بّسم الله الرّحمن الرّحيم
موسوعة تفسير الأحلام
مُنتخب الكلام في تفسير الأحلام
تأويل رؤيا المزرعة والحشيش والروضة
والحبوب بأنواعها والبقول
المزرعة :
المزرعة تدل على المرأة، لأنها تحرث وتبذر وتسقى وتحمل وتلد وترضع إلى حين الحصاد. واستغناء النبات عن الأرض، فسنبله ولدها أو مالها، وربما دل على السوق، وسنبله أرزاقها وأرباحها وفوائدها لكثرة أرباح الزرع وحوائجه وربحه وخساراته، ويدل على ميدان الحرب وحصيد سنبله حصيد السيف. وربما دل على الدنيا وسنبله جماعة الناس صغيرهم وكبيرهم وشيخهم وكهلهم، لأنهم خلقوا من الأرض وسبوا ونبتوا كنبات الزرع، كما قال تعالى: ( والله أنبتكتم من الأرض نباتاً ). وقد تدل السنابل في هذا الوجه على أعوام الدنيا وشهورها وأيامها، وقد تأولها يوسف الصديق عليه السلام بالسنين، وقد تدل على أموال الدنيا ومخازنها ومطامرها، لجمع السنبلة الواحدة حباً كثيراً. وربما دلت المزارع على كل مكان يحرث فيه للآخرة، يعمل فيه للأجر والثواب، كالمساجد والرباطات وحلق الذكر وأماكن الصدقات، لقوله تعالى: ( مَنْ كَانَ يُريدُ الآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ في حَرْثِهِ، وَمَنْ كَانَ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤتِهِ مِنْهَا ).
فمن حرث في الدنيا مزرعة، نكح زوجته. فإن نبت زرعه حملت امرأته. وإن كان عزباً تزوج. وإلا تحرك سوقه وكثرت أرباحه، وربما سلفه وفرقه. وإلا تألف في القتال جمعه إن كان مقصده.
فمن رأى زرعاً يحصد: فإن كان ذلك ببلد فيه حرب أو موقف الجلاد والنزال هلك فيه من الناس بالسيف كنحو ما يحصد في المنام بالمنجل. وإن كان ذلك ببلد لا حرب فيه ولا يعرف ذلك به، وكان الحصاد منه في الجامع الأعظم أو بين المحلات أو بين سقوف الدور، فإنه سيف الله بالوباء أو الطاعون. وإن كان ذلك في سوق من الأسواق كثرت فوائد أهلها، ودارت السعادة بينهم بالأرباح. وإن كان ذلك في مسجد أو جامع من مجامع الخير، وكان الناس هم الذين تولوا الحصاد بأنفسهم دون أن يروا أحداً مجهولاً يحصد لهم، فإنها أجور وحسنات ينالها كل من حصد. وأما رؤية الحصاد في فدادين الحرث، فإن كان ذلك بعد كمال الزرع وطيابه، فهو صالح فيه. وإن كان قبل تمامه فهو جائحة في الزرع أو نفاق في الطعام.
---------------------------------------------------
الحشيش :
والحشيش معايش للدواب والأنعام، وهو كأموال الدنيا التيِ ينال منها كل إنسان ما قسم له ربه وجعله رزقه، لأنه يعود لحماً ولبناً وزبداً وسمناً وعسلاً وصوفاً وشعراً ووبراً، فهو كالمال الذي به قوام الأنام. وربما دل المرج على كل مكان تكسب الدنيا وتنال منه وتعرف به وتنسب إليه، كبيت المال والسوق. وقد تدل النواوير خاصة على سوق الصرف والصاغة وأماكن الذهب. وقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم تأول المرج بالدنيا وغضارتها، وأنه عليه السلام قال: الدنيا خضرة حلوة، فالحلوة الكلأ وكل ما حلا على أفواه الإبل دل على الحلال، وكل حامض فيه يدل على الحرام وعلى كل ما ينال بالهم والنصب والمرارة. وما كان من النبت دواء يتعالج به، فهو خارج عن الأموال والأرزاق، ودال على العلوم والحكم والمواعظ، وقد يدل على المال الحلال المحض. وإن كانت حامضة الطعم، فإنه تعود حموضتها على ما ينال من الهم والخصومة في نيلها والتعب.
