منتدى نافذة ثقافية

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

    الفن الرابع [ الفصول الثلاثة الأولى ]

    avatar
    فريق العمل


    عدد المساهمات : 85
    تاريخ التسجيل : 19/02/2015

    الفن الرابع [ الفصول الثلاثة الأولى ] Empty الفن الرابع [ الفصول الثلاثة الأولى ]

    مُساهمة من طرف فريق العمل الإثنين أغسطس 10, 2015 2:05 pm

    الفن الرابع [ الفصول الثلاثة الأولى ] Doc00010

    بّسم اللّه الرّحمن الرّحيم
    القانون فى الطب لإبن سينا
    الكتاب الأول: الأمور الكلية فى علم الطب
    الفن الرابع: وجوه المعالجات بحسب الأمراض الكلية
    الفصول الثلاثة الأولى
    الفن الرابع [ الفصول الثلاثة الأولى ] 1410
    ● [ الفصل الأول : كلام كلي في العلاج ] ●

    نقول: إن أمر العلاج يتم من أشياء ثلاثة: أحدها التدبير والتغذية، والآخر استعمال الأدوية، والثالث استعمال أعمال اليد. ونعني بالتدبير: التصرف في الأسباب الضرورية المعدودة التي هي جارية في العادة، والغذاء من جملتها. وأحكام التدبير من جهة كيفيتها مناسبة لأحكام الأدوية، لكن للغذاء من جملتها أحكام تخصه في باب الكمية لأن الغذاء قد يمنع، وقد يقلل، وقد يعدل، وقد يزاد فيه . وإنما يمنع الغذاء عند إرادة الطبيب شغل الطبيعة بنضج الأخلاط، وأنما يقلل إذا كان مع ذلك له غرض حفظ القوة فيما يغذو، ويراعي جنبة القوة وبما ينقص يراعي جنبة المادة لئلا تشتغل عنها الطبيعة بهضم الغذاء الكثير، ويراعي دائماً أهمهما، وهو القوة إن كانت ضعيفة جداً، والمرض إن كان قوياً جداً، والغذاء يقلل من جهتين: إحداهما من جهة الكمية، والآخرى من جهة الكيفية، ولك أن تجعل اجتماع الجهتين قسماً ثالثاً . والفرق بين جهتي الكمية والكيفة أنه قد يكون غذاء كثير الكمية قليل التغذية مثل البقول والفواكه، فإن المستكثر منهما مستكثر من كمية الغذاء دون كيفيته، وقد يكون غذاء قليل الكمية كثير التغذية مثل البيض، ومثل خصي الديوك، ونحن ربما احتجنا إلى أن نقلل الكيفية ونكثر الكمية، وذلك إذا كانت الشهوة غالبة وكان في العروق أخلاط نيئة، فأردنا أن نسكن الشهوة بملء المعدة وأن نمنع العروق مادة كثيرة لينضج أولاً ما فيها ولأغراض أخرى غير ذلك. وربما احتجنا أن نكثر الكيفية ونقلل الكمية، وذلك إذا أردنا أن نقوي القوة، وكانت الطبيعة الموكلة بالمعدة تضعف عن أن تزاول هضم شيء كثير. وأكثر ما يتكلّف تقليل الغذاء ومنعه إذا كنا نعالج الأمراض الحادة. وأما في الأمراض المزمنة، فإنا قد نقلل أيضاً ولكن ثقيلاً أقل من تقليلنا مما في الأمراض الحادة، لأن عنايتنا بالقوة في الأمراض المزمنة أكثر، لأنا نعلم أن بحرانها بعيد ومنتهاها بعيد، فإذا لم تحفظ القوة لم تف بالثبات إلى وقت البحران، ولم تف بنضج ما تطول مدة إنضاجه. وأما الأمراض الحادة فإن بحرانها قريب، ونرجو أن لا يخون القوة قبل انتهائها، فإن خفنا ذلك، نبالغ في تقليل الغذاء، وكلما كان المرض فيها أقرب من المبتدأ والأعراض أمكن غذاؤنا مقوين للقوة وكلما جعل المرض يأخذ في التزايد وتأخذ الأعراض في التزايد قللنا التغذية ثقة بما أسلفنا، وتخفيفاً عن القوة وقت جهاده، وعند المنتهى نلطف التدبير جداً. وكلما كان المرض أحد والبحران أقرب، لطفنا التدبير أشد، إلا أن تعرض أسباب تمنعنا من