من طرف بص وطل الثلاثاء يونيو 08, 2021 2:29 pm
بّسم الله الرّحمن الرّحيم
دائرة المعارف
قواعد الشعر لثعلب
● [ قواعد الشعر ] ●
بسم الله الرحمن الرحيم
وما توفيقي إلا بالله قال أبو العباس أحمد بن يحيى: قواعد الشعر أربع: أَمرٌ، ونهيٌ، وخَبَرٌ، واستخبارً.
● فأما الأمر
قول الحطيئة:
أقلوا عليهم لا أبا لأبيكم ... من اللوم أو سُدوا المكان الذي سلوا
أولئك قومٌ إن بَنوْا أحسنوا الْبُنَا ... وإن عاهدوا أوفوا وإن عقدوا شدوا
ويروي: ؟ قومٌ إن بَنَوْا أحسنوا البِنَا.
● وأما النهي
كقول ليلى الأخيلية:
لا تقربن الدهر آل مطرفٍ ... لا ظالماً أبداً ولا مظلوما
قومٌ رباط الخيل وسط بيوتهم ... وأسنةٌ زرقٌ يخلنَ نُجومَا
● وأما الخبر
كقول القطامى:
يقتلننا بحديثٍ ليس يعلمه ... من يتقين ولا مكنونه بادي
فهنَّ ينبذن من قول يُصبن به ... مواقع الماء من ذي الغلة الصادي
● وأما الاستخبار
كقول قيس بن الخطيم:
أنى سربتِ وكنتِ غير سروب ... وتقربُ الأحلامُ غيرَ قريبِ
ما تمنعي يقظَى فقد تؤتينه ... في النوم غير مُصردٍ محسوبِ
● ● ثم تتفرع هذه الأصول إلى مدحٍ، وهجاء، ومراثٍ، واعتذارٍ، وتشبيبٍ، وتشبيهٍ، واقتصاص أخبار.
● فأما المدح
كقول الشماخ في عرابة:
رأيت عرابةَ الأوسي يسمو ... إلى الخيراتِ منقطعَ القرينِ
إذا ما رايةٌ رُفعتْ لمجدٍ ... تلقاها عرابةُ باليمينِ
● وأما الهجاء
كقول عمير بن جعيل التغلبي:
إذا رحلوا عن دار ذلٍِّ تعاذلوا ... عليها وردوا وفدهم يستقيلها
وقال حسان بن ثابت، يهجو الحارث بن هشام:
إن كنتِ كاذبة الذي حدثتني ... فنجوت منجَى الحارثِ بن هشامِ
ترك الأحبةَ أن يُقاتلَ دونهم ... ونجا برأس طمرةٍ ولجامِ
● وأما المرثية
كقول الفرزدق في وكيع بن أبي سُودٍ:
فعاش ولم يتركْ ومات ولم يدعْ ... من الناس إلاّ من أباتَ على وتْرِ
● وأما الاعتذار
كقول النابغة الذبياني للنعمان:
أتوعد عبداً لم يخنكَ أمانةً ... وتتركُ عبداً ظالماً وهو ظالعُ
حملتَ عليَّ ذنْبَه وتركتَه ... كذي العُرِّ يُكْوَى غيره وهو راتعُ
● وأما التشبيه
كقول امرئ القيس:
كأنَّ دماء الهاديات بنحرهِ ... عصارةُ حناءِ بشيبٍ مرجل
● وأما التشبيب
كقوله:
ألم ترياني كلما جئتُ طارقاً ... وجدتُ بها طيباً وإن لم تطيبِ
● وأما اقتصاص الأخبار
كقول الأسود بن يعفر:
جرت الرياح على محلِّ ديارهم ... فكأنما كانوا على ميعادِ
● [ التشبيه الخارج عن التعدي والتقصير ] ●
قال: التشبيه الخارج عن التعدي والتقصير
كقول امرئ القيس:
كأن دماءَ الهادياتِ بنحره ... عصارةُ حناء بشيبٍ مرجلِ
إذا ما الثريا في السماء تعرضتْ ... تعرضَ أثناء الوِشاحِ المفصلِ
ومثله قوله:
كأنَّ عيون الوَحْش حول خِبائنا ... وأرحُلنَا الجزعُ الذي لم يثقبِ
وكقوله في تشبيه قلوب الطير:
كأن قلوب الطير رَطباً ويابساً ... لدى وكرها العُنابُ والحشفُ البالي
وزعم الرواة أن هذا أحسن شيء وجد في تشبيه شيئين بشيئين في بيت واحد. وكقول النابغة الذبياني، في نفوذ قرن الثور من صفحة الكلب:
كأنه خارجاً من جنب صفحَتهِ ... سفود شربٍ نسوه عند مفتأدِ
وكقول زهير بن أبي سلمى، يصف ظعائن:
بكرنَ بُكوراً واستحرنَ بسحرةٍ ... فهنَّ ووادي الرَّسِّ كاليد في الفمِ
وكقول الحطيئة، يصف لغام ناقته:
ترى بين لحييها إذا ما ترغمت ... لغاماً كبيت العنكبوت الممددِ
وكقول النابغة الجعدي:
