بّسم اللّه الرّحمن الرّحيم
القانون فى الطب لإبن سينا
الكتاب الأول: الأمور الكلية فى علم الطب
الفن الثانى: الأمراض والأسباب والأعراض الكلية
التعليم الثالث : الأعراض والدلائل
● [ الجملة الأولى : النبض ] ●
الفصل الأول : كلام كلي في النبض
فنقول: النبض حركة من أوعية الروح مؤلفة من انبساط وانقباض لتبريد الروح بالنسيم. والنظر في النبض، إما كليّ، وإما جزئي بحسب مرض مرض. ونحن نتكلم ههنا في القوانين الكلية من علم النبض ونؤخر الجزئية إلى الكلام في الأمراض الجزئية فنقول: إن كل نبضة فهي مركبة من حركتين وسكونين لأن كل نبض مركّب من انبساط وانقباض ثم لا بد من تخلل السكون بين كل حركتين متضادتين لاستحالة اتصال الحركة بحركة أخرى بعد أن يحصل لمسافتها نهاية وطرف بالفعل وهذا مما يبين في العلم الطبيعي، وإذا كان كذلك لم يكن بد من أن يكون لكل نبضة إلى أن تلحق الأخرى أجزاء أربعة: حركتان وسكونان، حركة انبساط وسكون بينه وبين الانقباض، وحركة انقباض وسكون بينه وبين الانبساط.
وحركة الإنقباض عند كثير من الأطباء غير محسوسة أصلاً، وعند بعضهم أن الإنقباض قد يحسّ، إما في النبض القوي فلقوته، وأما في العظيم فلإشرافه، وأما في الصلب فلشدة مقاومته، وأما في البطن فلطول مدة حركته.
وقال (جالينوس ): إني لم أزل أغفل عن الإنقباض مدة ثم لم أزل أتعاهد الجسّ حتى فطنت لشيء منه، ثم بعد حين أحكمت ثم انفتح علي أبواب من النبض ومن تعهد ذلك تعهدي أدرك إدراكي وأنه- وإن كان الأمر على ما يقولون- فالانقباض في أكثر الأحوال غير محسوس، والسبب في وقوع الاختيار على جس عرق الساعد أمور ثلاثة: -
سهولة متناوله - وقلة المحاشاة عن كشفه - واستقامة وضعه بحذاء القلب وقربه منه.
وينبغي أن يكون الجس واليد على جنب، فإن اليد المتكئة تزيد في العرض والإشراف، وتنقص من الطول خصوصاً في المهازيل والمستلقية تزيد في الإشراف والطول وتنقص من العرض.
ويجب أن يكون الجس في وقت يخلو فيه صاحب النبض عن الغضب والسرور والرياضة وجميع الانفعالات، وعن الشبع المثقل والجوع وعن حال ترك العادات واستحداث العادات، ويجب أن يكون الامتحان من نبض المعتدل الفاضل حتى يقايس به غيره.
ثم نقول إن الأجناس التي منها تتعرف الأطباء حال النبض هي على حسب ما يصفه الأطباء عشرة، وإن كان يجب عليهم أن يجعلوها تسعة:
فالأول منها: الجنس المأخوذ من مقدار الانبساط.
والجنس الثاني: المأخوذ من كيفية قرع الحركة الأصابع.
والجنس الثالث: المأخوذ من زمان كل حركة.
والجنس الرابع: المأخوذ من قوام الآلة.
والجنس الخامس: المأخوذ من خلائه وامتلائه.
والجنس السادس: المأخوذ من حر ملمسه وبرده.
والجنس السابع: المأخوذ من زمان السكون.
والجنس الثامن: المأخوذ من استواء النبض واختلافه.
والجنس التاسع: المأخوذ من نظامه في الاختلاف أو تركه للنظام.
والجنس العاشر: المأخوذ من الوزن.
أما من جنس مقدار النبض فيدل من مقدار أقطاره الثلاثة التي هي طوله وعرضه وعمقه، فتكون أحوال النبض فيه تسعة بسيطة ومركبات. فالتسعة البسيطة هي الطويل والقصير والمعتدل والعريض والضيق والمعتدل والمنخفض والمشرف والمعتدل.
فالطويل هو الذي تحس أجزاؤه في طوله أكثر من المحسوس الطبيعي على الإطلاق، وهو المزاج المعتدل الحق أو من الطبيعي الخاص بذلك الشخص، وهو المعتدل الذي يخصه وقد عرفت الفرق بينهما قبل. والقصير ضده وبينهما المعتدل وعلى هذا القياس، فاحكم في الستة الباقية. وأما المركبات من هذه البسيطة، فبعضها له اسم، وبعضها ليس له اسم، فان الزائد طولاً وعرضاً وعمقاً، يسمى العظيم، والناقص في ثلاثتها يسمى الصغير، وبينهما المعتدل، والزائد عرضاً وشهوقاً يسمى الغليظ، والتاقص فيهما يسمى الدقيق وبينهما المعتدل.
وأما الجنس المأخوذ من كيفية قرع الحركة للاصايع فأنواعه ثلاثة: القوي وهو الذي يقاوم الجس عند الانبساط، والضعيف يقابله، والمعتدل بينهما.وأما الجنس المأخوذ من زمان كل حركة فأنواعه ثلاثة : السريع وهو الذي يتمم الحركة في مدة قصيرة، البطيء ضده، ثم المعتدل بينهما.
وأما الجنس المأخوذ من قوام الآلة فأصنافه ثلاثة: اللين وهو القابل للاندفاع إلى داخل عن الغامر بسهولة، والصلب ضده ثم المعتدل.
وأما الجنس المأخوذ من حال ما يحتوي عليه فأصنافه ثلاثة : الممتلىء وهو الذي يحس أن في تجويفه رطوبة مائلة. يعتد بها لإفراغ صرف، والخالي ضدَه، ثم المعتدل.
وأما الجنس المأخوذ من ملمسه فأصنافه ثلاثة : الحار والبارد والمعتدل بينهما.
وأما الجنس المأخوذ من زمان السكون، فأصنافه ثلاثة: المتواتر وهو القصير الزمان المحسوس بين القرعتين ، ويقال له أيضاً المتدارك والمتكاثف، والمتفاوت ضده، ويقال له أيضاً المتراخي والمتخلخل، وبيهما المعتدل.
ثم هذا الزمان هو بحسب ما يدرك عن الإنقباض، فإن لم يدرك الإتقباض أصلاً، كان هو الزمان الواقع بين كل انبساطين وإن أدرك كان باعتبار زمان الطرفين.
