بص وطل- Admin
- عدد المساهمات : 2283
تاريخ التسجيل : 29/04/2014
من طرف بص وطل الأحد أبريل 25, 2021 1:06 pm
بّسم اللّه الرّحمن الرّحيم
مكتبة العقيدة
جامع الرسائل فى العقيدة
صفات الله تعالى وعلوه على خلقه
بين النفي والإثبات
● [ السؤال ] ●
ما تقول السادة الفقهاء أئمة الدين، في رجلين تباحثا في مسألة الإثبات للصفات والجزم بإثبات العلو، فقال أحدهما يجب على أحد معرفة هذا، ولا البحث عنه، ويعتقد أن الله واحد في ملكه، وهو رب كل شيء وخالقه ومليكه، ومن تكلم في شيء من هذا فهو مجسم حشوي، فهل هذا القائل لهذا الكلام مصيب أم مخطئ، فإذا كان مخطئاً فما الدليل على أنه يجب على الناس أن يعتقدوا إثبات الصفات والعلو ويعرفوه، وما معنى التجسيم والحشو، أفتونا وابسطوا القول في هذا مأجورين إن شاء الله تعالى.
● [ الجواب ] ●
الحمد لله رب العالمين يجب على الخلق الإقرار بما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم، فما جاء به القرآن أو السنة المعلومة وجب على الخلق الإقرار به جملة، وتفصيلاً عند العلم بالتفصيل، فلا يكون الرجل مؤمناً حتى يقر بما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم، وهو تحقيق شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، فمن شهد أنه رسول الله شهد أنه صادق فيما يخبر به عن الله، فإن هذا حقيقة الشهادة بالرسالة، إذ الكاذب ليس برسول فيما يكذبه، وقد قال الله تعالى: (ولو تقوّل علينا بعض الأقاويل، لأخذنا منه باليمين، ثم لقطعنا منه الوتين).
وفي الجملة فهذا معلوم بالاضطرار من دين الإسلام لا يحتاج إلى تقريره هنا وهو الإقرار بما جاء النبي صلى الله عليه وسلم وهو ما جاء به من القرآن والسنة كما قال تعالى: (لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولاً من أنفسهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة). وقال تعالى: (كما أرسلنا فيكم رسولاً منكم يتلو عليكم آياتنا ويزكيكم ويعلمكم الكتاب والحكمة)، وقال تعالى: (واذكروا نعمة الله عليكم وما أنزل الله عليكم وما أنزل عليكم من الكتاب والحكمة يعظكم به). وقال تعالى: (وما أرسلنا من رسول إلا ليطاع بإذن الله). وقال تعالى: (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليماً).
وقال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول).
ومما جاء به الرسول رضاه عن السابقين الأولين، وعن من اتبعهم بإحسان إلى يوم الدين، كما قال: (والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه).
وما جاء به الرسول إخباره بأنه تعالى قد أكمل الدين بقوله: (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً)،
ومما جاء به الرسول أمر الله له بالبلاغ المبين كما قال تعالى: (وما على الرسول إلا البلاغ المبين). وقال تعالى: (وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم). وقال تعالى: (يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس).
ومعلوم أنه قد بلغ الرسالة كما أمر ولم يكتم منها شيئاً، فإن كتمان ما أنزله الله إليه يناقض موجب الرسالة كما أن الكذب يناقض موجب الرسالة، ومن المعلوم في دين المسلمين أنه معصوم من الكتمان لشيء من الرسالة كما أنه معصوم من الكذب فيها، والأمة تشهد له بأنه بلغ الرسالة كما أمره الله، وبين ما أنزل إليه من ربه، وقد أخبر الله بأنه قد أكمل الدين، وإنما كمل بما بلغه إذ الدين لم يعرف إلا بتبليغه فعلم أنه بلغ جميع الدين الذي شرعه الله لعباده كما قال صلى الله عليه وسلم: " تركتم على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها بعدي إلا هالك " وقال: " ما تركت من شيء يقربكم إلى الجنة إلا وقد حدثتكم به، وما من شيء يبعدكم عن النار إلا وقد حدثتكم به ".
وقال أبو ذر: لقد توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وما طائر يقلب جناحيه في السماء إلا ذكرنا منه علماً.
