بص وطل- Admin
- عدد المساهمات : 2283
تاريخ التسجيل : 29/04/2014
من طرف بص وطل الجمعة أبريل 30, 2021 12:32 pm
بّسم اللّه الرّحمن الرّحيم
مكتبة العقيدة
أصول الإيمان في ضوء الكتاب والسنة
تابع الفصل الثالث من الباب الثاني
● [ المبحث الخامس ] ●
أولو العزم من الرسل
أولو العزم من الرسل هم : ذوو الحزم والصبر . قال تعالى : { فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ } (الأحقاف : 35) .
وقد اختلف العلماء فيهم . فقيل المراد بأولي العزم هم جميع الرسل . و" من " في قوله { مِنَ الرُّسُلِ } لبيان الجنس لا للتبعيض . قال ابن زيد : " كل الرسل . كانوا أولي عزم لم يبعث الله نبيًّا إلا كان ذا عزم وحزم ورأي وكمال عقل ".
وقيل هم خمسة : نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد صلى الله عليهم وسلم . قال ابن عباس : " أولو العزم من الرسل النبي صلى الله عليه وآله وسلم ونوح وإبراهيم وموسى وعيسى " . وبهذا القول قال مجاهد وعطاء الخراساني ، وعليه كثير من متأخري أهل العلم .
وقد ذكر الله هؤلاء الخمسة مجتمعين في موطنين من كتابه وبه استدل لهذا القول . الأول في سورة الأحزاب . قال تعالى : { وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا } (الأحزاب : 7) . والثاني في سورة الشورى.
قال تعالى : { شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ } (الشورى : 13) . قال بعض المفسرين : " ووجه تخصيصهم بالذكر الإعلام بأن لهم مزيد شرف وفضل لكونهم من أصحاب الشرائع المشهورة ومن أولي العزم من الرسل " .
وهؤلاء الخمسة هم أفضل الرسل وخيار بني آدم . فعن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال : (خيار ولد آدم خمسة نوح وإبراهيم وعيسى وموسى ومحمد صلى الله عليه وسلم وخيرهم محمد صلى الله عليه وسلم وصلى الله وسلم عليهم أجمعين) (1) .
وأفضلهم محمد صلى الله عليه وسلم على ما أخرج البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : « أنا سيد ولد آدم يوم القيامة وأول من ينشق عنه القبر وأول شافع وأول مشفع » (2) .
_________
(1) أخرجه البزار انظر كشف الأستار (3 / 114) ، والهيثمي في المجمع (8 / 255) وقال : « رجاله رجال الصحيح » ، والحاكم وقال صحيح الإسناد ووافقه الذهبي ، المستدرك للحاكم : 2 / 546 .
(2) أخرجه مسلم برقم (2278) ، وأبو داود : 5 / 38 ، برقم (4673) .
[ المبحث السادس ]
خصائص نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وحقوقه على أمته
مع بيان أن رؤية النبي صلى الله عليه وسلم في المنام حق
أولا : خصائصه صلى الله عليه وسلم
لقد خص الله تبارك وتعالى نبينا محمدًا صلى الله عليه وسلم بكثير من الخصائص والمناقب التي فضله بها على غيره من المرسلين وميزه عن سائر العالمين . ومن هذه الخصائص:
1 - عموم رسالته لكافة الثقلين من الجن والإنس فلا يسع أحدًا منهم إلا اتباعه والإيمان برسالته . قال تعالى : { وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا } (سبأ : 28) . وقال تعالى : { تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا } (الفرقان : 1) . قال ابن عباس رضي الله عنهما : " العالمين : الجن والإنس " . وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : « فضلت على الأنبياء بست : أعطيت جوامع الكلم ، ونصرت بالرعب ، وأحلت لي الغنائم ، وجعلت لي الأرض طهورًا ومسجدًا ، وأرسلت إلى الخلق كافة ، وختم بي النبيون » (1) . وأخرج الإمام مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : « والذي نفس محمد بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ، ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار » (2).