وأما الجنس المأخوذ من الاستواء والاختلاف فهو، إما مستو، وإما مختلف غير مستو، وذلك باعتبار تشابه نبضات أو أجزاء نبضة أو جزء واحد من النبضة في أمور خمسة : العظم والصغر والقوة و الضعف والسرعة والبطء والتواتر والتفاوت والصلابة واللين، حتى إن النبض الواحد يكون أجزاء انبساطه أسرع لشدة الحرارة، أو أضعف للضعف وإن شئت بسطت القول فاعتبرت في الاستواء والاختلاف في الأقسام المذكورة الثلاثة سائر الأقسام الآخَر. لكن ملاك الاعتبار مصروف إلى هذه، والنبض المستوي على الإطلاق هو النبض المستوي في جميع هذه، وإن استوى في شيء منها وحده فهر مستوفية وحده كأنك قلت مستوفي القوة أو مستوفي السرعة.
وكذلك المختلف وهو الذي ليس بمستوٍ فهو، إما على الإطلاق، وإما فيما ليس فيه بمستو.
وأما الجنس المأخوذ من النظام وغير النظام فهو ذو نوعين، مختلف منتظم ومختلف غير منتظم، والمنتظم هو الذي لاختلافه نظام محفوظ يدور عليه وهو على وجهين: إما منتظم على الإطلاق وهو أن يكون للمتكرر منه خلاف واحد فقط واما منتظم يدور، وهو أن يكون له دوراً اختلافين فصاعداً مثل أن يكون هناك دور ودور آخر مخالف له إلا أنهما يعودان معاً على ولائهما كدور واحد، وغير المنتظم ضده وإذا حققت وجدت هذا الجنس التاسع كالنوع من الجنس الثامن وداخلاً تحت غير المستوى.
وينبغي أن يُعلَم أن في النبض طبيعة موسيقاوية موجودة فكما أن صناعة الموسيقى تتم بتأليف النغم على نسبة بينها في الحدة والثقل وبأدوار إيقاع مقدار الأزمنة التي تتخلل نقراتها كذلك حال النبض فإن نسبة أزمتها في السرعة والتواتر إيقاعية ونسبة أحوالها في القوة والضعف وفي المقدار نسبة كالتأليفية، وكما أن أزمنة الإيقاع ومقادير النغم قد تكون متفقهّ وقد تكون غير متفقة، كذلك الاختلافات قد تكون منتظمة وقد تكون غير منتظمة، وأيضاً نسب أحوال النبض في القوة والضعف والمقدار قد تكون متفقة وقد تكون غير متفقة بل مختلفة وهذا خارج عن جنس اعتبار النظام.
و(جالينوس) يرى أن القدر المحسوس من مناسبات الوزن ما يكون على إحدى هذه النسب الموسيقاوية المذكورة، إما على نسبة الكل والخمسة وهو على نسبة ثلاثة أضعاف، إذ هو الضعف مؤلفة بنسبة الزائد نصفاً وهو الذي يقال له نسبة الذي بالخمسة، وهو الزائد نصفاً وعلى نسبة الذي بالكل وهو الضعف، وعلى نسبة الذي بالخمسة، وهو الزائد نصفاً وعلى نسبة الذي بالأربعة، وهو الزائد ثلثاً وعلى نسبة الزائد ربعاً، ثم لا يحس وأنا أستعظم ضبط هذه النسب بالجس، وأسهله على من اعتاد درج الإيقاع وتناسب النغم بالصناعة، ثم كان له قدرة على أن يعرف الموسيقى فيقيس المصنوع بالمعلوم، فهذا الإنسان إذا صرف تأمله إلى النبض أمكن أن يفهم هذه النسب بالجس. وأقول أن أفراد جنس المنتظم وغير المنتظم على أنه أحد العشرة- وإن كان نافعاً- فليس بصواب في التقسيم لأن هذا الجنس داخل تحت المختلف فكأنه نوع منه. وأما الجنس المأخوذ من الوزن فهو بمقايسهّ مقادير نسب الأزمنة الأربعة التي للحركتين والوقوفين، وإن قصر الجس عن ضبط ذلك كله فبمقايسة مقادير نسب أزمنة الإنبساط إلى الزمان الذي بين انبساطين. وبالجملة الزمان الذي فيه الحركة إلى الزمان الذي فيه السكون. والذين يدخلون في هذا الباب مقايسة زمان الحركة بزمان الحركة وزمان السكون بزمان السكون، فهم يدخلون باباً في باب على أن ذلك الإدخال جائز أيضاً غير محال، إلا أنه غير جيد.
والوزن هو الذي يقع فيه النسب الموسيقاوية. ونقول إن النبض إما أن يكون جيّد الوزن، وإما أن يكون رديء الوزن. ورديء الوزن أنواعه ثلاثة: أحدها: المتغيِّر الوزن مجاوز الوزن وهو الذي يكون وزنه وزن سن يلي سن صاحبه، كما يكون للصبيان وزن نبض الشبان.
والثاني: مباين الوزن كما يكون للصبيان مثل وزن نبض الشيوخ.
والثالث: الخارج عن الوزن وهو الذي لا يشبه في وزنه نبضاً من نبض الأسنان. وخروج النبض عن الوزن كثيراً يدل على تغير حال عظيم.
بّسم الله الرّحمن الرّحيم
● [ الفصل الثاني: شرح خاص النبض المستوي والمختلف ] ●
يقولون: إن النبض المختلف، إما أن يكون اختلافه في نبضات كثيرة، أو في نبضة واحدة. والمختلف في نبضة واحدة، إما أن يختلف في أجزاء كثيرة، أي مواقع للأصابع متباينة أو في جزء واحد أي في موقع أصبع واحد. والمختلف في نبضات كثيرة، منه المختلف المتدرج الجاري في الاستواء وهو أن يأخذ من نبضة وينتقل إلى أزيد منها أو أنقص ويستمر على هذا النهج حتى يوافي غاية في النقصان، أو غاية في الزيادة بتدريج متشابه فينقطع عائداً إلى العظم الأول أو متراجعأ من صغره تراجعاَ متشابهاٌ في الحالين جميعاً للمأخذ الأول، أو مخالفاً بعد أن يكون متوجهاً من ابتداء بهذه الصفة إلى انتهاء بهذه الصفة. وربما وصل إلى الغاية وربما انقطع دونه وربما جاوزه. وحين ينقطع فربما ينقطع في وسطه بفترة، وقد يفعل خلاف الانقطاع وهو أن يقع في وسطه. وذو الفترة من النبض هو المختلف الذي يتوقع فيه حركة فيكون سكون والواقع في الوسط هو المختلف الذي حيث يتوقع فيه سكون فيكون حركة.
