منتدى نافذة ثقافية

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

    المقالة الثالثة [ تابع الجزء الأول من الفصل السابع ]

    بص وطل
    بص وطل
    Admin


    عدد المساهمات : 2283
    تاريخ التسجيل : 29/04/2014

    المقالة الثالثة [ تابع الجزء الأول من الفصل السابع ] Empty المقالة الثالثة [ تابع الجزء الأول من الفصل السابع ]

    مُساهمة من طرف بص وطل الإثنين أغسطس 08, 2016 4:48 pm

    المقالة الثالثة [ تابع الجزء الأول من الفصل السابع ] Manaze10

    بّسم الله الرّحمن الرّحيم
    مكتبة الثقافة العلمية
    المناظر لابن الهيثم
    المقالة الثالثة
    أغلاط البصر فيما يدركه على استقامة وعللها
    تابع الجزء الأول من الفصل السابع
    المقالة الثالثة [ تابع الجزء الأول من الفصل السابع ] 1410
    ● [ تابع غلط البصر في القياس من أجل البعد ] ●
    [ التفرق ]

    وقد يعرض الغلط في التفرق من أجل تفاوت البعد. وذلك أنه إذا كان جسم فسيح الأقطار، وكان مختلف الألوان، وكان واحد من تلك الألوان يقسم سطح ذلك الجسم في مواضع متفرقة أو في موضع واحد، فيعرض من ذلك أن ينقسم سطح ذلك الجسم بذلك اللون في موضع أو في مواضع متفرقة، ويكون اللون الذي يقطع سطح ذلك الجسم من الألوان المظلمة، ويكون الموضع الذي فيه هذا اللون من سطح الجسم ذا عرض مقتدر، فإن البصر إذا أدرك الجسم الذي بهذه الصفة من بعد متفاوت وأدرك اللون المظلم الذي يقطعه، فإنه يظهر للبصر أنه عدة أجسام متفرقة متجاورة، إذا لم يكن قد تقدم علم الناظر بذلك الجسم، وظن بذلك اللون المظلم أنه تفرق بين تلك الأجسام، فيدرك الجسم المتصل متفرقاً. ومن الأجسام التي بهذه الصفة التي يعرض فيها مثل هذا الغلط هي الجدران التي يكون في تضاعيفها أو في وجوهها أخشاب قائمة إذا كان البصر يدركها من بعد متفاوت.
    وكذلك إذا كان جسم فسيح الأقطار مسفر اللون وأشرق عليه ضوء الشمس ووقعت مع ذلك عليه أظلال متفرقة تقطع سطح ذلك الجسم ، أو ظل واحد يقطعه، وأدرك البصر الجسم الذي بهذه الصفة من بعد متفاوت ولم يكن قد تقدم علم الناظر بذلك الجسم ولم يحس في الحال بالأجسام التي منها تلك الأظلال، فإن البصر يدرك الجسم الذي بهذه الصفة من بعد متفاوت كأنه أجسام متفرقة متجاورة إذا لم يحس بأن المواضع المنكسفة اللون هي اظلال.
    وهذا الغلط أيضاً هو غلط في القياس لن التفرق إنما يدرك بالقياس. وعلة هذا الغلط هو خروج بعد المبصر عن عرض الاعتدال، لن المبصر المتصل إذا كان على بعد معتدل فإن البصر يدركه متصلاً، وإن كان مختلف الألوان وكان عليه أظلال أو كانت فيه أخشاب، إذا كانت المعاني الباقية التي في ذلك المبصر في عرض الاعتدال.
    الاتصال وقد يعرض الغلط في الاتصال أيضاً من أجل تفاوت البعد. وذلك أنه إذا كانت مبصرات متشابهة اللون متفرقة وكان عرض التفرق الذي بينها يسيراً، أو كانت متماسة، وأدركها البصر من بعد متفاوت، فإن البصر يدرك المبصرات التي بهذه الصفة جسماً متصلاً إذا لم يكن قد تقدم العلم بتلك الأجسام. وذلك لأن التفرق اليسير والتماس الذي بين المبصرات قد يخفى من البعد البعيد الذي يدرك منه كل واحد من تلك المبصرات إذا كانت تلك المبصرات أفسح أقطاراً من عرض التفرق، وإذا خفي التفرق الذي بين الأجسام أدرك البصر تلك الأجسام متصلة كأنها جسم واحد. ومن المبصرات التي بهذه الصفة الستر التي ربما عملت على رؤوس الحيطان من الألواح الخشب التي يقترن بعضها ببعض. فإن الألواح التي بهذه الصفة إذا أدركها البصر من بعد متفاوت، ولم يظهر الضوء من مواضع فصولها، فإنه يدركها كأنها جسم واحد متصل ولا يحس بمواضع فصولها. وكذلك الأسرة التي تتخذ من الألواح الخشب، إذا كان السرير من ألواح مقترن بعضها ببعض، فإن البصر إذا أدرك السرير الذي بهذه الصفة من بعد متفاوت فإنه يدركه كأنه جسم واحد متصل ولا يحس بمواضع الفصول التي بين تلك الألواح. وكذلك كلما جرى هذا المجرى من الأجسام المتضامنة المتشابهة الألوان التي تكون فصولها ضيقة إذا أدركها البصر من بعد متفاوت.
