بّسم اللّه الرّحمن الرّحيم
مكتبة الثقافة الإسلامية
روض السائلين لفتاوى سيد المرسلين
● [ فصل فتاوى في الطيرة والفأل ] ●
684 - وسئل صلى الله عليه وسلم عن الطاعون، فقال: «عذاباً كان يبعثه الله على من كان قبلكم، فجعله الله رحمة للمؤمين، ما من عبد يكون في بلد ويكون فيه، فيمكث لا يخرج صابراً محتسباً يعلم أنه لا يصيبه إلا ما كتب الله له إلا كان له مثل أجر شهيد» .
685 - وسأله صلى الله عليه وسلم فرْوة بن مُسَيْك رضي الله عنه، فقال: يا رسول الله إنا بأرض يقال لها إبْين، وهي ريفنا وميرتُنا، وهي وَبيَّة أو قال: وَباها شديد، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «دعْها عنك، فإن من القرَف التلف» . وفيه دليل على نوع شريف من أنواع الطب، وهو استصلاح التربة والهواء كما ينبغي استصلاح الماء والغذاء، فإن بصلاح هذه الأربعة يكون صلاح البدن واعتداله.
686 - وقال صلى الله عليه وسلم: «لا طِيَرَةَ، وخيرها الفأل» قيل: يا رسول الله وما الفأل؟ قال: «الكلمة الصالحة يسمعها أحدكم» .
687 - وفي لفظ لهما: «لا عَدْوى ولا طِيَرَة، ويعجبني الفأل» قالوا: وما الفأل؟ قال: «كلمة طيبة» .
688 - ولما قال صلى الله عليه وسلم: «لا عدوى ولا طِيرةَ ولا هامة» . قال رجل: أرأيت البعير يكون به الجرَبُ، فتجرب الإِبل؟ قال: «ذاك القدَر، فمن أجْرَبَ الأول» ؟. ولا حجة في هذا لمن أنكر الأسباب، بل فيه إثبات القدَر، وردُّ الأسباب كلها إلى الفاعل الأول، إذ لو كان كل سبب مستنداً إلى سبب قبله، لا إلى غاية لزم التسلسل في الأسباب، وهو ممتنع، فقطع النبي صلى الله عليه وسلم التسلسل بقوله: فمن أعدى الأول، إذ لو كان الأول قد جرب العدوى والذي قبله كذلك، لا إلى غاية لزم التسلسل الممتنع.
689 - وسألته صلى الله عليه وسلم امرأةٌ، فقالت: يا رسول الله، دار سكَّناها والعدد كثير، والمال وافر، فقلَّ العدد وذهب المال، فقال: «دَعُوها ذميمة» .
690 - وهذا موافق لقوله صلى الله عليه وسلم: «إن كان الشؤم في شيء فهو في ثلاثة: في الفرَس، وفي الدار، والمرأة» وهو إثباتٌ لنوع خفي من الأسباب، ولا يطلع عليه أكثر الناس، ولا يعلم إلا بعد وقوع مسببه، فإن من الأسباب ما يعلم سببيته قبل وقوع مسببه، وهي الأسباب الظاهرة، ومنها ما لا يعلم سببيته إلا بعد وقوع مسببه وهي الأسباب الخفية، ومنه قول الناس: فلان مشؤوم الطلعة، ومدور الكعب، ونحوه فالنبي صلى الله عليه وسلم أشار إلى هذا النوع ولم يبطله، وقوله: «إن كان الشؤم في شيء فهو في ثلاثة» ، تحقيق لحصول الشؤم فيها وليس نفياً لحصوله من غيرها، كقوله: «إن كان في شيء تتداوون به شفاء، ففي شرْطة مِحجَم، أو شَرْبة عسل، أو لذعَة بنار، ولا أَحب الكيَّ» .
691 - وقال صلى الله عليه وسلم: «من ردَّته الطِّيَرَةُ من حاجته فقد أشرَك» ، قالوا: يا رسول الله وما كفارة ذلك؟ قال: «أن يقول: اللهم لا طيرَ إلا طيركُ، ولا خير إلا خيرك» .