رمى ضرعَ نابٍ فاستمرَّ بطعنةٍ ... كحاشية البُرْدِ اليَماني المُسَهَّمِ
وكقول الكُميت، يصف آثار السيوف:
تُشَبَّهُ في الهامِ آثارُها ... مشافِرَ قَرْحَى أكلْنَ البريرَا
وكقول الشماخ، يصف فرساً:
صفوحٌ بخديها وقد طال جريها ... كما قلب الكفَّ الألدُّ المُجادِلُ
وكقول ثعلبة بن صعير المازني، يصف الرَّبَاب:
كأنَّ الرَّبابَ دوَيْنَ السحاب ... نَعامٌ يُعلق بالأرْجُلِ
وكقول عَدِي بن الرِّقاع يصف قرن خشف:
تزجى أغنَّ كأنّ إبرةَ رَوْقِه ... قلمٌ أصاب من الدواة مِدَادَها
وكقول امرئ القيس:
مُهفهفةٌ بيضاءُ غيرُ مُفاضةٍ ... ترائبها مصقولةٌ كالسجنجلِ
تضيء الظلامَ بالعشاءِ كأنها ... منارةُ مُمسي راهبٍ متبتلِ
وقال يصف نعمة بشرتها:
من القاصراتِ الطّرفِ لو دَبّ محوِلٌ ... من الذَّرّ فوق الإتْب منها لأثرَا
وقال حاتم الطائي، يصف ثغر امرأة:
يضيء لدى البيت القليل خصاصهُ ... إذا هي يوماً حاولت أن تبسَّما
وقال أعشى باهلة، في المنتشر بن وَهْب يرثيه:
مردى حروب ونورٌ يُستضاء به ... كما أضاء سوادَ الليلةِ القمرُ
وقال أبو كبير الهذلي:
فإذا نظرتَ إلى أَسِرَّة وَجهه ... برقت كبرْقِ العارِضِ المتهللِ
وقال أبو الطمحان القيني:
أضاءت لهم أحسابهم ووجوهم ... دجى الليل حتى نظم الجَزْع ثاقبُهْ
وقال مزاحم العقيلي في مثل ذلك:
ترى في سنا الماوِيِّ كل عَشِيَّةٍ ... على غفلاتِ الزَّيْنِ أو في التجملِ
وجوهاً لو أن المدلجين اعتشوا بها ... صدعن الدُّجى حتى ترى الليلَ ينجلي
وقال أعرابي يصف ثغر امرأة:
كأن وميض البرقٍ بيني وبينها ... إذا حانَ من بعضِ الحديث ابتسامُها
وقال آخر:
لو كانت ليلاً من ليالي الزهر ... كنت من البيض وفاء البدر
قمراء لا يشفى بها من يسرِي
وقال ابن عنقاء الفزاري، يمدح عميلة بن أسماء بن خارجة الفزاري:
كأن الثريا علقت في جبينه ... وفي أنفه الشعرى وفي جيده القمرْ
وقال: نهاية وصف الخُلْقُ قول زهير في هرم:
يطعنهم ما ارتموا حتى إذا اطعنوا ... ضاربَ حتى إذا ما ضاربوا اعتنقا
وقوله:
على مكثريهم حقُّ من يعتريهم ... وعند المقلين السَّماحَةُ والْبَذْل
وقوله:
لو كان يقعد فوق الشمس من كرمٍ ... قومٌ بأحسابهمْ أوْ مجدهم قعدوا
وقوله:
من تلقَ منهم تقُلْ لاقيْتُ سيدهم ... مثلَ النجوم التي يسري بها السَّارِي
وقال حسان في آل جفنة:
يغشون حتى ما تهرُّ كلابهم ... لا يسألون عن السوادِ المقبلِ
وقال الأعشى يمدح المحلق:
تشبُّ لمقرورينِ يصطليانها ... وبات على النار الندى والمحلق
وقوله:
أنت خيرٌ من ألفِ ألفٍ من القَوْ ... مِ إذا ما كَبَتْ وجوهُ الرجالِ
وقال قيس بن عاصم المنقري:
وإني لعبدُ الضيف من غير ريبةٍ ... وما فيَّ إلا تلك من شيم العبدِ
وقالت امرأة من الأزد تصف قومها:
قومٌ إذا حضروا الهياجَ فلا ... ضربٌ ينهنههمْ ولا زجرُ
خزر العيون إلى لوائهمُ ... يتربدُون كأنهم نمرُ
وكقول الآخر:
إذا هم ألقى بين عينيه عزمهُ ... ونكب عن ذكر العواقبِ جانِبَا
فأكرمْ به من صاحبٍ إنْ ندبته ... وأكرمْ به من طالبِ الوتر طالبَا
● [ الإفراط في الإغراق ] ●
وقال: الإفراط في الإغراق
كقول امرئ القيس:
وقد أغتدي والطيرُ في وكناتها ... بمنجردٍ قيد الأوابدِ هيكلِ
وكقول النابغة:
بأنك شمسٌ والملوكُ كواكبٌ ... إذا طلعتْ لم يبدُ منهم كوكبُ
وكقول طرفة يصف سيفاً:
أخي ثقةٍ لا ينثني عن ضريبةٍ ... إذا قال مهلاً قال حاجزُه قَدِ
