بّسم اللّه الرّحمن الرّحيم
الباب الثالث
الأمثال المضروبة في أوله تاء
المثل المضروب
تمرد مارد وعز الأبلق
تفسير هذا المثل
يضرب مثلاً للرجل العزيز المنيع، الذي لا يقدر على اهتضامه. والمثل للزباء الملكة. ومارد: حصن دومة الجندل. والأبلق: حصن تيماء. وكانت الزباء أرادت هذين الحصنين، فامتنعا عليها، فقالت: تمرد مارد وعز الأبلق، وعز، أي امتنع من الضيم. وسمي الله تعالى عزيزاً؛ لأن الضيم لا يلحقه، وقال أبو كبير الهذلي:
حتى انتهيت إلـى فـراش عـزيزة * سوداء روثة أنفها كالمخصف
يعني عقاباً ممتنعةً في أعلى جبل، ويجوز أن يكون أصل العزيز من قولهم: من عز بز أي من غلب سلب، فيكون العزيز الغالب، والعزيز أيضاً: القليل، يقال: شيء عزيز، وقد عز، إذا قل. وقيل: أصل العزيز من الأرض العزاز، وهي الأرض الصلبة التي لا تؤثر فيها الأقدام، ولا تعمل فيها المناقير، والعزيز: الذي لا يؤثر فيه الضيم. وقولها: تمرد، يقال: تمرد الرجل، إذا تجرد من الخير، وأصله من قولهم: شجرة مرداء، إذا لم يكن عليها ورق، وغلام أمرد: لا شعر على وجهه. وكانوا يقولون للأبلق: الأبلق الفرد؛ قال الأعشى:
بالأبلق الفرد من تيماء منزله * حصن حصين وجار غير غدار
قال: تحسبها حمقاء وهي باخس
المثل المضروب
تحقره وينتأ
تحت طريقته عندأوة
تفسير هذا المثل
يضرب مثلاً للرجل تزدريه لسكوته، وهو يجاذبك وينقصك حقك، والبخس: النقصان. وفي القرآن: بثمن بخس، أي مبخوس. وتحقره وينتأ أي تحقره وهو يرتفع ليأخذ ما ليس له، وقال الأصمعي: يضرب مثلاً للرجل تستصغره وهو يعظم، ولم تعرف أصله، ونحوه قول وعلة:
والشيء تحقره وقد ينمي
وقول الآخر: الشر يبدؤه في الأصل أصغره
وقوله: الشر يبدؤه صغاره
وهذا قريب معناه من معنى المثل، وليس منه. والطريقة: الضعف. ورجل مطروق: أي ضعيف. وبه طريقة، وماء مطروق: قد خاضته الإبل، وبالت فيه وبعرت، وطرق أيضاً، ونخلة طريق، أي طويلة ملساء، وقيل: هي التي تتناول باليد.
المثل المضروب
تبلدي تصيدي
تفسير هذا المثل
يقال ذلك للذي يظهر التبلد ونيته الوثبة. والتبلد: التحير. والبلادة: خلاف الذكاء، وروى ثعلب: اقصدي تصيدي قال: يضرب مثلاً للرجل يعدل عن الحق، أي اطلب الحق تنتفع به. وقيل: أصل التبلد أن يضرب إحدى راحتيه على الأخرى. البلدة: الراحة، وروى أيضاً: تلبدي تصيدي، أي التصقي بالأرض.
المثل المضروب
تجنب روضةً وأحال يعدو
تفسير هذا المثل
يضرب مثلاً للرجل تعرض عليه الكرامة فيأباها، ويختار الهوان عليها، ومعناه: ترك الخصب، واختار الشقاء والجدب. ونحو هذا وإن لم يكن منه قول الشاعر:
أقول بالمصر لما كظني شبعي * ألا سبيل إلى أرض بها الجوع
وكان هذا يحب الجوع في الوطن، ويكره الشبع في الغربة، وكان الجوع عادةً لأهل البدو، والمكروه إذا اعتيد سهل. وذكر بعضهم لرجل بلاغة العرب فقال: لولا أن العود أجوف لم يكن له صوت، قد منع القوم الطعام، وأعطوا الكلام، والديك أشد ما يكون صفاء صوت وأبعده إذا كان جائعاً.
المثل المضروب
ترك ظبي ظله
تفسير هذا المثل
قال الأصمعي: يضرب مثلاً للرجل يخرج من مقام خفض إلى شقاء وبؤس، وقال غيره: يضرب مثلاً للرجل يتهدد صاحبه بالهجران والقطيعة. وذلك أن الظبي إذا نفر من شيء لم يرجع إليه أبداً، قال أبو العالية الشامي:
وكاشح رقـيت مـنـه صـله * بالعفو عن هفوته والزله
حتى سللت ضغنـه وغـلـه * وطـامح ذي نـخـوة مـذله
حمـلـتـه عـلـى شــبـاة أله * ولم أمل الشـر حتى ملـه
وشـنـج الـراحة مـقـفعـله * ما إن تـبـض كـفـه بـبـله
لمـا ذمـمـــت دقـه وجــله * تركـتـه تـرك ظـبـي ظـلـه
وقريب من هذا المثل قولهم: هذا أمر لا تبرك عليه الإبل، وذلك أن الإبل إذا أنكرت الشيء نفرت منه، فذهبت في الأرض، ولا يجمعها الراعي إلا بتعب.
المثل المضروب
تجوع الحرة ولا تأكل بثدييها
تفسير هذا المثل
يضرب مثلاً للرجل يصون نفسه في الضراء، ولا يدخل فيما يدنسه عند سوء الحال، ومعناه أن الحرة تجوع ولا تكون ظئراً لقوم على جعل تأخذ منهم، فيلحقها عيب. وكان أهل بيت زرارة حضان الملوك، فافتخر بذلك حاجب بن زرارة، فقال:
حللنا بـأثناء العذيب ولم تكن * تحـل بـأثـنـــاء العذيب الركائب
لنكسب مالاً أو نصـيب غنيمةً * وعند ابتلاء النفس تحوى الرغائب
حضنا ابن ماء المزن وابن محرق * إلى أن بدت منهم لحىً وشوارب
فعابه الناس وقالوا: ما رأينا من يفتخر بالمعائب غيره، وذلك أن الظئر خادمة، والخدمة تضع ولا ترفع. وقيل: تجوع الحرة ولا تأكل بثدييها أي ولا تهتك نفسها، وتبدى منها ما لا ينبغي أن يبدى.
والمثل للحارث بن سليل الأسدي، وذلك أنه زار علقمة بن خصفة الطائي، وكان شيخاً كبيراً، وكان حليفاً له، فنظر إلى ابنته الزباء، وكانت من أحسن أهل دهرها، فأعجب بها فقال له: أتيتك خاطباً وقد ينكح الخاطب، ويدرك الطالب، ويمنح الراغب، فقال له علقمة: أنت كفء كريم، يؤخذ منك العفو، ويقبل منك الصفو، فأقم ننظر في أمرك، ثم انكفأ إلى أمها فقال: إن الحارث بن سليل سيد قومه حسباً ومنصباً وبيتاً، وقد خطب إلينا الزباء، فلا ينصرفن إلا بحاجته، فقالت امرأته لابنته: أي الرجال أحب إليك؛ الكهل الجحجاح، الواصل المياح، أم الفتى الوضاح? قالت: لا؛ بل الفتى الوضاح، قالت: إن الفتى يعيرك، وإن الشيخ يميرك، وليس الكهل الفاضل، الكثير النائل كالحدث السن، الكبير المن، قالت: يا أمتاه، إن الفتاة تحب الفتى كحب الرعاء أنيق الكلا، قالت: أي بنية، إن الفتى شديد الحجاب، كثير العتاب، قالت: إن الشيخ يبلي شبابي، ويدنس ثيابي، ويشمت بي أترابي، فلم تزل بها أمها حتى غلبتها على رأيها، فتزوجها الحارث على خمسين ومائة من الإبل وخادم، وألف درهم، فابتنى بها، ثم رحل بها إلى قومه، فبينا هو ذات يوم جالس بفناء قبته وهي إلى جانبه، إذ أقبل شباب من بني أسد يعتلجون، فتنفست الصعداء، ثم أرخت عينيها بالبكاء، فقال لها: ما يبكيك? قالت: مالي وللشيوخ، الناهضين كالفروخ، فقال لها: تكلتك أمك! تجوع الحرة ولا تأكل بثدييها! فذهبت مثلاً، ثم قال لها: أما وأبيك لرب غارة شهدتها، وسبية أردفتها، وخمرة شربتها، فالحقي بأهلك فلا حاجة لي فيك. وقال:
تهزأت أن رأتني لابساً كبراً * وغاية الناس بين الموت والكبر
فإن بقيت لقيت الشيب راغمةً * وفي التعرف ما يمضي من العبر
فإن يكن قد علا رأسي وغيره * صرف الزمان وتغيير من الشعر
فقد أروح للذات الفتى جذلاً * وقد أصيب بها عيناً من البقر
عني إليك فإني لا يوافقني * عور الكلام ولا شرب على الكدر
ومن أمثالهم في الحر قولهم: الحر في كل زمان حر. وقول ابن المفرغ:
الـعـبـد يقـرع بـالعصا * والحر تكفيه الملامه
وقال غيره:
الـعـبـد يقـرع بـالعصا * والحر تكفيه الإشاره
المثل المضروب
تسألني برامتين سلجما
تفسير هذا المثل
يضرب مثلاً للملتمس ما لا يجد. وأصله أن امرأةً طلبت من زوجها سلجماً في قفر من الأرض، يقال له: رامة، وضم إليها مكاناً يقرب منها فثنى، كما يقولون: العمران والقمران. والسلجم بالسين أصله سلجم، فارسي أعرب، فجعل شينه سيناً، كما قالوا في أشمويل: إسماعيل، وقالوا: السوس لهذا البلد، وهو شوش، وربما جعلوا السين في التعريب شيناً، كما قالوا في سباط: شباط، وفي تسرين: تشرين، وهو هذا الشهر الرومي، وليس للروم شين معجمة.
والمثل من جملة أرجوزة أولها:
تسألني برامتين سلجما * إنك إن سألت شيئاً أمما
جاء به الكرى أو تجشما
وقريب من هذا المثل قول الأغلب:
وشر ما رام امرؤ ما لم ينل
المثل المضروب
تمشي رويداً وتكون الأولا
تمام الربيع الصيف
تفسير هذا المثل
● تمشي رويداً وتكون الأولا
يراد به: أنه يدرك حاجته في تؤدة، ومثله:
يريك الهوينى والأمور تطير
---------------------------------------------------
● تمام الربيع الصيف
يضرب مثلاً في استنجاح تمام الحاجة، وأصله في المطر، فالربيع أوله والصيف آخره.
المثل المضروب
التمر في البئر
تفسير هذا المثل
يراد به: من عمل عملاً كان له مرجوعه. وأصله أن منادياً كان يقوم في الجاهلية على أطم من آطام المدينة حين يدرك البسر، فينادي: التمر في البئر، أي أكثروا من سقي نخلكم، فإن من سقى وجد عاقبة سقيه في تمره.
