من طرف فريق العمل الأحد أغسطس 09, 2015 4:01 pm
بّسم اللّه الرّحمن الرّحيم
القانون فى الطب لإبن سينا
الكتاب الأول: الأمور الكلية فى علم الطب
الفن الثالث: الصحة والمرض وضرورة الموت
المقدمة والتعليم الأول : التربية
● [ مقدمة الفن الثالث ] ●
علم أن الطبّ ينقسم بالقسمة الأولى إلى جزأين: جزء نظري وجزء عملي، وكلاهما علم ونظر، لكنّ المخصوص بإسم النظري هو الذي يفيد علم آراء فقط من غير أن يفيد علم عمل البتّة، مثل الجزء الذي يعلم فيه أمر الأمزاج والأخلاط والقوى وأصناف الأمراض والأعراض والأسباب. والمخصوص باسم العملي هو الذي يفيد علم كيفية العمل والتدبير، مثل الجزء الذي يعلمك أنك كيف تحفظ صحّة بدن بحال كذا، أو كيف تعالج بدناً به مرض كذا ولا تظنن أن الجزء العملي هو المباشرة والعمل، بل الجزء الذي يتعقم فيه علم المباشرة والعمل وكنا قد عرفناك هذا فيما سلف وقد فرغنا في الفن الأول من الجزء النظري الكلي من الطب. ونحن نصرف ذكرنا في الباقيين إلى الجزء العملي منه على نحو كلي.
والجزء العملي منه ينقسم قسمين: أحداهما: علم تدبير الأبدان الصحيحة أنه كيف يحفظ عليها صحتها، وذلك يسمى علم حفظ الصحة.
والقسم الثاني: علم تدبير البدن المريض أنه كيف يرد إلى حال الصحة، ويسمى علم العلاج.
ونحن نبدأ ونكتب في هذا الفن موجزاً من الكلام في حفظ الصحة فنقول: إنه لما كان المبدأ الأول لتكون أبداننا شيئين: أحداهما: المني من الرجل والأصحّ من أمره أنه قائم مقام الفاعل. والثاني: مني المرأة ودم الطمث، والأصح من أمره أنه قائم مقام المادة. وهذان الجوهران مشتركان في أن كل واحد منهما سيال رطب وإن اختلفا بعد ذلك وكانت المائية والأرضية في الدم، ومني المرأة أكثر. والهوائية والنارية في مني الرجل أغلب، وجب أن يكون أول انعقاد هذين انعقاداً رطباً، وإن كانت الأرضية والنارية موجودتين أيضاً فيما تكون منهما، وكانت الأرضية بما فيها من الصلابة، والنارية بما فيها من الإنضاج، قد تعاونا فصلبتا المنعقد وعقدتاه فضل تصليب وتعقيد، لكنه ليس يبلغ ذلك حدٌ انعقاد الأجسام الصلبة مثل الحجارة والزجاج حتى لا يتحلل منهما شيء أو يكون يتحلّل شيء غير محسوس فيكون في أمن من الأفات العارضة لسبب التحلل دائم، أو طويل الزمان جداً. وليس الأمر هكذا، ولذلك فإن أبداننا معرضة لنوعين من الآفات وكل واحد منهما له سبب من داخل وسبب من خارج. وأحد نوعي الافة، هو تحفل الرطوبة التي منها خلقنا وذا واقع بالتدريج. والثاني تعفّن الرطوبة وفسادها وتغيّرها عن الصلوح لإمداد الحياة، وهذا غير الوجه الأول وإن كان يؤذي تأذية ذلك إلى الجفاف بأن يفسد أولاً الرطوبة، ويخالف هيئة صلوحيتها لأبداننا، ثم اَخر الأمر يتحلل عن التعفّن، فإن العفونة تفيد أولاً الرطوبة، ثم تحللها وتذر الشيء اليابس الرمادي. وهاتان الآفتان خارجتان عن الآفات اللاحقة من أسباب أخرى كالبرد المجمد والسموم وأنواع تفرق الاتصال المهلك وسائر الأمراض. ولكنّ النوعين المذكورين أخص تسخيناً، هذا وأحرى أن نعتبرهما في حفظ الصحة وكل واحد منهما يقع من أسباب خارجة ومن أسباب باطنة.
أما الأسباب الخارجة: فمثل الهواء المحلل والمعفّن.
وأما الأسباب الباطنة: فمثل الحرارة الغريزية التي فينا المحلّلة لرطوباتنا والحرارة الغريبة المتولدة فينا عن أغذيتنا وغيرها المتعفنة.