2 - أنه خاتم الأنبياء والمرسلين كما دلت على ذلك النصوص . قال تعالى : { مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ } (الأحزاب : 40) . وأخرج الشيخان من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « (إن مثلي ومثل الأنبياء من قبلي كمثل رجل بنى بيتًا فأحسنه وأجمله ، إلا موضع لبنة من زاوية ، فجعل الناس يطوفون به ويعجبون له ويقولون : هلا وضعت هذه اللبنة ؟ قال : فأنا اللبنة وأنا خاتم النبيين » (3) . ولهذه النصوص أجمعت الأمة سلفًا وخلفًا على هذه العقيدة كما أجمعت على تكفير من ادعى النبوة بعده صلى الله عليه وسلم ووجوب قتل مدعيها إن أصر على ذلك . قال الألوسي : " وكونه صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين مما نطق به الكتاب ، وصدعت به السنة ، وأجمعت عليه الأمة ، فيكفر مدعي خلافه ويقتل إن أصر ".
3 - أن الله أيده بأعظم معجزة وأظهر آية وهو القرآن العظيم ، كلام الله المحفوظ من التغيير والتبديل ، الباقي في الأمة إلى أن يأذن الله برفعه إليه . قال تعالى : { قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا } (الإسراء : 88) . وقال تعالى : { أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } (العنكبوت : 51) . وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : « ما من الأنبياء نبي إلا أعطي من الآيات ما مثله آمن عليه البشر ، وإنما كان الذي أوتيته وحيا أوحاه الله إلي ، فأرجو أن أكون أكثرهم تابعا يوم القيامة » (4).
4 - أن أمته خير الأمم وأكثر أهل الجنة . قال تعالى : { كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ } (آل عمران : 110) . وعن معاوية بن حيدة القشيري رضي الله عنه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول في قوله تعالى { كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ } قال : « إنكم تتمون سبعين أمة أنتم خيرها وأكرمها على الله » (5) . وفي الصحيحين عن عبد الله بن مسعود قال : « كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في قبة فقال : ( أترضون أن تكونوا ربع أهل الجنة ) . قلنا : نعم . قال : ( أترضون أن تكونوا ثلث أهل الجنة ) . قلنا نعم . قال : ( أترضون أن تكونوا شطر أهل الجنة ) . قلنا : نعم . قال : ( والذي نفس محمد بيده إني لأرجو أن تكونوا نصف أهل الجنة وذلك أن الجنة لا يدخلها إلا نفس مسلمة وما أنتم في أهل الشرك إلا كالشعرة البيضاء في جلد الثور الأسود ، أو كالشعرة السوداء في جلد الثور الأحمر ) » (6).
5 - أنه سيد ولد آدم يوم القيامة . فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « أنا سيد ولد آدم يوم القيامة وأول من ينشق عنه القبر وأول شافع وأول مشفع » (7).
6 - أنه صاحب الشفاعة العظمى وذلك عندما يشفع لأهل الموقف في أن يقضي بينهم ربهم بعد أن يتدافعها أفضل الرسل وهي المقام المحمود المذكور في قوله تعالى : { عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا } (الإسراء : 79) . وقد فسر المقام المحمود بالشفاعة جمع من الصحابة والتابعين منهم حذيفة وسلمان وأنس وأبو هريرة وابن مسعود وجابر بن عبد الله وابن عباس ومجاهد وقتادة وغيرهم . وقال قتادة : " كان أهل العلم يرون المقام المحمود هو شفاعته يوم القيامة " . وقد دلت السنة كذلك على شفاعته صلى الله عليه وسلم في أهل الموقف كما جاء ذلك في حديث الشفاعة الطويل الذي أخرجه الشيخان من حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر اعتذار آدم ثم نوح ثم إبراهيم ثم موسى ثم عيسى عن قبول الشفاعة وكلهم يقول : (لست هناك) إلى أن قال : « فيأتونني فأنطلق ، فأستأذن على ربي فيؤذن لي عليه ، فإذا رأيت ربي وقعت له ساجدا فيدعني ما شاء الله أن يدعني ، ثم يقال لي : ارفع محمد ، قل يسمع ، وسل تعطه ، واشفع تشفع فأحمد ربي بمحامد علمنيها ثم أشفع » . . ) (8) الحديث.
7 - أنه صاحب لواء الحمد وهو لواء حقيقي يختص بحمله يوم القيامة ، ويكون الناس تبعا له وتحت رايته واختص به لأنه حمد الله بمحامد لم يحمده بها غيره . ذكر هذا بعض أهل العلم . وقد دلت السنة على اختصاصه بهذه الفضيلة العظيمة . فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « أنا سيد ولد آدم يوم القيامة ، وبيدي لواء الحمد ولا فخر ، وما من نبي يومئذ آدم فمن سواه ، إلا تحت لوائي ، وأنا أول من تنشق عنه الأرض ولا فخر » (9) .
