من طرف بص وطل الإثنين يونيو 14, 2021 5:20 pm
بّسم اللّه الرّحمن الرّحيم
مكتبة الثقافة الأدبية
الأصول في النحو
● [ ذكر الأسماء المرتفعة ] ●
الأسماء التي ترتفع خمسة أصناف :
الأول : مبتدأ له خبر
والثاني : خبر لمبتدأ بنيته عليه
والثالث : فاعل بني على فعل ذلك الفعل حديثاً عنه
والرابع : مفعول به بني على فعل فهو حديث عنه ولم تذكر من فعل به فقام مقام الفاعل
والخامس : مشبه بالفاعل في اللفظ
● [ شرح الأول : وهو المبتدأ ] ●
المبتدأ : ما جردته من عوامل الأسماء ومن الأفعال والحروف وكان القصد فيه أن تجعله أولاً لثانٍ مبتدأ به دون الفعل يكون ثانيه خبره ولا يستغني واحد منهما عن صاحبه وهما مرفوعان أبداً فالمبتدأ رفع بالإبتداء والخبر رفع بهما نحو قولك : الله ربنا ومحمد نبينا والمبتدأ لا يكون كلاماً تاماً إلا بخبره وهو معرض لما يعمل في الأسماء نحو : كان وأخواتها وما أشبه ذلك من العوامل تقول : عمرو أخونا وإن زيداً أخونا وسنذكر العوامل التي تدخل على المبتدأ وخبره فتغيره عما كان عليه في موضعها إن شاء الله
والمبتدأ يبتدأ فيه بالإسم المحدث عنه قبل الحديث وكذلك حكم كل مخبر والفرق بينه وبين الفاعل : أن الفاعل مبتدأ بالحديث قبله ألا ترى أنك إذا قلت : زيد منطلق فإنما بدأت ( بزيد ) وهو الذي حدثت عنه بالإنطلاق والحديث عنه بعده وإذا قلت : ينطلق زيد فقد بدأ بالحديث وهو انطلاقه ثم ذكرت زيداً المحدث عنه بالإنطلاق بعد أن ذكرت الحديث
فالفاعل مضارع للمبتدا من أجل أنهما جميعاً محدث عنهما وإنهما جملتان لا يستغني بعضهما عن بعض وحق المبتدأ أن يكون معرفة أو ما قارب المعرفة من النكرات الموصوفة خاصة فأما المعرفة فنحو قولك : عبد الله أخوك وزيد قائم وأما ما قارب المعرفة من النكرات فنحو قولك : رجل من تميم جاءني وخير منك لقيني . وصاحب لزيد جاءني
وإنما امتنع الإبتداء بالنكرة المفردة المحضة لأنه لا فائدة فيه وما لا فائدة فيه فلا معنى للتكلم به ألا ترى أنك لو قلت : رجل قائم أو رجل عالم لم يكن في هذا الكلام فائدة لأنه لا يستنكر أن يكون في الناس رجل قائماً أو عالماً فإذا قلت : رجل من بني فلان أو رجل من إخوانك أو وصفته بأي صفة كانت تقربه من معرفتك حسن لما في ذلك من الفائدة ولا يكون المبتدأ نكرة مفردة إلا في النفي خاصة فإن الإبتداء فيه بالنكرة حسن بحصول الفائدة بها كقولك : ما أحد في الدار وما في البيت رجل ونحو ذلك في لغة بني تميم خاصة : وما أحد حاضر وإنما يراعى في هذا الباب وغيره الفائدة فمتى ظفرت بها في المبتدأ وخبره فالكلام جائز وما لم يفد فلا معنى له في كلام غيرهم
وقد يجوز أن تقول : رجل قائم إذا سألك سائل فقال : أرجل قائم أم امرأة
فتجيبه فتقول : رجل قائم وجملة هذا أنه إنما ينظر إلى ما فيه فائدة فمتى كانت فائدة بوجه من الوجوه فهو جائز وإلا فلا فإذا اجتمع اسمان معرفة ونكرة فحق المعرفة أن تكون هي المبتدأ وأن تكون النكرة الخبر لأنك إذا ابتدأت فإنما قصدُك تنبيه السامع بذكر الإسم الذي تحدثه عنه ليتوقع الخبر بعده فالخبر هو الذي ينكره ولا يعرفه ويستفيده والإسم لا فائدة له لمعرفته به وإنما ذكرته لتسند إليه الخبر وقد يجوز أن تقدم الخبر على المبتدأ ما لم يكن فعلاً خاصة فتقول : منطلق زيد وأنت تريد : زيد منطلق فإن أردت أن تجعل منطلقا في موضع ( ينطلق ) فترفع زيداً بمنطلق على أنه فاعل كأنك قلت : ينطلق زيد قبح