ذلك كما سنذكره في الكتب الجزئية. وللغذاء من جهة ما يغذى به فصلان آخران هما: سرعة النفوذ كحال الخمر، وبطء النفوذ كحال الشواء والقلايا، وأيضاً نحو قوام ما يتولد منه من الدم واستمساكه كما يكون من حال غذاء لحم الخنازير والعجاجيل، أو رقته وسرعة تحلله كما يكون من حال الغذاء الكائن من الشراب ومن التين. ونحن نحتاج إلى الغذاء السريع النفوذ إذا أردنا أن نتدارك سقوط القوة الحيوانية وننعشها ولم تكن المدة أو القوة تفي ريث هضم الغذاء البطيء الهضم. ونحن نتوقى الغذاء السريع الهضم إذا اتفق أن سبق غذاء بطيء الهضم، فنخاف أن يختلط به فيصيرعلى النحو الذ سبق منا بيانه. ونحن نتوقّى الغليظ عند إيقاننا حدوث السدد، لكننا نؤثرالغذاء القوي التغذية البطيء الهضم لمن أردنا أن نقويه ونهيئه للرياضات القوية، ونؤثر الغذاء السخيف لمن يعرض له تكاثف المسام سريعاً.
    وأما المعالجة بالدواء فلها ثلاثة قوانين: أحدها: قانون اختيار كيفيته، أي اختباره حاراً أو بارداً أو رطباً أو يابساً. والثاني: قانون اختيار كميته، وهذا القانون ينقسم إلى قانون تقدير وزنه، وإلى قانون تقدير كيفيته، أي درجة حرارته وبرودته وغير ذلك. والثالث: قانون ترتيب وقته. أما قانون اختيار كيفية الدواء على الإطلاق، فإنما يهتدي إليه بالوقوف على نوع المرض، فإنه إذا عرف كيفية المرض، وجب أن يختار من الدواء ما يضاده في كيفيته، فإن المرض يعالج بالضدّ والصحة تحفظ بالمشاكل. وأما تقدير كميته من الوجهين جميعاً، فيعرف على سبيل الحدس الصناعي من طبيعة العضو، ومن مقدار المرض، ومن الأشياء التي تدل بموافقتها وملايمتها التي هي الجنس والسن والعادة والفصل والبلد والصناعة والقوة والسحنة. ومعرفة طبيعة العضو تتضمن معرفة أمور أربعة: أحدها: مزاج ا لعضو، والثاني: خلقته، والثا لث: وضعه، والرا بع: قوته.
    أما مزاج العضو: فإنه إذا عرف مزاجه الطبيعي وعرف مزاجه المرضي، عرف بالحدس الصناعي أنه كم بعد من مزاجه الطبيعي، فيعرف مقدار ما يرده إليه، مثاله إن كان المزاج الصحي بارداً والمرض حاراً، فقد بعد من مزاجه بعداً كثيراً، فيحتاج إلى تبريد كثير. وإن كان كلاهما حارين كفى الخطب فيه بتبريد يسير.
    وأما من خلقة العضو: فقد قلنا أن الخلقة على كم معنى تشتمل، فليتأمل من هناك. ثم اعلم أن من الأعضاء ما هو في خلقته سهل المنافذ، وفي داخله أو خارجه موضع حال، فيندفع عنه الفضل بدواء لطيف معتدل، ومنه ما ليس كذلك، فيحتاج إلى دواء قوي، وكذلك بعضها متخلخل، وبعضها متكاثف. والمتخلخل يكفيه الدواء اللطيف، والكثيف يحتاج إلى الدواء القوي، فأكثر الأعضاء حاجة إلى الدواء القوي ما ليس له تجويف، ولا من أحد الجانبين، ولا فضاء له، ثم الذي له ذلك من جانب واحد، ثم الذي له فضاء من الجانبين لكنه ملزز كثيف كالكلية، ثم الذي له تجويف من الجانبين وهو سخيف كالرئة. وأما من وضع العضو، والوضع يقتضي كما تعلم، إما موضعاً، وإما مشاركة، والانتفاع به من علم المشاركة أخصه باختيارك جهة جذب الدواء وإمالته إليه، مثاله إنه إذا كانت المادة في حدبة الكبد استفرغناها بالبول، وإن كانت في تقعير الكبد استفرغناها بالإسهال، لأن حدبة الكبد مشاركة لأعضاء البول، وتقعيرها مشارك للأمعاء. وأما الانتفاع به من جهة علم الموضع فمن وجوه ثلاثة:.