8 - أنه صاحب الوسيلة ، وهي درجة عالية في الجنة ، لا تكون إلا لعبد واحد ، وهي أعلى درجات الجنة . فعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : « إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول ثم صلوا علي ، فإنه من صلى علي صلاة صلى عليه الله بها عشرا ، ثم سلوا الله لي الوسيلة ، فإنها منزلة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله ، وأرجو أن أكون أنا هو فمن سأل لي الوسيلة حلت له الشفاعة » (10).
إلى غير ذلك من خصائصه ومناقبه صلى الله عليه وسلم ، الدالة على علو درجته عند ربه ، وسمو مكانته في الدنيا والآخرة ، وهي كثيرة جدا.
_________
(1) أخرجه مسلم برقم (523) .
(2) أخرجه مسلم برقم (153) .
(3) صحيح البخاري برقم (3535) ، ومسلم برقم (2286) ، واللفظ للبخاري.
(4) صحيح البخاري برقم (4981) ، ومسلم برقم (152) .
(5) أخرجه أحمد في المسند : 4 / 447 ، والترمذي وقال حديث حسن ، والترمذي : 5 / 226 ، برقم (3001) ، والحاكم وصححه ووافقه الذهبي.
(6) صحيح البخاري برقم (6528) ، ومسلم برقم (221) .
(7) أخرجه مسلم برقم (2278) . وتقدم صفحة 109 .
(8) صحيح البخاري برقم (3340) ، ومسلم برقم (193) .
(9) أخرجه الترمذي وقال : هذا حديث حسن صحيح ، سنن الترمذي 5 / 587 ، برقم (3615) ، وبنحوه الإمام أحمد في المسند : 3 / 2.
(10) رواه مسلم برقم (384) .
ثانيا : حقوق النبي صلى الله عليه وسلم على أمته
حقوق النبي صلى الله عليه وسلم على أمته كثيرة وقد تقدم ذكر بعضها فيما يجب على الأمة من حقوق عامة تجاه الرسل قاطبة . وفيما يلي عرض لبعض حقوقه الخاصة على أمته ، وهي : 1- الإيمان المفصل بنبوته ورسالته واعتقاد نسخ رسالته لجميع الرسالات السابقة . ومقتضى ذلك : تصديقه فيما أخبر ، وطاعته فيما أمر ، واجتناب ما نهى عنه وزجر ، وأن لا يعبد الله إلا بما شرع . وقد دلت على ذلك الأدلة من الكتاب والسنة . قال تعالى : { فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنْزَلْنَا } (التغابن : . وقال تعالى : { فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ } (الأعراف : 158) . وقال عز وجل : { وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا } (الحشر : 7) . وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا رسول الله ، ويقيموا الصلاة ، ويؤتوا الزكاة ، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام وحسابهم على الله » (1) .
2 - وجوب الإيمان بأن الرسول صلى الله عليه وسلم بلغ الرسالة ، وأدى الأمانة ، ونصح للأمة ، فما من خير إلا ودل الأمة عليه ورغبها فيه ، وما من شر إلا ونهى الأمة عنه وحذرها منه . قال تعالى : { الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا } (المائدة : 3) . وعن أبي الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( . . « وأيم الله لقد تركتكم على مثل البيضاء ، ليلها ونهارها سواء » (2) . وقد شهد للنبي بالبلاغ أصحابه في أكبر مجمع لهم يوم أن خطبهم في حجة الوداع خطبته البليغة فبين لهم ما أوجب الله عليهم وما حرم عليهم وأوصاهم بكتاب الله إلى أن قال لهم : « وأنتم تسألون عني فما أنتم قائلون » . قالوا : نشهد أنك قد بلغت وأديت ونصحت . فقال بإصبعه السبابة يرفعها إلى السماء وينكتها إلى الناس : « اللهم اشهد اللهم اشهد ثلاث مرات » (3) . وقال أبو ذر رضي الله عنه : (لقد تركنا محمد صلى الله عليه وسلم وما يحرك طائر جناحيه في السماء إلا أذكرنا منه علما) (4) . والآثار في هذا كثيرة عن السلف رحمهم الله .
