بّسم اللّه الرّحمن الرّحيم مكتبة الفقة الإسلامي المحرر في الفقه على مذهب الإمام أحمد بن حنبل المجلد ألأول ● [ كتاب المناسك ] ●
● مدخل كتاب المناسك يجب الحج والعمرة على الفور مرة في العمر ولا يجبان إلا على مسلم حر عاقل بالغ مستطيع والمستطيع من ملك زادا وراحلة بآلة تصلح لمثله لسفره وعوده أو ملك ثمنهما بعد ما يحتاجه من مسكن وخادم ووفاء دين وكفاية دائمة له ولأهله إذا وجد طريقا آمنا خاليا عن خفارة فيه الماء والعلف ووقتا يتسع للسير والأداء وقال ابن حامد يجب بدل الخفارة اليسيرة وتزيد المرأة باعتبار محرم مكلف مسلم باذل للخروج ونفقته عليها والمحرم زوجها ومن تحرم عليه أبدا لا من تحريمها بوطء شبهة أو زنا نص عليه وقيل: هو محرم لها أيضا وفي عبد المرأة روايتان إحداهما: لا يكون محرما لها وعنه أن المحرم وسعة الوقت وأمن الطريق شروط للزوم الأداء دون الوجوب. وما دون مسافة القصر لا يشترط له الراحلة وفي المحرم روايتان أحدهما يشترط. ولا تثبت الاستطاعة ببذل مال ولا بدن ومن عجز عن السير لكبر أو مرض لا يرجى برؤه أقام من يحج عنه ويعتمر ويجزئه وإن عوفى. ومن مات وعليه الحج أخرج عنه من يحج من حيث وجب فإن زاحمه دين تحاصا وأخرج الحج من حيث يبلغ ومن له وصي بحج نفل جاز إخراجه من الميقات إلا أن يمنع منه قريبه. ومن أمكنه نفل الحج بنفسه فاستناب فيه جاز وعنه المنع. ويصح حج العبد والصبي دون الكافر والمجنون ويحرم الصبي المميز بإذن الولي وغير المميز يحرم عنه وليه ويفعل عنه ما لا يطيقه ونفقه الحج وكفاراته تلزم الولي وعنه أنهما في مال الصبي وهل ينعقد إحرام المميز بدون إذن وليه على وجهين أحدهما لا يصح. وليس للرجل منع زوجته من حج الفرض. ومن أحرم عبده أو زوجته بنفل أو واجب لم يملك تحليلهما وعنه يملكه من النفل إذا لم يأذن فيه ويكونان كالمحصر. وإذا بلغ الصبي وعتق العبد في أثناء النسك لم يجزئهما عن فرض الإسلام إلاأن يكون ذلك في الحج بعرفة وفي العمرة قبل الطواف فإنه يجزىءعنه وقيل: إن سعيا قبل الوقوف وقلنا هو ركن لم يجزئهما الحج بحال.
● باب المواقيت وهي خمسة فذو الحليفة لأهل المدينة والجحفة لأهل الشام والمغرب ويلملم لأهل اليمن وقرن لأهل نجد وذات عرق لأهل العراق والمشرق. فهذه المواقيت مهل من مر بها من أهلها وغيرهم ومن عرج عنها أحرم إذا حاذى أقر بها إليه ومن كان منزله دونها فيمقاته منه. والإحرام قبل الميقات جائز ومنه أفضل. وإذا جاوز المسلم الحر المكلف الميقات محلا والنسك فرضه أو مراده لزمه أن يعود فيحرم منه إلا لعذر كخشية فوات الحج ونحوه فإن أحرم دونه لزمه دم مع العذر وعدمه ولم يسقط بعوده إليه. إن كان قصده مكة لخوف أو قتال مباح أو حاجة تتكرر كالمحتش ونحوه فلا إحرام عليه وإن قصدها لغير ذلك من تجارة ونحوها لزمه أن يدخلها محرما من الميقات فإن تجاوزها قاصدا لغيرها ثم بدا له في أن يقصدها أحرم من موضعه ولا شيء عليه. ومن كان بمكة فميقاته للحج من الحرم وللعمرة من الحل فإن أحرم بالعمرة من الحرم لزمه دم وإن أحرم بالحج من الحل فعلى روايتين.
● باب أقسام النسك وهي ثلاثة مخير بينها أفضلها التمتع ثم الإفراد ثم القران. فالتمتع أن يعتمر قبل الحج في أشهره والإفراد أن لا يأتي في أشهر الحج بغيره والقران أن يحرم بهما معا أو بالعمرة ثم بالحج قبل طوافها ويفعل ما يفعله المفرد وعنه يلزمه طوافان وسعيان. ولا يصح إدخال العمرة على الحج وتجزىءعمرة القران عن عمرة الإسلام وعنه لا تجزىء. ويلزم المتمتع والقارن دم بشرط أن لا يكونا من حاضري المسجد الحرام وهم أهل الحرم ومن كان دون مسافة القصر منه. ويختص دم التمتع بأربعة شروط أن يحرم بالعمرة في أشهر الحج وأن يحج من سنته ولا يخرج بينهما إلى مسافة القصر ولا يحرم بالحج من لميقات واشترط أبو الخطاب أيضا نية التمتع في ابتداء العمرة وفي أثنائها. ولا يسقط دم المتعة والقران بفساد الحج وعنه يسقط. فإن عدم الدم في موضعه لزمه وصام عشرة أيام ثلاثة منها قبل يوم النحر وله تقديمها إذا أحرم بالعمرة وسبعة إذا فرغ من الحج ولا يجب التتابع فيها فإن شرع في الصوم ثم وجد الهدي لم يجب الانتقال إليه وإن وجده قبل الشروع فعلى روايتين. ومن أخر الهدي عن أيام النحر أو صوم الثلاثة عن أيام الحج لزمه مع القضاء دم وعنه لا يلزمه وعنه يلزمه إلا أن يؤخر لعذر. ويجوز للمفرد والقارن فسخ الحج إلى العمرة إذا لم يقفا بعرفة ولا ساقا هديا. وإذا حاضت المتمتعة فخشيت فوات الحج أحرمت به وصارت قارنة ولم تقض طواف القدوم إذا طهرت. ومن أحرم بنسك فأنسيه أو أحرم به مطلقا ثم عينه بتمتع أو إفراد أو قران جاز وسقط عنه فرضه إلا الناسي لنسكه إذا عينه بقران أو بتمتع وقد ساق الهدي فإنه يجزئه عن الحج دون العمرة. ومن أحرم بحجتين أو عمرتين انعقد لواحدة. ومن استنابه اثنان وأحرم عنهما وقع عن نفسه وإن أحرم عن أحدهما ولم يعينه فهل يقع عن نفسه أو له صرفه إلى أيهما شاء على وجهين. ومن أحرم بحج نفل أن نذر أو عن الغير وعليه حجة الإسلام انصرف إليها وعنه يقع عما نواه وعنه يقع باطلا. ومن أحرم بالحج قبل أشهره وهي شوال وذو القعدة وعشر من ذي الحجة كره وانعقد وعنه لا ينعقد حجا بل عمرة ولا تكره العمرة في شيء من السنة.
