من طرف بص وطل الجمعة يناير 11, 2019 8:28 pm
بّسم الله الرّحمن الرّحيم
مكتبة الحديث الشريف
جامع العلوم والحكم
● [ الحديث الخامس والعشرون ] ●
عَنْ أبي ذَرٍّ - رضي الله عنه - : أنَّ ناساً مِنْ أصْحَابِ رسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قالُوا لِلنَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - :
يا رَسُولَ اللهِ ذَهَبَ أهْلُ الدُّثُورِ بالأجورِ ، يُصلُّونَ كَما نُصَلِّي ، ويَصومُونَ كَمَا نَصُومُ ، ويتَصدَّقُونَ بفُضُولِ أموالِهمْ ، قال : ( أوليسَ قد جعلَ اللهُ لَكُمْ ما تَصَّدَّقُونَ ؟ إنَّ بكُلِّ تَسبيحةٍ صَدقةً ، وكُلِّ تَكبيرةٍ صَدقَةً ، وكُلِّ تَحْمِيدةٍ صَدقةً ، وكُلِّ تَهْليلَةٍ صدقةً ، وأمْرٌ بِالمَعْروفِ صَدقَةٌ ، ونَهْيٌ عَنْ مُنكَرٍ صَدقَةٌ ، وفي بُضْعِ أحَدِكُم صَدقَةٌ ) . قالوا : يا رسولَ الله ، أيأتِي أحدُنا شَهْوَتَهُ ويكونُ لهُ فيها أجْرٌ ؟ قال : ( أرأيتُمْ لَوْ وَضَعَها في حَرَامٍ ، أكانَ عليهِ وِزْرٌ . فكذلك إذا وضَعَها في الحلالِ كانَ لهُ أَجْرٌ ).
رَواهُ مُسلمٌ(1) .
الشرح
هذا الحديث خرَّجه مسلم من رواية يحيى بن يعمر ، عن أبي الأسود الديلي ، عن أبي ذرٍّ - رضي الله عنه - ، وقد روي معناه عن أبي ذرٍّ من وجوهٍ كثيرةٍ بزيادةٍ ونقصانٍ ، وسنذكر بعضها فيما بعد إنْ شاء الله تعالى .
__________
(1) أخرجه : مسلم 2/158 ( 720 ) ( 84 ) و3/82 ( 1006 ) ( 53 ) .
وأخرجه : أحمد 5/167 و168 ، والبخاري في " الأدب المفرد " ( 227 ) ، وأبو داود ( 5243 ) و( 5244 ) ، والبزار ( 3917 ) ، وابن حبان ( 838 ) ، والبغوي في ( 1644 ) من طرق عن يحيى بن يعمر ، عن أبي الأسود ، عن أبي ذر - رضي الله عنه - ، به .
● [ الصفحة التالية ] ●
وفي هذا الحديث دليلٌ على أنَّ الصحابة - رضي الله عنهم - لِشدَّةِ حرصهم على الأعمال الصالحة ، وقوة رغبتهم في الخير كانوا يحزنون على ما يتعذر عليهم فعلُه من الخير ممَّا يقدر عليه غيرهم ، فكان الفقراء يَحزَنُونَ على فواتِ الصَّدقة بالأموال التي يَقدِرُ عليها الأغنياء، ويحزنون على التخلُّف عن الخروجِ في الجهاد ؛ لعدم القدرة على آلته، وقد أخبر الله عنهم بذلك في كتابه ، فقال : { وَلا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَناً أَلاَّ يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ } (1).
وفي هذا الحديث : أنَّ الفقراء غَبَطوا أهل الدُّثور - والدُّثور : هي الأموال(2) - بما يحصُلُ لهم مِنْ أجرِ الصدقة بأموالهم ، فدلَّهمُ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - على صدقاتٍ يقدِرُون عليها .
__________
(1) التوبة : 92 .
(2) انظر : النهاية 2/100 .
● [ الصفحة التالية ] ●
وفي " الصحيحين " (1) عن أبي صالحٍ ، عن أبي هريرة : أنَّ فقراءَ المهاجرين أتَوا النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - ، فقالوا : ذَهَبَ أهلُ الدُّثورِ بالدرجات العُلى والنعيمِ المقيمِ ، فقال : ( وما ذاك ؟ ) قالوا : يُصلُّون كما نُصلِّي ، ويصومون كما نصوم ، ويتصدَّقون ولا نتصدَّق ، ويَعتِقون ولا نَعتِق ، فقال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - : ( أفلا أُعَلِّمُكم شيئاً تُدرِكُونَ به مَنْ قد سَبَقَكُم ، وتسبِقونَ به من بَعدكم ، ولا يكون أحدٌ أفضلَ منكم إلا مَنْ صنع مثل ما صنعتم ؟ قالوا : بلى يا رسولَ الله ، قال : ( تُسبِّحونَ وتُكبِّرونَ وتحمَدُونَ دُبُرَ كلِّ صلاة ثلاثاً وثلاثين مرَّة ) ، قال أبو صالح : فرجع فقراءُ المهاجرين إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالوا : سمع إخواننا أهلُ الأموالِ بما فعلنا ففعلوا مثله ، فقال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - : { ذَلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ } (2).
وقد روي نحو هذا الحديث من رواية جماعة من الصحابة منهم : علي(3) ، وأبو ذر(4) ، وأبو الدرداء(5) ، وابن عمر(6) ، وابن عباس(7) ، وغيرهم .
