بّسم اللّه الرّحمن الرّحيم
مكتبة السيرة والتاريخ
تاريخ الخلفاء للسيوطيي
خلفاء الدولة ألأموية [ 2 ]
● [ عبد الملك بن مروان بن الحكم ] ●
65هـ ـ 86هـ
عبد الملك بن مروان : بن الحكم بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف ابن قصي بن كلاب أبو الوليد ولد سنة ست و عشرين بويع بعهد من أبيه في خلافة ابن الزبير فلم تصح خلافته و بقي متغلبا على مصر و الشام ثم غلب على العراق و ما والاها إلى أن قتل ابن الزبير سنة ثلاث و سبعين فصحت خلافته من يومئذ و استوثق له الأمر ففي هذا العام هدم الحجاج الكعبة و أعادها على ما هي عليه الآن و دس على ابن عمر من طعنه بحربة مسمومة فمرض منها و مات
و في سنة أربع و سبعين سار الحجاج إلى المدينة و أخذ يتعنت على أهلها و يستخف ببقايا من فيها من صحابة رسول الله صلى الله عليه و سلم و ختم في أعناقهم و أيديهم يذلهم بذلك كأنس و جابر بن عبد الله و سهل بن سعد الساعدي فإنا لله و إنا إليه راجعون
و في سنة خمس و سبعين حج بالناس عبد الملك الخليفة و سير الحجاج أميرا على العراق
و في سنة سبع و سبعين فتحت هرقلة و هدم عبد العزيز بن مروان جامع مصر و زيد فيه من جهاته الأربع
و في سنة اثنين و ثمانين فتح حصن سنان من ناحية المصيصة و كانت غزوة أرمينية و صنهاجة بالمغرب
و في سنة ثلاث و ثمانين بنيت مدينة واسط بناها الحجاج
و في سنة أربع و ثمانين فتحت المصيصة و أودية من المغرب
و في سنة خمس و ثمانين بنيت مدينة أردبيل و مدينة برذعة بناها عبد العزيز ابن حاتم بن النعمان الباهلي
و في سنة ست و ثمانين فتح حصن بولق و حصن الأخرم و فيها كان طاعون الفتيات و سمي بذلك لأنه بدأ في النساء
و فيها مات الخليفة عبد الملك في شوال و خلف سبعة عشر ولدا
قال أحمد بن عبد الله العجلي : كان عبد الملك أبخر الفم و إنه ولد لستة أشهر
و قال ابن سعد : كان عابدا زاهدا ناسكا بالمدينة قبل الخلافة
و قال يحيى الغساني : كان عبد الملك بن مروان كثيرا ما يجلس إلى أم الدرداء فقالت له مرة : بلغني يا أمير المؤمنين أنك شربت الطلاء بعد النسك و العبادة قال : إي و الله و الدماء قد شربتها
و قال نافع : لقد رأيت المدينة و ما بها شاب أشد تشميرا و لا أفقه و لا أنسك و لا أقرأ لكتاب الله من عبد الملك بن مروان
و قال أبو الزناد : فقهاء المدينة : سعيد بن المسيب و عبد الملك بن مروان و عروة ابن الزبير و قبيصة بن ذؤيب
و قال ابن عمر : ولد الناس أبناء و ولد مروان أبا
و قال عبادة بن نسي : قيل لابن عمر : إنكم معشر أشياخ قريش يوشك أن تنقرضوا فمن نسأل بعدكم ؟ فقال : إن لمروان ابنا فيها فاسألوه
و قال سحيم مولى أبي هريرة رضي الله عنه : دخل عبد الملك ـ و هو شاب ـ على أبي هريرة رضي الله عنه فقال أبو هريرة : هذا يملك العرب
و قال عبيدة بن رياح الغساني : قالت أم الدرداء لعبد الملك : ما زلت أتخيل هذا الأمر فيك منذ رأيتك قال : و كيف ذاك ؟ قالت : ما رأيت أحسن منك محدثا و لا أعلم منك مستمعا
و قال الشعبي : ما جالست أحدا إلا وجدت لي عليه الفضل إلا عبد الملك بن مروان فإني ما ذكرته حديثا إلا و زادني فيه و لا شعرا إلا و زادني فيه
