بص وطل- Admin
- عدد المساهمات : 2283
تاريخ التسجيل : 29/04/2014
من طرف بص وطل الثلاثاء فبراير 09, 2021 3:18 pm
بّسم اللّه الرّحمن الرّحيم
مكتبة الفقه الإسلامي
المعونة في الجدل
القسم الأول من الكتاب
● [ المقدمة ] ●
الحمد لله حق حمده وصلى الله على محمد خير خلقه وعلى اصحابه واهل بيته
لما رأيت حاجة من يتفقه ماسة الى معرفة ما يعترض به من الادلة وما يجاب به عن الاعتراضات ووجدت ما عملت من الملخص في الجدل مبسوطا صنفت هذه المقدمة لتكون معونة للمبتدئين وتذكرة للمنتهيين مجزية في الجدل كافية لاهل النظر وقدمت على ذلك بابا في بيان الادلة ليكون ما بعده من الاعتراضات والاجوبة على ترتيبه
وما توفيقي الا بالله عليه توكلت وهو حسبي ونعم الوكيل واياه أسأل أن ينفع به في الدنيا والاخرة انه قريب مجيب
● [ باب بيان وجوه ادلة الشرع ] ●
وادلة الشرع ثلاثة اصل ومعقول اصل واستصحاب حال
فالاصل ثلاثة الكتاب والسنة والاجماع واضاف اليه الشافعي
رحمه الله في القديم قول الواحد من الصحابة فجعله اربعة
فاما الكتاب فدلالته ثلاثة النص والظاهر والعموم
فالنص هو اللفظ الذي لا يحتمل الا معنى واحد كقوله تعالى الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مئة جلدة ولا تقتلوا النفس التي حرم الله الا بالحق وما اشبه ذلك مما لا يحتمل الا معنى واحدا
وحكمه ان يصار اليه ولا يترك الا بنص يعارضه
والظاهر كل لفظ احتمل امرين وهو في احدهما اظهر
وهو ضربان ظاهر بوضع اللغة كالامر يحتمل الايجاب ويحتمل النوب إلا انه في الايجاب اظهر وكالنهي يحتمل التحريم ويحتمل الكراهة والتنزيه الا انه في التحريم اظهر وكسائر الالفاظ المحتملة لمعنيين وهو في احدهما اظهر
وحكمه ان يحمل على اظهر المعنيين ولا يحمل على غيره الا بدليل
وظاهر بوضع الشرع كالاسماء المنقولة من اللغة الى الشرع كالصلاة في اللغة اسم للدعاء وفي الشرع اسم لهذه الافعال المعروفة والحج في اللغة اسم للقصد وفي الشرع اسم لهذه الافعال المعروفة وغير ذلك من الاسماء المنقولة من اللغة الى الشرع
وحكمه ان يحمل على ما نقل اليه في الشرع ولا يحمل على غيره الا بدليل
ومن اصحابنا من قال ليس في الاسماء شيء منقول بل الصلاة هي الدعاء والحج هو القصد وانما هذه الافعال زيادات اضيفت اليهاوليست منها كما اضيفت الطهارة الى الصلاة وليست منها فعلى هذا تحمل هذه الالفاظ على موضوعها في اللغة ولا تحمل على غيره الا بدليل
والعموم كل لفظ عم شيئين اثنين فصاعدا على وجه واحد لا مزية لاحدهما على الاخر
والفاظه اربعة اسماء الجموع كالمسلمين والمشركين والابرار والفجار
والاسم المفرد اذا عرف بالالف واللام كالرجل والمرأة والمسلم والمشرك
ومن اصحابنا من قال ليس هذا من الفاظ العموم
والاول اصح
والاسماء المبهمة كمن فيمن يعقل وما في ما لا يعقل و أي في الجميع و حيث و أين في المكان و متى في الزمان
والنفي في النكرات كقوله عليه السلام
لا يقتل مسلم بكافر وما رأيت رجلا وما اشبهه
فحكم هذه الالفاظ ان تحمل على العموم ولا يخص منه شيء الا بدليل
واما السنة فدلالتها ثلاثة قول وفعل واقرار
فالقول على ضربين مبتدأ وخارج على سبب
فالمبتدأ ينقسم الى ما ينقسم اليه الكتاب من النص والظاهر والعموم
فالنص كقوله عليه السلام في اربعين شاة شاة وما أشبهه أخرجه الترمذي في الزكاة
فحكمه ان يصار اليه ولا يترك الا بنص يعارضه
والظاهر كقوله عليه السلام حتيه ثم اقرصيه ثم اغسليه بالماء فيحمل أخرجه أبو داودد في كتاب الطهارة على الوجوب ولا يصرف الى الاستحباب الا بدليل
والعموم كقوله عليه السلام من بدل دينه فاقتلوه فيحمل على العموم أخرجه البخاري في كتاب الجهاد في الرجال والنساء ولا يخص الا بدليل
والخارج على سبب ضربان مستقل دون السبب كما روي انه قيل له عليه السلام انك تتوضأ من بئر بضاعة وانما يطرح فيها دم المحايض ولحوم الكلاب وما ينجي الناس فقال عليه السلام الماء طهور لا ينجسه شيء
فحكمه حكم القول والمبتدأ
ومن اصحابنا من قال يقصر على السبب الذي ورد فيه وليس بشيء أخرجه الترمذي وغيره
وضرب لا يستقل دون السبب كما روي ان اعرابيا قال له جامعت في شهر رمضان بالنهار فقال اعتق رقبة فيصير قول الرسول مع السبب كالجملة أخرجه البخاري وغيره الواحدة كأنه قال عليه السلام اذا جامعت فاعتق
واما الفعل فضربان
احدهما ما فعله على غير وجه القربة فهو كالمشي والاكل وغيرهما فيدل على الجواز
والثاني ما فعله على وجه القربة فهو على ثلاثة اضراب
احدها ان يكون امتثالا لامر فتعتبر بذلك الامر ان كان واجبا فهو واجب وان كان ندبا فهو ندب
والثاني ان يكون بيانا لمجمل فتعتبر بالمبين ان كان واجبا فهو واجب وان كان ندبا فهو ندب
والثالث ان يكون مبتدأ ففيه ثلاثة اوجه
احدهما انه يقتضي الوجوب ولا يصرف الى غيره الا بدليل
والثاني انه يقتضي الندب ولا يصرف الى غيره الا بدليل
والثالث انه على الوقف فلا يحمل على واحد منهما الا بدليل
واما الاقرار فضربان