● باب صفة الإحرام السنة لمن أراد الإحرام أن يغتسل ويلبس ثوبين أبيضين نظيفين ويتطيب ثم يحرم عقيب مكتوبة أو نافلة فينوي بقلبه قائلا بلسانه اللهم إني أريد النسك الفلاني فيسره لي وتقبله مني ويشترط فيقول وإن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني فمتى حبس بمرض أو فقد نفقة أو غيره حل ولا شيء عليه. فإذا أحرم لبى وقال الخرقي إذا ركب فيقول لبيك اللهم لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك. ويلبي كلما علا نشزا أو هبط واديا أو سمع ملبيا أو ركب راحلة أو لقي رفقة أو أتى محذورا ناسيا وإذا أقبل الليل والنهار وفي دبر المكتوبة ولا يسن تكرار التلبية في حال واحدة ولا إظهارها في مساجد الحل وأمصاره ولا تكره الزيادة فيها ويسن الدعاء بعدها والجهر بها إلا أن المرأة لا تجهر إلا بحيث تسمع رفيقاتها ويقطعها الحاج إذا أخذ في الرمي والمعتمد إذا شرع في الطواف وقال الخرقي إذا وصل إلى البيت.
● باب محظورات الإحرام وجزائها وهي تسعة: أحدها : الوطء في قبل أو دبر من آدمي أو بهيمة ويفسد النسك بعمده وسهوه وتجب به شاة في العمرة وبدنة في الحج إلا بعد تحلله الأول فإنه لا يفسد منه إلا بقية إحرامه فيحرم من التنعيم ليطوف للزيارة في إحرام صحيح وهل تلزمه بدنة أو شاة على روايتين وأما المرأة الموطوءة فتلزمها الفدية إلا مع الإكراه وعنه تجب معه مع الإكراه ويتحملها الزوج بنفقة القضاء وعليها المضي في النسك الفاسد وقضاؤه على الفور نفلا كان أو فرضا والإحرام به من أبعد الميقاتين وهما الميقات الشرعي وحيث أحرما أولا ويسن أن يفترقا من موضع الوطء وقيل: يجب. ولا يجب بوطء القارن فوق البدنة شيء وقيل: يجب بدنة وشاة. وإذا وطيء المعتمر بعد السعي وقبل الحلق لزمه دم ولم تفسد عمرته. الثاني : دواعي الشهوة من لمس أو نظر فإن لمس فأنزل لزمته بدنة في الحج وفي فساد نسكه روايتان [الصحيح يفسد]. وإن استمنى أو كرر النظر فأمنى لم يفسد نسكه ولزمته بدنة وعنه شاة. وإن أمنى بنظرة أو كررها فأمذى أو لمس فلم ينزل لزمته شاة وإن أمنى بفكر غالب لم يلزمه دم وإن استدعاه فعلى وجهين. الثالث : النكاح فلا يصح أن يتزوج ولا يزوج وفي ارتجاع زوجته روايتان [المذهب الارتجاع] وعنه يصح أن يزوج غيره. وتكره له الخطبة وأن يشهد النكاح. الرابع : قطع الشعر فيجب في الشعرة مد بر وفي الشعرتين مدان وفي الثلاث فصاعدا دم أو طعام ستة مساكين أو صيام ثلاثة أيام وعنه إن قطعه لغير عذر تعين الدم فإن عدمه أطعم فإن لم يجد صام ويجزىءعن شعر الرأس والبدن فدية وعنه تجب فديتان. ومن حلق رأسه بإذنه فعليه فديته وإن كان مكرها فعلى الحالق وإن سكت ولم يمتنع فعلى وجهين [الصحيح يجب لأنه باختياره]. وإن خرج في عينيه شعر أو نزل عليهما من حاجبيه فأزاله أو قطع جلده عليها شعر أو حلق رأس حلال فلا شيء عليه لأنه صال عليه. وله أن يحتجم ما لم يقطع شعرا ويحك رأسه وجسده برفق ولا يتفلى ولا يقتل القمل فإن قتله فليتصدق بشيء وعنه له قتله ولا شئ فيه. الخامس : تقليم الأظفار إلا ما انكسر منها وهي كالشعر فيما ذكرنا. السادس : تغطية الرأس بملبوس وغيره وفي الوجه روايتان والأذنان من الرأس وإذا استظل بخيمة أو سقف أو حمل على رأسه شيئا جاز وإن استظل في المحمل فعلى روايتين. السابع : لبس المخيط في سائر بدنه فإن أحرم وعليه قميص خلعه ولم يشقه. ومن عدم الإزار والنعلين لبس السراويل والخفين بحالهما ولا فدية عليه وعنه إن لم يقطع الخفين دون الكعبين افتدي. وإن لبس واجد النعلين جمجما أو خفا مقطوعا تحت الكعب لزمته الفدية. وليس له وضع القباء على كتفيه وقال الخرقي إن لم يدخل يديه في كميه جاز وله أن يتشح ويأتزر بالقميص ويعقد الإزار دون الرداء ولا يعقد الهميان إلا أن يخشى سقوطه ولا يلبس المنطقة ولا يتقلد بالسيف إلا لضرورة. وإحرام المرأة في وجهها فلا تستره بنقاب ولا غيره فإن سدلت عليه ما لم يباشره جاز ويباح لها اللباس وتظليل المحمل. وتشارك الرجل في تحريم القفازين ويباح لها لبس الحلي نص عليه وظاهر كلام الخرقي تحريمه. الثامن : الطيب فإذا طيب المحرم بدنه أو ثوبه بمسك أو زعفران أو ورس أو ند أو ماء ورد ونحوه أو تبخر بعود أو أكل ما فيه طيب يظهر ريحه أو ادهن به أو تعمد شم الطيب أو نزع ثوبه المطيب قبل الإحرام ثم لبسه لزمته الفدية. وله شم العود والشيح والقيصوم والإذخر وفي شم الورد والبنفسج والريحان الفارسي ونحوه روايتان [أصحها له شمه]. وله أن يدهن بدهن لا طيب فيه وعنه المنع. وفدية التغطية واللباس والطيب كفدية الحلق. التاسع : الجناية على الصيد ولها باب مفرد. وينبغي للمحرم تجنب الشتم وقلة الكلام إلا فيما ينفع. وله أن يلبس المعصفر والكحلي ويختضب ويكتحل وينظر في المرآة إلا لزينة فيكره وإن غسل رأسه بسدر أو خطمي جاز وعنه تلزمه الفدية. ومن كرر محظورا من جنس ولم يكفره فكفارة واحدة إلا الصيد فإن كفارته تتعدد بتعدده وعنه تتداخل أيضا. فأما المحظورات من أجناس تتحد فديتها فهل تتداخل على روايتين وسواء فعلها رافضا لإحرامه أو لم يرفضه. ومن تطيب أو لبس ناسيا لم تلزمه فدية وعنه تلزمه. وإن حلق أو قلم أو قتل صيدا ناسيا لزمته الفدية وعنه في الصيد لا يلزمه ويخرج في الحلق والتقليم مثله.