● [ ذكر فصول من فتاويه صلى الله عليه وسلم ] ●
في أبواب متفرقة692 - وسأله صلى الله عليه وسلم رجل، فقال: إني أصبتُ ذنباً عظيماً، فهل لي من توبة؟ فقال: «هل لك من أم» ؟ قال: لا، قال: «فهل لك من خالة» ؟ قال: نعم. قال: «فبرَّها» .
693 - وقال ابن عباس رضي الله عنهما: كان رجل من الأنصار أسلم، ثم ارتدَّ ولحق بالمشركين، ثم ندم فأرسل إلى قومه: سلوا لي رسول الله صلى الله عليه وسلم هل لي من توبة؟ فجاء قومه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: هل له من توبة؟ فنزلت: {كَيْفَ يَهْدِى اللَّهُ قَوْمًا كَفَرُواْ بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُو?اْ أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجَآءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَاللَّهُ لاَ يَهْدِى الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ } ( آل عمران: 86) إلى قوله: {إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ مِن بَعْدِ ذالِكَ وَأَصْلَحُواْ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }( آل عمران: 89) فأرسل إليه فأسلم.
694 - وسئل صلى الله عليه وسلم عن رجل أوجبَ فقال: «أعتقوا عنه» . وقوله: «أوجب» ، أي: فعلَ ما يستوجب النار.
695 - وسئل صلى الله عليه وسلم عن قوله تعالى: {أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ وَتَأْتُونَ فِى نَادِيكُمُ الْمُنْكَرَ فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَن قَالُواْ ائْتِنَا بِعَذَابِ اللَّهِ إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ } ( العنكبوت: 29) قال: «كانوا يَحْذِفون أهل الطريق، ويسخرون منهم، وذلك المنكر الذي كانوا يأتونه» .
696 - وسئل صلى الله عليه وسلم: أيكون المؤمن جباناً؟ قال: «نعم» ، قالوا: أيكون بخيلاً: قال: «نعم» ، قالوا: أيكون كذاباً؟ قال: «لا» .
697 - وسألته صلى الله عليه وسلم امرأة، فقالت: إن لي ضَرَّة، فهل عليَّ جناحٌ إن تشبعت من زوجي غير الذي يعطيني؟ فقال: «المتشبع بما لم يُعطَ كلابسِ ثوبَيْ زورٍ» . وفي لفظ: أقول: إن زوجي أعطاني ما لم يعطني.
698 - وسأله صلى الله عليه وسلم رجل فقال: هل أكذب على امرأتي؟ قال: «لا خير في الكذب» ، فقال: يا رسول الله أعِدُها، وأقول لها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا جناح» ..
699 - وقال صلى الله عليه وسلم: «اتقوا هذا الشِّرْك، فإنه أخفى من دَبيب النمل» ، فقيل له: كيف نتقيه وهو أخفى من دبيب النمل يا رسول الله؟ فقال: قولوا: «اللهم إنا نعوذ بك أن نشرك بك شيئاً نعلمه ونستغفرك لما لا نعلم» .
700 - وقال صلى الله عليه وسلم: «إن أخوف ما أخاف على أمتي الشرك الأصغر» ، قالوا: وما الشرك الأصغر يا رسول الله؟ قال: «الرياء، يقول الله تعالى يوم القيامة إذا جزى الناس بأعمالهم: اذهبوا إلى الذين كنتم تُرَاؤون في الدنيا، فانظروا هل تجدون عندهم جزاء» .
701 - وسئل صلى الله عليه وسلم عن الأخسرين أعمالاً يوم القيامة، فقال: «هم الأكثرون أموالاً إلا من قال هكذا وهكذا إلى من بين يديه، ومن خلفه، وعن يمينه وعن شماله، وقليل ما هم» .
702 - ولما نزلت: {الَّذِينَ ءَامَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُو?اْ إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُوْلَائِكَ لَهُمُ الاَْمْنُ وَهُمْ مُّهْتَدُونَ }(الانعام -ـ 82) شقَّ ذلك عليهم، وقالوا: يا رسول الله، وأينا لم يظلم نفسه؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ليس ذلك، إنما هو الشرك، ألم تسمعوا قول لقمان لابنه:» {وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يابُنَىَّ لاَ تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ }((31) لقمان: 13).