إلا أن يعتمد اسم الفاعل وهو ( منطلق ) وما أشبهه على شيء قبله وإنما يجري فجرى الفعل إذا كان صفة جرت على موصوف نحو قولك : مررت برجل قائم أبوه ارتفع ( أبوه ) ( بقائم ) أو يكون مبنياً على مبتدأ نحو قولك : زيد قائم أبوه وحسن عندهم : أقائم أبوك وأخارج أخوك تشبيهاً بهذا إذا اعتمد ( قائم ) على شيئ قبله فأما إذا قلت قائم زيد فأردت أن ترفع زيدا بقائم وليس قبله ما يعتمد عليه البتة فهو قبيح وهو جائز عندي على قبحه وكذلك المفعول لا يعمل فيه اسم الفاعل مبتدأ غير معتمد على شيء قبله نحو : ضارب وقاتل لا تقول : ضارب بكراً عمرو فتنصب بكراً ( بضارب ) وترفع عمراً به لا يجوز أن تعمله عمل الفعل حتى يكون محمولاً على غيره فتقول : هذا ضارب بكراً جعلوا بين الإسم والفعل فرقاً فإذا قلت : قائم أبوك ( فقائم ) مرتفع بالإبتداء وأبوك رفع بفعلهما وهما قد سدا مسد الخبر ولهذا نظائر تذكر في مواضعها إن شاء الله
فأما قولك : كيف أنت وأين زيد وما أشبهما مما يستفهم به من الأسماء ( فأنت وزيد ) مرتفعان بالإبتداء ( وكيف وأين ) خبران فالمعنى في : كيف أنت على أي حال أنت وفي : ( أين زيد ) في أي مكان ولكن الإستفهام الذي صار فيهما جعل لهما صدر الكلام وهو في الحقيقة الشيء المستفهم عنه ألا ترى أنك إذا سئلت : كيف أنت فقلت : صالح إنما أخبرت بالشيء الذي سأل عنه المستخبر وكذلك إذا قال : أين زيد فقلت : في داري فإنما أخبرت بما اقتضته أين ولكن جميع هذا وإن كان خبراً فلا يكون إلا مبدوءاً به وقد تدخل على المبتدأ حروف ليست من عوامل الأسماء فلا تزيل المبتدأ عن حاله كلام الإبتداء وحروف الإستفهام ( وأما وما ) إذا كانت نافية في لغة بني تميم وأشباه ذلك فتقول : أعمرو ( قائم ) ولبكر أخوك وما زيد قائم وأما بكر منطلق فهذه الحروف إنما تدخل على المبتدأ وخبره لمعان فيها ألا ترى أن قولك : عمرو منطلق كان خبراً موجباً فلما أدخلت عليه ( ما ) صار نفياً وإنما نفيت ( بما ) ما أوجبه غيرك حقه أن تأتي بالكلام على لفظه وكذلك إذا استفهمت إنما تستخبر خبراً قد قيل أو ظن كأن قائلاً قال : عمرو قائم فأردت أن تحقق ذلك فقلت أعمرو قائم وقع في نفسك أن ذلك يجوز وأن يكون وأن لا يكون فاستخبرت مما وقع في نفسك بمنزلة ما سمعته أذنك فحينئذ تقول : أعمرو قائم أم لا لأنك لا تستفهم عن شيء إلا وهو يجوز أن يكون عندك موجبة أو منفية واقعاً ولام الإبتداء تدخل لتأكيد الخبر وتحقيقه فإذا قلت : لعمرو منطلق أغنت اللام بتأكيدها عن إعادتك الكلام فلذلك احتيج إلى جميع حروف المعاني لما في ذلك من الإختصار ألا ترى أن الواو العاطفة في قولك : قام زيد وعمرو لولاها لاحتجت إلى أن تقول : قام زيد قام عمرو وكذلك جميع الحروف ويوصل بلام القسم فيقال : والله لزيد خير منك لأنك لا تقسم إلا مع تحقيق الخبر ( وأما ) فإنما تذكرها بعد كلام قد تقدم أخبرت فيه عن اثنين أو جماعة بخبر فاختصصت بعض من ذكر وحققت الخبر عنه ألا ترى أن القائل يقول : زيد وعمرو في الدار فتقول : أما زيد ففي الدار وأما عمرو ففي السوق وإنما دخلت الفاء من أجل ما تقدم لأنها إنما تدخل في الكلام لتتبع شيئاً بشيء وتعق ما دخلت عليه من الكلام بما قبله ( ولأما ) موضع تذكر فيه وما لم أذكر من سائر الحروف التي لا تعمل في الأسماء فالمبتدأ والخبر بعدها على صورتهما
● [ شرح الثاني وهو خبر المبتدأ ] ●