__________
(1) صحيح البخاري 1/213 ( 843 ) و8/89 ( 6329 ) ، وصحيح مسلم 2/97 ( 595 ) ( 142 ) و( 143 ) من طريق أبي صالح ، عن أبي هريرة ، به .
(2) المائدة : 54 .
(3) أخرجه : البخاري 4/102 ( 3113 ) ، ومسلم 8/84 ( 2727 ) ( 80 ) .
(4) أخرجه : أحمد 5/154 ، والبخاري في " الأدب المفرد " ( 891 ) ، والترمذي ( 1956 ) ، والبزار ( 4070 ) .
(5) أخرجه : عبد الرزاق ( 3187 ) ، وابن أبي شيبة ( 29267 ) ، وأحمد 6/446 ، والبزار ( 3095 ) ، والنسائي في " الكبرى " ( 9976 ) و( 9977 ) .
(6) ذكره الهيثمي في " مجمع الزوائد " 10/101 ، وقال : ( رواه البزار ، وفيه موسى بن عبيدة الربذي وهو ضعيف ) .
(7) لم أقف على رواية ابن عباس .
● [ الصفحة التالية ] ●
ومعنى هذا أنَّ الفقراء ظنُّوا أنْ لا صدقةَ إلاَّ بالمال ، وهم عاجزون عن ذلك ، فأخبرهُم النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - أنَّ جميعَ أنواع فعلِ المعروف والإحسّان صدقة . وفي " صحيح مسلم "(1) عن حذيفة ، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، قال : ( كلُّ معروفٍ صدقةٌ ) . وخرَّجه البخاري(2) من حديث جابرٍ ، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - . فالصدقة تُطلق على جميع أنواع فعل المعروف والإحسّان ، حتَّى إنَّ فضل الله الواصل منه إلى عباده صدقة منه عليهم . وقد كان بعضُ السَّلف يُنكر ذلك ، ويقول : إنَّما الصَّدقةُ ممَّن يطلُبُ جزاءها وأجرَها ، والصَّحيحُ خلافُ ذلك ، وقد قال النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - في قصر الصَّلاة في السفر : ( صدقةٌ تصدَّقَ اللهُ بها عليكم ، فاقبلوا صدقتَه ) خرَّجه مسلم(3) ، وقال : من كانت له صلاةٌ بليلٍ ، فغلب عليه نومٌ فنام عنها ، كتب الله له أجرَ صلاتِه ، وكان نومُه صدقةً مِنَ الله تصدَّق بها عليه ) . خرَّجه النَّسائي وغيرُه من حديث عائشة(4) ، وخرَّجه ابن ماجه من حديث أبي الدرداء (5).
__________
(1) الصحيح 3/82 ( 1005 ) ( 52 ) .
(2) صحيح البخاري 8/13 ( 6021 ) .
(3) في " صحيحه " 2/143 ( 686 ) ( 4 ) .
(4) أخرجه : النسائي 3/257 و258 وفي " الكبرى " ، له ( 1457 ) و( 1458 ) .
وأخرجه : مالك في " الموطأ " ( 307 ) برواية يحيى الليثي ، وأبو داود ( 1314 ) ، والبيهقي 3/15 ، وابن عبد البر في " التمهيد " 12/261 من حديث عائشة ، به.
(5) في سننه ( 1344 ) .
● [ الصفحة التالية ] ●
وفي " مسندي "(1) بقي بن مخلد والبزار من حديث أبي ذرٍّ مرفوعاً : ( ما من يومٍ ولا ليلةٍ ولا ساعةٍ إلاَّ لله فيها صدقة يَمُنُّ بها على مَنْ يشاءُ مِنْ عباده ، وما منَّ الله على عبدٍ مثلَ أنْ يُلهِمَهُ ذكره ) .
وقال خالدُ بن معدان : إنَّ الله يتصدَّقُ كلَّ يوم بصدقة ، وما تصدَّق الله على أحدٍ من خلقِه بشيءٍ خيرٍ من أنْ يتصدَّق عليه بذكره(2) .
والصدقة بغير المال نوعان :
أحدهما : ما فيه تعدية الإحسّان إلى الخلق ، فيكون صدقةً عليهم ، وربما كان أفضلَ من الصدقة بالمال ، وهذا كالأمر بالمعروف ، والنَّهي عن المنكر ، فإنَّه دُعاءٌ إلى طاعة الله ، وكفٌّ عن معاصيه ، وذلك خيرٌ من النَّفع بالمال ، وكذلك تعليمُ العلم النافع ، وإقراءُ القرآن ، وإزالةُ الأذى عن الطريق ، والسعيُ في جلب النفع للناس ، ودفعُ الأذى عنهم ، وكذلك الدُّعاءُ للمسلمين والاستغفارُ لهم .
وخرَّج ابنُ مردويه بإسنادٍ فيه ضعفٌ عن ابن عمر مرفوعاً : ( مَنْ كانَ له مالٌ ، فليتصدَّق من ماله ، ومن كان له قوَّةٌ ، فليتصدَّق من قوَّته ، ومن كان له عِلمٌ ، فليتصدَّق من عِلْمِه ) ولعله موقوف(3) .
وخرَّج الطبراني(4)
__________
(1) أخرجه : البزار في " مسنده " ( 3890 ) ، وهو في " كشف الأستار " ( 694 ) ، والحديث ضعفه أبو حاتم الرازي كما في " العلل " لابنه ( 370 ) .