وأما اختلاف النبض في أجزاء كثيرة من نبضة واحدة فإما في وضع أجزائها أو في حركة أجزائها. أما الإختلاف الذي في وضع الأجزاء فهو اختلاف نسبة أجزاء العرق إلى الجهات ولأن الجهات ستة فكذلك ما يقع فيها من الاختلاف.
وأما الاختلاف في الحركة، فإما في السرعة والإبطاء، وإما في التأخر والتقدم، أعني
أن يتحرك جزء قبل وقت حركته، أو بعد وقته، وإما في القوة والضعف،وإما في العظم والصغر، وذلك كله إما جار على ترتيب مستو، أو ترتيب مختلف بالتزيد والتنقص، وذلك إما في جزأين أو ثلاثة أو أربعة أعني مواقع الأصابع وعليك التركيب والتأليف.
وأما اختلاف النبض في جزء واحد، فمنه المنقطع ومنه العائد، ومنْه المتّصل. والمنقطع هو الذي ينفصل في جزء واحد بفترة حقيقية والجزء الواحد المفصول منه بالفترة قد يختلف طرفاه بالسرعة والبطء والتشابه. وأما العائد فأن يكون نبض عظيم رجع صغيراً في جزء واحد ثم عاد عودة لطيفة. ومن هذا النوع النبض المتداخل وهو أن يكون نبض كنبضتين بسبب الإختلاف، أو بنقصان كنبض لتداخلهما وعلى حسب رأي المختلفين في ذلك. وأما المتصل فهو الذي يكون اختلافه متدرجاً على اتصاله غير محسوس الفصل فيما يتغير إليه من سرعة إلى بطء، أو بالعكس أو إلى الاعتدال أو من اعتدال فيهما أو من عظم أو صغر أو اعتدال فيهما إلى شيء مما ينتقل إليه. وهذا قد يستمر على التشابه، وقد يتفق أن يكون مع اتصاله في بعض الأجزاء أشد اختلافاً وفي بعضها أقل.
بّسم الله الرّحمن الرّحيم
● [ الفصل الثالث : أصناف النبض المركب المخصوص ] ●
فمنه الغزالي، وهو المختلف في جزء واحد إذا كان بطيئاً، ثم ينقطع فيسرع ومنه الموجي، وهو المختلف في عظم أجزاء العروق وصغرها أو شهوقها. وفي العرض وفي التقدم والتأخر في مبتدأ حركة النبض مع لين فيه، وليس بصغير جداً وله عرض ما، وكأنه أمواج يتلو بعضها بعضاً على الاستقامة مع اختلاف بينها في الشهوق والانخفاض والسرعة والبطءء ومنه الدودي وهو شبيه به إلا أنه صغير شديد التواتر يوهم تواتره سرعة وليس بسريع. والنملي أصغر جداً أو أشد تواتراً، والدودي والنملي اختلافهما في الشهوق، وفي التقدم والتأخر أشد ظهوراً في الجس من اختلافهما في العرض، بل عسى ذلك أن لا يظهر. ومنه المنشاري وهو شبيه بالموجي في اختلاف الأجزاء في الشهوق والعرض وفي التقدم والتأخًر، إلا أنه صلب ومع صلابته مختلف الأجزاء في صلابته، فالمنشاري نبض سريع متواتر صلب مختلف الأجزاء في عظم الانبساط والصلابة واللين. ومنه ذنب الفار وهو الذي يتدرّج في اختلاف أجزاء من نقصان إلى زيادة ومن زيادة إلى نقصان، وذنب الفار قد يكون في نبضات كثيرة، وقد يكون في نبضة واحدة في أجزاء كثيرة أو في جزء واحد. واختلافه الأخصّ هو الذي يتعلق بالعظم، وقد يكون باعتبار البطء والسرعة والقوة والضعف. ومنه المسلّي وهو الذي يأخذ من نقصان إلى حد في الزيادة، ثم يتناكس على الولاء إلى أن يبلغ الحد الأول في النقصان فيكون كذنبي فار يتصلان عند الطرف الأعظم ومنه ذو القرعتين. والأطباء مختلفون فيه، فمنهم من يجعله نبضة واحدة مختلفة في التقدم والتأخر، ومنهم من يقول إنهما نبضتان متلاحقتان. وبالجملة ليس الزمان بينهما بحيث يتسع لانقباض ثم انبساط، وليس كل ما يحس منه قرعتان يجب أن يكون نبضتين وإلا لكان المنقطع الإنبساط العائد نبضتين. وإنما يجب أن يعد نبضتين إذا ابتدأ فانبسط ثم عاد إلى العمق منقبضاً ثم صار مرة أخرى منبسطاً.
ومنه ذو الفترة والواقع في الوسط المذكوران، والفرق بين الواقع في الوسط وبين الغزالي، أن الغزالي تلحق فيه الثانية قبل انقضاء الأولى، وأما الواقع في الوسط فتكون النبضة الطارئة فيه في زمان السكون وانقضاء القرعة الأولى. ومن هذه الأبواب النبض المتشنج والمرتعش والملتوي الذي كأنه خيط يلتوي وينفتل، وهي من باب الاختلاف في التقدم والتأخر والوضع والعرض.
والمتوتر جنس من جملة الملتوي يشبه المرتعد، إلا أن الانبساط في المتواتر أخفى، وكذلك الخروج عن استواء الوضع في الشهوق في المتواتر أخفى وأما الثمود فهو في المتواتر واضح وربما كان الميل منه إلى جانب واحد فقط. وأكثر ما تعرض أمثال المتواتر والملتوي والمائل إلى جانب، إنما يعرض في الأمراض اليابسة. ومن مركبات النبض أصناف تكاد لا تتناهى ولا أسماء لها
بّسم الله الرّحمن الرّحيم
● [ الفصل الرابع : في الطبيعي من أصناف النبض ] ●
كل واحد من الأجناس المذكورة التي تقتضي تفاوتاً في زيادة ونقصان فالطبيعي منها هو المعتدل إلا القوي منها فإن الطبيعي فيه هو الزائد وإن كان شيء من الأصناف الآخر إنما زاد تابعاً للزيادة في القوة فصار أعظم مثلاً، فهو طبيعي لأجل القوى. وأما الأجناس التي لا تحتمل الأزيد والأنقص، فإن الطبيعي منها هو المستوى والمنتظم وجيد الوزن.
