من طرف بص وطل الإثنين يوليو 19, 2021 12:38 pm
بّسم اللّه الرّحمن الرّحيم
مكتبة الثقافة الأدبية
الأصول في النحو
● [ فصل من مسائل المجازاة ] ●
إذا شغلت حروف المجازاة بحرف سواها لم تجزم نحو : إنْ وكان وإذا عَمِلَ في حرف المجازاة الشيءُ الذي عمل فيه الحرف لم يغيره نحو قولك مَنْ تَضربْ يَضربْ
وأياً تَضربْ يَضربْ فَمَن وأي قد عملت في الفعل وعمل الفعلُ فِيهما
واعلم أنه لا يجوز الجواب بالواو ولو قلت : مَنْ يخرجُ الدلو لَهُ درهمانِ رفعت ( يخرجُ ) وصار استفهاما وإن جزمت لم يجز إلا بالفاء وتقول : مَنْ كانَ يأتينا وأيٌّ كانَ يأتينا نأتيهِ أذَهبتَ المجازاة لأنكَ قد شغلت ( أياً ومَنْ ) عن ( يأتينا )
وحكى الأخفش : ( كنتُ ومَنْ يأتني آته ) يجعلون الواو زائدة في ( بابِ كانَ ) خاصةً وإن توصل ( بما ) فتقولَ : أمَّا تقمْ أقمْ تدغم النون في الميم وتوصل ( بلا ) تقول : ألا تقمْ أقمْ إلا أن ( ما ) زائدة للتوكيد فقط و ( لا ) دخلت للنفي والكوفيون يقولونَ : إذا وليت أنَّ الأسماءَ فُتحت يقولون أما زيدٌ قائماً تقمْ وإنْ شرطٌ للفعلِ وقالَ الكسائي : إنْ شرطٌ والجزاء الفعل الثاني وهذا الذي ذكره الفراء مخالف لمعنى الكلام وما يجب من ترتيبه وللإستعمال وذلكَ أنَّ كُل شيءٍ يكون سبباً لشيءٍ أو علةً لهُ فينبغي أن تقدم فيه العلةُ على المعلولِ فإذا قلت : إن تأتني أعطكَ درهماً فالإِتيانُ سببٌ للعطيةِ بهِ يستوجبها فينبغي أن يتقدم وكذلك إذا قلت : إنْ تعصِ اللَّهَ تدخلْ النَّارَ فالعصيان سبب لدخول النار فينبغي أن يتقدم فأما قولهم : أَجيئكَ إنْ جئتَني وإنك إنْ تأتني فالذي عندنَا أن هذا الجواب محذوف كفى عنه الفعل المقدم وإنَّما يستعملُ هذا على جهتين : إما أنْ يضطر إليه الشاعر فيقدم الجزاء للضرورة وحقه التأخير وإما أن تذكر الجزاء بغير شرط ولا نية فيه فتقول : أَجيئكَ فيعدُكَ بذلَكَ على كل حال ثم يبدو له ألا يجيئك بسبب فتقول : إنْ جئتني ويستغنى عن الجواب بما قدم فيشبه الإستثناء وتقول : اضربْ إنْ تضربْ زيداً تنصبُ زيداً بأي الفعلين شئت ما لم يلبسْ فإذا قدمت فقلتَ : اضربْ زيداً إنْ تضربْ فإنما تنصب زيداً بالأول ولا تنصب بالثاني لأن الذي ينتصبُ بما بعد الشروط لا يتقدم وكذلك يقول الفراءُ ولا يجوزُ عنده إذا قلت : أَقوم كي تضربَ زيداً أنْ تقول : أقومَ زيداً كي تضرب والكسائي يجيزهُ وينشد:
( وشِفَاءُ غَيِّكَ خابراً أنْ تسألي ... )
وقال الفراء : ( خَابراً ) حال من النفي : قمتُ كي تقومَ وأقومُ كَيْ تقومَ فهذا خلاف الجزاء لأن الأول وإن كان سبباً للثاني فقد يكون واقعاً ماضياً والجزاء ليس كذلك وهم يخلطونَ بالجزاء كل فعل يكونُ سبباً لفعلٍ والبصريونَ يقتصرون باسم الجزاء على ما كانَ لهُ شرطٌ وكان جوابه مجزوماً وكان لِما يستقبلُ
وتقول : إنْ لم تقمْ قمتُ فلم في الأصل تقلب المستقبل إلى الماضي لأنها تنفي ما مضى فإذا أدخلت عليها إنْ أحالت الماضي إلى المستقبل وأما ( لا ) فتدع الكلام بحا إلا ما تحدثه مِنَ النفي تقول : إنْ لا تقمْ أقَمْ وإنْ لا تقمْ وتحسنُ آتكَ وقوم يجيزون : إنْ لا تقمْ وأَحسنت آتكَ ويقولون : إذا أردتُ الإِتيانَ بالنسقِ جاز فيه الماضي فإذا قلت : إنْ لَم تقمْ وتحسنُ آتكَ جاز معه الماضي إذا كان الأول بتأويلِ الماضي تقولُ : إنْ لم تقمْ ورغبتَ فينا نأتكَ وتقول : إنْ تقمْ فأقومُ فترفعُ إذا أدخلت الفاءَ لأن ما بعد الفاءِ استئنافٌ يقع فيه كل الكلام فالجوابُ حقهُ أنْ يكونَ على قدر الأول إنْ كان ماضياً فالجوابُ ماضٍ وإنْ كانَ مستقبلاً فكذلك
وتقول : إنْ تقمْ وتحسنُ آتكَ تريد : إنْ تجمعُ مع قيامِكَ إحساناً آتك وكذلك : إنْ تقمْ تحسنُ آتكَ تريد : إنْ تقمْ محسناً ولم ترد : إنْ تقمْ وإن تحسنْ آتكَ وهذا النصب يسميهِ الكوفيونَ الصرف لأنَّهم صرفوه علىالنسقِ إلى معنى غيره وكذلك في الجواب تقول : إنْ تقمْ آتِكَ وأحسنَ إليك وإنْ تقم أنك فأحسنَ إليكَ وإذا قلتَ : أَقومُ إن تقمْ فنسقت بفعل عليها فإن كان من شكل الأول رفعته وإن كان من شكل الثاني ففيه ثلاثة أوجه : الجزم على النسقِ على ( إنْ ) والنصب على الصرف والرفع على الإستئناف فأمَّا ما شاكلَ الأول فقولك : تُحمدُ إنْ تأمرْ بالمعروفِ وتؤجر لأنَه من شكل تُحمدُ فهذا الرفع فيه لا غير وأما ما يكون للثاني فقولُك تُحمد إنْ تأمر بالمعروفِ وتنهَ عن المنكرِ فيكون فيه ثلاثة أوجهِ : فإنْ نَسقت بفعلٍ يصلح للأول ففيه أربعة أوجهٍ : الرفع من جهتين : نسقاً على الأول وعلى الإستئنافِ والجزمُ والنصبُ على الصرفِ وقال قوم : يردُ بعد الجزاءِ فَعلَ على يفعلُ ويفعلُ على فَعَلَ نحو قولك : آتيكَ إنْ تأتني وأحسنتَ وإنْ أحسنتَ وتأتني والوجهُ الإتفاقُ وإذا جئتَ بفعلينِ لا نسق معهما فلك أنْ تجعل الثاني حالاً أو بدلاً والكوفيون يقولون موضع بدل مترجماً أو تكريراً فإن كررتَ جزمتَ وإنْ كانَ حالاً رفعتَهُ وهو موضعُ نصبٍ إذا ردَّ إلى اسم الفاعلِ نصب فأما الحال فقولك : إنْ تأتني تطلب ما عندي أحسنُ إليكَ تريد : طالباً والتكرير مثل قولك : إنْ تأتني تأتني تريدُ الخيرَ أعطكَ والبدل مثل قوله : ( وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ يَلْقَ أَثَاماً ) ثم فسر فقال : ( يُضَاعَفْ لَهُ العَذَابُ ) وكذلك إنْ تَبْرر أباكَ تصل رحمك تفعلْ ذاكَ للَّهِ تؤجرْ إذا ترجمت عن ا لأفعال بفعلٍ ولا يجوز البدل في الفعل إلا أن يكون الثاني من معنى الأول نحو قولك : إن تأتني تمشي أَمشِ معكَ لأن المشي ضرب من الإِتيان ولو قلت : إنْ تأتني تضحكُ معي آتكَ فجزمتَ تضحكْ لَمْ يجز قال سيبويه : سألت الخليل عن قوله عز و جل : ( ولئن أَرسلنا ريحاً فرأوهُ مُصْفراً لظلوا ) فقال المعنى : ليَظلُّنَّ وكذلك ( وَلَئِن أتيْتَ الَّذِينَ أُتوا الكِتَابَ بِكُلِّ آيةٍ ما تَبِعُوا قِبْلَتَكَ ) وإنما يقعُ ما بعدها من الماضي في معنى المستقبل