(2) أخرجه : أبو نعيم في " الحلية " 9/18 .
(3) أخرجه : هناد في " الزهد " ( 1083 ) عن زيد بن أسلم ، به ، مرفوعاً ، وهو ضعيف لإرساله ، وفي بعض رجال إسناده مقال .
(4) في " الكبير " ( 6962 ) ، وضعفه بسبب أبي بكر الهذلي . انظر : تهذيب الكمال 8/265 ( 7863 ) .
... وأخرجه : الطبراني في " مكارم الأخلاق " (131 ) ، والقضاعي في " مسند الشهاب "
( 1279 ) .
● [ الصفحة التالية ] ●
بإسنادٍ فيه ضعفٌ عن سَمُرَة ، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال : ( أفضلُ الصدقة اللسانُ ) قيل : يا رسول الله ، وما صدقةُ اللسان ؟ قال : ( الشفاعةُ تَفُكُّ بها الأسيرَ ، وتحقِنُ بها الدَّم ، وتَجُرُّ بها المعروف والإحسّان إلى أخيك ، وتدفع عنه الكريهة ) .
وقال عمرو بنُ دينار : بلغنا أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : ( ما مِنْ صدقةٍ أحبَّ إلى الله من قولٍ ، ألم تسمع إلى قوله تعالى : { قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذىً } (1) خرَّجه ابن أبي حاتم(2) .
وفي مراسيل الحسن(3) ، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - : ( إنَّ مِنَ الصَّدقة أنْ تسلِّم على النَّاس وأنت طليق الوجه ) . خرَّجه ابن أبي الدُّنيا .
وقال معاذ : تعليمُ العلم لمن لا يعلمه صدقةٌ ، وروي مرفوعاً(4) .
__________
(1) البقرة : 263 .
(2) في " تفسيره " ( 2734 ) عن معقل بن عبيد الله ، عن عمرو بن دينار ، به .
(3) والمرسل هو أحد أقسام الضعيف .
(4) هو في " مسند الربيع بن حبيب " ( 22 ) عن جابر بن زيد قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
( تعلموا العلم فإنَّ تعلمه قربة إلى الله عز وجل ، وتعليمه لمن لا يعلمه صدقة ، وإنَّ العلم لينزل بصاحبه في موضع الشرف والرفعة ، والعلم زين لأهله في الدنيا والآخرة …) على أنَّ هذا الكتاب غير ثابت عن مؤلفه فهو ملصق عليه ، بل جزم بعض الأفاضل من عصرنا أنَّ هذه الشخصية غير موجودة ، ولم تلد الأرحام هذا الرجل .
● [ الصفحة التالية ] ●
ومن أنواع الصدقة : كفُّ الأذى عن النَّاسِ ، ففي " الصحيحين "(1) عن أبي ذرٍّ قال : قلت : يا رسول الله أيُّ الأعمال أفضل ؟ قال : ( الإيمانُ والجهادُ في سبيله ) ، قلت : فأيُّ الرِّقاب أفضلُ ؟ قال : ( أنفسُها عندَ أهلها وأكثرها ثمناً ) قلت: فإنْ لم أفعل ؟ قال: ( تُعين صانعاً ، وتصنع لأخرقَ ) . قلتُ : يا رسولَ الله ، أرأيتَ إنْ ضَعُفْتُ عن بعض العمل ؟ قالَ : ( تكفُّ شرَّك عَن النَّاس ، فإنَّها صدقةٌ ) .
وقد رُوِيَ في حديث أبي ذرٍّ زياداتٌ أخرى ، فخرَّج الترمذي(2) من حديث أبي ذرٍّ، عنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قالَ : ( تبسُّمك في وجه أخيك لك صدقةٌ، وأمرُك بالمعروف، ونهيُك عن المنكر صدقةٌ ، وإرشادُك الرَّجُلَ في أرض الضَّلال لك صدقةٌ ، وإماطتُك الحجرَ والشَّوكَ والعظمَ عن الطَّريق لك صدقةٌ ، وإفراغُكَ من دلوِكَ في دلوِ أخيكَ لك صدقة ) .
وخرَّج ابن حبَّان في " صحيحه "(3) من حديث أبي ذرٍّ : أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : ( لَيْسَ من نفسِ ابنِ آدم إلاَّ عليها صدقةٌ في كلِّ يوم طلعت فيه الشَّمسُ ) . قيل : يا رسول الله ، ومن أين لنا صدقة نتصدَّقُ بها ؟ قالَ : ( إنَّ أبواب الخير لكثيرةٌ : التسبيحُ ، والتكبير ، والتحميد ، والتهليل ، والأمر بالمعروف ، والنَّهيُ عن المنكرِ ، وتميطُ الأذى عن الطَّريقِ ، وتُسمعُ الأصمَّ ، وتهدي الأعمى ، وتدُلُّ المستَدِلَّ على حاجته ، وتسعى بشدَّةِ ساقيكَ مع اللَّهفان المستغيثِ ، وتحمِلُ بشدّةِ ذراعيكَ مع الضَّعيف ، فهذا كُلُّه صدقةٌ منكَ على نفسك ) .
__________
(1) صحيح البخاري 3/188 ( 2518 ) ، وصحيح مسلم 1/62 ( 84 ) ( 136 ) .