احدهما ان يسمع قولا فيقر عليه كما روي انه سمع رجلا يقول الرجل يجد مع امرأته رجلا ان قتل قتلتموه وان تكلم جلدتموه وان سكت سكت على غيظ ام كيف يصنع أخرجه البخاري في اللعان
فحكمه حكم قوله عليه السلام وقد بيناه
والثاني ان يرى رجلا يفعل فعلا فيقره عليه كما روي انه رأى - أي الراوي قيس بن فهد - يصلي ركعتي الفجر بعد الصبح أخرجه أبو داود وغيره
فحكمه حكم فعله وقد بيناه
واما الاجماع فهو اتفاق علماء العصر على حكم الحادثة فذلك ضربان
احدهما ما ثبت بقول جميعهم كاجماعهم على جواز البيع والشركة والمضاربة وغير ذلك من الاحكام
فحكمه ان يصار اليه ويعمل به ولا يجوز تركه بحال
والثاني ما ثبت بقول بعضهم او فعله وسكوت الباقين مع انتشار ذلك فيهم
فذلك حجة وهل يسمى اجماعا فيه وجهان
وقال ابو علي بن ابي هريرة ان كان ذلك حكما من امام او قاض لم يكن حجة وان كان فتيا من فقيه فهو حجة
والاول اصح
واما قول الواحد من الصحابة اذا لم ينتشر ففيه قولان
قال في الجديد ليس بحجة فعلى هذا لا يحتج به ولكن يرجح به
وقال بعض اصحابنا يحتج به مع قياس ضعيف وليس بشيء
وقال في القديم هو حجة فعلى هذا يحتج به ويقدم على القياس وهل يخص به العموم فيه وجهان
واما ادلة المعقول فثلاثة فحوى الخطاب ودليل الخطاب ومعنى الخطاب
فاما فحوى الخطاب فهو ان ينص على الاعلى وينبه على الادنى او ينص على الادنى فينبه على الاعلى وذلك مثل قوله تعالى ومن أهل الكتاب من ان تأمنه بقنطار يؤده اليك ومنهم من ان تأمنه بدينار لا يؤده اليك ونهيه عن التضحية بالعوراء ونبه به على العمياء أخرجه مالك وغيره
فحكم هذا حكم النص
واما دليل الخطاب فهو ان يعلق الحكم على احد وصفي الشيء كقوله تعالى وان كن اولات حمل فانفقوا عليهن وقوله عليه السلام في سائمة الغنم زكاة فدل على ان غير الحامل لا نفقة لها وغير السائمة لا زكاة فيها
وقال ابو العباس بن سريج لا يدل على حكم ما عدا المذكور
والمذهب الاول
فاما معنى الخطاب فهو القياس وهو حمل فرع على اصل بعلة جامعة بينهما واجراء حكم الاصل على الفرع
وهو ضربان
احدهما قياس العلة وهو ان يحمل الفرع على الاصل بالمعنى الذي يتعلق الحكم به في الشرع وذلك مثل قياس النبيذ على الخمر بعلة انه شراب فيه شدة مطربة وقياس الارز على البر بعلة انه مطعوم جنس
والثاني قياس الدلالة وهو ثلاثة اضرب
احدها ان يستدل بخصيصة من خصائص الشيء عليه
كقولنا في سجود التلاوة انه لا يجب لانه سجود يجوز فعله على الراحلة في غير عذر فاشبه سجود النفل وان جواز فعله على الراحلة من خصائص النوافل فيستدل به على انه نفل
والثاني ان يستدل بالنظير على النظير
كقولنا في الزكاة في مال الصبي ان من وجب العشر في زرعه وجب ربع العشر في ماله كالبالغ وكقولنا في ظهار الذمي من صح طلاقه صح ظهاره كالمسلم وان العشر نظير ربع العشر والظهار نظير الطلاق فيدل احدهما على الاخر
والثالث ان يستدل بضرب من الشبه مثل ان يقول في ايجاب الترتيب في الوضوء انه عبادة يبطلها النوم فوجب فيها الترتيب كالصلاة ففيه وجهان
من اصحابنا من قال انه دليل
ومنهم من قال ليس بدليل وانما يرجح به غيره وهو الاصح
● [ فصل فى استصحاب الحال ] ●
واما استصحاب الحال فضربان
استصحاب حال العقل في براءة الذمة كقولنا في اسقاط دية المسلم اذا قتل في دار الحرب او في اسقاط ما زاد على ثلث الدية في قتل اليهودي ان الاصل براءة الذمة وفراغ الساحة وطريق اشتغالها بالشرع ولم نجد في الشرع ما يدل على الاشتغال في قتل المسلم في دار الحرب ولا على الاشتغال فيما زاد على الثلث في قتل اليهود فبقي على الاصل
فهذا دليل يفزع اليه المجتهد عند عدم الادلة
والثاني استصحاب حال الاجماع وذلك مثل ان يقول في المتيمم اذا رأى الماء في صلاته انه يمضي في صلاته انعقدت بالاجماع فلا يزول عن ذلك الا بدليل
فهذا فيه وجهان
من اصحابنا من قال هو دليل
ومنهم من قال ليس بدليل وهو الاصح
باب وجوه الكلام على الاستدلال بالكتاب
وذلك من ثمانية اوجه
احدهما ان يستدل منه بطريق من الاصول لا يقول به وذلك مثل ان يستدل الحنفي في اسقاط المتعة للمدخول بها بقوله تعالى لا جناح عليكم ان طلقتم النساء ما لم تمسوهن او تفرضوا لهن فريضة ومتعوهن فشرط في ايجاب المتعة ان لا يكون قد مسها
فيقول الشافعي هذا استدلال بدليل الخطاب وانت لا تقول به
فالجواب ان يقول ان هذا بلفظ الشرط لانه قال ان طلقتم النساء وان من امهات حروف الشرط وانا اقول بدليل الخطاب اذا كان بلفظ الشرط
او يقول ان هذا من مسائل الاصول وانا ممن يقول به
والثاني ان لا يقول به في الموضع الذي تناوله
كاستدلال الحنفي في شهادة اهل الذمة بقوله تعالى او آخران من غيركم أي من اهل ملتكم
فيقول الشافعي هذا كان في قصة بين المسلمين والكفار وعندك لا تقبل شهادة اهل الذمة على المسلمين
وتكلف بعضهم الجواب عنه فقال انه لما قبل شهادتهم على المسلمين دل على ان شهادتهم على الكفار اولى بالقبول ثم دل الدليل على ان شهادتهم لا تقبل على المسلمين فبقي في حق الكفار على ما اقتضاه