وكقول الحطيئة يمدح ابن شماس:
متى تأتهِ تعشُوا إلى ضوءِ نارِه ... تجدْ خيرَ نارٍ عندها خيرُ موقدِ
وكقول ابن الرعلاء الغساني يصف سعَة طعنة:
وغموسٍ تضلُّ فيها يد الآ ... سي ويعيى طبيبُهَا بالدواءِ
وكقول تأبطَ شراً يمدح شمس بن مالك:
ويسبقُ وفدَ الريحِ من حيث ينتحي ... بمنخرقٍ من شدِّهِ المتداركِ
وكقول قيس بن الخطيم:
وإنِّي لدى الحرب العوان موكَّلٌ ... بإقدامِ نفسٍ ما أريد بقاءها
وكقول قيس بن سعد بن عبادة في أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه:
لو عدد الناسُ ما فيه لما برحتْ ... تُثنى الخناصرُ حتى تنفذ العددُ
وكقول أعشى باهلة في المنتشر بن وهب:
لا يأمنُ الناسُ ممساهُ ومصبحهُ ... في كل أوبٍ وإن لم يغزُ ينتظرُ
وكقول الآخر:
والله لو بكَ لم أدَعْ أحداً ... إلا قتلْتُ لفاتنِي الوترُ
وكقول رجل من بني تميم يمدح قومه:
إذا استنجدوا لم يسألوا من دعاهمُ ... لأية حرب أم لأي مكانِ
وكقول المرار:
رمى رميةً لو قسمت بين عامرٍ ... وذبيانها لم يبقَ إلا شريدها
وكقول ابن جبلةَ يمدح حميداً:
لولاك ما كان سدًى ولا ندًى ... ولا قريشٌ عرفت ولا العربْ
وقال في لطافة المعنى: وهو الدلالة بالتعريض على التصريح.
كقول امرئ القيس:
أمرخٌ خيامهمُ أم عُشرْ ... أمِ القلبُ في إثرهمْ منحدرْ
المَرْخ الزَّنْد، والعُشَر الزَّنْدَة، فالزَّند قائم، والزَّندة مسطوحةٌ على الأرض، وفيها فرض، فيوضع طرف عود المرخ القائم في الفرض الذي في لوح العشر المسطوح، ثم يدار فيورى ناراً؛ فقال امرؤ القيس: أهم مقيمون كعود المرخ، أم قد حطوا للرحلة كانسطاح العشر، أم قد ارتحلوا، فالقلب في إثرهم منحدر؟ وفيه أقوال أخرى كلها يدله على الإيماء الذي يقوم مقام التصريح لمن يحسن فهمه واستنباطه.
وكقول امرئ القيس أيضاً:
وخليلٍ قد أفارقه ... ثم لا أبكي على أثرهْ
وكقول مهلهل بن ربيعة:
يبكَى علينا ولا نَبكي على أحدٍ ... لنحنُ أغلظُ أكباداً من الإبل
وكقول جرير:
وإني لأستحيي أخي أن أرى له ... عليَّ من الفضل الذي لا يرى لِيَا
يريد أن أرى له نعمة عليَّ لا يرى لي مثلها عليه.
وكقول الأعرابي:
وقد جعل الوَسْميُّ ينبتُ بيننا ... وبين بنى رُومانَ نبعاً وشوحطا
يريد التغالب على الماء والكلأ.
وكقول عروة بن الورد:
أقسم جسمي في جسوم كثيرة ... وأحسُو قراحَ الماء والماء باردُ
يريد: أوثر أضيافي بزادي.
وكقول نصيب في سليمان بن عبد الملك:
فعاجوا فأثنوا بالذي أنت أهله ... ولو سَكتُوا أثنَتْ عليك الحقائبُ
يقول: لما فيها من عطائك.
وكقول المثقب العبدي:
يجزي بها الجازون عنى ولو ... يمنعُ شربي لسقتني يدي
يعني سيفه.
وكقول الآخر:
وكمْ منْ قاذفٍ لك نال حظاً ... فصادف ما يريدُ وما تريدُ
وصف رجلاً دعياً نسبه إلى دعوته فصادف ما يريد من إثباته نسبهُ، وصادف الشاعرُ ما يريد من بره وإجزاله عطيته.
وكقول الأعرابي:
عجبتُ لهذه زجرتْ بعيرَي ... فأقبل كلبنَا فرحاً يدورُ
ويخشى شرها جملي، وكلبي ... يرجِّي خيرها فيما يخيرُ
يعني زجره بعيره إذا أراد أن يثور به يرجوه بشفتهِ؛ فالبعير يكرهها للرحلة، والكلب يرجوها، لأنه دعاءٌ له. وفيه قول آخر.
وكقول الشاعر يصف إبلاً واردة:
جاءتْ تهضُّ الأرضَ أي هضٍّ ... تدفعُ عنها بعضهَا ببعضِ
يعني أنها مستوية في الحسن، فكلما رأيتَ واحدة، قلت: هذهَ!!، وفيه تفسيرات أخر.