بّسم الله الرّحمن الرّحيم
● [ الفصل الخامس : أسباب أنواع النبض المذكورة ] ●
أسباب النبض: منها أسباب عامة ضرورية ذاتية داخلة في تقويم النبض وتسمى الماسكة، ومنها أسباب غير داخلة في تقويم النبض، وهذه منها لازمة مغيّرة بتغيرها لأحكام النبض وتسمّى الأسباب اللازمة، ومنها غير لازمة، وتسمى المغيرة على الإطلاق. والأسباب الماسكة ثلاثة: القوة الحيوانية المحرّكة للنبض التي في القلب وقد عرفتها في باب القوى الحيوانية. والثاني الآلة: وهي العرف النابض وقد عرفته في ذكر الأعضاء. والثالث الحاجة إلى التطفئة وهو المستدعي لمقدار معلوم من التطفئة ويتجدد بإزاء حدّ الحرارة في اشتعالها أو انطفائها أو اعتدالها. وهذه الأسباب الماسكة تتغير أفعالها بحسب ما يقترن بها من الأسباب اللازمة والمغترة على الإطلاق.
بّسم الله الرّحمن الرّحيم
● [ الفصل السادس : موجبات الأسباب الماسكة وحدها ] ●
إذا كانت الالة مطاوعة للينها والقوة قوية والحاجة شديدة إلى التطفئة، كان النبض عظيماً. والحاجة أعون الثلاثة على ذلك، فإن كانت القوة ضعيفة تبعها صفر النبض لا محالة، فإن كانت الآلة صلبة مع ذلك والحاجة يسيرة، كان أصغر.
والصلابة قد تفعل الصغر أيضاً، إلا أن الصغر الذي سببه الصلابة ينفصل عن الصغر الذي سببه الضعف، بأنه يكون صلباً ولا يكون ضعيفاً ولا يكون في القصر والإنخفاض مفرطاً، كما يكون عند ضعف القوة.
وقلة الحاجة أيضاً تفعل الصغر، ولكن لا يكون هناك ضعف ولا شيء في هذه الثلاثة يوجب الصغر بمبلغ إيجاب الضعف وصغر الصلابة مع القوة أزيد من صغرعدم الحاجة مع القوة، لأن القوة مع عدم الحاجة لا تنقص من المعتدل شيئاً كثيراً إذ لا مانع له عن البسط وإنما يميل إلى ترك زيادة على الاعتدال كثيرة لاحاجة إليها، فإن كانت الحاجة شديدة والقوة قوية والآلة غير مطاوعة لصلابتها للعظم، فلا بد من أن يصير سريعاً ليتدارك بالسرعة ما يفوت بالعظم وأن كانت القوة ضعيفة فلم يتأت، لا تعظيم النبض، ولا إحداث السرعة فيه، فلا بد من أن يصير متواتراً ليتدارك بالتواتر ما فات بالعظم والسرعة، فتقوم المرار الكثيرة مقام مرة واحدة كافية عظيمة، أو مرتين سريعتين وقد يشبه هذا حال المحتاج إلى حمل شىء ثقيل، فإنه إن كان يقوى على حمله جملة فعل وإلا قسمه بنصفين واستعجل، وإلا قسمه أقساماً كثيرة فيحمل كل قسم كما يقدر عليه بتؤدة أو عجلة ثم لا يريث بين كل نقلتين وان كان بطيئاً فيهما، اللهم إلا أن يكون في غايه الضعف فيريث وينقل بكد ويعود ببطء، فإن كانت القوة قوية والآلة مطاوعة لكن الحاجة شديدة أكثر من الشدة المعتدلة، فإن القوة تزيد مع العظم سرعة، وإن كانت الحاجة أشد فعلت مع العظم والسرعة التواتر. والطول يفعله إما بالحقيقة فأسباب العظم إذا منع مانع عن الاستعراض والشهوق كصلابة الآلة مثلاً المانعة عن الاستعراض وكثافة اللحم والجلد المانعة عن الشهوق، وإما بالعرض فقد يعين عليه الهزال.
والعرض يفعله، إما خلاء العروق فيميل الطبقة العالية على السافلة فيستعرض، أو شدة لين الآلة. والتواتر سببه ضعف أو كثرة حاجة لحرارة. والتفاوت سببه قوة قد بلغت الحاجة في العظم أو برد شديد قفل من الحاجة أوغاية من سقوط القوة ومشارفة الهلاك. وأسباب ضعف النبض من المغيرات الهم والأرق والاستفراغ والتحول والخلط الرديء والرياضة المفرطة وحركات الأخلاط وملاقاتها لأعضاء شديدة الحس ومجاورة للقلب وجميع ما يحلل.
وأسباب صلابة النبض يبس جرم العرق أو شدّة تمدده أو شدة برد مجمد وقد يصلب النبض في النجارين لشدة المجاهدة وتمدد الأعضاء لها نحو جهة دفع الطبيعة.
وأسباب لينه الأسباب المرطبة الطبيعية كالغذاء أو المرطبة المرضية كالاستسقاء وليثيارغوس، أو التي ليست بطبيعية ولا مرضية كالاستحمام. وسبب اختلاف النبض مع ثبات القوة ثقل مادة من طعام أو خلط ومع ضعف القوة مجاهدة العلة والمرض.
ومن أسباب الاختلاف امتلاء العروق من الدم. ومثل هذا يزيله الفصد وأشد ما يوجب الاختلاف أن يكون الدم لزجاً خانقاً للروح المتحرك في الشرايين، وخصوصاً إذا كان هذا التراكم بالقرب من القلب ومن أسبابه التي توجبه في مدة قصيرة امتلاء المعدة والفم والفكر في شيء، وإذا كان في المعدة خلط رديء لا يزال دم الإختلاف، وربما أدى إلى الخفقان فصار النبض خفقانياً.
وسبب المنشاري إختلاف المصبوب في جرم العرق في عفنه وفجاجته ونضجه واختلاف أحوال العرق في صلاته ولينه وورم في الأعضاء العصبانية.