فقال الامام رحمه الله هذا ليس بشيء لانه تعلق بفحوى الخطاب وقد ذكر ان الخطاب قد ارتفع فكيف يبقى حكم فحواه
والاعتراض الثاني ان يقول بموجبها وذلك على ضربين
احدهما ان يحتج من الآية بأحد الوضعين فيقول السائل بموجبه بان يحمله على الوضع الاخر
كاستدلال الحنفي في تحريم المصاهرة بالزنا بقوله تعالى ولا تنكحوا ما نكح اباؤكم والمراد لا تطؤوا ما وطىء آباؤكم
فيقول الشافعي النكاح في الشرع هو العقد فيكون معناه لا تتزوجوا من تزوج بها آباؤكم
والجواب ان تسلك طريقة من يقول ان الاسماء غير منقولة وان الخطاب بلغة العرب والنكاح في عرف اللغة هو الوطء
والضرب الثاني ان يقول بموجبه في الموضع الذي احتج به وذلك مثل ان يستدل الشافعي في العفو عن القصاص الى الدية من غير رضى الجاني بقوله فمن عفي له من اخيه شيء فاتباع بالمعروف والعفو هو الصفح والترك
فيقول الحنفي بل العفو ها هنا هو البذل ومعناه اذا بذل الجاني للولي الدية اتبع المعروف
والجواب عنه من وجهين
احدهما ان يبين ان العفو في الصفح والترك اظهر في اللغة
والثاني ان يبين بالدليل من سياق الاية او غيره على ان المراد به الصفح
والاعتراض الثالث ان يدعى اجمال الاية اما في الشرع واما في اللغة
فاما في الشرع فمثل ان يستدل الحنفي في نية صوم رمضان بقوله تعالى فمن شهد منكم الشهر فليصمه وهذا قد صام
فيقول الشافعي هذا مجمل لان المراد صوم شرعي ونحن لا نسلم ان هذا صوم شرعي
والجواب عنه ان يبين ان الخطاب بلغة العرب ويسلك طريقة من يقول ليس في الاسماء شيء منقول والصوم في اللغة هو الامساك فوجب ان يجزىء كل امساك الا ما خصه الدليل
واما في اللغة فهو مثل ان يستدل الشافعي في ان الاحرام بالحج لا يصح في غير اشهره بقوله تعالى الحج اشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق
فيقول المخالف هذا مجمل لان الحج ليس باشهر فلا بد في معرفة المراد منه من اضمار ويجوز ان يكون معناه وقت احرام الحج اشهر معلومات ويجوز ان يكون معناه وقت افعال الحج اشهر معلومات فوجب التوقف فيه
والجواب ان يبين بالدليل ان المراد به وقت احرام الحج لان الافعال لا تفتقر الى اشهر ولانه قال فمن فرض فيهن الحج فلا رفث والفرض هو الاحرام
والاعتراض الرابع المشاركة في الدليل
كاستدلال الشافعي في النكاح بغير ولي بقوله تعالى فلا تعضلوهن ان ينكحن ازواجهن فلو لم يكن تزويجها اليه لما صح العضل
فيقول الحنفي هذا حجة لنا لانه قال ان ينكحن فاضاف النكاح اليهن فدل على ان لهن ان يعقدن
والجواب ان يسقط دليل السائل ليسلم له ما تعلق به
والاعتراض الخامس اختلاف القراءة
وذلك مثل ان يستدل الشافعي في ايجاب الوضوء من اللمس بقوله تعالى او لمستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا
فيقول المخالف قد قرىء او لامستم وهذا يقتضي الجماع
والجواب ان يقول القراءتان كالايتين فيستعملهما
والاعتراض السادس النسخ وهو من ثلاثة اوجه
احدها ان يفصل النسخ صريحا كاستدلال الشافعي في ايجاب الفدية على الحامل بقوله تعالى وعلى الذين يطيقونه فدية
فيقول الحنفي قد قال سلمة بن الاكوع انها منسوخة بقوله تعالى فمن شهد منكم الشهر فليصمه
والجواب ان يبين انها نسخت الا في الحامل والمرضع
والثاني ان يدعى نسخها بآية متأخرة مثل ان يستدل الشافعي في المن والفداء بقوله تعالى فاما منا بعد واما فداء
فيقول الحنفي قد نسخ بقوله تعالى فاقتلوا المشركين لانها متأخرة
والجواب ان يجمع بين الايتين فيستعمل كل واحدة في موضع واذا امكن الجمع لم يجز دعوى النسخ
والثالث ان يدعى نسخها بأن ذلك شرع من قبلنا كاستدلال الشافعي في وجوب القصاص في الطرف بين الرجل والمرأة بقوله تعالى والجروح قصاص أخرجه البخاري في الريات وغيره
فيقول الحنفي هذا اخبار عن شرع من قبلنا وقد نسخ ذلك بشرعنا
فالجواب ان شرع من قبلنا شرع لنا او يدل على ان ذلك شرع لنا ايضا لان النبي صلى الله عليه و سلم قال في امرأة قلعت سن امرأة كتاب الله القصاص واراد به هذه الاية
والاعتراض السابع التأويل وذلك ضربان
تأويل الظاهر كاستدلال الشافعي في ايجاب الابتاء بقوله تعالى فكاتبوهم ان علمتم فيهم خيرا وآتوهم من مال الله الذي آتاكم فيحمله الحنفي على الاستحباب بدليل
والثاني تخصيص العموم كاستدلال الشافعي في قتل شيوخ المشركين بقوله تعالى فاقتلوا المشركين فيخصصها الحنفي في الشيوخ بدليل
والجواب ان يتكلم على الدليل الذي تأول به او خص به ليسلم له الظاهر والعموم
والاعتراض الثامن المعارضة وهو ضربان معارضة بالنطق ومعارضة بالعلة
فالمعارضة بالنطق مثل ان يستدل الشافعي في تحريم شعر الميتة بقوله تعالى حرمت عليكم الميتة
فيعارضه الحنفي بقوله تعالى ومن اصوافها واوبارها واشعارها اثاثا ومتاعا الى حين
الجواب عنه من وجهين
احدهما ان يتكلم على المعارضة بما يعترض به
او يستدل به ابتداء ويرجح دليله على المعارضة وان كانت المعارضة بعلة تكلم عليها بما تكلم على العلل ليسلم دليله
● [ باب الكلام على الاستدلال بالسنة ] ●