وهذا من مختصر الكلام، ونحوه قول الراجز:
جدي لكل عامل ثواب * الرأس والأكرع والإهاب
وقولهم: رب شد في الكرز. وقول أبي تمام:
رب خفض تحت السرى وغناء * من عناء ونضرة من شحوب
المثل المضروب
تركه على مثل مقلع الصمغة
تركه على مثل ليلة الصدر
تركه أنقى من الراحة
تفسير هذا المثل
معناه: اجتاح ماله، فلم يترك له شيئاً. والصمغة إذا قلعت بقي مكانها عارياً لا شيء فيه.
والمعنى في ليلة الصدر أن الناس إذا صدروا عن الماء بقي خالياً لا شيء فيه.
ومثله قولهم: تركه أنقى من الراحة والراحة: بطن الكف، أي لا شيء له، كما أن الراحة لا شعر فيها.
المثل المضروب
تركته على مثل مشفر الأسد
تفسير هذا المثل
أي تركته عرضةً للمهالك. وتركته على مثل حد السيف، وحرف السيف كذلك. وتركته على مثل شراك النعل في الضيق. حكى ثعلب ذلك، ويقولون: تركته على مثل خد الفرس أي على طريق واضح.
المثل المضروب
تسمع بالمعيدي لا أن تراه
تفسير هذا المثل
هكذا رواه الأصمعي. ورواه غيره: أن تسمع بالمعيدي خير من أن تراه.
والمثل لشقة بن ضمرة، والمعيدي: تصغير معدي، والدال يخفف ويثقل في هذا المثل، والأصل التثقيل، وقال بعضهم: هو منسوب إلى معيد، وهو اسم قبيلة، وأنشد:
سيعلم ما يغني معيد ومعرض * إذا ما تميم غرقتك بحورها
والمثل للنعمان بن المنذر. أخبرنا أبو أحمد قال: أخبرنا محمد بن سلم بن هارون قال: حدثنا القاسم بن يسار قال: حدثنا عكرمة الضبي قال: كان أصل قولهم: تسمع بالمعيدي لا أن تراه أن رجلاً من بني تميم، يقال له: ضمرة كان يغير على مسالح النعمان بن المنذر، حتى إذا عيل صبر النعمان كتب إليه: أن ادخل في طاعتي، ولك مائة من الإبل، فقبلها وأتاه، فلما نظر إليه ازدراه، وكان ضمرة دميماً، فقال: تسمع بالمعيدي لا أن تراه فقال ضمرة: مهلاً أيها الملك، إن الرجال لا يكالون بالصيعان، وإنما بأصغريه، قلبه ولسانه إن قاتل قاتل بجنان، وإن نطق نطق ببيان. قال: صدقت لله درك، عل لك علم بالأمور وولوج فيها، قال: والله إني لأبرم منها المسحول، وأنقض منها المفتول، وأجيلها حتى تجول، ثم أنظر إلى ما تؤول، وليس للأمور بصاحب من لم ينظر في العواقب. قال: صدقت لله درك، فأخبرني ما العجز الظاهر، والفقر الحاضر، والداء العياء، والسوأة السوآء، قال ضمرة: أما العجز الظاهر فهو الشاب القليل الحيلة، اللزوم للحليلة، الذي يحوم حولها، ويسمع قولها؛ إن غضبت ترضاها، وإن رضيت تفداها، وأما الفقر الحاضر فالمرء لا تشبع نفسه، وإن كان من ذهب خلسه، وأما الداء العياء فجار السوء، إن كان فوقك قهرك، وإن كان دونك همزك، وإن أعطيته كفرك، وإن منعته شتمك، فإن كان ذاك جارك فأخل له دارك، وعجل منه فرارك، وإلا فأقم بذل وصغار، وكن ككلب هرار. وأما السوءة السوآء فالحليلة الصخابة، الخفيفة الوثابة، السليطة السبابة، التي تعجب من غير عجب، وتغضب من غير غضب، الظاهر عينها، المخوف غيبها، فزوجها لا تصلح له حال، ولا ينعم له بال، إن كان غنياً لم ينفعه غناه، وإن كان فقيراً أبدت له قلاه، فأراح الله منها بعلها، ولا متع بها أهلها، فأعجب النعمان حسن كلامه، وحضور جوابه، فأحسن جائزته، واحتبسه قبله.
تطعم تطعم
يراد به: ادخل في الأمر تشتهه، وأصله في الرجل لا يشتهي الطعام، فإذا ذاقه اشتهاه، والصعب من الأمور إذا كنت بعيداً عنه تجده أصعب، وإذا دخلت فيه وجدته أسهل، وقيل: توسط الشر تأمنه، وكل هول على مقدار هيبته.
المثل المضروب
تقيس الملائكة إلى الحدادين
تفسير هذا المثل
الحدادون: السجانون، وكل مانع عند العرب حداد، والحد: المنع، والمحدود: الممنوع من الرزق.
وأصل المثل أنه لما أنزل الله تبارك وتعالى: (عليها تسعة عشر) قال أبو جهل: ما تسعة عشر، الرجل منا بالرجل منهم، فأنزل الله عز وجل: (وما جعلنا أصحاب النار إلا ملائكةً)، أي فمن يطيق الملائكة، فقال له المسلمون: تقيس الملائكة بالحدادين أي السجانين من الناس، فجرى مثلاً في الصغير يقاس بالكبير.
المثل المضروب
تجشأ لقمان من غير شبع
تفسير هذا المثل
مثل للرجل يظهر الغنى وهو فقير، والجلد وهو ضعيف. وأصله في الرجل يتجشأ على جوع. أخبرنا أبو أحمد، عن عبدان، عن إبراهيم بن محمد المقدمي، عن أيوب بن سويد، عن الأوزاعي، عن محمد بن المنكدر قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: " المتشبع بما لم يعط كلابس ثوبى زور ".
وأخبرنا الصولي، عن أبي العيناء، قال: قال الأصمعي يوماً بحضرة أبي عبيدة: كان أبي يساير مسلم بن قتيبة يوماً على دابة، فقال أبو عبيدة: سبحان الله، والحمد لله، قال النبي صلى الله عليه وسلم: " المتشبع بما لم يعط كلابس ثوبى زور "، والله ما ملك أبوك دابةً قط إلا في الزهادة. وثوبا زور يعني ثياب أهل الزهادة، يلبسها من لبس من أهلها.
المثل المضروب
تحفظ أخاك إلا من نفسه
تفسير هذا المثل
معناه انك تحفظه من الناس إذا كادوه، فأما إذا كاد هو نفسه، وأساء إليها لم تقدر على حفظه منها. والفرس تقول: ليس لجناية المرء على نفسه دواء، وإذا كان اللص من الأهل لم يمكن التحفظ منه، ونحوه قول الآخر: أنا أرفعك، ونفسك تضعك، وأعلم أن الغلبة لك.
المثل المضروب
تحت الرغوة الصريح
تفسير هذا المثل
يضرب مثلاً للأمر تظهر حقيقته بعد خفائها. والمثل لعامر بن الظرب، أخبرنا أبو أحمد، عن أبي بكر بن دريد، عن عمه، عن أبيه، عن ابن الكلبي، قال: كان عامر بن الظرب يدفع بالناس في الحج، فحج ملك من ملوك حمير، فرآه فقال: لا أترك هذا المعدي حتى أذله، وأفسد عليه أمره فلما رجع إلى بلده، وصدر الناس أرسل إليه أني أحب أن تزورني، فأحبوك وأكرمك، وأتخذك خلاً وصديقاً، فأتى قومه فقالوا: انفذ وننفذ معك فنتجه بجاهك، فخرج وأخرج معه نفراً، فلما قدم بلاد الملك تكشف له رأيه، وأبصر سوء ما صنه بنفسه، فقال: ألا ترون أن الهوى يقظان، وأن العقل نائم، وهو أول من قاله، فمن هناك يغلب الرأي الهوى، ومن لم يغلب الهوى بالرأي ندم، عجلت حين عجلتم، ولن أعود بعد ما أعجل برأي، إنا قد تورطنا في بلاد هذا الملك، فلا تسبقوني بريث أمر أقيم عليه، ولا بعجلة رأي أخف معه، دعوني وحيلتي فإن رأيي لي ولكم. فلما قدم على الملك ضرب عليه قبةً وأكرمه، وأكرم أصحابه، فقالوا: قد أكرمنا كما ترى، وبعدها ما هو خير، فقال: لا تعجلوا، فإن لكل عام طعاماً، ولكل راع مرعىً، ولكل مراح مريحاً، وتحت الرغوة الصريح. وهو أول من قاله، فمكثوا أياماً، ثم بعث إليه الملك فتحدث عنده، وقال: إني قد رأيت أن أجعلك الناظر في أمور قومي، فقد ارتضيت عقلك، فافرغ لما أريد. قال: أحسب أن رغبتك في قربي بلغت بي أن تخلع لي ملكك، وقد تفضلت إذ أهلتني لهذه المنزلة، ولي كنز علم لست أعمل إلا به، تركته في الحي مدفوناً، وإن قومي أضناء بي، فاكتب لي سجلاً بجباية الطريق، فيرى قومي طمعاً تطيب أنفسهم به عني، فأستخرج كنزي، وأرجع إليك، فكتب له سجلاً بجباية الطريق، وجاء أصحابه فقال: ارتحلوا، حتى إذا برزوا قالوا: لم نر كاليوم وافد قوم أقل ولا أبعد من نوال منك، فقال لهم: مهلاً فإنه ليس على الرزق فوت، وغانم من نجا من الموت، والملك خوف، والسيف حيف، ومن لم ير باطناً يعش واهناً، فلما قدم على قومه قال: رب أكلةً تمنع أكلات وهو أل من قاله، فأقام ولم يرجع.
