بّسم اللّه الرّحمن الرّحيم مكتبة الفقة الإسلامي المحرر في الفقه على مذهب الإمام أحمد بن حنبل المجلد الثاني ● [ كتاب القضاء ] ●
● مدخل كتاب القضاء نصب القضاة فرض كفاية فيلزم الإمام أن يرتب في كل إقليم قاضيا ويختاره أفضل من يجد علما وورعا ويأمره بتقوى الله وبأن يتحرى العدل ويجتهد في إقامته وأن يستخلف في كل صقع أصلح من يجد لهم ويلزم من يصلح له إذا دعى إليه ولم يوجد من يوثق به غيره أن يجيب إليه وعنه لا يجب نصبه ولا الإجابة إليه ويكره لمن يصلح له أن يطلبه إذا وجد غيره فإن دعى إليه فهل الأفضل الإجابة أو تركها على وجهين. ولا يصح ولاية القضاء إلا بتولية الإمام أو نائبه ويشترط أن يعرف المولى وكونه صالحا للقضاء وأن يعين ما يوليه الحكم فيه من البلدان والأعمال. وإذا كان المولى نائب الإمام ففي اشتراط عدالته روايتان. والألفاظ الصريحة للتولية مثل وليتك الحكم وقلدتك الحكم ورددت أو فوضت أو جعلت إليك الحكم واستنبتك أو استخلفتك في الحكم فإذا وجد لفظ منها وقبول المولى في المجلس إن كان حاضرا وفيما بعده إن كان غائبا انعقدت الولاية والكتابة نحو اعتمدت أو عولت عليك ووكلت أو أسندت إليك فلا ينعقد بها إلا بقرينة كقوله فاحكم فيما عولت عليك ونحوه والأولى إذا كان ببلد آخر أن يكاتبه بالولاية ولا تثبت إلا بشاهدين أو بالاستفاضة إذا كان بلده قريبا يستفيض فيه أخبار بلد المولى له. ويصح تعليق ولاية القضاء والإمارة بالشرط ويجوز أن يوليه عموم النظر في عموم العمل وأن يوليه خاصا فيهما أو في أحدهما بتولية عموم النظر أو خاصة في محلة خاصة فمنعه حكمها في أهلها ومن يطرأ إليها. ويجوز أن يولى قاضيين في بلد واحد وقيل إن ولاهما فيه عملا واحدا لم يجز. وإذا حكم اثنان بينهما في المال من يصلح للقضاء نفذ حكمه وإن حكماه في نكاح أو لعان أو قود أو حد قذف فعلى روايتين. وتقيد ولاية الحكم العامة عشرة أشياء الفصل بين الخصوم وأخذ الحق لبعضهم من بعض والحجر على من يستوجبه لسفه أو فلس والنظر في أموال غير الرشدين والنظر في الوقوف وعمله ليعمل بشروطها وتنفيذ الوصايا وتزويج النساء إذا لم يكن ذلك لغيره وإقامة الحدود وإقامة الجمعة والعيد والنظر في مصالح الطرق والأفنية بعمله وكف الأذى عنها وتصفح حال شهوده وأمنائه ليستبقى أو يستبدل من كان أهلا لذلك فأما جباية الخراج والزكاة إذا لم تختص بعامل فعلى وجهين. ويشترط في القاضي عشر صفات كونه بالغا عاقلا ذاكرا حرا مسلما عدلا سميعا بصيرا متكلما مجتهدا وفي كونه كاتبا وجهان وما فقد منها في الدوام أزال الولاية إلا في فقد السمع أو البصر فيما ثبت عنده ولم يحكم به فإن ولاية حكمه باقيه فيه والمجتهد من يعرف من الكتاب والسنة الحقيقة والمجاز والأمر والنهي والمبين والمجمل والمحكم والمتشابه والعام والخاص والمطلق والمقيد والناسخ والمنسوخ والمستثنى منه ويعرف أخبار السنة صحيحها وسقيمها وتواترها وآحادها ومسندها ومرسلها مما له تعلق بالأحكام ويعرف ما اجتمع عليه واختلف فيه والقياس وشروطه وكيف يستنبط والعربية المتداولة بالحجاز واليمن والشام والعراق وبواديها وكل ذلك مذكور في أصول الفقه وفروعه فمن وقف عليه أو على أكثره ورزق فهم ذلك صلح للقضاء والفتيا. وللقاضي طلب الرزق من بيت المال لنفسه وخلفائه وأمنائه مع الحاجة وفيه بدونها وجهان. وإذا مات الإمام أو عزل من ولاه مع صلاحيته لم ينعزل وقيل ينعزل كما لو كان الميت أو العازل قاضيا وفي العزل حيث قلنا به قبل العلم وجهان كالوكيل.
● باب أدب القاضي ينبغي له أن يكون قويا بلا عنف لينا من غير ضعف بصيرا بأحكام الحكام قبله وإذا ولى في غير بلده سأل عن علمائه وعدوله ونفذ عند مسيره من يعلمهم بيوم دخوله ليتلقوه ويدخل البلد يوم الإثنين أو الخميس أو السبت لابسا أجمل ملبوسه ويأتي الجامع ويصلي فيه ركعتين ويجلس مستقبل القبلة ويأمر بعهده فيقرأ على الناس ويأمر من ينادي بيوم جلوسه للحكم ثم يمضي إلى منزله وينفذ بتسلم ديوان الحكم ممن قبله ثم يخرج في يوم الوعد بأعدل أحواله غير غضبان ولا جائع ولا حاقن ولا مهموم بأمر يشغله عن الفهم ويسلم على من مر به ثم على من في مجلس ويصلي فيه إن كان مسجدا تحيته وإلا فهو مخير ويجلس على بساط ويسأل الله توفيقه للحق وعصمته من زلل القول والعمل وليكن مجلسه في وسط البلد فسيحا كالجامع والدار الواسعة ولا يتخذ فيه حاجبا ولا بوابا وإن اتخذ كاتبا فليكن مسلما عدلا حافظا عالما يجلس بحيث يشاهد ما يكتبه ويجعل القمطر مختوما بين يديه ويعرض أصحاب القصص ويقدم الأول فالأول ولا يقدمه في أكثر من حكومة واحدة وإن حضروا دفعة وتشاحوا قدم أحدهم بالقرعة إلا المسافر المرتحل فإنه يقدم ويعدل بين الخصمين في الخطة ولفظه ومجلسه ودخولهما عليه إلا للمسلم مع الكافر فإنه يفضل عليه دخولا وأما جلوسا فعلى وجهين ولا يسارر أحدهما ولا يلقنه صحته ولا يضيفه ولا يعلمه الدعوى لكن في تحريرها له إذا لم يحسنه وجهان وما لزم ذكره فيها من شرط عقد أو سبب ونحوه إذا لم يذكره سأله عنه ليتحرر وله أن يذب عنه ويسأل خصمه أن ينظره وفي سؤال الوضع عنه روايتان. وينبغي أن يحضر مجلسه فقهاء المذهب ويشاورهم فيما يشكل عليه فإن اتضح له حكم وإلا أخره حتى يتضح ولا يقلد غيره وإن كان أعلم منه ولا يقضي مع الغضب ونحوه مما يشغل فهمه وإن خالف وحكم نفذ حكمه وقيل لا ينفذ وقيل إن عرض ذلك