    وإذا أدرك البصر الأجسام المتفرقة جسماً واحداً متصلاً فهو غالط فيما يدركه من اتصالها، ويكون هذا الغلط غلطاً في القياس لن الاتصال يدرك بالقياس. وعلة هذا الغلط هو خروج بعد المبصر عن عرض الاعتدال لأن المبصرات التي بهذه الصفة إذا كانت على أبعاد معتدلة فإن البصر يدرك التفريق والتماس الذي بين تلك المبصرات، ويدرك كل واحد من تلك المبصرات على ما هو عليه، إذا كانت المعاني الباقية التي في تلك المبصرات في عرض الاعتدال.
    قد يعرض للبصر من غلطه في التفريق وفي الاتصال أن يكون مع ذلك غالطاً في العدد أيضاً. فإنه إذا أدرك المبصرات المتفرقة الكثيرة واحداً، وأدرك المبصر الواحد المتصل كثيراً متفرقاً، فهو غالط في العدد.
    الحركة وقد يعرض الغلط في الحركة أيضاً من أجل خروج بعد المبصر عن عرض الاعتدال. وذلك أن البصر إذا كان ينظر إلى القمر أو إلى كوكب من الكواكب، ثم تحرك الناظر على وجه الأرض وهو في حال حركته ناظر إلى القمر أو الكوكب، فإنه يرى القمر أو الكوكب سائراً معه. وإذا وقف الناظر في موضعه، ونظر إلى القمر أو الكوكب، فإنه يدرك القمر والكوكب في زمان له قدر محسوس ساكناً لا يتحرك. فيكون الناظر المتحرك إذا أدرك القمر والكوكب متحركاً بحركته غالطاً فيما يدركه من حركته، ويكون هذا الغلط غلطاً في القياس، لأن الحركة تدرك بالقياس. وعلة هذا الغلط هو خروج بعد المبصر عن عرض الاعتدال، لأن المبصر الساكن والمبصر المتحرك حركة بطيئة، إذا كان على بعد معتدل، وكان الناظر الذي ينظر إليه متحركاً، فليس يدركه متحركاً بحركته بل يدرك الساكن ساكناً، ويدرك حركة المتحرك البطيء الحركة على ما هي عليه، ويدرك أنه غير متحرك بحركته إذا كانت المعاني الباقية التي في ذلك المبصر في عرض الاعتدال.
    فأما لم يدرك البصر القمر والكواكب متحركة بحركته فإن ذلك لأن المسافة التي يقطعها الناظر المتحرك من سطح الأرض في الزمان اليسير ليس لها قدر محسوس عند بعد القمر والكواكب عند البصر وعند جسم الناظر في الزمان الذي يقطع فيه الناظر المتحرك المسافة التي فيها يدرك القمر أو الكواكب متحركاً. وإذا لم يتغير وضع المبصر عند البصر وعند جسم الناظر، وكان الناظر مع ذلك متحركاً، فإن الناظر إذا وجد وضع المبصر منه في الحال الثانية شبيهاً بوضعه منه في الحال الأولى، ووجد المبصر مسامتاً له على مثل ما كانت مسامتته له، وكان الناظر يحس أنه قد انتقل عن الموضع الأول الذي كان فيه. فإنه يدرك ذلك المبصر منتقلاً بانتقاله، لأن البصر ليس يدرك مبصراً من المبصرات المألوفة ويدرك وضعه منه وضعاً واحداً لا يتغير ويكون الناظر مع ذلك متحركاً إلا إذا كان ذلك المبصر متحركاً حركة مساوية لحركة الناظر إليه وفي الجهة التي يتحرك إليها الناظر. فلذلك إذا كان الناظر متحركاً، وكان مع ذلك ينظر إلى القمر أو إلى كوكب من الكواكب، أدرك القمر والكوكب كأنهما متحركان معه حركة مساوية لحركته. وكذلك أيضاً الغلط في حركة القمر إذا أدركه الناظر من وراء السحاب الرقيق، فإنه يظن القمر متحركاً حركة سريعة، وتكون علة غلطه هو تفاوت بعده، ويكون طريق غلطه هو قياس القمر إلى أجزاء السحاب. وقد ذكرنا هذا المعنى من قبل.
    [ السكون ]

    وقد يعرض الغلط في السكون أيضاً من اجل خروج بعد المبصر عن عرض الاعتدال، وهو ان المبصر إذا كان يتحرك حركة بطيئة، وكان البصر يدركه من بعد متفاوت، ولم يطل البصر النظر إلى ذلك المبصر، وكان ذلك البصر ربما لم يدرك حركة ذلك المبصر، وإذا لم يدرك البصر حركة المبصر فإنه يظنه ساكناً. وكذلك صار البصر إذا نظر إلى الكواكب أدركها في الحال ساكنة ولم يحس بحركتها مع سرعة حركتها. وهذا الغلط هو غلط في القياس لأن البصر إنما يدرك السكون بالقياس. وعلة هذا الغلط هو خروج بعد المبصر عن عرض الاعتدال، لأن المبصر إذا كان على بعد معتدل، وكان متحركاً حركة مساوية لحركة الكوكب، فإن البصر يدرك حركته في الزمان الذي تخفى فيه حركته من البعد المتفاوت الذي يدركه فيه ساكناً.