● باب الجناية على الصيد1 وجزائها يحرم على المحرم صيد البر المأكول وما تولد منه ومن غيره فإن أتلفه أو أزمنه أو تلف في يده أو نفره بشيء فتلف لزمه جزاؤه فإن جرحه ولم يوجبه2 فغاب وجهل خبره ضمن أرش الجرح وإن وجده ميتا لم يتيقن موته بجرحه فهل يضمن أرش الجرح أو كمال الجزاء على وجهين [الصحيح: أرش الجرح فقط] فإن قتله لصياله أو خلصه من سبع فتلف قبل إرساله لم يضمنه وقيل: يضمه كما لو قتله في مخمصه فإن أعان على قتله حلالا بدلالة أو إشارة أو إعارة آلة ونحوها ضمن جميعه. وإن أعان محرما أو اشتركا في قتله لزمهما جزاء واحد وعنه جزاءان وعنه إن كفرا بالصوم فجزاءان وإن كفرا بغيره فواحد. وإذا أمسك حمامة حتى هلكت فراخها ضمن الفراخ. وإذا أحرم وله في منزله صيد لم يلزمه شيء فإن كان معه أرسله ولم يزل ملكه عنه فإن امتنع فلغيره أن يرسله منه قهرا. ولا يملك المحرم صيدا باصطياد ولا بيع ولا هبة وفي الإرث وجهان [الصحيح في الإرث يملكه لأنه يدخل في ملكه قهرا]. ويحرم عليه أكل لحم الصيد إلا صيد الحلال إذا لم يصده لأجله وإذا ذبح صيدا كان ميتة. __________ 1- الصيد: ما كان وحشيا مأكولا أو متولدا منه أو من غيره. 2- أي لم يقتله.
O متابعة المتن فإن أمسكه حتى تحلل ثم ذبحه ضمنه وهل يباح على وجهين. ويضمن الصيد بمثله من النعم كالنعامة فيها بدنة وفي حمار الوحش وبقرته وفي الأيل والتيتل والوعل بقرة وفي الضبع والظبي والثعلب شاة وفي الأرنب واليربوع جفرة نص عليه وهي عناق لها أربعة أشهر وفي الضب والوبر جدي وفي طير الحمام وهو كل ماعب وهدر شاة ويضمن الصحيح والمعيب والصغير والكبير والذكر والأنثى والماخض والحائل من ذلك بمثله أو بقيمة المثل في الحرم طعاما يتصدق به أو يصوم عن كل مد بر أو نصف صاع تمر أو شعير من القيمة يوما. ويضمن مالا مثل له كالطير غير الحمام بقيمته في موضعه طعاما أو يصوم عن القيمة. وعنه الجزاء مرتب إن تعذر المثل أطعم فإن لم يجد صام. والمثل معتبر بحكم الصحابة فإن عدم فقول عدلين خبيرين وإن كانا قتلاه. ويضمن الجراد بقيمته وعنه كل جرادة بتمرة وعنه لا جزاء فيه. ويضمن الطير بما نقص فإن عاد فهل يسقط الضمان على وجهين [الصحيح يسقط]. ولا يضمن بالإحرام مالا يؤكل لحمه لكن يكره له قتله إذا لم يكن مؤذيا.
● باب صيد الحرم وجزائه صيد الحرم حرام على المحل والمحرم ويضمن بما يضمن به في الإحرام فإن رمى المحل في الحل صيدا في الحرم فقتله أو بالعكس فهل يجب الجزاء على روايتين [الصحيح الضمان وبالعكس لا ضمان]. وإن أرسل كلبه على صيد بالحل فطارده الكلب إلى الحرم فقتله فيه لم يضمنه وعنه إن أرسله بقرب الحرم ضمنه وقال أبو بكر يضمنه بكل حال. ويباح صيد السمك من الحرم وعنه يحرم. وشجر الحرم ونباته محرم إلا اليابس والإذخر وما زرعه الإنسان وما غرسه وفي رعي حشيشه وجهان. ويضمن الشجرة الكبرى ببدنة والصغرى بشاة والغصن بما نقص والنبات بالقيمة فإن استخلف سقط الضمان وقيل: لا يسقط. ومن أتلف غصنا في الحل أصله في الحرم ضمنه وإن أتلف غصنا في الحرم أصله في الحل فعلى وجهين. ولا يحل صيد المدينة ولا حشيشها إلا لحاجة العلف ولا شجرها إلا آلة الرحل ومن آلة الرحل القائمة والعارضة والوسادة والمسند وهو عود البكرة فإنه مباح وجزاء ما حرم من ذلك سلب الجاني لآخذه وعنه لا جزاء فيه وهو لله ومن دخله بصيد فله إبقاؤه معه وذبحه فيها. وحرمها ما بين جبليها بريد في بريد ومكة أفضل منها وعنه المدينة أفضل.