لأنها مجازاة نظير ذلك : ( ولئن زالتا إن أمسكهما ) أي : لا يمسكهما وقال محمد بن يزيد رحمه الله : وأما قوله : والله لا فعلتُ ذاك أبداً فإنه لو أراد الماضي لقال : ما فعلتُ فإنما قلبت لأنها لِمَا يقعُ ألا ترى أنها نفي سيفعل تقول : زيدٌ لا يأكلُ فيكون في معنى ما يستقبل فإنْ قلت : ما يأكلُ نفيتَ ما في الحال
والحروف تغلب الأفعال ألا ترى أنكَ تدخلُ ( لَم ) على المستقبل فيصير في معنى الماضي تقول : لم يقمْ زيدٌ : فكذلك حروف الجزاء تقلب الماضي إلى المستقبل تقول : إنْ أَتيتني أَتيتك قال أبو العباس رحمه الله : مما يسأل عنه في هذا الباب قولك : إنْ كنتَ زرتني أَمسِ أكرمتُكَ اليومَ فقد صار ما بعد ( إنْ ) يقع في معنى الماضي فيقال للسائل عن هذا
ليس هذا من قبل ( إن ) ولكن لقوة كانَ
وأنها أصل الأفعال وعبارتها جازَ أن تقلب ( إنْ ) فتقول : إنْ كنتَ أعطيتني فسوفَ أكافيكَ فلا يكون ذلك إلا ماضياً كقول الله عز و جل : ( إنْ كنت قلتهُ فَقَدْ علمته ) والدليل على أنه كما قلت وإن هذا لقوة ( كانَ ) أنه ليس شيءٌ من الأفعال يقع بعد ( إنْ ) غير ( كانَ ) إلا ومعناه الإستقبال لا تقول : إن جئتني أمسِ أكرمتُكَ اليومَ قال أبو بكر : وهذا الذي قاله أبو العباس رحمه الله لست أقوله ولا يجوز أن تكون ( إن ) تخلو من الفعلِ المستقبل لأن الجزاء لا يكون إلا بالمستقبل وهذا الذي قال عندي نقض لأصول الكلام
فالتأويل عندي لقوله : إنْ كنتَ زرتني أمسِ أكرمتُك اليومَ إنْ تكن كنتَ ممن زارني أمسِ أكرمتُكَ اليوم وإن كنت زرتني أمس زرتُكَ اليومَ فدلتْ ( كنت ) على ( تكن ) وكذلك قوله عز و جل : ( إنْ كُنْت قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ ) أي إنْ أكنْ كنت ( أو ) إنْ أقل كنت قلته أو أقر بهذا الكلامِ وقد حكي عن المازني ما يقاربُ هذا ورأيت في كتاب أبي العباس بخطهِ موقعاً عند الجواب في هذه المسألة ينظرُ فيه وأحسبه ترك هذا القولَ وقال : قال سيبويه في قوله عز و جل : ( قل إنَّ الموتَ الذي تفّرونَ منهُ فإنَّه مُلاَقِيكُم ) : إنما دخلت الفاء لذكره تفرون ونحن نعلمُ أنَّ الموتَ ليس يلاقيكم من أجل أنهم فروا كقولكَ : الذي يأتينا فلَهُ درهمانِ فإنما وجب لَهُ الدرهمانِ من أجل الإِتيان ولكن القول فيه والله أَعلم : إنما هو مخاطبة لِمَنْ يهرب من الموت ولَم يتمنَّه قال الله عز و جل : ( فتمنَّوا الموتَ إنْ كنتم صادقين )
فالمعنى : أي أنتم إنْ فررتم منهُ فإنه ملاقيكم ودخلت الفاء لإعتلالهم من الموت عن أنفسهم بالفرار نحو قول زهير :
( ومَنْ هَابَ أَسْبَابَ المَنِيَّةَ يَلْقَها ... وإنْ رَامَ أَسْبَابَ السَّمَاءِ بِسُلَّمِ )
ومن يهبها أيضاً يلقَها ولكنه قالَ هذا لِمَنْ يهابُ لينجو ومثل ذلك : إنْ شتمتني لم اشتمكَ وهو يعلم أنه إنْ لم يشتمني لم اشتمُه ولكنهُ قيل هذا لأنه كان في التقدير أنه إنْ شتَم شُتِمَ كما كان في تقدير الفارِّ من الموت : أن فراره ينجيه
وقال : قال سيبويه : إنَّ حروف الجزاء إذا لم تجزم جاز أن يتقدمها أخبارها نحو : أنت ظالمٌ إن فعلت ثم أجرى حروفَ الجزاء كلها مجرىً واحداً وهذه حكاية قول سيبويه وقد تقول : إنْ أتيتني آتيكَ أي : آتيك إنْ أَتيتني قال زهير :
( وإنْ أَتَاهُ خَلِيلٌ يَوْمَ مَسْأَلَةٍ ... يَقُولُ لا غَائِبٌ مالِي ولا حَرِمُ )
ولا يحسن : إنْ تأتني آتيكَ مِنْ قبل أنَّ ( إنْ ) هي العاملة
وقد جاء في الشعر قال :
( يَا أَقْرَعُ بنُ حَابِسٍ يا أَقْرَعُ ... إنَّكَ إنْ يُصْرَعْ أَخُوكَ تُصْرَعُ )
أي : أنَّكَ تصرعُ إنْ يصرعْ أخوكَ
ومثلَ ذلكَ قوله :
( هَذَا سُرَاقَةُ لِلقُرآنِ يَدْرُسُهُ ... والمَرْء عِنْدَ الرُّشا إن يَلْقَها ذِيبُ )
أي : المرء ذيب إنْ يلقَ الرُّشا فجاز هذا في الشعر
وشبهوه فالجزاء إذا كان جوابه منجزماً لأنَّ المعنى واحدٌ قال : ثم قال في الباب الذي بعده
فإذا قلتَ : آتي مَن أتاني فأنتَ بالخيار إنْ شئت كانت بمنزلتِها في ( إنْ ) وقد يجوز في الشعر : آتي مَنْ يأتيني قال الشاعر :
( فَقُلتَ تَحَمَّلْ فَوْقَ طَوْقِكَ إنَّها ... مُطَبَّعَةٌ مَنْ يأتِها لا يَضِيرُهَا )
كأنه قال : لا يضيرها من يأتها ولو أريد أنه حذف الفاء جازَ وأنشد في بابِ بعده :
( وَمَا ذَاكَ أَنْ كَانَ ابنَ عمِّي ولا أَخِي ... وَلكِنْ مَتَى مَا أَملكُ الضُّرَّ أَنْفَعُ )
كأنه قال : ولكن أنفع متى ما أَملكِ الضرَّ قال أبو العباس رحمه الله : أما قوله : آتيك إنْ أتيتني فغير منكرٍ ولا مرفوع استغنى عن الجواب بما تقدم