    فأما لم صار البصر يدرك المتحرك من البعد المتفاوت إذا لم يطل النظر إليه ساكناً فإن ذلك لأن المبصر إذا كان على ب متفاوت مسرف التفاوت فإنه يقطع في زمان محسوس مسافة غير محسوسة بالقياس إلى ذلك البعد على أي صفة كانت حركته، مستقيمة كانت حركته أو مستديرة، أعني أنه قد يقطع في زمان محسوس مسافة لا يدركها البصر من ذلك البعد. والبصر إنما يدرك المبصر ساكناً إذا أدركه في زمان محسوس على وضع واحد بالقياس إلى البصر أو إلى جسم من الأجسام. وإذا كان المبصر يتحرك ويقطع في زمان محسوس مسافة غير محسوسة من البعد المتفاوت، فإن البصر إذا نظر إلى المبصر الذي بهذه الصفة من ذلك البعد المتفاوت ولم يثبت في مقابلته إلا زماناً يسيراً فإن المبصر في ذلك القدر من الزمان قد يقطع مسافة غير محسوسة بالقياس إلى ذلك البعد. وإذا كان المبصر يقطع في ذلك القدر من الزمان مسافة غير محسوسة بالقياس إلى ذلك البعد، كان البصر يدرك ذلك المبصر من ذلك البعد في ذلك القدر من الزمان على وضع واحد بالقياس إلى البصر نفسه ويظن أنه لم يتغير وضعه، وإذا أدرك البصر المبصر على وضع واحد زماناً محسوساً فهو يدركه ساكناً، فلهذه العلة صار البصر يدرك المبصر المتحرك من البعد المتفاوت ساكناً إذا لم يطل النظر إليه.
    وقد يعرض الغلط في السكون أيضاً على وجه آخر. وذلك إذا أدرك البصر مبصراً من المبصرات من بعد متفاوت وكان ذلك المبصر متحركاً حركة على الاستقامة في سمت المسافة الممتدة بين البصر وذلك المبصر الموازية لخطوط الشعاع الممتدة إلى ذلك المبصر، ولم تكن حركة في غاية السرعة، فإن البصر إذا أدرك المبصر الذي على هذه الصفة فإنه يدركه في الحال ساكناً ولا يحس بحركته إن كانت حركته في جهة التباعد أو إن كانت في جهة التقارب. وذلك لأن البصر إنما يدرك الحركة المستقيمة إذا أدرك المتحرك يسامت جسماً من الأجسام وأدركه يسامت من ذلك الجسم جزءاً بعد جزء، أو يدركه يسامت أجساماً مختلفة جسماً بعد جسم، أو يدرك المسافة التي يقطعها المتحرك في حال إحساسه بالحركة. لأنه إذا أدرك المسافة التي يقطعها المتحرك فقد أدرك المتحرك مسامتاً للجزء من الجسم المسامت لأول المسافة ثم أدركه مسامتاً للجزء من ذلك الجسم المسامت لآخر تلك المسافة. فعلى هذه الوجوه يدرك الحركة.
    وإذا كان المتحرك على بعد متفاوت، وكانت حركته على سمت الشعاع الممتد إليه من البصر، وأدركه البصر زماناً يسيراً، فإن البصر لا يدرك المسافة التي قطعها ذلك المتحرك في ذلك القدر من الزمان. لن البصر يدرك المتحرك الذي على هذه الصفة على سمت واحد وعلى وضع واحد إذا كان متحركاً على سمت خطوط الشعاع الممتدة إليه من البصر. وإذا كان المتحرك الذي بهذه الصفة متحركاً على وجه الأرض فإن البصر لا يدرك المسافة التي تحرك عليها لتفاوت البعد. وليس يدرك البصر حركة المتحرك الذي بهذه الصفة إلا إذا أحس بأنه قد قرب أو قد بعد. وليس يحس ببعده وقربه من البعد المتفاوت إلا إذا قطع مسافة مقتدرة، لأنه إن كانت حركته في جهة التباعد فليس يحس بحركته إلا إذا تصاغر مقداره أو أدرك المسافة التي قطعها، وإن كانت حركته في جهة التقارب فليس يحس بحكته إلا إذا عظم مقداره أو أدرك المسافة التي قطعها. وليس يتصاغر مقدار المبصر بعد أن أدركه البصر من البعد المتفاوت ولا يتعاظم إلا إذا قطع مسافة مقتدرة. ولا يدرك البصر أيضاً المسافة التي يقطعها المبصر المتفاوت البعد إلا إذا كانت مقتدرة. فإذا أدرك البصر المبصر الذي على هذه الصفة، ولم يثبت في مقابلته إلا زماناً يسيراً، ولم تكن حركته شديدة السرعة، فليس يحس البصر بحركته لأنه ليس يقطع في الزمان اليسير مسافة مقتدرة يصح أن يدركها البصر من البعد المتفاوت أو يتصاغر أو يتعاظم.