بعد فهم الحكم نفذ وإلا فلا. ولا يحل أن يرتشي ولا يقبل هدية إلا ممن كان يهاديه قبل ولايته إذا لم تكن له حكومة ويكره البيع والشراء إلا بوكيل لا يعرف به ويستحب له إتيان المرضى والجنائز مالم يشغله عن الحكم ويحضر الولائم كغيره فإن كثرت تركها ولا يجيب قوما دون قوم ولا ينفذ حكمه لنفسه وفي حكمه لمن لا تقبل شهادته له وجهان وإن حكم بينهم بعض خلفائه جاز. وأول ما ينظر فيه أمر المحبوسين فينفذ ثقة يكتب اسم كل محبوس ومن حبسه وفيم حبسه وفي رقعة مفردة ثم ينادي في البلد إن القاضي ينظر في أمر المحبوسين فمن له خصم فليحضر فإذا جلس القاضي لوعده أخرج رقعة1 وقال هذه رقعة فلان فمن خصمه فإن نظر بينهما وإن بان حبسه تعزيزا أو في تهمة خلاه أو أبقاه بقدر ما يرى ومن لم يظهر له خصم وقال حبست ظلما ولا خصم لي نودي بذلك فإن ظهر له خصم وإلا حلفه ثم أطلقه. ثم يسأل عن جهة الأيتام والمجانين والوقوف والوصايا فنظر فيما ليس له منها ناظر معين ولا ينقض من أحكام القاضي قبله إلا ما ينقض من حكم غيره. ومن استعداه على خصم حاضر في البلد أحضره لكن في اعتبار تحرير الدعوى بذلك وجهان إلا أن يكون الحاكم معزولا فيعتبر تحرير الدعوى في حقه __________ 1 في المغني "فيأمر مناديا ينادي في البلد ثلاثة أيام: ألا بأن القاضي فلان بن فلان ينظر في أمر المحبوسين يوم كذا فمن كان له محبوس فليحضر، فإذا حضر ذلك اليوم وحضر الناس ترك الرقاع التي فيها أسماء المحبوسين بين يديه. ومذ يده إليها، فما وقع في يده منها نظر إلى اسم المحبوس الخ"
O متابعة المتن وفي إحضاره قبل مراسلته وجهان وعنه كل من يخشى بإحضاره ابتذاله إذا بعدت الدعوى عليه في العرف لم يحضر حتى تحرر فيتبين لها أصلا ومن ادعى على امرأة غير برزة لم تحضر وأمرت بالتوكيل فان لزمها يمين أرسل من يحلفها وكذلك المريض ومن ادعى على غائب بموضع لا حاكم فيه أرسل إلى ثقات الموضع للصلح بينهما فإن تعذر قيل المدعي حقق دعواك ثم يحضره قربت المسافة أو بعدت ولا يعتبر لإحضار المرأة البرزة المحرم إذا تعذر نص عليه.
● باب طريق الحكم وصفته يجوز للحاكم الحكم بالبينة والإقرار في مجلسه وإن لم يسمعه معه أحد نص عليه وقال القاضي لا يحكم بالإقرار في مجلسه حتى يسمعه معه شاهدان وأما حكمه بعلمه في غير ذلك مما رآه أو سمعه فلا يجوز في الأشهر عنه وعنه جوازه وعنه يجوز إلا في الحدود ويبنى على علمه في عدالة الشهود وجرحهم. وإذا جلس إليه خصمان قال أيكما المدعي وإن سكت حتى يبتدئ جاز فمن سبق بالدعوى قدمه وإن ادعيا معا قدم أحدهما بالقرعة فإذا انتهت حكومته سمع دعوى الآخر. ولا تصح دعوى ولا إنكار إلا من جائز التصرف ولا تصح الدعوى إلا محررة معلومة المدعى إلا ما نصححه مجهولا كالوصية والعبد المطلق قهرا ونحوه فتصح به كذلك ثم إن كان المدعى عينا حاصرة عينها وإن كان غائبا أو في الذمة وصفه بما ينضبط به وذكر إن كان مثليا قدره والأولى مع ذلك ذكر قيمته وإن كان متلفا محلى قومه بغير جنس حليته إلا المحلى بذهب وفضة معا فيقومه بأيهما شاء للحاجة وإن كان نقدا من نقد البلد كفى ذكر قدره وقيل لا بد من وصفه. وإذا ادعى عقد نكاح أو بيع أو غيرهما فلا بد من ذكر شروطه وقيل لا يشترط ذلك إلا في النكاح وقيل يشترط فيه وفي ملك الإماء خاصة. وإذا ادعت امرأة نكاح رجل لطلب نفقة أو مهر أو نحوه سمعت دعواها وإن لم تدع سوى النكاح فوجهان. وإن ادعى الإرث ذكر سببه وإن ادعى قتل موروثه ذكر كون القاتل منفردا أو مشاركا وكون القتل عمد أو خطأ أو شبه عمد ووصفه. وإذا حرر المدعي دعواه سأل الحاكم خصمه عنها وقيل لا يسأله حتى يسأل المدعي سؤاله والأول أصح فإن أقر حكم له عليه ولا يحكم بإقرار ولا بينة ولا نكول حتى يسأله المدعي الحكم وإن أنكر بان قال لمن ادعى قرضا أو ثمنا ما أقرضني أو ما باعني أو ما يستحق علي شيئا مما ادعاه أولا حق له علي ونحوه صح الجواب ويقول الحاكم للمدعي إن لم يعرف أن هذا موضع البينة إن كان لك بينة فأحضرها فإن أحضرها سمعها وحكم بها. ويعتبر عدالة البينة ظاهرا وباطنا اختاره الخرقي والقاضي وعنه تقبل شهادة كل مسلم لم يظهر للحاكم منه ريبة واختارها أبو بكر فإن جهل إسلام الشاهد رجع إلى قوله وإن جهل حريته حيث يعتبر فوجهان وإن جهل عدالته سأل عنه على الأولى ولم يسأل على الثانية إلا أن يطعن في الخصم ويكفي في تزكيته أن يشهد عدلان أنه عدل رضي ومن ثبتت عدالته مرة لم يلزم البحث عنها مرة أخرى وقيل يلزم مع طول المدة وهو المنصوص عنه. وإذا سأل المدعي قبل التزكية حبس خصمه أو كفيلا به في غير الحد أو تعديل العين المدعاة لئلا تغيب حتى تزكى الشهود أو سأله من أقام بالمال شاهدا حتى يقيم آخر أجيب مدة ثلاثة وقيل لا يجاب. وإن جرح الخصم الشهود كلف البينة وأنظر له ثلاثا وللمدعي ملازمته فإن لم يأت ببينة حكم عليه ولا يسمع الجرح إلا مبين السبب وعنه يكفي المطلق فالمبين أن يذكر ما يقدح في العدالة عن رؤية أو استفاضة والمطلق أن يقول هو فاسق أو ليس بعدل وقال القاضي في خلافة هذا هو المبين والمطلق أن يقول الله أعلم به ونحوه. وإذا رتب الحاكم من يسأل في السر عن الشهود لتزكية أو جرح فهل تراعى شروط الشهادة بذلك فيهم أو في المسئولين على وجهين ومن جرحه اثنان فالجرح أولى وإن جرحه واحد وعدله اثنان وقبلناه فتزكية الاثنين أولى منه. وإذا ارتاب الحاكم بشهود لم يخبر