ولم تجزم ( إنْ ) شيئاً فيحتاج إلى جواب مجزوم أو شيءٍ في مكانه
وأما قولُهم : وإن أتاه خليلٌ يومَ مسألةٍ تقول على القلب فهو محال وذلك كان الجواب حقه أن يكون بعد ( إنْ ) وفعلها الأول وإنما يعني بالشيء موضعه إذا كان في غير موضعه نحو : ضَربَ غلامُهُ زيدٌ لأن حد الكلام أن يكون بعد زيدٍ وهذا قد وقع في موضعه من الجزاء فلو جاز أن يعني به التقديم لجاز أن تقول : ضربُ غلامُهُ زيداً تريد : ضربَ زيداً غلامُه وأما ما ذكره من ( مَنْ ومَتى ) وسائر الحروف فإنه يستحيل في الأسماء منها والظروف
من وجوه في التقديم والتأخير لأنكَ إذا قلت : آتي مَنْ أتاني وجب أن تكون ( مَنْ ) منصوبة بقولكَ : أَتى ونحوهُ وحروف الجزاء لا يعمل فيها ما قبلها فليس يجوز هذا إلا أن تريد بها معنى الذي
و ( متى ) إذا قلت : آتيك متى أتيتني فمتى للجزاء وهي ظرف ( لأَتيتني ) لأنَّ حروف الجزاء لا يعمل فيها ما قبلها ولكن الفعل الذي قبل متى قد أغنى عن الجواب كما قلت في الجواب : أَنتَ ظالمٌ إنْ فَعَلتَ
فأنتَ ظالمٌ منقطع مِنْ ( إنْ ) وقَد سَدَّ مسدَّ جواب ( متى ) و ( إنْ ) لم تكن منها في شيءٍ لأنَّ ( مَتى ) منصوبة ( بيأتيني ) لأنَّ حروف الجزاء من الظروف والأسماء إنما يعملُ فيها ما بعدها وهو الجزاء الذي يعملُ فيه الجزم
والباب كله على هذا لا يجوز غيره ولو وضع الكلام في موضعه لكانَ تقديره : متى أتيتني فآتيكَ أي : فأنا آتيكَ وإنما قوله ( مَنْ ) يأتها فمحالٌ أَنْ يرتفع ( مَنْ ) بقولكَ : لا يضيرها ومَنْ مبتدأٌ كما لا تقول : زيدٌ يقومُ فترفعه ( بيقوم ) وكل ما كان مثله فهذا قياسه وهذه الأبيات التي أُنشدت كلها لا تصلح إلا على إرادة الفاء في الجواب
كقوله : ( الله يشكرها ) لا يجوز إلا ذلك
وتقولُ : إن الله أمكنني من فلانٍ فعلتُ : فتلى ( إنْ ) الإسم إلا أنكَ تضمر فعلاً يليها يفسرهُ ( أمكنني ) كما تفعل بألف الإستفهام
وزعم سيبويه أنه جاز فيها ما امتنع في غيرها لأنها أصل الجزاء
قال : والدليل على ذلك أنها حرفه الذي لا يزولُ عنه لأنها لا تكون أبداً إلا للجزاء ومَنْ تكون استفهاماً وتكون في معنى الذي وكذلكَ ما وأيُّ وأينَ ومتىَ تكون استفهاماً وجميعُ الحروف تنقل غيرها
قال أبو العباس رحمه الله : فيقال له : ( إنْ ) قد تكون في معنى ( مَا ) نحو : ( إن الكافرونَ إلا في غرورٍ ) وتكون مخففة من الثقيلة وتكون زائدةً نحو قوله :
( وما إنْ طبنَا جُبنٌ ... )
ثم قال : والدليل على ما قال سيبويه : أنَّ هذا السؤال لا يلزمُ أنَّ ( مَنْ ) تكونُ لِما يعقل في الجزاء والإستفهام ومعنى الذي فهي حيث تصرفتْ واحدة و ( ما ) واقعة على كل شيء غير الناس وعلى صفات الناس وغيرهم حيث وقعت فهي واحدة وكذلك هذه الحروف و ( إنْ ) للجزاء لا تخرجُ عنه وتلك الحروف التي هي ( إنْ ) للنفي ومخففة من الثقيلة وزائدة ليسَ على معنى ( إنْ ) الجزاءُ ولا منها في شيءٍ وإنْ وقع اللفظان سواء فإنهما حرفانِ بمنزلةِ الإسم والفعل إذا وقعا في لفظ وليس أحدهما مشتقاً من الآخر : نحو قولِكَ : هذا ذهبٌ وأنت تعني التِّبْر وذهب من الذهاب ونحو قولِكَ : زيدٌ على الجبَلِ وعلا الجبلَ فهذا فعلٌ والأول حرفٌ قال : وسألت أبا عثمان عن ( ما ) و ( مَنْ ) في الإستفهام والجزاء أمعرفة هما أم نكرةٌ فقال : يجوز أن يكونا معرفة وأن يكونا نكرة فقلت : فأيُّ : ما تقول فيها قال : أنا أقول : إنَّها مضافة معرفة ومفردة نكرة والدليل على ذلك أنك تقول : أيةُ صاحبتُكَ ولو كانت معرفةً لم تتصرفْ
قال : وكان الأخفش يقول : هي معرفة ولكن أَنونُ لأن التنوينَ وقع وسط الإسم فهو بمنزلة امرأةٍ سميتَها خيراً منكَ وكانَ غيرهُ لا يصرفها ويقول : أيّةَ صاحبتُك لأنّها معرفةٌ
وشرح أبو العباس ذلك فقالَ : إن مَنْ وما وأيُّ مفردة نكراتٍ وذلك أنَّ أيا منونةٌ في التأنيث إذا قلت : أيّةٌ جاريتُكَ وقول الأخفش : التنوينُ وقعَ وسطاً غَلَط وذاك لأنَّ ( أَيَّ ) في الجزاء والإستفهام لا صلة لها ( ومَنْ وما ) إذا كانتا خبراً فإنهما يعرفانِ بصلتهما
فقد حذفَ ما كان يعرفهما فهما بمنزلة ( أي ) مفردةً ومن الدليل على أنهن نكراتٌ أنك تسأل بمنْ سؤالاً شائعاً ولو كنتَ تعرف ما تسأل عنه لم يكنْ للسؤال عنه وجه فالتقدير فيها على ما ذكرنا إذا قلت : ما زيدٌ وأيُّ زيدٍ وما عندك وأيُّ رجلٍ وأي شيءٍ فإذا قلت : أَيهم وأيُّ القومِ زيدٌ فقد اختصصتَه من قوم فأضفته إليهم والتقدير : أهذا زيدٌ منَ القومِ أم هذا للإختصاصِ
فلذلك كانت بالإِضافة معرفةً وفي الإِفراد نكرةً
وقال سيبويه : سألتُ الخليلَ عن ( كيفَ ) : لِمَ لَمْ يجازوا بها فقالَ : هي فيه مستكرهةٌ وأصلها من الجزاء ذلك لأنَّ معناها على أي حالٍ تكن أكن
وقال محمد بن يزيد : والقول عندي في ذلك : إنَّ علة الجزاءِ موجودةٌ في معناها فما صَحَّ فيهِ معنى الجزاء جوزيَ بهِ وما امتنعَ فلا جزاءَ فيهِ وإنما امتنعت ( كيفَ ) من المجازاة لأن حروف الجزاء التي يستفهم بها كانت استفهاماً قبل أن تكون جزاءً والدليلُ على تقديم الإستفهام وتمكنه أنَّ الإستفهام يدخل على الجزاء كدخوله على سائر الأخبارِ فتقول : أَإِنْ تأتني آتِكَ ونحوه ولا يدخلُ الجزاء على الإستفهام ثم رأيتَ أنه ما كان من حروف الإستفهام متمكناً يقعُ على المعرفة والنكرة جوزيَ به : لأنَّ حروفَ الجزاء الخالصة تقع على المعرفة والنكرة تقول إنْ تأتني زيدٌ آتِه وإن يأتني رجلٌ أَعطهِ فكذلك من وما وأيَ وأينَ ومتَى وأنّى