    أحدها: بعده وقربه، فإن كان قريباً مثل المعدة وصلت إليه الأدوية المعتدلة في أدنى زمان، وفعلت فيه وقوتها باقية، وان كان بعيداً كالرئة، فإن الأدوية المعتدلة نفسها قواها قبل الوصول إليه، فيحتاج أن يزاد في قواها. فالعضو القريب الذي يلقاه الدواء، يجب أن يكون قوة الدواء له بالقدر المقابل للعلة، وإن كان بينهما بعد وبون، وهو داء يحتاج لدواء في أن ينفذ إليه إلى قوة غائصة، فيحتاج أن تكون قوة الدواء أكثر من المحتاج إليه مثل الحال في أضمدة عرق النسى وغيره.
    والوجه الثاني، أن يعرف ما الذي ينبغي أن يخلط بالأدوية ليسرع إيصالها إلى العضو، كما يخلط بأدوية أعضاء البول المدرات وبأدوية القلب الزعفران.
    والوجه الثالث، أن يعرف جهة إتصال الدواء إليه مثلاً أنا إذا عرفنا أنَ القرحة في الأمعاء السفلى أوصلناه بالحقنة، أو حدسنا بأنها في الأمعاء العليا أوصلناه بالشراب. وقد ينتفع بمراعاة الموضع والمشاركة معاً، وذلك فيما ينبغي أن يفعله والمادة منصبة بتمامها إلى العضو، وما ينبغي أن يفعله والمادة بعد في الانصباب حتى إن كانت في الانصباب بعد جذبناها من موضعها بعد مراعاة شرائط أربع:
    إحداها: مخالفة الجهة كما يجذب من اليمين إلى اليسار ومن فوق إلى أسفل.
    والثانية: مراعاة المشاركة كما يحبس الطمث يوضع المحاجم على الثديين جذباً إلى الشريك.
    والثالثة: مراعاة المحاذاة كما يفصد في علل الكبد الباسليق الأيمن وفي علل الطحال الباسليق الأيسر.
    والرابعة: مراعاة التبعيد في ذلك لئلا يكون المجذوب إليه قريباً جداً من المجذوب منه، وأما إن كانت المادة منصبّة فينتفع بالأمرين من جهة أنا إما أن نأخذها من العضو نفسه، أو ننقلها إلى العضو القريب المشارك ونخرجها منه، كما يفصد الصافن في علل الرحم، والعرق الذي تحت اللسان في علاج ورم اللوزتين. ومتى أردت أن تجذب إلى الخلاف، فسكن أولاً وجع العضو المجذوب عنه وأن تنظر حتى لا يكون المجاز على رئيس. وأما الانتفاع من جهة قوة العضو فمن طرق ثلاثة: إحداها: مراعاة الرياسة والمبدئية، فإنا لا نخاطر على الأعضاء الرئيسة بالأدوية القوية ما أمكن، فيكون قد عممنا البدن بالضرر، ولذلك لا نستفرغ من الدماغ والكبد ما يحتاج أن نستفرغه منهما دفعة واحدة، ولا نبرّدهما تبريداً شديد البتة، وإذا ضمدنا الكبد بأدوية محللة، لم نخلها من قابضة طيبة الريح لحفظ القوة، وكذلك فيما نسقيه لأجلها. وأولى الأعضاء بهذه المراعاة القلب، ثم الدماغ، ثم الكبد. والطريق الثانية: مراعاة الفعل المشترك للعضو، وأن لم يكن رئيساً مثل المعدة والرئة، ولذلك لا نسقي في الحميّات مع ضعف المعدة ماء بارداً شديد البرودة. واعلم أن استعمال المرخيّات على الرئيسة وما يتلوها صرفة خطر جداً في الجملة. والطريق الثالث: مراعاة ذكاء الحسّ وكلاله، فإن الأعضاء الذكية الحس العصبية يجب أن يتوقّى فيها استعمال الأدوية الردية الكيفية واللذاعة والمؤذية كاليتّوعات وغيرها عليها. والأدوية التي يتحاشى عن استعمالها ثلاثة أصناف: المحلّلات، والمبرّدات بالقوة، والتي لها كيفيات مخالفة، كالزنجار وأسفيذاج الرصاص والنحاس المحرق وما أشبهها. فهذا هو تفصيل اختبار المواء بحسب طبيعة العضو. وأما مقدار المرض فإن الذي يكون مثلاً حرارته العرضية شديدة، فيحتاج أن تطفأ بدواء أشد برودة، والذي يكون برودته العرضية