بّسم اللّه الرّحمن الرّحيم
القانون فى الطب لإبن سينا
الكتاب الأول: الأمور الكلية فى علم الطب
الفن الأول: حد الطب وموضوعاته من الأمور الطبيعية
التعليم الخامس: الجملة الثانية [ العضل ]
● [ الفصل الأول: العصب والعضل والوتر والرباط ] ●
فنقول لما كانت الحركة الإرادية إنما تتم للأعضاء بقوة تفيض إليها من الدماغ بواسطة العصب، وكان العصب لا يحسن إتصالها بالعظام التي هي بالحقيقة أصول للأعضاء المتحركة في الحركة بالقصد الأول، إذا كانت العظام صلبة والعصبة لطيفة، تلطف الخالق تعالى فأنبت من العظام شيئاً شبيهاً بالعصب يسمى عقباً ورباطاَ، فجمعه مع العصب وشبكه به كشيءٍ واحد ولما كان الجرم الملتئم من العصب، والرباط على كل حال دقيقاً، إذ كان العصب لا يبلغ زيادة حجمه واصلاً إلى الأعضاء على حجمه وغلظه في منبته مبلغاً يعتد به، وكان حجمه عند منبته بحيث يحتمله جوهر الدماغ والنخاع، وحجم الرأس ومخارج العصب، فلو أسند إلى العصب تحريك الأعضاء وهو على حجمه المتمكن وخصوصاً عندما يتوزع وينقسم ويتشعب في الأعضاء وتصير حصة العظم الواحد أدق كثيراً من الأصل، وعندما يتباعد عن مبدئه ومنبته لكان في ذلك فساد طاهر، فدبر الخالق تعالى بحكمته أن أفاده غلظاً بتنفيش الجرم الملتئم منه ومن الرباط ليفاً، وملأ خلله لحماً وتغشيته غشاء وتوسيطه عموداً كالمحور من جوهر العصب، يكون جملة ذلك عضواً مؤلفاً من العصب والعقب وَلِيَفَهُما واللحم الحاشي والغشاء المجلل، وهذا العضو هو العضلة وهي التي إذا تقلصت جذبت الوتر الملتئم من الرباط والعصب النافذ منها إلى جانب العضو، فتشنج فجذب العضو وإذا انبسطت استرخى الوتر فتباعد العضو.
بّسم الله الرّحمن الرّحيم
● [ الفصل الثاني: تشريح عضل الوجه ] ●
من المعلوم أن عضل الوجه هي على عدد الأعضاء المتحركة في الوجه. والأعضاء المتحركة في الوجه هي الجبهة والمقلتان والجفنان العاليان والخد بشركة من الشفتين والشفتان وحدهما وطرفا الأرنبتين والفك الأسفل.
بّسم الله الرّحمن الرّحيم
● [ الفصل الثالث: تشريح عضل الجبهة ] ●
أما الجبهة فتتحرك بعضلةِ دقيقةٍ مستعرضةٍ غشائيةٍ تنبسط تحت جلد الجبهة وتختلط به جداً حتى يكاد أن يكون جزءاً من قوام الجلد، فيمتنع كشطه عنها وتلاقي العضو المتحرّك عنها بلا وتر إذ كان المتحرك عنها جلداً عريضاً خفيفاً، ولا يحسن تحريك مثله بالوتر وبحركة هذه العضلة يرتفع الحاجبان وقد تعين العين في التغميض باسترخائها.
بّسم الله الرّحمن الرّحيم
● [ الفصل الرابع: تشريح عضل المقلة ] ●
وأما العضل المحركة للمقلة فهي عضل ست: أربع منها في جوانبها الأربع فوق وأسفل والمأقيين كل واحد منهما يحرك العين إلى جهته، وعضلتان إلى التوريب ما هما يحركان إلى الإستدارة، ووراء المقلة عضلة تدعم العصبة المجوفة التي يذكر شأنها لعد لتشبثها بها وما معها فيثقلها ويمنعها الإسترخاء المجحظ ويضبطها عند التحديق. وهذه العضلة قد عرض لأغشيتها الرباطية من التشعّب ما شكك في أمرها فهي عند بعض المشرحين عضلةٌ واحدة، وعند بعضهم عضلتان، وعند بعضهم ثلاث، وعلى كل حال فرأسها رأس واحد.