الإسم الذي هو خبر المتبدا هو الذي يستفيده السامع ويصير به المبتدأ كلاماً وبالخبر يقع التصديق والتكذيب
ألا ترى أنك إذا قلت : عبد الله جالس فإنما الصدق والكذب وقع في جلوس عبد الله لا في عبد الله لأن الفائدة هي في جلوس عبد الله وإنما ذكرت عبد الله لتسند إليه ( جالساً ) فإذا كان خبر المبتدأ اسماً مفرداً فهو رفع نحو قولك : عبد الله أخوك وزيد قائم وخبر المبتدأ ينقسم على قسمين : إما أن يكون هو الأول في المعنى غير ظاهر فيه ضميره نحو : زيد أخوك وعبد الله منطلق فالخبر هو الأول في المعنى إلا أنه لو قيل لك من أخوك هذا الذي ذكرته لقلت : زيد أو قيل لك : من المنطلق لقلت : عبد الله أو يكن غير الأول ويظهر فيه ضميره نحو قولك : عمرو ضربته وزيد رأيت أباه فإن لم يكن على أحد هذين فالكلام محال
وخبر المبتدأ الذي هو الأول في المعنى على ضربين فضرب يظهر فيه الإسم الذي هو الخبر نحو ما ذكرنا من قولك : زيد أخوك وزيد قائم وضرب يحذف منه الخبر ويقوم مقامه ظرف له وذلك الظرف على ضربين : إما أن يكون من ظروف المكان وإما أن يكون من ظروف الزمان
أما الظروف في المكان فنحو قولك : زيد خلفك وعمرو في الدار
والمحذوف معنى الإستقرار والحلول وما أشبههما كأنك قلت : زيد مستقر خلفك وعمرو مستقر في الدار ولكن هذا المحذوف لا يظهر لدلالة الظرف عليه واستغنائهم به في الإستعمال
وأما الظرف من الزمان فنحو قولك : القتال يوم الجمعة والشخوص يوم الخميس كأنك قلت : القتال مستقر يوم الجمعة أو وقع في يوم الجمعة والشخوص واقع في يوم الخميس فتحذف الخبر وتقيم الظرف مقام المحذوف فإن لم ترد هذا المعنى
فالكلام محال لأن زيداً الذي هو المبتدأ ليس من قولك : ( خلفك ) ولا في الدار شيء لأن في الدار ليس بحديث وكذلك خلفك وإنما هو موضع الخبر
واعلم : أنه لا يجوز أن تقول : زيد يوم الخميس ولا عمرو في شهر كذا لأن ظروف الزمان لا تتضمن الجثث وإنما يجوز ذلك في الأحداث نحو الضرب والحمد وما أشبه ذلك وعلة ذلك أنك لو قلت : زيد اليوم لم تكن فيه فائدة لأنه لا يخلو أحد من أهل عصرك من اليوم إذ كان الزمان لا يتضمن واحداً دون الآخر والأماكن ينتقل عنها فيجوز أن تكون خبراً عن الجثث وغيرها كذلك
والظرف من الأماكن تكون إخباراً عن المعاني التي ليست بجثث يعني المصادر نحو قولك : البيع في النهار والضرب عندك فإن قال قائل فأنت قد تقول : الليلة الهلال والهلال جثة فمن أين جاز هذا فالجواب في ذلك : أنك إنما أردت : الليلة حدوث الهلال لأنك إنما تقول ذلك عند توقع طلوعه ألا ترى أنك لا تقول : الشمس اليوم ولا القمر الليلة لأنه غير متوقع وكذلك إن قلت : اليوم زيد وأنت تريد هذا المعنى جاز وتقول : أكل يوم لك عهد لأن فيه معنى الملك ويوم الجمعة عليك ثوب إنما جاز ذلك لإستقرار الثوب عليك فيه وأما القسم الثاني من خبر المبتدأ : وهو الذي يكون غير الأول ويظهر يفه ضميره فلا يخلو من أن يكون الخبر فعلاً فيه ضمير المبتدأ نحو : زيد يقوم والزيدان يقومان فهذا الضمير وإن كان لا يظهر في فعل الواحد لدلالة المبتدأ عليه يظهر في التثنية والجمع وذلك ضرورة خوف اللبس ومضمره كظاهره وأنت إذا قلت : زيد قائم فالضمير لا يظهر في واحده ولا في تثنيته ولا في جمعه فإن قال قائل : فإنك قد تقول : الزيدان قائمان والزيدون قائمون قيل له : ليست الألف ولا الواو فيهما ضميرين إنما الألف تثنية الإسم والواو جمع الإسم وأنت إذا قلت : الزيدون قائمون