(2) في " الجامع الكبير " ( 1956 ) .
(3) الإحسان ( 3377 ) ، وهو حديث صحيح .
● [ الصفحة التالية ] ●
وخرَّج الإمام أحمد(1) من حديث أبي ذرٍّ قال : قلتُ : يا رسولَ الله ، ذهبَ الأغنياءُ بالأجر ، يتصدَّقون ولا نتصدَّق ، قال : ( وأنت فيك صدقةٌ : رفعُك العظمَ عِنِ الطَّريقِ صَدقةٌ، وهدايتُكَ الطَّريقَ صدقةٌ ، وعونُكَ الضَّعيفَ بفضلِ قوَّتك صدقةٌ، وبيانُك عن الأغتَم صدقةٌ ، ومباضعتُك امرأتَك صدقةٌ ) ، قلت : يا رسول الله ، نأتي شهوتنا ونؤجر ؟! قالَ : ( أرأيت لو جعله في حرامٍ ، أكان يأثَمُ ؟ ) قالَ : قلتُ : نعم ، قالَ : ( أفتحتسبون بالشرِّ ولا تحتسبون بالخير ؟ ) وفي روايةٍ أخرى ، فقال النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - : ( إنَّ فيك صدقةً كثيرةً ، فذكر فضلَ سمعك وفضل بصرك ) وفي روايةٍ أخرى للإمام أحمد(2) : قال : ( إنَّ من أبواب الصدقةِ التَّكبير ، وسبحان الله ، والحمد لله ، ولا إله إلا الله ، وأستغفر الله ، وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر ، وتَعْزِلُ الشوكةَ عَنْ طريق الناس والعظم والحجر ، وتهدي الأعمى ، وتُسمع الأصمَّ والأبكم حتّى يفقَه ، وتدلُّ المستدلَّ على حاجةٍ له قد علمتَ مكانَها ، وتسعى بشدَّةِ ساقيك إلى اللَّهفان المستغيثِ ، وترفَعُ بشدَّة ذراعَيْكَ مَعَ الضَّعيف ، كلُّ ذلك من أبواب الصدقة منك على نفسك ، ولك في جماعِكَ زوجتك أجرٌ ) ، قلتُ : كيف يكونُ لي أجرٌ في شهوتي ؟ فقال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - : ( أرأيت لو كان لك ولدٌ ، فأدرك ورجوتَ خيرَه ، فمات ، أكنت تحتسب به ؟ قلت : نعم ، قال : فأنت خلقته ؟ قلت : بل الله خلقَه ، قال : فأنت هديته ؟ قلت : بل الله هداه ، قال : فأنت كنت ترزُقُه ؟ قلت : بل الله كان يرزُقُه ، قال : كذلك فضعه في حلاله وجنبه حرامه ، فإنْ شاء الله أحياه ، وإنْ شاءَ أماته ، ولك أجر ) .
__________
(1) في " مسنده " 5/154 ، وإسناده منقطع إلا أنَّ متن الحديث صحيح .
(2) سبق تخريجه .
● [ الصفحة التالية ] ●
وظاهرُ هذا السياق يقتضي أنَّه يُؤْجَرُ على جِماعِه لأهله بنيَّةِ طلب الولد الذي يترتَّبُ الأجر على تربيته وتأديبه في حياته ، ويحتسبه عند موته ، وأمَّا إذا لم يَنْوِ شيئاً بقضاءِ شهوته ، فهذا قد تنازع النَّاسُ في دخوله في هذا الحديث(1) .
وقد صحَّ الحديث بأنَّ نفقة الرجل على أهله صدقة ، ففي " الصحيحين "(2)
عن أبي مسعود الأنصاري ، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، قال : ( نفقةُ الرجل على أهله صدقةٌ ) . وفي روايةٍ لمسلم : ( وهو يحتسبها ) ، وفي لفظٍ للبخاري : ( إذا أنفقَ الرجلُ على أهله وهو يحتسبها ، فهو له صدقة ) ، فدل على أنّه إنَّما يؤجرُ فيها إذا احتسبها عند الله كما في حديث سعد بن أبي وقاص ، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، قال : ( إنَّك لن تُنفِقَ
نفقةً تبتغي بها وجهَ الله إلاَّ أُجِرْتَ عليها ، حتَّى اللُّقمة ترفعُها إلى في امرأتك ) خرَّجاه(3).
__________
(1) قال النووي - رحمه الله - : ( وفي هذا دليل على أنَّ المباحات تصير طاعات بالنيات الصادقات ، فالجماع يكون عبادة إذا نوى به قضاء حق الزوجة ومعاشرتها بالمعروف الذي أمر الله تعالى به ، أو طلب ولد صالح ، أو إعفاف نفسه ، أو إعفاف الزوجة ، ومنعهما جميعاً من النظر إلى حرام ، أو الفكر فيه ، أو الهم به ، أو غير ذلك من المقاصد الصالحة ) . شرح صحيح مسلم 4/100 .
(2) صحيح البخاري 1/21 ( 55 ) و5/105 ( 4006 ) و7/80 ( 5351 ) ، وصحيح مسلم 3/81 ( 1002 ) ( 48 ) .
(3) أخرجه : البخاري 4/3 ( 2742 ) و5/87 ( 3936 ) و5/225 ( 4409 ) و7/81 ( 5354 ) ، ومسلم 5/71 ( 1628 ) ( 5 ) .