وهذه الأسباب كلها متعاونة على تجفيفنا بل أول أستكمالنا وبلوغنا وتمكننا من أفاعيلنا يكون بجفاف كثير يعرض لنا، ثم يستمر الجفاف إلى أن يتم، وهذا الجفاف الذْي يعرض لنا أمر ضروري لا بد منه، فإنا من أول الأمر ما نكون في غاية الرطوبة ويجب لا محالة أن تكون حرارتنا مستولية عليها، وإلا احتقنت فيها، فهي تفعل فيها لا محالة دائمة وتجففها دائماً، ويكون أول ما يظهر من تجفيفها هو إلى الاعتدال ثم إذا بلغت أبداننا إلى الحد المعتدل من الجفاف والحرارة بحالها، لا يكون التجفيف بقدر التجفيف الأول بل أقوى، لأن المادة أقل فهي أقبل فيؤدي لا محالة إلى أن يزداد التجفيف على المعتدل فلا يزداد لا محالة إلى أن تفنى الرطوبات، فتصير الحرارة الغريزية بالعرض سبباً لإطفاء نفسها إذ صارت سبباً لإفناء مادتها كالسراج الذي يطفأ إذا أفنيت مادته وكلما أخذ التجفيف في الزيادة أخذت الحرارة في النقصان، فعرض دائماً عجز مستمر إلى الإمعان، وعجز عن استبدال الرطوبة بدل ما يتحلل متزايداً دائماً، فيزداد التجفيف من وجهين: أحداهما:
لتناقص لحوق المادة، والآخر لتناقص الرطوبة في نفسها بتحليل الحرارة فيزداد ضعف الحرارة لاستيلاء اليبوسة على جوهر الأعضاء ونقصان الرطوبة الغريزية التي هي كالمادة وكالدهن للسراج لأن السراج له رطوبتان ماء ودهن يقوم بأحدهما وينطفىء بالآخر، كذلك الحرارة الغريزية تقوم بالرطوبة الغريزية وتختنق بالغريبة، وازدياد الرطوبة الغريبة التي هي عن ضعف الهضم التي هي كالرطوبة المائية للسراج، فإذا تم الجفاف طفئت الحرارة وكان الموت الطبيعي. وإنما بقي البدن مدة بقائه لا لأن الرطوبة الطبيعية الأولية قاومت تحليل حرارة العالم وحرارة بدنه في غريزته، وما يحدث من حركاته هذه المقاومة المديدة، فإنها أضعف مقاومة من ذلك، لكن إنما أقامها الاستبدال بدل ما يتحلل منها، وهو الغذاء. ثم قد بينا أن الغذاء إنما تتصرّف فيه القوة وتستعمله إلى حد، وصناعة حفظ الحصّة ليست صناعة تضمن الأمان عن الموت ولا تخلص البدن عن الأفات الخارجة، ولا أن تبلغ بكل بدن غاية طول العمر الذي يحب الإنسان مطلقاً، بل إنما تضمن أمرين: منع العفونة أصلاً وحماية الرطوبة كي لا يسرع إليها التحلّل وفي قوتها أن تبقى إلى مدة تقتضيها بحسب مزاجها الأول ويكون ذلك بالتدبير الصواب في استبدال البدن بدل ما يتحلّل مقدار الممكن.
والتدبير المانع من استيلاء أسباب معجلة للتجفيف دون الأسباب الواجبة للتجفيف، وبالتدبير المحرز عن تولّد العفونة لحماية البدن وحراسته عن استيلاء حرارة غريبة خارجاً أو داخلاً، إذ ليست الأبدان كلها متساوية في قوة الرطوبة الأصلية والحرارة الأصلية، بل الأبدان مختلفة في ذلك ولكل بدن حد في مقاومة الجفاف الواجب، يقتضيه مزاجه وحرارته الغريزية. ومقدار رطوبته الغريزية لا يتعداه، ولكن قد يسبق بوقوع أسباب معينة على التجفيف أو مهلكة بوجه اَخر، وكثير من الناس يقول: إن الآجال الطبيعية هي هذه وإن الآجال العرضية هي الآخرى، وكأن صناعة حفظ الصحة هي المبلغة بدن الإنسان هذا السنّ الذي يسمى أجلاً طبيعياً على حفظ للملائمات وقد وكل بهذا الحفظ قوتان يخدمهما الطبيب: إحداهما طبيعية: وهي الغاذية فتخلف بدل ما يتحلل من البدن الذي جوهره إلى الأرضية والمائية.
والثانية حيوانية: وهي القوة النابضة لتخلف بدل ما يتحلل من الروح الذي جوهره هوائي ناري. ولما لم يكن الغذاء شبيهاً بالمغتذي بالفعل، خلقت القوة المغيرة لتغير الأغذية إلى مشابهة المغتذيات بل إلى كونها غذاء بالفعل وبالحقيقة، وخلق لذلك آلات ومجار هي للجذب والدفع والإمساك والهضم.
فنقول: إن ملاك الأمر في صناعة حفظ الصحة هو تعديل الأسباب العامة اللازمة المذكورة- وأكثر العناية بها هو في تعديل أمور سبعة: تعديل المزاج، واختيار ما يتناول، وتنقية الفضول، وحفظ التركيب، وإصلاح المستنشق، وإصلاح الملبوس، وتعديل الحركات البدنية والنفسانية. ويدخل فيها بوجه ما النوم، واليقظة. وأنت تعرف مما سلف بيانه أنه لا الاعتدال حد واحد، ولا الصحة ولا أيضاً كل واحد من المزاج داخل في أن يكوق صحة ما، واعتدالاَ ما في وقت ما، بل الأمر بين الأمرين. فلنبدأ أولاً بتدبير المولود المعتدل المزاج في الغاية.
بّسم الله الرّحمن الرّحيم
● [ التعليم الأول : التربية ] ●
الفصل الأول : تدبير المولود كما يولد إلى أن ينهض
أما تدبير الحوامل واللواتي يقاربن الولادة فسنكتبه في الأقاريل الجزئية، وأما المولود المعتدل المزاج إذا ولد، فقد قال جماعة من الفضلاء: أنه يجب أن يبدأ أول شيء بقطع سرته فوق أربع أصابع، وتربط بصوف نقي فتل فتلاً لطيفاً كي لا يؤلم وتوضع عليه خرقة مغموسة في الزيت. ومما أمر به في قطع السرة أن يؤخذ العروق الصفر ودم الأخوين والأنزروت والكمون والأشنة والمر أجزاء سواء تسحق وتذر على سرته، ويبادر إلى تمليح بدنه بماء الملح الرقيق لتصلب بشرته وتقوى جلدته. وأصلح الأملاح ما خالطه شيء من شادنج وقسط وسماق وحلبة وصعتر ولا يملح أنفه ولا فمه. والسبب في إيثارنا تصليب بدنه، أنه في أول الأمر يتأذى من كل ملاق يستخشنه ويستبرده، وذلك لرقة بشرته وحرارته فكل شيء عنده بارد وصلب وخشن، وإن احتجنا أن نكرر تمليحه، وذلك إذا كان كثير الوسخ، والرطوبة فعلنا ثم نغسله بماء فاتر وننقي منخريه دائماَ بأصابع مقلمة الأظفار، ونقطر في عينيه شيئاً من الزيت ويدغدغ دبره بالخنصر لينفتح، ويتوقى أن يصيبه برد، وإذا سقطت سرته وذلك بعد ثلاثة أيام أو أربعة، فالأصوب أن يذر عليه رماد الصدف، أو رماد عرقوب العجل أو الرصاص المحرق مسحوقاً أيها كان بالشراب.
