بّسم اللّه الرّحمن الرّحيم القانون فى الطب لإبن سينا الكتاب الأول: الأمور الكلية فى علم الطب الفن الأول: حد الطب وموضوعاته من الأمور الطبيعية التعليم الخامس: ماهية العضو وأقسامه
● [ مفاهيم ] ●
فنقول: الأعضاء أجسام متولدة من أول مزاج الأخلاط المحمودة، كما أن الأخلاط أجسام متولدة من أول مزاج الأركان. والأعضاء: منها ما هي مفردة، ومنها ما هي مركبة. والمفردة هي التي أي جزء محسوس أخذت منها كان مشاركاً للكل في الاسم والحد مثل اللحم وأجزائه والعظم وأجزائه والعصب وأجزائه وما أشبه ذلك تسمى متشابهة الأجزاء. والمركبة: هي التي إذا أخذت منها جزءاً أي جزء كان لم يكن مشاركاً للكل، لا في الاسم، ولا في الحد مثل اليد والوجه فإن جزء الوجه ليس بوجه، وجزء اليد ليس بيد، وتسمى أعضاء آلية لأنها هي آلات النفس في تمام الحركات والأفعال. وأول الأعضاء المتشابهة الأجزاء العظم: وقد خلق صلباً لأنه أساس البدن ودعامة الحركات. ثم الغضروف: وهو ألين من العظم فينعطف وأصلب من سائر الأعضاء، والمنفعة في خلقه أن يحسن به اتصال العظام بالأعضاء اللينة فلا يكون الصلب واللين قد تركبا بلا متوسط فيتأذى اللين بالصلب، وخصوصاً عند الضربة والضغطة، بل يكون التركيب مدرجاً مثل ما في العظم الكتفي والشراسيف في أضلاع الخلف، ومثل الغضروف الحنجري تحت القصٌ ، وأيضاً ليحسن به تجاور المفاصل المتحاكة فلا ترضّ لصلابتها، وأيضاَ، إذا كان بعض العضل يمتد إلى عضو غير ذي عظم يستند إليه ويقوَى به مثل عضلات الأجفان، كان هناك دعاماً وعماداً لأوتارها، وأيضاً فإنه قد تمس الحاجة في مواضع كثيرة إلى اعتماد يتأتى على شيء قوِيٍ ليس بغاية الصلابة كما في الحنجرة. ثم العصب: وهي أجسام دماغية أو نخاعية المنبت بيض لدنة لينة في الانعطاف صلبة في الانفصال خلقت ليتم بها للأعضاء الإحساس والحركة، ثم الأوتار وهي أجسام تنبت من أطراف العضل شبيهة بالعصب فتلاقي الأعضاء المتحركة فتارة تجذبها بانجذابها لتشنج العضلة واجتماعها ورجوعها إلى ورائها، وتارة ترخيها باسترخائها لانبساط العضلة عائدة إلى وضعها أو زائدة فيه على مقدارها في طولها حال كونها على وضعها المطبوع لها على ما نراه نحن في بعض العضل، وهي مؤلفة في الأكثر من العصب النافذ في العضلة البارزة منها في الجهة الأخرى. ومن الأجسام التي يتلو ذكرها ذكر الأوتار وهي التي تسميها رباطات: وهي أيضاً عصبانية المرائي والملمس تأتي من الأعضاء إلى جهة العضل فتتشظّى هي والأوتار ليفاً، فما ولي العضلة منها احتشى لحماً، وما فارقها إلى المفصل والعضو المحرك اجتمع إلى ذاته وانفتل وتراً لها، ثم الرباطات التي ذكرنا وهي أيضاً أجسام شبيهة بالعصب بعضها يسمى رباطاً مطلقاً، وبعضها يخص باسم العقب، فما امتد إلى العضلة لم يسم إلا رباطاً، وما لم يمتد إليها ولكن وصل بين طرفي عظمي المفصل أو بين أعضاء أخرى وأحكم شدّ شيء إلى شيء فإنه مع ما يسمّى رباط قد يخصّ باسم العقب، وليس لشيء من الروابط حس وذلك لئلا يتأذى بكثرة ما يلزمه من الحركة والحك. ومنفعة الرباط معلومة مما سلف. ثم الشريانات: وهي أجسام نابتة