703 - وخرج عليهم وهم يتذاكرون المسيحَ الدجال، فقال: «ألا أخبركم بما هو أخوف عليكم عندي من المسيح الدجال» ؟ قالوا: بلى، قال: «الشرك الخفي أن يقوم الرجل فيصلي، فيزيِّن صلاته لما يرى من نظر رجل» .
704 - وسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن طاعة الأمير الذي أمر أصحابه فجمعوا حطباً فأضرموه ناراً وأمرهم بالدخول فيها، فقال صلى الله عليه وسلم: «لو دخلوها ما خرجوا منها، إنما الطاعة في المعروف» .
705 - وفي لفظ: «لا طاعة لمخلوقٍ في معصية الخالق» .
706 - وفي لفظ: «من أمركم منهم بمعصية الله فلا تطيعوه» . فهذه فتوى عامة لكل من أمره أمير بمعصية الله كائناً من كان، ولا تخصيص فيها الْبتَّة.
707 - ولما قال صلى الله عليه وسلم: «إن من أكبر الكبائر شتم الرجل والديه» ، سألوه: كيف يشتم الرجل والديه؟ قال: «يسبُّ أبا الرجل وأمه، فيسب أباه وأمه» .
708 - وللإِمام أحمد: «إن أكبر الكبائر عقوقُ الوالدين» . قيل: وما عقوق الوالدين؟ قال صلى الله عليه وسلم: «يسب أبا الرجل وأمه، فيسب أباه وأمه» . وهو صريح في اعتبار الذرائع، وطلب الشرع لسدها، وقد تقدمت شواهد هذه القاعدة بما فيه كفاية.
709 - وقال صلى الله عليه وسلم: «ما تقولون في الزنا» ؟ قالوا: حرام، فقال: «لأن يَزنيَ الرجل بعشر نِسوة أيسرُ عليه من أن يزني بامرأة جاره، ما تقولون في السرقة» ؟ قالوا: حرام. قال: «لأن يسرقَ الرجل من عشرة أبيات أيسرُ من أن يسرق من بيت جاره» .
710 - وقال صلى الله عليه وسلم: «أتدرون ما الغيبة» ؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: «ذكرك أخاك بما يكره» ، قيل: أرأيت إن كان في أخي ما أقول؟ قال: «إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بَهتَّه» .
711 - وللإِمام أحمد ومالك أن رجلاً سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما الغيبة؟ فقال: «أن تذْكُر من المرء ما يكره أن يسمع» ، فقال: يا رسول الله وإن كان حقاً؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا قلت باطلاً فذلك البهتان» .
712 - وسئل صلى الله عليه وسلم عن الكبائر، فقال: «الإِشرك بالله، وعقوق الوالدين، وقول الزور، وقتل النفس التي حرم الله، والفرار يوم الزَّحف، ويمين الغَمُوس، وقتل الإِنسان ولده خشية أن يطعم معه، والزنا بحليلة جاره، والسحر، وأكل مال اليتيم، وقذُف المحصنات» وهذا مجموع من أحاديث. ومن الكبائر: ترك الصلاة، ومنع الزكاة، وترك الحج مع الاستطاعة والإِفطار في رمضان بغير عذر، وشرب الخمر، والسرقة، والزنا، واللواط، والحكم بخلاف الحق، وأخذ الرِّشا على الأحكام، والكذب على النبي صلى الله عليه وسلم، والقول على الله بلا علم في أسمائه وصفاته وأفعاله وأحكامه وجحود ما وصف به نفسه ووصفه به رسوله، واعتقاد أن كلامه وكلام رسوله لا يستفاد منه يقين أصلاً، وأن ظاهر كلامه وكلام رسوله باطل وخطأ بل كفر وتشبيه وضلال، وترك ما جاء به لمجرد قول غيره، وتقديم الخيال المسمى بالعقل والسياسة الظالمة والعقائد الباطلة والآراء الفاسدة والأذوقات والكشوفات الشيطانية على ما جاء به صلى الله عليه وسلم، ووضع المكوس، وظلم الرعايا، والاستئثار بالفيء، والكبر، والفخر، والعُجب، والخيلاء، والرياء والسمعة، وتقديم خوف الخلق على خوف الخالق، ومحبته على محبة الخالق، ورجائه على رجائه، وإرادة