وما كان منه سمائم قاتلة، فدال على الغصب من الحرام، وأخذ الدنيا بالدين، وأبواب الربا، وعلى البدع والأهواء، وكل ما يخرج من الأفواه ويدخلها من الأسواء. وأما إذا رأى الهندبا: وأمثالها كالكزبرة: ونحوها من ذوات المرارة والحرارة، فهموم وأحزان وأموال حرام. وقد قيل إن آدم حين هبط إلى الأرض ووقع بالهند، علقت رائحته بشجرة في حين حزنه وبكائه على نفسه. وقد تدل على همومه على الآخرة، والثواب بجواهر الجنة، المضاف إليها دون الكزبرة والكرويا وأمثالها. وما كان من نبت الأرض مما جاء فيه نهي في الكتاب أو السنة، أو سبب مذموم في القديم، فهو دال على المقدور في الكلام والرزق، كالشبث والحطب والثوم والقثاء والعدس والبصل، وما كان له من النبات اسم يغلب عليه في اشتقاقه، لمعنى أقوى من طبعه، أو مؤيد لجوهره حمل عليه، مثل النعنع يشتق منه النعاة والنعي، مع أنه من البقول. وكذلك الجزر وهي الأسفنار به أسف ونار. وما كان من النبات ينبت بلا بذر وليس له في الأرض أصل، مثل الكماة والفطر، فدال في الناس على اللقيط والحمل وولد الزنا، ومن لا يعرف نسبه، وتدل من الأموال على اللقطة والهبة والصدقة ونحو ذلك. فمن رأى كأنه في مرج أو حشيش يجمعه أو يأكله، نظرت في حاله، فإن كان فقيراً استغنى، وإن كان غنياً ازداد غنى، وإن كان زاهداً في الدنيا راغباً عنها، عاد إليها وافتتن بها. وإن انتقل من مرج إلى مرج، سافر في طلب الدنيا وانتقل من سوق إلى آخر ومن صناعة إلى غيرها.
---------------------------------------------------
الروضة :
وأما الروضة المجهولة الجوهر التي لا يوصف نبتها إلا بخضرتها، فداله على الإسلام لنضارتها وحسن بهجتها. وقد تأولها بذلك النبي صلى الله عليه وسلم، وقد تدل من الإِسلام على كل مكان فضل وموضع يطاع الله فيه، كقبر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وحلق الذكر وجوامع الخير، وقبول أهل الصلاح، لقوله عليه الصلاة والسلام: " ما بين قبري ومنبري روضة من رياض الجنة ". وقوله عليه الصلاة السلام: " القبر إما روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النار ".
وقد تدل الروضة على المصحف، وعلى كل كتاب في العلم والحكمة، من قولهم، الكتب روضة الحكماء ونزهة العلماء. وربما دلت الروضة على الجنة ورياضها، فمن خرج من روضة إلى سبخة، أو إلى أرض سوداء أو محترقة، أو إلى حيات وعقارب، أو إلى رماد أو زبل، أو إلى سقوط في بحر، نظرت في حاله، فإن كان ميتاً أبدل بالجنة ناراً وبالنعيم عذاباً. وإن رؤي ذلك لمسلم حي خرج من الإسلام بكفر أو بدعة. أو خرج من شرائطه وصفات أهله بكبيرة ومعصية. وأما من رأى نفسه في روضة وهو يأكل من خضرتها أو يجمع مما فيها، فإن كان ذلك في إبان الحج، أو كان فيها يؤذن في المنام حج. وإن كان بمكة مؤهلاً لزيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم تم له ذلك وزار قبره، وكان ما أكله أو جمعه ثواباً وأجراً يحصل له. فإن رؤي ذلك لكافر أسلم من كفره ودخل الإسلام صدره، وإن كان مذنباً تاب عن حاله وانتقل من تخليطه، وإن كان طالباً للعلم والقرآن نال ذلك على قدر ما أكله منها في المنام أو جمعه، وإلا كان ذلك ثواب جمع حضره في يومه أو غد من ليلته، مثل جمعة يشهدها أو جنازة يصلي عليها أو قبور قوم صالحين يزورها.