شديدة، فيحتاج إلى أن يسخنه أشد تسخيناً، وإذا لم يكونا قويين اكتفينا بدواء أقل قوة. وأما وقت المرض فإن نعرف المرض في أي وقت من أوقاته، مثلاً الورم إن كان في الابتداء استعملنا عليه ما يردع وحده، وإن كان في المنتهى استعملنا ما يحلل وحده، وأما فيما بين ذينك فتخلطهما جميعاً. وإن كان المرض حاداً في الابتداء لطفنا التدبير تلطيفاً معتدلاً، وإن كان إلى المنتهى بالغنا في التلطيف، وأن كان مزمناً لم نلطف في الإبتداء ذلك التلطيف عند الانتهاء. على أن كثيراً من الأمراض المزمنة غير الحميات يحللها التدبير الملطف . وأيضاً إن كان المريض كثير المادة هائجاً، استفرغنا في الابتداء ولم ننتظر النضج، وإن كان معتدلاً أنضجنا، ثم استفرغنا. وأما الاستدلال من الأشياء التي تدل بملاءمتها فهو سهل عليك تعرفه، والهواء من جملتها أولى ما يجب أن يراعى أمره وهل هو معين للدواء أو للمرض.
    ونقول: الأمراض التي يكون فيها خطر ولا يؤمن فوت القوة مع تأخر الواجب أو التخفيف فيه، فالواجب أن يبدأ فيها بالعلاج القوي أولاً، والتي لا خطر فيها يتدرّج إلى الأقوى إن لم يغن الأخف. وإياك أن تهرب عن الصواب لأن تأثيره يتأخر، وأن تقيم على الغلط لأن ضرره لا يتدبر، ومع ذلك فليس يجب أن تقيم على علاج واحد بدواء واحد، بل تبدل الأدوية، فإن المألوف لا ينفعل عنه ، ولكل بدن، بل بكل عضو، بل للبدن والعضو في وقت دون وقت خاصة في الانفعال عن دواء دون دواء.
    وإذا أشكلت العلة فخل بينها وبين الطبيعة، ولا تستعجل فإن الطبيعة إما أن تقهر العلة، وإما أن تظهر العلة. وإذا اجتمع مرض مع وجع، أو شبيه وجع، أو موجب وجع، كالضربة والسقطة، فابدأ بتسكين الوجع، وأن احتجت إلى التخدير، فلا تجاوز مثل الخشخاش، فإنه مع تخديره مألوف مأكول. وإذا بليت بشدة حس العضو فاغذ بما يغلظ الدم جداً، كالهرائس، وإن لم تخف التدبير فاغذ بالمبردات كالخس ونحوه. واعلم أن من المعالجات الجيدة الناجعة الاستعانة بما يقوي القوى النفسانية والحيوانية كالفرح ولقاء ما يستأنس به، وملازمة من يسر به، وربما نفعت ملازمة المحتشمين ومن يستحيا منهم، فمنعت المريض عن أشياء تضره. ومما يقارب هذا الصنف من المعالجات، والانتقال من بلد إلى بلد، ومن هواء إلى هواء، والانتقال من هيئات إلى هيئات، وتكلف هيئات وحركات يستوي بها عضو ويصير بمزاج، مثل ما يكلف الصبي الأحول من النظر الشديد إلى شيء يلوح له، ومثل ما يكلف صاحب القوة من النظر في المرآة الضيقة، فإن ذلك أدعى له إلى تكليف تسوية وجهه وعينيه، فربما عاد بالتكلف إلى الصلاح. ومما يجب أن تخفظه من القوانين أن تترك المعالجات القوية في الفضول القوية ما استطعت من مثل الإسهال القوي، والكي والبط والقيء في الصيف والشتاء. ومن الأمور التي تحتاج في علاجها إلى نظر دقيق، أن يجتمع في مرض واحد استحقاقان متضادان، ويستحق المرض مثلاً تبريداً، وسببه تسخيناً مثل ما تقضي الحمى تبريداً والسدد التي يكون سبباً للحمى تسخيناً، أو بالعكس، وكذلك أن يستحقّ المرض مثلاً تسخيناً وعرضه تبريداً، مثل ما تستحق مادة القولنج تسخيناً وتقطيعاً، وتستحق شدّة وجعه تبريداً وتخديراً، أو بالعكس. واعلم أنه ليس كل امتلاء وكل سوء مزاج يعالج بالضد من الاستفراغ والمقابلة، بل كثيراً ما يكفي حسن التدبير المهم في الامتلاء وسوء المزاج.

