منتدى نافذة ثقافية

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

    الفصل الثالث من الباب الثاني

    بص وطل
    بص وطل
    Admin


    عدد المساهمات : 2283
    تاريخ التسجيل : 29/04/2014

    الفصل الثالث من الباب الثاني Empty الفصل الثالث من الباب الثاني

    مُساهمة من طرف بص وطل الخميس أبريل 22, 2021 12:50 pm

    الفصل الثالث من الباب الثاني Akeda_10

    بّسم اللّه الرّحمن الرّحيم
    مكتبة العقيدة
    أصول الإيمان في ضوء الكتاب والسنة
    الفصل الثالث من الباب الثاني
    الفصل الثالث من الباب الثاني 1410
    ● [ الفصل الثالث : الإيمان بالرسل ] ●

    يحتوي الفصل الثالث على أحد عشر مبحثًا :
    المبحث الأول : حكم الإيمان بالرسل وأدلته .
    المبحث الثاني : تعريف النبي والرسول والفرق بينهما .
    المبحث الثالث : كيفية الإيمان بالرسل .
    المبحث الرابع : ما يجب علينا نحو الرسل .
    المبحث الخامس : أولو العزم من الرسل .
    المبحث السادس : خصائص نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وحقوقه على أمته مع بيان أن رؤية النبي صلى الله عليه وسلم في المنام حق .
    المبحث السابع : ختم الرسالة وبيان أنه لا نبي بعده .
    المبحث الثامن : الإسراء بالرسول صلى الله عليه وسلم حقيقته وأدلته .
    المبحث التاسع : القول الحق في حياة الأنبياء عليهم السلام .
    المبحث العاشر : معجزات الأنبياء والفرق بينها وبين كرامات الأولياء .
    [ المبحث الأول ]
    حكم الإيمان بالرسل وأدلته

    الإيمان برسل الله تعالى واجب من واجبات هذا الدين وركن عظيم من أركان الإيمان . وقد دلت على ذلك الأدلة من الكتاب والسنة.
    قال تعالى : { آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا } (البقَرة : 285) . فذكر الله تعالى الإيمان بالرسل في جملة ما آمن به الرسول والمؤمنون ، من أركان الإيمان . وبين أنهم في إيمانهم بالرسل لا يفرقون بينهم فيؤمنوا ببعضهم دون بعض ، بل يصدقون بهم جميعًا.
    وقد بين الله في كتابه حكم من ترك الإيمان بالرسل . فقال تعالى : { إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا }{ أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا } (النساء : 150 ، 151) . فأطلق الكفر على من كذب بالرسل أو فرق بينهم بالإيمان ببعضهم والكفر ببعضهم . ثم قرر أن هؤلاء هم الكافرون حقًّا أي الذين تحقق كفرهم وتقرر صراحة.
    كما بين الله في مقابل ذلك في السياق نفسه ما عليه أهل الإيمان من ذلك فقال : { وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ أُولَئِكَ سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ أُجُورَهُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا } (النساء : 152) . فوصفهم بالإيمان بالله ورسله كلهم من غير تفريق بين الرسل في الإيمان ببعضهم دون بعض وإنما يعتقدون أنهم مرسلون من الله تعالى.
    وأما السنة فدلت كذلك على ما دل عليه الكتاب من أن الإيمان بالرسل ركن من أركان الإيمان وقد دَلّ على ذلك حديث جبريل المتقدم بنصه في مبحث " الإيمان بالملائكة " وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم أجاب لما سأله جبريل عليه السلام عن الإيمان فقال : « أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر » . . . ) (1) الحديث . فذكر الإيمان بالرسل مع بقية أركان الإيمان الأخرى الواجب على المسلم تحقيقها واعتقادها.
    وفي دعاء النبي صلى الله عليه وسلم في التهجد عند قيام الليل أنه كان يقول : « اللهم لك الحمد أنت نور السماوات والأرض ، ولك الحمد أنت قيم السماوات والأرض ، ولك الحمد أنت رب السماوات والأرض ومن فيهن ، أنت الحق ، ووعدك الحق ، وقولك الحق ، ولقاؤك الحق ، والجنة حق ، والنار حق ، والنبيون حق ، والساعة حق » . . . ) (2) .
    فشهادة النبي صلى الله عليه وسلم أن النبيين حق ضمن ما ذكر من أصول الإيمان العظيمة كالإيمان بالله وبوجود الجنة والنار وقيام الساعة وتقديمه ذلك بين يدي دعائه وقيامه دليل على أهمية الإيمان بالرسل والأنبياء ومكانته في الدين .
    فتقرر وجوب الإيمان بالرسل وأنه من أعظم دعائم هذا الدين ومن أكبر خصال الإيمان وأن من كذب بالرسل أو بأحد منهم فإنه كافر بالله العظيم كفرًا صريحًا بجحده هذا الركن العظيم من أركان الإيمان.
    _________
    (1) تقدم ص113 .
    (2) صحيح البخاري برقم (7499) .
    ثمرات الإيمان بالرسل