    وإذا لم يحس البصر بحركة المبصر فإنه يظنه ساكناً، وإذا أدرك البصر المبصر المتحرك ساكناً فهو غالط في سكونه، ويكون غلطاً في القياس لأن السكون ليس يدرك إلا بقياس. وعلة هذا الغلط هو خروج بعد المبصر عن عرض الاعتدال لن المبصر الذي بهذه الصفة إذا كان على بعد معتدل، وكان على وجه الأرض أو مسامتاً لجسام مرتبة، فإن البصر يدرك وجه الأرض، ويدرك الأجسام المرتبة التي تسامت بعده، ويدرك المسافة التي يقطعها ذلك البصر المتحرك في الزمان اليسير الذي يدرك في مثله الحركات، إذا لم تكن حركته في غاية البطء، ويدرك حركته على ما هي عليه إذا كانت المعاني الباقية التي في ذلك المبصر التي بها يتم إدراك المبصر على ما هو عليه في عرض الاعتدال.
    الخشونة وقد يعرض الغلط في الخشونة أيضاً من أجل خروج بعد المبصر عن عرض الاعتدال.
    وذلك يكون كثيراً في التزاويق. فإن المزوقين يشبهون ما يزوقونه من الصور والتزاويق بأمثالها من الأجسام المشاهدة، وقد يتأتون لتشبيه الحيوانات والأشخاص المعينة والنبات والآلات وسائر المبصرات المجسمة وسائر المعاني التي فيها بالصور المسطحة وفطنوا لمواضع التشبيه فهم يتلطفون في ذلك بالأصباغ والنقوش، فإذا صوروا صور الحيوانات ذوات الشعر والجشر والنبات ذوات الزغب والأوراق الخشنة السطوح والجمادات الخشنة الظاهرة الخشونة فهم يشبهونها بالنقوش والتخاطيط واختلاف الأصباغ بما يظهر من خشونة سطوح تلك الحيوانات وذلك النبات وتلك الجمادات، وتكون الصور التي يعملونها مع ذلك مسطحة ملساً وصقيلة أيضاً. وكذلك يصورون أشخاص الناس ويشبهون تخاطيط وجوههم وأجسامهم وما فيها من الشعر والمسام والغضون وتكاسير ملابسهم بما يظهر للحس من صور أشخاص الناس وخشونة ما يظهر من أبشارهم بالشعر والمسام وتكاسير لباسهم. والبصر يدرك الصور المصورة شبيهة بصورها التي هي شبيهة بها كان مزوقها حذاقاً بصناعة التزاويق. فإذا أدرك البصر صورة مصورة على حائط أو على خشب أو على قرطاس، وكانت تلك الصورة من صور الحيوانات ذوات الشعر والجشر، فإن البصر يدرك الشعر منها كأنه شعر والجشر منها كأنه جشر. وكذلك إذا أدرك البصر صور النبات الخشنة الأوراق فإنه يدركها كأنها خشنة، وكذلك يدرك صور الجمادات الظاهرة الخشونة، وكذلك يدرك صور أشخاص الناس المصورة كأنها صور مجسمة، وكان ما فيها من صور الشعر المتفرق شعر وما فيها من الغضون كأنه غضون وما في تكاسير اللباس التي على الصور المصورة كأنها تكاسير الثياب التي يلبسها الناس مع ملاسة سطوح تلك الصور وصقالها.
    وإذا أدرك البصر الصورة الملساء خشنة فهو غالط في خشونتها، وهذا الغلط هو غلط في القياس لأن الخشونة إنما تدرك بالقياس. وهذا الغلط قد يكون لعلة من العلل التي من اجلها يعرض للبصر الغلط. فمنها ما تكون علته هو بعد الصورة عن البصر، وذلك أن الصورة المصورة التي بهذه الصفة ليس يتحقق البصر ملاستها إلا بالتأمل، وليس يتمكن البصر من تأملها إلا إذا كانت قريبة من البصر شديدة القرب منه، لأنه ليس يظهر تطامن سطح المبصر وملاسته بالتأمل إلا من تأمل أجزاءه التي في غاية الصغر، والأجزاء التي في غاية الصغر ليس يدركها البصر إلا من القرب الشديد. وإذا كانت الصورة على بعد ليس يدرك منه البصر وضع الأجزاء التي في غاية الصغر التي يظنها من ذلك البعد أنها شاخصة ومختلفة الوضع، ولا يدرك استواء وضع جميع أجزاء السطح، فليس يدرك ملاسة سطح تلك الصورة.
    وأيضاً فإن الخشونة التي تظهر للبصر في سطوح الصور المصورة قد تظهر من بعد ليس في غاية القرب، وليس يدرك البصر ملاسة سطوح الصور المصورة الشبيهة بالمبصرات الخشنة السطوح من صورة الضوء الذي يظهر في سطوحها التي يعرفها البصر في سطوح المبصرات الملس إذا لم يتقدم العلم بملاسة سطوح تلك الصور، لأن صور سطوح هذه الصور المصورة التي تظهر للبصر خشنة هي أشبه بصور السطوح الخشنة من صورة الضوء التي فيها بصور الأضواء التي في السطوح الملس لما قد تلطف في المزوقون من شدة تشبيهها بالسطوح الخشنة. فليس يدرك البصر ملاسة ما هذه صفته من الصور المصورة إلا بالتأمل المحقق. وليس يتمكن البصر من تأمل سطوح هذه الصور ويتحقق ملاستها إلا بالقرب الشديد. فإذا أدرك البصر صورة من هذه الصور من بعد مقتدر ليس في غاية القرب من البصر فهو يدركها خشنة السطح ولا يدرك ملاستها في الحال. والبعد المعتدل الذي منه يدرك البصر ملاسة الصور التي بهذه الصفة هو البعد اليسير الذي يظهر منه للبصر بالتأمل حقيقة ملاستها.