الكلام على الاستدلال بالسنة وذلك من ثلاثة اوجه
احدها الرد
والثاني الكلام على الاسناد
والثالث الكلام على المتن
فاما الرد فمن وجوه
احدها رد الرافضة وذلك ردهم اخبارنا في المسح عل الخفين وايجاب غسل الرجلين قالوا هذه اخبار احاد ونحن لا نقول به
فالجواب من ثلاثة اوجه
احدها ان يقول اخبار الاحاد اصل من اصول الدين فان لم يسلموا نقلنا الكلام اليه
والثاني ان يقال ان هذا تواتر من طريق المعنى فان الجميع متفق على الدلالة على المسح على الخف وايجاب غسل الرجلين وان كان في كل
قصة منها خبر الواحد فوقع العلم بها كالاخبار عن شجاعة علي وسخاء حاتم
والثالث ان يناقضوا فيما خالفونا فيه فانهم اثبتوها باخبار الاحاد
والثاني رد اصحاب ابي حنيفة فيما يعم به البلوى كردهم خبرنا في مس الذكر قالوا ما يعم به البلوى لا يقبل فيه خبر الواحد
والجواب ان عندنا يقبل فان لم يسلموا دللنا عليه ولانهم عملوا به في المنع من بيع دور مكة وايجاب الوتر والمشي خلف الجنازة
والثالث رد اصحاب مالك فيما خالف القياس كردهم خبرنا في طهارة جلود الميتة فانه مخالف للقياس فلا يقبل
والجواب ان خبر الواحد عندنا مقدم على القياس فان لم يسلموا دللنا عليه او تناقضوا بما قبلوا فيه خبر الواحد وقدموه على القياس
والرابع رد اصحاب ابي حنيفة فيما خالف قياس الاصول كردهم خبرنا في المصراة والقرعة وغيرهما
فالجواب ان قياس الاصول هو القياس على ما ثبت بالاصول وقد بينا الجواب عنه ولانهم ناقضوا فعملوا بخبر الواحد في نبيذ التمر وقهقهة المصلي واكل الناسي في الصوم
والخامس رد اصحاب ابي حنيفة فيما يوجب زيادة في نص القرآن وان ذلك نسخ كخبرنا في ايجاب التغريب فقالوا هذا يوجب زيادة في نص القرآن وذلك نسخ ولا يقبل فيه خبر الواحد
والجواب ان ذلك ليس بنسخ عندنا لان النسخ هو الرفع والازالة ونحن لم نرفع ما في الاية ولانهم ناقضوا فزادوا النبيذ في اية التيمم بخبر الواحد
واما الاسناد فالكلام فييه من وجهين
احدهما المطالبة باثباته فهذا يكون في الاخبار التي لم توقف في السنن ولم تسمع الا من المخالفين كاستدلال الحنفي في صدقة البقر بأن النبي صلى الله عليه و سلم قال
في اربعين مسنة وفيما زاد فبحسابه
والجواب ان يبين اسناده أو يحيله الى كتاب معتمد
والثاني القدح في الاسناد وهو من ثلاثة اوجه
احدها ان يذكر في الراوي سببا يوجب الرد مثل ان يقول انه كذاب او مبتدع او مغفل
فالجواب ان يبين للحديث طريقا اخر
والثاني ان يذكر انه مجهول
فالجواب ان يبين للحديث طريقا اخر او يزيل جهالته برواية الثقات عنه او ثناء اصحاب الحديث عليه
والثالث ان يذكر انه مرسل
فالجواب ان يبين انه مسند او يقول المرسل كالمسند ان كان ممن يعتقد قبول المراسيل
واضاف اصحاب ابي حنيفة الى هذا وجوها اخر
منها ان يقول السلف ردوه كما قالوا في حديث القسامة ان عمرو بن شعيب قال والله ما كان الحديث كما حدث سهل أخرجه البخاري
فالجواب انه اذا كان الراوي ثقة لم يرد حديثه بانكار غيره لان المنكر ينفي والراوي يثبت والاثبات مقدم على النفي لان مع المثبت زيادة علم
ومنها ان يقول الراوي انكر الحديث كما قالوا في قوله صلى الله عليه وسلم: ايما امرأة نكحت بغير اذن وليها فنكاحها باطل راويه الزهري وقد قال لا اعرفه
فالجواب ان انكار الراوي لا يقدح في الحديث لجواز ان يكون نسيه
ومنها ان يقول راويه لم يعمل به كما قالوا في حديث الغسل من ولوغ الكلب سبعا ان راويه ابو هريرة وقد افتى بثلاث مرات كما أخرجه الطحاوي
فالجواب ان الراوي يجوز ان يكون قد نسي في حال الفتيا او أخطأ في تأويله فلا يترك سنة ثابتة بتركه
ومنها ان يقول هذه الزيادة لم تنقل نقل الاصل كما قالوا في قوله عليه السلام فيما سقت السماء العشر وفيما سقي بنضح او غرب نصف العشر اذا بلغ خمسة اوسق
فقالوا هذا الحديث رواه جماعة فلم يذكروا الا وسقا فدل على انه لا اصل لها
والجواب انه يجوز ان يكون قد ذكر هذه الزيادة في وقت لم يحضر الجماعة او كان هو اقرب اليه سمع الزيادة ولم يسمعوا فلم يجز رد خبر الثقة
واما المتن فهو ثلاثة قول وفعل واقرار
فاما القول فضربان مبتدأ وخارج على السبب، فالمبتدأ كالكتاب يتوجه عليه ما يتوجه على الكتاب وقد بيناه الا اني أعيد القول في السنة لانه اوضح امثلة وربما اتفق فيه زيادة لم تذكر في الكتاب
والاعتراض على المتن من ثمانية اوجه
احدها ان يستدل بما لا يقول به وذلك من ثلاثة اوجه
فمنها ان يستدل بحديث وهو ممن لا يقبل مثل ذلك الحديث كاستدلالهم بخبر الواحد فيما يعم به البلوة او فيما يخالفه القياس وما اشبه ذلك مما لا يقل فيه بخبر الواحد
والجواب ان يقول ان كنت انا لا اقول به الا انك تقول به وهو حجة عندك فلزمك العمل به
والثاني ان يستدل فيه بطريق لا يقول به مثل ان يستدل بدليل الخطاب وهو لا يقول به كاستدلاله في ابطال خيار المجلس بما روي ان النبي صلى الله عليه و سلم نهى عن بيع الطعام حتى يقبض فدل على انه أخرجه البخاري في صحيحه ومسلم غيرهم اذا قبض جاز بيعه وان كان في المجلس