المثل المضروب
ترى الفتيان كالنخل وما يدريك ما الدخل
تفسير هذا المثل
يضرب مثلاً للرجل له منظر ولا مخبر له. والدخل: ما يبطن في الشيء. يقال: شيء مدخول، إذا كان فاسد الجوف. وفي الأثر: هدنة على دخن، وعلى دخل، أي مصالحة على فساد ضمائر، وقريب منه قول الشاعر:
ويخلف ظنك الرجل الطرير
وقال عبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر:
وأحمق تحسبه كيسأً * وقد تعجب العين من شخصه
وآخـــر تحســبـه جاهلاً * ويأتيك بالأمر من فصه
ونحو ذلك قول الآخر:
وينفع أهله الرجل القبيح
المثل المضروب
تنهانا أمنا عن الغي وتغدو فيه
تفسير هذا المثل
يضرب مثلاً للرجل ينهى عن الشيء ويأتيه. وأصله أن امرأةً كانت تؤاجر نفسها، وكانت لها بنات تخاف أن يأخذن أخذها، فكانت إذا غدت في شأنها تقول لهن: احفظن أنفسكن، وإياكن أن يقربكن أحد، فقالت إحداهن: تنهانا أمنا عن الغي وتغدو فيه ومن هاهنا أخذ الشاعر قوله:
لا تنه عن خلق وتأتي مثله * عار عليك إذا فعلت عظيم
وفي كلام أمير المؤمنين علي رضى الله عنه: لا تكن ممن يرجو الآخرة بغير عمل، ويؤخر التوبة بطول أمل، يقول في الدنيا بقول الزاهدين، ويعمل فيها بعمل الراغبين، إن أعطي لم يشبع، وإن منع لم يقنع، يعجز عن شكر ما أوتي، ويبتغي الزيادة فيما بقي، ينهى ولا ينتهي، ويأمر بما لا يأتي، يحب الصالحين ولا يعمل بعملهم، ويبغض الطالحين وهو منهم، تغلبه نفسه على ما يظن، ولا يغلبها على ما يستيقن، فهو يطاع ويعصي، ويستوفي ولا يوفي. قال الشاعر:
لا تلم المرء على فـعـلـه * وأنت منسوب إلى مثـله
من عاب شيئاً وأتى مثله * فإنـمـا دل عـلـى جـهـله
المثل المضروب
التجلد ولا التبلد
تفسير هذا المثل
يقول: ينبغي أن يتجلد الرجل في الأمور ويتيقظ، ولا يتبلد، أي لا يتحير. وقد ذكرت أصله في الباب الأول. ونحوه قول الشاعر، وهو سعد بن ناشب:
تؤنبني فيما ترى من شراستي * وقوة نفسي أم عمرو وما تدري
وفي اللين ضعـف والشراسة هيبة * ومن لا يهب يحمل على مركب وعر
المثل المضروب
ترهات البسابس
تفسير هذا المثل
الواحدة ترهة. قيل: إنها دويبات لا يكدن يرين سرعةً. قال الشاعر:
من ترهات وجندب
ويقال للكذب وما أخذ إخذه: ترهات البسابس، أي باطل لا يتحصل. وقال الأصمعي: هي الطرق الصغار التي تتشعب من الطريق الأعظم. والبسابس: جمع بسبس، وهي الصحراء التي لا شيء فيها، بسبس وسبسب سواء، فإذا جاء الرجل بالأباطيل، وتكلم بالمحال قيل: أخذ في ترهات البسابس، كما يقال: ركب بنيات الطريق.
أخبرنا أبو أحمد، عن أبي بكر، عن عبد الرحمن، عن عمه قال: كان أبو الهندي مستهتراً بالشارب، فعذله قومه، فأنشأ يقول:
إذا صليت خمساً كل يوم * فإن الله يغفر لي فـسـوقـي
ولم أشرك برب الناس شيئاً * فقد أمسكت بالحبل الوثيق
فهذا الدين ليس به خفاء * فدعني من بنيات الـطـريق
قال أبو بكر: بنيات الطريق: الطرق الصغار تتشعب من الطريق الأعظم، ثم ترجع إليه.
المثل المضروب
تكذيب المنى أحاديث الضبع استها
تفسير هذا المثل
يقال ذلك في ذم التمني والطمع الكاذب، وقال عنترة في قريب من ذلك:
ألا قاتل الله الطلول البواليا * وقـاتل ذكراك السنين الخواليا
وقولك للشيء الذي لا تناله * إذا ما هو احلولى ألا ليت ذاليا
ويريد بالتكذيب هنا أن تكذبك المنى لا أن تكذبها.
المثل المضروب
تلك بتلك عمرو
تفسير هذا المثل
يضرب مثلاً للرجل يجازي صاحبه بمثل فعله. وأصله أن عمرو بن حدير بن سلمى بن جندل بن نهشل كانت تحته امرأة معجبة جميلة، وكان ابن عمه يزيد بن المنذر بن سلمى بن جندل يهواها، فدخل عمرو عليها فصادفه عندها، فطلقها، ثم أغير على الحي، فركب عمرو، فابتدره فوارس، فصرعوه فحمل عليهم يزيد فاستنقذه، وقال: تلك بتلك يا عمرو أي إن كنت أسأت إليك في امرأتك فقد أحسنت إليك في تخليص مهجتك.
تقلدها طوق الحمامة
يقال ذلك للرذيلة يأتيها الإنسان فيلزمه عارها، وهو من قول الشاعر:
اذهـب بـهـا اذهـب بـهـــا * طوقتها طوق الحمامه
المثل المضروب
تحلل غيل
تفسير هذا المثل
يضرب مثلاً للرجل يحلف على الشيء ليكونن، فيكون خلافه.
وأصله أن عبشمس بن سعد بن زيد مناة بن تميم وكان يلقب مقروعاً عشق الهيجمانة بنت العنبر بن عمرو بن تميم، فطرد عنها، فجاء الحارث بن كعب بن زيد مناة ليدفع عنه، فضرب على رجله فقطعت، فسمي الأعرج، وسار عبشمس في بني سعد إلى العنبر يطلبون حقهم في رجل الأعرج، فأبوا عليهم فيه، فقال عبشمس لأصحابه: إن راح إليكم مازن مترجلاً متزيناً فايأسوا من العقل، وإن جاءكم أشعث خبيث النفس فارجوه، فراح إليهم في ثياب وهيئة، فتحدث إليهم، فلما انصرف سمع عبشمس رجلاً من أصحاب مازن يتمثل قول غيلان بن مالك:
لا نعقل الرجل ولا نديهـا * حتى نرى داهيةً تنسيها
فعلم عبشمس الشر، فلما أظلم رحل وترك قبته قائمة، فطلبه مازن فلم يقدر عليه، ثم غزاهم عبشمس، فنزل بهم في ليلة ذات برق ورعد، فلمعت برقة، فرأت الهيجمانة ساقي عبشمس، فقالت لأبيها: والله لقد رأيت ساقي مقروع، فسمعها مازن فقال: حنت فلا تهنت فأرسلها مثلاً، فقال لها أبوها: لا رأي لمكذوب فاصدقيني فأرسلها مثلاً، فقالت: ثكلتك إن لم أكن رأيت مقروعاً فانج ولا إخالك ناجياً فأرسلتها مثلاً، فنجا العنبر تحت الليل، وصبحتهم بنو سعد فقتلت منهم ناساً، منهم غيلان بن مالك، فجعلت بنو سعد تحثي عليه التراب وتقول: تحلل غيل وهو من تحلة اليمين، وتحلة اليمين: قوله: إن شاء الله، وإنما عنوا قوله: لا نعقل الرجل ولا نديها وكان قد حلف على ذلك، فلما قتل جعلوا يهزءون به، ويقولون: تحلل أي قل: إن شاء الله. وغيل: ترخيم غيلان، كما تقول في ترخيم عثمان: عثم، وتبعوا العنبر فلحقوه على فرس يسوق إبله، فيمنع ما يتقدم منها، ويعقر ما يتأخر، فدنا عبشمس منه، فكشفت الهيجمانة وجهها، واستوهبته إياه، فوهبه لها، وأخذ بعضهم قولها: انج ولا إخالك ناجياً فقال:
فإن تنج منها تنج من ذي عظيمة * وإلا فإني لا إخالك ناجيا
ويقولون: ترك الخداع من كشف القناع
المثل المضروب
تقطع أعناق الرجال المطامع
تفسير هذا المثل
وأوله:
طمعـت بليلى أن تريع وإنما * تقطع أعناق الرجال المطامع
ومن أمثالهم في ذلك قول بعضهم:
ولليأس أدنى للعفاف من الطمع
وقال عمر رضي الله عنه: الطمع الكاذب فقر حاضر، وقال: ما الخمر صرفها بأذهب لعقول الرجال من الطمع، وفي عجز بيت النعمان:
ليس النجاح مع الحريص الطامع
وقال بعضهم في المعنى الأول:
رأيت مخيلةً فطمعت فيها * وفي الطمع المذلة للرقاب
وفي بعض الأسجاع: العبد حر إذا قنع، والحر عبد إذا طمع، قاله النبي صلى الله عليه وسلم.
المثل المضروب
التائب من الذنب كمن لا ذنب له
تفسير هذا المثل
المثل للنبي صلى الله عليه وسلم، قال: التائب من الذنب كمن لا ذنب له، والمستغفر من الذنب وهو مقيم عليه كالمستهزئ بربه.
المثل المضروب
التجارب ليست لها نهاية، والمرء منها في زيادة
تفسير هذا المثل
وأصله قول عمر رضي الله عنه: إن الغلام ليحتلم لأربع عشرة، وينتهي طوله لإحدى وعشرين، وعقله لسبع وعشرين، وأما تجاربه فإنها لا تنتهي. معناه: كلما عاش وجرب ازداد عقلاً، ومن أمثالهم في التجارب قولهم: لا تغز إلا بغلام قد عسا. وقد مضت نظائر هذا فيما تقدم.
المثل المضروب
تنزو وتلين
تفسير هذا المثل
يضرب مثلاً للرجل يتعزز ثم يذل. وأصله في الجدي، ينزو وهو صغير، فإذا كبر لان، والنزو: الوثب، ونحوه قوله:
وليس كما قد واشتهيته * ولكن كما شاء الزمان يكون
إذا لم أجد شيئاً نفسياً أريده * جزعت فقال الدهر سوف تلين
المثل المضروب
تجاوزت شبيثاً والأحص وماءهما
تخلصت قابية من قوب
تالله لولا عتقه لقد بلي
التغرير مفتاح البؤس
تفسير هذا المثل
● تجاوزت شبيثاً والأحص وماءهما
يضرب مثلاً للرجل يطلب الشيء وقد فاته. والمثل لجساس بن مرة، وذلك أنه لما طعن كليباً فسقط، وجعل يجود بنفسه قال له: يا جساس، اسقني ماء، فقال له: تجاوزت شبيثاً والأحص وماءهما أي قد فاتك الانتفاع بالماء، فقال نابغة بني جعدة:
كليب لعمري كان أكثر ناصراً * وأيسر جرماً منك ضرج بالدم
فقال لجساس أغثني بشربة * تمن بها فضلاً علي وأنعم
فقال تجاوزت الأحص وماءه * وبطن شبيث وهو ذو مترسم
---------------------------------------------------
● تخلصت قابية من قوب
رويناه عن أبي أحمد، عن ابن دريد قابية من قبا يقبو، ورأينا في بعض النسخ قائبة. قال أبو بكر: أي تخلصت بيضة من فرخ، والوجه أن يقال: فرخ من بيضة، وقبوت الشيء: جمعته، ومنه قيل للقباء قباء؛ لأنك تجمع أطرافه. يضرب مثلاً للرجل إذا تخلص من ضيق وكرب.
---------------------------------------------------
● تالله لولا عتقه لقد بلي
يضرب مثلاً للثابت على الشيء، والعتق: الكرم.