بّسم الله الرّحمن الرّحيم
● [ الفصل الخامس: تشريح عضل الجفن ] ●
وأما الجفن فلما كان الأسفل منه غير محتاج إلى الحركة إذ الغرض يتأتّى ويتم بحركة الأعلى وحده، فيكمل به التغيمض والتحديق، وعناية اللّه تعالى مصروفة إلى تقليل الآلات ما أمكن، إذا لم يخل إن في التكثير من الآفات ما يعرف، وإنه وإن كان قد يمكن أن يكون الجفن الأعلى ساكناً، والأسفل متحركاً لكن عناية الصانع مصروفة إلى تقريب الأفعال من مباديها، وإلى توجيه الأسباب إلى غاياتها على أعدل طريق وأقوم منهاج، والجفن الأعلى أقرب إلى منبت الأعصاب، والعصب إذا سلك إليه لم يحتج إلى انعطاف وانقلاب. ولما كان الجفن الأعلى يحتاج إلى حركتي الإرتفاع عند فتح الطرف والإنحدار عند التغميض، و كان التغميض يحتاج إلى عضلةٍ جاذبة إلى أسفل، لم يكن بد من أن يأتيها العصب منحرفاَ إلى أصل ومرتفعاً إلى فوق فكان حينئذ لا يخلو أن كانت واحدة من أن تتصل: إما بطرف الجفن، وإما بوسط الجفن، ولو اتصلت بوسط الجفن لغطت الحدقة صاعدةً إليه، ولو اتصلت بالطرف لم تتصل إلا بطرف واحد، فلم يحسن إنطباق الجفن على الإعتدال بل كان يتورّب، فيشتد التغميض في الجهة التي تلاقي الوتر أولاً، ويضعف في الجهة الأخرى، فلم يكن يستوي الإنطباق بل كان يشاكل انطباق جفن الملقو فلم يخلق عضلة واحدة بل عضلتان نابتان من جهة الموقين يجذبان الجفن إلى أسفل جذباً متشابهاً. وأما فتح الجفن فقد كان تكفيه عضلة تأتي وسط الجفن فينبسط طرف وترها على حرف الجفن فإذا تشنجت فتحت فخلقت لذلك واحدة تنزل على الإستقامة بين الغشاءين فتتصل مستعرضة بجرم شبيه بالغضروف منفرش تحت منبت الهدب.
بّسم الله الرّحمن الرّحيم
● [ الفصل السادس: تشريح عضل الخد ] ●
الخدُ له حركتان: إحداهما تابعة لحركة الفك الأسفل، والثانية بشركة الشفة، والحركة التي له تابعة لحركة عضو آخر، فسببها عضل ذلك العضو، والحركة التي له بشركة عضو آخر فسببها عضَل هي له، ولذلك العضو بالشركة، وهذه العضلة واحدة في كل وجنة عريضة وبهذا الإسم يعرف. وكل واحدة منهما مركبة من أربعة أجزاء، إذ كان الليف يأتيها من أربعة مواضع: أحدهما: منشؤه من الترقوة تتصل نهاياتها بطرفي الشفتين إلى أسفل وتجذب الفم إلى أسفل جذباً مورياً.
والثاني: منشؤه من القس والترقوة من الجانبين ويستمر لفها على الوراب، فالناشىء من اليمين يقاطع الناشىء من الشمال وينفذ، فيتصل الناشىء من اليمين بأسفل طرف الشفة الأيسر، والناشىء من الشمال بالضد. وإذا تشنج هذا الليف ضيق الفم فأبرزه إلى قدام فعل سلك الخريطة بالخريطة .
والثالث: منشؤه من عند الأخرم في الكتف ويتصل فوق متصل بتلك العضل ويميل الشفة إلى الجانبين إمالة متشابهة.
والرابع: من سناسن الرقبة ويجتاز بحذاء الأذنين ويتصل بأجزاء الخد، ويحرّك الخد حركةً ظاهرةً تتبعها الشفة، وربما قربت جداً من مغرز الأذن في بعض الناس واتصلت به فحركت أذنه.
بّسم الله الرّحمن الرّحيم
● [ الفصل السابع: تشريح عضل الشفة ] ●
أما الشفة فمن عضلها ما ذكرنا أنه مشترك لها وللخدّ، ومن عضلها ما يخصّها، وهي عضل أربع: زوج منها: يأتيها من فوق سمت الوجنتين ويتصل بقرب طرفها، واثنان: من أسفل، وفي هذه الأربع كفاية في تحريك الشفة وحدها، لأن كل واحدة منها إذا تحركت وحدها حركته إلى ذلك الشقّ، وإذا تحرك إثنان من جهتين انبسطت إلى جانبيها فيتم لها حركاتها إلى الجهات الأربع، ولا حركة لها غير تلك، فهذه الأربع كفاية، وهذه الأربع وأطراف العضل المشتركة قد خالطت جرم الشفة مخالطة لا يقدر الحس على تمييزها من الجوهر الخاص بالشفة، إذ كانت الشفة عضواً ليناً لحمياً لا عَظْمَ فيه.