---------------------------------------------------
البذور والحبوب :
البزور:
بذر البذور في الأرض يدل في التأويل على الولد، ومن رأى كأنه بذر بذراً فعلق، فإنه ينال شرفاً، فإن لم يعلق أصابه هم. فكل بزر يلقى في الأرض فهو ولد ويجب أن ينسب إلى ذلك النوع. والبزور والحبوب التي هي من الأدوية فإنّها كتب مستنبطة فيها الزهد والورع. البندق: رجل سخي غريب ثقيل الروح، مؤلف بين الناس، ويقال أنّه مال في كد. فمن أكله نال مالاً بكد. وقال بعضهم البندق وكل ما كان له قشر يابس، يدل على صخب وعلى حزن.
---------------------------------------------------
البقول :
وأما البقول على الجملة فقد اختلفوا فيها، فمنهم من قال إنّها صالحة محمودة، ومنهم من قال إنّها جميعها مكروهة لقوله عزّ وجلّ: ( أتَسْتَبْدِلُونَ الذي هوَ أدنَى بالّذي هُوَ خيْر ). ولأنّه لا دسم فيها ولا حلاوة. ومنهم من قال أنها تجارة لا بقاء لها، وولاية لا ثبات لها، وولد ومال لا بقاء لهما. وإذا دلت على الحزن فلا بقاء لذلك الحزن.
---------------------------------------------------
الخضر :
والخضر كلها سوى الحنطة والشعير والسمسم والجاورس والباقلا هي الإسلام. ومن رأى كأنه يسعى في مزرعة خضرة، فإنه يسعى في أعمال البر والنسك.
---------------------------------------------------
الحنطة :
الحنطة مال حلال في عناء ومشقة، وشراء الحنطة يدل على إصابة المال مع زيادة في العيال، وزراعة الحنطة عمل في مرضاة الله تعالى، والسعي في زراعتها يدل على الجهاد. فإن رأى كأنه زرع حنطة فنبت شعيراً، فإنه يدل على أن ظاهره خير من باطنه. وإن زرع شعيراً فنبت حنطة، فالأمر بضد الأول. وإن زرع حنطة فنبت دماء، فإنه يأكل الربا. والسنبلة الخضراء خصب السنة، والسنبلة اليابسة النابتة على ساقها جدب السنة، لقوله تعالى في قصة يوسف والسنابل المجموعة في يد إنسان، أو في بيدر أو في وعاء، مال يصيبها مالكها من كسب غيره، أو علم يتعلمه. وحكي أن أعشى همذان رأى كأنه باع حنطة بشعير، فأخبر الشعبي برؤياه فقال: إنه استبدل الشعر بالقرآن.
ومن التقط مفرَّق السنابل من زرع يعرف صاحبه، أصاب مالاً متفرقاً من صاحبه. فإن رأى كأن الزرع يحصد في غير وقته، فإنه يدل على موت في تلك المحلة أو حرب. فإن كانت السنابل صفراً، فهو يدل على موت الشيوخ. وإن كانت خضراً فهو موت الشباب أو قتلهم. والحنطة في الفراش حبل المرأة، وقيل من رأى أنه زرع زرعاً فهو حبل امرأته، فإن رأى أنه يحرث في أرض لغيره وهو يعرف صاحبها، فإنه يتزوج امرأته.