وذلك إذا قلت في الإستفهام : من عندك جاز أن تقول : زيدٌ أو رجل أم امرأةٌ وكذلك كلما ذكرنا من هذه الحروف
وأما كيف فحقٌّ جوابها النكرة وذلك قولك كيف زيدٌ فيقالُ صالحٌ أو فاسدٌ ولا يقالُ الصالح ولا أخوكَ لأنَّها حالٌ والحالُ نكرةٌ وكذلك كم لم يجازوا بها لأنَّ جوابها لا يكون نكرةً إذا قام كمْ مالُكَ فالجواب : مائةٌ أو ألفٌ أو نحو ذلك والكوفيون يدخلون ( كيف وكيفما ) في حروف الجزاء ولو جازت العرب بها لأتبعناها وتقول : إنْ تأمر أن آتيك تريد إنَّك إنْ تأمرْ بأنْ آتيكَ وإنْ أسقطت ( إنْ ) قلت : إنْ تأمر آتيكَ آتكَ ولا يجوز عندي إن تأمر لا أقم لا أقم إلا على بعدٍ وقومٌ يجيزونهُ وتقول : إنْ تقمْ إنَّ زيداً قائمٌ تضمرُ الفاء تريدُ : فإنَّ زيداً قائمٌ وإنْ تقمْ لا تضرب زيداً
يريد : فلا تضربْ زيداً : وإنْ تقمْ أطرفْ بكَ أي فأطرِفْ بكَ وتقول : إنْ تَقمْ يعلم الله أزَركَ تعترضُ باليمينِ ويكون بمنزلة ما لم يذكر أعني قولك : يعلمُ اللَّهُ وإنْ جَعلتَ الجواب للقسم أَتيتَ باللام فقلت : إنْ تقمْ يعلمُ الله : لأزورنَّكَ وتضمر الفاءَ وكذلكَ : إنْ تقم يعلم الله لآتينك تريد : فيعلمُ الله لأزورنك ويعلم اللَّهُ لآتينكَ
● [ باب الأفعال المبنية ] ●
الأفعال التي تبنى على ضربين : فعلٌ أصله البناء فهو على بنائه لا يزول عنه وفعلٌ أصله الإِعراب فأدخلَ عليه حرف للتأكيد فبنيَ معَهُ
فأما الضرب الأول فقد تقدم ذكره وهو الفعل الماضي وفعل الأمر وأما الضربُ الثاني فهو الفعلُ الذي أصله الإِعراب فإذا دخلت عليه النون الثقيلة والخفيفة بني معها
[ ذكر النون الثقيلة ]
هذه النونُ تلحقُ الفعلْ غيرَ الماضي إذا كانَ واجباً للتأكيدِ فيبنى معها وهي تجيءُ على ضربين : فموضعٌ لا بد منها فيه وموضعٌ يصلحُ أنْ تخلو منه فأمَّا الموضع الذي لا تخلو منه فإذا كانت مع القسم وذلك قولُكَ : والله لأفْعَلنَّ وأقسم لأفعلنَّ وأشهد لأفعلنَّ وأقسمت عليك بالله لتفعلنَّ فهذه النون ملازمةٌ للامِ وهي تفتح لام الفعل الذي كان معرباً وتبنى معهُ وهي إذا كانت مشددةً مفتوحةً قال سيبويه : سألتُ الخليلَ عن قوله : لتفعلنَّ مبتدأة لا يمينٌ قبلها فقال : جاءت على نية اليمين
وإذا حكيت عن غيرك قلتَ : أقسم لتفعلنَّ واستحلفتهُ لتفعلنَّ
وزعم : أنَّ النونَ أُلحقت ( في لتفعلنَّ ) لئلا يشبه أنه ليفعل
فإذا أقسمتَ على ماضٍ دخلت اللامُ وحدها بغير نون نحو قولكَ : والله لقد قامَ ولقامَ وحكى سيبويه والله أنْ لو فعلتَ لفعلت وتقول : والله لا فعلتَ ذاكَ أبداً تريد : لا أَفعلُ وقال الله عز و جل ( ولئن أرسلنا ريحا فرأوه مصفرا لظلوا ) على معنى : ( ليظلّن ) وتقول : لئن فعلت ما فَعلَ تريد : ما هو فاعلٌ وتقول : : والله أفعلُ تريد لا أفعلُ وإن شئت أظهرت ( لا ) وإنما جاز حذف ( لا ) لأنهُ موضع لا يلبس ألا ترى أنك لو أردت الإِيحاب ولم ترد النفي قلت : لأفعلن فلما لم تأت باللام والنون علم أنك تريد النفي وأما الموضع الذي تقع فيه النون وتخلو منه فالأمر والنهي وما جرت مجراهما من الأفعال غير الواجبة وذلك قولك : أفعلنَّ ذاكَ ولا تفعلنَّ وهَل تقولنَّ وأتقولنَّ لأن معنى الإستفهام معنى أخبرني
وكذلك جميع حروف الإستفهام وزعم يونس أنك تقول : هلا تفعلنَّ وألا تقولَنَّ لأنك تعرض ومعناه أفعلُ ومثل ذلك : لولا تقولنَّ لأنه عَرض
ومن مواضعها حروف الجزاء إذا أوقعت بينها وبين الفعل ( مَا ) للتوكيد تقول : إمّا تأتني آتكَ وأيُّهم ما يقولنَّ ذاكَ نجزهِ وقد تدخل بغير ( ما ) في الجزاء في الشعر
وقد أدخلت في المجزوم تشبيهاً به للجزم ولا يجوز إلا في ضرورة قال الشاعر :
( يَحْسَبُهُ الجَاهِلُ مَا لَمْ يَعْلَما ... شَيْخَاً على كُرْسِيَّه مُعمَّمَا )
والخفيفة والثقيلة سواء ويقولون : أَقسمتُ لمَّا لم تفعلن لأن ذا طلبٌ
وزعم يونس : أنَّهم يقولونَ رُبَّما تقولنَّ ذاك وكثر ماتقولنَّ ذاك لأنه فِعْل غير واجبٍ ولا يقعُ بعد هذه الحروف إلا و ( ما ) له لازمة وإن شئت لم تدخل النون فهو أجودُ فهذه النون تفتح ما قبلها مرفوعاً كان أو مجزوماً
فإذا أدخلت النون الشديدة على ( يفعلانِ ) حذفت النون التي هي علامة الرفع لإجتماع النونات ولأن حقه البناء فينبغي أن تطرح الذي هو علامة الرفع وكذلك النون في ( يفعلون ) تقول : ليفعلنَ ذاكَ وقد حذفت النون فيما هو أشد من هذا لإجتماع النونات قرأ بعض القراء : ( أتحاجونِّي ) و ( فَبِمَ تُبشرونِّ ) وسقطت الواو لإلتقاء الساكنين فصار ليفعلنّ فإن أدخلتها على ( تَضربينَ ) حذفت أيضاً النون لإجتماع النونات لأنها تكون علماً للرفع وحذفت الياء لإلتقاء الساكنين فقلت : هل تضربينَ وتقول : اضربنَ زيداً وأكرمن عمراً وكان الأصل اضربي وأكرمي وتقول لجماعة المذكرينَ : اضربُنَّ زيداً كانَ الأصلُ : اضربوا وأكرموا فسقطتِ الواو لإلتقاء الساكنين وتقول في التثنية : اضربانِ يا رجلانِ بكسر النونِ تشبيهاً بالنون التي تقعُ بعدَ الألف وهي فيما سوى هذا مفتوحة ومتى دخلت النون بعد حرف إضمارٍ تحرك إذا لقيته لام المعرفة حرك لها تقول : ارضونَّ زيداً واخشونَّ عمراً وارضينَّ يا امرأةُ لأنك تقول : اخشُو فتضم وتقول : ارضي الرجلَ فتكسر فلذلك ضممتَ وكسرتَ مع النونِ فإنْ أدخلت النون على : تضربنَ الذي هو لجماعةِ المؤنث قلت : هَل تضربنانِ يا نسوةُ واضربنانِ لم تسقطْ هذه النون لأنها اسمٌ للجماعة وفصلت بين النونات بالألف لئلا تجتمعَ النوناتُ