    إذا تحقق الإيمان بالرسل ترك آثاره الطيبة وثماره اليانعة على المؤمن فمن ذلك :
    1 - العلم برحمة الله تعالى وعنايته بخلقه حيث أرسل إليهم أولئك الرسل الكرام للهداية والإرشاد.
    2 - شكر الله على هذه النعمة الكبرى .
    3 - محبة الرسل وتوقيرهم والثناء عليهم بما يليق بهم لأنهم رسل الله تعالى وخلاصة عبيده ، ولما قاموا به من تبليغ رسالة الله لخلقه وكمال نصحهم لأقوامهم وصبرهم على أذاهم .
    [ المبحث الثاني ]
    تعريف النبي والرسول والفرق بينهما

    النبي في اللغة : مشتق من النبأ وهو الخبر ذو الفائدة العظيمة . قال تعالى : { عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ }{ عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ } (النبأ : 1 ، 2) . وسمي النبي نبيًّا لأنه مُخبرٌ من الله ، ويُخْبِرُ عن الله فهو مُخبَر ومُخبِر .
    وقيل النبي مشتق من النباوة : وهي الشيء المرتفع .
    وسمي النبي نبيًّا على هذا المعنى : لرفعة محله على سائر الناس . قال تعالى : { وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا } (مريم : 57) .
    والرسول في اللغة : مشتق من الإرسال وهو التوجيه . قال تعالى مخبرًا عن ملكة سبأ : { وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ } (النمل : 35) .
    وقد اختلف العلماء في تعريف كل من النبي والرسول في الشرع على أقوال أرجحها :
    أن النبي : هو من أوحى الله إليه بما يفعله ويأمر به المؤمنين .
    والرسول : هو من أوحى الله إليه وأرسله إلى من خالف أمر الله ليبلغ رسالة الله.
    والفرق بينهما :
    أن النبي هو من نبأه الله بأمره ونهيه ليخاطب المؤمنين ويأمرهم بذلك ولا يخاطب الكفار ولا يرسل إليهم.
    وأما الرسول فهو من أرسل إلى الكفار والمؤمنين ليبلغهم رسالة الله ويدعوهم إلى عبادته.
    وليس من شرط الرسول أن يأتي بشريعة جديدة فقد كان يوسف على ملة إبراهيم ، وداود وسليمان كانا على شريعة التوراة وكلهم رسل . قال تعالى : { وَلَقَدْ جَاءَكُمْ يُوسُفُ مِنْ قَبْلُ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِمَّا جَاءَكُمْ بِهِ حَتَّى إِذَا هَلَكَ قُلْتُمْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ مِنْ بَعْدِهِ رَسُولًا } (غافر : 34) . وقال تعالى : { إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُدَ زَبُورًا }{ وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا } (النساء : 163 ، 164).
    وقد يطلق على النبي أنه رسول كما قال تعالى : { وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ } (الحج : 52) فذكر الله عز وجل أنه يرسل النبي والرسول . وبيان ذلك أن الله تعالى إذا أمر النبي بدعوة المؤمنين إلى أمر فهو مرسل من الله إليهم لكن هذا الإرسال مقيد . وأما الإرسال المطلق فهو بإرسال الرسل إلى عامة الخلق من الكفار والمؤمنين.
    [ المبحث الثالث ]
    كيفية الإيمان بالرسل

    الإيمان بالرسل هو اعتقاد ما أخبر الله به عنهم في كتابه وأخبر به النبي صلى الله عليه وسلم في سنته إجمالا وتفصيلا.
    فالإيمان المجمل