    وقد يظهر صقال هذه الصور إذا كانت صقيلة من البعد المقتدر الذي تظهر منه خشونتها الغليظة، وذلك إذا كان وضع سطح الصورة الوضع الذي ينعكس منه الضوء إلى البصر، الذي هو لمعان الصقال. إلا أن سطوح الأجسام قد يجتمع فيها الصقال والخشونة معاً، إذا كانت أجزاؤها مختلفة الوضع، وكانت سطوح الأجزاء المختلفة الوضع صقيلة، وكانت الأجزاء الصقيلة متراصة ومتكاثفة كالشعر والأصداف وما جرى مجراها، فيكون السطح بجملته خشناً ويكون كل واحد من أجزائه المختلفة الوضع صقيلاً. وما هذه حاله من السطوح إذا انعكس الضوء عنها إلى البصر، أدرك البصر صقالها مع اختلاف وضع الأجزاء. وكثيراً ما يظهر الصقال في سطوحالأجسام المشعرة والتي فيها أجزاء مختلفة الوضع وتشتبه في الحال على البصر أنها مشعرة أو أجزاؤها مختلفة الوضع.
    وإذا كان ذلك كذلك فليس يتحقق البصر ملاسة السطح إذا أدرك صقاله من بعد مقتدر معهما قد تقرر في النفس أن الصقال قد يجتمع مع الخشونة، فليس يتحقق البصر ملاسة ما هذه حاله من السطوح إلا من القرب الشديد. والصور المصورة المشبهة بالمبصرات الخشنة السطوح التي تظهر خشونتها من البعد المقتدر ليس يدرك البصر ملاستها وصقالها إلا من القرب الشديد، وهو بعدها المعتدل الذي تدرك منه ملاستها. والبعد المقتدر الذي يدرك منه خشونتها الغليظة هو بعد خارج عن الاعتدال بالقياس إلى تلك الصورة. فالغلط الذي يعرض للبصر فيما يدركه من خشونة سطوح الصور المصورة التي يشبهها المزوقون بالمبصرات الخشنة السطوح مع ملاسة سطوحها، إذا كانت على أبعاد مقتدرة ولم تكن شديدة القرب من البصر، إنما هو من أجل خروج بعد تلك الصور عن عرض الاعتدال الذي منه يدرك البصر ملاسة تلك الصور، الذي هو المسافة القريبة من البصر، لأن تلك الصور إذا كانت قريبة من البصر الذي هو بهدها المعتدل الذي يدرك منه ملاستها، أدرك البصر ملاستها على ما هي عليه ولم يدركها خشنة ولم يعرض له الغلط في خشونتها إذا كانت المعاني الباقية التي فيها في عرض الاعتدال.
    الملاسة وقد يعرض الغلط في الملاسة أيضاً من أجل خروج بعد المبصر عن عرض الاعتدال. وذلك ان المبصر الذي فيه خشونة يسيرة إذا كان على بعد متفاوت فليس يظهر للبصر خشونته وإن لم يكن البعد مسرف التفاوت. وذلك لأن الخشونة إنما يدركها البصر من إدراكه لاختلاف وضع أجزاء سطح المبصر، أو من إدراك اختلاف صورة الضوء الذي يكون في سطح المبصر. وإذا كانت الخشونة يسيرة فإن أجزاء سطح المبصر المختلفة الوضع تكون في غاية الصغر. وإذا كانت في غاية الصغر لم تتميز للبصر، ولم يتميز اختلاف أوضاعها للبصر من البعد المتفاوت، وإن لم يكن مسرف التفاوت. وإذا كانت الخشونة يسيرة فإن الاختلاف الذي في صورة الضوء يسيراً لم يظهر ذلك الاختلاف من البعد المتفاوت، ولم يفرق البصر بين الضوء الذي في ذلك السطح وبين صورة الضوء الذي يكون في السطح الأملس من البعد المتفاوت. وإذا لم يدرك البصر اختلاف أوضاع أجزاء المبصر، ولم يدرك اختلاف صورة الضوء الذي في سطح المبصر، لم يدرك خشونة المبصر، فهو يدرك ذلك المبصر كما يدرك الأجسام الملس التي سطوحها متشابهة الوضع، ولا يفرق بين السطح الخشن وبين السطح الأملس. فإذا أدرك البصر مبصراً من المبصرات الخشنة السطوح من البعد المتفاوت فليس يدرك الخشونة التي فيها. وإذا لم يدرك الخشونة التي في سطح المبصر، ولم يكن بعد المبصر من البعاد المسرفة التفاوت، فهو يشبه صورته بصورة أمثاله من المبصرات الملس ويظنه أملس إذا لم يتقدم علم الناظر بخشونة ذلك المبصر.