● باب أركان النسكين وواجباتهما أركان الحج التي لا يتم بدونها أربعة: أحدها : الإحرام وينعقد بمجرد النية ولا يزول برفضها فإن حصره عدو عن البيت في عمرة أو حج قبل الوقوف أو بعده نحر هديا في موضعه وحل ولم يلزمه حلق وعنه يلزمه فإن لم يجد هديا صام عشرة أيام ثم حل وهل يلزمه القضاء إن كان نفلا على روايتين. وإن حصر في الحج عن عرفة وحدها تحلل بعمرة ولا شيء عليه. ومن حصر بمرض أو ذهاب نفقة بقي على إحرامه حتى يقدر على البيت فيتحلل إن فاته الحج بعمرة الفوات وعنه أنه كالمحصر بعدو. الركن الثاني : الوقوف بعرفة في جزء من يوم عرفة أو ليلة النحر وقال ابن بطة لا يجزىءالوقوف قبل الزوال ولا وقوف السكران ولا المغمى عليه. وفي النائم والجاهل بكونها عرفة وجهان. ومن لم يقف حتى مضت ليلة النحر تحلل بعمرة ولزمه من قابل القضاء والهدي وعنه يجب القضاء دون الهدي وعنه يجب الهدي ولا يجب القضاء في النفل فيخرج في عامه وإذا لم يجد هديا صام عشرة أيام وقال الخرقي يصوم عن كل مد من قيمته يوما. وإذا وقف الناس في غير يوم عرفة خطأ أجزأهم وإن أخطأه نفر منهم لم يجزئهم. الركن الثالث : طواف الزيارة ووقته إذا انتصفت ليلة النحر ويجوز تأخيره عن أيام منى ويجب تعيينه بالنية فلو طاف للقدوم أو للوداع لم يجزئه عنه. ولا يصح طواف الزيارة ولا غيره إلا بعشرة أشياء النية وستر العورة وطهارتا الحدث والخبث وتكميل السبع وجعل البيت عن يساره وأن لا يمشي في شيء منه كالحجر والشاذران ولا يخرج عن المسجد ولا يطيل قطع الطواف إلا لجنازة أو مكتوبة أقيمت وأن يبتدىءبالحجر الأسود فيحاذيه ببدنه كله فإن حإذاه ببعضه فعلى وجهين وعنه أن السترة والطهارتين واجبات يجيرها الدم وأن المولاة سنة. ومن أحدث في طوافه: تطهر واستأنفه وعنه يبنى. ومن شك في عدد ما طاف أخذ باليقين وقال أبو بكر بغالب ظنه فإن أخبره اثنان بما طاف رجع إليهما نص عليه وقيل: لا يرجع. الركن الرابع : السعي بين الصفا والمروة وعنه أنه سنة وقيل: هو واجب يجبره الدم. ومن شرطه ستة أشياءالنية وكمال السبع والموالاة كما في الطواف والبداءة بالصفا وأن يتقدمه طواف واجب أو مسنون وأن لا يقدمه على أشهر الحج وعنه إن سعى قبل الطواف سهوا أجزأه وتسن له الطهارة وعنه تجب له كالطواف ومن طاف أو سعى راكبا أو محمولا أجزأه وعنه لا يجزئه إلا لعذر. وأما واجبات الحج فكل نسك وجب بتركه دم وهي سبعة: أحدها : الإحرام من الميقات كما ذكرناه في بابه. الثاني : الوقوف بعرفة حتى تغرب الشمس فإن غربت فدفع قبل الإمام جاز وعنه ما يدل على وجوب الدم ومن لم يواف عرفة إلا ليلا فلا شيء عليه. الثالث : المبيت بمزدلفة ليلة النحر إلى نصف الليل فمتى فارقها قبله أو طلع الفجر ولم يأتها لزمه دم وإن وافاها في النصف الثاني لم يلزمه شيء وحدها ما بين المأزمين ووادي محسر. الرابع : رمي الجمار كل جمرة بسبع حصيات وعنه تجزىءبخمس وعنه لا تجزىءدون الست وإذا رمى بغير الحصى أو بحصى قد رمى به أو لم يعلم حصول الحصى في المرمى لم يجزئه ومن أخر الرمي كله أو حصاة واجبة منه عن أيام منى لزمه دم. الخامس : حلق شعر الرأس كله أو تقصيره إذا رمى جمرة العقبة وعنه يجزىءبعضه كالمسح فإن حلق قبل الرمى أو قبل نحر الهدي إن كان معه أو بعد أيام منى كره ولا شيء عليه. السادس : المبيت بمنى ليالي منى فمن تركه أو ليلة منى لزمه دم وعنه لا شيء عليه وعنه يتصدق بشيء ولا مبيت على أهل السقاية والرعاة إلا أن تغرب الشمس وهم بمنى فيلزم الرعاة دون السقاة وحد منى من جمرة العقبة إلى وادي محسر. السابع : طواف الوداع ومتى ودع ثم اشتغل لزمه إعادته ليكون آخر عهده بالبيت ومن طاف عند خروجه للزيارة كفاه للتوديع. وأما العمرة فأركانها الإحرام والطواف وفي السعي روايتان وواجباتها الإحرام من الميقات أو الحل والحلق أو التقصير وقد روى عنه أن الحلاق والتقصير لا يجب في حج ولا عمرة فيتحلل منهما بدونه. ومن لزمه دم بترك واجب فعدمه صام عشرة أيام ثلاثة قبل يوم النحر إن أمكن وإلا كان الكل بعده فإن أمكنه الصيام فمات قبله أطعم عنه لكل يوم مسكين. وما سوى هذه الأركان والواجبات مما نذكره في صفة النسكين فمسنون كله لا شيء في تركه.
● باب صفة الحج والعمرة يستحب للمحرم أن يدخل المسجد الحرام من باب بني شيبة فإذا رأى البيت كبر ورفع يديه وقال جهرا اللهم أنت السلام ومنك السلام حينا ربنا بالسلام اللهم زد هذا البيت تعظيما وتكريما وتشريفا ومهابة وبرا الحمد لله رب العالمين كثيرا كما هو أهله وكما ينبغي لكرم وجهه وعز جلاله والحمد لله الذي بلغني بيته ورآني لذلك أهلا والحمد لله على كل حال اللهم إنك دعوت إلى حج بيتك وقد جئناك لذلك اللهم تقبل مني واعف عني وأصلح لي شأني كله لا إله إلا أنت ثم يطوف سبعا ينوي به المتمتع طواف العمرة والقارن والمفرد طواف القدوم ويضطبع بردائه فيجعل وسطه تحت عاتقه الأيمن وطرفيه فوق الأيسر ويبدأ بالحجر الأسود فيستلمه ويقبله ويقول بسم الله والله أكبر إيمانا بك وتصديقا بكتابك ووفاء بعهدك واتباعا لسنة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم فإن عجز أن يقبله استلمه وقبل يده وإلا أشار إليه ثم يرمل ثلاثة أشواط بأن يسرع المشي ويقارب الخطى ويمشي أربعة ويستلم الركن اليماني في كل مرة من غير تقبيل وقيل: يقبله وقيل: يقبل يده ويقول في رمله كلما حاذى الحجر الأسود "الله أكبر ولا إله إلا الله" وفي بقية الرمل اللهم اجعله حجا مبرورا وسعيا مشكورا وذنبا مغفورا وفي الأربعة "رب اغفر وارحم واعف عما تعلم وأنت الأعز الأكرم" وفي آخر طوافه بين الركنين "ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار" ويدعو بما أحب. ولا يسن الرمل ولا الاضطباع لأهل مكة ولا في غير هذا الطوف. ومن نسي الرمل في محله لم يقضه في غيره. ثم يصلي ركعتين خلف المقام يقرأ في الأولى بالكافرون وفي الثانية بالإخلاص ثم يأتي الركن فيستلمه. ثم يخرج للسعي من باب الصفا فيرقى الصفا حتى يرى البيت ويكبر ثلاثا ويقول الحمد لله