ومن بذر بذراً في وقته، فإنه قد عمل عملاً خيراً. فإن كان والياً أصاب سلطاناً، وإن كان تاجراً نال ربحاً، وإن كان سوقياً أصاب بغلة، وإن كان زاهداً نال ورعاً. فإن نبت ما زرع كان الخبر مقبولاً، فإن حصده فقد أخذ أجره. ومن رأى أنه يأكل حنطة يابسة أو مطبوخة، ناله مكروه. فمن رأى أن بطنه أو جلده أو فمه قد امتلأ حنطة يابسة أو مطبوخة، فذلك فناء عمره، وإلا فعلى قدر ما بقي فيه يكون ما بقي من عمره. ومن مشى بين زرع مستحصد، مشى بين صفوف المجاهدين. وقيل إن الزرع أعمال بني آدم، إذا كان معروفاً، يشبه موضعه مواضع الزرع في طوله. يقال في المثل: من يزرع خيراً يحصد غبطة، ومن يزرع شراً يحصد ندامة.
وإن خالف الزرع هذه الصفة، فإنهم رجال يجتمعون في حرب. فإن حصدوا قتلوا. قال الله عزّ وجلّ: ( ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التّورَاةِ وَمَثَلَهُمْ في الإِنْجيل كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتوى عَلَى سُوقِهِ ).
وإن رأى أنه أكلِ حنطة خضراء رطبة، فإنه صالح ويكون ناسكاً في الدين. ومن رأى أنه له زرعاً معروفاً فإن ذلك عمله في دينه أو دنياه. ويستدل بأي ذلك ما كان على كلام صاحب الرؤيا ومخرجه، فإن كان في دينه، فإن ثواب عمله في دينه بقدر ذلك الزرع ومبلغه ومنفعته، وإن كان في دنياه، كان مالاً مجموعاً يصير إليه ومجازاة عن عمل. فإن كان عمله في أمور دنياه، فرأى ثوبه على قدر ما يرى من حال الزرع، فلا يزال ذلك المال مجموعاً حتى يخرج الحب من السنبل، وإذا خرج تفرق ذلك المال عن حاله الأول، إلا أنه شريف من المال في كد أو نصب، ولا سيما إن كانت حنطة، وإن كان شعيراً فهو أجود وأهنأ مع صحة جسم وخفة مؤونة. فإن كان دقيقاً فإنه مال مفروغ منه، وهو خير من الحنطة، وخير من الخبز لأن الخبز قد مسته النار.
---------------------------------------------------
الشعير :
الشعير مال مع صحة جسم لمن ملكه أو أكله، وهو خير من الحنطة، وقال بعضهم إنه ولد قصير العمر لأنه طعام عيسى عليه السلام. وحصده في أوانه مال يصير إليه ويجب للّه تعالى فيه حق، لقوله تعالى: ( وآتُوا حَقّهُ يَوْمَ حصَادهِ ) وزرعه يدل على عمل يوجب رضا الله تعالى. والشعير الرطب خصب، وشراء الشعير من الحناط إصابة خير عظيم. ومن مشى في زرع الشعير أو شيء من الزرع رزق الجهاد. ورؤيا الشعير على كل حال خير ومنفعة ورزق.
---------------------------------------------------
الأرز :
الأرز مال فيه تعب وشغب وهم. والذرة والجاورس مال كثير قليل المنفعة خامل الذكر. وأما الباقلا والعدس والحمص والماش والحبوب التي تشبه ذلك، مطبوخاً ومقلواً على كل حال، فهمَّ وحزن لمن أكلها أو أصابها رطباً ويابساً، والكثير منها مال. وقيل إن الباقلا الخضراء هم، واليابسة مال وسرور، وقيل إن العدس مال دنيء.
وحكي أن رجلاً أتى ابن سيرين فقال: رأيت كأني أحمل حمصاً حاراً، فقال أنت رجل تقبل امرأتك في شهر رمضان.
والسمسم: مال نام لا يزال في زيادة لدسم السمسم ويابسه أقوى من رطبه.
---------------------------------------------------
التبن : مال قليله وكثيره كيفما تصرفت به الحال، لأنه علف الدواب، وهو خارج من الطعام وشريك التراب.