من القلب ممتدة مجوفة طولاً عصبانية رباطية الجوهر، لها حركات منبسطة ومنقبضة تنفصل بسكنات خلقت لترويح القلب، ونفض البخار الدخاني عنه ولتوزيع الروح على أعضاء البدن بإذن الله. ثم الأوردة: وهي شبيهة بالشريانات ولكنها نابتة من الكبد وساكنة، ولتوزع الدم على أعضاء البدن، ثم الأغشية وهي أجسام منتسجة من ليف عصباني غير محسوس رقيقة الثخن مستعرضة تغشى سطوح أجسام أخر وتحتوي عليها لمنافع منها لتحفظ جملتها على شكلها وهيئتها، ومنها لتعلقها من أعضاء أخر وتربطها بها بواسطة العصب والرَّباط التي تشظى إلى ليفها فانتسجت منه كالكلية من الصلب، ومنها ليكون للأعضاء العديمة الحس في جوهرها سطح حساس بالذات لما يلاقيه وحساس لما يحدث فيه الجسم الملفوف فيه بالعرض وهذه الأعضاء مثل الرئة والكبد والطحال والكليتين فإنها لا تحسّ بجواهرها البتة، لكن إنما تحس الأمور المصادمة لها بما عليها من الأغشية وإذا حدث فيها ريح أو ورم أحس. أما الريح فيحسه الغشاء بالعرض للتمدد الذي يحدث فيه، وأما الورم فيحسّه مبدأ الغشاء ومتعلقه بالعرض لأرجحنان العضو لثقل الورم. ثم اللحم: وهو حشو خلل وضع هذه الأعضاء في البدن وقوتها التي تعدم به وكل عضو فله في نفسه قوة غريزية بها يتمّ له أمر التغذي، وذلك هو جذب الغذاء وإمساكه وتشبيهه وإلصاقه ودفع الفضل، ثم بعد ذلك تختلف الأعضاء فبعضها له إلى هذه القوة قوة تصير منه إلى غيره، وبعضها ليس له ذلك. ومن وجه آخر فبعضها له إلى هذه القوة قوة تصير إليه من غيره، وبعضها ليس له تلك فإذا تركبت حدث عضو قابل معطٍ ، وعضو معطٍ غير قابل، وعضو قابل غير معط وعضو لا قابل ولا معطٍ ، أما العضو القابل المعطي فلم يشك أحد في وجوده، فإن الدماغ والكبد أجمعوا أن كل واحد منهما يقبل قوة الحياة والحرارة الغريزية والروح من القلب. وكل واحد منهما أيضاً مبدأ قوة يعطيها غيره. أما الدماغ: فمبدأ الحس عند قوم مطلقاً وعند قوم لا مطلقاً. وأما الكبد: فمبدأ التغذية عند قوم مطلقاً وعند قوم لا مطلقاً. وأما العضو القابل الغير المعطي فالشك في وجوده أبعد مثل اللحم القابل قوة الحس والحياة، وليس هو مبدأ لقوة يعطيها غيره بوجه. وأما القسمان الآخران فاختلف في أحدهما الأطباء مع الكثير من الحكماء فقال الكثير من القدماء: أن هذا العضو هو القلب وهو الأصل لكل قوة وهو يعطي سائر الأعضاء كلّها القوى التي تغذو والتي تدرك وتحرك. وأما الأطباء وقوم من أوائل الفلاسفة فقد فرقوا هذه القوى في الأعضاء ولم يقولوا بعضو معط غير قابل لقوة، وقول الكثير عند التحقيق والتدقيق أصح، وقول الأطباء في بادىء النظر أظهر ثم اختلف في القسم الآخر الأطباء فيما بينهم، والحكماء فيما بينهم، فذهبت طائفة إلى أن العظام واللحم الغير الحساس وما أشبههما إنما يبقى بقوى فيها تخصها لم تأتها من مبادٍ أخر ، لكنها بتلك القوى إذا وصل إليها غذاؤها كفت أنفسها فلا هي تفيد شيئاً اَخر قوة فيها، ولا أيضاً يفيدها عضو قوة أخرى. وذهبت طائفة إلى أن تلك القوى ليس تخضها لكنها فائضة إليها من الكبد أو القلب في أول الكون ثم استقرت فيه والطبيب ليس عليه أن