● [ الصفحة التالية ] ●
وفي " صحيح مسلم "(1) عن ثوبان ، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، قال : ( أفضلُ الدنانير دينارٌ ينفقُه الرَّجُل على عيالِه ، ودينارٌ ينفقه على فرسٍ في سبيل الله ، ودينارٌ ينفقه الرجل على أصحابه في سبيل الله ) قال أبو قِلابة عند رواية هذا الحديث : بدأ بالعيال ، وأيُّ رجلٍ أعظمُ أجراً من رجلٍ ينفقُ على عيالٍ له صغار يُعِفُّهم الله به ، ويُغنيهم الله به .
وفيه أيضاً (2) عن سعد ، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، قال : ( إنَّ نفقتك على عيالِكَ صدقة ، وإنَّ ما تأكلُ امرأتُك من مالك صدقة ) . وهذا قد ورد مقيداً في الرواية الأخرى بابتغاء وجه الله . وفي " صحيح مسلم "(3) عن أبي هريرة ، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، قال : ( دينار أنفقتَه في سبيل الله ، ودينار أنفقته في رقبة ، ودينار تصدَّقت به على مسكينٍ ، ودينارٌ أنفقته على أهلك ، أفضلُها الدِّينارُ الذي أنفقته على أهلك ) .
وخرَّج الإمام أحمد(4) ، وابن حبان في " صحيحه "(5) من حديث أبي هُريرة قال : قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - : ( تصدَّقُوا ) ، فقال رجلٌ : عندي دينار ، فقال : ( تصدَّق به على نفسك ) قال : عندي دينارٌ آخر ، قال : ( تصدَّق به على زوجتك ) ، قال : عندي دينارٌ آخر ، قال : ( تصدَّق به على وَلَدِكَ ) ، قال : عندي دينارٌ آخرُ ، قال : ( تصدَّقْ به على خادمك ) ، قال : عندي دينارٌ آخر ، قال : ( أنت أبصرُ ) .
__________
(1) الصحيح 3/78 ( 994 ) ( 38 ) .
(2) صحيح مسلم 5/72 ( 1628 ) ( 8 ) .
(3) الصحيح 3/78 ( 995 ) ( 39 ) .
(4) في " مسنده " 2/251 و471 و524 ، وهو حديث قويٌّ .
(5) الإحسان ( 3337 ) و( 4233 ) و( 4235 ) .
● [ الصفحة التالية ] ●
وخرَّج الإمام أحمد(1) من حديث المقدام بن معدي كرب ، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، قال : ( ما أَطْعَمْتَ نفسَك ، فهو لك صدقة ، وما أطعمت ولدكَ ، فهو لك صدقة ، وما أطعمت زوجتك ، فهو لك صدقة ، وما أطعمت خادمَك ، فهو لك صدقة ) وفي هذا المعنى أحاديثُ كثيرة يطول ذكرها .
وفي " الصحيحين "(2) عن أنس ، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، قال : ( ما مِنْ مسلمٍ يَغرسُ غَرْساً، أو يزرعُ زرعاً ، فيأكلُ منه إنسانٌ ، أو طيرٌ ، أو دابَّةٌ، إلا كان له صدقةٌ ) .
وفي " صحيح مسلم "(3) عن جابر ، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، قال : ( ما من مسلمٍ يغرسُ غَرْساً إلا كان ما أكلَ منه له صدقة ، وما سُرِقَ منه له صدقة ، وما أَكَلَ السَّبعُ منه فهو له صدقة ، وما أكلتِ الطَّير فهو له صدقةٌ ، ولا يرزؤُه أحدٌ إلا كان له صدقة ) . وفي روايةٍ له أيضاً : ( فيأكل منه إنسانٌ ، ولا دابةٌ ، ولا طائرٌ إلاَّ كان له صدقة إلى يوم القيامة ) .
وفي " المسند " (4) بإسنادٍ ضعيف عن معاذ بن أنس الجُهني ، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال : ( من بَنى بنياناً في غير ظلمٍ ولا اعتداءٍ ، أو غرس غِراساً في غيرِ ظلمٍ ولا اعتداءٍ ، كان له أجراً جارياً ما انتفع به أحدٌ من خلق الرحمان ) .
__________
(1) في " مسنده " 4/131 و132 ، وهو حديث قويٌّ .
(2) صحيح البخاري 3/135 ( 2320 ) و8/12 ( 6012 ) ، وصحيح مسلم 5/28
( 1553 ) ( 12 ) .
(3) الصحيح 5/27 – 28 ( 1552 ) ( 7 ) ( 8 ) ( 9 ) ( 10 ) ( 11 ) .
(4) مسند الإمام أحمد 3/438 ، وسبب ضعفه ضعف ابن لهيعة وزبان بن فائد .
● [ الصفحة التالية ] ●
وذكر البخاري في " تاريخه "(1) من حديث جَابر مرفوعاً : ( مَنْ حَفَر ماءً لم تشرب منه كبد حرَّى من جنٍّ ولا إنسٍ ولا سَبُعٍ ولا طائرٍ إلا آجره الله يومَ القيامة ) .