قوة ضبطهم ودينهم استحب أن يفرقهم ويسأل كل واحد عن كيفية التحمل وأين ومتى وبأي موضع كان وهل تحمل وحده أو مع غيره فإن اختلفوا لم يقبلها وإن اتفقوا وعظهم وخوفهم ثم حكم إن ثبتوا. وإذا حاكم من لا يعرف لسانه ترجم له من يعرفه ولا يقبل في الترجمة والتزكية والجرح والتعريف والرسالة إلا قول عدلين وعنه يقبل واحد وتقبل تزكية المرأة وتزكية الأعمى لمن لم يخبره قبل عماه وتزكية الوالد للولد والتزكية بدون لفظ الشهادة على الثانية دون الأولى ويكفي على الأول ترجمة رجل وامرأتين في المال ونحوه دون ما يفتقر إلى رجلين. وإذا قال المدعي مالي بينة أعلمه الحاكم أن له اليمين على خصمه على صفة جوابه فإن سأل إحلافه أحلفه وخلى سبيله ولا يعتد بيمينه قبل مسألة المدعي فإن نكل قضى عليه بالنكول نص عليه فيقول إن حلفت وإلا قضيت عليك ويستحب أن يكرره ثلاثا فإن لم يحلف قضى عليه وسواء كان مأذونا له أو مريضا أو غيرهما ويتخرج أن يحبس حتى يقرأ أو يحلف وقال أبو الخطاب ترد اليمين على المدعي فإذا حلف قضى عليه وإن نكل صرفها وقد صوبه أحمد في رواية أبي طالب فقال ما هو ببعيد أن يحلف ويأخذ يقال له احلف وخذ ولا يشترط على القول بالرد إذن الناكل فيه على ظاهر كلامه وشرطه أبو الخطاب. ومن بذل منهما اليمين بعد نكوله لم يسمع منه إلا في مجلس آخر بشرط عدم الحكم وإذا قال المدعي مالي بينة ثم أتى بينة لم تسمع نص عليه وقيل تسمع أحلفه أو لم يحلفه كما لو قال مكان مالي ما أعلم لي وإذا قال لي بينة وأريد تحليفه ثم أقام البينة ملكهما إلا إذا كانت حاضرة في مجلس الحكم فلا يملك إلا إقامتها من غير تحليف أو تحليفه من غير أن تسمع البينة بعده وقيل لا يملكها إلا إذا كانت عائبة عن البلد. وإذا سكت المدعي عليه فلم يتكلم أو قال لا أقر ولا أنكر قال له الحاكم إن أجبت وإلا جعلتك ناكلا وقضيت عليك وقيل يحبس حتى يجيب إلا أن يكون للمدعي بينة فيقضي له بها وجها واحدا وإن قال لي مخرج مما ادعاه فليس بجواب وإن قال لي حساب أريد أن أنظر فيه أنظر ثلاثا وقيل لا يلزم إنظاره. وإن قال إن ادعيت هذا المبلغ ثمن سلعة كذا التي بعتنيها ولم تقبضنيها فنعم وإن ادعيته غير ذلك أجبت وإن ادعيت ألفا مطلقا فلا حق له قبلي أو قال إن ادعيت ألفا على رهن فلاني لي في يدك فلا تستحق على شيئا فقد أجابه. وإن قال بعد ثبوت الدعوى ببينة قضية أو أبرأني أو قاله في جوابها وجعلناه مقرا سئل البينة على ذلك وأنظر لها ثلاثا وللمدعي ملازمته فإن أتى ببينة وإلا حلف المدعي على بقاء حقه واستحقه فإن نكل قضى عليه بنكوله وصرف وعلى القول بالرد له أن يحلف خصمه فإن أبي قضى عليه بالحق. هذا كله اذا لم ينكر المنكر أولا سبب الحق فأما إن نكره ثم ثبت فادعى قضاء أو إبراء سابقا لإنكاره لم يسمع منه وإن أتى ببينة نص عليه وقيل يسمع بالبينة. ومن ادعى على غائب أو مستتر في البلد أو ميت أو صبي أو مجنون وله بينة سمعت وحكم له بها ويستحلفه الحاكم على بقاء حقه وعنه لا يستحلفه ثم هم بعد الرشد والحضور على حججهم وعندي لا يقضى على الغائب. ومن ادعى على حاضر في البلد غائب عن مجلس الحكم وأتي ببينة لم تسمع الدعوى ولا البينة عليه حتى يحضر وقيل يسمعان ويحكم عليه ونقل أبو طالب يسمعان ولكن لا يحكم عليه حتى يحضر وهو الأصح فإن امتنع من الحضور ألجئ إليه بالشرطة والتنفيذ إلى منزله مرارا وإقعاد من يضيق عليه ببابه في دخوله وخروجه أو ما يراه الحاكم من ذلك فإن أصر على التغيب سمعت البينة وحكم بما عليه قولا واحدا. ومن ادعى أن أباه مات عنه وعن أخ له غائب وله عين أو دين عند فلان فأقر فلان بذلك سلم إلى المدعي نصيبه ويتسلم الحاكم نصيب الغائب وقيل يتركه إذا كان دينا في ذمة غريمه حتى يقدم وحكم الحاكم لا يحيل الشئ عن صفته في الباطن إلا في أمر مختلف فيه قبل الحكم فإنه على روايتين. وإذا رفع إليه حكم حاكم قد اتصل بمختلف فيه لينفذه لزمه تنفيذه وإن كان المختلف فيه نفس الحكم لم يلزمه تنفيذه إلا أن يحكم به حاكم آخر قبله. وإذا رفع إليه خصمان عقدا فاسدا عنده جائزا عند غيره وأقرا بأن حاكما نافذ الحكم قد حكم بصحته فهو مخير بين أن يلزمهما ما أقرا وبين أن يرده ويحكم فيه بمذهبه ذكره القاضي. ومن حكم بحد أو قود بشهود ثم بانوا عبيدا فله نقضه إذا كان لا يرى قبولهم في ذلك وكذلك كل مختلف فيه صادف ما حكم فيه ولم يعلم به. وإذا حكم بحق ثم بان كفر الشهود أو فسقهم نقضه ويرجع بالمال وبدل القود المستوفى على المحكوم له وإن كان الحكم لله بإتلاف أو بما سرى إليه ضمنه المذكورون وقيل الحاكم وقيل أيهما شاء المستحق والقود على المزكين وإن لم يكن ثم تزكية فعلى الحاكم وحده وعنه لا ينقض لفسقهم فلا ضمان. وإذا فعل الحاكم مختلفا فيه كتزويج بلا ولي وشراء عين غائبة ليتيم ونحوه ساغ رده ما لم يتصل به حكم منه أو من غيره. ومن ادعى أن الحاكم حكم له بحق فلم يذكره فشهد عدلان بحكمة به قبل شهادتهما وأمضاه وكذلك إن شهدا أن فلانا وفلانا شهدا عندك بكذا قبل شهادتهما ولو وجد حكمه بخطة متيقنا له ولم يذكره نفذه وعنه لا ينفذه حتى يذكره وعنه إن كان في حرزه وحفظه كقمطره ونحوه نفذه وإلا فلا وكذلك الروايات في شهادة الشاهد بناء على خطه إذا لم يذكره. وإذا عزل الحاكم فقال حكمت في ولايتي لفلان على فلان بكذا قبل قوله وحده كما قبل قبل العزل نص عليه ويحتمل أن لا يقبل إلا على وجه الشهادة إذا كان عن إقرار. ومن ادعى أن الحاكم المعزول حكم عليه بشهادة فاسقين عمدا ليغرمه فالقول قول القاضي بلا يمين. ومن كان له عند إنسان حق وتعذر أخذه بالحاكم وقدر له على مال لم يجز له في الباطن أخذه منه نص عليه ويتخرج جوازه بناء على تنفيذ الوصي الوصية مما في يده إذا كتم الورثة بعض التركة فعلى هذا يأخذ من جنس حقه بقدره إن أمكن وإلا فمن غيره بالقيمة متحريا للعدل في ذلك