    الفن الرابع [ الفصول الثلاثة الأولى ] Fasel10

    بّسم الله الرّحمن الرّحيم
    ● [ الفصل الثاني : معالجات أمراض سوء المزاج ] ●

    أما ما كان منه بلا مادة، فإنما نبذل سوء المزاج فقط، وإن كان مع مادة، فإنا نستفرغها، وربما كفانا الاستفراغ وحده إن لم يتخلّف عنه سوء المزاج لتمكنه السالف، وربما لم يكفنا ذلك إن خلف سوء المزاج، بل يحتاج إلى تبديل المزاج بعد الفراغ من الاستفراغ.
    ونقول: إن معالجة سوء المزاج أصناف ثلاثة، لأن سوء المزاج، إما أن يكون مستحكماً فيكونا علاجه بالضد على الإطلاق، وهذا هو المداواة المطلقة، فإما أن يكون في حد الكون وإصلاحه مداواة مع التقدم بالحفظ بمنع السبب، ومنه ما يريد أن يكون ويحتاج فيه إلى منع السبب فقط، ويسمى التقدم بالحفظ. مثال المداواة، معالجة عفونة حمّى الربع بالترياق وسقي الماء البارد في الغب ليطفي. ومثال المداواة والتقدم بالحفظ، الاستفراغ في الربع بالخربق وفي الغب بالسقمونيا إذا أردنا بذلك أن نمنع ابتداء نوبة تقع. ومقال التقدم بالحفظ مفرداً، استفراغ المستعدّ لحمى الربع لغلبة السوداء بالخربق، ولحمى الغب لغلبة الصفراء بالسقمونيا. وإذا أشكل عليك شيء من الأمراض سببه حر أو برد وأردت أن تجرب، فلا تجربن بمفرط، وانظر كي لا يغرك التأثير الذي بالعرض.
    واعلم أن التبريد والتسخين مدتهما سواء، لكن الخطر في التبريد أكثر، لأن الحرارة صديقة الطبيعة، وأنّ الخطر في الترطيب والتيبيس سواء، لكن مدة الترطيب أطول والرطوبة واليبوسة، كل واحدة منهما يحفظ بتقوية أسبابها، وتبذل بتقوية أسباب ضدها. والحرارة تقوى بالأسباب التي فرغنا من ذكرها، ثم بالمنعشات وهي نفض الثفل والامتلاء وتفتيح السدد، ثم بما يحفظها وهو الرطوبة المعتدلة. والبرودة تقوى بتقوية أسبابها أوتخنق، الحرارة، وبما يفرط تحليلها وهو اليبوسة بالذات والحرارة بالعرض. والمعالج فرط الحرارة بتفتيح السدد، ينبغي أن يتوقى التبريد المفرط لئلا يزيد في تحجّر السدة، فيزيد في سوء المزاج الحار، بل ينبغي أن يترفق، فيعالج أولاً مما يجلو، فإن كفى جال مبرد كماء الشعير وماء الهندبا فبها ونعمت، وإن لم يقنع ذلك، فبما يكون معتدلاً، فإن لم يقنع، فبما فيه حرارة لطيفة، ولا يبالي من ذلك، فإن نفع تفتيحه في التبريد أكثر من ضرر تسخينه السهل التطفئة بعد التفتيح، وربما منع فرط التطفئة من نضج الأخلاط الحادة. وإن كان بعض الناس مصرًّا على إبطال هذا الرأي، وليس يدري أنّ التطفئة القوية تسقط القوة ولا سيما التي ضعفت بالمرض، وإن كانت تصلح من المادة فضل إصلاح، فإنها قد تعقب أمراضاً أخرى، إما من سوء مزاج بارد مفرد، وأما مع مواد مضادة للمواد التي أصلحها. وأما تسخين المزاج البارد فكأنه صعب إذا كان قد استحكم، وغاية من السهولة في الابتداء. وبالجملة، فإن تسخين البارد في ابتداء الأمر أسهل من تبريد التسخين في الابتداء، لكن تبريد التسخين في الانتهاء وإن كان صعباً أسهل من تسخين البارد في الانتهاء، لأن البرودة البالغة هي موت من الغريزة أو مساوقة له . واعلم أن التبريد قد يقارن التيبيس وقد يقارن الترطيب وقد يخلو منهما. والتيبيس أشدّ إثباتاً للبرودة التي قد حدثت. والترطيب أشد جلباً للبرودة المستحدثة. وقد يعين في التيبيس جميع أسباب الحرارة إذا أفرطت، ويعين في الترطيب جميع أسباب البرودة إذا أفرطت، ولا يبلغ فيه شيء مبلغ الدعة والاستحمام الدائم الخفيف والأبزن، وقد فرغنا من هذا فيما سلف. وشرب الممزوج قوي في الترطيب.
    واعلم أن الشيخ إذا احتاج إلى تبريد وترطيب، فإنه لا يكفيه من ذلك ما يرقه إلى الاعتدال، بل ما يجاوز ذلك إلى مزاجه البارد الرطب الذي وقع له، فإنه وان كان عرضياً فهو له كالطبيعي. ويجب أن تعلم أنه كثيراً ما يحوج في تبديل مزاج ما إلى أن تستعمل ما يقوي ذلك المزاج مخلوطاً بما يضافه مثل ما يحوج إلى استعمال الخل مع الأدوية المسخنة لعضو ما حتى تعوض قوّتها ومثل ما يحوج إلى استعمال الزعفران في الأدوية المبردة للقلب ليوصلها إليه، وكثيراً ما يكون الدواء قوي التأثير في تغيير المزاج، إلا أنه يلطفه لا يلبث ريث ما يفعل فعله فيحتاج أن يخلط به شياً يكثفه ويحبسه، وإن كان موجباً لضد فعله مثل ما يخلط بدهن البلسان الشمع وغيره ليحبسه على العضو مدة يفعل فيها فعله.