و قال الذهبي : سمع عبد الملك من عثمان و أبي هريرة و أبي سعيد و أم سلمة و بريرة و ابن عمر و معاوية روى عنه : عروة و خالد بن معدان و رجاء ابن حيوة و الزهري و يونس بن ميسرة و ربيعة بن يزيد و إسماعيل بن عبيد الله و حريز بن عثمان و طائفة
و قال بكر بن عبد الله المزني : أسلم يهودي اسمه يوسف و كان قرأ الكتب فمر بدار مروان فقال : ويل لأمة محمد من أهل هذه الدار فقلت له : إلى متى ؟ قال : حتى تجيء رايات سود من قبل خراسان
و كان صديقا لعبد الملك بن مروان فضرب يوما على منكبه و قال : اتق الله في أمة محمد إذا ملكتهم فقال : دعني ويحك ما شأني و شأن ذلك ؟ فقال : اتق الله في أمرهم قال : و جهز يزيد جيشا إلى أهل مكة فقال عبد الملك : أعوذ بالله ! أيبعث إلى حرم الله ؟ فضرب يوسف منكبه و قال : جيشك إليهم أعظم
و قال يحيى الغساني : لما نزل مسلم بن عقبة المدينة دخلت مسجد رسول الله صلى الله عليه و سلم فجلست إلى جنب عبد الملك فقال لي عبد الملك : أمن هذا الجيش أنت ؟ قلت : نعم قال : ثكلتك أمك ! أتدري إلى من تسير ؟ إلى أول مولود ولد في الإسلام و إلى ابن حواري رسول الله صلى الله عليه و سلم و إلى ابن ذات النطاقين و إلى من حنكه رسول الله صلى الله عليه و سلم أما و الله إن جئته نهارا وجدته صائما و لئن جئته ليلا لتجدنه قائما فلو أن أهل الأرض أطبقوا على قتله لأكبهم الله جميعا في النار فلما صارت الخلافة إلى عبد الملك وجهنا مع الحجاج حتى قتلناه
و قال ابن أبي عائشة : أفضي الأمر إلى عبد الملك و المصحف في حجره فأطبقه و قال : هذا آخر العهد بك
و قال مالك : سمعت يحيى بن سعيد يقول : أول من صلى المسجد ما بين الظهر و العصر عبد الملك بن مروان و فتيان معه كانوا إذا صلى الإمام الظهر قاموا فصلوا إلى العصر فقيل لسعيد بن المسيب : لو قمنا فصلينا كما يصلي هؤلاء فقال سعيد بن المسيب : ليست العبادة بكثرة الصلاة و الصوم و إنما العبادة التفكر في أمر الله و الورع عن محارم الله
و قال مصعب بن عبد الله : أول من سمي في الإسلام عبد الملك عبد الملك ابن مروان و قال يحيى بن بكير : سمعت مالكا يقول : أول من ضرب الدنانير عبد الملك و كتب عليها القرآن و قال مصعب : كتب عبد الملك على الدنانير : { قل هو الله أحد } و في الوجه الآخر [ لا إله إلا الله ] و طوقه بطوق فضة و كتب فيه [ ضرب بمدينة كذا ] و كتب خارج الطوق [ محمد رسول الله أرسله بالهدى و دين الحق ]
و في الأوائل للعسكري بسنده : كان عبد الملك أول من كتب في صدور الطوامير { قل هو الله أحد } و ذكر النبي صلى الله عليه و سلم مع التاريخ فكتب ملك الروم : إنكم أحدثتم في طواميركم شيئا من ذكر نبيكم فاتركوه و إلا أتاكم من دنانيرنا ذكر ما تكرهون فعظم ذلك على عبد الملك فأرسل إلى خالد بن يزيد بن معاوية فشاوره فقال : حرم دنانيرهم و اضرب للناس سككا فيها ذكر الله و ذكر رسوله و لا تعفهم مما يكرهون في الطوامير فضرب الدنانير للناس سنة خمس و سبعين قال العسكري : و أول خليفة بخل عبد الملك و كان يسمى [ رشح الحجارة ] لبخله و يكنى [ أبا الذبان ] لبخره