● [ الاستعارة ] ●
وهو أن يُستعار للشيء اسمُ غيره، أو معنى سواه؛ كقول امرئ القيس في صفة الليل، فاستعار وصف جملِ:
فقلتُ له لما تمطَّى بصلبِهِ ... وأردفَ أعجازاً وناء بكلكلِ
وقال زهير:
فشدَّ ولم ينظرْ بيوتاً كثيرةً ... لدي حيث ألقتْ رحلها أم قَشْعَمِ
ولا رَحْلَ للمنية.
وقال تأبط شراً في شمس بن مالك:
إذا هزه في عظمِ قرنٍ تهللتْ ... نواجذُ أفواهِ المنايا الضواحكِ
ولا نواجذ للمنية ولا فم.
وقال أيضاً:
فظلَّ يُناجي الأرض لم يكدحِ الصفَا ... به كدحةً والموتُ خزيانُ ينظرُ
ولا عين للموت.
وقال أبو ذُؤيب الهذلي:
وإذا المنية أنشبتْ أظفارَها ... ألفيتَ كلَّ تميمةٍ لا تنفعُ
ولا ظفر للمنية.
وقال مالك بن حَرِيم الهمداني، يصف قائد إبل:
فأوسعنَ عقبيهِ دماءً وأصبحتْ ... أناملُ رجليهِ رواعفَ دُمعَا
ولا أنف للأنامل ولا عين.
وقال رجل، يصف قيم امرأة:
أنَّى أتيحَ لها حرباءُ تنضُبَةٍ ... لا يرسل الساقَ إلا ممسكاً ساقاً
فاستعار له وصف الحرباء.
وكقول أعرابي، يصف رجلاً:
وداهيةٍ جرها جارمٌ ... جعلت رداءك فيها خمارَا
يقول : قنعت بسيفك رؤوس أبطالها.
وكقول ذي الرمة:
سقاه السُّرَى كأسَ النُّعاس فرأسهُ ... لدينِ الكرى من أولِ الليلِ ساجدُ
ولا دين للكرى، ولا كأس للنعاس.
● [ حسن الخروج ] ●
حسن الخروج عن بكاء الطلل، ووصف الإبل، وتحمل الأظعان، وفراق الجيران، بغير دَعْ ذا، وعَدَّ عن ذا، واذكر كذا، بل من صدرٍ إلى عجز لا يتعداه إلى سواه، ولا يقرِنُه بغيره: قال الأعشى يمدح الأسود بن المنذر:
لا تشكي إليَّ وأنتجعى الأس ... وَدَ أهلَ النّدى وأهلَ الفعالِ
وقال يمدح هوذة:
أنضيتها بعد ما طال الهبابُ بها ... تؤمُّ هوذَةَ لا نكْساً ولا ورعا
وقال الحطيئة يمدح ابن شماس:
فما زالتِ العوجاءُ ترمي زِمامَها ... إليك ابنَ شماسٍ تروحُ وتغتدِي
وكقول الشماخ، يمدح عرابة الأوسي:
إذا بلغتني وحملتِ رحلي ... عَرابةَ فاشرقي بدمِ الوَتِينِ
وقال عنترة:
حُييتَ من طلَلٍ تقادمَ عهدُه ... أقوى وأقفر بعد أمِّ الهيثمِ
وقال حسان، وقد تقدم في باب الهجاء، وأعدناه هاهنا؛ لأنه خروج على هذا السبيل من نسيب إلى هجاء:
إن كنتِ كاذبةَ الذي حدثتني ... فنجوتِ منجى الحارثِ بن هشامِ
ترك الأحبةَ أن يقاتلَ دونهم ... ونجا برأسِ طمرةٍ ولجامِ
وقال حاتم الطائي، يمدح بني بدر:
إن كنتِ كارهةً لعيشتنا ... هاتِي فحلِّي في بني بدرِ
وقال ذو الرمة، يمدح هلالَ بن أحوزَ المازني:
حنتْ إلى نعمِ الدهنَا فقلتُ لها ... أمي هِلالاً على التوفيقِ والرشدِ
● [ مجاورة الأضداد ] ●
وهو ذكر الشيء مع ما يعدم وجوده؛ كقوله تبارك وتعالى: " لا يموت فيها ولا يحيى " .
وقال زهير في الفَزاريين:
هنيئاً لنعم السيدانِ وجدتما ... على كلِّ حالٍ من سحيلٍ ومبرمِ
السحيلُ ضد المبرم.
وقال
فظلَّ قصيراً على قومه ... وظلَّ على الناس يوماً طويلاَ
وقال طرفة:
حسامٌ إذا ما قمت منتصراً به ... كفى العودَ منك البَدءُ ليس بمعضدِ
وقال:
شاقتْ هواكَ على نواكَ كما الْ ... أهواءُ مختلفٌ ومؤتلفُ
وقال مهلهل:
فإن يكُ بالذنائبِ طالَ ليلي ... فقد أبكِي من الليل القصيرِ
وقال عمر بن معد يكرب
أعاذلَ إنه مالٌ طريفٌ ... أحبُّ إليَّ من مالِ تلادِ
وقال الأعشى:
فأرى من عصاكَ أصبحَ محزُو ... ناً وكعبُ الذي يُطيعكَ عالِ
وقال حميدُ بن ثور، يصف ذئباً:
ينامُ بإحدى مقلتيه ويتقي الْ ... عدوَّ بأخرى فهو يقظانُ هاجُ
وقال حارثة بن بدر الغداني:
ولا تلينُ إذا عوسرتَ مقسرَةً ... وكلُّ أمرِك ما يُوسرتَ ميسورُ
وقال أعرابي، يصف قوساً:
في كفه معطيَةٌ منوعٌ ... صفراءُ تعصي بعد ما تطيعُ
● [ المطابق ] ●
المطابق وهو تكرير اللفظة بمعنيين مختلفين، نحو قوله تعالى: " ويأتيه الموتُ من كلِّ مكانٍ، وما هو بميتٍ " ، " وترى الناس سكارى وما هم بسكارى " .
