون وواو وراء والف وزاي وهاء "، وأعلموه بخبره، فعجب. وعرض المغربي عليه الإسلام، ورغبه فيه. فقال له أقم عندنا إلى الشهر الآخر، فإن فعلت كفعلك، ونجوت من العفريت أسلمت. فأقام عندهم. وشرح الله صدر الملك للإسلام فأسلم قبل تمام الشهر، وأسلم أهله وأولاده وأهل دولته. ثم حمل المغربي لما دخل الشهر إلى بدخانة، ولم يأت العفريت، فجعل يتلو حتى الصباح. وجاء السلطان والناس معه فوجدوه على حاله من التلاوة، فكسروا الأصنام، وهدموا بدخانة، وأسلم أهل الجزيرة، وبعثوا إلى سائر الجزائر فأسلم أهلها. وأقام المغربي عندهم معظماً، وتمذهبوا بمذهبه مذهب الإمام مالك رضي الله عنه. وهم إلى هذا العهد يعظمون المغاربة بسببه، وبنى مسجداً هو معروف باسمه، وقرأت على مقصورة الجامع منقوشاً في الخشب أسلم السلطان أحمد شنورازة على يد أبي البركات البربري المغربي. وجعل ذلك السلطان ثلث مجابي الجزائر صدقة على أبناء السبيل، إذ كان إسلامه بسببهم. فسمي على ذلك حتى الآن. وبسبب هذا العفريت خرب من هذه الجزائر كثير قبل الإسلام.
    ولما دخلناها لم يكن لي علم بشأنه. فبينا أنا ذات ليلة في بعض شأني، إذ سمعت الناس يجهرون بالتهليل والتكبير، ورأيت الأولاد، وعلى رؤوسهم المصاحف، والنساء يضربن في الطسوت وأواني النحاس. فعجبت من فعلهم، وقلت ما شأنكم ? فقالوا: ألا تنظر إلى البحر ? فنظرت فإذا مثل المركب الكبير، وكأنه مملوء سرجاً ومشاعل. فقالوا: ذلك العفريت، وعادته أن يظهر مرة في الشهر. فاذا فعلنا ما رأيت انصرف عنا ولم يضرنا.
    ● [ ذكر سلطانة هذه الجزائر ] ●

    ومن عجائبها أن سلطانتها امرأة، وهي خديجة بنت السلطان جلال الدين عمر ابن السلطان صلاح الدين صالح البنجالي. وكان الملك لجدها ثم لأبيها، فلما مات أبوها ولي أخوها شهاب الدين، وهو صغير السن. فتزوج الوزير عبد الله ابن محمد الحضرمي أمه، وغلب عليه، وهو الذي تزوج أيضاً هذه السلطانة خديجة بعد وفاة زوجها الوزير جمال الدين، كما سنذكره. فلما بلغ شهاب الدين مبلغ الرجال، أخرج ربيبه الوزير عبد الله، ونفاه إلى جزائر السويد. واستقل بالملك، واستوزر أحد مواليه، ويسمى علي كلكي، ثم عزله بعد ثلاثة أعوام، ونفاه إلى السويد. وكان يذكر عن السلطان شهاب الدين المذكور أنه يختلف إلى حرم أهل دولته وخواصه بالليل، فخلعوه لذلك ونفوه إلى إقليم هلدتني، وبعثوا من قتله بها. ولم يكن بقي من بيت الملك إلا أخواته خديجة الكبرى ومريم وفاطمة، فقدموا خديجة سلطانة، وكانت متزوجة لخطيبهم جمال الدين، فصار وزيراً وغالباً على الأمر، وقدم ولده محمداً للخطابة عوضاً منه. ولكن الأوامر إنما تنفذ باسم خديجة. وهم يكتبون الأوامر في سعف النخل بحديدة معوجة شبه السكين. ولا يكتبون في الكاغد إلا المصاحف وكتب العلم، ويذكرها الخطيب يوم الجمعة، وغيرها، فيقول: اللهم انصر أمتك التي اخترتها على علم على العالمين، وجعلتها رحمة لكافة المسلمين، ألا وهي السلطانة خديجة بنت السلطان جلال الدين ابن السلطان صلاح الدين. ومن عادتهم إذا قدم الغريب عليهم، ومضى إلى المشور، وهم يسمونه الدار، فلا بد له أن يستصحب ثوبين، فيخدم لجهة هذه السلطانة، ويرمي بأحدهما، ثم يخدم لوزيرها، وهو زوجها جمال الدين، ويرمي بالثاني. وجندها نحو ألف نفر من الغرباء، وبعضهم بلديون. ويأتون كل يوم إلى الدار، فيخدمون وينصرفون. ومرتبهم الأرز يعطاهم من البندر في كل شهر، فإذا تم الشهر أتوا الدار، وخدموا، وقالوا للوزير: بلغ عنا الخدمة، واعلم بأنا أتينا بطلب مرتبنا. فيؤمر لهم به عند ذلك. ويأتي أيضاً إلى الدار كل يوم القاضي وأرباب الخطط، وهم الوزراء عندهم، فيخدمون، ويبلغ خدمتهم الفتيان، وينصرفون.

    من سلطان جرفتن الى سلطانة الجزائر Fasel10

    رحلات إبن بطوطة
    الجزء الثانى
    منتدى توتة وحدوتة - البوابة
    من سلطان جرفتن الى سلطانة الجزائر E110


      الوقت/التاريخ الآن هو الجمعة نوفمبر 22, 2024 2:51 pm