واعلم : أن ما يحذف من اللامات في الجزم والأمر إذا أدخلت النون لم يحذفن تقول : ارمين زيداً وكان اللفظ : ارمِ زيداً لأن الياء والواو تحذفان في المواضع التي أصلها الإِعراب فإذا أدخلت النون عادت لأنها تبنى مع ما قبلها ولا سبيل للجزم
[ ذكر النون الخفيفة ]
كل شيء تدخله النون الثقيلة تدخله الخفيفة إلا أن النون الخفيفة في الفعل نظير التونين في الإسم فلا يجوز الوقف عليها كما لا يجوز الوقف على التنوين تقول اضربْن زيداً إذا وصلت فإذا وقفت قلت اضربا كما تقول : ضربتُ زيداً في الوقف وقد فرقوا بين التنوين والنون الخفيفة بشيءٍ آخر بأن الخفيفة لا تحرك لإلتقاء الساكنين والتنوين يحرك لإلتقاء الساكنين فمتى لقي النون الخفيفة ساكن سقطت لأنهم فضلوا ما يدخل الإسم على ما يدخل الفعل وتقول : إذا أمرتَ امرأةً : اضربن يا هذه فإذا وقفت قلت : اضربي ولَم يجز أن تقول : اضربنْ في الوقف لأنها بمنزلة التنوين وأَنتَ تحذفُ التنوين إذا انكسر ما قبلهُ فحذفت التنوين ها هنا فلما حذفتها عادت الياء لأن سقوطها كان لإلتقاء الساكنين وتقول للجماعة : اضربُنْ يا قومُ فإذا وقفت قلت : اضربوا : أعدت الواو لأنها إنما سقطت لإلتقاء الساكنين ولم يجز أن تقول : اضربنْ في الوقف كما لم يجز أن تقول : زيدْ في الوقف فقد يقفون وهم ينوونَ النونَ كما ينوون التنونَ في الرفع والجزم في الوقف
وتقول في الوقف : اخشى وللرجال اخشوا وحكى سيبويه : أن يونس يقول : اخْشَي واخْشَوُوا وقال الخليل : لا أرى ذلك إلا على قول مَنْ قال : هذا عمروُ ومررتُ بعمري قول العرب على قول الخليل وإذا أدخلت النون بعد حرف إضمار تحرك إذا لقيتْهُ لام المعرفة حرك من النون وتقول : هَلْ تضربِنْ يا امرأةُ وكان الأصل : تضربينَ فسقطت النون التي كانت علامةٌ للرفع كما تسقط الضمة في : هَل تضربنْ وتثبت النون الخفيفة أو الثقيلة إنْ شئتَ وتسقط الياء لإلتقاء الساكنين فيصير : هل تضربِنْ في الوصل وكان في الأصل تضربينَ وإذا وقفت قلت : هل تضربين
فأعدت النون التي كانت للرفع لأنك لا تقفُ على النون الخفيفة ولا يجوز أن تسقطها لأنك لم تأت بما تسقط من أجله وكذلك هل تضربونَ وهل تضربانِ فأما الثقيلة فلا تتغير في الوقف وإذا كان بعد الخفيفة ألف ولام ذهبت لإلتقاء الساكنين . تقول : اضربا الرجل
وإذا أردت فِعلَ الإثنين في الخفيفة كان بمنزلته إذا لم ترد الخفيفة في فعلِ الإثنين في الوصل والوقف لأنك لو أتيت بها لاحتجت إلى تحريكها لأنها بعد ألفٍ وهي لا تحرك وذلك قولك : اضربا وأنت تنوي النونَ وإذا أردت الخفيفة في فعلِ جمعِ النساء قلت في الوقف والوصل : اضربِنْ زيداً فيكون بمنزلته إذا لم ترد الخفيفة ولو أتيت بها للزمكَ أن تقول : اضربنانِ زيداً فتاتي بالألف لتفصلَ بين النونين وتكسر النون لالتقاء الساكنين فتحركها وهي لا تحركُ قال سيبويه وأما يونس وناسٌ من النحويين فيقولون : اضربانْ زيداً واضربنانْ زيداً
ويقولون في الوقف : اضربا واضربْنَا فيمدونَ
فإذا وقع بعدها ألف ولامْ أو ألفُ وصلٍ جعلوها همزة مخففة وهذا لم تفعلْهُ العرب والقياس أن يقولوا في : اضربنْ اضربِ الرجلَ فيحذفون لإلتقاءِ الساكنين
[ مسائل من باب النون ]
تقول في المضاعف من الفعل : رُدّن يا هذا وردّانِ ورُدُّن وكان قبل النون ردّوا فسقطت الواو لإلتقاء الساكنين وتقول في المؤنث رُدّن وكان قبل النون : ردي فسقطت الياء لإلتقاء الساكنين وتثنية المؤنث كتثنية المذكر
تقول : رُدّانِ يا امرأتانِ وتقول لجماعة النساء : ارددنانِ وكان قبل النون : اردَدنَ
فجئت بالألف لتفصل بين النونات
وتقولُ : قولنْ وقولانِ وقولّنَّ والمؤنث قولِنَّ : وقولانِ يا امرأتانِ وقُلنانِ يا نسوةُ وقس على هذا جميع ما اعتلتْ عينه وكذلك ما عتلتْ لامه اقضين زيداً واقضيانِ واقضين تسقط الواو لسكون النون الأولى اقضينَ يا امرأةُ تسقط ياءين التي هي لام الفعل وياء التأنيث أما لام الفعل فتسقط كما تسقط في ( تقضينَ ) لإلتقاء الساكنين لأنها ساكنة وياء التأنيث ساكنة
وتسقط ياء التأنيث من أجل سكون النون الأولى فإن جمعت قلت : اقضينانِ والكوفيونَ يحكون إذا أمرت رجلاً : اقضِنَّ يا هذا بكسر الضاد وإسقاط الياء كأنهم أسقطوا الياءَ لسكونها وسكون النون هكذا اعتلوا
وعندي أنا : الذي فَعلَ هذا إنما أدخلَ النون على ( اقضِ ) ولم يجد ياءً فترك الكلام على ما كان عليه وهذا شاذٌ وتقول : مِنْ دعوتُ : ادعون زيداً أو ادعوان وادعنْ للجماعة سقطت الواوان في ( ادَعن ) الواو التي هي لام الفعل سقطتْ لدخول واو الجمع وسقطت واو الجمع لدخول النون الأولى وهي ساكنة
وتقول للواحدة : ادعَنْ سقطتْ واواٌ وياءٌ فالواو لام الفعل سقطت لدخول الياء التي هي للمؤنث حين قلت : ادعي