مُختصر كتاب مُنتخب الكلام في تفسير الأحلام
تأليف إبن سيرين
منتدى قوت القلوب . البوابة
المزرعة تدل على المرأة، لأنها تحرث وتبذر وتسقى وتحمل وتلد وترضع إلى حين الحصاد. واستغناء النبات عن الأرض، فسنبله ولدها أو مالها، وربما دل على السوق، وسنبله أرزاقها وأرباحها وفوائدها لكثرة أرباح الزرع وحوائجه وربحه وخساراته، ويدل على ميدان الحرب وحصيد سنبله حصيد السيف. وربما دل على الدنيا وسنبله جماعة الناس صغيرهم وكبيرهم وشيخهم وكهلهم، لأنهم خلقوا من الأرض وسبوا ونبتوا كنبات الزرع، كما قال تعالى: ( والله أنبتكتم من الأرض نباتاً ). وقد تدل السنابل في هذا الوجه على أعوام الدنيا وشهورها وأيامها، وقد تأولها يوسف الصديق عليه السلام بالسنين، وقد تدل على أموال الدنيا ومخازنها ومطامرها، لجمع السنبلة الواحدة حباً كثيراً. وربما دلت المزارع على كل مكان يحرث فيه للآخرة، يعمل فيه للأجر والثواب، كالمساجد والرباطات وحلق الذكر وأماكن الصدقات، لقوله تعالى: ( مَنْ كَانَ يُريدُ الآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ في حَرْثِهِ، وَمَنْ كَانَ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤتِهِ مِنْهَا ).
فمن حرث في الدنيا مزرعة، نكح زوجته. فإن نبت زرعه حملت امرأته. وإن كان عزباً تزوج. وإلا تحرك سوقه وكثرت أرباحه، وربما سلفه وفرقه. وإلا تألف في القتال جمعه إن كان مقصده.
فمن رأى زرعاً يحصد: فإن كان ذلك ببلد فيه حرب أو موقف الجلاد والنزال هلك فيه من الناس بالسيف كنحو ما يحصد في المنام بالمنجل. وإن كان ذلك ببلد لا حرب فيه ولا يعرف ذلك به، وكان الحصاد منه في الجامع الأعظم أو بين المحلات أو بين سقوف الدور، فإنه سيف الله بالوباء أو الطاعون. وإن كان ذلك في سوق من الأسواق كثرت فوائد أهلها، ودارت السعادة بينهم بالأرباح. وإن كان ذلك في مسجد أو جامع من مجامع الخير، وكان الناس هم الذين تولوا الحصاد بأنفسهم دون أن يروا أحداً مجهولاً يحصد لهم، فإنها أجور وحسنات ينالها كل من حصد. وأما رؤية الحصاد في فدادين الحرث، فإن كان ذلك بعد كمال الزرع وطيابه، فهو صالح فيه. وإن كان قبل تمامه فهو جائحة في الزرع أو نفاق في الطعام.
---------------------------------------------------
الحشيش :
والحشيش معايش للدواب والأنعام، وهو كأموال الدنيا التيِ ينال منها كل إنسان ما قسم له ربه وجعله رزقه، لأنه يعود لحماً ولبناً وزبداً وسمناً وعسلاً وصوفاً وشعراً ووبراً، فهو كالمال الذي به قوام الأنام. وربما دل المرج على كل مكان تكسب الدنيا وتنال منه وتعرف به وتنسب إليه، كبيت المال والسوق. وقد تدل النواوير خاصة على سوق الصرف والصاغة وأماكن الذهب. وقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم تأول المرج بالدنيا وغضارتها، وأنه عليه السلام قال: الدنيا خضرة حلوة، فالحلوة الكلأ وكل ما حلا على أفواه الإبل دل على الحلال، وكل حامض فيه يدل على الحرام وعلى كل ما ينال بالهم والنصب والمرارة. وما كان من النبت دواء يتعالج به، فهو خارج عن الأموال والأرزاق، ودال على العلوم والحكم والمواعظ، وقد يدل على المال الحلال المحض. وإن كانت حامضة الطعم، فإنه تعود حموضتها على ما ينال من الهم والخصومة في نيلها والتعب.