وذو القرعتين سببه شدة القوة والحاجة وصلابه الآلة فلا تطاوع لما تكلفها القوة من الإنبساط دفعة واحده كمن يريد أن يقطع شيئاً بضربة واحدة فلا يطاوعه فيلحقها أخرى، وخصوصاً إذا تزايدت الحاجة دفعة وسبب النبض الفأري أن تكون القوة ضعيفة فتأخذ عن اجتهاد إلى استراحة ويتدرج ومن استراحة إلى اجتهاد والثابت على حالة واحدة أدل على ضعف القوه، فذب الفأر وما يشبهه أدل على قوة ما، وعلى أن الضعف ليس في الغاية وأردؤه الذنب المنقضي، ثم الثابت، ثم الذنب الراجع. وسبب ذات الفترة إعياء القوة واستراحتها أو عارض مغافص يتصرف إليه فيها النفس والطبيعة دفعة.
وسبب النبض المتشنج حركات غير طبيعية في القوة ورداءة في قوام ىلآلة. والنبض المرتعد ينبعث من قوة ومن آلة صلبة وحاجة شديدة، ومن دون ذلك لا يجب ارتعاده- والموجي قد يكون سبيه ضعف القوة في الأكثر فلا يتمكن أن يبسط الأشياء بعد شيء، ولين الألة قد يكون سبباً له، وإن لم تكن القوة شديدة الضعف، لأن الألة الرطبة اللينة لا تقبل الهز والتحريك النافذ في جزء حر قبول اليابس الصلب فإن اليبوسة تهيىء للهز والإرعاد، والصلب اليابس يتحرك آخره من تحريك أوله. وأما الرطب اللين فقد يجوز أن يتحرك منه جزء ولا ينفعل عن حركته جزء آخر لسرعة قبوله للإنفصال والإنثناء والخلاف قي الهيئة. وسبب النبض الدودي والنملي شدة الضعف حتى يجتمع إبطاء وتواتر واختلاف في أجزاء النبض، لأن القوة لا تستطيع بسط الآلة دفعة واحدة بل شيئاً بعد شيء. وسبب النبض الوزن، أما إن كان النقص في أحوال زمان السكون فهو زيادة الحاجة، وأما إن كان قي أحوال زمان الحركة فهو زيادة الضعف أو عدم الحاجة، وأما نقص زمان الحركة بسبب سرعة الإنبساط، فهو غير هذا. وسبب الممتلىء والخالي والحار والبارد والشاهق والمنخفض ظاهر.
بّسم الله الرّحمن الرّحيم
● [ الفصل السابع : نبض الذكور والإناث ونبض الأسنان ] ●
نبض الذكور لشدة قوتهم وحاجتهم أعظم وأقوى كثيراً، ولأن حاجتهم تتم بالعظم فنبضهم أبطأ من نبض النساء تفاوتاً في الأمر الأكثر، وكل نبض تثبت فيه القوة وتتواتر فيجب أنا يسرع لا محالة، لأن السرعة قبل التواتر فلذلك كما أن نبض الرجال أبطأ فكذلك هو أشد تفاوتاً.
ونبض الصبيان ألين للرطوبة وأضعف وأشد تواتراً لأن الحرارة قوية والقوة ليست بقوية فإنهم غير مستكملين بعد. ونبض الصبيان على قياس مقادير أجسادهم عظيم، لأن آلتهم شديدة اللين وحاجتهم شديدة، وليست قوتهم بالنسبة إلى مقادير أبدانهم ضعيفة، لأن أبدانهم صغيرة المقدار إلا أن نبضهم بالقياس إلى نبض المستكملين ليس بعظيم، ولكنه أسرع وأشد تواتراً للحاجة، فإن الصبيان يكثر فيهم اجتماع البخار الدخاني لكثرة هضمهم وتواتره فيهم، ويكثر لذلك حاجتهم إلى إخراجه وإلى ترويح حارهم الغريزي. وأما نبض الشبان فزائد في العظم وليس زائداً في السرعة بل هو ناقص فيها جداً، وفي التواتر وذاهب إلى التفاوت، لكن نبض الذين هم في أول الشباب أعظم، ونبض الذين هم في أواسط الشباب أقوى، وقد كنا بينا أن الحرارة في الصبيان والشبان قريبة من التشابه فتكون الحاجة فيهما متقاربة، لكن القوة في الشبان زائدة فتبلغ بالعظم ما يغني عن السرعة والتواتر وملاك الأمر في إيجاب العظم هو القوة، وأما الحاجة فداعية، وأما الآلة فمعينة. ونبض الكهول أصغر وذلك للضعف وأقل سرعة لذلك أيضاً ولعدم الحاجة وهو لذلك أشد تفاوتاً ونبض الشيوخ الممعنين في السن صغير متفاوت بطيء وربما كان ليناً بسبب الرطوبات الغريبة لا الغريزية.
بّسم الله الرّحمن الرّحيم
● [ الفصل الثامن : نبض الأمزجة ] ●
المزاج الحار أشد حاجة، فإن ساعدت القوة والآلة كان النبض عظيماً، وإن خالف أحدهما كان على ما فصل فيما سلف، وإن كان الحار ليس سوء مزاج بل طبيعياً كان المزاج قوياً صحيحاً والقوة قوية جداً، ولا تظنن أن الحرارة الغريزية يوجب تزايدها نقصاناً في القوة بالغة ما بلغت بل توجب القوة في الجوهر الروحي والشهامة في النفس والحرارة التابعة لسوء المزاج، كلما ازدادت شدة ازدات القوة ضعفاً.
وأما المزاج البارد فيميل النبض إلى جهات النقصان مثل الصغر خصوصاً والبطء والتفاوت فإن كانت الآلة لينة، كان عرضها زائداً، وكذلك بطؤها وتفاوتها وإن كانت صلبة، كانت دون ذلك. والضعف الذي يورثه سوء المزاج البارد أكثر من الذي يورثه سوء المزاج الحار لأن الحار أشد موافقة للغريزية. وأما المزاج الرطب فتتبعه الموجية والاستعراض، واليابس يتبعه الضيق والصلابة، ثم إن كانت القوة قوية والحاجة شديدة حدث ذو القرعتين والمتشنّج والمرتعش ثم إليك أن تركب على حفظ منك للأصول. وقد يعرض لإنسان واحد أن يختلف مزاج شقيه فيكون أحد شقيه بارداً والآخر حاراً فيعرض له أن يكون نبضا شقّيه مختلفين الاختلاف الذي توجبه الحرارة والبرودة، فيكون الجانب الحار نبضه نبض المزاج الحار، والجانب البارد نبضه نبض المزاج البارد، ومن هذا يعلم أن النبض في انبساطه وانقباضه ليس على سبيل مد وجزر من القلب بل على سبيل انبساط وانقباض من جرم الشريان نفسه.