● باب كتاب القاضي إلى القاضي يقبل كتاب القاضي إلى القاضي في كل حق إلا حقوق الله تعالى كحد الزنا وحد القذف إذا غلبنا فيه حق الله تعالى ونحوهما وعنه لا يقبل إلا فيما يقبل فيه شاهد ويمين ورجل وامرأتان وعنه ما يدل على قبوله إلا في الدماء والحدود. ويقبل فيما حكم به لينفذه وإن كانا في بلد واحد ولا يقبل فيما ثبت عنده ليحكم به إلا أن يكون بينهما مسافة القصر وقيل يقبل إذا لم يمكن الذاهب إليه العود في يومه. ويجوز أن يكتب إلى قاض بعيد وإلى كل من يصل إليه كتابه من قضاة المسلمين. ولا يقبل الكتاب إلا أن يشهد به القاضي الكاتب شاهدين يحضرهما فيقرأ عليهما ثم يقول اشهد أن هذا كتابي إلى فلان بن فلان ويدفعه إليهما فإذا وصلا دفعاه إلى المكتوب إليه وقالا نشهد أن هذا كتاب فلان إليك كتبه بعمله وأشهدنا عليه. وبو كتب كتابا وأدرجه وختمه وقال هذا كتابي إلى فلان اشهدا علي بما فيه لم يصح وعنه ما يدل على الصحة فعلى هذا إن عرف المكتوب إليه أنه خط القاضي الكاتب وختمه فهل يقبل بمجرد ذلك على وجهين. وإذا وصل الكتاب فأحضر الخصم المذكور فيه باسمه ونسبه وحليته فقال ما أنا بفلان المذكور فيه فالقول قوله مع يمينه ما لم تقم بينة بذلك فإن ثبت ذلك ببينة أو إقرار فقال المحكوم عليه غيري وهو مثلي نسبا وصفة لم يقبل منه إلا ببينة تشهد أن في البلد آخر كذلك فيتوقف حتى يعلم الخصم منهما. ولو كان الكتاب في عبد أو حيوان بالصفة ولم يثبت له مشارك في صفته سلم إلى المدعي مختوم العنق وأخذ منه كفيل يأتي به إلى القاضي الكاتب فيشهد الشهود على عينه ويقضي له به ويكتب له كتابا آخر ليبرأ كفيله. وحتى تغيرت حال القاضي الكاتب بعزل أو موت لم يقدح في كتابه وإن تغيرت بفسق لم يقدح فيما حكم به وقدح فيما ثبت عنده ليحكم به وإن تغيرت حال المكتوب إليه فلمن قام مقامه قبول الكتاب والعمل به وكذلك إن لم تتغير حاله ووصل إلى غيره ذكره القاضي. وإذا حكم عليه فقال له اشهد لي عليك بما جرى حتى لا يحكم علي القاضي الكاتب لزمه ذلك. وكل من ثبت له عند حاكم حق أو ثبتت براءته مثل إن أنكر وحلفه الحاكم فسأله أن يشهد له بما جرى عنده من براءة أو ثبوت مجرد إو متصل بحكم وتنفيذ أو سأله أن يحكم له بما ثبت عنده لزمه إجابته وقيل إن ثبت حقه ببينة لم تلزمه الإجابة وإن سأل مع الإشهاد بذلك كتابته وأتاه بكاغد أو كان من بيت المال كاغد كذلك فهل تلزمه الكتابة على وجهين. ويسمى ما تضمن الحكم بالبينة سجلا وما سواه محضرا ويجعل السجل نسختين نسخة يدفعها إليه ونسخة يحبسها عنده. وصفة المحضر "بسم الله الرحمن الرحيم حضر القاضي فلان ابن فلان الفلاني قاضي عبد الله الإمام فلان على كذا". وإن كان نائبا كتب "خليفة القاضي فلان قاضي عبد الله الإمام فلان في مجلس حكمه وقضائه بموضع كذا مدع ذكر أنه فلان بن فلان وأحضر معه مدعي عليه ذكر أنه فلان بن فلان فادعى عليه بكذا فأقر له أو فأنكر معه فقال القاضي للمدعي ألك بينة قال نعم فأحضرها وسألها سماعها ففعل أو فأنكر ولم يقم للمدعي بينة وسأل إحلافه فأحلفه وإن نكل عن اليمين ذكر ذلك وأنه حكم عليه بالنكول وإن رد اليمين فحلفه حكى ذلك وسأله أن يكتب له محضرا بما جرى فأجابه إليه في يوم كذا من شهر كذا من سنة كذا ويعلم في الإقرار وجرى الأمر على ذلك" وفي البينة "شهدا عندي بذلك". وإما السجل فهو لإنفاذ ما ثبت عنده والحكم به وصفته أن يكتب "هذا. ما أشهد عليه القاضي فلان بن فلان كما قدمنا من حضره من الشهود أشهدهم أنه ثبت عنده بشهادة فلان وفلان وقد عرفهما بما رأى معه قبول شهادتهما بمحضر من خصمين ويذكرهما إن كلنا معروفين وإلا قال مدع ومدعي عليه جاز حضورهما وسماع الدعوى من أحدهما على الآخر معرفة فلان بن فلان ويذكر المشهود عليه وإقراره طوعا في صحة منه وجواز أمر بجميع ما سمي ووصف في كتاب نسخته كذا وينسخ الكتاب المثبت أو المحضر جميعه حرفا حرفا فاذا ضاع منه قال وأن القاضي أمضاه وحكم به على ما هو الواجب في مثله بعد أن سأله ذلك والإشهاد به الخصم المدعي ويذكر اسمه ونسبه ولم يدفعه الخصم الحاضر معه بحجة وجعل كل ذي حجة على حجته وأشهد القاضي فلان على إنفاذه وحكمه وإمضائه من حضره من الشهود في مجلس حكمه في اليوم المؤرخ في أعلاه وأمر بكتب هذا السجل نسختين متساويتين تخلد نسخة بديوان الحكم ونسخة تدفع إلى من كتب له وكل واحدة منهما حجة بما أنفذه فيهما". ولو كتب كما قدمنا لكنه لم يذكر بمحضر من خصمين ساغ ذلك لجواز القضاء على الغائب ومهما اجتمع عنده من محاضر وسجلات في كل أسبوع أو شهر على حسبها قلة وكثرة فإنه يضم بعضها إلى بعض وتكتب أو سجلات كذا من وقت كذا. وإذا أخبر قاض قاضيا في غير عملهما أو في عمل أحدهما بحكم أو ثبوت لم يعمل به بحال إلا أن يخبر في عمله قاضيا في غير عمله ويجيز له الحكم بعلمه فيعمل به إذا بلغ عمله وقيل يقبل إخباره على الإطلاق كإخباره معزولا على أصلنا.