فإذا تبين هذا فقد صح ووجب على كل مسلم تصديقه فيما أخبر به عن الله تعالى من أسماء وصفاته مما جاء في القرآن وفي السنة الثابتة عنه كما كان عليه السابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان الذي رضي الله عنهم ورضوا عنه فإن هؤلاء الذين تلقوا عنه القرآن والسنة وكانوا يتلقون عنه ما في ذلك من العلم والعمل كما قال أبو عبد الرحمن السلمي لقد حدثنا الذين كانوا يقرؤننا القرآن كعثمان بن عفان وغيره أنهم كانوا إذا تعلموا من النبي صلى الله عليه وسلم عشر آيات لم يجاوزوها حتى يتعلموا ما فيها من العلم والعمل، قالوا فتعلمنا القرآن والعلم والعمل جميعاً، وقد قام عبد الله بن عمر وهو من أصاغر الصحابة في تعلم البقرة ثماني سنين وإنما ذلك لأجل الفهم والمعرفة وهذا معلوم من وجوه:
أحدها: أن العادة المطردة التي جبل الله عليها بني آدم توجب اعتناءهم بالقرآن المنزل عليهم لفظاً ومعنى، بل أن يكون اعتناؤهم بالمعنى أوكد، فإنه قد علم أنه من قرأ في الطب أو الحساب أو النحو أو الفقه أو غير ذلك فإنه لا بد أن يكون راغباً في فهمه وتصور معانيه، فكيف من قرأ كتاب الله تعالى المنزل إليهم الذي به هداهم الله وبه عرفهم الحق والباطل والخير والشر والهدى والضلال والرشاد والغي? فمن المعلوم أن رغبتهم في فهمه وتصور معانيه أعظم الرغبات بل إذا سمع المتعلم من العالم حديثاً فإنه يرغب في فهمه فكيف بمن يسمعون كلام الله من المبلغ عنه، بل ومن المعلوم أن رغبة الرسول صلى الله عليه وسلم في تعرفهم معاني القرآن أعظم من رغبته في تعرفهم حروفه، فإن معرفة الحروف بدون المعاني لا تحصل المقصود إذا اللفظ إنما يراد للمعنى.
الوجه الثاني: أن الله سبحانه وتعالى قد حضهم على تدبره وتعقله وإتباعه في غير موضع كما قال تعالى: (كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته). وقال تعالى: (أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها). وقال تعالى: (أفلم يدبروا القول أم جاءهم ما لم يأت آباءهم الأولين). وقال تعالى: (أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً)، فإذا كان قد حض الكفار والمنافقين على تدبره علم أن معانيه مما يمكن الكفار والمنافقين على تدبره وعلم أن معانيه مما يمكن فهمها ومعرفتها فكيف لا يكون ذلك للمؤمنين، وهذا يتبين أن معانيه كانت معروفة بينة لهم.
الوجه الثالث: أنه قال تعالى: (إنا أنزلناه قرآناً عربياً لعلكم تعقلون). وقال تعالى: (إنا جعلناه قرآناً عربياً لعلكم تعقلون)، فبين أنه أنزله عربياً لأن يعقلوا، والعقل لا يكون إلا مع العلم بمعانيه.
الوجه الرابع: أنه ذم من لا يفقهه فقال تعالى: (وإذا قرأت القرآن جعلنا بينك وبين الذين لا يؤمنون بالآخرة حجاباً مستوراً، وجعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه وفي آذانهم وقرا). وقال تعالى: (فما لهؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثاً)، فلو كان المؤمنون لا يفقهونه أيضاً لكانوا مشاركين للكفار والمنافقين فيما ذمهم الله تعالى به.
الوجه الخامس: أنه ذم من لم يكن حظه من السماع إلا سماع الصوت دون فهم المعنى وإتباعه فقال تعالى: (ومثل الذين كفروا كمثل الذي ينعق بما لا يسمع إلا دعاء ونداء صم بكم عمي فهم لا يعقلون). وقال تعالى: (أم تحسب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون، إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل سبيلاً)، وقال تعالى: (ومنهم من يستمع إليك حتى إذا خرجوا من عندك قالوا للذين أوتوا العلم ماذا قال آنفاً، أولئك الذين طبع الله على قلوبهم واتبعوا أهواءهم)، وأمثال ذلك. وهؤلاء المنافقون سمعوا صوت الرسول صلى الله عليه وسلم ولم يفهموا وقالوا: ماذا قالوا آنفاً، أي الساعة، وهذا كلام من لم يفقه. قال تعالى: (أولئك الذين طبع الله على قلوبهم واتبعوا أهواءهم)، فمن جعل السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار والتابعين لهم بإحسان غير عالمين بمعاني القرآن جعلهم بمنزلة الكفار والمنافقين فيما ذمهم الله تعالى عليه.
الوجه السادس: أن الصحابة رضي الله عنهم قرؤوا للتابعين القرآن كما قال مجاهد عرضت المصحف على ابن عباس من أوله إلى آخره أقف عند كل آية منه وأسأله عنها، ولهذا قال سفيان الثوري وإذا جاءك التفسير عن مجاهد فحسبك به، وكان ابن مسعود وابن عباس نقلوا عنه من التفسير ما لا يحصيه إلا الله، والتقول بذلك عن الصحابة والتابعين ثابتة معروفة عند أهل العلم بها.