العلو في الأرض والفساد وإن لم ينل ذلك، ومسبَّة الصحابة رضوان الله عليهم، وقطع الطريق، وإقرار الرجل الفاحشة في أهله وهو يعلم، والمشي بالنميمة، وترك التنزه من البول، وتخنث الرجل، وترجُّل المرأة، ووصل شعر المرأة وطلبها ذلك، وطلب الوصل كبيرة، وفعله كبيرة، والوشم والاستيشام، والوشر والاستيشار، والنمص والتنميص والطعن في النسب، وبراءة الرجل من أبيه وبراءة الأب من ابنه، وإدخال المرأة على زوجها ولداً من غيره، والنياحة، ولطم الخدود، وشق الثياب، وحلق المرأة شعرها عند المصيبة بالموت وغيره، وتغيير منار الأرض وهو أعلامها، وقطيعة الرحم، والجور في الوصية، وحرمان الوارث حقه من الميراث، وأكل الميتة والدم ولحم الخنزيز، والتحليل واستحلال المطلقة به، والتحيُّل على إسقاط ما أوجب الله، وتحليل ما حرم الله، وهو إستباحة محارمه وإسقاط فرائضه بالحيل، وبيع الحرائر، وإباق المملوك من سيده، ونشوز المرأة على زوجها، وكتمان العلم عند الحاجة إلى إظهاره، وتعلم العلم للدنيا والمباهاة والجاه والعلو على الناس، والغدر، والفجور في الخصام، وإتيان المرأة في دُبُرها وفي محيضها، والمن بالصدقة وغيرها من عمل الخير، وإساءة الظن بالله، واتهامه في أحكامه الكونية والدينية، والتكذيب بقضائه وقدره واستوائه على عرشه، وأنه القاهر فوق عباده وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم عُرج به إليه، وأنه رفع المسيح إليه، وأنه يصعد إليه الكِلمُ الطِّيب، وأنه كتب كتاباً فهو عنده على عرشه، وأن رحمته تغلب غضبه، وأنه ينزل كل ليلة إلى سماء الدنيا حين يمضي شَطرُ الليل فيقول: من يستغفرني فأغفر له؟ وأنه كلم موسى تكليماً، وأنه تَجلى للجبَل فجعله دَكا، واتخذ إبراهيم خليلاً، وأنه نادى آدم وحَواء، ونادى موسى وينادي نبينا يوم القيامة، وأنه خلق آدم بيديه، وأنه يقبض سماواتِهِ بِإحدى يديه والأرض باليد الأخرى يوم القيامة. ومنها الاستماعُ إلى حديث قوم لا يحبون استماعه، وتخبيثُ المرأة على زوجها، والعبد على سيده، وتصوير صور الحيوان سواء كان لها ظل أم لم يكن، وأن يُرِيَ عينيه في المنام ما لم ترياه، وأخذ الربا وإعطاؤه والشهادة عليه وكتابته، وشرب الخمر وعَصرها واعتصارها وحَملها وبيعها وأكل ثمنها، ولعن من لم يستحق اللعن، وإتيان الكهنة والمنجمين والعرَّافين والسَّحَرة وتصديقهم والعمل بأقوالهم، والسجود لغير الله، والحلف بغيره كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: 712 م -ـ «مَن حلف بغير الله فقد أشرك» . وقد قصَّر ما شاء أن يقصَّر من قال: إن ذلك مكروه، وصاحب الشرع يجعله شركاً، فرتبته فوق رتبة الكبائر.
● بدع المشركين عند القبور ●واتخاذُ القبور مساجد، وجعلها أوثاناً وأعياداً يسجدون لها تارة، ويصلون إليها تارة، ويطوفون بها تارة، ويعتقدون أن الدعاء عندها أفضل من الدعاء في بيوت الله التي شرع أن يدعى فيها ويعبد ويصلى له ويسجد. عود إلى الكبائر ومنها: معاداة أولياء الله، وإسبال الثياب من الإِزار والسراويل والعمامة وغيرها، والتبختر في المشي، واتباع الهوى وطاعة الهوى وطاعة الشح والإِعجاب بالنفس، وإضاعة من تلزمه مؤنته ونفقته من أقاربه وزوجته ورقيقه ومماليكه، والذبح لغير الله، وهَجْر أخيه المسلم سَنةً كما في صحيح الحاكم من حديث أي خراش الهذلي السلمي عن النبي صلى الله عليه وسلم.