● باب القسمة لا يجوز قسمة الأملاك التي لا تنقسم إلا بضرر أو رد عوض إلا بتراضي الشركاء مثل الحمام والدور الصغار والأرض التي لا تتعدل بأجر ولا قيمة لبناء أو بئر في بعضها ونحو ذلك وهذه القسمة في حكم البيع لا يجوز فيها إلا ما يجوز فيه. فأما مالا ضرر فيه ولا رد عوض في قسمته كالقرية والبستان أو الدار الكبيرة والأرض أو الدكان الواسعة والمكيل والموزون من جنس من مثل الدبس وخل التمر وخل العنب والأدهان والألبان ونحوها إذا طلب الشريك قسمته أجبر الآخر عليها وهذه القسمة إقرار لا بيع في ظاهر المذهب فيجوز قسمة الوقف من ذلك وما بعضه وقف. ويجوز قسمة ثمر الشجر الذي يخرص خرصا وقسمة ما يؤكل وزنا وما يوزن كيلا وأن يتفرقا في قسمة ذلك قبل القبض. وإذا حلف لا يبيع فقسم لم يحنث وحكي عن ابن بطة كونها كالبيع فتنعكس هذه الأحكام وعلى الوجهين تفسخ بالعيب ولا توجب الشفعة وما بعضه وقف ولا تتعدل إلا برد عوض من أهل الوقف فتجوز قسمته بالتراضي على الأصح وإن كان الرد من رب المطلق لم يجز قسمته بحال. والضرر المانع من قسمة الإجبار نقص قيمة المقسوم بها في ظاهر كلامه وظاهر قول الخرقي أنه عدم النفع به مقسوما. وإن تضرر أحد الشريكين وحده كرب الثلث مع رب الثلثين بأن طلب المتضرر القسمة أجبر الآخر وإلا فلا إجبار وعنه أيهما طلب لم يجبر الآخر وحكى عن القاضي عكس الأولى. وما تلاصق من الدور والعقار والخانات فهو كالمتفرق. ويعتبر الضرر وعدمه في كل عين منه مفردة لا في مجموعة. ومن كان بينهما عبيدا أو بهائم أو ثياب ونحوها من جنس واحد فطلب أحدهما قسمتها أعيانا بالقيمة أجبر الآخر نص عليه وقيل لا يجبر كمختلف الجنس. وإذا كان بينهما حائط أو عرصة حائط فقيل لا إجبار في قسمتها بحال وهو الأصح وقال القاضي إن طلب قسمة طولهما في كمال العرض إو طلب قسمة العرصة عرضا وكانت تسع حائطين أجبر الممتنع وإلا فلا وقال أبو الخطاب في الحائط كالأول وفي العرصة كالثاني وقيل لا إجبار فيهما إلا في قسمة العرصة طولا كما في كمال العرض خاصة. وإذا كان بينهما دار ذات سفل وعلو فطلب أحدهما جعل السفل لواحد والعلو للآخر لم يجبر الممتنع. وإذا كان بينهما منافع واقتسماها بالزمان أو المكان جاز ولزم العقد إذا كانت إلى مدة معلومة وإلا فهو جائز عندي وقيل هو جائز غير لازم بكل حال وإذا امتنع أحدهما لم يجبر الممتنع وعنه ما يدل على أنه يجبر وعندي يجبر في القسمة بالمكان إذا لم يكن فيه ضرر ولا يجبر بقسمة الزمان. وإذا كان بينهما أرض فيها زرع لهما فطلب أحدهما قسمتها دون الزرع قسمت كالخالية منه وإن طلب قسمة الزرع دونها أو قسمتهما لم يجبر الممتنع فإن تراضيا عليه والزرع قصيل أو قطين جاز وإن كان بذرا أو سنبلا مشتد الحب لم تجز القسمة وقيل تجوز وإذا قسما مع الأرض وأجازه القاضي في السنبل مع الأرض دون البذر. فإذا كان بينهما نهر أو قناة أو عين ماء فالماء بينهما على ماشرطا عند استخراج ذلك والنفقة عند الحاجة على قدر الحقين فإن رضيا بقسمته مهايأه بالزمان أو بأن ينصب حجر مستو أو خشبة في مصدم الماء فيه ثقبان على قدر حقيهما جاز فإن أراد أحدهما أن يسقي بنصيبه أرضا لا شرب لها من هذا الماء لم يمنع وقيل يمنع ويحتمل إذا قلنا الماء لا يملك بملك أرضه أن ينتفع كل واحد منهما بقدر حاجته. ويجوز للشركاء أن يتقاسموا بأنفسهم وبقاسم ينصبونه أو يسألون الحاكم نصبه وتكون الأجرة على قدر الأملاك نص عليه وقيل على عدد الملاك. ومن شرط من ينصب أن يكون عدلا عارفا بالقسمة وإن كان عبدا ولا بد من قاسمين إن كان في القسمة تقويم وإلا كفى واحد وقيل يكفي الواحد مطلقا. ويعدل القاسم السهام بالأجزاء إن تساوت وبالقيمة إن اختلفت وبالرد إن اقتضته وإذا تمت القرعة لزمت القسمة وقيل لا تلزم فيما فيه رد حتى يرضيا به بعد القرعة وكيفما أقرع جاز لكن الأحوط أن يكتب اسم كل شريك في رقعة ثم تدرج في بنادق شمع أو طين متساوية قدرا ووزنا وتطرح في حجر رجل واحد لم يحضر ذلك ويقال له أخرج بندقة على هذا السهم فمن خرج سهمه كان له ثم الثاني كذلك فالسهم الباقي للثالث إذا كانوا ثلاثة واستوت أسهمهم ولو كتب اسم كل سهم في رقعة ثم قال أخرج بندقة لفلان وبندقة لفلان وبندقة لفلان جاز ولو كانت السهام الثلاثة مختلفة كنصف وثلث وسدس جزأ المقسوم ستة أجزاء وأخرج الأسماء على السهام لا غير فيكتب باسم رب النصف ثلاث رقاع ولرب الثلث وقعتين ولرب السدس رقعة ثم يخرج بندقة على أول سهم فإن خرج عليه اسم رب النصف أخذه مع الثاني والثالث وإن خرج عليه اسم رب الثلث أخذه مع الثاني ثم يقرع بين الآخرين كذلك والباقي للثالث. ومن ادعى غلطا فيما تقاسموه بأنفسهم وأشهدوا على رضاهم به لم يلتفت إليه وإن كان فيما قسمة قاسم الحاكم فالقول قول المنكر إلا أن يكون للمدعي بينة وإن كان فيما قسمة قاسم نصبوه