    وإذا ظن البصر بالخشن أنه أملس فهو غالط في ملاسته. والغلط في الملاسة هو غلط في القياس لن الملاسة إنما تدرك بالقياس. وعلة هذا الضغط هو خروج بعد لمبصر عن عرض الاعتدال، لن المبصرات التي في سطوحها خشنة إذا كانت على أبعاد معتدلة بالقياس إلى تلك المبصرات فإن البصر يدرك خشونتها ولا يدركها ملساً إذا كانت المعاني الباقية التي في تلك المبصرات في عرض الاعتدال.
    [ الشفيف ]

    وقد يعرض الغلط في الشفيف أيضاً على وجه من الوجوه من اجل خروج بعد المبصر عن عرض الاعتدال. وذلك أن الناظر إذا قرب إلى إحدى عينيه جسماً كثيفاً دقيق الحجم كالخلالة أو الإبرة أو ما جرى مجرى ذلك وستر العين الأخرى، وكان قبالته جسم مسرف اللون كالحائط الأبيض أو غيره من الأجسام البيض ، وكان بعد الحائط من البصر بعداً مقتدراً وليس بالمتفاوت، فإن البصر يدرك المقدار الذي يدركه البصر من الجسم المسفر اللون المقابل للبصر جزءاً عرضه العرض الذي يظهر لذلك الجسم الكثيف الدقيق الحجم. ومع ذلك فإن البصر يدرك الجزء المستتر من الجسم المسفر اللون المقابل له كما يدرك الأجسام من وراء الجسم المشف، ويدرك ذلك الجسم الدقيق الحجم إذا كان شديد القرب من البصر كأنه مشف لأنه يدرك ما وراءه وأحس بأن الذي يدركه من ورائه هو غيره فهو يدرك ذلك الجسم مشفاً. وإذا كان ذلك الجسم كثيفاً وأدركه البصر مشفاً فهو غالط فيما يدركه من شفيفه، والغلط في الشفيف هو غلط في القياس لأن الشفيف ليس يدرك إلا بالقياس. وعلة هذا الغلط هو خروج بعد المبصر عن عرض الاعتدال بالإفراط في القرب، لأن المبصر الدقيق الحجم إذا كان على بعد معتدل فإن البصر يدركه كثيفاً ولا يدرك ما وراءه إذا كانت المعاني التي في ذلك المبصر في عرض الاعتدال.
    فأما لم إذا قرب الجسم الكثيف الدقيق الحجم من البصر قرباً شديداً أدركه البصر مشفاً فإن ذلك لعلة تتبين من بعد هذا القول، ونحن نبين هذا المعنى بياناً واضحاً في الموضع اللائق به. فأما عظم عرضه الذي يظهر للبصر عند قربه من البصر فإن للعلة التي ذكرناها عند كلامنا في العظم، أعني العلة في المبصر إذا قرب من البصر قرباً شديداً أدركه البصر أعظم مما هو.
    الكثافة وقد يعرض الغلط في الكثافة أيضاً من أجل تفاوت البعد. وذلك أن الجسم المشف الذي شفيفه يسير إذا كان لون قوي، وكان وراءه جسم متلون أو موضع مظلم، فإن البصر إذا أدركه من بعد متفاوت فإنه يدركه كثيفاً ولا يدرك شفيفه، إذا لم يتقدم علم الناظر بشفيف ذلك المبصر. وذلك أن البصر إذا أدرك المبصر المشف من البعد المتفاوت، وكان المشف ذا لون قوي، فإن البصر يدرك لونه. فإن كان وراءه جسم متلون أو مكان مظلم، وكان ذلك اللون أو تلك الظلمة تظهر من وراء الجسم المشف، فإنه يظهر ممتزجاً بلون الجسم المشف، ولا يتميز للبصر من البعد المتفاوت لون الجسم المشف من اللون الذي يظهر من ورائه. فإذا كان الجسم المشف ذا لون قوي ، وكان وراءه جسم متلون أو مكان مظلم، وكان البصر يدرك ذلك المبصر من بعد متفاوت، فليس يتميز للبصر شفيفه، وإذا لم يتميز للبصر شفيفه أدركه كثيفاً.
    وإذا أدرك البصر المبصر المشف كثيفاً فهو غالط في كثافته، وهذا الغلط هو غلط في القياس لن الكثافة إنما تدرك بالقياس. وعلة هذا الغلط إنما هو خروج بعد المبصر عن عرض الاعتدال، لأن المبصر المشف إذا كان على بعد معتدل فإن البصر يدرك شفيفه إذا كانت المعاني الباقية التي فيه في عرض الاعتدال.
    الظل وقد يعرض الغلط في الظل أيضاً من أجل خروج بعد المبصر عن عرض الاعتدال. وذلك أن المبصر النقي البياض الفسيح الأقطار كالجدران البيض والمواضع من الأرض النقية البياض، إذا كان في تضاعيفها موضع أو مواضع ترابية اللون أو منكسفة اللون، وأشرق على المبصر الذي بهذه الصفة ضوء الشمس أو ضوء القمر أو ضوء النار، وأدركه البصر من بعد متفاوت، ولم يتقدم علم الناظر بذلك المبصر، فإن البصر يدرك الضوء الذي على المواضع البيض من ذلك المبصر ضوءاً مشرقاً ولا يشك فيه ويدرك الضوء على الأجزاء الترابية والمنكسفة الألوان منكسراً.