فأنت بعد محتاج إلى أن يكون في نيتك ما يرجع إلى الزيدين ولو كانت الواو ضميرا والألف ضميرا والألف ضميرا لما جاز أن تقول القائمان الزيدان ولا القائمون الزيدون أو يكون جملة فيها ضميره والجمل المفيدة على ضربين : إما فعل وفاعل وإما مبتدأ وخبر أما الجملة التي هي مركبة من فعل وفاعل فنحو قولك : زيد ضربته وعمرو لقيت أخاه وبكر قام أبوه وأما الجملة التي هي مركبة من ابتداء وخبر فقولك : زيد أبوه منطلق وكل جملة تاتي بعد المبتدأ فحكمها في إعرابها كحكمها إذا لم يكن قبلها مبتدأ ألا ترى أن إعراب ( أبوه منطلق ) بعد قولك : بكر كإعرابه لو لم يكن بكر قبله فأبوه مرتفع بالإبتداء ( ومنطلق ) خبره فبكر مبتدأ أول وأبوه مبتدأ ثانٍ ومنطلق خبر الأب والأب ( منطلق ) خبر بكر وموضع قولك : ( أبوه منطلق ) رفع ومعنى قولنا : الموضح أي لو وقع موقع الجملة اسم مفرد لكان مرفوعاً وقد يجوز أن يأتي مبتدأ بعد مبتدأ بعد مبتدأ وأخبار كثيرة بعد مبتدأ وهذه المبتدآت إذا كثروها فإنما هي شيء قاسه النحويون ليتدرب به المتعلمون ولا أعرف له في كلام العرب نظيراً فمن ذلك قولهم : زيد هند العمران منطلقان إليهما من أجله فزيد مبتدأ أول وهند مبتدأ ثان والعمران مبتدأ ثالث وهند وما بعدها خبر لها والعمران وما بعدهما خبر لهما وجميع ذلك خبر عن زيد والراجع الهاء في قولك من أجله والراجع إلى هند ( الهاء ) في قولك : إليها والمنطلقان هما العمران وهما الخبر عنها
وفيهما ضميرهما فكلما سئلت عنه من هذا فهذا أصله فإذا طال الحديث عن المبتدأ كل الطول وكان فيه ما يرجع ذكره إليه جاز نحو قولك : ( عبد الله قام رجل كان يتحدث مع زيد في داره ) صار جميع هذا خبراً عن ( عبد الله ) من أجل هذه الهاء التي رجعت إليه بقولك : ( في داره ) وموضع هذا الجملة كلها رفع من أجل أنك لو وضعت موضعها ( منطلقاً ) وما أشبهه ما كان إلا رفعاً فقد بان من جميع ما ذكرنا أنه قد يقع في خبر المبتدأ أحد أربعة أشياء الإسم أو الفعل أو الظرف أو الجملة
واعلم أن المبتدأ أو الخبر من جهة معرفتهما أو نكرتهما أربعة : الأول : أي يكون المبتدأ معرفة والخبر نكرة نحو : عمرو منطلق وهذا الذي ينبغي أن يكون عليه الكلام
الثاني : أن يكون المبتدأ معرفة والخبر معرفة نحو : زيد أخوك وأنت تريد أنه أخوه من النسب وهذا ونحوه إنما يجوز إذا كان المخاطب يعرف زيداً على إنفراده ولا يعلم أنه أخوه لفرقة كانت بينهما أو لسبب آخر ويعلم أن له أخاً ولا يدري أنه زيد هذا فتقول له : أنت زيد أخوك أي زيد هذا الذي عرفته هو أخوك الذي كنت علمته فتكون الفائدة في اجتماعهما وذلك هو الذي استفاده المخاطب فمتى كان الخبر عن المعرفة معرفة فإنما الفائدة في مجموعهما فأما أن يكون يعرفهما مجتمعين وإن هذا هذا فذا كلام لا فائدة فيه فإن قال قائل : فأنت تقول : الله ربنا ومحمد نبينا وهذا معلوم معروف قيل له : هذا إنما هو معروف عندنا وعند المؤمنين وإنما نقوله رداً على الكفار وعلى من لا يقول به ولو لم يكن لنا مخالف على هذا القول لما قيل إلا في التعظيم والتحميد لطلب الثواب به فإن المسبح يسبح وليس يريد أن يفيد أحداً شيئاً وإنما يريد أن يتبرر ويتقرب إلى الله بقول الحق وبذلك أمرنا وتعبدنا وأصل ذلك الإعتراف بمن الله عليه بأن عرفه نفسه وفضله على من لا يعرف ذلك وأصل الكلام موضوع للفائدة وإن اتسعت المذاهب فيه ولكن لو قال قائل : النار حارة والثلج بارد لكان هذا كلاماً لا فائدة فيه وإن كان الخبر فيهما نكرة