بّسم الله الرّحمن الرّحيم
● [ الفصل الثامن: تشريح عضل المنخر ] ●
أما طرفا الأرنبة، فقد يتصل بهما عضلتان صغيرتان قويتان.
أمّا الصغر فلكي لا تضيق على سائر العضل التي الحاجة إليها أكثر، لأن حركات أعضاء الخد والشفة فأكثر عدداً وأكثر تكرراً ودواماً، والحاجة إليها أمسّ من الحاجة إلى حركة طرفي الأرنبة. وخلقتا قويتين ليتداركا بقوتهما ما يفوتهما بفوات العظم، وموردهما من ناحية الوجنة ويخالطان ليف الوجنة أوَلاً، وإنما وردتا من ناحيتي الوجنتين لأن تحريكهما إليهما فاعلم ذلك.
بّسم الله الرّحمن الرّحيم
● [ الفصل التاسع: تشريح عضل الفك الأسفل ] ●
قد خص الفك الأسفل بالحركة دون الفك الأعلى لمنافع منها: إن تحريك الأخف أحسن، ومنها إن تحريك الأخلى من الاشتمال على أعضاء شريفة تنكى فيها الحركة أولى وأسلم، ومنها أن الفكّ الأعلى لو كان بحيث يسهل تحريكه لم يكن مفصله ومفصل الرأس محتاطاً فيه بالإيثاق، ثم حركات الفك الأسفل لم يحتج فيها إلى أن تكون فوق ثلاثة، حركة فتح الفم والفغر وحركة الانطباق وحركة المضغ والسحق والفاتحة تسهل الفك وتنزله، والمطبقة تشيله، والساحقة تديره، وتميله إلى الجانبين، فبين أن حركة الإطباق يجب أن تكون بعضل نازلة من علو تشنج إلى فوق، والفاغرة بالضد، والساحقة بالتوريب، فخلق للإطباق عضلتان تعرفان بعضلتي الصدغ، وتسميان ملتفتين، وقد صغر مقدارهما في الإنسان، إذ العضو المتحرّك بهما في الإنسان صغير القدر، مشاشيّ خفيف الوزن، وإذ الحركات العارضة لهذا العضو الصادرة عن هاتين العضلتين أخفّ، وأما في سائر الحيوان الفك الأسفل أعظم وأثقل مما للإنسان، والتحريك بهما في أصناف النهش والقطع والكدم والقطع أعنف. وهاتان العضلتان ليّنتان لقربهما من المبدأ الذي هو الدماغ الذي هو جرم في غاية اللين، وليس بينهما وبين الدماغ الأعظم واحد، فلذلك ولما يخاف من مشاكة الدماغ إياهما في الآفات إن غشي عرضت والأوجاع إن اتفقت ما يفضي بالمعروض له إلى السرسام ، وما يشبهه من الأسقاء دفنها الخالق سبحانه عند منشئها ومنبعها من الدماغ في عظمي الزوج، ونفذها في كن شبيه بالأزج ملتئم من عظمي الزوج ومن تفاريج ثقب المنفذ المار معها، الملبس حافاته عليها مسافة صالحة إلى مجاورة الزوج ليتصلب جوهرها يسيراً يسيراً، ويبعد عن منبتها الأول قليلاً قليلاً، وكل واحدة من هاتين العضلتين يحدث لها وتر عظيم يشتمل على حافة الفكّ الأسفل، فإذا تشنج أشاله وهاتان العضلتان قد أعينتا بعضلتين سالكتين داخل الفم منحدرتين إلى الفك الأسفل في مقازتين، إذ كان إصعاد الثقيل مما يوجب التدبير الاستظهار فيه بفضل قوة. والوتر النابت من هاتين العضلتين ينشأ من وسطهما لا من طرفهما للوثاقة0 وأما عضل الفغر وإنزال الفك فقد ينشأ ليفها من الزوائد الإبرية التي خلف الأذن فتتحد عضلة واحدة ثم تتخلص وتراَ لتزداد وثاقة ثم تتنفش كرة أخرى، فتحتشي لحماً وتصير عضلة وتسمى عضلة مكررة لئلا تعرض بالامتداد لمنال الآفات، ثم تلاقي معطف الفك إلى الذقن فإذا انقلصت جذبت اللحى إلى خلف، فيتسفل لامحالة، ولما كان الثفل الطبيعي معيناً على التسفّل كفى اثنتان. ولم يحتج إلى معين، وأما عضل المضغ فهما عضلتان من كل جانب عضلة مثلثة إذا جعل رأسها الزاوية التي من زواياها في الوجنة إمتد لها ساقان: أحدهما ينحدر إلى الفكّ الأسفل والآخر يرتقي إلى ناحية الزوج، واتصلت قاعدة مستقيمة فيما بينهما وتشبثت كل زاوية بما يليها ليكون لهذه العضلة جهات مختلفة في التشتج، فلا تستوي حركتها بل يكون لها أن تميل ميولا" مقننه يلتئم فيما بينها السحق والمضغ.