وقال طرفة:
كريمٌ يروي نفسه في حياته ... ستعلم إن متنا صدًى أينا الصدِي
الصدى: الهامة. والصَّدَى: العطش.
وقال آخر، هو حسان:
إنَّ التي ناولتني فرددتُها ... قتلتْ، قتلتَ، فهاتها لم تقتلِ
وقال جرير:
فما زال معقولاً عقالٌ عن النَّدى ... ومازال محبوساً عن الخير حابسُ
وقال أعربي:
تمرِي بإنسانِها إنسانَ مقلَتِها ... إنسانةٌ من جوارِي الحيِّ عطبولُ
وقال الأحوص:
سلامُ الله يا مطرٌ عليها ... وليس عليك يا مطرُ السلامُ
مطر: من الغيث. ومطرّ: اسم رجل.
وقال أعربي أيضاً:
ومضروبٍ يئنُّ لغير ضربٍ ... تطوحُه الطرافُ إلى الطرافِ
المضروب من ضريب الثلج، يريد: أصابه الضرب من الثلج، وهو يئن لغير ضربٍ.
وقال أعرابي يصف سهماً رمى به عيراً فأنفذه:
حتى نجا من جوفه وما نجا
يريد: نجا السهمُ من جوف العير، وما نجا العير من الرمية بالمنية.
وقال ابن أخت تأبط شراً:
كل ماضٍ قد تردى بماضٍ ... كسنا البرقِ إذا ما يسلُّ
يريد ماضياً من الرجال تردَّى بسيفٍ ماضٍ قاطع.
وقال:
وكمْ من حسامٍ مرتدٍ بحُسامِهِ ... وكم عاملٍ فيهم بأسمر عاملِ
● [ جزالة اللفظ ] ●
فما لم يكن بالمغربِ المستغلق البدوي، ولا السفساف العامي، ولكن ما اشتد أسره، وسهل لفظه، ونأى واستعصب على غير المطبوعين مرامه، وتوهم إمكانه.
● [ اتساقُ النظم ] ●
ما طاب قريضُه، وسلم من السناد ، والإقواء، والإكفاء، والإجازة، والإيطاء، وغير ذلك من عيوب الشعر، وما قد سهل العلماءُ إجازته من قصر ممدود، ومد مقصور، وضروبٍ أخرىَ كثيرة؛ وإن كان ذلك قد فعله القدماء، وجاء عن فحول الشعراء. وقد جئنا ببعض ما روي في ذلك في هذه الأبيات التي ذكرناها خاصة.
● فأما السِّناد
دخول الفتحة على الضمة والكسرة نحو قول وَرْقاء بن زهير العبسي:
رأيتُ زهيراً تحت كلكلِ خالدٍ ... فأقبلتُ أسعى كالعجولِ أبادرُ
فشلتْ يميني يوم أضرب خالداً ... ويمنعه مني الحديدُ المظاهرُ
فكسر وفتح.
● وأما الإقواء
مثل قول الشاعر:
خليليَّ إني قد سألتُ فأبشرا ... بمكةَ أيامَ التحرُّج والنحرِ
إذا قبل الإنسانُ آخرَ يشتهِي ... ثناياه لم يأثمِ وكان له أجرُ
فإن زاد زاد الله في حسناتهِ ... مثاقيلَ يمحو الله عنه بها الوزرا
فكسرَ ورفع ونصب.
● وأما الإكفاء
دخول الذال على الظاء، والنون على الميم، وهي الأحرف المتشابهة على اللسان. نحو قول أبي محمد الفقْعَسيّ:
يا دارَ هندٍ وابنَتْي مُعاذِ ... كأنّها والعهدُ مذ أقْيَاظِ
فجمع الذال والظاء.
وكقول الآخر:
بُنَيَّ إن البرَّ شَيءٌ هينُ ... المنطقُ الطَّيِّبُ والطعيمُ
فجمع النون والميم.
● وأما الإجازة
اجتماع الأخوات، كالعين والغين، والسين والشين، والتاء والثاء.
كقول الشاعر:
قبحتِ من سالفةٍ ومن صدغْ ... كأنها كشيةُ ضبٍّ في صقعْ
وكقوله:
ألذُّ من ظهرِ فرسْ ... نومٌ على بطنِ فرُشْ
وكقول اليهودي:
رُبَّ شتمٍ سمعته فتصاممْ ... تُ وعنِّي تركته فكفيتُ
ينفعُ الطيب القليلُ من الرزُ ... قِ ولا ينفعُ الكثيرُ الخبيثُ
فجمعوا بين العين والغين، والسين والشين، والتاء والثاء.