بّسم الله الرّحمن الرّحيم
● [ الفصل التاسع : نبض الفصول ] ●
أما الربيع فيكون النبض فيه معتدلاً في كل شيء، وزائداً في القوة، وفي الصيف يكون سريعاً متواتراً للحاجة صغيراً ضعيفاً لانحلال القوة بتحلل الروح للحرارة الخارجة المستولية المفرطة. وأما في الشتاء فيكون أشد تفاوتاً وإبطاءً وضعفاً مع أنه صغير لأن القوة تضعف. وفي بعض الأبدان يتفق أن تحقن الحرارة في الغور وتجتمع وتقوي القوّة، وذلك إذا كان المزاج الحار غالباً مقاوماً للبرد لا ينفعل عنه فلا يعمق البرد. وأما في الخريف فيكون النبض مختلفاً وإلى الضعف ما هو. أما اختلافه، فبسبب كثرة استحالة المزاج العرضي في الخريف تارة إلى حر وتارة إلى برد. وأما ضعفه فلذلك أيضاً فإن المزاج المختلف في كل وقت أشد نكاية من المتشابه المستوي وإن كان رديئاً، ولأن الخريف زمان مناقض لطبيعة الحياة لأن الحر فيه يضعف واليبس يشتد، وأما نبض الفصول التي بين الفصول فإنه يناسب الفصول التي تكتنفها.
بّسم الله الرّحمن الرّحيم
● [ الفصل العاشر : نبض البلدان ] ●
من البلدان معتدلة ربيعية، ومنها حارة صيفية، ومنها باردة شتوية، ومنها يابسة خريفية، فتكون أحكام النبض فيها على قياس ما عرفت من نبض الفصول.
بّسم الله الرّحمن الرّحيم
● [ الفصل الحادي عشر : النبض الذي توجبه المتناولات ] ●
المتناول يغيّر حال النبض بكيفيته وكميته. أما بكيفيته فبأن يميل إلى التسخين أو التبريد فيتغيّر بمقتضى ذلك. وأما في كميته فإن كان معتدلاً صار النبض زائداً في العظم والسرعة والتواتر لزيادة القوة والحرارة، ويثبت هذا التأثير مدة. وإن كان كثير المقدار جداً صار النبض مختلفاً بلا نظام لثقل الطعام على القوة،وكل ثقل يوجب اختلاف النبض.
وزعم أركاغانيس أن سرعته حينئذ تكون أشد من تواتره وهذا التغير لابث لأن السبب ثابت، وإن كان في الكثرة دون هذا كان الاختلاف منتظماً، وإن كان قليل المقدار كان النبض أقل اختلافاً وعظماً وسرعة ولا يثبت تغيره كثيراً لأن المادة قليلة فينهضم سريعاً، ثم إن خارت القوة وضعفت من الإكثار والإقلال أيهما كان تضاهي النبضان في الصغر والتفاوت آخر الأمر، وإن قويت الطبيعة على الهضم والإحالة عاد النبض معتدلاً. وللشراب خصوصية، وهو أن الكثير منه وأن كان يوجب الاختلاف فلا يوجب منه قدراً يعتد به وقدراً يقتضي إيجابه نظيره من الأغذية، وذلك لتخلخل جوهره ولطافته ورقته وخفته، وأما إذا كان الشراب بارداً بالفعل فيوجب ما يوجبه الباردات من التصغير وإيجاب التفاوت والبطء إيجاباً بسرعة لسرعة نفوذه ثم إذا سخن في البدن أوشك أن يزول ما يوجبه، والشراب إذا نفذ في البدن وهو حار لم يكن بعيداً جداً عن الغريزة وكان يعرض تحلل سريع لىان نفذ بارداً بلغ في النكاية ما لا يبلغه غيره من الباردات لأنها تتأخر إلى أن تسخن ولا تنفذ بسرعة نفوذه وهذا يبادر إلى النفوذ قبل أن يستوي تسخنه وضرر ذلك عظيم، وخصوصاً بالأبدان المستعدة للتضرر به وليس كضرر تسخينه إذا نفذ سخيناً، فإنه لا يبلغ تسخينْه في أول الملاقاة أن ينكي نكاية بالغة بل الطبيعة تتلقاه بالتوزيع والتحليل والتفريق. وأما البارد فربما أقعد الطبيعة وخمد قوتها قبل أن ينهض للتوزيع والتفريق والتحليل فهذا ما يوجبه الشراب بكثرة المقدار وبالحرارة والبرودة وأما إذا اعتبر من جهة تقويته، فله أحكام أخرى لأنه بذاته مقو للأصحاء ناعش للقوة بما يزيد في جوهر الروح بالسرعة.
وأما التبريد والتسخين الكائن منه وأن كان ضاراً بالقياس إلى أكثر الأبدان فكل واحد منهما قد يوافق مزاجاً وقد لا يوافقه، فإن الأشياء الباردة قد تقوي الذي بهم سوء مزاج كما ذكر جالينوس، أن ماء الرمان يقوي المحرورين دائماً، وماء العسل يقوي المبرودين دائماً فالشراب من طريق ما هو حار الطبع أو بارد الطبع قد يقوّي طائفة ويضعف أخرى.
وليس كلامنا في هذا الآن بل في قوته التى بها يستحيل سريعاً إلى الروح فإن ذلك بذاته مقو دائماً فإن أعانه أحدهما في بدن ازدادت تقويته، وإن خالفه انتقصت تقويته بحسب ذلك فيكون تغييره النبض بحسب ذلك إن قوي زاد النبض قوة، وإن سخن زاد في الحاجة، وإن برد نقص من الحاجة وفي أكثر الأمر يزيد في الحاجة حتى يزيد في السرعة.
وأما الماء فهو بما ينفذ الغذاء يقوي ويعفل شبيهاً بفعل الخمرولأنه لا يسخن بل يبرد فليس يبلغ مبلغ الخمر في زيادة الحاجة فاعلم ذلك.
بّسم الله الرّحمن الرّحيم
● [ الفصل الثاني عشر: موجبات النوم واليقظة في النبض ] ●
أما النبض في النوم، فتختلف أحكامه بحسب الوقت من النوم، وبحسب حال الهضم. والنبض في أول النوم صغير ضعيف لأن الحرارة الغريزية حركتها في ذلك الوقت إلى الانقباض والغور، لا إلى الإنبساط والظهور لأنها في ذلك الوقت تتوجه بكليتها بتحريك النفس لها إلى الباطن لهضم الغذاء وإنضاج الفضول، وتكون كالمقهورة المحصورة لا محالة وتكون أيضاً أشد بطأ وتفاوتاً، فإن الحرارة وإن حدث فيها تزايد بحسب الإحتقان والاجتماع فقد عدمت التزايد الذي يكون لها في حال اليقظة بحسب الحركة المسخنة.