3 - محبته صلى الله عليه وسلم وتقديم محبته على النفس وسائر الخلق . والمحبة وإن كانت واجبة لعموم الأنبياء والرسل إلا أن لنبينا صلى الله عليه وسلم مزيد اختصاص بها ولذا وجب أن تكون محبته مقدمة على محبة الناس كلهم من الأبناء والآباء وسائر الأقارب بل مقدمة على محبة المرء لنفسه . قال تعالى : { قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ } (التوبة : 24) . فقرن الله محبة رسوله صلى الله عليه وسلم بمحبته عز وجل وتوعد من كان ماله وأهله وولده أحب إليه من الله ورسوله - توعدهم بقوله : { فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ } . وفي الصحيحين من حديث أنس رضي الله عنه قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : « لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين » (5) . وعن عمر رضي الله عنه أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم : يا رسول الله أنت أحب إلي من كل شيء إلا من نفسي . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : « لا والذي نفسي بيده حتى أكون أحب إليك من نفسك » . فقال له عمر : فإنه الآن والله لأنت أحب إلي من نفسي . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : « الآن يا عمر » (6).
4 - تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم وتوقيره وإجلاله . فإن هذا من حقوق النبي صلى الله عليه وسلم التي أوجبها الله في كتابه . قال تعالى : { لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ } (الفتح : 9) . وقال تعالى : { فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ } (الأعراف : 157) . قال ابن عباس : " تعزروه : تجلوه . وتوقروه : تعظموه " . وقال قتادة : " تعزروه : تنصروه . وتوقروه : أمر الله بتسويده " . وقال تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ } (الحجرات : 1) . وقال عز وجل : { لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا } (النور : 63) . قال مجاهد : " أمرهم أن يدعوه يا رسول الله في لين وتواضع ولا يقولوا يا محمد في تجهم " . وقد ضرب أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أروع الأمثال في تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم . قال أسامة بن شريك : " أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه حوله كأنما على رؤوسهم الطير " . وتعظيم النبي صلى الله عليه وسلم واجب بعد موته كتعظيمه في حياته . قال القاضي عياض : " واعلم أن حرمة النبي صلى الله عليه وسلم بعد موته ، وتوقيره وتعظيمه ، لازم كما كان حال حياته ، وذلك عند ذكره صلى الله عليه وسلم ، وذكر حديثه وسنته ، وسماع اسمه وسيرته ، ومعاملة آله وعترته ، وتعظيم أهل بيته وصحابته ".
5 - والصلاة والتسليم على النبي صلى الله عليه وسلم والإكثار من ذلك كما أمر الله بذلك . قال تعالى : { إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا } (الأحزاب : 56) . قال المبرد : " أصل الصلاة : الترحم . فهي من الله رحمة . ومن الملائكة رقة واستدعاء للرحمة من الله " . وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : « من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشرا » (7) . وعن علي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : « البخيل الذي من ذكرت عنده فلم يصل علي » (8) . والصلاة والسلام وإن كانت مشروعة في حق الأنبياء كلهم كما تقدم فهي متأكدة في حق نبينا صلى الله عليه وسلم ومن أعظم حقوقه على أمته وهي واجبة عليهم ولذا ذكرناها هنا من جملة حقوقه الخاصة على أمته . وقد صرح العلماء بوجوب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ونقل بعضهم الإجماع على ذلك . قال القاضي عياض : " اعلم أن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فرض على الجملة ، غير محدد بوقت لأمر الله تعالى بالصلاة عليه ، وحمله الأئمة والعلماء على الوجوب وأجمعوا عليه ".
6 - الإقرار له بما ثبت في حقه من المناقب الجليلة والخصائص السامية والدرجات العالية الرفيعة على ما تقدم بيان بعضها في أول هذا المبحث وغير ذلك مما دلت عليه النصوص . والتصديق بكل ذلك والثناء عليه به ونشره في الناس ، وتعليمه للصغار وتنشئتهم على محبته وتعظيمه ومعرفة قدره الجليل عند ربه عز وجل .
7 - تجنب الغلو فيه والحذر من ذلك فإن في ذلك أعظم الأذية له صلى الله عليه وسلم . قال تعالى آمرًا نبيه صلى الله عليه وسلم أن يخاطب الأمة بقوله : { قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا } (الكهف : 110) . وبقوله : { قُلْ لَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ } (الأنعام : 50).