    الفن الرابع [ الفصول الثلاثة الأولى ] Fasel10

    بّسم الله الرّحمن الرّحيم
    ● [ الفصل الثالث : أنه كيف ومتى يجب أن يستفرغ ] ●

    الأشياء التي تدل على صواب الحكم في الاستفراغ عشرة :
    الإمتلاء، والقوة، والمزاج، والأعراض الملائمة مثل أن تكون الطبيعة التي تريد إسهالها لم يعرض لها إسهال، فإن الإسهال على الإسهال خطر، والسحنة، والسنّ، والفصل، وحال هواء البلد، وعادة الاستفراغ، والصناعة. وهذه إذا كانت على ضد جهة دلالة تقتضي الاستفراغ، منعت من الاستفراغ فالخلاء لا محالة يمنع من الاستفراغ، وكذلك ضعف أي قوة كانت من الثلاث، إلا أنا ربما آثرنا ضعف قوة ما على ضرر ترك الاستفراغ، وذلك في القوى الحسية والحركية إذا رجونا تدارك الأمر الخطير إن وقع، وذلك في جميع القوى. والمزاج الحار اليابس يمنع منه، والبارد الرطب لعدم الحرارة أو ضعفها يمنع منه أيضاً. وأما الحار الرطب فالترخيص فيه شديد، وأما السحنة، فإن الإفراط في القضافة والتخلخل يمنع منه خوفاً من تحلل الروح والقوة، ولذلك فإن الواجب عليك في تدبير الضعيف النحيف الكثير المرار في الدم أن تداريه ولا تستفرغه، وتغذيه بما يولّد الدم الجيد المائل إلى البرد والرطوبة، فربما أصلحت بذلك مزاج خلطه، وربما قويته فيحتمل الاستفراغات، وكذلك لا يجب أن يقدم على استفراغ القليل إلاً كل عادة ما وجدت عن استفراغه محيصاً. والسمن المفرط أيضاً يمنع منه خوفاً من استيلاء البرد وخوفاً من أن يضغط اللحم العروق ويطبقها إذا استخلاها، فيخنق الحرارة أو يعصر الفضول إلى الأحشاء.
    والأعراض الرديئة أيضاً مثل الاستعداد للذرب والتشنّج تمنع منه، والسن القاصر عن تمام النشو والمجاوز إلى حد الذيول يمنع منه. والوقت القائظ والبارد جداً يمنع منه، والبلد الجنوبي الحار جداً مما يحرز ذلك، فإن أكثر المسهلات حادة، واجتماع حادّين غير محتمل، ولأن القوى تكون ضعيفة مسترخية ولأن الحر الخارج يجذب المادة إلى خارج والدواء يجذبه إلى داخل، فتقع مجاذبة تؤدي إلى تقاوم، والشمالي البارد جداً يمنع منه، وقلة الاستفراغ تمنع منه، والصناعة الكثيرة الاستفراغ، كخدمة الحمام والحمالية تمنع منه. وبالجملة كل صناعة متعبة. وينبغي أن تعلم أن الغرض في كل استفراغ أحد أمور خمسة: استفراغ ما يجب استفراغه وتعقبه لا محالة راحة، إلا أن يتعقبه إعياء الأوعية، أو ثوران الحرارة، أو حمى يوم، أو مرض آخر مما يلزم، كسحج الإسهال للأمعاء وتقريح الإدرار للمثانة وهذا وإن نفع فلا يحس بنفعه، بل ربما أدى في الحال إلى أن يزول العارض. والثاني: تأمل جهة ميله، كالغثيان ينقى بالقيء والمغص بالإسهال. والثالث: عضو مخرجه من جهة ميله. كالباسليق الأيمن لعلل الكبد لاالقيفال الأيمن فإنه إن أخطأ في مثال هذا ربما جلب خطر أو يجب أن يكون عضو المخرج أخس من المستفرغ منه لئلا تميل المادة إلى ما هو أشرف. ويجب