وإذا أردنا أن نقمطه فيجب أن تبدأ القابلة وتمس أعضاءه بالرفق، فتعرض ما يستعرض، وتدق ما يستدق وتشكّل كل عضو على أحسن شكله كل ذلك بغمز لطيف بأطراف الأصابع. ويتوالى في ذلك معاودات متوالية وتديم مسح عينيه بشيء كالحرير، وغمز مثانته ليسهل انفصال البول عنها ثم نفرش يديه، وتلصق ذراعيه بركبتيه وتعمّمه أو تقلنسه بقلنسوة مهندمة على رأسه، وتنومه في بيت معتدل الهواء ليس ببارد ولا حار، ويجب أن يكون البيت إلى الظل والظلمة ما هو لا يسطع فيه شعاع غالب. ويجب أن يكون رأسه في مرقده أعلى من سائر جسده، ويحفر أن يلوي مرقده شيئاً من عنقه وأطرافه وصلبه. ويجب أن يكون إحمامه بالماء المعتدل صيفاً وبالمائل إلى الحرارة الغير اللاذعة شتاء وأصلح وقت يغسل ويستحم به هو بعد نومه الأطول، وقد يجوز أن يغسل في اليوم مرتين أو ثلاثة وأن ينقل بالتدريج إلى ما هو أضرب إلى الفتور إن كان الوقت صيفاً. وأما في الشتاء فلا يفارقن به الماء المعتدل الحرارة، وإنما يحمّم مقدار ما يسخن بدنه ويحم ثم يخرج ويصان سماخه عن سبوق الماء إليه.
ويجب أن يكون أخذه وقت الغسل على هذه الصفة وهو أن يؤخذ باليد اليمنى على الذراع الأيسر معتمداَ على صدره دون بطنه، ويجتهد في وقت الغسل أن تمس راحتاه ظهره وقدمه رأسه بلطف وبرفق، ثم تنشفه بخرقة ناعمة وتمسحه بالرفق وتضجعه أولاً على بطنه، ثم على ظهره ولا يزال مع ذلك يمسح ويغمز ويشكل، ثم يرد فيعصب في خرقة ويقطر في أنفه الزيت العذب، فإنه يغسل عينيه وطبقاتهما.
بّسم الله الرّحمن الرّحيم
● [ الفصل الثاثي : تدبير الإرضاع والنقل ] ●
أما كيفية إرضاعة وتغذيبته، فيجب أن يرضع ما أمكن بلبن أمه، فإنه أشبه الأغذية بجوهر ما سلف من غذائه، وهو في الرحم أعني طمث أمه، فإنه بعينه هو المستحيل لبناً، وهو أقبل لذلك وآلف له حتى إنه قد صح بالتجربة أن لقامه حلمة أمه عظيم النفع جداً في دفع ما يؤذيه، ويجب أن يُكتفى بإرضاعه في اليوم مرتين أو ثلاثاً، ولا يبدأ في أول الأمر في إرضاعه بإرضاع كثير، على أنه يستحب أن تكون من ترضعه في أول الأمر غير أمه حتى يعتدل مزاج أمه، والأجود أن يلعق عسلاً ثم يرضع. ويجب أن يحلب من اللبن الذي يرضع منه الصبي في أول النهار حلبتان أو ثلاثة ثم يلقم الحلمة، وخصوصاً إذا كان باللبن عيب، والأولى باللبن الرديء والحريف أن لا ترضعها المرضعة وهي على الريق، ومع ذلك فانه من الواجب أن يلزم الطفل شيئين نافعين أيضاً لتقوية مزاجه: أحدهما: التحريك اللطيف، والآخر: الموسيقى والتلحين الذي جرت به العادة لتنويم الأطفال. وبمقدار قبوله لذلك يوقف على تهيئة للرياضة، والموسيقى: أحدهما ببدنه والآخر بنفسه، فإن مَنَعَ عن إرضاعة لبن والدته مانع من ضعف وفساد لبنها أو ميله إلى الرقة، فينبغي أن يختار له مرضعة على الشرائط التي نصفها، بعضها في سنّها، وبعضها في سحنتها، وبعضها في أخلاقها. وبعضها في هيئة ثديها، وبعضها في كيفية لبنها، وبعضها في مقدار مدة ما بينها وبين وضعها، وبعضها من جنس مولودها، وإذا أصبت شرائطها فيجب أن يجاد غذاؤها فيجعل من الحنطة والخندريس ولحوم الخرفان والجداء والسمك الذي ليس بعفن اللحم ولا صلبه. والخس غذاء محمود واللوز أيضاً والبندق. وشرّ البقول لها الجرجير والخردل والباذروج فإنه يفسد اللبن وفي النعناع قوة من ذلك.