وما كان منه سمائم قاتلة، فدال على الغصب من الحرام، وأخذ الدنيا بالدين، وأبواب الربا، وعلى البدع والأهواء، وكل ما يخرج من الأفواه ويدخلها من الأسواء. وأما إذا رأى الهندبا: وأمثالها كالكزبرة: ونحوها من ذوات المرارة والحرارة، فهموم وأحزان وأموال حرام. وقد قيل إن آدم حين هبط إلى الأرض ووقع بالهند، علقت رائحته بشجرة في حين حزنه وبكائه على نفسه. وقد تدل على همومه على الآخرة، والثواب بجواهر الجنة، المضاف إليها دون الكزبرة والكرويا وأمثالها. وما كان من نبت الأرض مما جاء فيه نهي في الكتاب أو السنة، أو سبب مذموم في القديم، فهو دال على المقدور في الكلام والرزق، كالشبث والحطب والثوم والقثاء والعدس والبصل، وما كان له من النبات اسم يغلب عليه في اشتقاقه، لمعنى أقوى من طبعه، أو مؤيد لجوهره حمل عليه، مثل النعنع يشتق منه النعاة والنعي، مع أنه من البقول. وكذلك الجزر وهي الأسفنار به أسف ونار. وما كان من النبات ينبت بلا بذر وليس له في الأرض أصل، مثل الكماة والفطر، فدال في الناس على اللقيط والحمل وولد الزنا، ومن لا يعرف نسبه، وتدل من الأموال على اللقطة والهبة والصدقة ونحو ذلك. فمن رأى كأنه في مرج أو حشيش يجمعه أو يأكله، نظرت في حاله، فإن كان فقيراً استغنى، وإن كان غنياً ازداد غنى، وإن كان زاهداً في الدنيا راغباً عنها، عاد إليها وافتتن بها. وإن انتقل من مرج إلى مرج، سافر في طلب الدنيا وانتقل من سوق إلى آخر ومن صناعة إلى غيرها.
---------------------------------------------------
الروضة :
وأما الروضة المجهولة الجوهر التي لا يوصف نبتها إلا بخضرتها، فداله على الإسلام لنضارتها وحسن بهجتها. وقد تأولها بذلك النبي صلى الله عليه وسلم، وقد تدل من الإِسلام على كل مكان فضل وموضع يطاع الله فيه، كقبر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وحلق الذكر وجوامع الخير، وقبول أهل الصلاح، لقوله عليه الصلاة والسلام: " ما بين قبري ومنبري روضة من رياض الجنة ". وقوله عليه الصلاة السلام: " القبر إما روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النار ".
وقد تدل الروضة على المصحف، وعلى كل كتاب في العلم والحكمة، من قولهم، الكتب روضة الحكماء ونزهة العلماء. وربما دلت الروضة على الجنة ورياضها، فمن خرج من روضة إلى سبخة، أو إلى أرض سوداء أو محترقة، أو إلى حيات وعقارب، أو إلى رماد أو زبل، أو إلى سقوط في بحر، نظرت في حاله، فإن كان ميتاً أبدل بالجنة ناراً وبالنعيم عذاباً. وإن رؤي ذلك لمسلم حي خرج من الإسلام بكفر أو بدعة. أو خرج من شرائطه وصفات أهله بكبيرة ومعصية. وأما من رأى نفسه في روضة وهو يأكل من خضرتها أو يجمع مما فيها، فإن كان ذلك في إبان الحج، أو كان فيها يؤذن في المنام حج. وإن كان بمكة مؤهلاً لزيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم تم له ذلك وزار قبره، وكان ما أكله أو جمعه ثواباً وأجراً يحصل له. فإن رؤي ذلك لكافر أسلم من كفره ودخل الإسلام صدره، وإن كان مذنباً تاب عن حاله وانتقل من تخليطه، وإن كان طالباً للعلم والقرآن نال ذلك على قدر ما أكله منها في المنام أو جمعه، وإلا كان ذلك ثواب جمع حضره في يومه أو غد من ليلته، مثل جمعة يشهدها أو جنازة يصلي عليها أو قبور قوم صالحين يزورها.