وظاهر هذه الأحاديث كلّها يدلُّ على أنَّ هذه الأشياء تكونُ صدقة يُثاب عليها الزارعُ والغارسُ ونحوهما من غير قصدٍ ولا نيةٍ ، وكذلك قولُ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -
: ( أرأيت لو وضعها في الحرام ، أكان عليه وِزْرٌ ؟ فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجرٌ ) يدلُّ بظاهره على أنَّه يُؤْجَرُ في إتيان أهله من غير نيَّةٍ ، فإنَّ المُباضِع لأهله كالزَّارع في الأرض الذي يحرث الأرض ويبذر فيها ، وقد ذهب إلى هذا طائفةٌ من العلماء ، ومال إليه أبو محمد بن قتيبة في الأكل والشُّرب والجماع ، واستدل بقول النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: ( إنَّ المؤمنَ ليؤجَرُ في كلِّ شيءٍ حتَّى في اللُّقمة يرفعها إلى فيه )(2). وهذا اللَّفظ الذي استدلَّ به غيرُ معروف ، إنَّما المعروف قولُ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - لسعد: ( إنَّكَ لن تُنفِقَ نفقةً تبتغي بها وجهَ اللهِ إلا أُجِرتَ عليها ، حتَّى اللُّقمة ترفعها إلى في امرأتك )(3) ، وهو مقيَّدٌ بإخلاص النية لله ، فتحمل الأحاديثُ المطلقة عليه ، والله أعلم .
__________
(1) التاريخ الكبير 1/314 ، وقد ساقه البخاري مبيناً الاختلاف فيه على عطاء بن رباح فساقه مرفوعاً ثم موقوفاً ثم ساقه من طريقه عن عائشة مرفوعاً بلفظ : ( من بنى مسجداً بنى الله له بيتاً في الجنة ) .
(2) أخرجه : أحمد 1/177 ، والنسائي في " الكبرى " ( 10906 ) ، والطبراني في " الأوسط " ( 6123 ) من طريق العيزار بن حريث العبدي ، عن عمر بن سعد ، عن أبيه ، به ، وعمر بن سعد صدوق حسن الحديث فإسناد الحديث حسن إلا أنَّ ظاهر كلام ابن رجب إعلال المتن لتفرده بهذا اللفظ .
(3) سبق تخريجه .
● [ الصفحة التالية ] ●
ويدلُّ عليهِ أيضاً قولُ الله - عز وجل - : { لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً } (1)، فجعل ذَلِكَ خيراً ، ولم يرتِّب عليهِ الأجرَ إلا مع نية الإخلاصِ . وأمَّا إذا فعله رياءً ، فإنَّه يُعاقب عليهِ ، وإنَّما مَحَلُّ التردُّد إذا فعله بغيرِ نيَّةٍ صالحةٍ ولا فاسدة . وقد قالَ أبو سليمان الداراني : من عَمِلَ عَمَلَ خيرٍ من غير نية كفاه نيَّة اختيارِه للإسلام على غيرِه منَ الأديان(2) ، وظاهر هذا أنَّه يُثاب عليهِ من غيرِ نيَّةٍ بالكلية ؛ لأنَّه بدخوله في الإسلام مختارٌ لأعمالِ الخيرِ في الجُملة ، فيثابُ على كُلِّ عَملٍ يعملُه منها بتلك النية ، والله أعلم .
وقوله : ( أرأيت لو وضعها في الحرام ، أكان عليه وزر ؟ فكذلك إذا وضعها في الحلال ، كان له أجر ) . هذا يُسمَّى عندَ الأصوليين قياسَ العكس ،
ومنه قولُ ابن مسعودٍ ، قال النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - كلمةً وقلتُ أنا أخرى ، قال : ( من مات يُشرِكُ بالله شيئاً دخل النار ) ، وقلت : من مات لا يشرك بالله شيئاً دخل الجنة(3) .
__________
(1) النساء : 114 .
(2) أخرجه أبو نعيم في " الحلية " 9/271 .
(3) أخرجه : أحمد 1/382 و425 ، والبخاري 2/90 ( 1238 ) ، وأبو يعلى ( 5198 ) ، وابن خزيمة : 359 – 360، وأبو عوانة ( 30 ) ، وابن منده في " الإيمان " ( 66 ) و( 67 ) و( 68 ) و( 69 ) و( 70 ) .
● [ الصفحة التالية ] ●
والنَّوع الثاني من الصدقة التي ليست مالية : ما نفعُه قاصرٌ على فاعله ، كأنواع الذِّكر : مِنَ التَّكبير ، والتَّسبيح ، والتَّحميد ، والتَّهليل ، والاستغفار ، وكذلك المشيُ إلى المساجدِ صدقة ، ولم يذكر في شيء من الأحاديث الصَّلاة والصيام والحج والجهاد أنَّه صدقة ، وأكثرُ هذه الأعمال أفضلُ من الصَّدقات الماليَّة ؛ لأنَّه إنَّما ذكر ذلك جواباً لسؤالِ الفُقراء الَّذين سألوه عمَّا يُقاوم تطوَّع الأغنياء بأموالهم ، وأما الفرائض ، فقد كانوا كلهم مشتركين فيها .
وقد تكاثرتِ النُّصوصُ بتفضيل الذكر على الصدقة بالمال وغيرها من الأعمال ، كما في حديث أبي الدرداء ، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، قال : ( ألا أنبِّئُكُم بخيرِ أعمالكم ، وأزكاها عند مليكِكُم ، وأرفعِها في درجاتكم ، وخيرٍ لكم من إنفاق الذهب والفضة ، وخيرٍ لكم منْ أنْ تَلْقَوا عدوَّكم ، فتضربوا أعناقهم ، ويضربوا أعناقكم ؟ ) قالوا : بلى يا رسول الله ، قالَ : ( ذكرُ اللهِ - عز وجل - ) . خرَّجه الإمام أحمد(1) والترمذي(2) ، وذكره مالك في " الموطأ "(3) موقوفاً على أبي الدرداء .