وأما شرائط المرضع فسنذكرها: ونبدأ بشريطة سنها فنقول: إن الأحسن أن يكون ما بين خمس وعشرين سنة إلى خمس وثلاثين سنة، فإن هذا هو سن الشباب وسن الصحة والكمال. وأما في شريطة سحنتها وتركيبها، فيجب أن تكون حسنة اللون، قوية العنق والصدر واسعته، عضلانية صلبة اللحم، متوسطة في السمن والهزال لحمانية لا شحمانية. وأما في أخلاقها فأن تكون حسنة الأخلاق محمودتها بطيئة عن الانفعالات النفسانية الرديئة من الغضب والغم والجبن وغير ذلك، فإن جميع ذلك يفسد المزاج وربما أعدى بالرضاع ولهذا نهى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم عن استظئار المجنونة، على أن سوء خلقها أيضاً مما يسلك بها سوء العناية بتعهّد الصبي وإقلال مداراته. وأما في هيئة ثديها فأن يكون ثديها مكتنزاً عظيماً وليس مع عظمه بمسترخ ولا ينبغي أيضاً أن يكون فاحش العظم، ويجب أن يكون معتدلاً في الصلابة واللين. وأما في كيفية لبنها فأن يكون قوامه معتدلاً ومقداره معتدلاً ولونه إلى البياض، لا كمد ولا أخضر ولا أصفر ولا أحمر، ورائحته طيّبة لا ونة فيها ولا عفونة. وطعمه إلى الحلاوة لا مرارة فيه ولا ملوحة ولا حموضة وإلى الكثرة ما هو وأجزاؤه متشابهة، فحينئذ لا يكون رقيقاً سيالاً ولا غليظاً جداً جبنياً، ولا مختلف الأجزاء، ولا كثير الرغوة وقد يجرب قوامه بالتقطير على الظفر فإن سال فهو رقيق، وإن وقف عن الإسالة من الظفر فهو ثخين. ويجرب أيضاً في زجاجة بأن يلقي عليه شيء من المر ويحرك بالأصبع فيعرف مقدار جبنيته ومائيته، فإن اللبن المحمود هو المتعادل الجبنية والمائية، فإن اضطر إلى من لبنها ليس بهذه الصفة دبر فيه، من وجه السقي، ومن علاج المرضعة. أما من وجه السقي فما كان من الألبان غليظاً كريه الرائحة، فالأصوب أن يسقى بعد حلب ويعرض للهواء، وما كان شديد الحرارة، فالأصوب أن لا يسقى على الريق البتة.
وأما علاج المرضع، فإنها إن كانت غليظة اللبن سقيت من السكنجيين البزوري المطبوخ بالملطفات مثل الفودنج والزوفا والحاشا والصعتر الجبلي تطعمه والطرنج ونحوه، ويجعل في طعامها شيء من الفجل يسير وتؤمر أن تتقيأ بسكنجبين حار وأن تتعاطى رياضة معتدلة، وإن كان مزاجها حار أسقيت السكنجبين مع الشراب الرقيق مجموعين ومفردين، وإن كان لبنها إلى الرقة رفهت ومنعت الرياضة وغذيت بما يولد دماً غليظاً، وربما سقوها- إن لم يكن هناك مانع- شراباً حلواً أو عقيد العنب، وتؤمر بزيادة النوم فإن كان لبنها قليلاً تؤمّل السبب فيه هل هو سوء مزاج حار في بدنها كله أو في ثديها، ويتعرف ذلك من العلامات المذكورة في الأبواب الماضية ويلمس الثدي، فإن دل الدليل على أن بها حرارة غذيت بمثل كشك الشعير والأسفاناخ وما أشبهه، وإن دل الدليل على أن بها برد مزاج أو سدد أو ضعف من القوة الجاذبة زيد في غذائها اللطيف المائل إلى الحرارة وعلق عليها المحاجم تحت الثديين بلا تعنيف، وينفع من ذلك بزر الجزر. وللجزر نفسه منفعة شديدة وإن كان السبب فيه استقلالها من الغذاء غذيت بالأحساء المتخذة من الشعير والنخالة والحبوب. ويجب أن يجعل في أحسائها وأغذيتها أصل الرازيانج وبزره والشبث والشونيز وقد قيل: إن أكل ضروع الضأن والمعز بما فيه من اللبن نافع جداً لهذا الشأن لما فيه من المشاكلة أو لخاصية فيه، وقد جرب أن يؤخد وزن درهم من الأرضة أو من الخراطين المجففة في ماء الشعير أياماً متوالية ووجد ذلك غاية، وكذلك سلاقة رؤوس السمك المالح في ماء الشبث، ومما يغزر اللبن أن تؤخذ أوقية من سمن البقر فيصبّ فيه شيء من شرار صرف ويشرب أو يؤخذ طحين السمسم ويخلط بالشراب ويصفّى ويسقى ويضمد الثديان بثفل الناردين مع زيت ولبن أتان، أو تؤخذ أوقية من جوف الباذنجان المسلوق، ويمرس بالشراب مرساً ويسقى وتغلى النخالة والفجل في الشراب ويسقى أو يؤخذ بزر الشبث ثلاث أواق، وبزر الحندقوقي وبزر الكراث من كل واحد أوقية، وبزر الرطبة والحلبة من كل واحد أوقيتان يخلط بعصارة الرازيانج والعسل والسمن ويشرب منه. وإذا كان اللبن بحيث يؤذي ويفسد من الكثرة لاحتقانه وتكاثقه فينقص بتقليل الغذاء وتناول ما يقل غذاؤه وبتضميد الصدر والبدن بكمّون وخل، أو بطين حر وخل، أو بعدس مطبوخ بخل ويشرب الماء المالح عليه. وكذلك أستعمال النعناع الكثير والاستكثار من ذلك للثدي يغزر اللبن، فأما اللبن الكريه الرائحة فيعالج بسقي الشراب الريحاني ومناولة الأغذية الطيبة الرائحة، وأما التدبير المأخوذ من مدة وضع المرضع فيجب أن تكون ولادتها قريبة لا ذلك القرب جداً، بل ما بينها وبينه شهر ونصف أو شهران، وأن تكون ولادتها لذكر وأن يكون وضعها لمدة طبيعية، وأن لا تكون أسقطت ولا كانت معتادة الإسقاط.