أن يكون مخرجه منه طبيعياً كأعضاء البول لحدبة الكبد والأمعاء لتقعيرة وربما كان العضو الذي يندفع منه هو العضو الذي يجب اْن يستفرغ منه، لكن به علة أو مرض يخاف عليه من مرور الأخلاط به فيحتاج أن يمال إلى غيره مما هو أصوب، وربما خيف عليه من غلبة الأخلاط مرض مثل ما يندفع من العين إلى الحلق، فربما خيف منه الخناق، فيجب أن يرفق في مثله. والطبيعة قد تفعل مثل هذا فيستفرغ من غير جهة العادة صيانة لذلك العضو عند ضعفه وربما كان ما تستفرغه الطبيعة من الجهة البعيدة المقابلة يبقى معه إسهال مثل ما يندفع من الرأس إلى المقعدة أو إلى الساق والقدم، فإنه لا يعلم بالحقيقة كان من الدماغ كله أو من بطن واحد. والرابع: وقت استفراغه، وجالينوس يجزم القول: بأن الأمراض المزمنة ينتظر فيها النضج لا غير، وقد علمت النضج ما هو. وقيل الاستفراغ وبعد النضج يجب فيها أن يسقى من الملطفات كماء الزوفا والحاشا والبزور. وأما في الأمراض الحادة، فالأصوب أيضاً انتظار النضج، وخصوصاً إن كانت ساكنة، وأما إن كانت متحركة فالبدار إلى استفراغ المادة أولى، إذ ضرر حركتها أكثر من ضرر استفراغها قبل نضجها، وخصوصاً إذا كانت الأخلاط رقيقة، وخصوصاً إذا كانت في تجاويف العروق غير متداخلة للأعضاء. وأما إذا كان الخلط محصوراً في عضو واحد فلا يحرك البتة حتى ينضج ويحصل له القوام المعتدل على ما علمته في موضعه، وكذلك إن لم يؤمن ثبات القوة إلى وقت النضج استفرغناها بعد احتياط منا في معرفة وقتها وغلظها، فإن كانت ثخينة لحمية غليظة لم يجز لك أن تحركها إلا بعد الترقيق، ويستدل على غلظها من تقدم تخم سالفة، ووجع تحت الشراسيف ممدد أو حدوث أورام في الأحشاء. ومن أوجب ما تراعيه في مثل هذه الحال، حال المنافذ حتى لا تكون منسدة، وبعد هذا كله فلك أن تسهل قبل النضج. واعلم أن استفراغ المادة وقلعها من موضعها يكون على وجهين: أحدهما بالجذب إلى الخلاف البعيد، والآخر بالجذب إلى الخلاف القريب. وأولى أوقاته أن لا يكون في البدن امتلاء، ولا من المواد توجه، ولنفرض رجلاً يسيل من على فمه دم كثير وامرأة مفرطة سيلان بواسيرها، فنحن لا نخلو إما أن نستفرغ بإمالته إلى الخلاف القريب، فيكون الواجب إمالة تلك المادة في الأول إلى الأنف بالترغيف، وفي الثاني إلى الرحم بإحدار الطمث. فإن أردنا أن نجذب إلى الخلاف البعيد، استفرغنا الدم في الأول من العروق والمواضع التي في أسفل البدن، وفي الثاني من العروق والمواضع التي في أعلى البدن. والخلاف البعيد لا يجب أن يباعد في قطرين بل في قطر واحد، وهو القطر الأبعد، فإنه إن كانت المادة في الأعالي من اليمين، فلا يجذبها إلى الأسافل من الشمال، بل إما إلى الأسافل من اليمين نفسه وهو الأوجب، وإما إلى اليسار من العلو إن كان بعيداً عنه بعد المنكب من المنكب، ولم يكن حاله كحال جانبي الرأس، فإنه إذا كانت المادة إلى يمين