    هو التصديق الجازم بأن الله تعالى بعث في كل أمة رسولا يدعوهم إلى عبادة الله وحده لا شريك له والكفر بما يعبد من دون الله . قال تعالى : { وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ } (النحل : 36) . وبأنهم جميعهم صادقون ، بارون ، راشدون ، كرام بررة ، أتقياء أمناء ، هداة مهتدون . قال تعالى : { هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ } (يس : 52) . وقال تعالى بعد أن ذكر طائفة كبيرة من الأنبياء والرسل : { وَمِنْ آبَائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوَانِهِمْ وَاجْتَبَيْنَاهُمْ وَهَدَيْنَاهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ }{ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ } (الأنعام : 87 ، 88).
    وبأنهم كلهم كانوا على الحق المبين ، والهدى المستبين جاءوا بالبينات من ربهم إلى أقوامهم . قال تعالى حكاية عن أهل الجنة : { لَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ } (الأعراف : 43) . وقال تعالى : { لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ } (الحديد : 25).
    وبأن أصل دعوتهم واحدة وهي الدعوة إلى توحيد الله وأما شرائعهم فمختلفة . قال تعالى : { وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ } (الأنبياء : 25) . وقال عز وجل : { لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا } (المائدة : 48).
    وبأنهم قد بلغوا جميع ما أرسلوا به البلاغ المبين ، فقامت بذلك الحجة على الخلق . قال تعالى : { لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالَاتِ رَبِّهِمْ وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا } (الجن : 28) . وقال تعالى : { رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ } (النساء : 165).
    ويجب الإيمان بأن الرسل بشر مخلوقون ، ليس لهم من خصائص الربوبية شيء . وإنما هم عباد أكرمهم الله بالرسالة . قال تعالى : { قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِنْ نَحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ } (إبراهيم : 11) . وقال تعالى عن نوح : { وَلَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ } (هود : 31) . وقال عز وجل آمرًا نبينا محمدًا صلى الله عليه وسلم أن يقول لقومه : { قُلْ لَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ } (الأنعام : 50).
    ومما يجب اعتقاده أيضًا في حق الرسل أنهم منصورون مؤيدون من الله ، وأن العاقبة لهم ولأتباعهم . قال تعالى : { إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ } (غافر : 51) . كما يجب اعتقاد تفاضل الرسل على ما أخبر عز وجل في قوله تعالى : { تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ } (البقرة : 253) .
    فيجب الإيمان بكل هذا وبكل ما جاء في الكتاب والسنة عن الرسل على وجه العموم إيمانًا مجملًا.
    وأما الإيمان المفصل