713 - «من هجر أخاه سنة فهو كقتله» . وأما هجره فوق ثلاثة أيام فيحتمل أنه من الكبائر، ويحتمل أنه دونها، والله أعلم. ومنها: الشفاعة في إسقاط حدود الله.
714 - وفي الحديث عن ابن عمر يرفعه: «مَن حالت شفاعته دون حد من حدود الله فقد ضادَّ الله في أمره» . رواه أحمد وغيره بإسناد جيد. ومنها: تكلم الرجل بالكلمة من سخط الله لا يُلقي لها بالاً. ومنها: أن يدعو إلى بدعة أو ضلالة أو ترك سنة. بل هذا من أكبر الكبائر، وهو مضادة لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
715 - ومنها: ما رواه الحاكم في صحيحه من حديث المُستورد بن شدَّاد، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من أكل بمسلم أكلةً أطعمه الله بها أكلة من نار جهنم يوم القيامة، ومن قام بمسلم مقام سُمعة أقامه الله يوم القيامة مقام رياء وسمعة، ومن اكتسى بمسلم ثوباً كساه الله ثوباً من نار يوم القيامة». ومعنى الحديث أنه توصل إلى ذلك، وتوسل إليه بأذى أخيه المسلم من كذب عليه أو سُخرية أو همزة أو لمزَة أو غيبة، والطعن عليه، والازدراء به والشهادة عليه بالزور، والنيل من عرضه عند عدوه، ونحو ذلك مما يفعله كثير من الناس، وأوقع في وسطه والله المستعان. ومنها: التبجح والافتخار بالمعصية بين أصحابه وأشكاله، وهو الإِجهار الذي لا يعافي الله صاحبه، وإن عافاه من شر نفسه. ومنها: أن يكون له وجهان ولسانان، فيأتي القومَ بوجه ولسان، ويأتي غيرهم بوجه ولسان آخر. ومنها: أن يكون فاحشاً بذيًّا يتركه الناس ويحذرونه اتقاء فحشه. ومنها: مخاصمة الرجل في باطل يعلم أنه باطل، ودعواه ما ليس له وهو يعلم أنه ليس له. ومنها أن يدعي أنه من آل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس منهم، أو يدعي أنه ابن فلان وليس بابنه.
716 - وفي الصحيحين: «من ادَّعى إلى غير أبيه فالجنة عليه حرام» . وفيهما أيضاً: «لا ترغبوا عن آبائكم، فمن رغب عن أبيه فهو كافر».
717 - وفيهما أيضاً: «ليس من رجل ادَّعَى لغير أبيه، وهو يعلمه إلا وقد كفر، ومن ادعى ما ليس له فليس منا وليتبوأ مقعده من النار، ومن دعا رجلاً بالكفر أو قال عدو الله وليس كذلك إلا حار عليه». فمن الكبائر:
718 - تكفير من لم يكفره الله ورسوله، وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم قد أمر بقتال الخوارج.
719 - وأخبر أنهم شَر قتْلَى أديم السماء، وأنهم يمرُقون من الإِسلام كما يَمرقُ السهم من الرَّمِية، ودينهم تكفير المسلمين بالذنوب، فكيف من كفرهم بالسنة، ومخالفة آراء الرجال لها وتحكيمها والتحاكم إليها؟ ومنها: أن يُحدِث حَدثاً في الإِسلام، أو يؤوي محدثاً وينصره ويعينه.
720 - وفي الصحيحين: « مَنْ أحدثَ حَدَثاً أو آوى مُحْدِثاً، فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل الله منه يوم القيامة صَرْفاً ولا عَدْلاً» . ومن أعظم الحدث: تعطيلُ كتاب الله وسنة رسوله، وإحداث ما خالفهما، ونصر من أحدث ذلك والذَّب عنه ومعاداة من دعا إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم. ومنها: إحلال شعائر الله في الحرم والإِحرام، كقتل الصيد واستحلال القتال في حرم الله. ومنها: لبس الحرير والذهب للرجال، واستعمال أواني الذهب والفضة للرجال.