الرأس أميلت إلى الأسافل لا إلى اليسار، لماذا أردت أن تجذب مادة إلى البعد، فسكن وجع الموضع أولاً لتقل مزاحمته بالجذب، فإن الوجع جذاب وإذا استعصى إلى حيث يجذبه فلا يعنف، فربما حركه التعنيف ورقّقه ولم ينجذب فصار أسرع ميلاً إلى الموضع الموجوع، وربما كفاك أن يجذب، وإن لم يستفرغ، فإن الجذب نفسه يمنع توجهه إلى العضو وإن لم يخرجه، فيكون الجذب نفسه يبلغ الغرض، وإن لم تستفرغ معه بل اقتصرت على ميل الشد على الأعضاء المقابلة أو المحاجم أو الأدوية المحمرة، وبالجملة بما يولد إيلاماً ما. وأسهل المواد استفراغاً ما هو في العروق. وأما في الأعضاء والمفاصل فإنها قد يصعب إخراجها واستفراغها، ولا بد أن يخرج في استفراغها معها غيرها. والمستفرغ يجب أن لا يبادر إلى تناول أغذية كثيرة ونية فتجذبها الطبيعة غير مهضومة، فإن وجب شيء من ذلك فيجب أن يكون قليلاً قليلاً شيئاً بعد شيء حتى يكون بالتدريج، ويكون الداخل في البدن مهضوماً جيداً. والقصد هو الاستفراغ الخاص للأاخلاط الزائدة بالسوية، وأما الاستفراغ الخاص بخلط يكثر وحده في كميته أو يفسد في كيفيته فهو غير القصد وكل استفراغ أفرط، فإنه يحدث حمى في الأكثر، ومن أورثه انقطاع إسهال كان معتادة علة فمعاودة ذلك الاستفراغ، يبرئها في الأكثر مثل من أورثه انقطاع وسخ أذنه أو مخاط أنفه سدداً، فإن عودهما ما يذهب بها. واعلم أن إبقاء بقية من المادة التي يحتاج إلى استفراغها أقل من الاستقصاء في الاستفراغ والبلوغ به إلى أن تخور القوة. وكثيراً ما تحلل الطبيعة تلك البقية، وما دام الخلط المستفرغ من الجنس الذي ينبغي، والمريض يحتمله، فلا تخف من الإفراط. وربما احتجت أن تستفرغ إلى الغشي ومن كانت قوته قوية ومادة أخلاطه الرديئة كثيرة، فاستفرغها قليلاً قليلاً، وكذلك إذا كانت المادة شديدة التلحج، أو شديدة الاختلاط بالدم، ولا يمكن أن تستفرغ دفعة واحدة كما يكون في عرق النساء وفي أوجاع المفاصل المزمنة وفي السرطان والجرب المزمن والدماميل المزمنة اعلم أن الإسهال يجذب من فوق ويقلع من تحت فهو موافق للجذبين المخالف والموافق، وموافق أيضاً بعد استقرار المواد، فإذا كانت المواد من تحت جذبها إلى خلاف، وقلعها أيضاً من حيث هي والقيء يفعل الجذب والقلع بالعكس والفصد يختلف حاله بحسب المواضع التي منها يؤخذ الدم على ما علمت. وأقل الناس حاجة إلى الاستفراغ من كان جيد الغذء جيد الهضم. وأصحاب البلدان الحارة قليلو الحاجة إلى الاستفراغ.

    ● [ يتم متابعة : وجوه المعالجات بحسب الأمراض الكلية ] ●

    الفن الرابع [ الفصول الثلاثة الأولى ] Fasel10

    القانون فى الطب لإبن سينا
    الكتاب الأول: الأمور الكلية فى علم الطب
    منتدى حُكماء رُحماء الطبى . البوابة

    الفن الرابع [ الفصول الثلاثة الأولى ] E110


      الوقت/التاريخ الآن هو الجمعة نوفمبر 22, 2024 2:59 am