---------------------------------------------------
البذور والحبوب :
البزور:
بذر البذور في الأرض يدل في التأويل على الولد، ومن رأى كأنه بذر بذراً فعلق، فإنه ينال شرفاً، فإن لم يعلق أصابه هم. فكل بزر يلقى في الأرض فهو ولد ويجب أن ينسب إلى ذلك النوع. والبزور والحبوب التي هي من الأدوية فإنّها كتب مستنبطة فيها الزهد والورع. البندق: رجل سخي غريب ثقيل الروح، مؤلف بين الناس، ويقال أنّه مال في كد. فمن أكله نال مالاً بكد. وقال بعضهم البندق وكل ما كان له قشر يابس، يدل على صخب وعلى حزن.
---------------------------------------------------
البقول :
وأما البقول على الجملة فقد اختلفوا فيها، فمنهم من قال إنّها صالحة محمودة، ومنهم من قال إنّها جميعها مكروهة لقوله عزّ وجلّ: ( أتَسْتَبْدِلُونَ الذي هوَ أدنَى بالّذي هُوَ خيْر ). ولأنّه لا دسم فيها ولا حلاوة. ومنهم من قال أنها تجارة لا بقاء لها، وولاية لا ثبات لها، وولد ومال لا بقاء لهما. وإذا دلت على الحزن فلا بقاء لذلك الحزن.
---------------------------------------------------
الخضر :
والخضر كلها سوى الحنطة والشعير والسمسم والجاورس والباقلا هي الإسلام. ومن رأى كأنه يسعى في مزرعة خضرة، فإنه يسعى في أعمال البر والنسك.
---------------------------------------------------
الحنطة :
الحنطة مال حلال في عناء ومشقة، وشراء الحنطة يدل على إصابة المال مع زيادة في العيال، وزراعة الحنطة عمل في مرضاة الله تعالى، والسعي في زراعتها يدل على الجهاد. فإن رأى كأنه زرع حنطة فنبت شعيراً، فإنه يدل على أن ظاهره خير من باطنه. وإن زرع شعيراً فنبت حنطة، فالأمر بضد الأول. وإن زرع حنطة فنبت دماء، فإنه يأكل الربا. والسنبلة الخضراء خصب السنة، والسنبلة اليابسة النابتة على ساقها جدب السنة، لقوله تعالى في قصة يوسف والسنابل المجموعة في يد إنسان، أو في بيدر أو في وعاء، مال يصيبها مالكها من كسب غيره، أو علم يتعلمه. وحكي أن أعشى همذان رأى كأنه باع حنطة بشعير، فأخبر الشعبي برؤياه فقال: إنه استبدل الشعر بالقرآن.
ومن التقط مفرَّق السنابل من زرع يعرف صاحبه، أصاب مالاً متفرقاً من صاحبه. فإن رأى كأن الزرع يحصد في غير وقته، فإنه يدل على موت في تلك المحلة أو حرب. فإن كانت السنابل صفراً، فهو يدل على موت الشيوخ. وإن كانت خضراً فهو موت الشباب أو قتلهم. والحنطة في الفراش حبل المرأة، وقيل من رأى أنه زرع زرعاً فهو حبل امرأته، فإن رأى أنه يحرث في أرض لغيره وهو يعرف صاحبها، فإنه يتزوج امرأته.