---------------------------------------------------
● التغرير مفتاح البؤس
التغرير: حمل النفس على الغرر. والبؤس: الشدة. والمثل لأكثم بن صيفي، وسنذكره فيما بعد إن شاء الله.
بّسم اللّه الرّحمن الرّحيم
الأمثال المضروبة في التناهي والمبالغة
الواقع في أوائل أصولها التاء
المثل المضروب
أتجر من عقرب
تفسير هذا المثل
وهو تاجر من تجار المدينة، وكان أمطل الناس، فعامله الفضل بن العباس بن أبي لهب، وكان أشد الناس اقتضاء، فلما حل المال قعد الفضل بباب عقرب يقرأ، وعقرب على شاكلته في المطل غير مكترث به، فلما أعياه قال يهجوه:
قد تجرت في سوقنا عقرب * لا مرحباً بالعقرب التاجره
كل عـــدو يتـــقى مقبلاً * وعقرب تخشى من الدابره
كل عـدو كـيده فــي اســـته * فغـير مخشي ولا ضائره
إن عادت العقرب عدنا لها * وكانت النعل لها حاضـره
المثل المضروب
أتيه من أحمق ثقيف
تفسير هذا المثل
وهو من التيه الذي هو الكبر، يعنون يوسف بن عمر، وكان أمير العراق من قبل هشام، وكان أحمق من أمر ونهى في الإسلام، وكان قصيراً دميماً، وكان خياطه إذا أفضل من الثوب الذي يقطعه له شيئاً ضربه مائة سوط، وإذا ذكر أنه يحتاج إلى شيء أجازه وأكرمه، وكان له نديم يقال له: عبدان، وكان من أطول الناس قامة، وكان يوسف مثل عقدة رشاء، فما شاه يوماً ، فقال له يوسف: أينا أطول، قال: فوقعت في محنة تحتها السيف، فقلت: اصلح الله الأمير، أنت أطول مني ظهراً، وأنا أطول منك ساقاً، قال: فضحك وقال: أحسنت.
المثل المضروب
أتعب من راكب فصيل
أتبع من تولب
أتب من أبي لهب
أتم من قمر التم
أتخم من فصيل
أتمك من سنام
اترف من ربيب نعمة
أتيس من تيوس تويت
تفسير هذا المثل
● أتعب من راكب فصيل
والفصيل: ولد الناقة، وإنما يتعب لأنه لم يرض.
---------------------------------------------------
● أتبع من تولب
والتولب: ولد الحمار. وولد الفرس يتبع أمه، وكذلك ولد البقرة، ولا أعرف لم خص التولب بذلك.
---------------------------------------------------
● أتب من أبي لهب
والتب: الخسران. والمثل مأخوذ من قول الله تعالى: (تبت يدا أبي لهب وتب) والأول دعاء، والثاني خبر.
---------------------------------------------------
● أتم من قمر التم
والتم هاهنا بمعنى التمام. ويقال: بدر التمام بالكسر، وبلغ الشيء تمامه بالفتح.
---------------------------------------------------
● أتخم من فصيل
وذلك أنه يشرب من اللبن فوق ما يحتاج إليه.
---------------------------------------------------
● أتمك من سنام
أي أرفع، وسنام تامك، أي مرتفع.
---------------------------------------------------
● اترف من ربيب نعمة
والترفة: النعمة.
---------------------------------------------------
● أتيس من تيوس تويت
قالوا: هو رجل.
بّسم اللّه الرّحمن الرّحيم
الباب الرابع
الأمثال المضروبة في أوله ثاء
المثل المضروب
ثأطة مدت بماء
ثار حابلهم على نابلهم
تفسير هذا المثل
● ثأطة مدت بماء
يضرب مثلاً للأحمق الذي كلما تخاطبه يزداد حمقاً. والثأطة: الحمأة، فإذا أصابها الماء ازدادت فساداً.
قد وافق هذا من أمثال العجم قول صاحب كليلة: لا يحب المذنب أن يفحص عن أمره، لقبح ما ينكشف منه، كالشيء المنتن كلما أثير ازداد نتناً.
---------------------------------------------------
● ثار حابلهم على نابلهم
يضرب مثلاً لفساد ذات البين، وهيج الشر. والحابل: صاحب الحبالة، وهي الشبكة. والنابل: صاحب النبل، أي قد اختلط القوم من شدة الشر، فصغيره يثور على كبيرهم، وكبيرهم على صغيرهم.
المثل المضروب
الثور يضرب لما عافت البقر
تفسير هذا المثل
هكذا رواه الأصمعي، وهو مثل الرجل يؤخذ بذنب غيره. وأصله أن البقر برد الماء فتمتنع من الشرب، فيضرب الثور، ليتقدم حتى تتبعه البقر فتشرب.
قال أبو هلال رحمه الله: وكانت العرب تزعم أن الجن تركب ظهور الثيران فتمتنع من الشرب، وتمتنع البقر معها، فتضرب الثيران لتشرب، فتشرب البقر معها، وقال الأعشى:
لكالثور والجني بركب ظهره * وما ذنبه إن عافت الماء مشرباً
وما ذنبه أن عافت الماء باقر * وما إن تعاف الماء إلا ليضربا
والبقر والباقر والباقور والبيقور سواء.
المثل المضروب
الثكل أرأمها
تفسير هذا المثل
يضرب مثلاً للرجل يحفظ خسيس ما لديه بعد فقد النفيس. والمثل لبيهس الفزاري، وكان يحمق وأمه تبغضه، وكان له إخوة خرجوا في وجه وهو معهم، فقتلوا إلا هون تخلص وجاء أمه، فقالت : أنجوت من بينهم، فقال: لو خيرت لاخترت، فلما رأت أنه ليس لها غيره أحبته، وعطفت عليه، فقال: الثكل أرأمها، أي عطفها. والرئمان: عطف الناقة على ولدها، قال سويد بن كراع:
وأنت امرؤ لا يقبل الصلح طائعاً * ولكن متى تظأر فإك رائم
تظأر؛ أي تعطف كرهاً، ظأرته على الأمر، إذا عطفته عليه، ومنه سميت الظئر ظئراً.
المثل المضروب
ثل عرشه
تفسير هذا المثل
يقال: ثل عرش فلان وعرشه، إذا قتل. والثلل: الهلاك، قال جرير:
إن يثقفوكم يلحقوكم بالثلل
وثل البيت: هدمه، قال الشاعر:
وعبد يغوث تحجل الطير حوله * فقد ثل عرشيه الحسام المهند
والعرش هاهنا: مغرز العنق في الكاهل. والعرش: السرير، وفي القرآن:(نكروا لها عرشها).
ويقال للرجل إذا هلك وولى أمره: غار نجمه، وذهبت ريحه، وطفئت جمرته، فإذا انقطع الرجاء منه قيل: أخلف نوءه، فإذا ذهبت قوته قيل: انكسرت شوكته، وكل حده، وانقطع بطانه، وتضعضع ركنه، وضعف عقده، وذلت عضده، وفت في عضده، ورق جانبه؛ فإذا ذل قيل: لانت عريكته، وإذا هلك قيل: تعس جده، وقال ثعلب: يقال: ثل ثلله، وأثل الله ثلله، أي أذهب عزه.
المثل المضروب
ثبت لبده
تفسير هذا المثل
يقال للرجل إذا وقع في مكروه: ثبت لبده، أي ثبت ذلك عليه، ولا زال عنه.
بّسم اللّه الرّحمن الرّحيم
الأمثال المضروبة في التناهي والمبالغة
الواقع في أوائل أصولها الثاء
المثل المضروب
أثقل من ثهلان
أثقل من نضاد
أثقل من عماية
أثقل من أحد
أثقل من حضن
أثقل من دمخ
تفسير هذا المثل
كل ذلك أسماء جبال معروفة، وكل قوم يتمثلون بالجبل الذي يقرب منهم. قال الشاعر:
كفى حزناً أني تطاللت كي أرى * ذراً علمي دمخ فما يريان
كأنهما والآل يجري عليهما * من البعد عـيناً برقع خلقان
وقال الشاعر في ثهلان:
ثهلان ذو الهضبات لا يتحلحل
وأصله من الثهل، وهو الانبساط، وقد أميت فما يستعمل.
المثل المضروب
أثقل من الزواقي
أثقل من الزاووق
أثقل من الزئبق
أثقل من الكانون
اثقل من النضار
أثقل من رحا البزر
تفسير هذا المثل
● أثقل من الزواقي
وهي الديكة. والزقاء: صوت الديك، وكان الفتيان يسمرون بالليل، حتى إذا زقت الديكة انصرف كل إلى رحله، فاستثقلوها لقطعها عليهم سمرهم.
---------------------------------------------------
● أثقل من الزاووق
قيل: هو الزئبق؛ ويقال: زوق كتابه وزوره،؛ إذا حسنه وقومه، وزوق كلامه أيضاً، وزوق بيته؛ إذا نقشه؛ لأن الزئبق يقع في الأصباغ التي ينقش بها البيت، ثم كثر حتى قيل: زوق كتابه وزوره، إذا حسنه وقومه.
---------------------------------------------------
● أثقل من الزئبق
بكسر الباء والهمز، ودرهم مزأبق، فيه زئبق.
---------------------------------------------------
● أثقل من الكانون
وهو الرجل الثقيل؛ وتكونت علينا، أي ثقلت، وهو " فاعول " من كننت الشيء، وذلك أنه إذا دخل على القوم وهم في حديث ستروه عنه.
---------------------------------------------------
● اثقل من النضار
وهو الذهب، وليس في الأشياء شيء أوزن منه، ولذلك يرسب في الزئبق، ولا يرسب فيه غيره، والدابة التي تحمل خمسمائة منا من أنواع الحمولة لا تقدر أن تتحمل من الذهب قطعة فيها مائة رطل، وذلك أنها تكسر ما تحتها. من عظمها، لاجتماعها وثقلها.
---------------------------------------------------
● أثقل من رحا البزر، ومن نصف رحا بزر
فيكون أبلغ؛ لأن النصف لا يمكن إدارته.
المثل المضروب
أثبت من قراد
أثبت من الوشم
أثبت في الدار من الجدار
أثقف من سنور
تفسير هذا المثل
● أثبت من قراد
وذلك أنه إذا لزم موضعاً من جسد البعير لا يفارقه، وعسر نزعه.
---------------------------------------------------
● أثبت من الوشم
وهو السواد الذي تحشى به اليد وغيرها من أعضاء البدن. ولعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الواشمة والموتشمة، وروي: " المستوشمة " قالوا شمة: التي تفعل، والموتشمة: التي يفعل بها.
---------------------------------------------------
● أثبت في الدار من الجدار
من قول بعض الرجاز في طفيلي:
أطفل من ليل على نهار * أثبت في الدار من الجدار
كأنه في الـدار رب الـدار
---------------------------------------------------
● أثقف من سنور
وذلك أنها إذا وثبت على الفأرة لم تخطئها. ولفظ " السنور " مؤنث، وإن أريد به الذكر، ومنه الثقاف.