وكان فيما شرطا فيه الرضا بعد القرعة لم تسمع دعواه وإلا فهو كقاسم الحاكم. وإذا تقاسما ثم استحق من الحصتين شيء معين فالقسمة بحال في الباقي. وإن كان في إحداهما بطلت وإن كان شائعا فيهما أو في إحداهما بطلت أيضا وقيل لا تبطل في غير المستحق وقيل بالبطلان للإشاعة في إحداهما خاصة. وإذا اقتسم الورثة العقار ثم ظهر دين على الميت لم تبطل القسمة إلا أن نقول القسمة بيع فيكون كبيع التركة قبل قضاء الدين وفي صحته روايتان أصحهما الصحة. وإذا اقتسما دارا فحصل الطريق في حصة أحدهما ولا منفذ للآخر لم تصح القسمة وإن كان لها ظلة فوقعت في حصة أحدهما فهي له بمطلق العقد. وولي المولى عليه في قسمة الإجبار بمنزلته وكذلك في قسمة التراضي إذا رآها مصلحة ويقسم الحاكم على الغائب في قسمة الإجبار
● باب الدعاوي والأيمان فيها المدعي من إذا سكت ترك والمدعي عليه من إذا سكت لم يترك ويختص اليمين المدعي عليه دون المدعي إلا في القسامة ودعاوي الأمناء المقبولة وحيث يحكم باليمين مع الشاهد أو نقول بردها. فإذا تداعيا عينا في يد أحدهما فهي له مع يمينه بذلك إلا إن أقام له بينة فلا يحلف وإن كانت بأيديهما فهي بينهما مع تحالفهما إلا أن يدعي أحدهما نصفها فما دونه والآخر أكثر من بقيتها أو كلها فالقول قول مدعي الأقل مع يمينه فإن تداعياها وهي بيد ثالث فأقر بها لأحدهما بعينه فهي له مع يمينه ثم يحلف المقر للآخر على الأصح فإن نكل لزمه له عوضها وإن قال هي لأحدهما لا أعلم عينه فصدقاه في عدم العلم لم يحلف وإن كذباه أو أحدهما لزمه يمين واحدة بذلك ويقرع بينهما فمن خرجت له القرعة فهي له مع يمينه ولهما فعل القرعة قبل تحليفه حيث يجب وبعده إلا إذا نكل عن يمينه فيتعين تقديمها. ومتى قدمت لم يبق عليه حلف إلا للمقروع خاصة بشرط تكذيبه له فإن نكل عنه حينئذ لزمه له القيمة. ولو جحدها الحالف فالقول قوله وعليه لكل واحد يمين فإن نكل لزمه لهما العين وعوضها يقترعان عليهما ويحتمل أن يتقسماها كالناكل الفذ لهما. ومن ادعى عليه عين في يده ولا بينة فأقر بها لصبي أو مجنون أو غائب أقرت له في يده وأحلفه المدعي أنه لا يستحق تسليمها إليه فإن نكل لزمه له عوضها إن كان المدعي واحدا وإن كان اثنين تداعياها لزمه لهما عوضان إلا أن يقيم بينة أنها لمن سماه فلا يحلف. وإن أقر بها لحاضر مكلف فصدقه فهو كأحد المتداعيين على ثالث إذا أقر له الثالث على ما سبق وإن قال المقر له ليست لي ولا أعلم لمن هي أو قال ذلك رب اليد ابتداء أعطيها المدعي الواحد والاثنان يقترعان عليها وقيل لا تعطى بغير بينة بل تجعل عند أمين الحاكم وقيل تقر في يد رب اليد وهو المذهب. وعلى هذين الوجهين يحلف المدعي فإن عاد فادعاها لنفسه أو لثالث سمع على الوجه الثالث دون الأوليين وإن أقر بها لمجهول قيل له عرفه وإلا جعلت ناكلا عن الجواب فإن عاد فادعاها لنفسه فهل تسمع على وجهين. وإذا تداعيا عينا ليست في يد أحد قسمت بينهما كالتي بأيديهما وقيل هي لأحدهما بالقرعة كالتي بيد ثالث. وإذا تداعيا حيوانا أحدهما آخذ بزمامه والآخر راكبه أو عليه حمله أو قميصا أحدهما آخذ بكمه والآخر لابسه فهو للثاني. وإن نازع صاحب الدار خياطا فيها في إبرة أو مقص أو قرابا في قربة فهي للخياط أو للقراب. وإن تنازعا عرصة لأحدهما فيها بناء أو شجر فهي له. وإن تنازع المؤجر والمستأجر في رف مقلوع أو مصراع وله شكل منصوب في الدار فهر لربها وإلا فهو لهما. وإن تنازع الزوجان أو ورثتهما في قماش البيت فما يصلح للرجال كالعمامة والسيف فللرجل وما يصلح للنساء كحليهن وثيابهن فللمرأة وما يصلح لهما فبينهما حرين كانا أو رقيقين أو أحدهما نص عليه. وكذلك إن اختلف صانعان في آلة وكان لهما حكم بآلة كل صنعة لصانعها في ظاهر كلامه وقيل إن كانت أيديهما عليه من طريق الحكم فكذلك وإن كانت اليد المشاهدة عليه منهما أو من أحدهما اعتبرت بكل حال. ومن توجه عليه الحلف لحق جماعة فبذل يمينا واحدة لهم فرضوا جاز وإن أبوا حلف لكل واحدا يمينا ويحلف الإنسان على الميت في الإثبات والنفي إلا لنفي فعل غيره أو لنفي الدعوى على الغير فيحلف على نفي العلم وعنه في البائع يحلف لنفي عيب السلعة على العلم وعنه يمين النفي على العلم في كل شيء. ومن لزمته يمين أجزأ أن يحلفه الحاكم بالله تعالى وحده. وإن غلظها بزمان أو مكان أو لفظ جاز ولم يستحب فالزمان أن يحلفه __________ قوله: "وإن غلظها بزمان أو مكان أو لفظ جاز ولم يستحب". وهذا اختيار القاضي وغيره وقطع به في المستوعب وغيره واختار أبو الخطاب الاستحباب كمذهب الشافعي. وذكر الشيخ تقي الدين أن أحد الأقسام معنى الأقوال أنه يستحب إذا رآه الإمام مصلحة. وقال ابن هبيرة واختلفوا في تغليظ الزمان والمكان فقال مالك والشافعي تغلظ وعند أبي حنيفة لا تغلظ وعن الإمام أحمد روايتين كالمذهبين.