ويجب أن تؤمر المرضع برياضة معتملة وتغذى بأغذية حسنة الكيموس ولا تجامع البتة، فإن ذلك يحرك منها دم الطمث فيفسد رائحة اللبن، ويقل مقداره بل ربما حبلت وكان من ذلك ضرر عظيم على الولدين جميعاً، أما المرتضع فلانصراف اللطيف من اللبن إلى غذاء الجنين، وأما الجنين فلقلة ما يأتيه من الغذاء لاحتياج الآخر إلى اللبن. ويجب في كل إرضاعة وخصوصاَ في الإرضاع الأول أن يحلب شيء من اللبن ويسيل، وأن يعان بالغمز لئلا تضطره شدة المصّ إلى إيلام آلات الحلق والمريء فيحجف به. وإن ألعِق قبل الإرضاع كل مرة ملعقة من عسل فهو نافع، وإن مزج بقليل شراب كان صواباً ولا ينبغي أن يرضع اللبن الكثير دفعة واحدة، بل الأصوب أن يرضع قليلاً قليلاً متوالياً،متوالياً فإن ارضاعه الشبع دفعة واحدة ربما ولد تمدداً ونفخة وكثرة رياح وبياض بول، فإن عرض ذلك فيجب أن لا يرضع ويجوعّ شديد أو يشتغل بنومه إلى أن ينهضم ذلك وأكثر ما يرضع في الأيام الأول هو في اليوم ثلاث مرات وإن أرضعته في اليوم الأول غير أمه على ما قد ذكرنا كان أصوب، وكذلك إذا عرض للمرضعة مزاج رديء أو علة مؤلمة أو إسهال كثير أو احتباس مؤذ، فالأولى أن يتولى إرضاعه غيرها إلى أن تستقل وكذلك إذا أحوجت الضرورة إلى سقيها دواء له قوة وكيفية غالبة، وإذا نام عقيب الرضاع لم يعنف عليه بتحريك شديد للمهد يخضخض اللبن في معدته، بل يرجح برفق. والبكاء اليسير قبل الرضاع ينفعه والمدة الطبيعية للرضاع سنتان. واذا اشتهى الطفل غير اللبن أعطي بتدريج، ولم يشدد عليه، ئم إذا جعلت ثناياه تظهر إلى الغذاء الذي هو أقوى بالتدريج من غير أن يعطى شيئاً صلب الممضغ، وأول ذلك خبز تمضغه المرضع ثم خبز بماء وعسل، أو بشراب أو بلبن ويسقى عند ذلك قليل ماء، وفي الأحيان مع يسير شراب ممزوج به، ولا تدعه يتملأ فإن عرض له كظة وانتفاخ بطن وبياض بول، منعته كل شيء. وأجود تغذيته أن يؤخر إلى أن يمرخ ويحمم، ثم إذا أفطم نقل إلى ما هو من جنس الأحساء. واللحوم الخفيفة. ويجب أن يكون الفطام بالتدريج لا دفعة واحدة ويشغل ببلاليط متخذة من خبز وسكر، فإن ألح على الثدي واسترضع وبكى فيجب أن يؤخذ من المر والفوتنج من كل واحد درهم يسحق ويطلى منه على الثدي. ونقول بالجملة: إن تدبير الطفل هو الترطيب لمشاكلة مزاجه لذلك ولحاجته إليه في تغذيته ونموه والرياضة المعتدلة الكثيرة. وهذا كالطبيعي لهم فكأن الطبيعة تتقاضاهم به ولا سيما إذا جاوزوا الطفولية إلى الصبا، فإذا أخذ ينهض ويتحرك فلا ينبغي أن يمكن من الحركات العنيفة، ولا يجوز أن يحمل على المشي أو القعود قبل انبعاثه إليه بالطبع فيصيب ساقيه وصلبه اَفة، والوِاجب في أول ما يقعد ويزحف على الأرض أن يجعل مقعده على نطع أملس لئلا تخدشه خشونة الأرض، وينحى عن وجهه الخشب والسكاكين وما أشبه ذلك ما ينخس أو يقطع، ويحمى عن التزلق من مكان عال وإذا جعلت الأنياب تفطر منعوا كل صلب الممضغ لئلا تتحلل المادة التي منها تتخلّق الأنياب بالمضغ الذي يولع به، وحينئذ تمرخ غمورهم بدماغ الأرنب وشحم الدجاج، فإن ذلك يسهل فطورها، فإذا انغلق عنها الغمور مرخت رؤوسهم وأعناقهم حينئذ بالزيت المغسول مضروباً بماء حار وقطر من الزيتَ في آذانهم، فإذا صارت بحيث يمكنه أن يعض بها فإنه يُغرَى بأصابعة وعضها، فيجب أن يعطى قطعة من أصل السوس الذي لم يجف بعد كثيراَ أو رُبّه، فإن ذلك ينفع في ذلك الوقت وينفع من القروح والأوجاع في اللثة، وكذلك يجب أن يدلك فمه بملح وعسل لئلا تصيبه هذه الأوجاع، ثم إذا استحكم نباتها أيضاً أعطوا شيئاً من رب السوس، أو من أصله الذي ليس بشديد الجفاف يمسكونه في الفم ويوافقهم تمريخ أعناقهم في وقت نبات الأنياب بزيت عذب أو دهن عذب، وإذا أخذوا ينطقون تعهدوا بإدامة ذلك أصول أسنانهم.