قال : و هو أول من غدر في الإسلام و أول من نهى عن الكلام بحضرة الخلفاء و أول من نهى عن الأمر بالمعروف
ثم أخرج بسنده عن ابن الكلبي قال : كان مروان بن الحكم ولى العهد عمرو ابن سعيد بن العاص بعد ابنه فقتله عبد الملك و كان قتله أول غدر في الإسلام فقال بعضهم :
يا قوم لا تغلبوا عن رأيكم فلقد . جربتم الغدر من أبناء مروانا
أمسوا و قد قتلوا عمرا و ما رشدوا . يدعون غدرا بعهد الله كيسانا
ويقتلون الرجال البزل ضاحية . لكي يؤلوا أمور الناس ولدانا
تلاعبوا بكتاب الله فاتخذوا . هواهم في معاصي الله قرآنا
و أخرج بإسناد فيه الكديمي و هو متهم بالكذب عن ابن جريج عن أبيه قال : خطبنا عبد الملك بن مروان بالمدينة بعد قتل ابن الزبير عام حج سنة خمس و سبعين فقال بعد حمد الله و الثناء عليه :
أما بعد فلست بالخليفة المستضعف ـ يعني عثمان و لا الخليفة المداهن ـ يعني معاوية و لا الخليفة المأفون ـ يعني يزيد ألا و إن من كان قلبي من الخلفاء كانوا يأكلون و يطعمون من هذه الأموال ألا و إني لا أداوي أدواء هذه الأمة إلا بالسيف حتى تستقيم لي قناتكم تكلفوننا أعمال المهاجرين و لا تعملون مثل أعمالهم ؟ فلن تزدادوا إلا عقوبة حتى يحكم السيف بيننا و بينكم هذا عمرو بن سعيد قرابته قرابته و موضعه موضعه قال برأسه هكذا فقلنا بأسيافنا هكذا ألا و إنا نحمل لكم كل شيء إلا وثوبا على أمير أو نصب راية ألا و إن الجامعة التي جعلتها في عنق عمرو بن سعيد عندي و الله لا يفعل أحد فعله إلا جعلتها في عنقه و الله لا يأمرني أحد بتقوى الله بعد مقامي هذا إلا ضربت عنقه ثم نزل
ثم قال العسكري : و عبد الملك أول من نقل الديوان من الفارسية إلى العربية و أول من رفع يديه على المنبر
قلت : فتمت له عشرة أوائل منها خمسة مذمومة
و قد أخرج ابن أبي شيبة في المصنف بسنده عن محمد بن سيرين قال : أول من أحدث الأذان في الفطر و الأضحى بنو مروان فإما أن يكون عبد الملك أو أحدا من أولاده
و أخرج عبد الرزاق عن ابن جريج قال : أخبرني غير واحد أن أول من كسا الكعبة بالديباج عبد الملك بن مروان و إن من أدرك ذلك من الفقهاء قالوا : أصاب ما نعلم لها من كسوة أوفق منه
و قال يوسف بن الماجشون : كان عبد الملك إذا قعد للحكم قيم على رأسه بالسيوف
و قال الأصمعي : قيل لعبد الملك : يا أمير المؤمنين عجل عليك الشيب فقال : و كيف لا و أنا أعرض عقلي على الناس في كل جمعة ؟
و قال محمد بن حرب الزيادي : قيل لعبد الملك بن مروان : من أفضل الناس ؟ قال : من تواضع عن رفعة و زهد عن قدرة و أنصف عن قوة
و قال ابن عائشة : كان عبد الملك إذا دخل عليه رجل من أفق من الآفاق قال : اعفني من أربع و قل بعدها ما شئت : لا تكذبني فإن الكذوب لا رأي له و لا تجبني فيما لا أسألك فإن فيما أسألك عنه شغلا و لا تطرني فإني أعلم بنفسي منك و لا تحملني على الرعية فإني إلى الرفق بهم أحوج و قال المدائني : لما أيقن عبد الملك بالموت قال : و الله لوددت أني كنت منذ ولدت إلى يومي هذا حمالا ثم أوصى بنيه بتقوى الله و نهاهم عن الفرقة و الاختلاف و قال : كونوا بني أم بررة و كونوا في الحرب أحرارا و للمعروف منارا فإن الحرب لم تدن منية قبل وقتها و إن المعروف يبقى أجره و ذكره واحلوا في مرارة و لينوا في شدة و كونوا كما قال ابن عبد الأعلى الشيباني :