مُختصر كتاب جمهرة الأمثال لأبو هلال العسكري
تمرد مارد وعز الأبلق
تفسير هذا المثل
يضرب مثلاً للرجل العزيز المنيع، الذي لا يقدر على اهتضامه. والمثل للزباء الملكة. ومارد: حصن دومة الجندل. والأبلق: حصن تيماء. وكانت الزباء أرادت هذين الحصنين، فامتنعا عليها، فقالت: تمرد مارد وعز الأبلق، وعز، أي امتنع من الضيم. وسمي الله تعالى عزيزاً؛ لأن الضيم لا يلحقه، وقال أبو كبير الهذلي:
حتى انتهيت إلـى فـراش عـزيزة * سوداء روثة أنفها كالمخصف
يعني عقاباً ممتنعةً في أعلى جبل، ويجوز أن يكون أصل العزيز من قولهم: من عز بز أي من غلب سلب، فيكون العزيز الغالب، والعزيز أيضاً: القليل، يقال: شيء عزيز، وقد عز، إذا قل. وقيل: أصل العزيز من الأرض العزاز، وهي الأرض الصلبة التي لا تؤثر فيها الأقدام، ولا تعمل فيها المناقير، والعزيز: الذي لا يؤثر فيه الضيم. وقولها: تمرد، يقال: تمرد الرجل، إذا تجرد من الخير، وأصله من قولهم: شجرة مرداء، إذا لم يكن عليها ورق، وغلام أمرد: لا شعر على وجهه. وكانوا يقولون للأبلق: الأبلق الفرد؛ قال الأعشى:
بالأبلق الفرد من تيماء منزله * حصن حصين وجار غير غدار
قال: تحسبها حمقاء وهي باخس
المثل المضروب
تحقره وينتأ
تحت طريقته عندأوة
تفسير هذا المثل
يضرب مثلاً للرجل تزدريه لسكوته، وهو يجاذبك وينقصك حقك، والبخس: النقصان. وفي القرآن: بثمن بخس، أي مبخوس. وتحقره وينتأ أي تحقره وهو يرتفع ليأخذ ما ليس له، وقال الأصمعي: يضرب مثلاً للرجل تستصغره وهو يعظم، ولم تعرف أصله، ونحوه قول وعلة:
والشيء تحقره وقد ينمي
وقول الآخر: الشر يبدؤه في الأصل أصغره
وقوله: الشر يبدؤه صغاره
وهذا قريب معناه من معنى المثل، وليس منه. والطريقة: الضعف. ورجل مطروق: أي ضعيف. وبه طريقة، وماء مطروق: قد خاضته الإبل، وبالت فيه وبعرت، وطرق أيضاً، ونخلة طريق، أي طويلة ملساء، وقيل: هي التي تتناول باليد.
المثل المضروب
تبلدي تصيدي
تفسير هذا المثل
يقال ذلك للذي يظهر التبلد ونيته الوثبة. والتبلد: التحير. والبلادة: خلاف الذكاء، وروى ثعلب: اقصدي تصيدي قال: يضرب مثلاً للرجل يعدل عن الحق، أي اطلب الحق تنتفع به. وقيل: أصل التبلد أن يضرب إحدى راحتيه على الأخرى. البلدة: الراحة، وروى أيضاً: تلبدي تصيدي، أي التصقي بالأرض.
المثل المضروب
تجنب روضةً وأحال يعدو
تفسير هذا المثل
يضرب مثلاً للرجل تعرض عليه الكرامة فيأباها، ويختار الهوان عليها، ومعناه: ترك الخصب، واختار الشقاء والجدب. ونحو هذا وإن لم يكن منه قول الشاعر:
أقول بالمصر لما كظني شبعي * ألا سبيل إلى أرض بها الجوع
وكان هذا يحب الجوع في الوطن، ويكره الشبع في الغربة، وكان الجوع عادةً لأهل البدو، والمكروه إذا اعتيد سهل. وذكر بعضهم لرجل بلاغة العرب فقال: لولا أن العود أجوف لم يكن له صوت، قد منع القوم الطعام، وأعطوا الكلام، والديك أشد ما يكون صفاء صوت وأبعده إذا كان جائعاً.
المثل المضروب
ترك ظبي ظله
تفسير هذا المثل
قال الأصمعي: يضرب مثلاً للرجل يخرج من مقام خفض إلى شقاء وبؤس، وقال غيره: يضرب مثلاً للرجل يتهدد صاحبه بالهجران والقطيعة. وذلك أن الظبي إذا نفر من شيء لم يرجع إليه أبداً، قال أبو العالية الشامي:
وكاشح رقـيت مـنـه صـله * بالعفو عن هفوته والزله
حتى سللت ضغنـه وغـلـه * وطـامح ذي نـخـوة مـذله
حمـلـتـه عـلـى شــبـاة أله * ولم أمل الشـر حتى ملـه
وشـنـج الـراحة مـقـفعـله * ما إن تـبـض كـفـه بـبـله
لمـا ذمـمـــت دقـه وجــله * تركـتـه تـرك ظـبـي ظـلـه
وقريب من هذا المثل قولهم: هذا أمر لا تبرك عليه الإبل، وذلك أن الإبل إذا أنكرت الشيء نفرت منه، فذهبت في الأرض، ولا يجمعها الراعي إلا بتعب.
المثل المضروب
تجوع الحرة ولا تأكل بثدييها
تفسير هذا المثل
يضرب مثلاً للرجل يصون نفسه في الضراء، ولا يدخل فيما يدنسه عند سوء الحال، ومعناه أن الحرة تجوع ولا تكون ظئراً لقوم على جعل تأخذ منهم، فيلحقها عيب. وكان أهل بيت زرارة حضان الملوك، فافتخر بذلك حاجب بن زرارة، فقال:
حللنا بـأثناء العذيب ولم تكن * تحـل بـأثـنـــاء العذيب الركائب
لنكسب مالاً أو نصـيب غنيمةً * وعند ابتلاء النفس تحوى الرغائب
حضنا ابن ماء المزن وابن محرق * إلى أن بدت منهم لحىً وشوارب
فعابه الناس وقالوا: ما رأينا من يفتخر بالمعائب غيره، وذلك أن الظئر خادمة، والخدمة تضع ولا ترفع. وقيل: تجوع الحرة ولا تأكل بثدييها أي ولا تهتك نفسها، وتبدى منها ما لا ينبغي أن يبدى.
والمثل للحارث بن سليل الأسدي، وذلك أنه زار علقمة بن خصفة الطائي، وكان شيخاً كبيراً، وكان حليفاً له، فنظر إلى ابنته الزباء، وكانت من أحسن أهل دهرها، فأعجب بها فقال له: أتيتك خاطباً وقد ينكح الخاطب، ويدرك الطالب، ويمنح الراغب، فقال له علقمة: أنت كفء كريم، يؤخذ منك العفو، ويقبل منك الصفو، فأقم ننظر في أمرك، ثم انكفأ إلى أمها فقال: إن الحارث بن سليل سيد قومه حسباً ومنصباً وبيتاً، وقد خطب إلينا الزباء، فلا ينصرفن إلا بحاجته، فقالت امرأته لابنته: أي الرجال أحب إليك؛ الكهل الجحجاح، الواصل المياح، أم الفتى الوضاح? قالت: لا؛ بل الفتى الوضاح، قالت: إن الفتى يعيرك، وإن الشيخ يميرك، وليس الكهل الفاضل، الكثير النائل كالحدث السن، الكبير المن، قالت: يا أمتاه، إن الفتاة تحب الفتى كحب الرعاء أنيق الكلا، قالت: أي بنية، إن الفتى شديد الحجاب، كثير العتاب، قالت: إن الشيخ يبلي شبابي، ويدنس ثيابي، ويشمت بي أترابي، فلم تزل بها أمها حتى غلبتها على رأيها، فتزوجها الحارث على خمسين ومائة من الإبل وخادم، وألف درهم، فابتنى بها، ثم رحل بها إلى قومه، فبينا هو ذات يوم جالس بفناء قبته وهي إلى جانبه، إذ أقبل شباب من بني أسد يعتلجون، فتنفست الصعداء، ثم أرخت عينيها بالبكاء، فقال لها: ما يبكيك? قالت: مالي وللشيوخ، الناهضين كالفروخ، فقال لها: تكلتك أمك! تجوع الحرة ولا تأكل بثدييها! فذهبت مثلاً، ثم قال لها: أما وأبيك لرب غارة شهدتها، وسبية أردفتها، وخمرة شربتها، فالحقي بأهلك فلا حاجة لي فيك. وقال:
تهزأت أن رأتني لابساً كبراً * وغاية الناس بين الموت والكبر
فإن بقيت لقيت الشيب راغمةً * وفي التعرف ما يمضي من العبر
فإن يكن قد علا رأسي وغيره * صرف الزمان وتغيير من الشعر
فقد أروح للذات الفتى جذلاً * وقد أصيب بها عيناً من البقر
عني إليك فإني لا يوافقني * عور الكلام ولا شرب على الكدر
ومن أمثالهم في الحر قولهم: الحر في كل زمان حر. وقول ابن المفرغ:
الـعـبـد يقـرع بـالعصا * والحر تكفيه الملامه
وقال غيره:
الـعـبـد يقـرع بـالعصا * والحر تكفيه الإشاره
المثل المضروب
تسألني برامتين سلجما
تفسير هذا المثل
يضرب مثلاً للملتمس ما لا يجد. وأصله أن امرأةً طلبت من زوجها سلجماً في قفر من الأرض، يقال له: رامة، وضم إليها مكاناً يقرب منها فثنى، كما يقولون: العمران والقمران. والسلجم بالسين أصله سلجم، فارسي أعرب، فجعل شينه سيناً، كما قالوا في أشمويل: إسماعيل، وقالوا: السوس لهذا البلد، وهو شوش، وربما جعلوا السين في التعريب شيناً، كما قالوا في سباط: شباط، وفي تسرين: تشرين، وهو هذا الشهر الرومي، وليس للروم شين معجمة.
والمثل من جملة أرجوزة أولها:
تسألني برامتين سلجما * إنك إن سألت شيئاً أمما
جاء به الكرى أو تجشما
وقريب من هذا المثل قول الأغلب:
وشر ما رام امرؤ ما لم ينل
المثل المضروب
تمشي رويداً وتكون الأولا
تمام الربيع الصيف
تفسير هذا المثل
● تمشي رويداً وتكون الأولا
يراد به: أنه يدرك حاجته في تؤدة، ومثله:
يريك الهوينى والأمور تطير
---------------------------------------------------
● تمام الربيع الصيف
يضرب مثلاً في استنجاح تمام الحاجة، وأصله في المطر، فالربيع أوله والصيف آخره.
المثل المضروب
التمر في البئر
تفسير هذا المثل
يراد به: من عمل عملاً كان له مرجوعه. وأصله أن منادياً كان يقوم في الجاهلية على أطم من آطام المدينة حين يدرك البسر، فينادي: التمر في البئر، أي أكثروا من سقي نخلكم، فإن من سقى وجد عاقبة سقيه في تمره.