بّسم الله الرّحمن الرّحيم
● [ الفصل العاشر: تشريح عضل الرأس ] ●
إن للرأس حركات خاصية، وحركات مشتركة مع خمس من خرزات العنق تكون بها حركة منتظمة من ميل الرأس وميل الرقبة معاً، وكل واحدة من الحركتين- أعني الخاصية والمشتركة- إمَا أن تكون متنكسة، وإما أن تكون منعطفة إلى خلف، وإما أن تكون مائلة إلى اليمين، وإما أن تكون مائلة إلى اليسار. وقد يتولّد مما بينهما حركة الإلتفات على هيئة الاستدارة.
أما العضل المنكسة للرأس خاصة، فهي عضلتان تردان من ناحتين لأنهما يتشبثان بليفهما من خلف الأذنين فوق، ومن عظام القس تحت، ويرتقيان كالمتصلتين، ربما ظن أنهما عضلة واحدة، وربما ظن أنهما عضلتان، وربما ظن أنهما ثلاث عضل لأن طرف أحدهما يتشعب فيصير رأسين، فإذا تحرّك أحدهما تنكس الرأس مائلاً إلى شقه، وإن تحركا جميعاً تنكس الرأس تنكساً إلى قدام معتدلاً، وأما العضل المنكسة للرأس والرقبة معاً إلى قدام، فهو زوج موضوع تحت المريء يلخص إلى ناحية الفقرة الأولى والثانية فيلتحم بهما، فإن تشنّج بجزء منه الذي يلي المريء نكس الرأس وحده، وإن استعمل الجزء الملتحم على الفقرتين نكس الرقبة. وأما العضل الملقية للرأس وحده إلى خلف فأربعة أزواج مدسوسة تحت الأزواج التي ذكرناها. ومنبت هذه الأزواج هو فوق المفصل: فمنها ما يأتي السناسن، ومنبته أبعد من وسط الخلف ومنها ما يأتي الأجنحة ومنبتها إلى الوسط فمن ذلك زوج يأتي جناحي الفقرة الأولى فوق. وزوج يأتي سنسنة الثانية، وزوج ينبعث ليفه من جناح الأولى إلى سنسنة الثانية، وخاصيته أن يقيم ميل الرأس عند الإنقلاب إلى الحال الطبيعية لتوريبه. ومن ذلك، زوج رابع يبتدىء من فوق، وينفذ تحت الثالث بالوراب إلى الوحشي، فيلزم جناح الفقرة الأولى. والزوجان الأولان يقلبان الرأس إلى خلف بلا ميل، أو مع ميل يسير جداً. والثالث يقوم أود الميل، والرابع يقلب إلى خلف مع توريب ظاهر. والثالث والرابع أيهما مال وحده ميل الرأس إلى جهته، وإذا تشنجا جميعاً تحرك الرأس إلى خلف منقلباً من غير ميل. وأما العضل المقلبة للرأس مع العنق فثلاثة أزواج غائرة، وزوج مجلل، كل فرد منه مثلث، قاعدته عظم مؤخر الدماغ وينزل باقيه إلى الرقبة. وأما الثلاثة الأزواج المنبسطة تحته، فزوج ينحدر على جانبي الفقار، وزوج يميل إلى أجنحة جداً، وزوج يتوسط ما بين جانبي الفقار وأطراف الأجنحة.