والحركة أشدّ إلهاباً وإمالة إلى جهة سوء المزاج. والاجتماع والاحتقان المعتدلان أقل إلهاباً وأقل إخراجاً للحرارة إلى القلق. وأنت تعرف هذا من أن نفس المتعب وقلقه أكثر كثيراً من نفس المحتقن حرارة وقلقه بسبب شبيه بالنوم مثاله المنغمس في ماء معتدل البرد وهو يقظان، فإنه إذا احتقنت حرارته وتقؤت من ذلك لم تبلغ من تعظيمها النفس ما يبلغه التعب والرياضة القريبة منه وإذا تأملت لم تجد شيئاً أشد للحرارة من الحركة.
وليست اليقظة توجب التسخين لحركة البدن حتى إذا سكن البدن لم يجب ذلك، بل إنما توجب التسخين بانبعاث الروح إلى خارج وحركته إليه على اتصال من تولده هذا، فإذا استمر الطعام في النوم عاد النبض فقوي لتزيد القوة بالغذاء وانصراف ما كان اتجه إلى الفور لتدبير الغذاء إلى خارج وإلى مبدئه، ولذلك يعظم النبض حينئذ أيضاً، ولأن المزاج يزداد بالغذاء تسخيناً كما قلناه والآلة أيضاً تزداد بما ينفذ إليها من الغناء ليناً ولكن لا تزداد كبير سعة وتواتر، إذ ليس ذلك مما يزيد في الحاجة، ولا أيضاً يكون هناك عن استيفاء المحتاج إليه بالعظم وحده مانع، ثم إذا تمادى بالنائم النوم عاد النبض ضعيفاً لاحتقان الحرارة الغريزية وإنضغاط القوة تحت الفضول التي من حقها أن تستفرغ بأنواع الاستفراغ الذي يكون باليقظة التي منها الرياضة والاستفراغات التي لا تحس هذا.
وأما إذا صادف النوم من أول الوقت خلاء ولم يجد ما يقبل عليه فيهضمه، فإنه يميل بالمزاج إلى جنبه البرد فيدوم الصغر والبطء والتفاوت في النبض ولا يزال يزداد.
ولليقظة أيضاً أحكام متفاوتة فإنه إذا استيقظ النائم بطبعه مال النبض إلى العظم والسرعة ميلاً متدرجاً ورجع إلى حاله الطبيعي. وأما المستيقظ دفعة بسبب مفاجىء فإنه يعرض له أن يفتر منه النبض كما يتحرك عن منامه لانهزام القوة عن وجه المفاجىء، ثم يعود له نبض عظيم سريع متواتر مختلف إلى الإرتعاش لأن هذه الحركة شبيهة بالقسرية فهي تلهب أيضاً، ولأن القوة تتحرك بغتة إلى دفع ما عرض طبعاً وتحدث حركات مختلفة فيرتعش النبض، لكنه لا يبقى على ذلك زماناً طويلاً، بل يسرع إلى الاعتدال، لأن سببه وإن كان كالقوي فثباته قليل والشعور ببطلانه سريع.
بّسم الله الرّحمن الرّحيم
● [ الفصل الثالث عشر : أحكام نبض الرياضة ] ●
أما في ابتداء الرياضة وما دامت معتدلة فإن النبض يعظم ويقوى وذلك لتزايد الحار الغريزي وتقويه، وأيضاً يسرع ويتواتر جداً لإفراط الحاجة التي أوجبتها الحركة، فإن دامت وطالت أو كانت شديدة، وإن قصرت جداَ بطل ما توجبه القوة فضعف النبض وصغر لانحلال الحار الغريزي، لكنه يسرع ويتواتر لأمرين: أحدهما: استبداد الحاجة، والثاني: قصور القوة عن أن تفي بالتعظيم، ثم لا تزال السرعة تنتقص والتواتر يزيد على مقدار ما يضعف من القوة، ثم آخر الأمر إن دامت الرياضة وأنهكت، عاد النبض نملياً للضعف ولشدة التواتر فإن أفرطت وكادت تقارب العطب فعلت جميع ما تفعله الانحلالات فتصير النبض إلى الدودية، ثم تميله إلى التفاوت والبطء مع الضعف والصغر.
بّسم الله الرّحمن الرّحيم
● [ الفصل الرابع عشر : أحكام نبض المستحمين ] ●
الاستحمام إما أن يكون بالماء الحار، وإما أن يكون بالماء البارد، والكائن بالماء الحار فإنه في أوله يوجب أحكام القوة، والحاجة، فإذا حلل بإفراط أضعف النبض. قال جالينوس : فيكون حينئذ صغيراً بطيئاً متفاوتاً فنقول: أما التضعيف وتصغير النبض فما يكون لا محالة، لكن الماء الحار إذا فعل في باطن البدن تسخيناً لحرارته العرضية، فربما لم يلبث بل يغلب عليه مقتضى طبعه وهو التبريد وربما لبث وتشبث، فإن غلب حكم الكيفية العرضية صار النبض سريعاً متواتراً، وإن غلب بمقتضى الطبيعة صار بطيئاً متفارتاً، فإذا بلغ التسخين العرضي منه فرط تحليل من القوة حتى تقارب الغشي صار النبض أيضاَ بطيئاً متفاوتاً. وأما الإستحمام الكائن بالماء البارد فإن غاص برده ضعف النبض وصغره وأحدث تفاوتاً وإبطاء، وإن لم يغص بل جمع الحرارة زادت القوة فعظم يسيراً ونقصت السرعة والتواتر. وأما المياه التي تكون في الحمامات فالمجفّفات منها تزيد النبض صلابة وتنقص من عظمه، والمسخنات تزيد النبض سرعة إلا أن تحلّل القوة فيكون ما فرغنا من ذكره.
بّسم الله الرّحمن الرّحيم
● [ الفصل الخامس عشر : النبض الخاص بالنساء ] ●
وهو نبض الحبالى أما الحاجة فيهن فتشتد بسبب مشاركة الولد في النسيم المستنشق، فكأن الحبلى تستنشق لحاجتين ولنفسين، فأما القوة فلا تزداد لا محالة ولا تنقص أيضاً كبير انتقاص إلا بمقدار ما يوجبه يسير إعياء لحمل الثقل، فلذلك تغلب أحكام القوة المتوسطة والحاجة الشديدة فيعظم النبض ويسرع ويتواتر.