على ما هدانا لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير لا إله إلا الله وحده أنجز وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده لا إله إلا الله ولا نعبد إلا إياه مخلصين له الدين ولو كره الكافرون. ثم ينزل ماشيا إلى العلم الذي في بطن الوادي ثم يسعى منه سعيا شديدا إلى العلم الآخر ثم يمشي حتى يرقى المروة فيقول ما قال على الصفا ثم ينحدر كذلك مشيا ثم سعيا ثم مشيا إلى الصفا يفعل ذلك سبعا ذهابه سعية ورجوعه سعية ثم إن كان في حج بقى على إحرامه وإن كان في عمرة حلق أو قصر وحل منها إلا أن يكون متمتعا معه هدي فلا يحل حتى يأتي بالحج. ثم يخرج إلى منى قبل الزوال من يوم التروية وهو ثامن ذي الحجة ويحرم بالحج إن كان متمتعا عند خروجه إليها ويبيت بها فإذا طلعت الشمس سار إلى نمرة فأقام بها إلى الزوال ثم يجمع بين صلاتين إن كان ممن يجوز له الجمع ثم يأتي عرفة وكلها موقف وهي من الجبل المشرف على بطن عرفة إلى الجبال التي تقابله إلى ما يلي حوائط بني عامر وليست عرنة منها والسنة أن يقف عند الصخرات وجبل الرحمة راكبا وقيل: الراجل أفضل ولا يسن له الصوم بعرفة ويكثر من قول لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيي ويميت بيده الخير وهو على كل شيء قدير اللهم اجعل في قلبي نورا وفي بصري نورا وفي سمعي نورا ويسر لي أمري ويجتهد في الدعاء حتى تغرب الشمس. ثم يسير بسكينة إلى المزدلفة على طريق المأزمين وإذا وجد فرجة أسرع وإذا أتاها جمع بين العشاءين قبل حط رحله ولو صلى المغرب في طريقه جاز وأخذ منها سبعين حصاة للرمي تكون فوق الحمص ودون البندق ومن حيث أخذه جاز ويسن غسله وعنه لا يسن. ويبيت بالمزدلفة إلى أن يصلي الفجر بغلس ثم يأتي المشعر الحرام فيرقاه ويحمد الله ويكبر ويهلل ويقول اللهم كما وقفنا فيه وأريتنا إياه فوفقنا لذكرك كما هديتنا واغفر لنا وارحمنا كما وعدتنا بقولك وقولك الحق {فَإذا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ*ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [ البقرة:198-199 ] ويدعو حتى يسفر جدا. ثم يسير إلى منى وإذا آتى محسرا أسرع بقدر رمية حجر فإذا أتى منى رمى جمرة العقبة ماشيا بسبع من الحصى يكبر مع كل حصاة ويرفع يده حتى يرى بياض إبطه ولو رمى بعد نصف ليلة الفجر جاز ثم ينحر هديا إن كان معه ثم يحلق أو يقصر ثم قد حل من كل شيء إلا النساء وعنه يحل إلا من الوطء في الفرج وإن لم يكن له شعر فالسنة أن يمر الموسى على رأسه. ثم يأتي مكة فيطوف إن كان متمتعا لقدومه كما فعل للعمرة ثم يسعى ثم يطوف ثانيا طواف الزيارة وهو الفرض وإن كان مفردا أو قارنا طاف الفرض ثم سعى إن كان لم يسع مع طواف قدومه وإلا فلا يسعى ثم قد حل من كل شيء ثم يأتي زمزم فيشرب منها ويتضلع فيسمي ويقول بسم الله الرحمن اجعله لنا علما نافعا ورزقا واسعا وريا وشبعا وشفاء من كل داء واغسل به قلبي واملاء من خشيتك. ثم يرجع فيبيت بمنى ثلاث ليال ويرمى من الغد بعد الزوال في غده الجمرة الأولى وتلي مسجد الخيف ثم الوسطى ثم جمرة العقبة فإن نكس لم يجزئه وعنه يجزئه مع الجهل ويرمي مستقبل القبلة ويجعل الأولى عن ميسرته والأخرى من ميمنته ويقف طويلا يدعو بقدر قراءة التوبة إلا عند جمرة العقبة فلا يقف ثم يرمى في اليوم الثاني كذلك ثم إن شاء نفر فيه متعجلا إلى مكة ووقف بقدر الحصاة وإن غربت شمسه وهو بمنى لزمه أن يبيت ويرمى بعد الزوال ولو أتى الرمي كله في آخر أيام منى جاز. ويستحب إذا نفر أن ينزل بالأبطح وهو المحصب إلى الليل فيهجع يسيرا ثم يدخل مكة ويستحب أن يدخل البيت حافيا ويتنفل فيه وأن يكثر الأعتمار والنظر إلى البيت. فإذا أراد أن يخرج طاف للوداع ثم وقف في الملتزم بين الركن والباب وقال اللهم هذا بيتك وأنا عبدك وابن عبدك وابن أمتك حملتني على ما استخرت لي من خلقك وسيرتني في بلادك حتى بلغتني بنعمتك بيتك وأعنتني على قضاء نسكي فإن كنت رضيت عني فازدد عني رضا وإلا فمن الآن قبل تنأى عن بيتك داري هذا أو أن انصرافي إن أذنت لي غير مستبدل بك ولا ببيتك ولا راغب عنك ولا عن بيتك اللهم اصحبني العافية في بدني والصحة في جسمي والعصمة في ديني وأحسن منقلبي وارزقني طاعتك ما أبقيتني واجمع لي خيري الدنيا والآخرة إنك على كل شيء قدير ويصلي على رسول الله صلى الله عليه وسلم في أدعيته. والمرأة كالرجل في جميع ذلك كله إلا أنها لا ترمل ولا تضطبع ولا ترقى المشعر ولا الصفا والمروة وتقصر من شعرها قدر أنملة ولا وداع عليها مع حيض أو نفاس ولادم بسبب ذلك لكن يسن أن تقف عند باب المسجد فتدعو. وخطب الحج المسنونة ثلاث يوم عرفة ويوم النحر وثاني أيام منى لتعريف الناس مناسكهم وعنه لا خطبة في يوم النحر.
● باب الهدايا والضحايا إذا نذر هديا مطلقا أو ضحية لزمته شاة ويجزىءعن الشاة سبع من بدنة وعن البدنة بقرة أو سبع شياه حيث وجبتا وله أن يشارك بسبع البدنة من يريد اللحم أو قربة غير قربته فإن ذبح من عليه الشاة بدنة فهل يجزئه سبعها أو تلزمه كلها على وجهين. ولا يجزىءفي هدي أو أضحية إلا الجذع من الضأن وهو ما تمت له ستة أشهر والثني مما عداه وهو ما تمت له سنة من المعز وسنتان من البقر وخمس سنين من الإبل. ولا يجزىءفي ذلك قائمة العينين ولا ذات عور خاسف العين أو مرض مفسد للحم أو عجف لا نقي معه1 أو عرج يمنع اتباع الغنم أو عضب مذهب لأكثر القرن أو الأذن. ويجزىءالخصي وفي الجماء وجهان. ومن السنة: سوق الهدايا من الحل وتقليدها بالعري والنعال ونحوها وإشعار البدن منها بشق صفحة سنامها اليمنى حتى يسيل دمها وأن توقف بعرفة. ولا تتعين إلا بالقول فيقول هذه أضحية أو هدي ونحوه من ألفاظ النذر ومتى لم تتعين فله ظهرها ونماؤها واسترجاعها مالم يذبحها فإن نذرها ابتداء بعينها لم يجز إبدالها إلا بخير منها وقال أبو الخطاب لا يجوز بحال من الأحوال وإن ولدت ذبح الولد معها وله شرب لبنها الفاضل عن ولدها __________ 1- النقي: المخ يعني لشدة هزلها وعجفها لم يبق في عظامها مخ .