وأما العضل المميلة للرأس إلى الجانبين فهي زوجان يلزمان مفصل الرأس، الزوج الواحد منهما موضعه القدام وهو الذي يصل بين الرأس والفقارة الثانية، فرد منه يميناً وفرد منه يساراً، والزوج الثاني موضعه الخلف، ويجمع بين الفقرة الأولى والرأس، فرد منه يمنة وفرد منه يسرة، فأيّ هذه الأربعة إذا تشنج مال الرأس إلى جهته مع توريب، وأي اثنين في جهة واحدة تشنجا مال الرأس إليهما ميلاً غير مورب وإن تحركت القداميتان، أعانتا في التنكيس، أو الخلفيتان قلبتا الرأس إلى خلف، وإذا تحركت الأربع معاً انتصب الرأس مستوياً. وهذه العضل الأربع هي أصغر العضل، لكنها تتدارك بجودة موضعها وبانحرازها تحت العضل الأخرى ما تناله الأخرى بالكبر، وقد كان مفصل الرأس محتاجاً إلى أمرين يحتاجان إلى معنيين متضادين: أحدهما: الوثاقة، وذلك متعلق بإيثاق المفصل وقلة مطاوعته للحركات، والثاني كثرة عدد الحركات وذلك متعلق بإسلاس المفصل والإرخاء، فجود إرخاء المفاصل استقامة إلى الوثاقة التي تحصل بكثرة التفاف العضل المحيطة به، فحصل الغرضان تبارك الله أحسن الخالقين ورب العالمين.
بّسم الله الرّحمن الرّحيم
● [ الفصل الحادي عشر: تشريح عضل الحنجرة ] ●
الحنجرة عضو غضروفي خلق آلة للصوت، وهو مؤلف من غضاريف ثلاثة: أحدها الغضروف الذي يناله الجس والجس قدام الحلق تحت الذقن ويسمى الدرقي والترسي، إذ كان مقعر الباطن محدب الظهر يشبه الدرقة وبعض الترسة. والثاني غضروف موضوع خلقه يلي العنق مربوط، به يعرف بأنه الذي لا اسم به. وثالث مكبوب عليهما يتصل بالذي لا اسم له ويلاقي الدرقي من غير إتصال، وبينه وبين الذي لا اسم له مفصل مضاعف بنقرتين فيه تهندم فيهما زائدتان من الذي لا اسم له مربوطتان بهما بروابط ويسمى المكي، والطرجهاري، وبانضمام الدرقي إلى الذي لا اسم له، وبتباعد أحدهما عن الآخر يكون توسع الحنجرة وضيقها، وبانكباب الطرجهاري على الدرقي ولزومه إياه وبتجافيه عنه يكون إنفتاح الحنجرة وانغلاقها، وعند الحنجرة وقدامها عظم مثلث يسمى العظم اللامي تشبيهاً بكتابة اللام في حروف اليونانيين إذ شكله هكذا.
والمنفعة في خلقة هذا العظم أن يكون متشبثاَ وسنداً ينشأ منه ليف عضل الحنجرة. والحنجرة محتاجة إلي عضل تضم الدرقي إلى الذي لا اسم له، وعضل تضم الطرجهاري وتطبقه وعضل تبعد الطرجهاري عن الأخريين، فتفتح الحنجرة والعضل المنفتحة للحنجرة منها زوج ينشأ من العظم اللامي، فيأتي مقدم المرقي، ويلتحم منبسطاً عليه.
فإذا تشنج أبرز الطرجهاري إلى قدام وفوق، فاتسعت الحنجرة وزوج يعد في عضل الحلقوم الجاذبة إلى أسفل ونحن نرى أن نعده في المشتركات بينهما. ومنشؤهما من باطن القس إلى الدرقي. وفي كثير من الحيوان يصحبها زوج اَخر وزوجان: أحدهما عضلتاه تأتيان الطرجهاري من خلف ويلتحمان به إذا تشنجتا رفعتا الطرجهاري وجذبتاه إلى خلف فتبرأ من مضامة الدرقي فتوسعت الحنجرة.
وزوج تأتي عضلتاه حافتي الطرجهاري، فإذا تشنجتا فصلتاه عن الدرقي ومدتاه عرضاً فأعان في إنبساط الحنجرة، وأما العضل المضيقة للحنجرة، فمنها زوج يأتي من ناحية اللامي ويتصل بالدرقي، ثم يستعرض ويلتف على الذي لا اسم له حتى يتحد طرفا فرديه وراء الذي لا اسم له فإذا تشنّج ضيق. ومنها أربع عضل ربما ظن أنهما عضلتان مضاعفتان يصل ما بين طرفي الدرقي والذي لا اسم له، فإذا تشنّج ضيق أسفل الحنجرة وقد يظن أن زوجاً منهما مستبطن وزوجاً ظاهر. وأما العضل المطبقة فقد كان أحسن أوضاعها أن تخلف داخل الحنجرة حتى إذا تقلصت جذبت الطرجهاري إلى أسفل، فأطبقته، فخلقت كذلك زوجاً ينشاً من أصل الدرقي، فيصعد من داخل إلى حافتي الطرجهاري. وأصل الذي لا اسم له يمنة ويسرة فإذا تقلّصت شدت المفصل وأطبقت الحنجرة أطباقاً يقاوم عضل الصدر والحجاب في حصر النفس، وخلقتا صغيرتين لئلا يضيقا داخل الحنجرة، قويتين ليتداركا بقوتهما في تكلفهما إطباق الحنجرة، وحصر النفس بشدة ما أورثه الصغر من التقصير ومسلكهما هو على الاستقامة صاعدتين مع قليل انحراف يتأتى به الوصل بين الدرقي والذي لا اسم له، وقد يوجد عضلتان موضوعتان تحت الطرجهاري يعينان الزوج المذكور.