يتتبع المخرج إلى الحق من هذين الاختلافين بالبرهان فليس له إليه سبيل من جهة ما هو طبيب ولا يضرّه في شيء من مباحثه وأعماله، ولكن يجب أن يعلم ويعتقد في الاختلاف الأوّل أنه لا عليه كان القلب مبدأ في الحس والحركة للدماغ وللقوة المغتذية للكبد، أو لم يكن فإن الدماغ إما بنفسه وإما بعد القلب مبدأ للأفاعيل النفسانية بالقياس إلى سائر الأعضاء. والكبد كذلك مبدأ للأفعال الطبيعية المغذية بالقياس إلى سائر الأعضاء. ويجب أن يعلم ويعتقد في الاختلاف الثاني أنه لا عليه كان حصول القوة الغريزية في مثل العظم عند أوّل الحصول من الكبد، أو يستحقه بمزاجه نفسه، أو لم يكن ولا واحد منهما، ولكن الآن يجب أن يعتقد أن تلك القوة ليست فائضة إليه من الكبد بحيث لو انسد السبيل بينهما وكان عند العظم غذاء مغذِ بطل فعله كما للحس والحركة إذا انسد العصب الجائي من الدماغ، بل تلك القوة صارت غريزية للعظم ما بقي على مزاجه، فحينئذ ينشرح له حال القسمة ويفترض له أعضاء رئيسية، وأعضاء خادمة للرئيسة، وأعضاء مرؤوسة بلا خدمة، وأعضاء غير رئيسة ولا مرؤوسة. فالأعضاء الرئيسة هي الأعضاء التي هي مبادٍ للقوى الأولى في البدن المضطر إليها في بقاء الشخص أو النوع. أما بحسب بقاء الشخص فالرئيسة ثلاث القلب وهو مبدأ قوة الحياة، والدماغ وهو مبدأ قوة الحسّ والحركة، والكبد هو مبدأ قوة التغذية. وأما بحسب بقاء النوع فالرئيسة هذه الثلاثة أيضاَ، ورابع يخصّ النوع وهو الانثيان اللذان يضطر إليهما لأمر وينتفع بهما لأمر أيضاً. أما الاضطرار فلأجل توليد المني الحافظ للنسل، وأما الانتفاع فلأجل إفادة تمام الهيئة والمزاج الذكوري والأنوثي اللذين هما من العوارض اللازمة لأنواع الحيوان، لا من الأشياء الداخلة في نفس الحيوانية. وأما الأعضاء الخادمة فبعضها تخدم خدمة مهيئة وبعضها تخدم خدمة مؤدّية، والخدمة المهيئة تسمى منفعة والخدمة المؤدية تسمّى خدمة على الاطلاق، والخدمة المهيئة تتقدم فعل الرئيس، والخدمة المؤدية تتأخّر عن فعل الرئيس. أما القلب فخادمه المهيء هو مثل الرئة والمؤدي مثل الشرايين. وأما الدماغ فخادمه المهيئ هو مثل الكبد وسائر أعضاء الغذاء وحفظ الروح، والمؤدي هو مثل العصب. وأما الكبد فخادمه المهيئ هو مثل المعدة، والمؤدي هو مثل الأوردة. وأما الانتيان فخادمهما المهيء مثل الأعضاء المولّدة للمني قبلها، وأما المؤدي ففي الرجال الإحليل وعروق بينهما وبينه، وكذلك في النساء عروق يندفع فيها المني إلى المحبل، وللنساء زيادة الرحم تتم فيه منفعة المني. وقال "جالينوس": إن من الأعضاء ما له فعل فقط، ومنها ما له منفعة فقط، ومنها ما له فعل ومنفعة معاً. الأول كالقلب، والثاني كالرئة، والثالث كالكبد. وأقول: أنه يجب أن نعني بالفعل ما يتم بالشيء وحده من الأفعال الداخلة في حياة الشخص أو بقاء النوع مثل ما للقلب في توليد الروح، وأن نعني بالمنفعة ما هي لقبول فعل عضو آخر حينئذ يصير الفعل تامًا في إفادة حياة الشخص، أو بقاء النوع كإعداد الرئة للهواء، وأما الكبد فإنه يهضم أولاً هضمه الثاني ويعد للهضم الثالث والرابع فيما يهضم الهضم