الثالث : أن يكون المبتدأ نكرة والخبر نكرة وقد بينا أن الجائز من ذلك ما كانت فيه فائدة
فأما الكلام إذا كان منفياً فإن النكرة فيه حسنة لأن الفائدة فيه واقعة نحو قولك : ما أحد في الدار وما فيها رجل
الرابع : أن يكون المبتدأ نكرة والخبر معرفة وهذا قلب ما وضع عليه الكلام وإنما جاء مع الأشياء التي تدخل على المبتدأ والخبر فتعمل لضرورة الشاعر نحو قوله :
( كأنَّ سلافةً مِنْ بَيْتِ رَأْسٍ ... يَكُونُ مزاجَهَا عَسلٌ ومَاءُ )
فجعل إسم ( كان ) عسل وهو نكرة وجعل مزاجها الخبر وهو معرفة بالإِضافة إلى الضمير ومع ذلك فإنماحسن هذا عند قائله أن عسلاً وماءً نوعان وليسا كسائر النكرات التي تنفصل بالخلقة والعدد نحو : تمرة وجوزة والضمير الذي في ( مزاجها ) راجع إلى نكرة وهو قوله : سلافة فهو مثل قولك : خمرة ممزوجة بماء
وقد يعرض الحذف في المبتدأ وفي الخبر أيضاً لعلم المخاطب بما حذف والمحذوف على ثلاث جهات :
الأولى : حذف المبتدأ وإضماره إذا تقدم من ذكره ما يعلمه السامع فمن ذلك أن ترى جماعة يتوقعون الهلال فيقول القائل : الهلال والله أي : هذا الهلال فيحذف هذا وكذلك لو كنت منتظراً رجلاً فقيل : عمرو جاز على ما وصفت لك ومن ذلك : مررت برجل زيد لأنك لما قلت : مررت برجل أردت أن تبين من هو فكأنك قلت هو زيد وعلى هذا قوله تعالى : ( بشر من ذلكم النار )
الجهة الثانية : أن تحذف الخبر لعلم السامع فمن ذلك أن يقول القائل : ما بقي لكم أحد فتقول : زيد أو عمرو أي : زيد لنا ومنه لولا عبد الله لكان كذا وكذا فعبد الله مرتفع بالإبتداء والخبر محذوف وهو في مكان كذا وكذا فكأنه قال : لولا عبد الله بذلك المكان ولولا القتال كان في زمان كذا وكذا ولكن حذف حين كثر استعمالهم إياه وعرف المعنى فأما قوله : لكان ( كذا وكذا ) فحديث متعلق بحديث ( لولا ) وليس من المبتدا في شيء ومن ذلك : هل من طعام فموضع ( من طعام ) رفع كأنك قلت : هل طعام والمعنى : هل طعام في زمان أو مكان و ( من ) تزاد توكيداً مع حرف النفي وحرف الإستفهام إذا وليهما نكرة وسنذكرها في موضعها إن شاء الله
وقد أدخلوها على الفاعل والمفعول أيضاً كما أدخلوها على المبتدأ فقالوا : ما أتاني من رجل في موضع : ما أتاني رجل . ( وما وجدنا لأكثرهم من عهد ) و ( هل تحس منهم من أحد )
وكذلك قولك : هل من طعام وإنما هو : هل طعام فموضع ( من طعام ) رفع بالإبتداء
الجهة الثالثة : أنهم ربما حذفوا شيئاً من الخبر في الجمل وذلك المحذوف على ضربين : إما أن يكون فيه الضمير الراجع إلى المبتدأ نحو قولهم : السمن منوان بدرهم يريد : منه وإلا كان كلاماً غير جائز لأنه ليس فيه ما يرجع إلى الأول
وإما أن يكون المحذوف شيئا ليس فيه راجع ولكنه متصل بالكلام نحو قولك : الكر بستين درهماً فأمسكت عن ذكر الدرهم بعد ذكر الستين لعلم المخاطب
وتعتبر خبراً لمبتدأ بأنك متى سألت عن الخبر جاز أن يجاب بالمبتدأ لأنه يرجع إلى أنه هو هو في المعنى
ألا ترى أن القائل إذا قال : عمرو منطلق فقلت : من المنطلق قال : عمرو وكذلك إذا قال : عبد الله أخوك فقلت : من أخوك قال : عبد الله وكذلك لو قال : عبد الله قامت جاريته في دار أخيه فقلت : من الذي قامت جاريته في دار أخيه لقال : عبد الله وخبر المبتدأ يكون جواب ( ما ) واي وكيف وكم وأين ومتى يقول القائل : الدينار ما هو فتقول : حجر فتجيبه بالجنس ويقول الدينار أي الحجارة هو فتقول : ذهب فتجيبه بنوع من ذلك الجنس وهذا إنما يسأل عنه من سمع بالدينار ولم يعرفه