● وأما الإيطاء
تكرير القافية بمعنى واحد. كقول حاتم:
أماوِيَّ إن يصبح صدايَ بقفرةٍ ... من الأرض لا ماءٌ لديَّ ولا خمرُ
وقال فيها:
يفكُّ به العانِي ويؤكلُ طيباً ... وما أنْ تعريه القداح ولا الخمرُ
فكرر الخمر بمعنى واحد.
● وقال: المُعَدَّل من أبيات الشعر
ما اعتدل شطراه، وتكافأت حاشيتاه، وتم بأيهما وقف عليه معناه.
وإنما بذها سابقاً، ولاح دونها نَيِّراً، لاختصاصه بفضلها، وسلبه محاسنها، وأنها مستعيرة بعض زيه، ومتجملةٌ بما ناسبها منه، لتوسطته ذروتها، ونأيه عن التعدي والتقصير دونها.
والتوسط ممدوحٌ بكل لغةٍ، موسومٌ بكمال الحكمة. قال الله جل ثناؤه، وتقدست أسماؤه: " والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا، وكان بين ذلك قواما " .
وقال عز وجل: " ولا تجهر بصلاتك، ولا تخافت بها وابتغِ بين ذلك سبيلا " .
وقيل: دين الله بينَ المقصرِ والغالي. وقيل: خير الأمور أوساطها.
وبعد، فهو أقرب الأشعار من البلاغة، وأحمدها عند أهل الرواية، وأشبهها بالأمثال السائرة؛ نحو: القتل أقل للقتل، ولا عذر في غدر، وأعذرَ من أنذرَ، وإذا ازدحم الجوابُ خفِي الصوابُ، والحاجة تفتق الحيلة، والوفاء عقد الإخاء، وبذل الموجود غاية الجودِ، ومن جاد ساد.
فمن ذلك قول امرئ القيس:
الله أنجحَ ما طلبتَ به ... والبرُّ خيرُ حقيبةِ الرحلِ
وقول النابغة:
اليأسُ عما فاتَ يعقبُ راحةً ... ولربَّ مطعمةٍ تعودُ ذباحا
وقال زهير بن أبي سُلمى:
ومن يغترب يحسب عدواً صديقهُ ... ومن لا يكرمْ نفسهُ لا يكرمِ
وقول طرفة:
ستبدي لك الأيام ما كنتَ جاهلاً ... ويأتيك بالأخبار من لم تزودِ
أرى الدهرَ كنزاً ناقصاً كل ليلةٍ ... وما تنقصُ الأيامُ والدهرُ ينفدِ
وقول المرقش الأكبر:
ليس على طُل الحياة نَدَمْ ... ومن وَرَاءِ المرء ما يَعْلمْ
وقال عدي بن زيد:
قد يدركُ المبطئُ من حظه ... والخيرُ قد يسبقُ جهدَ الحريصْ
وقول الحطيئة واسمه جرول:
من يفعل الخير لا يعدم جوازِيَهُ ... لا يذهبُ العرفُ بين الله والناسِ
وقول لبيد:
أكذِبِ النفسَ إذا حدثْتَها ... إن صدْقَ النفسِ يزرِي بالأملْ
وقول حسان:
فلا تفش سرك إلا إليك ... فإنَّ لكل نصيحٍ نصيحا
وقول القطامى:
قد يدركُ المتأنِّي بعض حاجَتِه ... وقد يكونُ مع المستعجِل الزَّلَلُ
وقول الأضبط بن قريع:
اِقْبَلْ من الدَّهر ما أتاك به ... من قرَّ عيناً بعيشِهِ نفعهْ
وقول عبيد بن الأبرص:
من يسأل الناس يحرموهُ ... وسائلُ الله لا يَخِيبُ
● قال: الأبيات الغُرُّ
واحدها أغر، وهو ما نجم من صدر البيت بتمام معناه، دون عجزه، وكان لو طرح آخره لأغنى أوله بوضوح دلالته.
وإنما ألفنا هذه الأبيات مصليةً، وجعلناها بالسوابقِ لاحقةً لملاءمتها إياها، وممازجتها لها في اتفاق أوائلها، وإن افترق أواخرها؛ لأن سبيل المتكلم الإفهام، وبغية المكلمِ الاستفهام، فأخف الكلام على الناطق مئونة، وأسهله على السامع محملاً، ما فهمَ عن ابتدائه مرادُ قائله، وأبان قليله، ووضح دليله؛ فقد وصفت العرب الإيجازَ فقرظتهُ، وذكرت الاختصار ففضلتهُ، فقالوا: لمحةٌ دالةٌ، ولا تخطِئُ ولا تبطئُ، ووَحْيٌ صرح عن ضميرٍ، وأوْمَأَ فأغنى.
وهذه الطبقة من الاختيار، والنوع من الأشعار، كتشبيه الخنساء وليلى.