    وإذا أدرك البصر الضوء في بعض المواضع من الجدران ومن سطح الأرض منكسراً، فإنه ربما ظنه من أجل انكساره ظلاً، وأن الضوء الذي في سطح ذلك الجدار أو في ذلك الموضع من الأرض ليس بمتشابه، وخاصة إذا كان المبصر الذي بهذه الصفة فيما بين جدران وأشخاص يحتمل أن تكون تلك المواضع المنكسفة والترابية أظلالاً لها. وإذا أدرك المواضع المضيئة التي لا ظل عليها مستظلة فهو غالط فيما يدركه من استظلالها. وهذا الغلط هو غلط في القياس لأن الظل يدرك بالقياس. وعلة هذا الغلط هو خروج بعد المبصر عن عرض الاعتدال، لأن المبصر الذي بهذه الصفة إذا كان على بعد معتدل فإن البصر يدرك ألوانه على ما هي عليه ويدرك الضوء الذي فيه على ما هو عليه إذا كانت المعاني الباقية التي فيه في عرض الاعتدال.
    وقد يعرض الغلط في الظلمة أيضاً من أجل تفاوت البعد. وذلك أن المبصر إذا أدرك جداراً أبيض نقي البياض من بعد متفاوت، وكان في ذلك الجدار جسم أسود كالمرايا التي تكون في الحيطان وكالأبواب التي تتخذ من الأخشاب السود، ولم يتقدم علم الناظر بذلك الجدار وبتلك الجسام السود، فإن البصر ربما ظن بتلك الأجسام السود أنها كوى ومنافذ تفضي إلى مواضع مظلمة وأن ذلك السواد إنما هو مظلمة.
    وإذا أدرك البصر الجسم الأسود ظلمة فهو غالط فيما يدركه من الظلمة، وهذا الغلط هو غلط في القياس لأن الظلمة إنما تدرك بالقياس. وعلة هذا الغلط هو خروج بعد المبصر عن عرض الاعتدال، لأن المبصر الذي بهذه الصفة إذا أدركه البصر من بعد معتدل فإنه يدركه على ما هو عليه ويدرك الأجسام السود أجساماً ولا يعرض له الغلط في مائيتها إذا كانت المعاني الباقية في تلك المبصرات في عرض الاعتدال.
    الحسن وقد يعرض الغلط في الحسن أيضاً من أجل خروج بعد المبصر عن عرض الاعتدال. وذلك أن المبصر الحسن الصورة إذا كانت فيه وشوم أو غضون أو مسام أو آثار أو خشونة أو معان لطيفة تشين حسنه وتكسف صورته، فإنه إذا بعد عن البصر بعداً تخفى منه تلك الوشوم وتلك المعاني اللطيفة ولا يكون بعداً مسرفاً فإن صورته تظهر من ذلك البعد مستحسنة. والبعد الذي تخفى منه المعاني اللطيفة التي تكون في المبصر هو خارج عن الاعتدال بالقياس إلى ذلك المبصر، لأن البعد المعتدل بالقياس إلى المبصر هو البعد الذي يظهر منه جميع المعاني التي في ذلك المبصر ويدرك منه المبصر على ما هو عليه.
    وإذا أدرك البصر المبصر الذي ليس بحسن حسناً، وأدرك صورته خالية من المعاني التي تشينه وتكسف حسنه، ولم يشك في حسنه مع خفاء المعاني اللطيفة التي فيه، فهو غالط فيما يدركه من حسنه. وهذا الغلط هو غلط في القياس، لأن الحسن يدرك بالقياس، ولأن هذا الغلط إنما هو لتعويل البصر على المعاني الظاهرة فقط وسكونه إلى نتائجها. وعلة هذا الغلط هو خروج بعد المبصر عن عرض الاعتدال، لأن المبصر الذي بهذه الصفة إذا كان على بعد معتدل بالقياس إلى ذلك المبصر فإن البصر يدرك صورته غير مستحسنة، إذا كانت المعاني الباقية التي في ذلك المبصر في عرض الاعتدال.
    القبح وقد يعرض الغلط في القبح من أجل خروج بعد المبصر إذا كان ذا لون غير مستحسن أو شكل غير مستحسن أو هيئة غير مستحسنة، أو مجموع ذلك، وكانت فيه نقوش وتخاطيط وأجزاء صغار ومعان لطيفة، وكانت تلك التخاطيط وتلك المعاني الطيفة مستحسنة، وكان ذلك المبصر مستحسناً من أجل تلك المعاني التي فيه، فإن ذلك المبصر إذا أدركه البصر من بعد خارج عن الاعتدال ولم تظهر تلك المعاني التي فيه التي منها يظهر حسنه فإن البصر يدرك ذلك المبصر قبيحاً غير مستحسن، وربما لم يشك في قبحه، إذا لم يتقدم العلم بما في ذلك المبصر من المحاسن.