فأمر اللهّ نبيه صلى الله عليه وسلم أن يقرر للأمة أنه مرسل من الله ليس له من مقام الربوبية شيء وليس هو بمَلَك إنما يتبع أمر ربه ووحيه . كما حذر النبي صلى الله عليه وسلم أمته من الغلو فيه والتجاوز في إطرائه ومدحه . ففي صحيح البخاري من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : « لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم فإنما أنا عبده ، فقولوا : عبد الله ورسوله » (9) . والإطراء : هو المدح بالباطل ومجاوزة الحد في المدح ذكره ابن الأثير . وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال : جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فراجعه في بعض الكلام فقال : ما شاء الله وشئت! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « أجعلتني لله ندًّا بل ما شاء الله وحده » (10) . فحذر النبي صلى الله عليه وسلم من الغلو فيه وإنزاله فوق منزلته ، مما يختص به الرب عز وجل . وفي هذا تنبيه إلى غير ما ذكر من أنواع الغلو فإن الغلو في النبي صلى الله عليه وسلم محرم بشتى صوره وأشكاله.
ومن صور الغلو في النبي صلى الله عليه وسلم التي تصل إلى حدّ الشرك ، التوجه له بالدعاء فيقول القائل : يا رسول الله افعل لي كذا وكذا . فإن هذا دعاء والدعاء عبادة لا يصح صرفها لغير الله . ومن صور الغلو فيه صلى الله عليه وسلم الذبح له أو النذر له أو الطواف بقبره أو استقبال قبره بصلاة أو عبادة فكل هذا محرم لأنه عبادة وقد نهى الله عن صرف شيء من أنواع العبادة لأحد من المخلوقين فقال عز وجل : { قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ }{ لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ } (الأنعام : 162 ، 163).
8 - ومن حقوق النبي صلى الله عليه وسلم محبة أصحابه وأهل بيته وأزواجه وموالاتهم جميعًا والحذر من تنقصهم أو سبهم أو الطعن فيهم بشيء فإن الله قد أوجب على هذه الأمة موالاة أصحاب نبيه وندب من جاء بعدهم إلى الاستغفار لهم وسؤال الله أن لا يجعل في قلوبهم غلا لهم . فقال بعد أن ذكر المهاجرين والأنصار : { وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ } (الحشر : 10) . وقال تعالى في حق قرابة رسوله صلى الله عليه وسلم وأهل بيته : { قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى } (الشورى : 23) . جاء في تفسير الآية : " قل لمن اتبعك من المؤمنين لا أسألكم على ما جئتكم به أجرًا إلا أن تودوا قرابتي " . وأخرج مسلم في صحيحه من حديث زيد بن أرقم رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام خطيبًا في الناس فقال : « أما بعد ألا أيها الناس . فإنما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربي فأجيب وأنا تارك فيكم ثقلين : أولهما كتاب فيه الهدى والنور . فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به » . فحث على كتاب الله ورغب فيه ثم قال : « وأهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي . أذكركم الله في أهل بيتي ، أذكركم الله في أهل بيتي » (11) . فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بالإحسان إلى أهل بيته وأن يعرف لهم قدرهم وحقهم ، لقربهم منه وشرفهم . كما أوصى النبي صلى الله عليه وسلم بأصحابه خيرًا ونهى عن سبّهم وتنقصهم فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « لا تسبوا أصحابي فلو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبًا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه » (12) أخرجه الشيخان . وقد كان من أعظم أصول أهل السنة التي اجتمعت عليه كلمتهم محبة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقرابته وأزواجه وما كانوا يعدون الطعن فيهم إلا علامة الزيغ والضلال . قال أبو زرعة : " إذا رأيت الرجل ينتقص أحدًا من أصحاب رسول الله فاعلم أنه زنديق " . وقال الإمام أحمد : " إذا رأيت رجلًا يذكر أحدًا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم (أي بسوء) فاتهمه على الإسلام ".
فهذه بعض حقوق النبي صلى الله عليه وسلم على أمته على سبيل الإيجاز والاختصار والله تعالى الهادي لنا ولإخواننا على تأديتها والعمل بها.