    فيكون بالإيمان بمن سمى الله تعالى في كتابه والنبي صلى الله عليه وسلم في سنته منهم ، إيمانًا مفصلًا على نحو ما جاءت به النصوص من ذكر أسمائهم وأخبارهم وفضائلهم وخصائصهم.
    والمذكورون في القرآن من الأنبياء والرسل خمسة وعشرون . ورد ذكر ثمانية عشر منهم في قوله تعالى : { وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ }{ وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلًّا هَدَيْنَا وَنُوحًا هَدَيْنَا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ }{ وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ }{ وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطًا وَكُلًّا فَضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ } (الأنعام : 83-86) . وورد ذكر الباقين في مواضع أخرى من القرآن . قال تعالى : { وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا } (الأعراف : 65).
    وقال : { وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا } (الأًعراف : 73) . وقال : { وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا } (الأعراف : 85) . وقال : { إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا } (آل عمران : 33) . وقال : { وَإِسْمَاعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا الْكِفْلِ كُلٌّ مِنَ الصَّابِرِينَ } (الأنبياء : 85) . وقال : { مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ } (الفتح : 29) . فيجب الإيمان بهؤلاء الأنبياء والمرسلين إيمانًا مفصلًا ، والإقرار لكل واحد منهم بالنبوة أو الرسالة على ما أخبر الله ورسوله صلى الله عليه وسلم عنهم.
    كما يجب اعتقاد صحة ما جاءت به النصوص من ذكر فضائلهم وخصائصهم وأخبارهم ، كاتخاذ الله إبراهيمَ ومحمدًا صلى الله عليهما وسلم خليلين لقوله تعالى : { وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا } (النساء : 125) . ولقول النبي صلى الله عليه وسلم : « إن الله اتخذني خليلًا كما اتخذ إبراهيم خليلًا » أخرجه مسلم (1) . وكتكليم الله تعالى لموسى لقوله تعالى : { وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا } (النساء : 164) . وكذلك تسخير الجبال والطير لداود يسبحن بتسبيحه ، قال تعالى : { وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُدَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فَاعِلِينَ } (الأنبياء : 79) . وإلانة الحديد لداود كما قال تعالى : { وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُدَ مِنَّا فَضْلًا يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ } (سبأ : 10) . وتسخير الرياح لسليمان تسير بأمره ، وتسخير الجن له يعملون بين يديه ما يشاء ، قال تعالى : { وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ وَمِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ } (سبأ : 12) . وتعليم سليمان منطق الطير ، قال تعالى : { وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُدَ وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ } (النمل : 16) .
    كما يجب الإيمان على وجه التفصيل بما قص الله عز وجل في كتابه من أخبار الرسل مع أقوامهم ، وما جرى بينهم من الخصومة ، ونصر الله لرسله وأتباعهم . كقصة موسى مع فرعون ، وإبراهيم مع قومه ، وقصص نوح وهود وصالح وشعيب ولوط مع أقوامهم . وما قص الله علينا في شأن يوسف مع إخوته وأهل مصر ، وقصة يونس مع قومه ، إلى آخر ما جاء في كتاب الله من أخبار الأنبياء والرسل ، وكذلك ما جاء في السنة فيجب الإيمان به إيمانًا مفصلًا بحسب ما جاءت به النصوص .
    وبذلك يتحقق الإيمان بالرسل بقسميه المجمل والمفصل . والله تعالى أعلم .
    _________
    (1) صحيح مسلم برقم (532) .
    [ المبحث الرابع ]
    ما يجب علينا نحو الرسل