إن القداح إذا اجتمعن فرامها ... بالكسر ذو حنق وبطش باليد
عزت فلم تكسر و إن هي بددت ... فالكسر و التوهين للمتبدد
يا وليد اتق الله فيما أخلفك فيه إلى أن قال : و انظر الحجاج فأكرمه فإنه هو الذي وطأ لكم المنابر و هو سيفك يا وليد و يدك على من ناوأك فلا تسمعن فيه قول أحد و أنت إليه أحوج منه إليك و ادع الناس إذا مت إلى البيعة فمن قال برأسه هكذا فقل بسيفك هكذا
وقال غيره : لما احتضر عبد الملك دخل عليه ابنه الوليد فتمثل بهذا :
كم عائد رجلا و ليس يعوده ... إلا ليعلم هل يراه يموت
فبكى الوليد فقال : ما هذا ؟ أتحن حنين الأمة ؟ إذا أنا مت فشمر و ائتزر و البس جلد النمر و ضع سيفك على عاتقك فمن أبدى ذات نفسه لك فاضرب عنقه و من سكت مات بدائه
قلت : لو لم يكن من مساوىء عبد الملك إلا الحجاج و توليته إياه على المسلمين و على الصحابة رضي الله عنهم يهينهم و يذلهم قتلا و ضربا و شتما و حبسا و قد قتل من الصحابة و أكابر التابعين ما لا يحصى فضلا عن غيرهم و ختم في عنق أنس و غيره من الصحابة ختما يريد بذلك ذلهم فلا رحمة الله و لا عفا عنه و من شعر عبد الملك :
لعمري لقد عمرت في الدهر برهة . و دانت لي الدنيا بوقع البواتر
فأضحى الذي قد كان مما يسرني . كلمح مضى في المزمنات الغوابر
فيا ليتني لم أعن بالملك ساعة . ولم أله لي لذات عيش نواضر
وكنت كذي طمرين عاش ببلغة . من الدهر حتى زار ضنك بالمقابر
و في تاريخ ابن عساكر عن إبراهيم بن عدي قال : رأيت عبد الملك بن مروان و قد أتته أمور أربعة في ليلة فما تنكر و لا تغير وجهه : قتل عبيد الله بن زياد و قتل حبيش بن دلجة بالحجاز و انتقاض ما كان بينه و بين ملك الروم و خرج عمرو بن سعيد إلى دمشق
و فيه عن الأصمعي قال : أربعة لم يلحنوا في جد و لا هزل : الشعبي و عبد الملك بن مروان و الحجاج بن يوسف و ابن القرية
و أسند السلفي في الطيوريات : أن عبد الملك بن مروان خرج يوما فلقيته امرأة فقالت : يا أمير المؤمنين قال : ما شأنك ؟ قالت : توفي أخي و ترك ستمائة دينار فدفع إلي من ميراثه دينار واحد فقيل هذا حقك فعمي الأمر فيها على عبد الملك فأرسل إلى الشعبي فسأله فقال : نعم هذا توفي فترك ابنتين فلهما الثلثان أربعمائة و أما فلها السدس مائة و زوجة فلها الثمن خمسة و سبعون و اثني عشر أخا فلهم أربعة و عشرون و بقي لها دينار
و قال ابن أبي شيبة في المنصف : حدثنا أبو سفيان الحميري حدثنا خالد بن محمد القرشي قال : قال عبد الملك بن مروان : من أراد أن يتخذ جارية للتلذذ فليتخذها بربرية و من أراد أن يتخذها للولد فليتخذها فارسية و من أراد أن يتخذها للخدمة فليتخذها رومية
و قال أبو عبيدة : لما أنشد الأخطل كلمته لعبد الملك التي يقول فيها :
شمس العداوة حتى يستقاد لهم . وأعظم الناس أحلاما إذا قدروا
قال : خذ بيده يا غلام فأخرجه ثم ألقي عليه من الخلع ما يغمره ثم قال : إن لكل قوم شاعرا و شاعر بني أمية الأخطل و قال الأصمعي : دخل الأخطل على عبد الملك فقال : ويحك ! صف لي السكر قال : أوله لذة و آخره صداع و بين ذلك حالة لا أصف لك مبلغها فقال : ما مبلغها ؟ قال : لملكك يا أمير المؤمنين عندها أهون علي من شسع نعلي و أنشأ يقول :