الأول تامًا حتى يصلح ذلك الدم لتغذيته نفسه، ويكون قد فعل فعلاً وربما قد يفعل فعلاً عيناً لفعل منتظر يكون قد نفع. ونقول أيضاً من رأس: أن من الأعضاء ما يتكوّن عن المني وهي المتشابهة جزءاً خلا اللحم والشحم، ومنها ما يتكون عن الدم كالشحم واللحم فإن ما خلاهما يتكوّن عن المنيين مني الذكر ومني الأنثى، إلا أنها على قول من تحقق من الحكماء يتكون عن مني الذكر كما يتكون الجبن عن الأنفحة ، ويتكوّن عن مني الأنثى ما يتكوّن الجبن من اللبن، وكما أن مبدأ العقد في الأنفحة كذلك مبدأ عقد الصورة في مني الذكر، وكما أن مبدأ الانعقاد في اللبن فكذلك مبدأ انعقاد الصورة أعني القوة المنفعلة هو في مني المرأة، وكما أن كل واحد من الأنفحة واللبن جزء من جوهر الجبن الحادث عنها كذلك كل واحد من المنيين جزء من جوهر الجنين. وهذا القول يخالف قليلاً بل كثيراً قول "جالينوس "، فإنه يرى في كل واحد من المنيين قوة عاقدة وقابلة للعقد، ومع ذلك فلا يمتنع أن يقول: إن العاقدة في الذكوري أقوى والمنعقدة في الأنوثي أقوى، وأما تحقيق القول في هذا ففي كتبنا في العلوم الأصلية. ثم إن الدم الذي كان ينفصل عن المرأة في الأقراء يصير غذاء، فمنه ما يستحيل إلى مشابهة جوهر المني والأعضاء الكائنة منه، فيكون غذاء منمياً له ومنه ما لا يصير غذاء لذلك، ولكن يصلح لأن ينعقد في حشوه ويملأ الأمكنة من الأعضاء الأولى فيكون لحماً وشحماً، ومنه فضل لا يصلح لأحد الأمرين فيبقى إلى وقت النفاس فتدفعه الطبيعة فضلاً. وإذا ولد الجنين فإن الدم الذي يولده كبده يسد مسد ذلك الدم، ويتولد عنه ما كان يتولد عن ذلك الدم، واللحم يتولّد عن متين الدم ويعقده الحر واليبس. وأما الشحم فمن مائيته ودسمه ويعقده البرد، ولذلك يحله الحر وما كان من الأعضاء متخلفاً من المنيين فإنه إذا انفصل لم ينجبر بالاتصال الحقيقي إلا بعضه في قليل من الأحوال، وفي سن الصبا مثل العظام وشعب صغيرة من الأرودة دون الكبيرة ودون الشرايين، وإذا انتقص منه جزء لم ينبت عوضه شيء وذلك كالعظم والعصب وما كان متخلّقاً من الدم فإنه ينبت بعد انثلامه ويتصل بمثله كاللحم، وما كان متولداً عن دم فيه قوة المني بعد فما دام العهد بالمني قريباً فذلك العضو إذا فات أمكن أن ينبت مرة أخرى مثل السنّ في سنّ الصبا ، وأما إذا استولى على الدم مزاج آخر فإنه لا ينبت مرة أخرى. ونقول أيضاً: إن الأعضاء الحساسة المتحرّكة قد تكون تارة مبدأ الحس والحركة لهما جميعاً عصبة واحدة، وقد يفترق تارة ذلك فيكون مبداً لكل قوة عصبة. ونقول أيضاً: ان جميع الأحشاء الملفوفة في الغشاء منبت غشائها أحد غشاءي الصدر والبطن المستبطنين، أما ما في الصدر كالحجاب والأوردة والشريانات والرئة فمنيت أغشيتها من الغشاء المستبطن للأضلاع، وأما ما في الجوف من الأعضاء والعروق فمنبت أغشيتها من الصفاق المستبطن لعضل البطن وأيضاً فإن جميع الأعضاء اللحمية إما ليفية كاللحم في العضل وإما ليس فيها ليف كالكبد، ولا شيء من الحركات إلا بالليف. أما الإرادية فبسبب ليف العضل. وأما الطبيعية كحركة الرحم والعروق والمركبة كحركة الازدراد