721 - وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: الطِّيَرةُ شرك» فيحتمل أن يكون من الكبائر وأن يكون دونها. ومنها: الغُلول من الغنيمة، ومنها: غش الإِمام والوالي لرعيته، ومنها أن يتزوج ذات رَحِمْ مَحْرَم منه، أو يقع على بهيمة، ومنها: المكر بأخيه المسلم ومخادعته ومضارته.
722 - وقد قال صلى الله عليه وسلم: «ملعون من مَكر بمسلم أو ضارَّ به» . ومنها: الاستهانة بالمصحف وإهدار حرمته، كما يفعله مَنْ لا يعتقد أن فيه كلام الله مِنْ وطئه برجله، ونحو ذلك. ومنها: أن يضل أعمى عن الطريق، وقد لعن صلى الله عليه وسلم مَن فعل ذلك، فكيف بمن أضلَّ عن طريق الله أو صراطه المستقيم. ومنها: أن يَسِمَ إنساناً أو دابة في وجهها، وقد لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم من فعل ذلك. ومنها: أن يحمل السلاح على أخيه المسلم، فإن الملائكة تلعنه. ومنها: أن يقول ما لا يفعل، قال الله تعالى {كَبُرَ مَقْتاً عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُواْ مَا لاَ تَفْعَلُونَ } ( الصف: 3) ومنها: الجدال في كتاب الله ودينه بغير علم.
723 - ومنها: إساءة الملكة برقيقه، وفي الحديث: «لا يدخل الجنة سَييِّء الملكة». ومنها: أن يمنع المحتاج فضل ما لا يحتاج إليه مما لم تعمل يَداه. ومنها: القمار، وأما اللعب بالنرد فهو من الكبائر، لتشبيه لاعبه بمن صَبغَ يده في لحم الخنزير ودمه، ولا سيما إذا أكل المال به، فحينئذ يتم التشبيه به، فإن اللعب بمنزلة غَمس اليد، وأكل المال بمنزلة أكل لحم الخنزير، ومنها ترك الصلاة في الجماعة؛ وهو من الكبائر.
724 - وقد عزم رسول الله صلى الله عليه وسلم على تحريق المتخلفين عنها، ولم يكن ليحرق مرتكب صغيره.
725 - وقد صح عن ابن مسعود أنه قال: ولقد رأيتنا وما يتخلف عن الجماعة إلا منافق معلوم النفاق، وهذا فوق الكبيرة.
726 - ومنها: ترك الجمعة، وفي صحيح مسلم: «لينتهينَّ أقوام عن وَدْعهم الجمعات أو ليختمَنَّ الله على قلوبهم ثم ليكونُنَّ من الغافلين».
727 - وفي السنن بإسناد جيد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «مَنْ ترك ثلاثَ جمع تهاوُناً طَبعَ الله على قلبه». ومنها: أن يقطع ميراث وارثه من تركته، أو يَدُله على ذلك، ويعلمه من الحيل ما يخرجه من الميراث. ومنها: الغلو في المخلوق حتى يتعدَّى به منزلته، وهذا قد يرتقي من الكبيرة إلى الشرك.
728 - وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إياكم والغلو، وإنما هلك من كان قبلكم بالغلو» .
729 - ومنها: الحسد في السنن: أنه يأكل الحسناتِ كما تأكل النارُ الحطب.
730 - ومنها المرور بين يدي المصلي، ولو كان صغيرة لم يأمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتال فاعله، ولم يجعل وقوفه عن حوائجه ومصالحه أربعيٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَآءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَآءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللَّهُ وَالرَاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ ءَامَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ }( آل عمران: 7) فقال: «إذا رأيتم الذين يتبعون ما تشابَهَ منه، فأولئك الذين سمَّى الله، فاحذروهم».