O متابعة المتن وركوبها مع الحاجة مالم يضر بها وجز صوفها والتصدق بها إن انتفعت بجزه. ولو ذبحها فسرقت لم يلزمه شيء وإن ذبحت بغير إذنه أجزأته ولا شيء على الذابح وإن أتلفها صاحبها لزمته قيمتها يوم تلفها لا يوم ذبحها وصرفت في مثلها كالأجنبي إذا أتلفها وقيل: يلزمه أكثر القيمتين فإن بقيت من القيمة بقية صرفت في أخرى إن اتسعت لها وإلا تصدق بها أو بلحم يشتريه بها ولو تلفت أو ضلت بغير تفريط منه لم يلزمه شيء وإن تعيبت ذبحها وأجزأته. وإن عطبت دون محلها ذبحها مكانها وأجزأته ولم يأكل ولا رفقته منها لكن يصبغ نعله بدمها ويضرب به صفحتها علامة للفقراء عليها وكذلك هدي التطوع إذا عطب دون محله واستدام نيته فيه وإن فسخها قبل ذبحه صنع به ما شاء. وحكم المعينة عن واجب في الذمة حكم المعينة ابتداء في جميع ما ذكرنا إلا إذا تلفت أو ضلت أو غابت فإن عليه بدلها وهل له استرجاع العاطب والمعيب والضال إن وجده على روايتين. وكل هدي أو إطعام يتعلق بالحرم أو الإحرام ففديته تختص بالحرم إلا من أتى في الحل محظورا لعذر فله صرف فديته فيه وأما الصيام فيجزىءبكل مكان. ووقت الذبح لما وجب بفعل محظور من حين وجوبه إلا أن يستبيحه [أي المحظور] لعذر فله الذبح قبله1 وكذلك ما وجب لترك واجب. فأما الأضحية وهدي النذر والمتعة والقرآن فوقت ذبحها يوم العيد بعد صلاته ويومان بعده بليلتيهما. وقال الخرقي: إذا مضى من وقت صلاة العيد قدرها وقدر الخطبة حل الذبح ومنع منه ليلا فإن خرج الوقت ذبح الواجب قضاء وسقط التطوع. __________ 1- في نسخة بالهامش: قبل فعل المحظور.
O متابعة المتن والأضحية سنة مؤكدة والأفضل أن يذبحها المضحي بيده ويكبر إذا سمى فإن لم يحسن الذبح شهده ولا يعطى الجازر منها أجرة ويجوز أن يذبحها الكتابي وعنه المنع. والسنة أن يأكل منها ثلثا ويهدي ثلثا ويتصدق بثلث فإن تصدق بما يقع الاسم عليه1 جاز فإن أكلها كلها فهل يضمن ثلثها أو ما يقع عليه الاسم على وجهين. ولا يأكل من دم واجب إلا هدي المتعة والقران وعنه يأكل إلا من المنذور2 وجزاء الصيد وأجاز أبو بكر الأكل من أضحية النذر. وله أن ينتفع بجلد الأضحية وجلها ولا يجوز له بيعه وعنه إن باعه وتصدق بثمنه جاز. ويكره لمن أراد أن يضحي أن يأخذ في العشر من ذي الحجة من شعره أو بشرته وقيل: يحرم ذلك. ومن مات وقد ذبح أضحيته أو أوجبها لم تبع في دينه وخلفه فيها ورثته. وعقيقة المولود سنة عن الغلام شاتان وعن الجارية شاة يوم السابع ويحلق رأسه ويسمي ويتصدق بوزنه ورقا فإن فات ففي أربعة عشر وإلا ففي أحد وعشرين. ولا يجزىءفيها بدنة ولا بقرة إلا كاملة ولا يكسر لها عظم. ويجوز بيع جلدها وسواقطها والصدقة بالثمن نص عليه ويتخرج المنع وسائر أحكامها كالأضحية. ولا تسن الفرعة وهي نحر أول ولد الناقة ولا العتيرة وهي ذبيحة كانت للجاهلية في رجب. __________ 1- في نسخة بالهامش "لحما لا قيمة". 2- وفي نسخة أخرى بهامش الأصل : النذر.
● [ كتاب البيوع ] ●
● مدخل كتاب البيوع ينعقد البيع1 بالإيجاب والقبول المعاقب له. __________ كتاب البيوع قوله : "ينعقد البيع بالإيجاب والقبول". فيقول البائع بعتك أو ملكتك ونحوهما ويقول المشتري ابتعت أو قبلت ونحوهما وذكر القاضي في التعليق رواية أنه عبارة عن بعت واشتريت وحكاها فخر الدين وللشافعية وجهان فإن كان القبول بلفظ المضارع مثل أن يقول بعتك فيقول أنا آخذه بذلك لم يصح نص عليه في رواية مهنى في رجل قال لرجل قد بعتك هذا العبد بألف درهم فقال له الآخر أنا آخذه قال لا يكون بيعا حتى يقول قد أخذته وسيأتى ذلك في قوله: "ولو تقدم عليه في النكاح" ما يتعلق بهذا. ونص في رواية أحمد بن القاسم فيمن قيل له بكم هذا الثوب قال بعشرة دراهم فيقول المشتري قد قبلت أنه يكفي ولا يحتاج بعد هذا إلى كلام آخر. قال الشيخ تقي الدين فقد نص على أن قوله "هذا الثوب بعشرة دراهم" __________ 1- بهامش الأصل في نسخة: الشروط لصحته سبعة: الأول: أن يكون العاقد جائزا التصرف. الثاني: أن يأتيا به باختيار إلا أن يكرها أو أحدهما الثالث أن يكون في العين منفعة مباحة . الرابع: أن يكون مملكة للبائع أو مأذون له في بيعها. الخامس: القدرة على التسليم. السادس: أن يكون المبيع معلوما بذاته أو صفته. السابع: أن يكون الثمن معلوما.