ويقول : الدينار كيف هو فتقول : مدور أصفر حسن منقوش ويقول : الدينار كم قيراطاً هو فتقول : الدينار عشرون قيراطاً فيقول : أين هو فتقول : في بيت المال والكيس ونحو ذلك ولا يجوز أن تقول : الدينار متى هو وقد بينا أن ظروف الزمان لا تتضمن الجثث إلا على شرط الفائدة والتأول ولكن تقول : القتال متى هو فتقول : يوم كذا وكذا فأما إذا كان الخبر معرفة أو معهوداً فإنما يقع في جواب ( من وأي ) نحو قوله : زيد من هو والمعنى : أي الناس هو وأي القوم هو فتقول : أخوك المعروف أو أبو عمرو أي الذي من أمره كذا وتقول : هذا الحمار أي الحمير هو فتقول : الأسود المعروف بكذا وما أشبهه . واعلم : أن خبر المبتدأ إذا كان اسماً من أسماء الفاعلين وكان المبتدأ هو الفاعل في المعنى وكان جارياً عليه إلى جنبه أضمر فيه ما يرجع إليه وانستر الضمير نحو قولك : عمرو قائم وأنت منطلق فأنت وعمرو الفاعلان في المعنى لأن عمراً هو الذي قام وقائم جار على ( عمرو ) وموضوع إلى جانبه لم يحل بينه وبينه حائل فمتى كان الخبر بهذه الصفة لم يحتج إلى أن يظهر الضمير إلا مؤكداً فإن أردت التأكيد قلت : زيد قائم هو وإن لم ترد التأكيد فأنت مستغن عن ذلك وإنما احتمل ( ضارب وقائم ) وما أشبههما من أسماء الفاعلين ضمير الفاعل ورفع الأسماء التي تبنى عليه لمضارعته الفعل فأضمروا فيه كما أضمروا في الفعل إلا أن المشبه بالشيء ليس هو ذلك الشيء بعينه فضمنوه الضمير متى كان جارياً على الإسم الذي قبله وإنما يكون كذلك في ثلاثة مواضع : إما أن يكون خبراً لمبتدأ نحو قولك : عمرو منطلق كما ذكرنا أو يكون صفة نحو : مررت برجل قائم أو حالاً نحو : رأيت زيداً قائماً ففي اسم الفاعل ضمير في جميع هذه المواضع فإن وقع بعدها اسم ظاهر ارتفع ارتفاع الفاعل بفعله ومتى جرى اسم الفاعل على غير من هو له فليس يحتمل أن يكون فيه ضمير الفاعل كما يكون في الفعل لأن انستار ضمير الفاعل إنما هو للفعل ولذلك بنيت لام ( فعل ) مع ضمير الفاعل المخاطب في ( فعلت ) والمخاطب والمخاطبة أيضاً في ( فعلتَ ) وفعلتِ كما بينا فيما مضى
فإن قلت : هند زيد ضاربته لم يكن بد من أن تقول : هي من أجل أن قولك : ( ضاربته ) ليس لزيد في الفعل نصيب وإنما الضرب كان من هند ولم يعد عليها شيء من ذكرها والفعل لها فإنما ( ضاربته ) خبر عن زيد وفاعله هند في المعنى ولم يجز إلا إظهار الضمير فقلت حينئذ هي مرتفعة ( بضاربته ) كما ترتفع هند إذا قلت : زيد ضاربته هند فالمكنى ها هنا بمنزلة الظاهر ولا يجوز أن تتضمن ( ضاربته ) ضمير الفاعل فإن أردت أن تثني قلت : الهندان الزيدان ضاربتهما هما لأن ( ضاربه ) ليس فيه ضمير الهندين إنما هو فعل فاعله المضمر هذا على قول من قال : أقائم أخواك فأما من قال : أكلوني البراغيث فيجعل في الفعل علامة التثنية والجمع ولم يرد الضمير ليدل على أن فاعله مثنى أو مجموع كما كانت التاء في ( فعلت هند ) فرقاً بين فعل المذكر والمؤنث فإنه يقول : الهندان الزيدان ضاربتاهما هما فإذا قلت : هند زيد ضاربته هي ( فهند ) مرتفعة بالإبتداء ( وزيد ) مبتدأ ثان وضاربته خبر زيد ( وهي ) هذه اللفظة مرتفعة بأنها فاعلة والفعل ( ضاربته ) والهاء ترجع إلى زيد وهي ترجع إلى هند والجملة خبر