753 - وسئل صلى الله عليه وسلم عن قوله تعالى: {ياأُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيّاً } (مريم: 28) فقال: «كانوا يُسمون بأسماء أنبيائهم والصالحين من قومهم» .
754 - وفي الترمذي أنه سئل صلى الله عليه وسلم عن قوله تعالى: {وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِاْئَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ } ( الصافات: 147) كم كانت الزيادة؟ قال: «عشرة آلاف» .
755 - وسأله صلى الله عليه وسلم أبو ثعلبة عن قوله تعالى: {ياأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُمْ مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ } ( المائدة: 105)، فقال: «ائتمروا بالمعروف، وانتهوا عن المنكر، حتى إذا رأيت شُحاً مُطاعاً، وهوًى مُتبعاً، ودنيا مؤثرة، وإعجابَ كلِّ ذي رأي برأيه، فعليك بنفسك ودع عنك العوام؛ فإن من ورائكم أياماً، الصبرُ فيهن مثل القبض على الجمر، للعامل فيهن مثلُ أجر خمسين يعملون مثل عملكم» .
756 - وسئل صلى الله عليه وسلم: متى وجبت لك النبوة؟ فقال: «وآدم بين الروح والجسد» .
757 - وسئل صلى الله عليه وسلم: كيف كان بَدْء أمرك؟ فقال: «دعوة أبي إبراهيم، وبُشرَى عيسى، ورؤيا أمي، رأت أنه خرج منها ناور أضاءت له قُصور الشام» .
758 - وسأله صلى الله عليه وسلم أبو هريرة: يا رسول الله، ما أول ما رأيت من النبوة؟ قال: «إني لَفي الصحراء ابن عشرين سنة وأشهر، وإذا بكلام فوق رأسي، وإذا برجل يقول لرجل: أهو هو؟ فاستقبلاني بوجوه لم أرها لأحد قط، وأرواح لم أجدها لخَلق قَطّ، وثياب لم أرها على خلق قط، فأقبلا يمشيان حتى أخذ كل منهما بعضدي لا أجد لأخذهما مساً، فقال أحدهما لصاحبه: أضجعه، فأضجعاني بلا قصر ولا هصر، فقال أحدهما لصاحبه: افلق صدره، فحوى أحدهما صدري، ففلقه فيما أرى بلا دم ولا وجع، فقال له: أخرج الغلَّ والحسد، فأخرج شيئاً كهيئة العَلقة ثم نبذها فطرحها، ثم قال له: أدخِل الرأفة والرحمة،، فإذا مثل الذي أخرج شبه الفضة، ثم هز إبهام رجلي اليمنى فقال: اغدُ سليماً، فرجعت بها رِقة عَلى الصغير، ورحمة على الكبير» .
759 - وسئل صلى الله عليه وسلم أي الناس خير؟ قال: «القرن الذي أنا فيه، ثم الثاني، ثم الثالث» .
760 - وسئل صلى الله عليه وسلم عن أحب النساء إليه، فقال: «عائشة» ، فقيل: ومن الرجال؟ فقال: «أبوها» ، فقيل: ثم مَن؟ قال: «عمر بن الخطاب» رضي الله عنهم.
761 - وسأله صلى الله عليه وسلم علي والعباس: أي أهلك أحب إليك؟ قال: «فاطمة بنت محمد» ، قالا: ما جئناك نسألك عن أهلك؟ قال: «أحب أهلي إلي مَن أنعم الله عليه وأنعمتُ عليه أسامة بن زيد» ، قالا: ثم مَن؟ قال: «علي بن أبي طالب» . قال العباس: يا رسول الله جعلت عمك آخرهم، قال: «إن علياً سبقك بالهجرة» .
762 - وفي الترمذي أيضاً أنه صلى الله عليه وسلم سئل: أي أهل بيتك أحب إليك؟ قال: «الحسن» رضي الله عنه «والحسين» رضي الله عنه.
763 - وسئل صلى الله عليه وسلم أي الأعمال أحب إلى الله؟ فقال: «الحب في الله والبغض في الله» .