O متابعة المتن فإن تقدم عليه فعلى روايتين. __________ إيجاب وإن لم يلفظ بما اشتق من المبيع ولا بصيغة انتقال إلى المشتري وقوله "هذا بعشرة دراهم" جملة اسمية لا فعلية مع احتماله لمعنى السوم وقد نص على أن القبول بصيغة المضارع لا يصح انتهى كلامه. وقد ذكر الجوزجاني إذا قال بكم قال بكذا وكذا فقال الآخر قد أخذته فهو بيع تام لحديث بكر بن عمرو. قال الشيخ أبو الفرج فإن قال له بكم تبيع هذا فقال بكذا وكذا فقال شل يدك واتزن الثمن لم يكن ذلك إيجابا ولا قبولا وقال مالك يكون إيجابا وقبولا وقال بعض أصحابنا يكون ذلك إيجابا وقبولا فيما قرب من البضائع كالشيء اليسير ويسقط اعتبار الإيجاب والقبول في هذه الأشياء للمشقة انتهى كلامه. وقال حرب سألت أحمد عن بيع عيدان المعادن قال إذا كان شيئا ظاهرا يرى يقول أبيعك هذا فلا بأس قيل له إنما هو جوهر غائب في الأرض فلم يرخص فيه. وظاهر هذا أنه إيجاب بلفظ المضارع ونص أحمد في مسائل مثل هذا. فإن عقد البيع بلغته صح إذا عرف مقتضاها ذكره ابن الجوزي وظاهره أنه لا يصح إذا لم يعرف مقتضاها وبنبغي أن تكون كنظيرتها في الطلاق إن لم ينو مقتضاها لم يصح وإن نوى خرج على الوجهين. قوله : "وإن تقدم عليه فعلى روايتين". يعني إن تقدم بلفظ الماضي أو الطلب والذي نصره القاضي وأصحابه أنه لا يصح قال وهي الرواية المشهورة واختاره أبو بكر وغيره. وذكر ابن هيبرة أنها أشهرهما عن الإمام أحمد ومما احتج به أبو الحسين بأن القبول تقدم الإيجاب في عقد يلحقه الفسخ لم يصح دليله لو تأخر الإيجاب عن القبول ساعة وهما في المجلس وهو معنى كلام أبي الفرج وقطع في المغنى والكافي بالصحة فيما إذا تقدم بلفظ الماضي كقول الأئمة الثلاثة وقدم الصحة فيما إذا تقدم بلفظ الأمر خلافا لأبي حنيفة واختار الشيخ تقي الدين الصحة. وظاهر كلام الأصحاب أنه لو قال بعني عبدك على أن على ألفا أن فيه الخلاف وذكر القاضي في الجامع أنه لا يصح وقال ابن عقيل إذا قال يعني عبدك هذا ولك ألف فهو بمنزلة قوله: بعني عبدك بألف فإذا قال بعتك صح فيهما ولزم العوض إذا قلنا بتقديم القبول على الإيجاب. وذكر القاضي في ضمن جعل الدين صداقا في قوله: بعتك بكذا أو على كذا وزوجتك بكذا أو على كذا قال القاضي على بعض البدل كما إذا قال أجرتك على عشرة دراهم اقتضى أن يكون بدلا ذكره محل وفاق فأما إن كان بلفظ الاستفهام كقوله: أبعتني هذا بكذا أو أتبيعني هذا بكذا أو أتبيعني هذا به لم يصح نص عليه حتى يقول بعده اشتريت أو شبهه وهذا قول الأئمة الثلاثة ولم أجد فيه خلافا فإن قال البائع للمشتري اشتره بكذا أو ابتعه بكذا فقال هو اشتريته أو أبتعته لم يصح حتى يقول البائع بعده بعتك أو نحوه قطع به في الرعاية لأن طلب المشتري قد يقوم مقام قبوله لدلالته على رضاه وأمر البائع بالشراء لم يوضع للإيجاب ولا للبدل. وهذا فيه نظر ظاهر والأولى أن يكون كتقدم الطلب على المشتري لأنه دال على الإيجاب والبدل وللشافعية وجهان. ولو تأخر الطلب من المشتري لم يصح قولا واحدا. وقال الشيخ تقي الدين إذا كان المبيع عينا من الطرفين فكلاهما موجب قابل فينبغي أن يقدم أحدهما على الآخر كالعكس لكن لو قال أحدهما ابتعت هذا العبد بهذا أو قال بعني كان تقدما على ظاهر كلام أصحابنا مع أن الرواية التي ذكرها عن أحمد ليس فيها إلا إذا تقدم بلفظ الطلب والاستدعاء ولا يلزم من المنع هنا المنع إذا كان بلفظ الخبر مثل قوله: اشتريت وابتعت قال وأما إذا كان دينا بعين وهو السلم فهنا المعروف أن يقول أسلمت إليك هذه المائة في وسق حنطة أو أسلمت إليك مائة في وسق حنطة فيقول قبلت فيقدمون لفظ المسلف ويجعلونه بمنزلة الموجب والمستسلف بمنزلة القابل لأن المسلف هو الذي يقدم العين فصار بمنزلة البائع وإن كان في المعنى المستسلف هو البائع فلو تقدم قول المستسلف بصيغة البيع مثل أن يقول بعتك وسق حنطة بعشرة دراهم فهذا جار على الترتيب لكنه بلفظ البيع. ولو قال المسلم اشتريت منك وسق حنطة بعشرة دراهم فقال بعت فقد استويا من جهة أن السلف تقدم قبوله لكن هناك جاء بلفظ القبول وهو اشتريت وهنا جاء بلفظ إيجاب وهو أسلمت فهنا يجيء أربع مسائل لأن الترتيب بلفظ السلم غير الترتيب بلفظ البيع. ويجوز أن يقارن القبول الإيجاب إذا تولاهما واحد في مثل قوله: جعلت عتقك صداقك وقول الولي تزوجت فلانة ونحو ذلك ذكره غير واحد من الأصحاب لأن الجملة الواحدة تضمنت جملتي القبول والإيجاب فيكون اشتراط تقدم الإيجاب على القبول حيث افتقر إلى جملتين. ولو قال إن بعتني عبدك هذا فلك علي ألف فقال بعتك لم يصح البيع بخلاف الخلع لأن البيع يفتقر إلى استدعاء تمليك والخلع لا يفتقر إلى استدعاء تمليك لأن ملكه يزول عنها بغير رضاها ذكره القاضي في الجامع والمجرد.
O متابعة المتن ولو تقدم عليه في النكاح لم يصح رواية واحدة. __________ قال الشيخ تقي الدين ومضمونه أن تقدم القبول بصيغة الشرط لا يصح البتة. قوله : "ولو تقدم عليه في النكاح لم يصح رواية واحدة". سواء كان بلفظ الماضي مثل تزوجت ابنتك فيقول زوجتكها. وهو الذي ذكره القاضي وغيره ونص أحمد في رواية علي بن سعيد على التفرقة بين هذه المسألة وبين البيع فقال النكاح أشد. وحكى الشيخ شمس الدين في شرحه احتمالا أنه يصح سواء تقدم بلفظ الماضي أو الطلب وهو مذهب الأئمة الثلاثة واحتج لعدم الصحة هو وغيره بأنه لو أتى بالصيغة المشروعة متقدمة فقال قبلت هذا النكاح فقال الولي زوجتك ابنتي لم يصح فلأن لا يصح إذا أتى بغيرها أولى. قال الشيخ تقي الدين وذكر أبو الخطاب أن تقدم القبول على الإيجاب لا يضر في النكاح مثل أن يقول تزوجت فيقول زوجتك صرح به في مسألة النكاح الموقوف قال وكذا ذكر أبو حفص العكبري يعني في كتاب الخلاف له بين مالك وأحمد وقال أيضا واشترط تقدم الإيجاب على القبول فيما إذا كان أحد المتعاقدين موجبا والآخر قابلا سواء أوجب في امرأة أو امرأتين فأما إن كان كل منهما موجبا قابلا مثل مسألة الشغار إذا صححناه إذا قال أحدهما زوجتك ابنتي على أن تزوجني ابنتك فقد أتى بالقبول بصيغة المضارع المقترن بأن وقد ذكر هذا القاضي وغيره1 وإن تقدم لفظ القبول فيهما بأن يقول زوجني ابنتك على أن أزوجك ابنتي أو زوجني بنتك, __________ 1- بهامش الأصل: الذي قاله الشيخ المحرر: إذا صححنا مع تسمية الصداق.