وسقطت الياء للنون فصار ادعن وتقول : للإثنين : ادعوان مثل المذكرين وللجماعة ادعونانِ لأنكَ تقول : قبل النون : ادعون زيداً مثل اقضينْ زيداً تأتي بالألف إذا أردت النون الشديدة فتفصلُ بين النوناتِ لئلا تجتمع كما تقول : اقضنانِ زيداً وتقول : من خَشيتَ : اخشَينَ زيداً يا هذا واخشينانِ زيدً يا هذان واخشُون زيداً يا نسوةُ . تحرك الواو بالضم
وحكمُ هذا الباب أَنَّ كل واوٍ وياءٍ تحركت فيه إذا لقيتها لامُ المعرفة تحركت هنا وإنْ كانت تسقط هناك لإلتقاء الساكنين سقطت هنا فلهذا قلت : اخشُون زيداً ضممتَ الواو كما تَضمُّها إذا قلت : اخشُوا الرجلَ وتقول للمرأة : اخشين زيداً كما تقول : اخشى الرجلَ وتثنية المؤنث كتثنية المذكر وتقول لجماعة النساء : اخشين زيداً والكوفيون يحكون : اخشَن يا رجلُ بإسقاط الياء من ( اخشين ) وهذا نظيرُ ( اقضِن ) وحكوا : لا يخفن عليكَ : يريدون لا يخفين عليكَ وقال الفراء : هذه لغة طيءٍ لأنهم يسكنون الياء في النصب ولا ينصبونَ
والنونُ لا تشبه ذلك
وتقول : لا تضربني ولا تضربننا ومنهم من يخفضُ لكثرة النونات فيقول : لا تضربني ولا تضربنَا والكوفيون يحكون : اضربن يا رجلُ ينوون الجزم قد ذكرنا جميع أصناف الأسماء المعربة والمبنية والأفعال المبنية وبقيَ ذكر الحروف مفردةً
● [ باب الحروف التي جاءت للمعاني ] ●
قد ذكرنا أول الكتاب ما يعرفُ به الحرف والفرق بينه وبين الإسم والفعل وإنما هي أدوات قليلة تدخل في الأسماء والأفعال وتحفظ لقلتها وسنذكرها بجميع أنواعها وكلها مبني وحقها البناء على السكون وما بنيَ منها على حركة فإنما حرك لسكون ما قبله أو لأنه حرف واحد فلا يمكن أن يبتدأ به إلا متحركاً وهي تنقسم أربعة أقسامٍ : ساكنٍ يقال لهُ موقوفٌ ومضمومٌ ومكسور ومفتوح الأولِ
الموقوف : ويبدأ بما كان منه على حرفين وذلكَ أَمْ وأَوْ وهَلْ وتكون بمعنى : ( قَدْ ) ولَم نفيُ فَعَلٍ ولَنْ نفيُ سيفعلُ فإنْ للجزاء ووجوب الثاني لوجوب الأول وتكون لغواً في ( ما إنْ يفعلُ ) وتكون ( كما ) في معنى ( ليسَ ) قال الشاعر :
( وَرجِّ الفتى لِلخَيْرِ ما إنْ رأَيتَهُ ... )
ومن ذلك ( أنْ ) المفتوحة يكون وما بعدها بمنزلة المصدر وتكون بمنزلة ( أَي ) وتكون مخففة من الثقيلة وتكون لغواً نحو قولك : لمَّا أَنْ جَاءَ
وأما واللِه أَنْ فَعَلْتَ فأما كونها بمنزلة المصدر فقولك : أَنْ تأتيني خيرٌ لَك واللام تحذف من أَنْ كقوله : أَنْ تقتلَ أحدهما وأنْ كانَ ذَا مالٍ ويجوز أن تضيف إلى ( أَنْ ) الأسماء تقول : إنهُ أَهلٌ أَن يفعلَ ومخافة أَن يفعلَ وإنْ شئت قلت : إنَّهُ أهلٌ أنْ يفعلَ ومخافةُ أنْ يفعلَ وإنَّهُ خليقٌ لأَنْ يفعلَ وإنَّهُ خليقٌ أنْ يفعلَ وعسيتَ أَنْ تفعلَ وقاربتَ أَنْ تفعلَ ودنوتَ أَنْ تفعلَ ولا تقول : عسيتَ الفعل ولا للفعلِ وتقول : عسى أَنْ يفعلَ وعسى أَن يفعلا وعسى أَن يفعلوا وتكون عسى للواحد والإثنين وللجميع والمذكر والمؤنث ومن العرب من يقول : عَسى وعَسيا وعسوا وعسيتُ وعسيتِ وعسينَ فمن قال ذاك كانت ( أَنْ ) فيهن منصوبةً ومن العرب من يقول : عسى يفعلُ فشبهها بكادَ يفعلُ فيفعلُ في موضعِ الإسمِ المنصوب في قوله : عسَى الغويرُ أَبؤساً
فأما ( كادَ ) فلا يذكرونَ فيها ( أَنْ ) وكذلك كربَ يفعلُ ومعناهما واحدٌ وجعلَ وأَخذَ فالفعلُ هنا بمنزلة الفعلِ في ( كانَ ) إذا قلت : كانَ يقولُ
وهو في موضع اسم منصوب بمنزلته ثَم وقد جاء في الشعر : كادَ أن يفعلَ ويجوزُ في الشعر : لعلِّي أَن أفعلَ بمنزلة عسيتُ أَنْ أفعلَ وتقول : يوشكُ أَنْ تجيءَ فيكون موضعُ ( أَن ) رفعاً ويجوز أن يكون نصباً وقد يجوز : ( يُوشكُ ) تجيء بمنزلة ( عسَى ) قال أمية بن أبي الصلتِ:
( يُوشكُ مَنْ فُرَّ مِنْ منيتهِ ... في بعضِ غراتهِ يُوافقُها )
قال سيبويه : وسألتهُ . يعني الخليل عن معنى : أريدُ لأَنْ تفعلَ فقال : المعنى إرادتي لهذا كما قال تعالى : ( وأمرتُ لأَن أكونَ أولَ المسلمين )
وأما ( إنْ ) التي بمعنى ( أيْ ) فنحو قوله ( وانطلقَ الملأُ منهم أَنْ امشوا ) ومثله : ( ما قلتُ لهم إلا ما أمرتني بهِ أنِ اعبدوا الله ) فأما كتبت إليه أنْ افعل وأمرتهُ أَنْ قُمْ فتكون على وجهينِ : على التي تنصب الأفعالَ وعلى ( أَي ) ووصلك لها بالأمرِ كوصلِكَ للذي يفعلُ إذا خاطبتَ والدليل على أّنَّها يجوز أن تكون الناصبة قولُكَ : أَوعز إليهِ بأَنْ افعلْ وقولُهم : أرسل إليه أنْ ما أَنتَ وذَا فهي على أي والتي بمعنى أَنْ لا تجيء إلا بعد استغناء الكلام لأنها تفسيرٌ وأما مخففةٌ من الثقيلة فنحو قوله : ( وآخر دَعواهم أنِ الحمدُ لله رب العالمين ) يريدُ ( أَنهُ ) ويجوز الإِضمار بعد أَنْ هذه وقولُكَ و ( كأنَّ ) هي أنَّ دخلت عليها الكاف كما دخلت على ما خففت منه وقال سيبويه : لو أنَّهم جعلوا أنْ المخففة بمنزلة إنَّما كان قوياً وفي هذا البابِ شيءٌ مشكلٌ أنا أبينهُ
اعلم : أن الأفعال على ضروب ثلاثة : فضرب منها يقين وهو عَلِمتُ وضَرب هو لتوقعِ الشيءِ نحو : رجوتُ وخفتُ وضربٍ هو بينهما يحمل على ذا وعلى ذَا نحو : ظننتُ وحسبتُ