فيقال له هذا استدلال بدليل الخطاب وانت لا تقول به
والجواب ان يقول هذه طريقة لبعض اصحابنا وانا ممن اقول به او ان يقول ان هذا بلفظ الغاية وانا اقول به فيما علق الحكم فيه على الغاية
والثالث ان لا يقول به في الموضع الذي ورد فيه كاستدلالهم على ان الحر يقتل بالعبد بقوله صلى الله عليه و سلم من قتل عبده قتلناه أخرجه سعيد بن منصور في سننه وأخرجه الإمام أحمد في المسند وغيرهم
فيقال ما تناوله الخبر لا نقول به فإنه لا خلاف انه لا يقتل بعبده
وقد تكلف بعضهم الجواب عنه بأنه لما وجب القتل على الحر بقتل عبده دل على انه يقتل بعبد غيره اولا ثم دل الدليل على انه لا يقتل بعبده فبقي قتله بعبد غيره على ما اقتضاه
والاعتراض الثاني ان يقول بموجبه وذلك على وجهين
احدهما ان يحتج المستدل باحد الوضعين فيقول السائل بموجبه بالحمل على الوضع الآخر مثل ان يستدل الشافعي في نكاح المحرم بقوله صلى الله عليه و سلم لا ينكح المحرم ولا ينكح اخرجه الإمام مالك في الموطأ وغيره
فيقول الحنفي النكاح في اللغة هو الوطء فكأنه قال لا يطأ المحرم
والجواب من وجهين
احدهما ان يقول النكاح في عرف الشرع هو العقد وفي عرف اللغة هو وطء واللفظ اذا كان له عرفان عرف في اللغة وعرف في الشرع حمل على عرف الشرع ولا يحمل على عرف اللغة الا بدليل
والثاني ان يبين بالدليل من سياق الخبر او غيره ان المراد به العقد
والضرب الثاني ان يقول بموجبه في الموضع الذي احتج به كاستدلال أصحابنا في خيار المجلس بقوله عليه السلام المتبايعان بالخيار ما لم يتفرقا أخرجه البخاري في كتاب البيوع ومسلم في كتاب البيوع وغيرهم
فيقول المخالف المتبايعان هما المتشاغلان بالبيع قبل الفراغ وهما بالخيار عندي
والجواب من وجهين
احدهما ان يبين ان اللفظ في اللغة حقيقة فيما ادعاه
والثاني ان يبين بالدليل من سياق الخبر او غيره ان المراد به ما قاله
والاعتراض الثالث ان يدعي الاجمال اما في الشرع او في اللغة
فاما في الشرع فهو مثل ان يحتج الحنفي في جواز الصلاة بغير اعتدال بقوله صلوا خمسكم وهذا قد صلي أخرجه أحمد في المسند
فيقول الشافعي هذا مجمل لان المراد بالصلاة هو الصلاة الشرعية وذلك لا يعلم من لفظه بل يفتقر في معرفته الى غيره فلم يحتج به الا بدليل على ان ذلك صلاة
والجواب ان يسلك طريقة من يقول ان الخطاب بلغت العرب والصلاة في اللغة هي الدعاء فوجب انه اذا فعل ما يسمى صلاة في اللغة يكون ممتثلا
واما المجمل في اللغة فمثل ان يستدل الحنفي في تضمين الرهن بقوله صلى الله عليه و سلم الرهن بما فيه
فيقول له الشافعي هذا مجمل لأنه يفتقر الى تقدير مضمن فيحتمل ان يكون معناه الرهن مضمون بما فيه ويحتمل ان يكون معناه محبوس بما فيه فوجب ان يتوقف فيه
والجواب ان يدل على ان المراد به ما ذكروه اما من جهة الوضع او من جهة الدليل
والاعتراض الرابع المشاركة في الدليل وذلك مثل ان يستدل الحنفي في مسألة الساجة بقوله صلى الله عليه و سلم لا ضرر ولا ضرار في نقض أخرجه الإمام أحمد وغيره دار الغاصب ورد الساجة اضرار فوجب ان لا يجوز
فيقول الشافعي هذا حجة لنا لان فيه اسقاط حق المالك من عين ماله والإحالة على ذمة الغاصب اضرارا به فوجب ان لا يجوز ذلك
والجواب ان يبين المستدل انه لا اضرار على المالك فإنه يدفع اليه القيمة فيزول عنه الضرر
والاعتراض الخامس باختلاف الرواية
مثل ان يستدل الشافعي في جواز العفو عن القصاص من غير رضا الجاني بقوله صلى الله عليه و سلم فمن قتل بعد ذلك فاهله بين خيرتين ان أخرجه الإمام أحمد في المسند والبخاري في الديات وغيرهم احبوا قتلوا وان احبوا اخذوا العقل
فيقول المخالف قد روي ان احبوا فادوا والمناداة مفاعلة ولا يكون أخرجه النسائي ذلك بالتراضي والخبر خبر واحد فيجب التوقف فيه حتى يعلم اصل الحديث
الجواب انه قد روي الجميع والظاهر منهما الصحة فيه فيصير كالخبرين فيجمع بينهما فنقول يجوز بالتراضي وبغير التراضي وهم لا يقولون بما رويناه
الاعتراض السادس النسخ وذلك من وجوه
احدها ان ينقل نسخة صريحا
والثاني ان ينقل ما ينافيه متأخرا فيدعي نسخه به
والثالث ان ينقل عن الصحابة العمل بخلافه ليدل على نسخه
والرابع ان يدعي نسخه بأنه شرع من قبلنا وانه نسخه شرعنا
فأما النسخ بالتصريح فهو ان يستدل اصحابنا في طهارة جلود الميتة بالدباغ بقوله صلى الله عليه و سلم ايما اهاب دبغ فقد طهر أخرجه الإمام أحمد وغيره
فيقول الحنفي هذا منسوخ بقوله عليه السلام كنت رخصت لكم في جلود الميتة فاذا اتاكم كتابي هذا فلا تنتفعوا من الميتة باهاب ولا عصب أخرجه أبو داود وغيره فهذا صريح في نسخ كل خبر ورد في طهارة الجلد بالدباغ
والجواب ان يبين ان هذا لم يتناول خبرنا وانما ورد هذا في جلود الميتة قبل الدباغ لان الاهاب اسم للجلد قبل الدباغ فاما بعد الدباغ فلا يسمى اهابا وانما يسمى جلدا واديما وافيقا
واما النسخ بنقل المتأخر مثل ان يستدل الظاهري في جلد الثيب مع الرجم بقوله صلى الله عليه و سلم خذوا عني خذوا عني قد جعل الله أخرجه الإمام أحمد في المسند وغيره هن سبيلا البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام والثيب بالثيب جلد مائة والرجم