O متابعة المتن وإن تراخى عنه صح فيهما ما داما في المجلس ولم يشتغلا بما يقطعه وإلا فلا يصح. __________ وأزوجك بنتي فهذا قد ذكره الإمام أحمد لكن كلامه محتمل للخطبة والعقد فقياس قولنا أن لا يصح هنا حتى يقول ذلك قد زوجتك ثم يقول الأول قبلت لأنه جعل القبول أصلا والإيجاب تبعا وجعل الإيجاب بلفظة المضارعة المستقبلة ومن جوز تقدم القبول على الإيجاب صححه. قوله : "وإن تراخى عنه صح ما داما في المجلس ولم يتشاغلا بما يقطعه وإلا فلا يصح". قال في الرعاية مما يقطعه عرفا يعني والله أعلم بكلام أجنبي أو سكوت طويل عرفا ونحو ذلك. قال الشيخ موفق الدين لأن العقد إذا تم بالقبول فلم يتم مع تباعده عنه كالاستثناء والشرط وخبر المبتدأ الذي لا يتم الكلام إلا به وقاسه القاضي على خيار المجبرة. وقال الشيخ تقي الدين في أثناء كلامه في اشتراط الاتصال قال وأما في الموالاة وهو الاتصال فإما في كلام واحد كالأيمان والنذور والطلاق والعتق وفيها الروايتان في الأيمان والطلاق وهما في العقود أولى هذا كلامه. وقال أيضا في موضع آخر والظاهر أنه من كلام أبي حفص العكبري لأنه يعلم له "ك" وفي الموضع علم له "ك" إذا قال بعت أو زوجت ونحوهما وطال الفصل قبل القبول ثم قال البائع ألا تقبل مني هذا البيع اقبله مني فقال قبلت فأفتيت بانعقاد البيع وكذلك لو قال إن أبرأتني هذه الساعة من صداقك فأنت طالق فقالت ما أبريك ثم سكتوا زمانا ثم قال بل ابريني فقالت أبرأتك أفتيت بوقوع الطلاق لأن هذه الصيغ متضمنة
O متابعة المتن وعنه يصح في النكاح ولو بعد المجلس. __________ الطلب لأن كل واحد من المتعاقدين طالب من الآخر مقصوده فمتى تكلم بصيغة العقد وطال الفصل ثم طلب مقصوده الذي طلبه أولا طلبا ثانيا كان هذا بمنزلة ابتدائه الطلب حينئذ وكان ترك ذكره للعوض الآخر من باب المحذوف المدلول عليه ويمكن أن تبنى هذه المسألة على الشرط المتقدم على العقد هل هو بمنزلة المقارن وهذا بناء صحيح. قوله : "وعنه يصح في النكاح ولو بعد المجلس". قال القاضي قد علق القول في رواية أبي طالب في رجل مشى إليه قوم فقالوا زوج فلانا فقال قد زوجته على ألف فرجعوا إلى الزوج فأخبروه فقال قد قبلت هل يكون هذا نكاحا قال نعم قال وظاهر هذا أنه حكم بصحته بعد التفرق عن مجلس العقد قال وهذا محمول على أنه قد كان وكل من قبل العقد عنه ثم أخبر بذلك فأمضاه. وقال أبو بكر في كتاب المقنع مسألة أبي طالب متوجهة على قولين. أحدهما لا يجوز باتفاق الولي والزوج والشهود في مجلس واحد قال وعلى ظاهر مسألة أبي طالب يجوز وبالأول أقول وقال ابن عقيل وهذا يعطى أن النكاح الموقوف صحيح وشيخنا حمل المسألة على أنه وكل ذلك في قبوله ولا وجه لترك ظاهر كلام الرجل والرواية ظاهرة ولا يترك ظاهرها بغير دلالة من كلامه فيها لا في غيرها لأنا لو صرفنا رواية عن ظاهرها برواية لم يبق لنا في المذهب روايتان. قال الشيخ تقي الدين قد أحسن ابن عقيل وهو طريقة أبي بكر فإن هذا ليس تراخيا للقبول عن المجلس وإنما هو تراخ للاجازة والعقد انعقد بقوله: زوجت فلانا فيكون قد تولى واحد طرفي العقد وإن كان في أحدهما فضوليا لا سيما إن جعل قول أولئك له زوج فلانا قبولا منهم متقدما هم فيه فضوليون قال ويجوز أن يقال إن العاقد الآخر إن كان حاضرا اعتبر قبوله وإن كان غائبا جاز تراخي القبول عن المجلس كما قلنا في ولاية القضاء مع أن أصحابنا قد قالوا في الوكالة إنه يجوز قبولها على الفور والتراخي وفي ولاية القضاء فرقوا بين حضور المولى وغيبته وإنما الولاية نوع من جنس الوكالة. وقال أيضا مسألة أبي طالب وكلام أبي بكر فيما إذا لم يكن الزوج حاضرا في مجلس الإيجاب وهذا أحسن أما إذا تفرقا عن مجلس الإيجاب فليس في كلام أحمد وأبي بكر ما يدل على ذلك وكذلك قال في المجرد انتهى كلامه. وهذا موافق لما ذكره الشريف أبو جعفر فإنه قال إذا قال الولي اشهدوا أني قد زوجت ابنتي من فلان فبلغ ذلك فلانا لم يصح وبه قال أبو حنيفة وقال أبو يوسف يصح وعن أحمد مثله. دليلنا أن القبول وجد في غير مجلس الإيجاب فلا يصح كما لو كان في مجلس فلم يقبل حتى تفرقا. ووجه الشيخ زين الدين بن المنجا في شرحه رواية عدم بطلان الإيجاب إذا تفرقا عن مجلس العقد بأنه قد وجه منه القبول أشبه ما لو وجد في المجلس. وذكر القاضي في المجرد وابن عقيل في الفصول في تتمة رواية أبي طالب المذكورة فقال قد قبلت صح إذا حضره شاهدان. قال الشيخ تقي الدين وهو يقتضي أن إجازة العقد الموقوف إذا قلنا بانعقاده يفتقر إلى شاهدين كأصله وهو مستقيم حسن لأن العقد إنما يتم بهما بخلاف الإذن للولي فإنه شرط العقد لإتمام العقد والشهادة معتبرة في نفس النكاح لا في شروطه.
● [ لكتاب البيوع بقية ] ●
كتاب: المحرر في الفقه على مذهب الإمام أحمد بن حنبل المؤلف: عبد السلام بن عبد الله ابن تيمية الحراني منتدى ميراث الرسول - البوابة