إذا ما نديمي علني ثم علني ... ثلاث زجاجات لهن هدير
خرجت أجر الذيل تيها كأنني ... عليك أمير المؤمنين أمير
قال الثعالبي : كان عبد الملك يقول : ولدت في رمضان و فطمت في رمضان و ختمت القرآن في رمضان و بلغت الحام في رمضان و وليت في رمضان و أتتني الخلافة في رمضان و أخشى أن أموت في رمضان فلما دخل شوال و أمن مات
و ممن مات في أيام عبد الملك من الأعلام : ابن عمر و أسماء بنت الصديق و أبو سعيد بن المعلى و أبو سعيد الخدري و رافع بن خديج و سلمة بن الأكوع و العرباض بن سارية و جابر بن عبد الله و عبد الله بن جعفر بن أبي طالب و السائب بن يزيد و أسلم مولى عمر و أبو إدريس الخولاني و شريح القاضي و أبان بن عثمان بن عفان و الأعشى الشاعر و أيوب بن القرية الذي يضرب به المثل في الفصاحة و خالد بن يزيد بن معاوية و زر بن حبيش و سنان بن سلمة ابن المحبق و سويد بن غفلة و أبو وائل و طارق بن شهاب و محمد بن الحنيفة و عبد الله بن شداد بن الهاد و أبو عبيد بن عبد الله بن مسعود وعمرو بن حريث و عمرو بن سلم الجرمي و آخرون
● [ الوليد بن عبد الملك بن مروان ] ●
86 هـ 96 هـالوليد بن عبد الملك : أبو العباس قال الشعبي : كان أبواه يترفانه فشب بلا أدب
قال روح بن زنباع : دخلت يوما على عبد الملك ـ و هو مهموم ـ فقال : فكرت فيمن أوليه أمر العرب فلم أجده فقلت : أين أنت من الوليد ؟ قال : إنه لا يحسن النحو فسمع ذلك الوليد فقام من ساعته و جمع أصحاب النحو و جلس معهم في بيت ستة أشهر ثم خرج و هو أجهل مما كان فقال عبد الملك : أما إنه قد أعذر
و قال أبو الزناد : كان الوليد لحانا قال على منبر المسجد النبوي : يا أهل المدينة
و قال أبو عكرمة الضبي : قرأ الوليد على المنبر يا ليتها كانت القاضية و تحت المنبر عمر بن عبد العزيز و سليمان بن عبد الملك فقال سليمان : وددتها و الله
و كان الوليد جبارا ظالما
و أخرج أبو نعيم في الحلية عن ابن شوذب قال : قال عمر بن عبد العزيز ـ و كان الوليد في الشام و الحجاج بالعراق و عثمان بن جبارة بالحجاز و قرة بن شريك بمصر ـ امتلأت الأرض و الله جورا
و أخرج ابن أبي حاتم في تفسيره عن إبراهيم بن أبي زرعة أن الوليد قال له : أيحاسب الخليفة ؟ قال : يا أمير المؤمنين أنت أكرم على الله أم داود ؟ إن الله جمع له النبوة و الخلافة ثم توعده في كتابه فقال : { يا داود } الآية
لكنه أقام الجهاد في أيامه و فتحت في خلافته فتوحات عظيمة و كان مع ذلك يختن الأيتام ويرتب لهم المؤدبين و يرتب للزمنى من يخدمهم و للأضراء من يقودهم و عمر المسجد النبوي و وسعه ورزق الفقهاء و الضعفاء و الفقراء و حرم عليهم سؤال الناس و فرض لهم ما يكفيهم و ضبط الأمور أتم ضبط
و قال ابن أبي علبة : رحم الله الوليد ! و أين مثل الوليد ؟ افتتح الهند و الأندلس و بنى مسجد دمشق و كان يعطيني قطع الفضة أقسمها على قراء مسجد بيت المقدس