فيقول الشافعي هذا منسوخ بما روي ان النبي عليه السلام رجم ماعزا ولم يجلده وهذا متأخر عن خبركم لان خبركم ورد في اول ما شرع الجلد والرجم
والجواب ان يتكلم على الناسخ بما يسقطه ليبقى له الحديث
واما النسخ بعمل الصحابة بخلافه فمثل استدلال الحنفي في استئناف الفريضة بقوله عليه السلام فاذا زادت الابل على عشرين ومائة استؤنفت الفريضة في كل خمس شياه فيقول الشافعي هذا الحديث أخرجه الطحاوي في شرح الآثار وغيره منسوخ لان ابا بكر وعمر رضي الله عنهما لم يعملا به ولم لم يعلما نسخه لعملا به
والجواب ان يتكلم على عمل الصحابة بما يسقطه ليبقى له الخبر
واما النسخ لانه شرع من قبلنا فمثل استدلال الشافعي رحمه الله في رجم الذمي بان النبي صلى الله عليه و سلم رجم يهوديين زنيا
فيقول المخالف انما رجمهما بحكم التوراة فإنه امر بإحضارهما ثم عمل بذلك وشرعنا قد نسخ ذلك
والجواب ان شرع من قبلنا شرع لنا ما لم نعلم نسخه ولأن النبي صلى الله عليه و سلم عمل به فدل على انه شرع لنا
وألحق اصحاب ابي حنيفة بذلك وجها اخر وهو النسخ بزوال العلة وذلك مثل ان يستدل اصحابنا في تخليل الخمر بان النبي صلى الله عليه و سلم نهى ابا طلحة عن تخليلها أخرجه البخاري وغيره
فقالوا هذا كان اول ما حرم الخمر والفوا شربها ينهى عن تخليلها تغليظا وتشديدا وقد زال هذا المعنى فزال الحكم
والجواب ان يبين ان ذلك لم يكن لهذه العلة بل كان ذلك بيانا لحكم الخبر كايجاب الحد وتحريم الشرب والمنع من البيع وغير ذلك
وعلى ان لو سلمنا انه حرم لهذه العلة الا انه حرمها بقول مطلق يقتضي تحريمه في الازمان كلها ولا يجوز نسخه بزوال العلة كما انه شرع الرمل والاضطباع في الحج لاظهار الجلد للكفار وقد زال هذا المعنى والحكم باق
والاعتراض السابع التأويل وذلك ضربان
تأويل الظاهر كاستدلال المنفي في ايجاب غسل الثوب من المني صلى الله عليه و سلم ان كان رطبا فاغسليه وان كان يابسا فحكيه فيحمله الشافعي على الاستحباب بدليل
وتخصيص العموم مثل ان يستدل الشافعي في قتل المرتدة بقوله عليه السلام من بدل دينه فاقتلوه فيخصه الحنفي بدليل أخرجه الإمام أحمد في المسند وغيره
والجواب ان يتكلم على الدليل الذي تاول به او خص به ليسلم له الظاهر والعموم
والاعتراض الثامن المعارضة وهي ضربان معارضة بالنطق ومعارضة بالعلة
فالمعارضة بالنطق مثل ان يستدل الشافعي في جواز فعل ما لها سبب في اوقات النهي بقوله عليه السلام
من نام عن صلاة اونسيها فليصلها اذا ذكرها
فيعارضه الحنفي بنهيه عن الصلاة في هذه الاوقات أخرجه الإمام أحمد وغيره
والجواب من وجهين
احدهما ان يسقط المعارضة بما ذكرناه من وجوه الاعتراض
والثاني ان يرجح دليل على معارضة بما نذكره من وجوه الترجيحات
واما الخارج على سبب فضربان
احدهما ان يكون اللفظ مستقلا بنفسه دون السبب والكلام عليه كالكلام على السنة المبتدأة
وزاد اصحاب مالك في الاعتراض عليها ان قالوا ان هذا ورد على سبب فوجب ان يقتصر عليه
وذلك مثل استدلالنا في ايجاب الترتيب في الوضوء بقوله صلى الله عليه و سلم ابدأوا بما بدأ الله به فقالوا هذا ورد في السعي اخرجه الإمام أحمد في المسند وغيره فوجب ان يقتصر عليه
والجواب ان اللفظ اذا استقل بنفسه حمل عندنا على عمومه فان لم يسلم دللنا عليه
والضرب الثاني ما لا يستقل بنفسه دون السبب
والذي يخصه من الاعتراض دعوى الاجمال وذلك مثل ان يستدل الشافعي في مسألة مد عجوة بما روي ان رجلا اتى النبي صلى الله عليه و سلم ومعه قلادة وفيها خرز وذهب فقال ابتعت هذه بتسعة دنانير فقال لا حتى تميز أخرجه مسلم وغيره وهذا حديث حسن صحيح فيقول المخالف هذا مجمل لانه قضية في عين فيحتمل ان يكون الثمن مثل الذهب الذي في القلادة فنهى لذلك ويحتمل ان يكون اكثر لما ذكرتم فوجب التوقف حتى يعلم
والجواب عنه من اربعة اوجه
احدها ان يقال هذه زيادة في السبب المنقول والحكم اذا نقل مع سبب لم تجز الزيادة في السبب الا بدليل والذي نقل من السبب بيع الخرز والذهب بالذهب والحكم هو النهي فلم يجز الزيادة في ذلك
والثاني ان يبين ان الظاهر بما ادعاه من ان الذهب الذي مع القلادة اقل من الثمن فان الغالب ان العاقل لا يبيع خرزا وسبعة مثاقيل بسبعة دنانير
والثالث ان يقول لو كان المنع لما ذكرتم بنقل اذا لا يجوز ان ينقل ما لا يتعلق الحكم به ويترك ما يتعلق الحكم به
والرابع انه لم يفصل ولو كان لما ذكروه لفصل وقال لا ان كان الذهب مثل الثمن
● [ فصل ] ●
واما الفعل فإنه يتوجه عليه ما يتوجه على القول من الاعتراض
فاول ذلك الاعتراض بأن المستدل لا يقول به وذلك مثل ان يستدل الحنفي في قتل المسلم بالكافر بان النبي صلى الله عليه و سلم قتل مسلما بكافر وقال انا احق من وفى بذمته أخرجه الدارقطني والطحاوي وغيرهم
فيقول الشافعي هنا لا تقول به فان الذي قتله به كان رسولا وعند ابي حنيفة لا يقتل المسلم بالرسول