وهذا من مختصر الكلام، ونحوه قول الراجز:
جدي لكل عامل ثواب * الرأس والأكرع والإهاب
وقولهم: رب شد في الكرز. وقول أبي تمام:
رب خفض تحت السرى وغناء * من عناء ونضرة من شحوب
المثل المضروب
تركه على مثل مقلع الصمغة
تركه على مثل ليلة الصدر
تركه أنقى من الراحة
تفسير هذا المثل
معناه: اجتاح ماله، فلم يترك له شيئاً. والصمغة إذا قلعت بقي مكانها عارياً لا شيء فيه.
والمعنى في ليلة الصدر أن الناس إذا صدروا عن الماء بقي خالياً لا شيء فيه.
ومثله قولهم: تركه أنقى من الراحة والراحة: بطن الكف، أي لا شيء له، كما أن الراحة لا شعر فيها.
المثل المضروب
تركته على مثل مشفر الأسد
تفسير هذا المثل
أي تركته عرضةً للمهالك. وتركته على مثل حد السيف، وحرف السيف كذلك. وتركته على مثل شراك النعل في الضيق. حكى ثعلب ذلك، ويقولون: تركته على مثل خد الفرس أي على طريق واضح.
المثل المضروب
تسمع بالمعيدي لا أن تراه
تفسير هذا المثل
هكذا رواه الأصمعي. ورواه غيره: أن تسمع بالمعيدي خير من أن تراه.
والمثل لشقة بن ضمرة، والمعيدي: تصغير معدي، والدال يخفف ويثقل في هذا المثل، والأصل التثقيل، وقال بعضهم: هو منسوب إلى معيد، وهو اسم قبيلة، وأنشد:
سيعلم ما يغني معيد ومعرض * إذا ما تميم غرقتك بحورها
والمثل للنعمان بن المنذر. أخبرنا أبو أحمد قال: أخبرنا محمد بن سلم بن هارون قال: حدثنا القاسم بن يسار قال: حدثنا عكرمة الضبي قال: كان أصل قولهم: تسمع بالمعيدي لا أن تراه أن رجلاً من بني تميم، يقال له: ضمرة كان يغير على مسالح النعمان بن المنذر، حتى إذا عيل صبر النعمان كتب إليه: أن ادخل في طاعتي، ولك مائة من الإبل، فقبلها وأتاه، فلما نظر إليه ازدراه، وكان ضمرة دميماً، فقال: تسمع بالمعيدي لا أن تراه فقال ضمرة: مهلاً أيها الملك، إن الرجال لا يكالون بالصيعان، وإنما بأصغريه، قلبه ولسانه إن قاتل قاتل بجنان، وإن نطق نطق ببيان. قال: صدقت لله درك، عل لك علم بالأمور وولوج فيها، قال: والله إني لأبرم منها المسحول، وأنقض منها المفتول، وأجيلها حتى تجول، ثم أنظر إلى ما تؤول، وليس للأمور بصاحب من لم ينظر في العواقب. قال: صدقت لله درك، فأخبرني ما العجز الظاهر، والفقر الحاضر، والداء العياء، والسوأة السوآء، قال ضمرة: أما العجز الظاهر فهو الشاب القليل الحيلة، اللزوم للحليلة، الذي يحوم حولها، ويسمع قولها؛ إن غضبت ترضاها، وإن رضيت تفداها، وأما الفقر الحاضر فالمرء لا تشبع نفسه، وإن كان من ذهب خلسه، وأما الداء العياء فجار السوء، إن كان فوقك قهرك، وإن كان دونك همزك، وإن أعطيته كفرك، وإن منعته شتمك، فإن كان ذاك جارك فأخل له دارك، وعجل منه فرارك، وإلا فأقم بذل وصغار، وكن ككلب هرار. وأما السوءة السوآء فالحليلة الصخابة، الخفيفة الوثابة، السليطة السبابة، التي تعجب من غير عجب، وتغضب من غير غضب، الظاهر عينها، المخوف غيبها، فزوجها لا تصلح له حال، ولا ينعم له بال، إن كان غنياً لم ينفعه غناه، وإن كان فقيراً أبدت له قلاه، فأراح الله منها بعلها، ولا متع بها أهلها، فأعجب النعمان حسن كلامه، وحضور جوابه، فأحسن جائزته، واحتبسه قبله.
تطعم تطعم
يراد به: ادخل في الأمر تشتهه، وأصله في الرجل لا يشتهي الطعام، فإذا ذاقه اشتهاه، والصعب من الأمور إذا كنت بعيداً عنه تجده أصعب، وإذا دخلت فيه وجدته أسهل، وقيل: توسط الشر تأمنه، وكل هول على مقدار هيبته.
المثل المضروب
تقيس الملائكة إلى الحدادين
تفسير هذا المثل
الحدادون: السجانون، وكل مانع عند العرب حداد، والحد: المنع، والمحدود: الممنوع من الرزق.
وأصل المثل أنه لما أنزل الله تبارك وتعالى: (عليها تسعة عشر) قال أبو جهل: ما تسعة عشر، الرجل منا بالرجل منهم، فأنزل الله عز وجل: (وما جعلنا أصحاب النار إلا ملائكةً)، أي فمن يطيق الملائكة، فقال له المسلمون: تقيس الملائكة بالحدادين أي السجانين من الناس، فجرى مثلاً في الصغير يقاس بالكبير.
المثل المضروب
تجشأ لقمان من غير شبع
تفسير هذا المثل
مثل للرجل يظهر الغنى وهو فقير، والجلد وهو ضعيف. وأصله في الرجل يتجشأ على جوع. أخبرنا أبو أحمد، عن عبدان، عن إبراهيم بن محمد المقدمي، عن أيوب بن سويد، عن الأوزاعي، عن محمد بن المنكدر قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: " المتشبع بما لم يعط كلابس ثوبى زور ".
وأخبرنا الصولي، عن أبي العيناء، قال: قال الأصمعي يوماً بحضرة أبي عبيدة: كان أبي يساير مسلم بن قتيبة يوماً على دابة، فقال أبو عبيدة: سبحان الله، والحمد لله، قال النبي صلى الله عليه وسلم: " المتشبع بما لم يعط كلابس ثوبى زور "، والله ما ملك أبوك دابةً قط إلا في الزهادة. وثوبا زور يعني ثياب أهل الزهادة، يلبسها من لبس من أهلها.
المثل المضروب
تحفظ أخاك إلا من نفسه
تفسير هذا المثل
معناه انك تحفظه من الناس إذا كادوه، فأما إذا كاد هو نفسه، وأساء إليها لم تقدر على حفظه منها. والفرس تقول: ليس لجناية المرء على نفسه دواء، وإذا كان اللص من الأهل لم يمكن التحفظ منه، ونحوه قول الآخر: أنا أرفعك، ونفسك تضعك، وأعلم أن الغلبة لك.
المثل المضروب
تحت الرغوة الصريح
تفسير هذا المثل
يضرب مثلاً للأمر تظهر حقيقته بعد خفائها. والمثل لعامر بن الظرب، أخبرنا أبو أحمد، عن أبي بكر بن دريد، عن عمه، عن أبيه، عن ابن الكلبي، قال: كان عامر بن الظرب يدفع بالناس في الحج، فحج ملك من ملوك حمير، فرآه فقال: لا أترك هذا المعدي حتى أذله، وأفسد عليه أمره فلما رجع إلى بلده، وصدر الناس أرسل إليه أني أحب أن تزورني، فأحبوك وأكرمك، وأتخذك خلاً وصديقاً، فأتى قومه فقالوا: انفذ وننفذ معك فنتجه بجاهك، فخرج وأخرج معه نفراً، فلما قدم بلاد الملك تكشف له رأيه، وأبصر سوء ما صنه بنفسه، فقال: ألا ترون أن الهوى يقظان، وأن العقل نائم، وهو أول من قاله، فمن هناك يغلب الرأي الهوى، ومن لم يغلب الهوى بالرأي ندم، عجلت حين عجلتم، ولن أعود بعد ما أعجل برأي، إنا قد تورطنا في بلاد هذا الملك، فلا تسبقوني بريث أمر أقيم عليه، ولا بعجلة رأي أخف معه، دعوني وحيلتي فإن رأيي لي ولكم. فلما قدم على الملك ضرب عليه قبةً وأكرمه، وأكرم أصحابه، فقالوا: قد أكرمنا كما ترى، وبعدها ما هو خير، فقال: لا تعجلوا، فإن لكل عام طعاماً، ولكل راع مرعىً، ولكل مراح مريحاً، وتحت الرغوة الصريح. وهو أول من قاله، فمكثوا أياماً، ثم بعث إليه الملك فتحدث عنده، وقال: إني قد رأيت أن أجعلك الناظر في أمور قومي، فقد ارتضيت عقلك، فافرغ لما أريد. قال: أحسب أن رغبتك في قربي بلغت بي أن تخلع لي ملكك، وقد تفضلت إذ أهلتني لهذه المنزلة، ولي كنز علم لست أعمل إلا به، تركته في الحي مدفوناً، وإن قومي أضناء بي، فاكتب لي سجلاً بجباية الطريق، فيرى قومي طمعاً تطيب أنفسهم به عني، فأستخرج كنزي، وأرجع إليك، فكتب له سجلاً بجباية الطريق، وجاء أصحابه فقال: ارتحلوا، حتى إذا برزوا قالوا: لم نر كاليوم وافد قوم أقل ولا أبعد من نوال منك، فقال لهم: مهلاً فإنه ليس على الرزق فوت، وغانم من نجا من الموت، والملك خوف، والسيف حيف، ومن لم ير باطناً يعش واهناً، فلما قدم على قومه قال: رب أكلةً تمنع أكلات وهو أل من قاله، فأقام ولم يرجع.