_________
(1) صحيح البخاري برقم (25) ، ومسلم برقم (22) .
(2) سنن ابن ماجه (المقدمة) : 1 / 4 ، برقم (5) .
(3) أخرجه مسلم من حديث جابر عبد الله في حجة النبي صلى الله عليه وسلم ، برقم (1218).
(4) أخرجه أحمد في المسند : 5 / 153 .
(5) صحيح البخاري برقم (15) ، ومسلم برقم (44) .
(6) رواه البخاري من حديث عبد الله بن هشام برقم (6632) .
(7) رواه مسلم برقم (384) .
(8) رواه الترمذي 5 / 551 رقم (3546) وقال حديث حسن صحيح وأحمد في المسند : 1 / 201.
(9) صحيح البخاري برقم (3445) ، وبنحوه الإمام أحمد في المسند : 1 / 23 .
(10) رواه الإمام أحمد في المسند : 1 / 214 ، وبنحوه ابن ماجه في السنن برقم (2117).
(11) صحيح مسلم برقم (2408) .
(12) صحيح البخاري برقم (3673) ، ومسلم برقم (2541) ، واللفظ للبخاري.
ثالثًا : بيان أن رؤية النبي صلى الله عليه وسلم في المنام حق
دلت السنة على إمكانية رؤية النبي صلى الله عليه وسلم في المنام وأن من رآه في المنام فقد رآه .
فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : « من رآني في المنام فقد رآني . فإن الشيطان لا يتمثل بي » (1) أخرجه مسلم . وفي لفظ آخر أخرجه الشيخان من حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « من رآني في المنام فسيراني في اليقظة ، ولا يتمثل الشيطان بي » (2) قال البخاري قال ابن سيرين : " إذا رآه في صورته " . وعن جابر بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : « من رآني في النوم فقد رآني فإنه لا ينبغي للشيطان أن يتشبه بي » (3) رواه مسلم.
فدلت الأحاديث على صحة رؤية النبي صلى الله عليه وسلم في المنام وأن من رآه فرؤياه صحيحة لأن الشيطان لا يتصور في صورة رسول الله صلى الله عليه وسلم على أنه ينبغي أن يتنبه إلى أن الرؤية الصحيحة لرسول الله صلى الله عليه وسلم هو أن يُرى على صورته الحقيقية المعروفة من صفاته ، وإلا فلا تكون الرؤية صحيحة ولذا قال ابن سيرين : " إذا رآه في صورته " كما تقدم النقل عنه من صحيح البخاري . ولذا أورد البخاري قول ابن سيرين بعد ذكر الحديث على سبيل التفسير لمعنى الرؤية في الحديث . ويشهد لهذا ما أخرجه الحاكم من طريق عاصم بن كليب : حدثني أبي قال : قلت لابن عباس رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في المنام . قال : صفه لي . قال : ذكرت الحسن بن علي فشبهته به . قال : إنه كان يشبهه (4) . قال ابن حجر سنده جيد .
وعن أيوب قال : " كان محمد - يعني ابن سيرين - إذا قص عليه رجل أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم قال : صف لي الذي رأيته . فإن وصف له صفة لا يعرفها قال : لم تره " نقله ابن حجر في الفتح وقال : سنده صحيح.
وأما قول النبي صلى الله عليه وسلم : « من رآني في المنام فسيراني في اليقظة » ، فللعلماء في تفسير الرؤية في اليقظة أقوال أشهرها ثلاثة :
الأول : أنها على التشبيه والتمثيل وقد دل على هذا ما جاء في رواية مسلم من حديث أبي هريرة وفيها : « فكأنما رآني في اليقظة » .
الثاني : أنها خاصة بأهل عصره ممن آمن به قبل أن يراه .
الثالث : أنها تكون يوم القيامة . فيكون لمن رآه في المنام مزيد خصوصية على من لم يره في المنام . هذا والله تعالى أعلم .
_________
(1) صحيح مسلم برقم (2266) .
(2) صحيح البخاري برقم (6993) ، ومسلم برقم (2266) .
(3) مسلم برقم (2268) .
(4) المستدرك : 4 / 393 ، وصححه ووافقه الذهبي .
● [ للفصل الثالث بقية ] ●
كتاب أصول الإيمان في ضوء الكتاب والسنة
المؤلف : نخبة من العلماء
منتدى توتة و حدوتة ـ البوابة