__________
(1) في " مسنده " 5/195 و6/447 .
(2) في " الجامع الكبير " ( 3377 ) .
(3) الموطأ ( 564 ) برواية الليثي ، والاختلاف في هذا الحديث لم يكن قاصراً على الاختلاف في الرفع والوقف ، بل روي موصولاً ومرسلاً بيان ذلك كله في كتابي " الجامع في العلل " يسر الله إتمامه وطبعه بمنه وكرمه .
● [ الصفحة التالية ] ●
وفي " الصحيحين " (1) عن أبي هريرة ، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، قال : ( مَنْ قال : لا إله إلا الله وحدَه لا شريكَ له ، له الملكُ ، وله الحمدُ ، يُحيي ويُميت ، وهو على كلِّ شيءٍ قديرٌ في يوم مئة مرَّة، كانت له عَدْلَ عشر رقاب ، وكُتبت له مئة حسنةٍ ، ومُحيت عنه مئة سيئةٍ ، وكانت له حِرْزاً من الشَّيطان يومَه ذلك حتَّى يُمسي ، ولم يأتِ أحدٌ بأفضلَ ممَّا جاءَ به إلاَّ أحدٌ عَمِلَ أكثرَ من ذلك ) .
وفيهما(2) أيضاً عن أبي أيوبَ ، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، أنَّه قال : ( من قالها عشرَ مرَّاتٍ ، كان كمن أعتقَ أربعةَ أنفُسٍ مِنْ ولدِ إسماعيل ) .
وخرَّج الإمام أحمد ، والترمذي من حديث أبي سعيدٍ : أنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - سُئِلَ : أيُّ العباد أفضلُ درجة عندَ الله يومَ القيامة ؟ قال : ( الذاكرون الله كثيراً ) قلتُ : يا رسولَ الله ، ومِنَ الغازي في سبيل الله ؟ قال : ( لو ضرب بسيفه في الكُفَّار والمشركين حتى ينكسر ويختضب دماً ، لكان الذاكرون لله أفضلَ منه درجةً )(3)
__________
(1) صحيح البخاري 4/153 ( 3293 ) و8/106 ( 6403 ) ، وصحيح مسلم 8/69 ( 2691 ) ( 28 ) .
(2) أخرجه : البخاري 8/106 ( 6404 ) ، ومسلم 8/69 ( 2693 ) ( 30 ) .
(3) أخرجه : أحمد 3/75 ، والترمذي ( 3376 ) .
وأخرجه : أبو يعلى ( 1401 ) ، وابن عدي في " الكامل " 4/15 ، والبغوي ( 1246 )
و( 1247 ) من طريق دراج عن أبي الهيثم ، عن أبي سعيد ، به ، وهي رواية ضعيفة لذا قال الترمذي : ( هذا حديث غريب ، إنَّما نعرفه من حديث دراج ) .
● [ الصفحة التالية ] ●
. ويُروى نحوه من حديث معاذ وجابر مرفوعاً ، والصوابُ وقفُه على معاذ من قوله (1) .
وخرَّج الطبراني(2) من حديث أبي الوازع ، عن أبي بُردة ، عن أبي موسى ، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، قال : ( لو أنَّ رجلاً في حجره دراهمُ يقسِمُها ، وآخرَ يذكر الله ، كان الذاكر لله أفضلَ ) .
قلت : الصحيحُ عن أبي الوازع ، عن أبي برزة الأسلمي من قوله . خرَّجه جعفر الفريابي(3) .
وخرَّج أيضاً من حديث أنس ، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، قال : ( من كبَّرَ مئة ، وسبَّح مئة(4) ، وهلَّل مئة ، كانت خيراً له من عشر رقابٍ يَعْتِقُها ، ومن سبع بَدَناتٍ ينحَرها )(5) .
__________
(1) أخرجه : ابن أبي شيبة ( 29452 ) و( 35046 ) ، وأحمد 5/239 ، والطبراني في " الكبير " 20/( 352 ) وفي " الدعاء " ، له ( 1658 ) ، وابن عبد البر في " التمهيد " 6/57 من طريق معاذ ، مرفوعاً .
وأخرجه عن معاذ موقوفاً : مالك في "الموطأ" ( 564 ) برواية يحيى الليثي ، والحاكم 1/496، والبيهقي في " الدعوات " ( 20 ) .
وأخرجه عن جابر : الطبراني في " الأوسط " ( 2317 ) وفي " الصغير " ، له ( 201 ) .
(2) في "الأوسط" ( 5969 ) ، وقال : ( لا يروى هذا الحديث عن أبي موسى إلا بهذا الإسناد ، تفرد به : عمر بن موسى ) قلت : عمر بن موسى ضعيف ، قال عنه ابن عدي في " الكامل " 6/109 : ( ضعيف يسرق الحديث ويخالف في الأسانيد ) .
(3) أخرجه : أبو نعيم في " الحلية " 2/33 .
(4) عبارة : ( وسبح مئة ) لم ترد في ( ص ) .
(5) أخرجه : البخاري في" الأدب المفرد " ( 636 ) من طريق سلمة بن وردان ، عن أنس ، به ، وسلمة بن وردان ضعيف .