المثل المضروب
ترى الفتيان كالنخل وما يدريك ما الدخل
تفسير هذا المثل
يضرب مثلاً للرجل له منظر ولا مخبر له. والدخل: ما يبطن في الشيء. يقال: شيء مدخول، إذا كان فاسد الجوف. وفي الأثر: هدنة على دخن، وعلى دخل، أي مصالحة على فساد ضمائر، وقريب منه قول الشاعر:
ويخلف ظنك الرجل الطرير
وقال عبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر:
وأحمق تحسبه كيسأً * وقد تعجب العين من شخصه
وآخـــر تحســبـه جاهلاً * ويأتيك بالأمر من فصه
ونحو ذلك قول الآخر:
وينفع أهله الرجل القبيح
المثل المضروب
تنهانا أمنا عن الغي وتغدو فيه
تفسير هذا المثل
يضرب مثلاً للرجل ينهى عن الشيء ويأتيه. وأصله أن امرأةً كانت تؤاجر نفسها، وكانت لها بنات تخاف أن يأخذن أخذها، فكانت إذا غدت في شأنها تقول لهن: احفظن أنفسكن، وإياكن أن يقربكن أحد، فقالت إحداهن: تنهانا أمنا عن الغي وتغدو فيه ومن هاهنا أخذ الشاعر قوله:
لا تنه عن خلق وتأتي مثله * عار عليك إذا فعلت عظيم
وفي كلام أمير المؤمنين علي رضى الله عنه: لا تكن ممن يرجو الآخرة بغير عمل، ويؤخر التوبة بطول أمل، يقول في الدنيا بقول الزاهدين، ويعمل فيها بعمل الراغبين، إن أعطي لم يشبع، وإن منع لم يقنع، يعجز عن شكر ما أوتي، ويبتغي الزيادة فيما بقي، ينهى ولا ينتهي، ويأمر بما لا يأتي، يحب الصالحين ولا يعمل بعملهم، ويبغض الطالحين وهو منهم، تغلبه نفسه على ما يظن، ولا يغلبها على ما يستيقن، فهو يطاع ويعصي، ويستوفي ولا يوفي. قال الشاعر:
لا تلم المرء على فـعـلـه * وأنت منسوب إلى مثـله
من عاب شيئاً وأتى مثله * فإنـمـا دل عـلـى جـهـله
المثل المضروب
التجلد ولا التبلد
تفسير هذا المثل
يقول: ينبغي أن يتجلد الرجل في الأمور ويتيقظ، ولا يتبلد، أي لا يتحير. وقد ذكرت أصله في الباب الأول. ونحوه قول الشاعر، وهو سعد بن ناشب:
تؤنبني فيما ترى من شراستي * وقوة نفسي أم عمرو وما تدري
وفي اللين ضعـف والشراسة هيبة * ومن لا يهب يحمل على مركب وعر
المثل المضروب
ترهات البسابس
تفسير هذا المثل
الواحدة ترهة. قيل: إنها دويبات لا يكدن يرين سرعةً. قال الشاعر:
من ترهات وجندب
ويقال للكذب وما أخذ إخذه: ترهات البسابس، أي باطل لا يتحصل. وقال الأصمعي: هي الطرق الصغار التي تتشعب من الطريق الأعظم. والبسابس: جمع بسبس، وهي الصحراء التي لا شيء فيها، بسبس وسبسب سواء، فإذا جاء الرجل بالأباطيل، وتكلم بالمحال قيل: أخذ في ترهات البسابس، كما يقال: ركب بنيات الطريق.
أخبرنا أبو أحمد، عن أبي بكر، عن عبد الرحمن، عن عمه قال: كان أبو الهندي مستهتراً بالشارب، فعذله قومه، فأنشأ يقول:
إذا صليت خمساً كل يوم * فإن الله يغفر لي فـسـوقـي
ولم أشرك برب الناس شيئاً * فقد أمسكت بالحبل الوثيق
فهذا الدين ليس به خفاء * فدعني من بنيات الـطـريق
قال أبو بكر: بنيات الطريق: الطرق الصغار تتشعب من الطريق الأعظم، ثم ترجع إليه.
المثل المضروب
تكذيب المنى أحاديث الضبع استها
تفسير هذا المثل
يقال ذلك في ذم التمني والطمع الكاذب، وقال عنترة في قريب من ذلك:
ألا قاتل الله الطلول البواليا * وقـاتل ذكراك السنين الخواليا
وقولك للشيء الذي لا تناله * إذا ما هو احلولى ألا ليت ذاليا
ويريد بالتكذيب هنا أن تكذبك المنى لا أن تكذبها.
المثل المضروب
تلك بتلك عمرو
تفسير هذا المثل
يضرب مثلاً للرجل يجازي صاحبه بمثل فعله. وأصله أن عمرو بن حدير بن سلمى بن جندل بن نهشل كانت تحته امرأة معجبة جميلة، وكان ابن عمه يزيد بن المنذر بن سلمى بن جندل يهواها، فدخل عمرو عليها فصادفه عندها، فطلقها، ثم أغير على الحي، فركب عمرو، فابتدره فوارس، فصرعوه فحمل عليهم يزيد فاستنقذه، وقال: تلك بتلك يا عمرو أي إن كنت أسأت إليك في امرأتك فقد أحسنت إليك في تخليص مهجتك.
تقلدها طوق الحمامة
يقال ذلك للرذيلة يأتيها الإنسان فيلزمه عارها، وهو من قول الشاعر:
اذهـب بـهـا اذهـب بـهـــا * طوقتها طوق الحمامه
المثل المضروب
تحلل غيل
تفسير هذا المثل
يضرب مثلاً للرجل يحلف على الشيء ليكونن، فيكون خلافه.
وأصله أن عبشمس بن سعد بن زيد مناة بن تميم وكان يلقب مقروعاً عشق الهيجمانة بنت العنبر بن عمرو بن تميم، فطرد عنها، فجاء الحارث بن كعب بن زيد مناة ليدفع عنه، فضرب على رجله فقطعت، فسمي الأعرج، وسار عبشمس في بني سعد إلى العنبر يطلبون حقهم في رجل الأعرج، فأبوا عليهم فيه، فقال عبشمس لأصحابه: إن راح إليكم مازن مترجلاً متزيناً فايأسوا من العقل، وإن جاءكم أشعث خبيث النفس فارجوه، فراح إليهم في ثياب وهيئة، فتحدث إليهم، فلما انصرف سمع عبشمس رجلاً من أصحاب مازن يتمثل قول غيلان بن مالك:
لا نعقل الرجل ولا نديهـا * حتى نرى داهيةً تنسيها
فعلم عبشمس الشر، فلما أظلم رحل وترك قبته قائمة، فطلبه مازن فلم يقدر عليه، ثم غزاهم عبشمس، فنزل بهم في ليلة ذات برق ورعد، فلمعت برقة، فرأت الهيجمانة ساقي عبشمس، فقالت لأبيها: والله لقد رأيت ساقي مقروع، فسمعها مازن فقال: حنت فلا تهنت فأرسلها مثلاً، فقال لها أبوها: لا رأي لمكذوب فاصدقيني فأرسلها مثلاً، فقالت: ثكلتك إن لم أكن رأيت مقروعاً فانج ولا إخالك ناجياً فأرسلتها مثلاً، فنجا العنبر تحت الليل، وصبحتهم بنو سعد فقتلت منهم ناساً، منهم غيلان بن مالك، فجعلت بنو سعد تحثي عليه التراب وتقول: تحلل غيل وهو من تحلة اليمين، وتحلة اليمين: قوله: إن شاء الله، وإنما عنوا قوله: لا نعقل الرجل ولا نديها وكان قد حلف على ذلك، فلما قتل جعلوا يهزءون به، ويقولون: تحلل أي قل: إن شاء الله. وغيل: ترخيم غيلان، كما تقول في ترخيم عثمان: عثم، وتبعوا العنبر فلحقوه على فرس يسوق إبله، فيمنع ما يتقدم منها، ويعقر ما يتأخر، فدنا عبشمس منه، فكشفت الهيجمانة وجهها، واستوهبته إياه، فوهبه لها، وأخذ بعضهم قولها: انج ولا إخالك ناجياً فقال:
فإن تنج منها تنج من ذي عظيمة * وإلا فإني لا إخالك ناجيا
ويقولون: ترك الخداع من كشف القناع
المثل المضروب
تقطع أعناق الرجال المطامع
تفسير هذا المثل
وأوله:
طمعـت بليلى أن تريع وإنما * تقطع أعناق الرجال المطامع
ومن أمثالهم في ذلك قول بعضهم:
ولليأس أدنى للعفاف من الطمع
وقال عمر رضي الله عنه: الطمع الكاذب فقر حاضر، وقال: ما الخمر صرفها بأذهب لعقول الرجال من الطمع، وفي عجز بيت النعمان:
ليس النجاح مع الحريص الطامع
وقال بعضهم في المعنى الأول:
رأيت مخيلةً فطمعت فيها * وفي الطمع المذلة للرقاب
وفي بعض الأسجاع: العبد حر إذا قنع، والحر عبد إذا طمع، قاله النبي صلى الله عليه وسلم.
المثل المضروب
التائب من الذنب كمن لا ذنب له
تفسير هذا المثل
المثل للنبي صلى الله عليه وسلم، قال: التائب من الذنب كمن لا ذنب له، والمستغفر من الذنب وهو مقيم عليه كالمستهزئ بربه.
المثل المضروب
التجارب ليست لها نهاية، والمرء منها في زيادة
تفسير هذا المثل
وأصله قول عمر رضي الله عنه: إن الغلام ليحتلم لأربع عشرة، وينتهي طوله لإحدى وعشرين، وعقله لسبع وعشرين، وأما تجاربه فإنها لا تنتهي. معناه: كلما عاش وجرب ازداد عقلاً، ومن أمثالهم في التجارب قولهم: لا تغز إلا بغلام قد عسا. وقد مضت نظائر هذا فيما تقدم.
المثل المضروب
تنزو وتلين
تفسير هذا المثل
يضرب مثلاً للرجل يتعزز ثم يذل. وأصله في الجدي، ينزو وهو صغير، فإذا كبر لان، والنزو: الوثب، ونحوه قوله:
وليس كما قد واشتهيته * ولكن كما شاء الزمان يكون
إذا لم أجد شيئاً نفسياً أريده * جزعت فقال الدهر سوف تلين
المثل المضروب
تجاوزت شبيثاً والأحص وماءهما
تخلصت قابية من قوب
تالله لولا عتقه لقد بلي
التغرير مفتاح البؤس
تفسير هذا المثل
● تجاوزت شبيثاً والأحص وماءهما
يضرب مثلاً للرجل يطلب الشيء وقد فاته. والمثل لجساس بن مرة، وذلك أنه لما طعن كليباً فسقط، وجعل يجود بنفسه قال له: يا جساس، اسقني ماء، فقال له: تجاوزت شبيثاً والأحص وماءهما أي قد فاتك الانتفاع بالماء، فقال نابغة بني جعدة:
كليب لعمري كان أكثر ناصراً * وأيسر جرماً منك ضرج بالدم
فقال لجساس أغثني بشربة * تمن بها فضلاً علي وأنعم
فقال تجاوزت الأحص وماءه * وبطن شبيث وهو ذو مترسم
---------------------------------------------------
● تخلصت قابية من قوب
رويناه عن أبي أحمد، عن ابن دريد قابية من قبا يقبو، ورأينا في بعض النسخ قائبة. قال أبو بكر: أي تخلصت بيضة من فرخ، والوجه أن يقال: فرخ من بيضة، وقبوت الشيء: جمعته، ومنه قيل للقباء قباء؛ لأنك تجمع أطرافه. يضرب مثلاً للرجل إذا تخلص من ضيق وكرب.
---------------------------------------------------
● تالله لولا عتقه لقد بلي
يضرب مثلاً للثابت على الشيء، والعتق: الكرم.
---------------------------------------------------
● التغرير مفتاح البؤس
التغرير: حمل النفس على الغرر. والبؤس: الشدة. والمثل لأكثم بن صيفي، وسنذكره فيما بعد إن شاء الله.