764 - وسئل صلى الله عليه وسلم عن امرأة كثيرة الصيام والصلاة والصدقة غير أنها تؤذي جيرانها بلسانها، فقال: «هي في النار» ، فقيل: إن فلانة، فذكر قلة صلاتها وصيامها وصدقتها، ولا تؤذي جيرانها بلسانها، فقال: «هي في الجنة» .
765 - وسألته صلى الله عليه وسلم عائشة فقالت: إن لي جارين فإلي أيهما أهدي؟ قال: «إلى أقربهما منك باباً» .
766 - ونهاهم عن الجلوس بالطرقات إلا بحقها، فسئل عن حق الطريق، فقال: «غَض البصر، وكف الأذى، ورد السلام، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر» .
767 - وسأله صلى الله عليه وسلم رجل فقال: إن لي مالاً ووالداً، وإن أبي احتاج مالي، فقال: «أنت ومالك لأبيك، إن أولادكم من أطيب كسبكم، فكلوا من كسب أولادكم» .
768 - وسأله صلى الله عليه وسلم رجل عن الهجرة والجهاد معه، فقال: «ألك والدان» ؟ قال: نعم، قال: «فارجع إلى والديك فأحسِنْ صُحْبَتَهما» .
769 - وسأله صلى الله عليه وسلم آخر عن ذلك، فقال: «ويحك أحية أمك» قال: نعم، قال: «ويحك، الزم رجلها فَثمَّ الجنة» .
770 - وسأله صلى الله عليه وسلم رجل من الأنصار: هل بقي عليَّ من بر أبويَّ شيء بعد موتهما؟ قال: «نعم، خِصال أربع: الصلاة عليهما، والاستغفار لهما، وإنفاذ عهدهما، وإكرام صديقهما، وصلة الرحم التي لا رَحِمَ لك إلا من قِبَلهما؛ فهو الذي بقي عليك من بِرِّهما بعد موتهما» .
771 - وسئل صلى الله عليه وسلم: ما حَقُّ الوالدين على الولد؟ فقال: «هما جنتك ونارك» .
772-ـ وسأله صلى الله عليه وسلم رجل فقال: إن لي قرابة أصلهم ويقطعوني، وأحسن إليهم، ويسيئوني، وأعفو عنهم، ويظلموني، أفأكافئهم؟ قال: «لا، إذاً تكونوا جميعاً، ولكن خذ الفضل وصِلهم، فإنه لن يزال معك ظهير من الله ما كنت على ذلك» .
773 - وعند مسلم: «لَئِنْ كنت كما قلت فكأنكما تَسِفهم الملَّ، ولن يزال معك من الله ظهير ما دمت على ذلك» .
774 - وسئل صلى الله عليه وسلم: ما حق المرأة على الزوج؟ قال: «يطعمها إذا طعم، ويكسوها إذا لبس، ولا يضرب لها وجهاً، ولا يقبح، ولا يهجر إلا في البيت» .
775 - وسأله صلى الله عليه وسلم فقال: أستأذنُ على أمي؟ قال: «نعم» ، فقال: إني معها في البيت، فقال: «استأذن عليها» ، فقال: إني خادمها، قال: «استأذن عليها، أتحب أن تراها عُرْيانة» ؟ قال: لا، قال: «استأذن عليها» .
776 - وسئل عن الاستئناس في قوله تعالى: {ياأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ لاَ تَدْخُلُواْ بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُواْ وَتُسَلِّمُواْ عَلَى أَهْلِهَا ذالِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ } ( النور: 27) قال: «يتكلم الرجل بِتَسْبيحة، وتكبيرة، وتحميدة، ويَتنَحْنَحُ ويؤذن أهل البيت» .
777 - وعطس رجل فقال: ما أقول يا رسول الله؟ قال: «قل: الحمدُ لله» ، فقال القوم: ما نقول له يا رسول الله؟ قال: قولوا له: «يرحمك الله» ، قال: ما أقول لهم يا رسول الله؟ قال: قل لهم: «يَهْدِيكم الله ويصلح بالكم».
● [ تم كتاب ] ●
روض السائلين لفتاوى سيد المرسلين
تأليف محمد بن أبي بكر بن قيم الجوزية
في أبواب متفرقة
روض السائلين لفتاوى سيد المرسلين
تأليف محمد بن أبي بكر بن قيم الجوزية