فبليف مخصوص بهيئة من وضع الطول والعرض، والتوريب فللجذب المطاول، وللدفع الليف الذاهب عرضاً العاصر، وللإمساك الليف المورب. وما كان من الأعضاء ذا طبقة واحدة مثل الأوردة فإن أصناف ليفه الثلاثة منتسج بعضها في بعض وما كان طبقتين فالليف الذاهب عرضاً يكون في طبقته الخارجة، والآخران في طبقته الداخلة، ألاَ أن الذاهب طولاً أميل إلى سطحه الباطن، وإنما خلق كذلك لئلا يكون ليف الجذب والدفع مقابل ليف الجذب والإمساك هما أولى بأن يكونان معاً، ألا في الأمعاء فإن حاجتها لم تكن إلى الإمساك شديدة بل إلى الجذب والدفع. ونقول أيضاَ: إن الأعضاء العصبانية المحيطة بأجسام غريبة عن جوهرها منها ما هي ذات طبقة واحدة ومنها ما هي ذات طبقتين وإنما خلق ما خلق منها ذا طبقتين لمنافع: أحدها مس الحاجة إلى شدة الاحتياط في وثاقة جسميتها لئلا تنشق لسبب قوة حركتها بما فيها كالشرايين. والثاني مس الحاجة إلى شدة الاحتياط في أمر الجسم المخزون فيها لئلا يتحلل أو يخرج. أما استشعار التحلل فبسبب سخافتها إن كانت ذا طبقة واحدة، وأما استشعار الخروج فبسبب إجابتها إلى الانشقاق لذلك أيضاً وهذا الجسم المخزون مثل الروح والدم المخزونين في الشرايين اللذين يجب أن يحتاط في صونهما ويخاف ضياعهما. أما الروح فبالتحلل، وأما الدم فبالشق وفي ذلك خطر عظيم. والثالث أنه إذا كان عضو يحتاج أن يكون كل احد من الدفع والجذب فيه بحركة قوية أفرد له آلة نجلا اختلاط وذلك كالمعدة والأمعاء. والرابع أنه إذا أريد أن تكون كل طبقة من طبقات العضو لفعل يخصه وكان الفعلان يحدث أحدهما عن مزاج مخالف للآخر كان. التفريق بينهما أصوب مثل المعدة، فإنه أريد فيها أن يكون لها الحس، وذلك إنما يكون بعضو عصباني وأن يكون لها الهضم، وذلك إنما يكون بعضو لحماني فأفردا لكل من الأمرين طبقة: طبقة عصبية للحس، وطبقة لحمية للهضم، وجعلت الطبقة الباطنية عصبية والخارجة لحمانية لأن الهاضم يجوز أن يصل إلى المهضوم بالقوة دون الملاقاة والحاس لا يجوز أن يلاقي المحسوس أعني في حس اللمس. وأقول أيضاً: إن الأعضاء منها، ما هي قريبة المزاج من الدم فلا يحتاج الدم في تغذيتها إلى أن يتصرَف في استحالات كثيرة مثل اللحم، فلذلك لم يجعل فيه تجاويف و بطون يقيم فيها الغذاء الواصل مدة لم يغتذ به اللحم، ولكن الغذاء كما يلاقيه يستحيل إليه. ومنها ما هي بعيدة المزاج عنه فيحتاج الدم في أن يستحيل إليه إلى أن يستحيل أولاً استحالات متدرجة إلى مشاكلة جوهره كالعظم، فلذلك جعل له في الخلقة إما تجويف واحد يحتوي غذاءه مدة يستحيل في مثلها إلى مجانسته مثل عظم الساق والساعد، أو تجويف متفرق فيه مثل عظم الفلك الأسفل، وما كان من الأعضاء هكذا فإنه يحتاج أن يمتاز من الغذاء قوق الحاجة في الوقت ليحيله إلى مجانسته شيئاً بعد شيء. والأعضاء القوية تدفع فضولها إلى جاراتها الضعيفة كدفع القلب إلى الإبطين والدماغ إلى ما خلف الأذنين والكبد إلى الأربيتين.
● [ يتم متابعة التعليم الخامس ] ●
القانون فى الطب لإبن سينا الكتاب الأول: الأمور الكلية فى علم الطب منتدى حُكماء رُحماء الطبى . البوابة