والجواب ان يقول انه لما قتل المسلم بالرسول دل على انه بالذمي اولى ان يقتل ثم نسخ ذلك في الرسول وبقي في الذمي على ما اقتضاه
والاعتراض الثاني ان ينازعه في مقتضاه وهذا النوع يتوجه على الفعل
من طريقين
احدهما ان ينازعه فيما فعل
والثاني ان ينازعه في مقتضى الفعل
فاما الاول فمثل ان يستدل الشافعي في تكرار مسح الرأس بما روى ان النبي عليه السلام توضا ثلاثا ثلاثا وقال هذا وضوئي ووضوء الانبياء قبلي ووضوء خليلي ابراهيم عليه السلام أخرجه ابن ماجه
فيقول الحنفي قوله توضأ ثلاثا معناه غسل لان الوضوء في اللغة هو النظافة وذلك انما يحصل بالغسل ولا يدخل فيه المسح
والجواب عنه من وجهين
احدهما ان يبين ان الوضوء في عرف الشرع هو الغسل والمسح في اللغة عبارة عن الغسل فوجب ان يحمل على عرف الشرع
والثاني ان يبين بالدليل من جهة السياق او غيره ان المراد به الغسل والمسح
والطريق الثاني ما فعله عليه السلام ولكنه ينازعه في مقتضى فعله وذلك مثل ان يستدل الشافعي رحمه الله في وجوب الاعتدال في الركوع والسجود بان النبي صلى الله عليه و سلم فعل ذلك أخرجه البخاري ومسلم غيرهم
فيقول المخالف فعله لا يقتضي الوجوب
والجواب عنه من ثلاثة اوجه
احدها ان يقول فعله عندي يقتضي الوجوب وان لم تسلم دللت عليه
والثاني ان يقول هذا بيان لمجمل واجب في القرآن وبيان الواجب واجب
والثالث ان يقول قد اقترن به امر وهو قوله عليه السلام صلوا كما رأيتموني اصلي والامر يقتضي الوجوب أخرجه الشافعي
والاعتراض الثالث دعوى الاجمال وهو مثل ان يستدل الشافعي في طهارة المني لان عائشة رضي الله عنها قالت افرك المني من ثوب رسول الله صلى الله عليه و سلم وهو يصلي ولو كان نجسا لقطع الصلاة أخرجه البخاري وغيره
فيقول الحنفي هذا مجمل لانه قضية في عين فيحتمل انه كان قليلا ويحتمل انه كان كثيرا فوجب التوقف فيه
والجواب ان يبين بالدليل انه كان كثيرا لان عائشة احتجت بهذا الخبر على طهارته فلا يجوز ان يحتج بما يعفى عنه ولانها اخبرت عن دوام الفعل وتكراره ويبعد مع التكرار ان يكون ذلك قليلا مع الكثرة
والاعتراض الرابع المشاركة في الدليل مثل ان يستدل الحنفي جواز ترك قسمة اراضي المغنومة بان النبي صلى الله عليه و سلم ترك قسمة بعض حنين
فيقول الشافعي هذه حجة لي لانه قسم بعضه وفعله يقتضي الوجوب
والجواب ان يتأول الفعل ليجمع بينه وبين الترك والاعتراض الخامس اختلاف الرواية وذلك مثل ان يستدل الحنفي في جواز نكاح المحرم بان النبي صلى الله عليه و سلم تزوج ميمونة وهو محرم أخرجه البخاري ومسلم غيرهم
فيقول الشافعي روي انه تزوجها وهما حلالان اخرجه مالك في الموطأ والإمام أحمد في المسند وغيرهم
والجواب عن ذلك امران
احدهما ان يجمع بين الروايتين ان امكنه
والثاني ان يرجح روايته على روايةالمخالف
والاعتراض السادس دعوى النسخ وذلك مثل ان يستدل الحنفي في سجود السهو ان النبي صلى الله عليه و سلم سجد بعد السلام
فيقول له الشافعي هذا منسوخ بما روى الزهري قال كان اخر الامرين من رسول الله صلى الله عليه و سلم قبل السلام
والجواب ان يتكلم على الناسخ بما يسقطه او يجمع بينهما بالتأويل
والاعتراض السابع التأويل وهو مثل ان يستدل الحنفي بان النبي صلى الله عليه و سلم تزوج ميمونة وهو محرم
فيقول الشافعي يحتمل انه اراد محرم بالحرم بالأحرام فيحمل على ذلك بدليل
والجواب ان يتكلم على الدليل بما يسقطه ليسلم له الظاهر
والاعتراض الثامن المعارضة وذلك قد يكون بظاهر وقد يكون بعلة
فاما الظاهر فمثل ان يستدل الشافعي في رفع اليد حذو المنكب بما روى ابو حميد الساعدي ان النبي صلى الله عليه و سلم رفع يديه حذو منكبيه أخرجه البخاري مسلم
فيعارضه الحنفي بما روى ابن حجر ان النبي صلى الله عليه و سلم رفع يديه حيال اذنيه أخرجه مسلم وغيره
والجواب ان يتكلم على المعارضة بما ذكرناه من وجوه الاعتراضات او يرجح دليله على ما عورض به بما نذكره في باب الترجيحات ان شاء الله
وان كانت المعارضة بالعلة فالجواب عنه ان يتكلم عليها بما يتكلم على العلل
● [ فصل ] ●
واما الاقرار فضربان
اقرار على القول وهو كقوله عليه السلام في الاعتراض والجواب
واقرار على الفعل وهو كقوله عليه السلام في الاعتراض والجواب وقد بينا الجميع
● [ باب الاعتراض على الاستدلال بالاجماع ] ●
الاعتراض على الاستدلال بالاجماع وهو على اربعة اوجه
احدها من جهة الرد وهو من ثلاثة اوجه
احدها رد الرافضة فان عندهم الاجماع ليس بحجة في شيء من الاحكام
والجواب ان يقال هذا اصل من اصول الدين فان لم يسلموا دللنا عليه ولان عندهم وان لم يكن الاجماع حجة الا ان فيه حجة لان فيه قول الامام المعصوم فوجب الاخذ به
والثاني رد اهل الظاهر لاجماع غير الصحابة
والجواب ان ذلك اصل لنا فان لم يسلموا دللنا عليه
والثالث رد اهل الظاهر ايضا فيما ظهر فيه قول بعضهم وسكت الباقون فان عندهم ان ذلك ليس بحجة
والجواب ان يقال ذلك حجة فان لم يسلموا نقلنا الكلام اليه