واعلم : أن ( أنّ ) إنما هي لما تتيقنه ويستقر عندك وأَنْ الخفيفة إنما هي لما لَم يقعْ نحو قولك : أُريد أَنْ تذهبَ فإذا كانت أن الخفيفة بعد ( علمتُ ) فهي مخففةٌ من الثقيلة وإذا خففت أتى بلا والسين وسوف عوضاً مما حذف
وجعلوا حذفها دليلاً على الإِضمار وقد ذكروا فيما تقدم و ( أَنْ ) التي تنصب بها الأفعال تقع بعد رجوت وخفتُ . تقول : خفتُ أَنْ لا تفعلَ
فأما بعد حسبت وظننت فإنها تكون على ضربين : إنْ كان حسبانكَ قد استقر كانت مخففة من الثقيلة وإن حملته على الشك كانت خفيفة كقوله ( وحسبوا أنْ لا تكونَ فتنةٌ ) . تقرأ بالرفع والنصب
فمن رفع فكأنه أرادَ وحسبوا أَنْ لا تكون لما استقر تقديرهم فصار عندهم بمنزلة اليقين وهذا مذهب مشايخنا
وقد حكي عن المازني نحوٍ منه ثم يتسعون فيحملون ( رجوتُ ) على علمتُ إذا استقر عندهم الرجاء وهذا أبعدها
وحكي عن أبي العباس ولستُ أحفظهُ من قوله : إنه إن سُئلَ عن أَنْ الخفيفة المفتوحة ومواضعها فقال : أنْ الخفيفة المفتوحة أصلها أَنَّ المفتوحة الثقيلة في جميع أحوالها وأنها مفتوحة كما انفتحت أَنَّ المعمول فيها كأنما خففت أنَّ فصارت أنْ مخففة فلها في الكلام موضعان : أحدهما تقع فيه على الأسماء والأخبار . والآخر : تقع فيه على الأفعال المضارعة للأسماء
فأما كون وقوعها على الأسماء والأخبار : فإن ذلك لها إذا دخلت محل ( أَنَّ ) الثقيلة أعني في التأكيد للإبتداء والخبر فإذا كانت بهذه المنزلة لم يقع عليها إلا فعل واجب وكانت مؤكدة لما تدخل عليه وأما كون وقوعها على الأفعال المضارعة فلأنَّ العامل فيها غير واجب ولا واقع وإنما يترجى كونه ووقوعه فإذا وجدت العامل فيها واجباً على ( أن ) ففتحتها وأوقعتها على المضمر وجعلته اسماً لها
وأما قولهم : أما أَن جزاكَ الله خيراً أو أما أنْ يغفر اللُه لكَ
قال سيبويه : إنما جاز لأنه دعاءٌ وقال : سمعناهم يحذفونَ إنَّ المكسورة في هذا الموضع ولا يجوز حذفها في غيره
يقولون : أما إنْ جزاكَ الله خيراً وهذا على إضمار الهاء في المحذوفة وقال : يجوزُ ما علمتُ إلا أنْ تأتيهُ إذا أردت معنى الإِشارة لا أنكَ علمتَ ذلك وتيقنتهُ
والمبتدأ وخبره بعد ( أَن ) يحسنُ بلا تعويض تقول : قَد علمتُ أَن عمرو ذاهبٌ وأَنت تريدُ ( أَنهُ ) ويجوز : كتبتُ إليه أن لا تقلْ ذاكَ وأَن ترفعَ ( تقولُ ) وأنْ تنصب
فالجزم على النهي والنصبُ على ( لئلا ) والرفعُ على ( لأنَكَ لا تقول ) أو بأنَّكَ لا تقول وقد تكون أَنْ بمنزلة لام القسم في قول الله : ( أنْ لَو فعلَ ) وتوكيداً في قوله : لَما أَن فَعَلَ
ومن الحروف ( مَا ) وهي تكونُ نفيُ هو يفعلُ إذا كان في الحال وتكونُ كلَيْسَ في لغة أهل الحجاز
وتكون توكيداً لغواً تغيرُ الحرفَ عن عمله نحو : إنما وكأَنما ولعلما جعلتهنَّ بمنزلة حروف الإبتداء ومن ذلك حيثما صارت بمجيء ( ما ) بمنزلة إنْ التي للجزاء وما في ( لمَّا ) مغيرة عن حال لم كما غيرت ( لو ما ) ألا ترى أنك تقول : ( لمَّا ) ولا تتبعها شيئاً ومنها ( لا ) وهي نفي لقوله يَفْعل ولم يقع الفعلُ وتكون ( كما ) في التوكيد واللغو في قوله ( لِئلا يَعْلَمَ أَهْلُ الكِتَابِ ) وهو لأن يعلم ولا تكون توكيداً إلا في الموضع الذي لا يلتبس فيه الإِيجاب بالنفي من أجل المعنى
وقد تغير الشيء عن حاله كما تفعلُ ( مَا ) وذلك قولك : ( لولا ) غيرت معنى لَو وستبين إذا ذكرنا معنى ( لو ) وكذلك هَلا صيرتْ ( لا ) هل في معنى آخر وتكون ضداً لنَعَمْ وَبَلى ومنها ( لوْ ) وهو كان التي للجزاء لأَنَّ إنْ توقع الثاني مِنْ أجل وقوع الأول ولم تمنع الثاني من أجل إمتناع الأول تقول : إنْ جئتني أكرمتَك فالإِكرامُ إنما يكون متى إذا كان منك مجيءٌ وتقول : لو جئتني لأكرمتُكَ والمعنى : أنه امتنع إكرامي من أجل امتناع مجيئك
وقال سيبويه : ( لو ) لما كان سيقع لوقوع غيره وهو يرجع إلى هذا المعنى لأنه لم يقع الأول لَمْ يقع الثاني فتقدير إنْ قبل ( لَو ) تقول : إنْ أتيتني أَتيتكَ
يريد فيما يستقبل فإذا لم تفعلْ وطالبتكَ بالإِتيان قلت : لو أتيتني أَتيتُكَ
ومنها ( لَولا ) وهي مركبة مِنْ معنى إنْ ولَو وتبتدأ بعدها الأسماء وذلك أنها تمنع الثاني لوجود الأول تقول : لَولا زيدٌ لهَلكنا تريدُ : لولا زيدٌ في هذا المكان لهلكنا وإنما امتنع الهلاك لوجود زيدٍ في المكان وقال عز و جل : ( لولا أنتم لكنا مؤمنينَ ) وقد يستعملونها بمعنى هَلا يولونها الفعل ومنها ( كي ) وهي جواب لقوله : كيمه كما تقول : لِمه
ومنها ( بَلْ ) وهي لترك شيءٍ من الكلام وأخذٍ في غيره
ومنها ( قَدْ ) وهي جوابٌ لقوله : لمَّا يفعلْ
وزعم الخليل : أَنَّ هذا لقومٍ ينتظرونَ الخبرَ . وقد تكونُ ( قَدْ ) بمنزلة رُبَّما
ومنها ( يَا ) وهي تنبيهٌ وقد ذكرناها في بابِ النداء ومنها ( مِنْ ) وهي لإبتداء الغايةِ وتكون للتبعيض وتدخل توكيداً بمنزلة ( مَا ) إلا أنها تجرُّ وذلك قوله : ما أتاني من رجلٍ وويحَهُ من رجلٍ أكدتهما بمنْ
وقد ذكرناها فيما تقدمَ
ومنها ( مَذْ ) وهي في قول مَن جَرَّ بَها حرفٌ فهي لإبتداء غاية الأيام والأحيان وحقُّ ( مذ ) أن لا تدخل على ما تدخلُ عليهِ ( مِن ) وكذلك ( مِنْ ) لا تدخلُ على ما تدخل عليه ( مذ ) ومنها ( عن )
وهي لِمَا عدا الشيء وقد استعملت اسماً . وقد ذكرتها في الظروف