بّسم اللّه الرّحمن الرّحيم
الأمثال المضروبة في التناهي والمبالغة
الواقع في أوائل أصولها التاء
المثل المضروب
أتجر من عقرب
تفسير هذا المثل
وهو تاجر من تجار المدينة، وكان أمطل الناس، فعامله الفضل بن العباس بن أبي لهب، وكان أشد الناس اقتضاء، فلما حل المال قعد الفضل بباب عقرب يقرأ، وعقرب على شاكلته في المطل غير مكترث به، فلما أعياه قال يهجوه:
قد تجرت في سوقنا عقرب * لا مرحباً بالعقرب التاجره
كل عـــدو يتـــقى مقبلاً * وعقرب تخشى من الدابره
كل عـدو كـيده فــي اســـته * فغـير مخشي ولا ضائره
إن عادت العقرب عدنا لها * وكانت النعل لها حاضـره
المثل المضروب
أتيه من أحمق ثقيف
تفسير هذا المثل
وهو من التيه الذي هو الكبر، يعنون يوسف بن عمر، وكان أمير العراق من قبل هشام، وكان أحمق من أمر ونهى في الإسلام، وكان قصيراً دميماً، وكان خياطه إذا أفضل من الثوب الذي يقطعه له شيئاً ضربه مائة سوط، وإذا ذكر أنه يحتاج إلى شيء أجازه وأكرمه، وكان له نديم يقال له: عبدان، وكان من أطول الناس قامة، وكان يوسف مثل عقدة رشاء، فما شاه يوماً ، فقال له يوسف: أينا أطول، قال: فوقعت في محنة تحتها السيف، فقلت: اصلح الله الأمير، أنت أطول مني ظهراً، وأنا أطول منك ساقاً، قال: فضحك وقال: أحسنت.
المثل المضروب
أتعب من راكب فصيل
أتبع من تولب
أتب من أبي لهب
أتم من قمر التم
أتخم من فصيل
أتمك من سنام
اترف من ربيب نعمة
أتيس من تيوس تويت
تفسير هذا المثل
● أتعب من راكب فصيل
والفصيل: ولد الناقة، وإنما يتعب لأنه لم يرض.
---------------------------------------------------
● أتبع من تولب
والتولب: ولد الحمار. وولد الفرس يتبع أمه، وكذلك ولد البقرة، ولا أعرف لم خص التولب بذلك.
---------------------------------------------------
● أتب من أبي لهب
والتب: الخسران. والمثل مأخوذ من قول الله تعالى: (تبت يدا أبي لهب وتب) والأول دعاء، والثاني خبر.
---------------------------------------------------
● أتم من قمر التم
والتم هاهنا بمعنى التمام. ويقال: بدر التمام بالكسر، وبلغ الشيء تمامه بالفتح.
---------------------------------------------------
● أتخم من فصيل
وذلك أنه يشرب من اللبن فوق ما يحتاج إليه.
---------------------------------------------------
● أتمك من سنام
أي أرفع، وسنام تامك، أي مرتفع.
---------------------------------------------------
● اترف من ربيب نعمة
والترفة: النعمة.
---------------------------------------------------
● أتيس من تيوس تويت
قالوا: هو رجل.
بّسم اللّه الرّحمن الرّحيم
الباب الرابع
الأمثال المضروبة في أوله ثاء
المثل المضروب
ثأطة مدت بماء
ثار حابلهم على نابلهم
تفسير هذا المثل
● ثأطة مدت بماء
يضرب مثلاً للأحمق الذي كلما تخاطبه يزداد حمقاً. والثأطة: الحمأة، فإذا أصابها الماء ازدادت فساداً.
قد وافق هذا من أمثال العجم قول صاحب كليلة: لا يحب المذنب أن يفحص عن أمره، لقبح ما ينكشف منه، كالشيء المنتن كلما أثير ازداد نتناً.
---------------------------------------------------
● ثار حابلهم على نابلهم
يضرب مثلاً لفساد ذات البين، وهيج الشر. والحابل: صاحب الحبالة، وهي الشبكة. والنابل: صاحب النبل، أي قد اختلط القوم من شدة الشر، فصغيره يثور على كبيرهم، وكبيرهم على صغيرهم.
المثل المضروب
الثور يضرب لما عافت البقر
تفسير هذا المثل
هكذا رواه الأصمعي، وهو مثل الرجل يؤخذ بذنب غيره. وأصله أن البقر برد الماء فتمتنع من الشرب، فيضرب الثور، ليتقدم حتى تتبعه البقر فتشرب.
قال أبو هلال رحمه الله: وكانت العرب تزعم أن الجن تركب ظهور الثيران فتمتنع من الشرب، وتمتنع البقر معها، فتضرب الثيران لتشرب، فتشرب البقر معها، وقال الأعشى:
لكالثور والجني بركب ظهره * وما ذنبه إن عافت الماء مشرباً
وما ذنبه أن عافت الماء باقر * وما إن تعاف الماء إلا ليضربا
والبقر والباقر والباقور والبيقور سواء.
المثل المضروب
الثكل أرأمها
تفسير هذا المثل
يضرب مثلاً للرجل يحفظ خسيس ما لديه بعد فقد النفيس. والمثل لبيهس الفزاري، وكان يحمق وأمه تبغضه، وكان له إخوة خرجوا في وجه وهو معهم، فقتلوا إلا هون تخلص وجاء أمه، فقالت : أنجوت من بينهم، فقال: لو خيرت لاخترت، فلما رأت أنه ليس لها غيره أحبته، وعطفت عليه، فقال: الثكل أرأمها، أي عطفها. والرئمان: عطف الناقة على ولدها، قال سويد بن كراع:
وأنت امرؤ لا يقبل الصلح طائعاً * ولكن متى تظأر فإك رائم
تظأر؛ أي تعطف كرهاً، ظأرته على الأمر، إذا عطفته عليه، ومنه سميت الظئر ظئراً.
المثل المضروب
ثل عرشه
تفسير هذا المثل
يقال: ثل عرش فلان وعرشه، إذا قتل. والثلل: الهلاك، قال جرير:
إن يثقفوكم يلحقوكم بالثلل
وثل البيت: هدمه، قال الشاعر:
وعبد يغوث تحجل الطير حوله * فقد ثل عرشيه الحسام المهند
والعرش هاهنا: مغرز العنق في الكاهل. والعرش: السرير، وفي القرآن:(نكروا لها عرشها).
ويقال للرجل إذا هلك وولى أمره: غار نجمه، وذهبت ريحه، وطفئت جمرته، فإذا انقطع الرجاء منه قيل: أخلف نوءه، فإذا ذهبت قوته قيل: انكسرت شوكته، وكل حده، وانقطع بطانه، وتضعضع ركنه، وضعف عقده، وذلت عضده، وفت في عضده، ورق جانبه؛ فإذا ذل قيل: لانت عريكته، وإذا هلك قيل: تعس جده، وقال ثعلب: يقال: ثل ثلله، وأثل الله ثلله، أي أذهب عزه.
المثل المضروب
ثبت لبده
تفسير هذا المثل
يقال للرجل إذا وقع في مكروه: ثبت لبده، أي ثبت ذلك عليه، ولا زال عنه.
بّسم اللّه الرّحمن الرّحيم
الأمثال المضروبة في التناهي والمبالغة
الواقع في أوائل أصولها الثاء
المثل المضروب
أثقل من ثهلان
أثقل من نضاد
أثقل من عماية
أثقل من أحد
أثقل من حضن
أثقل من دمخ
تفسير هذا المثل
كل ذلك أسماء جبال معروفة، وكل قوم يتمثلون بالجبل الذي يقرب منهم. قال الشاعر:
كفى حزناً أني تطاللت كي أرى * ذراً علمي دمخ فما يريان
كأنهما والآل يجري عليهما * من البعد عـيناً برقع خلقان
وقال الشاعر في ثهلان:
ثهلان ذو الهضبات لا يتحلحل
وأصله من الثهل، وهو الانبساط، وقد أميت فما يستعمل.
المثل المضروب
أثقل من الزواقي
أثقل من الزاووق
أثقل من الزئبق
أثقل من الكانون
اثقل من النضار
أثقل من رحا البزر
تفسير هذا المثل
● أثقل من الزواقي
وهي الديكة. والزقاء: صوت الديك، وكان الفتيان يسمرون بالليل، حتى إذا زقت الديكة انصرف كل إلى رحله، فاستثقلوها لقطعها عليهم سمرهم.
---------------------------------------------------
● أثقل من الزاووق
قيل: هو الزئبق؛ ويقال: زوق كتابه وزوره،؛ إذا حسنه وقومه، وزوق كلامه أيضاً، وزوق بيته؛ إذا نقشه؛ لأن الزئبق يقع في الأصباغ التي ينقش بها البيت، ثم كثر حتى قيل: زوق كتابه وزوره، إذا حسنه وقومه.
---------------------------------------------------
● أثقل من الزئبق
بكسر الباء والهمز، ودرهم مزأبق، فيه زئبق.
---------------------------------------------------
● أثقل من الكانون
وهو الرجل الثقيل؛ وتكونت علينا، أي ثقلت، وهو " فاعول " من كننت الشيء، وذلك أنه إذا دخل على القوم وهم في حديث ستروه عنه.
---------------------------------------------------
● اثقل من النضار
وهو الذهب، وليس في الأشياء شيء أوزن منه، ولذلك يرسب في الزئبق، ولا يرسب فيه غيره، والدابة التي تحمل خمسمائة منا من أنواع الحمولة لا تقدر أن تتحمل من الذهب قطعة فيها مائة رطل، وذلك أنها تكسر ما تحتها. من عظمها، لاجتماعها وثقلها.
---------------------------------------------------
● أثقل من رحا البزر، ومن نصف رحا بزر
فيكون أبلغ؛ لأن النصف لا يمكن إدارته.
المثل المضروب
أثبت من قراد
أثبت من الوشم
أثبت في الدار من الجدار
أثقف من سنور
تفسير هذا المثل
● أثبت من قراد
وذلك أنه إذا لزم موضعاً من جسد البعير لا يفارقه، وعسر نزعه.
---------------------------------------------------
● أثبت من الوشم
وهو السواد الذي تحشى به اليد وغيرها من أعضاء البدن. ولعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الواشمة والموتشمة، وروي: " المستوشمة " قالوا شمة: التي تفعل، والموتشمة: التي يفعل بها.
---------------------------------------------------
● أثبت في الدار من الجدار
من قول بعض الرجاز في طفيلي:
أطفل من ليل على نهار * أثبت في الدار من الجدار
كأنه في الـدار رب الـدار
---------------------------------------------------
● أثقف من سنور
وذلك أنها إذا وثبت على الفأرة لم تخطئها. ولفظ " السنور " مؤنث، وإن أريد به الذكر، ومنه الثقاف.
مُختصر كتاب جمهرة الأمثال لأبو هلال العسكري