قالت الخنساء:
وإنَّ صخراً لتأتمُّ الهُداةُ به ... كأنه علمٌ في رأسهِ نار
وقالت ليلى:
قومٌ رباطُ الخيل حولَ بيوتهمْ ... وأسنةٌ زرقٌ يخلنَ نجومَا
وقال النابغة:
فإنك كالليل الذي هو مدركي ... وإن خلتُ أنَّ المنتأَى عنكَ واسِعُ
وقال زهير:
أخو ثقةٍ لا يذهب الخمرُ ما له ... ولكنه قد يذهب المالَ نائلُه
وقال حسان:
ربَّ حلمٍ أضاعَهُ عدمُ الما ... لِ وجهلٍ غطى عليه النعيمُ
وقال عمرو:
إذا لم تستطع شيئاً فدعهُ ... وجاوزْه إلى ما تستطيعُ
وقال عبيد بن الأبرص:
المرءُ ما عاشَ في تكذيبِ ... طولُ الحياةِ له تعذيبُ
وقال الأعشى:
أقصرْ فكلُّ طالبٍ سيمل ... إذ لم يكنْ على الحبيب عولْ
وقال النابغة:
تعدُو الذئابُ على مَنْ لا كلابَ له ... وتتقي مربض المستأسدِ الحَامِي
وقال الأفوَه الأوْدِيّ:
لا يصلح الناسُ فوضى لا سراةَ لهمْ ... ولا سَرَاةَ إذا جهالهُم سادوا
وقال:
لا تحمدَنَّ امرأً حتى تجربهُ ... ولا تذمنه من غير تجريبِ
وقال:
قعوا وقعةً من ينجُ لا يُخْزَ بعدها ... ومن يخترمْ لا يتبعهُ الملاوِمُ
● قال: الأبيات المُحَجَّلة
ما نُتِجَ قافية البيت عن عروضه، وأبانَ عجزه بغية قائله، وكان كتحجيل الخيل، والنورِ بعقب الليل.
وإنما رتبنا هذه في الطبقة الثالثة وجعلناها للمصلية تالية؛ لشبهها بها ومقاربتها لها، وانتظامها بها، وأنه إذا ألف بين أوائل الطبقة الثانية، وأواخر الرتبة الثالثة، خلصت أجزاؤها سليمةً معتدلةً، فإذا وصل بين أعجاز الأبيات المصلية وأوائل شطور الطبقة الثالثة، حصلت بهما مظنة على جودة أعجازها وحسن مقاطيعها في الاستقلال، كالألقاب المفردة المغنية بشهرتها عن الإيغال؛ كعبد المدان، وآكل المرار، وسم الفوارِس، وصياد الفرسان، وذي الجدين، وملاعب الأسنة، وذي الرمحين، وذي البردين.
قال امرؤ القيس:
من ذكر ليلى وأينَ ليلَى ... وخيرُ مارُمْتُ لا ينالُ
وقال:
ولو عن نَثا غيره جاءَني ... وجرحُ اللسان كجرح اليدِ
وقال:
فتملأُ بيتنا أقطاَ وسمناً ... وحسبك من غنىً شبعٌ وريُّ
وقال الحارث بن وعلة الشيباني:
إنْ يأْبروا نخلاً لغيرهم ... والقولُ تحقرهُ وقد يَنْمِي
وقال مهلهل:
هتكتُ به بيوتَ بني عُباد ... وبعضُ القتلِ أشفى للصدورِ
وقال عنترة:
فاقنَيْ حياءَكِ لا أبالكِ واعلمِي ... أنِّي امرؤٌ سأموت إنْ لم أقتلِ
وقال طرفة:
بحسامِ سيفكَ أو لسانِكَ والْ ... كلمُ الأصيلُ كأرْغَبِ الكَلمِ
وقال أيضاً:
وأعلمُ علماً ليس بالظنِّ أنه ... إذا ذلَّ مولى المرءِ فهو ذليلُ
وقال الأعشى:
فذلك أحرى أن ينالَ جسيمها ... وللقصدُ أبقى في المسير وألحقُ
وقال الأفوه الأودي:
ألوتْ بإصبعها وقالتْ إنما ... يكفيكَ مما لا ترى ما قد ترى
وقال أبو ذُؤيب:
فإذا وذلك ليس إلا ذكره ... وإذا مضى شيءٌ كأنْ لم يفعلِ
وقال لبيد:
إلى الحولِ ثم اسم السلام عليكما ... ومن يبكِ حولاً كاملاً فقد اعتذر
وقال:
ولم تنسني أوفَى المصيباتُ بعده ... ولكن نَكْءَ القرح بالقرْح أوجَعُ
● قال: الأبيات الموضحة
وهي ما استقلت أجزاؤها، وتعاضدت وصولها، وكثرت فقرُها، واعتدلت فصولها، فهي كالخيل الموضحة، والفُصوص المجزعة، والبُرود المحبرة. ليس يحتاج واصفها إلى: لو كان فيها سوى ما فيها. وهي كما قال الطائي في صفة مثلها:
تختال في مفوفِ الألوانِ ... من فاقعٍ وناضرٍ وقانِ
وكما قال ابن قنبر:
كلُّ فردٍ في محاسنِهَا ... كائنٌ في نعتهِ مثلاَ