بّسم الله الرّحمن الرّحيم
● [الفصل الثالث : الأمراض التي تعرض للصبيان وعلاجاتها] ●
الغرض المقدّم في معالجة الصبيان هو تدبير المرضع، حتى إن حدس أن بها امتلاء من دم فصدت أو حجمت، أو امتلاء من خلط استفرغ منها الخلط، أو احتيج إلى حبس الطبيعة، أو إطلاقها أو منع بخار من الرأس، أو إصلاح لأعضاء التنفس، أو تبديل لسوء مزاج، عولجت بالمتناولات الموافقة لذلك. وإذا عولجت بإسهال أو وقع طبعاً بإفراط، أو عولجت بقيء أو وقع طبعاً وقوعاً قوياً، فالأولى أن يرضع ذلك اليوم غيرها. فلنذكر أمراضاً جزئية تعرض للصبيان، فمن ذلك أورام تعرض لهم في اللثة عند نبات الأسنان، وأورام تعرض لهم عند أوتار في ناحية اللحيين وتشنج فيها، وإذا عرض ذلك فيجب أن يغمز عليها الأصبع بالرفق وتمرخ بالدهنيات المذكورة في باب نبات الأسنان. وزعم بعضهم أنه يمضمض بالعسل مضروباً بدهن البابونج أو العسل مع علك الأنباط، ويستعمل على الرأس نطول بماء قد طبخ فيه البابونج والشبث. ومما يعرض للصبيان استطلاق البطن وخصوصاً عند نبات الأسنان. زعم بعضهم أنه يعرض لأنه يمص فضلاً مالحاً قيحياً من لثته مع اللبن، ويجوز أن لا يكون لذلك بل لاشتغال الطبيعة بتخليق عضو عن إجادة الهضم، ولعروض الوجع، وهو مما يمنع الهضم في الأبدان الضعيفة. والقليل منه لا يجب أن يشتغل به، فإن خيف من ذلك إفراط تدُورِكَ بتكميد بطنه ببزر الورد أو بزر الكرفس أو الأنيسون أو الكمون، أو يضمّد بطنه بكمّون وورد مبلولين بخل أو بجاورس مطبوخ مع قليل خل. وأن لم ينجع سقوا من أنفحة الجدي دانقاً بماء بارد ويحذر حينئذ من تجبن اللبن في معدته بأن يغذى ذلك اليوم ما ينوب عن اللبن مثل النيمبرشت من صفرة البيض، ولباب الخبز مطبوخاً في ماء، أو سويق مطبوخاً في ماء.
وقد يعرض لهم اعتقال الطبيعة فيشيفون بزبل الفأر أو شيافة من عسل معقود وحده، أو مع فودنج أو أصل السوسن الأسمانجوني كما هو، أو محرقاً أو يطعم قليل عسل أو مقدار حمصة من علك البطم، ويمرخ بطنه بالزيت تمريخاً لطيفاً أو تلطخ سرّته بمرارة البقر وبخور مريم، وربما عرض بلثته لذع فيكمّد بدهن وشمع. واللحم المالح العفن ينفعه وربما عرض لهم خاصة عند نبات الأسنان تشنّج، وأكثره بسبب ما يعرض لهم من فساد الهضم مع شدة ضعف العصب، وخصوصاً فيمن بدنه عبل رطب، فيعالج بدهن إيرسا، أو لدهن السوسن، أو دهن الحناء، أو دهن الخيري. وربما عرض كزاز فيعالج بماء قد طبخ فيه قثاء الحمار، أو بدهن البنفسج مع دهن قثاء الحمار، فإن حدس أن التشنّج العارض به من يبس لوقوعه عقيب الحميات والإسهال العنيف، ولحدوثه قليلاً قليلاً، عرقت مفاصله بدهن البنفسج وحده أو مضروباً بشيء من الشمع المصفى وصب على دماغهم زيت ودهن بنفسج وغير ذلك صباً كثيراً وكذلك إن عرض لهم كزاز يابس. وقد يعرض لهم سعال وزكام وقد أمر في ذلك بماء حار كثير يصب على رأس من أصيب بذلك منهم ويلطخ لسانه بعسل كثير ثم يغمز على أصل لسانه بالأصبع ليتقيأ بلغماً كثيراً فيعافى، أو يؤخذ صمغ عربي وكثيراء وحب السفرجل ورب السوس وفانيد يسقى منه كل يوم شيئاً بلبن حليب.
وقد يعرض للطفل سوء تنفس، فيجب حينئذ أن تدهن أصول أذنيه وأصل لسانه بالزيت ويقيأ، وكذلك يكبس لسانه فهو نافع جداً، ويقطر الماء الحار في أفواههم ويلعقوا شيئاً من بزر الكتان بالعسل. وقد يعرض لهم القلاع كثيراً فإن غشاء أفواههم وألسنتهم لين جداً لا يحتمل اللمس ليناً، فكيف جلاء مائية اللبن، فان ذلك يؤذيهم ويورثهم القلاع. وأردأ القلاع الفحمي الأسود و هو قاتل. وأسلمه الأبيض والأحمر، فينبغي أن يعالجوا بما خص من أدوية القلاع المذكورة في الكتاب الجزئي، وربما كفاه البنفسج المسحوق وحده أو مخلوط بورد وقليل زعفران أو الخرنوب وحده، وربما كفاه مثل عصارة الخسّ وعنب الثعلب والعرفج، فإن كان أقوى من ذلك فأصل السوس المسحوق، وربما نفع بثور لثته وقلاعه المر والعفص وقشور الكندر مسحوقة جداً مخلوطة بالعسل، وربما كفاه رب التوث وحده الحامض ورب الحصرم، وقد ينفع من ذلك غسله بشراب العسل، أو ماء العسل، ثم اتباعه بشيء مما ذكرناه من المجففات، فإن احتيج إلى ما هو أقوى، فليؤخذ عروق وقشور الرمان والجلنار والسماق من كل واحد ستة دراهم، ومن العفص أربعة دراهم، ومن الشبث درهمان يدق وينخل ويذر.