وذكرها سيبويه في الحروف وفي الأسماء
فقال : ( عن ) اسم إذا قلتَ : مِنْ عَن يمينِ كذا
وأما ( مَع ) فهي اسمٌ ويدلك على أَنها اسمٌ أنها متحركة ولو كانت حرفاً لَمَا جاز أَن تحرك العينُ لأنَّ الحروفَ لا تحرك إذا كان قبلها متحركٌ
● [ باب أم وأو والفصل بينهما ] ●
اعلم : أنَّ ( أَمْ ) لا تكون إلا استفهاماً وهي على وجهين : على معنى أيهما وأيهم وعلى أن تكون منقطعة من الأول
فإذا كان الكلام بهما بمنزلة أيهما وأيَّهم فهو نحو قولك : أزَيدٌ عندكَ أمْ عمروٌ وأزيداً لقيت أم بشراً . تقديم الإسم أحسن . لأَنكَ عنه تسألُ ويجوزُ تقديم الفعل
وإذا قلت : أضَربتَ زيداً أمْ قتلتَهُ كان البدء بالفعلِ أحَسنُ لأنك عنهُ تسأل وتقول : ما أبالي أزَيداً لقيتُ أمْ عمراً وسواءٌ عليَّ أزَيداً كلمتُ أمْ عمراً وما أدَري أزيدٌ ثُمَّ عمروٌ أدخلت حرف الاستفهام للتسوية وعلى ذا ما أدري أقامَ أمْ قعدَ على التسوية
وأما المنقطعة فنحو قولك : أعَمروٌ عندكَ أمْ عندكَ زيدٌ وأنَّها لإِبلٌ أَمْ شاءٌ ويجوز حذف ألف الإستفهام في الضرورة
فأما ( أو ) فقد ذكرناها مع حروف العطف كما ذكرنا أمْ
وقد تختلطُ مسائلهما لإشتراك بينهما بعض المعاني
واعلم : أنَّ ( أَوْ ) إنما تثبت أحد الشيئين أو الأشياء وأنَّ أَمْ مرتبتها أنْ تأتي بعد أو
ويقول القائل : لقيَ زيدٌ عمراً أوْ خالداً
فيثبت عندك أنه قد لقيَ أحدهما إلا أنكَ لا تدري أيَّهما هو فتقول : حَسبَ أعَمراً لقيَ زيدٌ أَمْ خالداً
وكذلك إذا قال لك القائل : قد وهبَ لكَ أبوك غلاماً أوْ جاريةً
فقد ثبت عندك أن أحدهما قد وهب لك إلا أنك لا تدري أَغلامٌ أم جاريةٌ فإذا سألتَ أباكَ عنْ ذلك قلتَ : أَغلاماً وهبتَ لي أمْ جاريةً وتقو ل : أَيَّهم تضربُ أو تقتلُ ومن يأتيكَ أو يحدثُكَ لأن ( أَمْ ) قد استقر على أَي ومَنْ وكأنَّكَ قلتَ : زيداً أمْ عمراً تضربُ أوَ تقتلُ ثم أَتيت بأَي موضع زيدٍ وعمروٍ فقلت أيهما تضربُ أوْ تقتلُ
وعلى هذا يجري ( مَا ومَتى وكيفَ واينَ ) لأن جميع هذه الأسماء إذا كانت استفهاماً فقد قامت مقام الألف وأمْ جميعاً
واعلم : أن جواب أوْ نَعَمْ أو لا وجواب ( أَم ) الشيء بعينه إن سأل سائلٌ عن اسم أجبت بالإسم وإن سأل عن الفعل أجبتَ بالفعل إذا قال : أَزيدٌ في الدارِ أَوْ عمروٌ فالجوابُ نَعَمْ أو لا لأن المعنى : أأَحدهُما في الدار وجوابُ أَأَحدهما في الدار : نَعَمْ أو لا وكذلك إذا قال : أَتقعدُ أو تقومُ فالجوابُ : نَعمْ أو لا فإن قال أزيدٌ أم عمرو في الدار فالجواب : أن تقولَ : زيدٌ إذا كانَ هو الذي في الدار
وكذلك إذا قال : أَتقومُ أمَ تقعدُ قلت : أَقعدُ ( فأَوْ ) تثبتُ أَحدَ الشيئين أَو الأشياء مبهماً وأم تقتضي وتطلب إيضاح ذلك المبهم و ( أَوْ ) تقوم مقامَ ( أَمْ ) مع هل وذلك لأنكَ لم تذكر الالف وأو لاتعادلُ الألفَ وذلك قولُهم : هَلْ عندكَ شعيرٌ أو برٌ أو تَمرٌ وهل تأتينا أو تحدثنا لا يجوز أن تدخلَ ( أَمْ ) في ( هَلْ ) إلا على كلامين وكذلك سائر حروف الإستفهام وتقول : ما أدري هَل تأتينا أو تحدثنا يكون في التسوية كما هو في الإستفهام وإذا قلت : أَزيدٌ أفضل أَمْ عمروٌ لا يجوز إلا ( بأَمْ ) لأنك تسأل عن أيهما أفضلُ ولو قلت : ( أَو ) لم يصلح لأن المعنى يصير أحدهما أفضل فليسَ هذا بكلام ولكنك لو قلت : أَزيدٌ أو عمروٌ أَفضلُ أم خالدٌ جاز لأنَّ المعنى أحد ذَينِ أفضلٌ أمْ خالدٌ وجواب هذه المسألة أن تقول خالدٌ إنْ كان هو الأفضل أو أحدهما إنْ كان هو الأفضلُ ويوضح هذه المسألة أن يقول القائل : الحسنُ أو الحسينُ أَشرفُ أمْ ابن الحنفيةِ فالجواب في هذه المسألة أن تقول : أحدهما بهذا اللفظ ولا يجوز أن تقول : الحسنُ دونَ الحسينِ أو الحسينُ دونَ الحسنِ لأنه إنما سألك أأَحدهما أَشرفُ أَمْ ابن الحنفيةِ وكذَاكَ الدرُّ أو الياقوتُ أَفضلُ أمْ الزجاج فالجواب أحدهما فإن كان قال : الزُّجاجُ أو الخزفُ أفضلْ أم الياقوت قلت : الياقوتُ
وتقول : ما أدري أقامَ أو أَقعدَ إذا لم يطل القيام ولم يبن من سرعته وكان بمنزلة ما لم يكن كما تقول : تكلمتُ ولَم أَتكلمَ فيجوز أن يكونَ ثُمَّ كلامٌ ولكنه لقلّته جعلهُ بمنزلة مَنْ لم يتكلمْ ويجوز أن يكون لَم يبلغْ به المرادُ فصار بمنزلة مَنْ لم يتكلم وهذا في الحكم بمنزلة قولك : صليتَ ولَمْ تصلِّ فإذا قال : ما أَدري أقام أو قعدَ وهو يريد ذا المعنى فهو قد عَلمَ منه قيامه ولكنه لم يعتد به وليس ( لأمْ ) هنا معنى لأنهُ إذا قال : ما أَدري أَقامَ أمْ قعدَ فقد استوى جهلهُ في القيام والقعود وها هنا قيام قد علم إلا أنه جعل بمنزلة ما يشك فيه لما خبرتك فعلى هذا تقول : ما أدري أَقامَ أو قعدَ إذا كان لم يبن قيامهُ حتى قعدَ فهذا الباب كله إنما جعل بأَوْ
وكذلك أَأَذنَ أو أقامَ إذا كان ساعة إذنٍ أقامَ وما أدري أَبكى أو سكتَ لأنهُ لم يعد بكاؤهُ بكاءً ولا سكوته سكوتاً فإن كان لا يدري أَأَذنَ أم أَقامَ قال : ما أدري أَأذنَ أم أقامَ كما تقول : ما أدري أَزيدٌ في الدار أو عمروٌ إذا كنت تستيقنْ أن أحدهما في الدار ولا تدري أيهما هو
كتاب : الأصول في النحو
المؤلف : أبي بكر محمد بن سهل بن السراج النحوي البغدادي
منتدى الرسالة الخاتمة - البوابة