ليس فيها ما يقال له ... كملتْ لو أن ذا كملاَ
وقال امرؤ القيس:
فيدرِكُها فغِمٌ داجِنٌ ... سميعٌ بصيرٌ طلوبٌ نكرْ
ألصُّ الضروسِ حَنِيُّ الضلوعِ ... تبوعٌ طلوبٌ نشيطٌ أشِرْ
وقال أيضاً:
مِكَرٍّ مِفَرٍّ مقبلٍ مدبرٍ معاً ... كجلمودِ صخرٍ حطهُ السيلُ من عَلِ
وقال أيضاً:
سليمُ الشَّظَى عَبْلُ الشَّوَى شَنِجُ النَّسَا ... له حَجَبَاتٌ مشرِفاتٌ على الفالِ
وقال زهير:
عبَأتُ له حلمِي وأكرمتُ غيرَهُ ... وأعرضتُ عنه وهو بادٍ مقاتلُه
وقال الأعشى:
طويلُ العماد رفيعُ الْوسا ... دِ يحمي المُضافَ ويعطي الفقيرا
وقال زهير:
وفي الحلم إدهانٌ وفي العفوِ دربةٌ ... وفي الصدقِ منجاةٌ من الشرِّ فاصدُقِ
وقال منقذ بن الطماح:
يا نضلَ للضيفِ الغريب ولل ... جار المُضَافِ ومحدثِ الجرمِ
وقال ذو الرمة:
كحلاءُ في بَرجٍ صفراءُ في دَعجٍ ... كأنها فضةٌ قد مسَّهَا ذَهَبُ
وقالت الخنساء:
المجدُ حلته والجودُ علتُه ... والصدقُ حوزتُهُ إن قرِنْهُ هَابَا
خطاب معضلةٍ فراجُ مظلمةٍ ... إنْ هاب مضلعة أتَّى لها بَابَا
وقالت ليلى الأخيلية:
ألا رُبَّ مكروبٍ أجبتَ ونائلِ ... فعلتَ ومعروفٍ لديْكَ ومنكَرٍ
فياتَوْبَ للمولى وياتَوْبَ للندَى ... وياتوبَ للمُستنبح المتنور
وقالت أخت مسعود بن شداد العدوية ترثيه:
حمال ألوية شهاد أندية ... شدادُ أوهية فراجُ أسدادِ
قتالُ طاغية رباءَ مرقَبَةِ ... قوالُ محكمةٍ فكاكُ أقيادِ
● الأبيات المرجلة
التي يكمل معنى كل بيت منها بتمامه، ولا ينفصل الكلام منه ببعضٍ يحسن الوقوف عليه غير قافيته، فهو أبعدها من عمود البلاغة، وأذمها عند أهل الرواية؛ إذ كان فهم الابتداء مقروناً بآخره، وصدره منوطاً بعجزه، فلو طرحت قافيةُ البيت وجبتْ استحالتُه، ونسب إلى التخليط قائلُه؛ كما قال الطائي:
عَدْلاً شبيهاً بالجنونُ كأنما ... قرأتْ به الوَرْهَاءُ شطرَ كتابِ
وقال امرؤ القيس:
إذا المرءُ لم يخزَنْ عليه لسانَهُ ... فليسَ على شيء سواه بخَزَّانِ
وقال النابغة:
هذا الثناءُ فإنْ تسمَعْ لقائِلِه ... فما عرضتَ أبيتَ اللعنَ بالصفَدِ
وقال زهير:
فإنَّ الحقَّ مقطعُهُ ثلاثٌ ... يمينُ أو نفارٌ أو جلاءُ
وقال عمرو بن براقة الهمداني:
متى تجمع القلب الذكي وصارِماً وأنفاً حَمِياً تجتنبْكَ المظالِمُ
وقال مالك بن حَريم الهمداني:
وما أنا للشيء الذي ليس نافعى ... ويغضب منه صاحبي بقئولِ
بذلك أوصاني حريمُ بنُ مالكٍ ... فإنَّ قليلَ الذَّمِّ غير قليلِ
وقال حسان بن ثابت:
لو يدبُّ الحوليُّ من وَلِدِ الذَّ ... رِّ عليها لأندَبَتْهَا الكلومُ
وقال الحارث بن حلزة:
بينا الفتى يسْعَى ويسعَى له ... تِيحَ له من أمرِه خالجُ
وقال جرير:
لو كنتُ أعلمُ أنَّ آخِرَ عهدِكُمْ ... يومَ الرَّحيلِ فعلتُ ما لم أفعلِ
وقال أبو ذؤيب:
حميتْ عليه الدِّرْعُ حتى وجْهُهُ ... من حرِّها يومَ الكريهة أسفعُ
وقال نهيك بن إساف:
سأكسِبُ مالاً أو تَبِيتَنَّ ليلةً ... بقلبكَ من وجدٍ عليَّ غليلُ
وقال جرثومة بن مالك القريعي يمدح هلال بن أحوز المازني:
فتى إنْ تجدهُ معوِزاً من تلادِهِ ... فليس من الرأي الأصيل بمعوزِ
وقالت الخنساء ترثي صخراً:
يهينُ النفوسَ وهونُ النفو ... سِ يومَ الكريهةِ أَبْقَى لهَا
تم كتاب قواعد الشعر لثعلب بحمد الله تعالى وحسن توفيقه.
كتاب : كتاب : قواعد الشعر
المؤلف : ثعلب
منتدى الرسالة الخاتمة - البوابة