وقد يعرض في آذانهم سيلان الرطوبة، فإن أبدانهم وخصوصاً أدمغتهم رطبة جداً.، فيجب أن تغمس لهم صوفة في عسل وخمر مخلوط به شيء يسير من شب أو زعفران أو شمة من نطرون ويجعل في آذانهم، وربمى كفى أن يغمس صوف في شراب عفص، ويستعمل مع شيء من الزعفران ويجعل في ذلك الشراب قد يعرض للصبيان كثيراً وجع الأذن من ريح أو رطوبة فيعالج بالحضض والصعتر والملح الطبرزد والعدس والمر وحب الحنظل والأبهل يغلي أيها كان في دهن ويقطر وربما عرض في دماغ الصبيان ورم حار يسمى العطاس، وقد يصل وجعه كثيراً إلى العين والحلق ويصفر له الوجه، فيجب حينئذ أن يبر دماغه ويرطب بقشور القرع والخيار وماء عنب الثعلب وعصارة البقلة الحمقاء خاصة ودهن الورد مع قليل خل وصفرة البيض مع دهن الورد،ويبدل أيها كان دائماً وقد يعرض للصبي ماء في رأسه. وقد ذكرنا علاجه فى علل الرأس وربما انتفخت عيونهم فيطلى عليها حضض بلبن ثم يغسل بطبيخ البايوتج وماء الباذروج، وربما أحدثت كثرة البكاء بياضاً في حدقتهم فيعالجون بعصارة عنب الثعلب. وقد يعرض لجفن الصبي سلاق من البكاء وذلك علاجه أيضاً عصارة عنب الثعلب. وقد يصيبهم حميات، والأولى فيها أن تدثر المرضعة ويسقى هو أيضاً مثل ماء الرمان مع سكنجبين وعسل، ومثل عصارة الخيار مع قليل كافور وسكر، ثم يعرقون بأن يعتصر القصب الرطب وتجعل عصارته على الهامة والرجل ويدثروا، فإن هذا يعرقهم. وربما عرض لهم مغص فيلتوون ويبكون، فيجب أن يكمد البطن بالماء الحار والدهن الكثير الحار بالشمع اليسير. وقد يعرض لهم عطاس متواتر فربما كان ذلك من ورم في نواحي الدماغ، فإن كان كذلك عولج الورم بالتبريد والطلاء والتمريخ بالمبردات من العصارات والأدهان، وإن لم يكن من ورم عرض لهم، فيجب أن ينفخ الباذورج المسحوق في مناخرهم.
ؤقد يعرض لهم بثور في البدن فما كان قرحياً أسود فهو قتال، وأما الأبيض فأسلم منه، وكذلك الأحمر. ولو كان قلاعاً فقط لكان قتالاً، فكيف إذا بثر، وربما كانت في خروجها منافع كثيرة، وعلى كل حال فيعالجون بالمجففات اللطيفة مجعولة في مائه الذي يغسل به مطبوخة فيه كالورد والأس وورق شجرة المصطكي والطرفاء. وأدهان هذه الأشياء أيضاً. والبثور السليمة تترك حتى تنضج ثم تعالج، وإن تقرّحت استعمل مرهم منهم الإسفيداج، وربما احتيج إلى أن يغسل بماء الغسل مع قليل نطرون، وكذلك القلاع فاذا كثفت احتيج إلى ما هو أقل فيغسل حينئذ بماء البورق نفسه ممزوجاً بلبن ليحتمله، فإن تنقطت بشرتهم حُمّوا بماء طبيخ الآس والورد والإذخر وورق شجرة المصطكي، وأولى هذا كله إصلاح غذاء المرضع.
وربما أحدث كثرة البكاء فيهم نتوءاً في السرة، أو أحدث سبباً من أسباب الفتق وقد أمر في ذلك بأن يسقى النانخواه ويعجن ببياض البيض ويلطخ عليه ويُعلى بخرقة كتان رقيقة، أو تبل حراقة الترمس المز بنبيذ وتشد عليه. وأقوى منه القوابض الحارة مثل المر وقشور السرو وجوزه والأقاقيا والصبر وما يقال في باب الفتق. وربما عرض للصبيان وخصوصاً عند قطع السرّة ورم فحينئذ يجب أن يؤخذ الشنكال، وهو الفنجيوس وعلك البطم ويذابان في ذهن الشيرج، ويسقى. منه الصبي وتطلى به سرته. وقد يعرض للصبي أن لا ينام ولا يزال يبكي ويدمدم دمدمة ويضطر ضرورة إلى إرقاده، فإن أمكن أن ينوّم بقشور الخشخاش وبزره وبدهن الخسّ ودهن الخشخاش وضع على صدغه وهامته فذلك، وإن احتيج إلى أقوى من ذلك فهذا الدواء، ونسخته.
يؤخذ حب السمنة وجوز كندم وخشخاش أبيض وخشخاش أصفر وبزر الكتان والحب الخوري وبزر العرفج وبزر لسان الحمل وبزر الخس وبزر الرازيانج وأنيسون وكمون، يغلى الجميع قليلاً قليلاً ويدق ويجعل فيها جزء من بزر قطونا مقلواً غير مدقوق، ويخلط الجميع بمثله سكراً، وويسقى الصبي منه قدر درهمين، فإن أريد أن يكون أقوى من هذا جعل فيه شيء من الأفيون قدر ثث جزء أوأقل.
وقد يعرض للصبي فواق فيجب أن يسقى جوز الهند مع السكر. وقد يعرض للصبي قيء مبرح فربما نفع منه أن يسقى نصف دانق من القرنفل، وربما نفع منه تضميد المعمة بشيء من حوابس القيء الضعيفة. وقد يعرض للصبي ضعف المعدة فيجب أن تلطخ معدته بميسوس بماء الورد أو ماء الآس، ويسقى ماء السفرجل بشيء من القرنفل والسك أو قيراط من السك في شيء يسير من الميبة.
وقد يعرض للصبي أحلام تفزعه في نومه، وأكثره من امتلائه لشدّة نهمته، فإذا فسد الطعام وأحست المعمة به تأذى ذلك الأذى من القوة الحاسة إلى القوة المصورة والمخيلة فمثلت أحلاماً رديئة هائلة، فيجب أن لا ينوم على كظة وأن يلعق العسل ليهضم ما في معدته ويحدره.