عنها فإن جعلت موضع فاعل يفعل فقلت : زيد هند تضربه أضمرت الفاعل ولم تظهره فهذا مما خالفت فيه الأسماء الأفعال ألا ترى أنك تقول : زيد أضربه وزيد تضربه . فإن كان في موضع الفعل اسم الفاعل لم تقل إلا زيد ضاربه أنا أو أنت لأن في تصاريف الفعل ما يدل على المضمر ما هو كما قد ذكرنا فيما قد تقدم وليس ذلك في الأسماء وحكم اسم المفعول حكم اسم الفاعل تقول : زيد مضروب فتكون خبراً لزيد كما تكون ( ضارب ) ويكون فيه ضميره كما يكون في الفاعل فتقول : عمرو الجبة مكسوته إذ كان في ( مكسوته ) ضمير الجبة مستتراً فإن كان فيه ضمير ( عمرو ) لم يجز حتى تقول : عمرو الجبة مكسوها هو فحكم المفعول حكم الفاعل كما أن فُعِلَ ( كفَعَلَ ) في عمله وحق خبر المبتدأ إذا كان جملة أن يكون خبراً كاسمه يجوز فيه التصديق والتكذيب ولا يكون استفهاماً ولا أمراً ولا نهياً وما أشبه ذلك مما لا يقال فيه صدقت ولا كذبت ولكن العرب قد اتسعت في كلامها فقالت : زيد كم مرة رأيته فاستجازوا هذا لما كان زيدٌ في المعنى والحقيقة داخلاً في جملة ما استفهم عنه لأن الهاء هي زيدٌ وكذلك كل ما اتسعوا فيه من هذا الضرب
● [ شرح الثالث من الأسماء المرتفعة وهو الفاعل ] ●
الإسم الذي يرتفع بأنه فاعل هو الذي بنيته على الفعل الذي بني للفاعل
ويجعل الفعل حديثاً عنه مقدماً قبله كان فاعلاً في الحقيقة أو لم يكن كقولك : جاء زيدٌ ومات عمروٌ وما أشبه ذلك ومعنى قولي : بنيته على الفعل الذي بني للفاعل أي : ذكرت الفعل قبل الإسم لأنك لو أتيت بالفعل بعد الإسم لأرتفع الإسم بالإبتداء وإنما قلت على الفعل الذي بني للفاعل لأفرق بينه وبين الفعل الذي بني للمفعول إذ كانوا قد فرقوا بينهما فجعلوا ( ضرب ) للفاعل مفتوح الفاء و ( ضرب ) للمفعول مضموم الفاء مكسور العين وقد جعل بينهما في جميع تصاريف الأفعال ماضيها ومستقبلها وثلاثيها ورباعيها وما فيه زائد منها فروق في الأبنية وهذا يبين لك في موضعه إن شاء الله
وإنما قلت : كان فاعلاً في الحقيقة أو لم يكن لأن الفعل ينقسم قسمين : فمنه حقيقي ومنه غير حقيقي والحقيقي ينقسم قسمين : أحدهما أن يكون الفعل لا يتعدى الفاعل إلى من سواه ولا يكون فيه دليل على مفعول نحو : قمت وقعدت والآخر أن يكون فعلاً وأصلاً إلى اسم بعد اسم الفاعل والفعل الواصل على ضربين : فضربٌ واصل مؤثر نحو : ضربت زيداً وقتلت بكراً والضرب الآخر واصل إلى الإسم فقط غير مؤثر فيه نحو : ذكرت زيداً ومدحت عمراً وهجوت بكراً فإن هذه تتعدى إلى الحي والميت والشاهد والغائب وإن كنت إنما تمدح الذات وتذمها إلا أنها غير مؤثرة
ومنها الأفعال الداخلة على الإبتداء والخبر وإنما تنبىء عن الفاعل بما هجس في نفسه أو تيقنه غير مؤثرة بمفعول ولكن أخبار الفاعل بما وقع عنده نحو : ظننت زيداً أخاك . وعلمت زيداً خير الناس
القسم الثاني : من القسمة الأولى : وهو الفعل الذي هو غير فعل حقيقي فهو على ثلاثة أضرب فالضرب الأول : أفعال مستعارة للإختصار وفيها بيان أن فاعليها في الحقيقة مفعولون نحو : مات زيدٌ وسقط الحائط ومرض بكر
والضرب الثاني : أفعال في اللفظ وليست بأفعال حقيقية وإنما تدل على الزمان فقط وذلك قولك : كان عبد الله أخاك وأصبح عبد الله عاقلاً ليست تخبر بفعل فعله إنما تخبر أن عبد الله أخوك فيما مضى وأن الصباح أتى عليه وهو عاقل