O متابعة المتن بعد العصر أو بين الأذان والإقامة والمكان بمكة بين الركن والمقام وببيت المقدس عند الصخرة وبسائر البلاد عند منبر الجامع وأهل الذمة بالمواضع التي يعظمونها. __________ واختار الشيخ موفق الدين أن تركه أولى إلا في موضع ورد الشرع به وصح وقدم في الرعاية الكراهة. واختار أبو بكر التغليظ في حق أهل الذمة فقط. واختار الخرقي التغليظ في حق الكافر في المكان واللفظ. فهذه نحو ثمانية أقوال في المسألة ولم أجد في وجوبه خلافا في المذهب. فأما البينة فإنها تكون بموضع الدعوى ولا تغلظ بمكان ولا زمان ولا لفظ ذكره القاضي محل وفاق قاس عليه وسلم له. قوله: "وبيت المقدس عند الصخرة". كذا ذكر غيره وكأن ذلك إما لورود آثار لا يحتج بمثلها تدل على فضيلتها وبعضها مذكور في فضائل الشام وإما لأن العامة يعتقدون فيها ويعظمونها وهذان الأمران فيهما نظر أما الأول فظاهر وأما الثاني فلأن اليمين لا تغلظ باعتقاد العامة كما لا تغلظ عند قبر بعض المشايخ أو بعض الشجر ونحو ذلك. بأن له عند العامة عظمة واعتقاد وحظ وافر على أن كان يلزم تخصيص المسألة بالعامة لئلا يلزم أن يكون الدليل أخص وهذا يدل على إرادتهم المعنى الأول وهو غير صالح للحجة لضعف تلك الآثار وعدم وجوب الرجوع إلى قائلها وهو وهب وكعب ونحوهما. قال الشيخ تقي الدين في اقتضاء الصراط المستقيم بعد ذكره هذه المسألة ليس لها أصل في كلام الإمام أحمد ونحوه من الأئمة بل السنة أن تغلظ اليمين واللفط أن يقول "والله الذي لا إله إلا هو عالم الغيب والشهادة الطالب الغالب الضار النافع الذي يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور" ونحوه ويقول اليهودي "والله الذي أنزل التوراة على موسى وفلق له البحر وأنجاه من فرعون وملئه" ويقول النصراني "والله الذي أنزل الأنجيل على عيسى وجعله يحيى الموتى ويبرىء الأكمه والأبرص" ويحلف المجوسي بالله الذي خلقه وصوره ورزقه. وإن بذل الحالف اليمين بالله وأبى التعظيم لم يكن ناكلا. __________ فيها كما تغلظ في سائر المساجد عند المنبر ولا تغلظ اليمين بالتحليف عند ما لم يشرع للمسلمين تعظيمه كما لا تغلظ بالتحليف عند المشاهد ونحو ذلك. قوله: "ويقول النصراني إلى آخره". قال بعض الأصحاب تغليظ اليمين بذلك في حقهم فيه نظر لأن أكثرهم إنما يعتقد أن عيسى ابنا لله. قوله: "ويحلف المجوسي إلى آخره". لأنه يعظم خالقه ورازقه وذكر ابن أبي موسى أنه يحلف مع ذلك بما يعظمه من الأنوار وغيرها وفي تعليق أبي إسحاق بن شاقلا عن أبي بكر بن جعفر أنه قال ويحلف المجوسي فيقال له قل والنور والظلمة. قال القاضي هذا غير ممتنع أن يحلفوا بها وإن كانت مخلوقة كما يحلفون في المواضع التي يعظمونها وإن كانت مواضع يعصى الله فيها كالبيع والكنائس وبيت النار. قوله: "وإن بذل الحالف اليمين بالله وأبي التعظيم لم يكن ناكلا". لأنه قد بذل الواجب عليه فيجب الاكتفاء به ويحرم التعرض له وفيه نظر لجواز أن يقال يجب التغليط إذا رآه الحاكم وطلبه وقد ذكر
O متابعة المتن ولا يستحلف في العبادات ولا في حدود الله تعالى. __________ القاضي في الجواب عن تغليظ الصحابة أنه روى عن زيد خلاف ذلك لأنه خاصم إلى مروان فتوجهت عليه اليمين فقال له زيد تحلف عند المنبر فقال زيد أحلف ههنا قال مروان لا بل عند المنبر فوزن المال قال القاضي ولو كان التغليظ واجبا أو منسوبا لم يجز أن يمتنع من الإجابة بعد أن دعا إليه انتهى كلامه. وهذا يدل على أنه لا يجوز الامتناع منه إذا رآه الحاكم وعلى هذا يكون بامتناعه منه ناكلا عما يجب عليه فيكون كالنكول عن اليمين. قال الشيخ تقي الدين قصة مروان تدل على أن القاضي إذا رأى التغليظ فامتنع من الإجابة أدى ما ادعى به عليه ولو لم يكن كذلك ما كان في التغليظ زجر قط. وهذا الذي قاله صحيح والردع والزجر علة التغليظ كما ذكره جماعة من أصحابنا وغيرهم فلو لم يجب برأي الإمام لتمكن كل أحد من الامتناع منه لعدم الضرر عليه في ذلك وانتفت فائدته. وقال أيضا متى قلنا هو مستحب للإمام فينبغي أنه إذا امتنع منه الخصم صار ناكلا. قوله: "ولا يستحلف في العبادات ولا في حدود الله تعالى". وعند الشافعي وأبي يوسف يستحلف في الزكاة ونحوها لأنها دعوى مسموعة يتعلق بها حق آدمي أشبه حق الآدمي واختاره ابن حمدان في الزكاة. ووجه قولنا أنه حق له أشبه الصلاة والحد. ولو ادعى عليه أن عليه كفارة أو نذرا أو صدقة أو غيرها فكذلك. قال الشيخ موفق الدين لا تسمع الدعوى في هذا ولا في حد لله تعالىـ لأنه حق للمدعى فيه ولا ولاية له عليه ولا تسمع منه دعواه كما لو ادعى حقا لغيره من غير إذنه ولا ولاية وكذا ذكره ابن الزاغوني وغيره. وذكر القاضي الحدود محل وفاق وأنه لا يصح دعواها ولا يجب سماعها ولا يسأل المدعى عليه عن الجواب عنها لكن قال شهادة الشهود دعوى منهم. وذكر أيضا في موضع آخر أن الزنا والشرب ونحوه لا يسمع