وقد يعرض للصبي ورم الحلقع بين الفم والمريء وربما امتدّ ذلك إلى العضل وإلى خرز القفا، فيجب أن تلين الطبيعة بالشيافة ثم يعالج بمثل رب التوث ونحوه.
وقد يعرض له خرخرة عظيمة في نومه، فيجب أن يلعق من بزر الكتان المدقوق بالعسل أو من الكمون المدقوق المعجون بالعسل.
وقد يعرض للصبي ريح الصبيان وقد ذكرنا علاجه في باب أمراض الرأس لكنا نذكر شيئاَ قد ينجع فيهمٍ كثيراً، وهو أن يأخذ من السعتر والجند بيدستر والكمّون أجزاء سواء، فتجمع سحقاً ويسقى، والشربة ثلاث حبات.
وقد يعرض للصبي خروج المقعدة فيجب أن تؤخذ قشور الرمان والآس الرطب وجفت البلوط وورد يابس وقرن محرق والشب اليماني وظلف المعز وجلنار وعفص أجزاء سواء من كل واحد درهم يطبخ في الماء طبخاً شديداً حتى يستخرج قوته، ثم يقعد في طبيخه فاتراً. وقد يعرض للصبيان زحير من برد يصيبهم فينفعهم أن يؤخذ حرف وكمّون من كل واحد ثلاثة دراهم يدق وينخل ويعجن بسمن البقر العتيق ويسقى منه بماء بارد.
وقد يتولد في بطن الصبيان دود صغار يؤذيهم وأكثره في نواحي المقعدة ويتولد فيهم منه الطوال أيضاً. وأما العراض فقلما تتولد فالطوال تعالج بماء الشيح يسقون منه في اللبن شيئاً يسيراً بمقدار قوتهم، وربما احتيج إلى أن تضمّد بطونهم بالأفسنتين والبرنج الكابلي ومرارة البقر وشحم الحنظل. وأما الصغار التي تكون منهم في المقعدة فيجب أن يؤخذ الراسن والعروق الصفر من كل واحد جزء سكر مثل الجميع فيسقى في الماء. وقد يعرض للصبي سحج في الفخذ، فيجب أن يذر عليه الآس المسحوق وأصل السوسن المسحوق أو الورد المسحوق أو السعد أو دقيق الشعير أو دقيق العدس.
بّسم الله الرّحمن الرّحيم
● [ الفصل الرابع : تدبير الأطفال ] ●
الأطفال إذا انتقلوا إلى سنّ الصبا يجب أن يكون وكد العناية مصروفاً إلى مراعاة أخلاق الصبي فيعدل، وذلك بأن يحفظ كيلا يعرض له غضب شديد أو خوف شديد أو غم أو سهر، وذلك بأن يتأمل كلّ وقت ما الذي يشتهيه ويحنّ إليه فيقرب إليه، وما الذي يكرهه فينحى عن وجهه، وفي ذلك منفعتان: إحداهما في نفسه بأن ينشأ من الطفولة حسن الأخلاق ويصير ذلك له ملكة لازمة. والثانية لبدنه فإنه كما أن الأخلاق الرديئة تابعة لأنواع سوء المزاج، فكذلك إذا حدثت عن العادة استتبعت سوء المزاج المناسب لها، فإن الغضب يسخن جداً، والغم يجفف جداً، والتبليد يرخي القوة النفسانية وتميل بالمزاج إلى البلغمية، ففي تعديل الأخلاق حفظ الصحة للنفس والبدن جميعاً معاً، وإذا انتبه الصبي من نومه فالأحرى أن يستحم ثم يخلّى بينه وبين اللعب ساعة، ثم يطعم شيئاً يسيراً ثم يطلق له اللعب الأطول، ثم يستحمّ، ثم يغذّى، ويجنبون ما أمكن شرب الماء على الطعام لئلا ينفذه فيهم نيئاً قبل الهضم.
وإذا أتى عليه من أحواله ست سنين فيجب أن يقدم إلى المؤدب والمعلم ويدرج أيضاً في ذلك ولا يحكم عليه بملازمة الكتاب كرة واحدة، فإذا بلغ سنهم هذا السن نقص من إجمامهم وزيد في تعبهم قبل الطعام، وجنبوا النبيذ خصوصاً إن كان أحدهم حار المزاج مرطوبه لأن المضرة التي تبقى من النبيذ، وهي توليد المرار في ضاربيه، تسرع إليهم بسهولة، والمنفعة المتوقعة من سقيه، وهي إدرار المرار منهم أو ترطيب مفاصلهم غير مطلوبة فيهم، لأن مرارهم لا تكثر حتى تستدر بالبول ولأن مفاصلهم مستغنية عن الترطيب، وليطلق لهم من الماء البارد العذب النقي شهوتهم، ويكون هذا هو النهج في تدبيرهم إلى أن يوافوا الرابع عشر من سنيهم مع الإحاطة بما هو ذاتي لهم كل يوم من تنقص الرطوبات والتجفف والتصلّب، فيدرجون في تقليل الرياضة وهجر المعنفة منها ما بين سن الصبا إلى سن الترعرع ويلزمون المعتدل. وبعد هذا السن تدبيرهم هو تدبير الإنماء وحفظ صحة أبدانهم. فلننتقل إليه ولنقدم القول في الأشياء التي فيها ملاك الأمر في تدبير الأصحاء البالغين ولنبدأه بالرياضة.
● [ تم التعليم ألأول وهو اربعة فصول بعد المقدمة ] ●
القانون فى الطب لإبن سينا
الكتاب الأول: الأمور الكلية فى علم الطب
منتدى حُكماء رُحماء الطبى . البوابة