● [ الصفحة التالية ] ●
وخرَّج ابن أبي الدُّنيا بإسناده عن أبي الدرداء أنَّه قيل له : إنَّ رجلاً أعتق مئة نسمة ، فقال : إنَّ مئة نسمة من مالِ رجلٍ كثيرٌ ، وأفضلُ من ذلك إيمانٌ ملزومٌ بالليل والنَّهار ، وأنْ لا يزال لسانُ أحدكم رطباً من ذكر الله - عز وجل -(1).
وعن أبي الدَّرداء أيضاً ، قال : لأن أقولَ : الله أكبرُ مئة مرة ، أحبُّ إلىَّ من أنْ أتصدَّق بمئة دينار(2) . وكذلك قال سلمان الفارسي وغيرُه من الصَّحابة والتابعين : إنَّ الذِّكرَ أفضلُ من الصَّدقة بعددِه من المال .
__________
(1) أخرجه : أبو عبد الرحمان الضبي في " الدعاء " 1/268 (91 ) من طريق ضرار بن مرة ، عن رجل من بني عبس ، عن أبي الدرداء ، به ، وإسناده ضعيف لجهالة الرجل من بني عبس .
(2) أخرجه : أبو نعيم في " الحلية " 6/180 عن أبي رجاء ، عن أبي الدرداء ، موقوفاً .
● [ الصفحة التالية ] ●
وخرَّج الإمامُ أحمد(1) والنَّسائي(2) من حديث أمِّ هانئ : أنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قال لها : ( سَبِّحي الله مئة تسبيحة ، فإنَّها تَعدِلُ مئة رقبة من ولد إسماعيل ، واحمدي الله مئة تحميدة ، فإنَّها تَعدِلُ لكِ مئة فرس مُلجَمة مُسرَجة(3) تحملين عليهنَّ في سبيل الله ، وكبِّري الله مئة تكبيرة ، فإنَّها تعدِلُ لك مئة بَدَنة مقلَّدة مُتُقبَّلة ، وهلِّلي الله مئة تهليلة - لا أحسبه إلا قال : - تملأ ما بَيْنَ السماء والأرض ، ولا يُرفَع يومئذٍ لأحدٍ مثلُ عملك إلاَّ أنْ يأتيَ بمثل ما أتيت ) ، وخرَّجه أحمد(4) أيضاً وابنُ ماجه(5) ، وعندهما : ( وقولي : لا إله إلا الله مئة مرة ، لا تذر ذنباً ، ولا يسبقها العمل ) . وخرَّجه الترمذي(6) من حديث عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جدِّه ، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، بنحوه .
وخرَّج الطبراني(7) من حديث ابن عباس مرفوعاً : قال : ( ما صَدقةٌ أفضلَ من ذكرِ الله - عز وجل - ) .
__________
(1) في " مسنده " 6/344 ، وإسناده ضعيف لضعف أبي صالح ، وهو باذام ، ويقال : باذان مولى أم هانئ ، لذا قال البخاري في " التاريخ الكبير " 2/254-255 : ( لا يصح ) .
(2) في " الكبرى " ( 10680 ) .
(3) سقطت من ( ص ) .
(4) في " مسنده " 6/425 ، وإسناده ضعيف لضعف أبي معشر نجيح بن عبد الرحمان السندي .
(5) في " سننه " ( 3797 ) ، وسنده ضعيف لضعف زكريا بن منظور ولجهالة حال شيخه محمد ابن عقبة .
(6) في " الجامع الكبير " ( 3471 ) ، وقال : ( حسن غريب ) على أنَّ في سنده الضحاك بن حُمرْة ضعيف .
(7) في " الأوسط " ( 7414 ) ، وفي إسناده محمد بن الليث أبو الصباح الهدادي راجع فيه " الثقات " 9/135 ، وقارن بـ " لسان الميزان " 7/468 .
● [ الصفحة التالية ] ●
وخرَّج الفريابي بإسنادٍ فيه نظرٌ عن أبي أمامة مرفوعاً : ( من فاته الليلُ أنْ يُكابِدَه ، وبَخِل بماله أن ينفِقه ، وجَبُنَ مِنَ العدوِّ أنْ يُقاتِله ، فليكثر مِن سُبحان الله وبحمده ، فإنَّها أحبُّ إلى الله - عز وجل - مِنْ جبلِ ذهبٍ ، أو جبل فضَّةٍ يُنفقه في سبيل الله - عز وجل -(1) ) . وخرَّجه البزار(2) بإسنادٍ مُقارب من حديث ابن عباس مرفوعاً وقال في حديثه : ( فليكثر ذكر الله ) ولم يزِدْ على ذلك ، وفي المعنى أحاديثُ أُخَرُ متعدِّدةٌ .
__________
(1) أخرجه : الطبراني في " الكبير " ( 7877 ) من طريق الفريابي ، وهو حديث ضعيف بسبب علي بن يزيد الألهاني ، والراوي عنه عثمان بن أبي العاتكة . انظر : تهذيب الكمال 5/311 ( 4743 ) .
(2) كما في " كشف الأستار " ( 3058 ) ، وإسناده ضعيف لضعف أبي يحيى القتات .
● [ تم شرح الحديث ] ●
جامع العلوم والحكم
لإبن رجب الحنبلي
منتدى ميراث الرسول . البوابة