الاستعداء فيه والإعداء فيه وتسمع الشهادة به. وذكر الشيخ موفق الدين في موضع آخر أن ما كان حقا لله كالحدود والزكاة والكفارة لا تفتقر الشهادة به إلى تقدم دعوى. قال وكذلك مالا يتعلق به حق أحد كتحريم الزوجة أو إعتاق الرقيق يجوز الحسبة به ولا يعتبر به دعوى قال فإن تضمنت دعواه حقا مثل أن يدعى سرقة ماله لتضمين السارق أو ليأخذ منه ما سرقه أو يدعي عليه الزنا بجاريته ليأخذ مهرها منه سمعت دعواه ويستحلف المدعى عليه لحق الآدمي دون حق الله وكذا ذكره ابن عقيل فإن حلف برى ء وإن نكل قضى عليه بالمال دون القطع. وقال الشيخ تقي الدين فأما حقوق الله تعالى إذا تعلق بها حق آدمي معين أو غير معين على الفرق بين الزكاة وغيرها مثل أن يدعى على من يطلب ولاية المال أو النكاح أو الحضانة أنه فاسق فينكر ذلك فيحلف فإن مضمون اليمين الحلف على استحقاق الولاية أو على نفي ما يدفعها وهو بمنزلة أن يدعى على الحاضنة أنها تزوجت فتنكر أو تدعى على الولي أن ثم وليا أقرب منه وكذا لو ادعى القريب الإرث فقيل إنه رقيق فهل يحلف على نفي الرق كما يحلف لو ادعاه مدع وكذلك لو تعلق بصلاته وصيامه حق الغير مثل تعليق طلاق أو عتق به ونحو ذلك فهل يحلف على فعل ذلك لكن هذا الحق المتعلق به ليس له ولاء عليه فهو أمين محض بخلاف ما إذا كان الحق له أو عليه وكذلك إذا ادعى المشهود عليه فسق الشاهد مفسرا أو مطلقا فهل له أن يحلفه على نفي ذلك السبب أو على نفي الفسق وكذلك إذا ادعى في الشاهد ما يوجب رد الشهادة من قرابة أو عداوة أو تبرع أو صداقة ملاطفة على القول بها وأنكر الشاهد ذلك فهل له أن يحلف الشاهد على نفي ذلك. وسواء كان الشاهد مزكيا أو جارحا لشاهد أو وال فادعى عليه تهمة توجب رد التزكية والجرح أو شاهد بغير صفة الشاهد والوالي. ولا يقال الشاهد لا يحلف فإنما ذلك إذا ثبت ما يوجب قبول شهادته. لكن يقال لا بد أن يعلم الحاكم ما يقبل معه في الظاهر ثم الشأن في وجود المعارض في الباطن أو فوات بعض الشروط في الباطن وإن لم يحلف الشاهد فهل يحلف المشهود له بأنه لا يعلم هذا القادح؟ وهذا متوجه إذا استحلفناه على ما شهد به في إحدى الروايتين التي قضى بها علي رضي الله عنه وابن أبي ليلى. واليمين على حق الله المتعلق بها حق آدمي لها أصل في الشريعة وهو اللعان فإن دعوى الزنا دعوى ما يوجب الحد1 والقياس أن لا يمين فيها لكن شرعت إذا ادعاه الزوج لأن له حقا في ذلك وهو إفساد فراشه وإفساد العارية2 كما أقيمت يمينه مقام شهادة غيره في درء الحد عنه. وهكذا دعوى السرقة لا يحلفه على ما ينفي القطع لكن على ما ينفي استحقاق __________ 1 بهامش الأصل: الذي في نكت ابن شيخ السلامية عن الشيخ تقي الدين: "فإن دعوى الزنا توجب الحد". 2 بهامش الأصل: الذي في نكت ابن شيخ السلامية: "وإلحاق العارية".وهو أحسن.
O متابعة المتن ويستحلف المنكر في كل حق لآدمي إلا عشرة أشياء النكاح والطلاق والرجعة والإيلاء وأصل الرق والولاء والاستيلاد والنسب والقود والقذف وعنه يستحلف في الطلاق نحو الإيلاء والقود والقذف دون الستة الباقية وعنه يستحلف إلا فيما لا يقضي فيه بالنكول. __________ المال فينبغي أن يحلف أنه ما أخذ المال لا أنه ما سرق بخلاف القصاص وحد القذف وأما اليمين في المحاربة1. ● فصل ومما ينبغي أن يلاحظ الفرق بين اليمين في نفس كونه شهادة وفي صفته مثل أن يدعى المشهود عليه أن المال للشاهد أو أنه شريك وأنه جار بهذه الشهادة أو دافع بها فإن حقيقة الأمر أن يقول له لست بشاهد بل خصم مدع أو مدعى عليه فهنا يقوى تحليفه بخلاف الدعوى في صفته وحاله بعد تسليم أنه شاهد محض. قوله: "ويستحلف المنكر في كل حق لآدمي". للأخبار المشهورة في ذلك وكلامه يصدق على ما إذا علم صاحب الحق كذب الحالف. قال الإمام أحمد في رواية إسحاق بن منصور إذا كان يعلم أن عنده مالا لا يؤدى إليه حقه فإن أحلفه أرجو أن لا يأثم. قال القاضي وظاهر هذا أن له أن يحلفه مع علمه بكذبه. وقال الشيخ تقي الدين هذا يدل على أن تحليف البريء حرام دون الظالم. وقال أيضا إن هذه الرواية تدل على الجواز. __________ 1 كذا في الأصل
O متابعة المتن قال في رواية ابن القاسم لا أرى اليمين في النكاح ولا في الطلاق ولا في الحدود لأنه إن نكل لم أقتله ولم أحد ولم أدفع المرأة إلى زوجها. وظاهر قول الخرقي هو يستحلف فيما عدا القود والنكاح وعنه ما يدل على أنه يستحلف في الكل وإن أحلفنا في ذلك قضينا فيه بالنكول إلا في قود النفس خاصة وعنه لا يقضى بالنكول إلا في الأموال خاصة. وكل جناية لم يثبت قودها بالنكول فهل يلزم الناكل ديتها على روايتين. وكل ناكل قلنا لا يقضي عليه فهل يخلى أو يحبس حتى يقرأ أو يحلف على وجهين.
● [ لكتاب القضاء بقية ] ●
كتاب: المحرر في الفقه على مذهب الإمام أحمد بن حنبل المؤلف: عبد السلام بن عبد الله ابن تيمية الحراني منتدى ميراث الرسول - البوابة