ولي الوليد الخلافة بعهد من أبيه في شوال سنة ست و ثمانين ففي سنة سبع و ثمانين شرع في بناء جامع دمشق و كتب بتوسيع المسجد النبوي و بنائه و فيها فتحت بيكند و بخارى و سردانية و مطمورة و قميقم و بحيرة الفرسان عنوة و فيها حج بالناس عمر ابن عبد العزيز و هو أمير المدينة فوقف يوم النحر غلطا و تألم لذلك
و في سنة ثمان و ثمانين فتحت جرثومة و طوانة
و في سنة تسع و ثمانين فتحت جزيرتا منورقة و ميورقة
و في سنة إحدى و تسعين فتحت نسف و كش و شومان و مدائن و حصون من بحر أذربيجان
و في سنة اثنين و تسعين فتح إقليم الأندلس بأسره و مدينة أرماييل و قتربون
و في سنة ثلاث و تسعين فتحت الديبل و غيرها ثم الكرح و برهم و باجة و البيضاء و خوارزم و سمرقند و الصغد
و في سنة أربع و تسعين فتحت كابل و فرغانة و الشاش و سندرة و غيرها
و في سنة خمس و تسعين فتحت الموقان و مدينة الباب
و في سنة ست و تسعين فتحت طوس و غيرها و فيها مات الخليفة الوليد في نصف جمادى الآخرة و له إحدى و خمسون سنة
قال الذهبي : أقام الجهاد في أيامه و فتحت فيها الفتوحات العظيمة كأيام عمر بن الخطاب
قال عمر بن عبد العزيز : لما وضعت الوليد في لحده إذا هو يركض بين أكفانه ـ يعني ضرب الأرض برجله و من كلام الوليد : لو لا أن الله ذكر آل لوط في القرآن ما ظننت أن أحدا يفعل هذا
مات في أيام الوليد من الأعلام : عتبة بن عبد السلمي و المقدام بن معد يكرب و عبد الله بن بشر المازني و عبد الله بن أبي أوفى و أبو العالية و جابر بن زيد و أنس بن مالك و سهل بن سعيد و السائب بن يزيد و السائب بن خلاد و خبيب بن عبد الله بن الزبير و بلال بن أبي الدرداء و سعيد بن المسيب و أبو سلمة بن عبد الرحمن و سعيد بن جبير شهيدا قتله الحجاج لعنه الله و إبراهيم النخعي و مطرف و إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف و العجاج الشاعر و آخرون
● [ سليمان بن عبد الملك بن مروان ] ●
96 هـ 99 هـسليمان بن عبد الملك : أبو أيوب كان من خيار ملوك بني أمية
ولي الخلافة بعهد من أبيه بعد أخيه في جمادى الآخرة سنة ست و تسعين
روى قليلا عن أبيه و عبد الرحمن بن هبيرة
روى عنه ابنه عبد الواحد و الزهري
وكان فصيحا مفوها مؤثرا للعدل محبا للغزو و مولده سنة ستين
من محاسنه : أن عمر بن عبد العزيز كان له كالوزير فكان يمتثل أوامره في الخير فعزل عمال الحجاج و أخرج من كان في سجن العراق و أحيا الصلاة لأول مواقيتها و كان بنو أمية أماتوها بالتأخير
قال ابن سيرين : يرحم الله سليمان ! افتتح خلافته بإحيائه الصلاة لمواقيتها و اختتمها باستخلافه عمر بن عبد العزيز
و كان سليمان ينهى عن الغناء و كان من الأكلة المذكورين أكل في مجلس سبعين رمانة و خروفا و ست دجاجات و مكوك زبيب طائفي
قال يحيى الغساني : نظر سليمان في المرآة فأعجبه شبابه و جماله فقال : كان محمد صلى الله عليه و سلم نبيا و كان أبو بكر صديقا و كان عمر فاروقا و كان عثمان حييا و كان معاوية حليما و كان يزيد صبورا و كان عبد الملك سائسا و كان الوليد جبارا و أنا الملك الشاب فما دار الشهر حتى مات
و كانت وفاته يوم الجمعة عاشر صفر سنة تسع و تسعين و فتح في أيامه جرجان و حصن الحديد و سردانية و شقى و طبرستان و مدينة السقالبة