والضرب الثالث : أفعال منقولة يراد بها غير الفاعل الذي جعلت له نحو قولك : لا أرينك ها هنا فالنهي إنما هو للمتكلم كأنه ينهي نفسه في اللفظ وهو للمخاطب في المعنى
وتأويله : لا تكونن ها هنا فإن ( من ) حضرني رأيته ومثله قوله تعالى : ( ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون ) لم ينههم عن الموت في وقت لأن ذلك ليس المهم تقديمه وتأخيره ولكن معناه : كونوا على الإسلام
فإن الموت لا بد منه فمتى صادفكم صادفكم عليه وهذا تفسير أبي العباس رحمه الله
فالإسم الذي يرتفع بأنه فاعل هو والفعل جملة يستغني عليها السكوت وتمت بها الفائدة للمخاطب ويتم الكلام به دون مفعول والمفعول فضلة في الكلام كالذي تقدم فأما الفعل فلا بد له من فاعل وما يقوم مقام الفاعل بمنزلة الإبتداء والخبر ألا ترى أنك إذا قلت : قام زيد فهو بمنزلة قولك : القائم زيد
فالفاعل رفع إذا أخبرت عنه أنه ( فَعَلَ ) وسيفعل أو هو في حال الفعل أو استفهمت عنه هل يكون فاعلاً أو نفيت أن يكون فاعلاً نحو : قام عبد الله ويقوم عبد الله . وسيقوم عبد الله
وفي الإستفهام : أيقوم عبد الله وفي الجزاء إِنْ يذهب زيد أذهب
وفي النفي ما ذهب زيد ولم يقم عمرو فالعامل هو الفعل على عمله أين نقلته لا يغيره عن عمله شيء أدخلت عليه ما يعمل فيه أو لم يعمل فسواء كان الفعل مجزوماً أو منصوباً أو مرفوعاً أو موجباً أو منفياً أو خبراً أو استخباراً هو في جميع هذه الأحوال لا بدّ من أن يرفع به الإسم الذي بني له فالأفعال كلها ماضيها وحاضرها ومستقبلها يرفع بها الفاعل بالصفة التي ذكرناها ومن الأفعال ما لا يتصرف في الأزمنة الثلاثة : الماضي والحاضر والمستقبل ويقتصر به على زمان واحد فلا يتصرف في جميع تصاريف الأفعال وقد أفردناها وقد أعملوا اسم الفعل وتأملت جميع ذلك فوجدت الأشياء التي ترتفع بها الأسماء ارتفاع الفاعل ستة أشياء : فعل متصرف وفعل غير متصرف وأسم الفاعل والصفة المشبهة باسم الفاعل والمصدر والأسماء التي سموا فيها الفعل في الأمر والنهي
فأما الأول : وهو الفعل المتصرف فنحو : قام وضربَ وتصرفه أنك تقول : يقوم وأقوم وتقوم
وضربَ ويضرب وأضرب وجميع تصاريف الأفعال جارية عليه ويشتق منه اسم الفاعل فتقول : ضارب
والثاني : وهو الفعل الذي هو غير متصرف نحو : ليس وعسى وفعل التعجب ونعم وبئس لا تقول منه يفعل ولا فاعل
ولا يزول عن بناءٍ واحدٍ وسنذكر هذه الأفعال بعد في مواضعها إن شاء الله
الثالث : وهو اسم الفاعل الجاري على فعله نحو قولك : قام يقوم فهو قائم : وضرب يضرب فهو ضارب وشرب يشرب فهو شارب فضارب وشارب وقائم أسماء الفاعلين
وقد بينا أن اسم الفاعل لا يحسن أن يعمل إلا أن يكون معتمدا على شيء قبله
وذكرنا ما يحسن من ذلك وما يقبح في باب خبر الإبتداء
والرابع : الصفة المشبهة باسم الفاعل نحو قولك : حسن وشديد تقول : الحسن وجه زيد و الشديد ساعدك وما أشبهه
والخامس : المصدر نحو قولك عجبت من ضرب زيدٍ عمرو وتأويله : من أن ضربَ زيداً عمرو
السادس : الأسماء التي يسمى الفعل بها في الأمر والنهي نحو قولهم : تراكها ومناعها يريدون : أترك وأمنع ورويد زيداً وهلم الثريد وصه ومه يريدون : اسكت وعليك زيداً فهذه الأسماء إنما جاءت في الأمر وتحفظ حفظاً ولا يقاس عليها وسنذكر جميع هذه الأسماء التي أوقعت موقع الفعل في بابها مشروحة إن شاء الله
كتاب : الأصول في النحو
المؤلف : أبي بكر محمد بن سهل بن السراج النحوي البغدادي
منتدى الرسالة الخاتمة - البوابة