بّسم الله الرّحمن الرّحيم
● [ الفصل الثاني عشر: تشريح عضل الحلقوم ] ●
وأما الحلقوم جملة، فله زوجان يجذبانه إلى أسفل: أحدهما زوج ذكرناه في باب الحنجرة، والآخر زوج نابت أيضاً من القس يرتقي فيتصل باللامي، ثم بالحلقوم، فيجذبه إلى أسفل. وأما الحلق فعضلته هي النغنغتان، وهما عضلتان موضوعتان عند الحلق معينتان على الإزدراد فاعلم ذلك.
بّسم الله الرّحمن الرّحيم
● [ الفصل الثالث عشر: تشريح عضل العظم اللامي ] ●
وأما العظم اللامي، فله عضل يخصه، وعضل يشركه فيه عضو آخر. فأما الذي يخص اللامي فهي أزواج ثلاثة: زوج منها يأتي من جانبي اللحى ويتصل بالخط المستقيم الذي على هذا العظم، وهو الذي يجذبه إلى اللحى، وزوج ينشأ من تحت الذقن ثم يمر تحت اللسان إلى الطرف الأعلى من هذا العظم، وهذا أيضاً يجذب هذا العظم إلى جانبي اللحى، وزوج منشؤه من الزوائد السهمية التي عند الآذان، ويتصل بالطرف الأسفل من الخط المستقيم الذي على هذا العظم، وأما الذي يشركه غيره فقد ذكر ويذكر.
بّسم الله الرّحمن الرّحيم
● [ الفصل الرابع عشر: تشريح عضل اللسان ] ●
أما العضل المحركة للسان، فهي عضل تسع: اثنتان معرضتان يأتيان من الزوائد السهمية ويتصلان بجانبيه، واثنتان مطولتان، منشؤهما من أعالي العظم اللامي، ويتصلان بأصل اللسان، واثنتان يحركان على الوراب، منشؤهما من الضلع المنخفض من أضلاع.العظم اللامي، وينفذان في اللسان ما بين المطولة والمعرضة، واثنتان باطحتان للسان قالبتان له موضعهما تحت موضع هذه المذكورة قد انبسط ليفهما تحته عرضاً، ويتصلان بجميع عظم الفك، وقد نذكر في جملة عضل اللسان عضلة مفردة تصل ما بين اللسان والعظم اللامي وتجذب أحدهما إلى الآخر، ولا يبعد أن تكون العضلة المحركة للسان طولاً إلى بارز، تحركه كذلك لأن لها أن تتحرك في نفسها بالامتداد كما لها أن تتحرك في نفسها بالتقاصر والتشنج.
بّسم الله الرّحمن الرّحيم
● [ الفصل الخامس عشر: تشريح عضل العنق والرقبة ] ●
العضل المحركة للرقبة وحدها زوجان: زوج يمنة، وزوج يسرة، فأيتهما تشنج وحده، انجذبت الرقبة إلى جهته بالوراب، وأي اثنتين من جهة واحدة تشنجا معاً، مالت الرقبة إلى تلك الجهة بغير توريب، بل باستقامة، وإذا كان الفعل لأربعتها معاً انتصبت الرقبة من غير ميل.