[ أسباب الاختلاف في التفسير المأثور ]
فإن قال قائل قد اختلفوا في تفسير القرآن اختلافاً كثيراً ولو كان ذلك معلوماً عندهم عن الرسول صلى الله عليه وسلم ولم يختلفوا فيقال الاختلاف الثابت عن الصحابة بل وعن أئمة التابعين في القرآن أكثره لا يخرج عن وجوه:
أحدها: أن يعبر كل منهم عن معنى الاسم بعبارة غير عبارة صاحبه فالمسمى واحد وكل اسم يدل على معنى لا يدل عليه الاسم الأخر مع أن كلاهما حق بمنزلة تسمية الله تعالى بأسمائه الحسنى وتسمية الرسول صلى الله عليه وسلم بأسمائه وتسمية القرآن العزيز بأسمائه فقال تعالى: (قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أياً ما تدعوا فله الأسماء الحسنى)، فإذا قيل الرحمن الرحيم الملك القدوس السلام فهي كلها أسماء لمسمى واحد سبحانه وتعالى وإن كل اسم يدل على نعت لله لا يدل عليه الاسم الآخر ومثال هذا من التفسير كلام العلماء في تفسير الصراط المستقيم، فهذا يقول هو الإسلام وهذا يقول هو القرآن أي إتباع القرآن، وهذا يقول السنة والجماعة وهذا يقول طريق العبودية، وهذا يقول طاعة الله ورسوله، ومعلوم أن الصراط يوصف بهذه الصفات كلها ويسمى بهذه الأسماء كلها، ولكن كل واحد منهم دل المخاطب على النعت الذي به يعرف الصراط وينتفع بمعرفة ذلك النعت.
الوجه الثاني: أن يذكر كل منهم من تفسير الاسم بعض أنواعه أو أعيانه على سبيل التمثيل للمخاطب لا على الحصر والإحاطة كما لو سأل أعجمي عن معنى لفظ الخبز فأري رغيفاً وقيل هذا هو فذاك مثال للخبز وإشارة إلى جنسه لا إلى ذلك الرغيف خاصة، ومن هذا ما جاء عنهم في قوله تعالى: (فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات)، فالقول الجامع أن الظالم لنفسه: المفرط بترك مأمور أو فعل محظور، والمقتصد: القائم بأداء الواجبات وترك المحرمات، والسابق بالخيرات بمنزلة المقرب الذي يتقرب إلى الله بالنوافل بعد الفرائض حتى يحبه الحق، ثم إن كلاً منهم يذكر نوعاً من هذا فإن قال قائل الظالم المؤخر للصلاة عن وقتها، والمقتصد المصلي لها في وقتها، والسابق المصلي لها في أول وقتها حيث يكون التقديم أفضل، وقال آخر الظالم لنفسه هو البخيل الذي لا يصل رحمه ولا تمام زكاته، والمقتصد القائم بما يجب عليه من الزكاة وصلة الرحم وقرى الضيف والإعطاء في النائبة، والسابق الفاعل المستحب بعد الواجب كما فعل الصديق الأكبر حين جاء بماله كله، ولم يكن مع هذا يأخذ من أحد شيئاً وقال آخر الظالم لنفسه الذي يصوم عن الطعام لا عن الآثام، والمقتصد الذي يصوم عن الطعام والآثام، والسابق الذي يصوم عن كل ما لا يقربه إلى الله تعالى وأمثال ذلك، لم تكن الأقوال متنافية بل كل ذكر نوعاً مما تناولته الآية.
الوجه الثالث: أن يذكر أحدهم لنزول الآية سبباً ويذكر الآخر سبباً آخر لا ينافي الأول، ومن الممكن نزولها لأجل السببين جميعاً أو نزولها مرتين مرة لهذا ومرة لهذا، وأما ما صح عن السلف أنهم اختلفوا فيه اختلاف تناقض، فهذا قليل بالنسبة إلى ما لم يختلفوا فيه كما أن تنازعهم في بعض مسائل السنة كبعض مسائل الصلاة والزكاة والصيام والحج والفرائض والطلاق ونحو ذلك لا يمنع أن يكون أن يكون أصل هذه السنن مأخوذاً عن النبي صلى الله عليه وسلم، وجملها منقولة عنه بالتواتر.
وقد تبين أن الله تعالى أنزل عليه الكتاب والحكمة، وأمر أزواج نبيه صلى الله عليه وسلم أن يذكرن ما يتلى في بيوتكهن من آيات الله والحكمة، وقد قال غير واحد من السلف أن الحكمة هي السنة وقد قال صلى الله عليه وسلم: " ألا إني أوتيت الكتاب ومثله معه "، فما ثبت عنه من السنة فعلينا إتباعه سواء قيل إنه من القرآن ولم نفهمه نحن، أو قيل ليس في القرآن، كما أن ما اتفق عليه السابقون الأولون والذين اتبعوهم بإحسان فعلينا أن نتبعهم فيه سواء قيل إنه كان منصوصاً في السنة ولم يبلغنا ذلك أو قيل إنه مما استنبطوه واستخرجوه باجتهادهم من الكتاب والسنة.
● [ انتهت المقدمة ] ●
جامع الرسائل فى العقيدة
تأليف : ابن تيمية
منتدى ميراث الرسول ـ البوابة