    يجب على الأمة تجاه الرسل حقوق عظيمة بحسب ما أنزلهم الله من المنازل الرفيعة في الدين ، وما رفعهم الله إليه من الدرجات السامية الجليلة عنده ، وما شرفهم به من المهمات النبيلة وما اصطفاهم به من تبليغ وحيه وشرعه لعامة خلقه . ومن هذه الحقوق:
    1 - تصديقهم جميعًا فيما جاءوا به ، وأنهم مرسلون من ربهم ، مبلغون عن الله ما أمرهم الله بتبليغه لمن أرسلوا إليهم وعدم التفريق بينهم في ذلك . قال تعالى : { وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ } (النساء : 64) . وقال تعالى : { وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ } (المائًدة : 92) . وقال عز وجل : { إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا }{ أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا } (النساء : 150 ، 151) . فيجب تصديق الرسل فيما جاءوا به من الرسالات وهذا مقتضى الإيمان بهم.
    ومما يجب معرفته أنه لا يجوز لأحد من الثقلين متابعة أحدٍ من الرسل السابقين بعد مبعث محمد صلى الله عليه وسلم المبعوث للناس كافة ، إذْ أن شريعته جاءت ناسخة لجميع شرائع الأنبياء قبله فلا دين إلا ما بعثه الله به ولا متابعة إلا لهذا النبي الكريم . قال تعالى : { وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ }{ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ } (آل عمران : 85) . وقال تعالى : { وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ } (سبأ : 28) . وقال تعالى : { قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا } . . . (الأعراف : 158).
    2 - موالاتهم جميعًا ومحبتهم والحذر من بغضهم وعداوتهم .
    قال تعالى : { وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ } (المائدة : 56) . وقال تعالى : { وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ } (التوبة : 71) . فتضمنت الآية وصف المؤمنين بموالاة بعضهم لبعض فدخل في ذلك رسل الله الذين هم أكمل المؤمنين إيمانًا وعليه فإن موالاتهم ومحبتهم في قلوب المؤمنين هي أعظم من موالاة غيرهم من الخلق لعلو مكانتهم في الدين ورفعة درجاتهم في الإيمان . ولذا حذر الله من معاداة رسله وعطفها في الذكر على معاداة الله وملائكته وقرن بينهما في العقوبة والجزاء . فقال عز من قائل : { مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ } (البقرة : 98).
    3 - اعتقاد فضلهم على غيرهم من الناس ، وأنه لا يبلغ منزلتهم أحد من الخلق مهما بلغ من الصلاح والتقوى إذ الرسالة اصطفاء من الله يختص الله بها من يشاء من خلقه ولا تنال بالاجتهاد والعمل . قال تعالى : { اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ } (الحج : 75) . وقال تعالى : { وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ } (الأنعام : 83) . إلى أن قال بعد ذكر طائفة كبيرة من الأنبياء والمرسلين : { وَكُلًّا فَضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ } (الأنعام : 86) . وقد تقدم نقل هذا السياق في المبحث الأول من هذا الفصل.
    كما دلت السنة أيضًا على أن منزلة الرسل لا يبلغها أحد من الخلق لما رواه الشيخان من حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : « لا ينبغي لعبد أن يقول : أنا خير من يونس بن متى » (1) وفي رواية للبخاري : « من قال أنا خير من يونس بن متى فقد كذب » (2) . قال بعض شراح الحديث : " إنه صلى الله عليه وسلم قال هذا زجرًا أن يتخيل أحد من الجاهلين شيئًا من حط مرتبة يونس صلى الله عليه وسلم من أجل ما في القرآن العزيز من قصته " . وبيّن العلماء : " أن ما جرى ليونس صلى الله عليه وسلم لم يحطه من النبوة مثقال ذرة وخص يونس بالذكر لما ذكر الله من قصته في القرآن الكريم كقوله تعالى : { وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ }{ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ } (الأنبياء : 87 ، 88) . وقوله تعالى : { وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ } . . . الآيات (الصافات : 139-148) ".
    4 - اعتقاد تفاضلهم فيما بينهم وأنهم ليسوا في درجة واحدة بل فضل الله بعضهم على بعض . قال تعالى : { تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ } (البقَرة : 253) . قال الطبري في تفسير الآية : " يقول تعالى ذكره : هؤلاء رسلي فضلت بعضهم على بعض ، فكلمت بعضهم كموسى صلى الله عليه وسلم ورفعت بعضهم درجات على بعض بالكرامة ورفعة المنزلة " . فإنزال كل واحد منهم منزلته في الفضل والرفعة بحسب دلالات النصوص من جملة حقوقهم على الأمة.
    5 - الصلاة والسلام عليهم فقد أمر الله الناس بذلك وأخبر الله بإبقائه الثناء الحسن على رسله وتسليم الأمم عليهم من بعدهم . قال تعالى عن نوح : { وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ }{ سَلَامٌ عَلَى نُوحٍ فِي الْعَالَمِينَ } (الصافات : 78 ، 79) . وقال عن إبراهيم : { وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ }{ سَلَامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ } (الصافات : 108 ، 109) . وقال عن موسى وهارون : { وَتَرَكْنَا عَلَيْهِمَا فِي الْآخِرِينَ }{ سَلَامٌ عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ } (الصافات : 119 ، 120).
    وقال تعالى : { وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ } (الصافات : 181) . قال ابن كثير : " قوله تعالى { سَلَامٌ عَلَى نُوحٍ فِي الْعَالَمِينَ } (الصافات : 79) مفسرًا لما أبقى عليه من الذكر الجميل والثناء الحسن أنه يسلم عليه جميع الطوائف " . وقد نقل الإمام النووي إجماع العلماء على جواز الصلاة على سائر الأنبياء واستحبابها . قال : " أجمعوا على الصلاة على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم . وكذلك أجمع من يعتد به على جوازها على سائر الأنبياء والملائكة استقلالا وأما غير الأنبياء فالجمهور على أنه لا يصلى عليهم ابتداء ".
    فهذه طائفة مما يجب للرسل من حقوق على هذه الأمة مما دلت عليه النصوص وقرره أهل العلم . والله تعالى أعلم.
    _________
    (1) صحيح البخاري برقم (3416) ، ومسلم برقم (2376) ، واللفظ للبخاري .
    (2) صحيح البخاري برقم (4604) .
    ● [ للفصل الثالث بقية ] ●

    الفصل الثالث من الباب الثاني Fasel10

    كتاب أصول الإيمان في ضوء الكتاب والسنة
    المؤلف : نخبة من العلماء
    منتدى توتة و حدوتة ـ البوابة
    الفصل الثالث من الباب الثاني E110


      الوقت/التاريخ الآن هو الخميس نوفمبر 21, 2024 9:06 pm