    وإذا أدرك البصر المبصر المستحسن قبيحاً من غير أن يستقرئ جميع المعاني التي فيه ولم يشك مع ذلك في قبحه فهو غالط فيما يدركه من قبحه.وهذا الغلط هو غلط في القياس لأن القبح يدرك بالقياس ولأن هذا الغلط هو من تعويل البصر على المعاني الظاهرة وسكونه إلى نتائجها مع خفاء المعاني اللطيفة التي في ذلك المبصر. وعلة هذا الغلط هو خروج بعد المبصر عن عرض الاعتدال، لأن المبصر الذي بهذه الصفة إذا أدركه البصر من بعد معتدل بالقياس إلى ذلك المبصر فإنه يدرك المعاني اللطيفة التي تكون فيه إذا كانت المعاني الباقية التي فيه في عرض الاعتدال. وإذا أدرك البصر المعاني اللطيفة التي تكون فيه التي بها تحسن صورته فإنه يدركه مستحسناً.
    التشابه وقد يعرض الغلط في التشابه أيضاً من أجل خروج بعد المبصر عن عرض الاعتدال على الوجه الذي تقدم. وذلك أن المبصرين إذا كانت فيهما معان لطيفة مختلفة، أو كانت فيهما أجزاء صغار مختلفة في الشكل أو في الوضع أو في المقدار أو في مجموع ذلك، وكان المبصران مع ذلك متشابهين في اللون أو في جملة الشكل أو في العظم أ وفي مجموع ذلك، فإن البصر إذا أدرك المبصرين اللذين على هذه الصفة من بعد تخفى منه المعاني اللطيفة التي يختلفان فيها، وربما لم يشك في تشابههما ولم يحكم لهما بشيء من الاختلاف. والبعد الذي تخفى منه المعاني اللطيفة التي تكون في المبصر هو بعد خارج عن الاعتدال بالقياس إلى ذلك المبصر.
    وإذا أدرك البصر المبصرين المختلفين بوجه من الوجوه متشابهين على الطلاق ولم يشك في تشابههما فهو غالط في تشابههما. وهذا الغلط هو غلط في القياس لأن التشابه ليس يدرك بالقياس ولأن هذا الغلط إنما هو لتعويل البصر على المعاني الظاهرة وسكونه إلى نتائجها. وعلة هذا الغلط هو خروج بعد المبصر عن عرض الاعتدال لن المبصرات التي بهذه الصفة إذا كانت على أبعاد معتدلة بالقياس إلى المبصرات فإن البصر يدرك صورها على ما هي عليه، ويدرك الاختلاف الذي فيها ولا يعرض له الغلط في تشابهها واختلافها، إذا كانت المعاني الباقية التي في تلك المبصرات في عرض الاعتدال.
    الاختلاف وقد يعرض الغلط في الاختلاف أيضاً من أجل خروج بعد المبصر عن عرض الاعتدال. وذلك أن المبصرين إذا كانا متشابهين في معان لطيفة تكون فيهما، وكانا مختلفين في لونيهما أو شكليهما أو عظميهما أو في المعاني الظاهرة التي تكون فيهما، فإن ذينك المبصرين إذا أدركهما البصر من بعد تخفى منه المعاني اللطيفة التي فيهما التي يتشابهان فيها ويظهر منه المعاني الظاهرة التي فيهما، فإن البصر يدرك ذينك المبصرين مختلفين ولا يحكم لهما بشيء من التشابه. وربما قطع باختلافهما ولم يشك في ذلك إذا لم يدرك المعاني التي يتشابهان فيها في حال إدراكهما وأدرك في الحال المعاني التي يختلفان فيها، والبعد الذي تخفى منه المعاني اللطيفة التي تكون في المبصر التي بها يدرك حقيقة صورة المبصر هو بعد خارج عن الاعتدال بالقياس إلى ذلك المبصر.
    وإذا أدرك البصر المبصرين المتشابهين بوجه من الوجوه مختلفين على الإطلاق، ولم يحس بشيء من تشابههما، ولم يشك في اختلافهما، فهو غالط فيما يدركه من اختلافهما. والغلط في الاختلاف هو غلط في القياس لن الاختلاف ليس يدرك إلا بالقياس ولأن هذا الغلط إنما هو لتعويل البصر على المعاني الظاهرة فقط وسكونه إلى نتائجها. وعلة هذا الغلط هو خروج بعد المبصر عن عرض الاعتدال، لأن المبصرات التي بهذه الصفة إذا أدركها البصر من أبعاد معتدلة فإنه يدرك تشابهها ويدرك صورها على ما هي عليه ولا يعرض له الغلط في تشابهها واختلافها إذا كانت المعاني الباقية التي في تلك المبصرات في عرض الاعتدال.
    فعلى هذه الصفات وأمثالها يكون غلط البصر في القياس من أجل خروج أبعاد المبصرات عن عرض الاعتدال.

    المقالة الثالثة [ تابع الجزء الأول من الفصل السابع ] Fasel10

    كتاب : المناظر ● تأليف : ابن الهيثم
    منتدى نافذة ثقافية . البوابة
    المقالة الثالثة [ تابع الجزء الأول من الفصل السابع ] E110


      الوقت/التاريخ الآن هو الجمعة نوفمبر 22, 2024 1:31 am