بّسم الله الرّحمن الرّحيم
● [ الفصل السادس عشر : نبض الأوجاع ] ●
الوجع بغير النبض، إما لشدته، وإما لكونه في عضو رئيس، وإما لطول مدّته. والوجع إذا كان في أوله هيج القوة وحرّكها إلى المقاومة والدفاع وألهب الحرارة فيكون النبض عظيماً سريعاً وأشد تفاوتاً، لأن الوطر يفضي بالعظم والسرعة. فإذا بلغ الوجع النكاية في القوة لما ذكرنا من الوجوه أخذ يتناكس ويتناكص حتى يفقد العظم والسرعة ويخلفهما، أولاً شدة التواتر ثم الصغر والدودية والنملية، فإن زاد أدى الى التفاوت وإلى الهلاك بعد ذلك.
بّسم الله الرّحمن الرّحيم
● [ الفصل السابع عشر : نبض الأورام ] ●
الأورام منها محدثة للحمّى، وذلك لعظمها أو لشرف عضوها فهي تغير النبض في البدن كله أعني التغير الذي يخص الحمى. وسنوضحه في موضعه، ومنها ما لا يحدث الحمّى فيغير النبض الخاص في العضو الذي هو فيه بالذات، وربما غيره من سائر البدن بالعرض أي لا بما هو ورم بل بما يوجع. والورم المغير للنبض، إما أن يغير بنوعه، وإما أن يغير بوقته، وإما أن يغير بمقداره، وإما أن يغيره للعضو الذي هو فيه، وإما أن يغيره بالعرض الذي يتبعه ويلزمه.
أما تغيره بنوعه فمثل الورم الحار فإنه يوجب بنوعه تغيّر النبض إلى المنشارية والارتعاد والارتعاش والسرعة والتواتر، إن لم يعارضه سبب مرطب، فتبطل المنشارية ويخلفها إذن الموجية. وأما الارتعاد والسرعة والتواتر فلازم له دائماً وكما أن من الأسباب ما يمنع منشاريته، كذلك منها ما يزيد منشاريته، ويظهرها.
والورم اللين يجعل النبض موجياً، وأن كان بارداً جداً جعله بطيئاً متفاوتاً، والصلب يزيد في منشاريته. وأما الخراج إذا جمع فإنه يصرف النبض من المنشارية إلى الموجية للترطيب والتليين الذي يتبعه ويزيد في الاختلاف لثقله.
وأما السرعة والتواتر فكثيراً ما تخص بسكون الحرارة العرضية بسبب النضج. وأما تغيره بحسب أوقاته فإنه ما دام الورم الحار في التزيد كانت المنشارية وسائر ما ذكرنا إلى التزيد، ويزداد دائماً في الصلابة للتمدد الزائد وفي الإرتعاد للوجع. وإذا قارب المنتهى ازدادت الأعراض كلها إلا ما يتبع القوة فإنه يضعف في النبض فيزداد التواتر والسرعة فيه. ثم إن طال بطلت السرعة وعاد نملياً، فإذا انحط فتحلل أو انفجر قوي النبض بما وضع عن القوة من الثقل وخف ارتعاده بما ينقص من الوجع المدد.
وأما من جهة مقداره فان العظيم يوجب أن تكون هذه الأحوال أعظم وأزيد، والصغير يوجب أن يكون أقل وأصغر.
وأما من جهة عضوه، فإن الأعضاء العصبانية توجب زيادة في صلابة النبض ومنشاريته، والعرقية توجب زيادة عظم وشدة اختلاف، لا سيما إن كان الغالب فيها هو الشريانات كما في الطحال والرئة، ولا يثبت هذا العظيم إلا ما يثبت القوة والأعضاء الرطبه اللينة تجعله موجباً كالدماغ والرئة. وأما تغيير الورم النبض بواسطة فمثل أن ورم الرئة يجعل النبض خناقياً وورم الكبد ذبولياً وورم الكلية حصرياً، وورم العضو القوي الحس كفم المعمة والحجاب يشنّج تشنّجاً غشيياً.
بّسم الله الرّحمن الرّحيم
● [ الفصل الثامن عشر: أحكام نبض العوارض النفسانية ] ●
أما الغضب فإنه بما يشير من القوة ويبسط من الروح دفعة يجعل النبض عظيماً شاهقأً جداً سريعاً متواتراً، ولا يجب أن يقع فيه اختلاف لأن الانفعال متشابه، إلا أن يخالطه خوف فتارة يغلب ذلك وتارة هذا، وكذلك إن خالطه خجل أو منازعة من العقل وتكلف الإمساك عن تهييجه وتحريكه إلى الإيقاع بالمغضوب عليه. وأما اللذة فلأنها تحرك إلى خارج برفق فليس تبلغ مبلغ الغضب في إيجابه السرعة ولا في إيجابه التواتر بل ربما كفى عظمه الحاجة، فكان بطيئاً متفاوتاً، وكذلك نبض السرور فإنه قد يعظم في الأكثر مع لين ويكون إلى إبطاء وتفاوت.
وأما الغم فلأن الحرارة تختنق فيه وتغور، والقوة تضعف ويجب أن يصير النبض صغيراً ضعيفاً متفاوتاً بطيئاً. وأما الفزع فالمفاجىء منه يجعل النبض سريعاً مرتعداً مختلفاً غير منتظم والممتد منه والمتدرج يغير النبض تغيير الهم فاعلم ذلك.
بّسم الله الرّحمن الرّحيم
●[ الفصل التاسع عشر: تغيير الأمور المضادة لطبيعة هيئة النبض ]●
تغييرها إما بما يحدث منها من سوء مزاج، وقد عرف نبض كل مزاج، وإما بأن يضغط القوه فيصير النبض مختلفاً، وإن كان الضغط شديداً جداً، كان بلا نظام ولا وزن. والضاغط هو كل كثرة مادية كانت ورماً أو غير ورم، وإما بأن يحل القوة فيصير النبض ضعيفاً. وهذا كالوجع الشديد والآلام النفسانية القوية التحليل فاعلم ذلك.
●[ تمت الجملة الأولى من التعليم الثالث وهى تسعة عشر فصلآ ]●
القانون فى الطب لإبن سينا
الكتاب الأول: الأمور الكلية فى علم الطب
منتدى حُكماء رُحماء الطبى . البوابة