بّسم الله الرّحمن الرّحيم
● [ الفصل السادس عشر : تشريح عضل الصدر ] ●
العضل المحركة للصدر، منها ما يبسطه فقط ولا يقبضه، فمن ذلك الحجاب الحاجز بين أعضاء التنفس وأعضاء الغذاء التي سنصفه بعد، وزوج موضوع تحت الترقوة، منشؤه من جزء ممتد إلى رأس الكتف نصفه بعد، وهو متصل بالضلع الأول يمنة ويسرة، وزوج كل فرد مضاعف له جزآن، أعلاهما يتصل بالرقبة ويحرّكها، وأسفلهما يحرك الصدر ويخالطه عضلة سنذكرها، وهي المتصلة بالضلع الخامس والسادس وزوج مدسوس في الموضع المقعر من الكتف يتصل به زوج ينزل من الفقار إلى الكتف ويصيران كعضلة واحدة وتتصل بأضلاع الخلف، وزوج ثالث منشؤه من الفقرة السابعة من فقرات العنق ومن الفقرة الأولى والثانية من فقرات الصدر ويتّصل بأضلاع القص، فهذه هي العضلات الباسطة. وأما العضل القابضة للصدر، فمن ذلك: ما يقبض بالعرض، وهو الحجاب إذا سكن، ومنها ما يقبض بالذات، فمن ذلك زوج ممدود تحت أصول الأضلاع العلى وفعله الشدّ والجمع، ومن ذلك زوج عند أطرافها يلاصق القصّ ما بين الخنجري والترقوة ويلاصق العضل المستقيم من عضل البطن، وزوجان آخران يعينانه وأما العضل التي تقبض وتبسط معاً، فهي العضل التي بين الأضلاع، لكن الاستقصاء في التأمل يوجب أن تكون القابضة منها غير الباسطة، وذلك أن بين كل ضلعين بالحقيقة أربع عضلات، و إن ظنت عضلة واحدة، وإن هذه المظنونة عضلة واحدة منتسجة من ليف مورب، منه ما يستبطن، ومنه ما يجلل، والمجلل منه ما يلي الطرف الغضروفي من الضلع، ومنه ما يلي الطرف الاَخر القوي. والمستبطن كله مخالف في الوضع المجلل. والذي على طرف الضلع الغضروفي مخالف كله في الوضع للذين على الطرف الآخر. وإذا كانت هيئات الليف أربعاً بالعدد، فبالحري أن تكون العضل أربعاً بالعدد، فما كان منها موضوعاً فوق فهو باسط، وما كان منها موضوعاً تحت فهو قابض، وتبلغ لذلك جملة عضل الصدر ثمانياً وثمانين، وقد يعيّن عضل الصدر عضلتان يأتيان من الترقوة إلى رأس الكتف، فتتصل بالضلع الأول منه وتشيله إلى فوق فتعين على انبساط الصدر.
بّسم الله الرّحمن الرّحيم
● [ الفصل السابع عشر: تشريح عضل حركة العضد ] ●
عضل العضد، وهي المحركة لمفصل الكتف، منها ثلاث عضلات تأتيها من الصدر وتجذبها إلى أسفل: فمن ذلك عضلة منشؤها من تحت الثدي وتتصل بمقدم العضد عند مقدم زيق الترقوة ، وهي مقربة للعضد إلى الصدر مع استنزال يستتبع الكتف، وعضلة منشؤها من أعلى القص وتطيف أنسي رأس العضد وهي مقرّبة إلى الصدر مع استرفاع يسير، وعضلة مضاعفة عظيمة منشؤها من جميع القص تتصل بأسفل مقدم العضد إذا فعلت بالليف الذي لجزئه الفوقاني أقبلت بالعضد إلى الصدر شائلة به ، أو بالجزء الآخر، أقبلت به إليه خافضة، أو بهما جميعاً، فتقبل به على الإستقامة وعضلتان تأتيان من ناحية الخاصرة يتّصلان أدخل من اتصال العضلة العظيمة الصاعدة من القص، وإحداهما عظيمة تأتي من عند الخاصرة ومن ضلوع الخلف، وتجذب العضد إلى ضلوع الخلف بالإستقامة، والثانية دقيقة تأتي من جلد الخاصة لا من عظمها أميل إلى الوسط من تلك، وتتصل بوتر الصاعدة من ناحية الثدي غائرة، وهذه تفعل فعل الأولى على سبيل المعاونة، إلا أنها تميل إلى خلف قليلاً. وخمس عضل منشؤها من عظم الكتف، عضلة منها منشؤها من عظم الكتف، وتشغل ما بين الحاجز والضلع الأعلى للكتف، وتنفذ إلى الجزء الأعلى من رأس العضد الوحشيّ مائلة يسيراً إلى الإنسيّ، وهي تبعد مع ميل إلى الإنسي. وعضلتان من هذه