مات في أيامه من الأعلام : قيس بن أبي حازم و محمود بن لبيد و الحسن بن الحسين بن علي و كريب مولى ابن عباس و عبد الرحمن بن الأسود النخعي و آخرون
قال عبد الرحمن بن حسان الكناني : مات سليمان غازيا بدابق فلما مرض قال لرجاء بن حيوة : من لهذا الأمر بعدي ؟ أستخلف ابني ؟ قال ابنك غائب قال : فابني الآخر ؟ قال : صغير قال : فمن ترى ؟ قال : أرى أن تستخلف عمر بن عبد العزيز قال : أتخوف إخوتي لا يرضون قال : تولي عمر و من بعده يزيد بن عبد الملك و تكتب كتابا و تختم عليه و تدعوهم إلى بيعته مختوما قال : لقد رأيت فدعا بقرطاس فكتب فيه العهد و دفعه إلى رجاء و قال : اخرج إلى الناس فليبايعوا على ما فيه مختوما فخرج فقال : إن أمير المؤمنين يأمركم أن تبايعوا لمن في هذا الكتاب قالوا : و من فيه ؟ قال : هو مختوم لا تخبروا بمن فيه حتى يموت ؟ قالوا لا نبايع فرجع إليه فأخبره فقال : انطلق إلى صاحب الشرط و الحرس فاجمع الناس و مرهم بالبيعة فمن أبى فاضرب عنقه فبايعوا قال رجاء : فبينما أنا راجع إذا هشام فقال لي : يا رجاء قد علمت موقعك منا و أن أمير المؤمنين قد صنع شيئا ما أدري ما هو ؟ و إني تخوفت أن يكون قد أزالها عني فإن يكن قد عدلها عني فأعلمني ما دام في الأمر نفس حتى أنظر فقلت سبحان الله ! يستكتمني أمير المؤمنين أمرا أطلعك عليه ؟ لا يكون ذلك أبدا ثم لقيت عمر بن عبد العزيز فقال لي : يا رجاء إنه قد وقع في نفسي أمر كبير من هذا الرجل أتخوف أن يكون قد جعلها إلي و لست أقوم بهذا الشأن فأعلمني ما دام في الأمر نفس لعلي أتخلص منه ما دام حيا قلت : سبحان الله ! يستكتمني أمير المؤمنين أمرا أطلعك عليه ؟
ثم مات سليمان و فتح الكتاب فإذا فيه العهد لعمر بن عبد العزيز فتغيرت وجوه بني عبد الملك فلما سمعوا [ و بعده يزيد بن عبد الملك ] تراجعوا فأتوا عمر فسلموا عليه بالخلافة فعقر به فلم يستطع النهوض حتى أخذوا بضبعيه فدنوا به إلى المنبر و أصعدوه فجلس طويلا لا يتكلم فقال لهم رجاء : ألا تقومون إلى أمير المؤمنين فتبايعوه فبايعوه و مد يده إليهم ثم قام فحمد الله و أثنى عليه ثم قال : أيها الناس إني لست بفارض و لكني منفذ و لست بمبتدع و لكني متبع و إن من حولكم من الأمصار و المدن إن هم أطاعوا كما أطعتم فأنا واليكم و إن هم أبوا فلست لكم بوال ثم نزل فأتاه صاحب المراكب فقال : ما هذا ؟ قال مركب الخليفة قال : لا حاجة لي فيه ائتوني بدابتي فأتوه بدابته و انطلق إلى منزله ثم دعا بدواة و كتب بيده إلى عمال الأمصار
قال رجاء : كنت أظن أنه سيضعف فلما رأيت صنعه في الكتاب علمت أنه سيقوى
يروى أن مروان بن عبد الملك وقع بينه وبين سليمان في خلافته كلام فقال له سليمان : يا بن اللخناء ففتح مروان فاه ليجيبه فأمسك عمر بن عبد العزيز بفيه و قال أنشدك الله إمامك و أخوك و له السن فسكت و قال : قتلتني و الله لقد زدت في جوفي أحر من النار فما أمسى حتى مات
و أخرج ابن أبي الدنيا عن زياد بن عثمان أنه دخل على سليمان بن عبد الملك لما مات ابنه أيوب فقال يا أمير المؤمنين إن عبد الرحمن بن أبي بكر كان يقول : من أحب البقاء فليوطن نفسه على المصائب
86 هـ 96 هـ
96 هـ 99 هـ