والاعتراض الثاني المطالبة بتصحيح الاجماع وذلك مثل ان يستدل الشافعي في تغليظ الدية بالحرم بان عمر رضي الله عنه وعثمان وابن عباس رضي الله عنهما غلظوا الدية بالحرم
فيقول المخالف هذا قول نفر من الصحابة وليس باجماع
والجواب ان يبين ظهور ذلك بان يقول امر القتل مما يشيع وينتشر ويتحدث به وينقل القضاء فيه ولا سيما في قصة عثمان رضي الله عنه فانه قضى في امراة قتلت في زحام الطواف بتغليظ الدية
والطواف بحضرة الناس من الافاق فلم يخالفه احد فدل على انه اجماع
والاعتراض الثالث ان ينقل الخلاف عن بعضهم مثل ان يستدل الحنفي في توريث المبتوتة بان عثمان رضي الله عنه ورث تماضر بنت الاصبغ الكلبية من عبد الرحمن بن عوف بعد مابت طلاقها أخرجه ابن حجر في الإصابه
ويقول الشافعي رضي الله عنه روي عن ابن الزبير انه خالف فانه قال ورث عثمان تماضر واما انا فلا ارى توريث المبتوتة
والجواب ان يتكلم على قول ابن الزبير بما يسقط ليسلم له الاجماع
والاعتراض الرابع ان يتكلم عليه بما يتكلم على متن السنة وقد بيناه
● [ باب الكلام على قول الواحد من الصحابة ] ●
الكلام على قول الواحد من الصحابة والاعتراض عليه من ثلاثة اوجه
احدها ان يقول قول الواحد من الصحابة ليس بحجة
والجواب ان يقول ان ذلك عندي حجة في قوله القديم فان لم يسلم دللت عليه
والاعتراض الثاني ان يعارضه بنص كتاب او سنة
والجواب عنه ان يتكلم على ذلك بما تكلم به على الكتاب والسنة ليبقى له قول الصحابي
والاعتراض الثالث ان ينقل الخلاف عن غيره من الصحابة ليصير المسألة خلافا بين الصحابة
والجواب ان يتكلم على ما نقل من الخلاف بما يسقط ليسلم له ما احتج به
او يرجح ما احتج به على ما عارضه به
اما بان يقول الذي رويت عنهم اكثر وقد قال النبي صلى الله عليه و سلم عليكم بالسواد الاعظم أخرجه ابن ماجه في كتاب الفتن
او يقول رويت انا عن الخلفاء الراشدين وقد قال صلى الله عليه و سلم عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي أخرجه الإمام أحمد في المسند
او يقول رويت انا عن ابي بكر وعمر رضي الله عنهما وقد قال عليه السلام اقتدوا باللذين من بعدي ابي بكر وعمر
● [ باب الكلام على فحوى الخطاب ] ●
الكلام على فحوى الخطاب والاعتراض على ذلك من وجوه
احدها ان يطالبه بتصحيح المعنى الذي يقتضي تأكيد الفرع على الاصل وهو مثل ان يقول الشافعي في ايجاب الكفارة في القتل العمد الكفارة انما وجبت لرفع الماثم فاذا وجبت في قتل الخطأ ولا اثم فيه ففي قتل العمد اولى
فيقول المخالف لا اسلم ان الكفارة وجبت لرفع الماثم لانها لو كانت لرفع الماثم لما وجبت في قتل الخطا لانه لا ماثم فيه
والجواب ان يدل على ذلك بان يقول الكفارة جعلت للأثم الدليل عليها انها سميت كفارة لانها تكفر السيئة ويدل عليه أنها لا تجب الا في قتل محرم فدل اسمها ووضعها على ما ذكرناه
فأما ايجابها في القتل الخطأ فلأن الخطأ نادر في الجنس فالحق بالغالب والنادر قد يلحق بالغالب في الحكم وان لم يساويه في العلة كالمترفة في السفر يلحق بالغالب في الرخص وإن لم يساوه في الشقة
وكاليائسة في العدة الحقت بسائر النساء وان لم تساوهن في الحاجة الى استبراء الرحم
والاعتراض الثاني ان يقول بموجب التأكيد وهو أن بقول لما كان القتل العمد اغلظ لا جرم غلظناه بايجاب القود
والجواب ان يقال القتل وجب لحق الادمي وما يجب لحق الادمي لا يقضي به حق الله تعالى كما لا يقضي حقه في شبه العمد بالدية المغلظة
والاعتراض الثالث الابطال وهو ان يقول يبطل هذا بالردة فإنها اعظم في الماثم من قتل الخطأ ثم وجبت الكفارة في قتل الخطأ ولم تجب في الردة
والجواب ان يقول الردة لما كانت اغلظ من قتل الخطا اوجبنا فيه بحق الله تعالى عقوبة وهي القتل
والاعتراض الرابع ان يطالبه بحكم التاكيد وذلك مثل ان يقول الحنفي في ازالة النجاسة بالخل انه اذا جاز بالماء فبالخل اجوز لانه ابلغ في الازالة
فيقول الشافعي فيجب على قول ذلك ان يقول ان الخل افضل من الماء لانه ابلغ وعندك الماء افضل
والجواب ان يقول انما كان افضل لان فيه نصا متأولا فتعلقت به الفضيلة دون الخل
والاعتراض الخامس ان يجعل التأكيد حجة عليه وهو مثل ان يقول الشافعي في اللواط انه اذا وجب الحد في الوطء في القبل وهو مما يستباح فلان يجب في اللواط وهو لا يستباح اولى
فيقول المخالف هو الحجة فانه لما كان اللواط اغلظ في التحريم جاز ان لا يجعل مظهر الغلظة
والجواب ان يبطل هذا بان يقال لو كان لما ذكرتم لوجب ان لا يوجب التعزيز
والاعتراض السادس ان يقابل التأكيد بما يسقطه وهو ان يقال ان كان اللواط اشد في التحريم الا ان الفساد في وطء النساء اعظم لانه يؤدي الى خلط الانساب وافساد الفراش فهو بالحد اولى
والجواب عنه ان يبطل عليه المقابلة بان يقول لو صح هذا لوجب ان لا يجب الحد في الزنى بوطء من لا زوج لها لانه ليس فيه خلط النسب ولا افساد الفراش
● [ للكتاب بقية فتابعها ] ●
كتاب: المعونة في الجدل
المؤلف: إبراهيم بن علي بن يوسف الشيرازي
منتدى نافذة ثقافية - البوابة