الخمسة، منشؤهما الضلع الأعلى من الكتف: إحداهما: عظيمة ترسل ليفها إلى الأجزاء السفلية من الحاجز، وتشغل ما بين الحاجز والضلع الأسفل وتتصل برأس العضد من الجانب الوحشي جداً فتبعد مع ميل إلى الوحشيّ. والأخرى متصلة بهذه الأولى حتى كأنها جزء منها وتنفذ معها وتفعل فعلها، لكن هذه لا تتعلق بأعلى الكتف تعلقاً كثيراً، وإ تّصالها على التوريب بظاهر العضد وتميلها إلى الوحشيّ. والرابعة: عضلة تشغل الموضع المقعر من عظم الكتف، ويتصل وترها بالأجزاء الداخلة من الجانب الإنسي من رأس عظم العضد، وفعلها إدارة العضد إلى خلف. وعضلة أخرى، منشؤها من الطرف الأسفل من الضلع الأسفل للكتف، ووترها يتصل فوق اتصال العظيمة الصاعدة من الخاصرة، وفعلها جذب أعلى رأس العضد إلى فوق. وللعضد عضلة أخرى ذات رأسين تفعل فعلين وفعلاً مشتركاً فيه، وهي تأتي من أسفل الترقوة ومن العنق وتلتقم رأس العضد، وتقارب موضع اتصال وتر العضلة العظيمة الصاعدة من الصدر، وقد قيل إن أحد رأسيها من داخل، ويميل إلى داخل مع توريب يسير. والرأس الآخر من خارج على ظهر الكتف عند أسفله، ويميل إلى خارج بتوريب يسير. هذا فعل بالجزءين أشال على الإستقامة. ومن الناس من زاد عضلتين: عضلة صغيرة تأتي من الثدي، وأخرى مدفونة في مفصل الكتف، وربما جعل لعضل المرفق معها شركة.
بّسم الله الرّحمن الرّحيم
● [ الفصل الثامن عشر: تشريح عضل حركة الساعد ] ●
العضل المحركة للساعد، منها ما يقبضه، وهذه موضوعة على العضد، ومنها ما يكبه ومنها ما يبطحه وليست على العضد، فالباسطة زوج، أحد فرديه يبسط مع ميل إلى داخل، لأن منشأه من تحت مقدم العضد ومن الضلع الأسفل ومن الكتف، ويتّصل بالمرفق حيث أجزاؤه الداخلة. والفرد الثاني يبسط مع ميل إلى الخارج لأنه يأتي من فقار العضد ويتصل بالأجزاء الخارجة من المرفق، وإذا اجتمعا جميعاً على فعليهما، بسطا على الاستقامة لا محال. والقابضة زوج أحد فرديه، هو الأعظم يقبض مع ميل إلى داخل، وذلك لأن منشأه من الزند الأسفل من الكتف ومن المنقار، يخص كل منشأ رأس، ويميل إلى باطن العضد ويتصل وتر له عصباني بمقدم الزند الأعلى، والفرد الثاني يقبض مع ميل إلى الخارج لأن منشأه من ظاهر العضد من خلف، وهو عضلة لها رأسان لحميان أحدهما من وراء العضد، والآخر قدامه، وتستبطن في ممرها قليلاً إلى أن تخلص إلى مقدم الزند الأسفل. وقد وصل ما يميل قابضاً إلى الخارج بالأسفل، وما يميل إلى الداخل بالأعلى، ليكون الجذب أحكم، وإذا اجتمع هاتان العضلتان على فعليهما قبضتا على الاستقامة لا محالة وقد تستبطن العضلتين الباسطتين عضلة تحيط بعظم العضد، وإلا شُبِّه أن تكون جزءاً من العضلة القابضة الأخيرة. وأما الباطحة للساعد فزوج أحد فرديه موضوع من خارج بين الزندين، وتلاقي الزند الأعلى بلا وتر، والآخر رقيق متطاول منشؤه من الجزء الأعلى من رأس العضد مما يلي ظاهره، وجله يمر في الساعد وينفذ حتى يقارب مفصل الرسغ فيأتي الجزء الباطن من طرف الزند الأعلى ويتصل به بوتر غشائي. وأما المكبة فزوج موضوع من خارج، أحد فرديه يبتدىء من أعلى الإنسي من رأس العضد، ويتّصل بالزند الأعلى دون مفصل الرسغ، والآخر أقصر منه وليفه إلى الإستعراض وطرفه أشد عصبانية، ويبتدىء من نفس الزند الأسفل، ويتّصل بطرف الأعلى عند مفصل الرسغ.
● [ للجملة الثانية من التعليم الخامس بقية ] ●
القانون فى الطب لإبن سينا
الكتاب الأول: الأمور الكلية فى علم الطب
منتدى حُكماء رُحماء الطبى . البوابة