ومن بذر بذراً في وقته، فإنه قد عمل عملاً خيراً. فإن كان والياً أصاب سلطاناً، وإن كان تاجراً نال ربحاً، وإن كان سوقياً أصاب بغلة، وإن كان زاهداً نال ورعاً. فإن نبت ما زرع كان الخبر مقبولاً، فإن حصده فقد أخذ أجره. ومن رأى أنه يأكل حنطة يابسة أو مطبوخة، ناله مكروه. فمن رأى أن بطنه أو جلده أو فمه قد امتلأ حنطة يابسة أو مطبوخة، فذلك فناء عمره، وإلا فعلى قدر ما بقي فيه يكون ما بقي من عمره. ومن مشى بين زرع مستحصد، مشى بين صفوف المجاهدين. وقيل إن الزرع أعمال بني آدم، إذا كان معروفاً، يشبه موضعه مواضع الزرع في طوله. يقال في المثل: من يزرع خيراً يحصد غبطة، ومن يزرع شراً يحصد ندامة.
وإن خالف الزرع هذه الصفة، فإنهم رجال يجتمعون في حرب. فإن حصدوا قتلوا. قال الله عزّ وجلّ: ( ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التّورَاةِ وَمَثَلَهُمْ في الإِنْجيل كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتوى عَلَى سُوقِهِ ).
وإن رأى أنه أكلِ حنطة خضراء رطبة، فإنه صالح ويكون ناسكاً في الدين. ومن رأى أنه له زرعاً معروفاً فإن ذلك عمله في دينه أو دنياه. ويستدل بأي ذلك ما كان على كلام صاحب الرؤيا ومخرجه، فإن كان في دينه، فإن ثواب عمله في دينه بقدر ذلك الزرع ومبلغه ومنفعته، وإن كان في دنياه، كان مالاً مجموعاً يصير إليه ومجازاة عن عمل. فإن كان عمله في أمور دنياه، فرأى ثوبه على قدر ما يرى من حال الزرع، فلا يزال ذلك المال مجموعاً حتى يخرج الحب من السنبل، وإذا خرج تفرق ذلك المال عن حاله الأول، إلا أنه شريف من المال في كد أو نصب، ولا سيما إن كانت حنطة، وإن كان شعيراً فهو أجود وأهنأ مع صحة جسم وخفة مؤونة. فإن كان دقيقاً فإنه مال مفروغ منه، وهو خير من الحنطة، وخير من الخبز لأن الخبز قد مسته النار.
---------------------------------------------------
الشعير :
الشعير مال مع صحة جسم لمن ملكه أو أكله، وهو خير من الحنطة، وقال بعضهم إنه ولد قصير العمر لأنه طعام عيسى عليه السلام. وحصده في أوانه مال يصير إليه ويجب للّه تعالى فيه حق، لقوله تعالى: ( وآتُوا حَقّهُ يَوْمَ حصَادهِ ) وزرعه يدل على عمل يوجب رضا الله تعالى. والشعير الرطب خصب، وشراء الشعير من الحناط إصابة خير عظيم. ومن مشى في زرع الشعير أو شيء من الزرع رزق الجهاد. ورؤيا الشعير على كل حال خير ومنفعة ورزق.
---------------------------------------------------
الأرز :
الأرز مال فيه تعب وشغب وهم. والذرة والجاورس مال كثير قليل المنفعة خامل الذكر. وأما الباقلا والعدس والحمص والماش والحبوب التي تشبه ذلك، مطبوخاً ومقلواً على كل حال، فهمَّ وحزن لمن أكلها أو أصابها رطباً ويابساً، والكثير منها مال. وقيل إن الباقلا الخضراء هم، واليابسة مال وسرور، وقيل إن العدس مال دنيء.
وحكي أن رجلاً أتى ابن سيرين فقال: رأيت كأني أحمل حمصاً حاراً، فقال أنت رجل تقبل امرأتك في شهر رمضان.
والسمسم: مال نام لا يزال في زيادة لدسم السمسم ويابسه أقوى من رطبه.
---------------------------------------------------
التبن : مال قليله وكثيره كيفما تصرفت به الحال، لأنه علف الدواب، وهو خارج من الطعام وشريك التراب.
مُختصر كتاب مُنتخب الكلام في تفسير الأحلام
تأليف إبن سيرين
منتدى قوت القلوب . البوابة