بّسم اللّه الرّحمن الرّحيم
القانون فى الطب لإبن سينا
الكتاب الأول: الأمور الكلية فى علم الطب
الفن الثانى: الأمراض والأسباب والأعراض الكلية
التعليم الثالث : الأعراض والدلائل
● [ الفصل الأول : كلام كلي في الأعراض والدلائل ] ●
الأعراض والعلامات التي تدل على إحدى الحالات الثلاث المذكورة إحدى ثلاث دلالات:
إما على أمر حاضر، قال (جالينوس): وينتفع به المريض وحده فيما ينبغي أن يفعل.
وإما على أمر ماض، قال (جالينوس) : وينتفع به الطبيب وحده إذ قد يستدلّ بذلك على تقدمه في صناعته فتزداد الثقة بمشورته.
وإما على أمر مستقبل قال: وينتفعان به جميعاً . أما الطبيب فيستدل به على تقدمه في المعرفة، وأما المريض فيقف منه على واجب تدبيره.
والعلامات الصحيّة: منها ما يدل على اعتدال المزاج وسنذكره في موضعه، ومنها ما يدل على استواء التركيب، فمنها جوهرية وهي مثل أن تكون الخلقة والوضع والمقدار والعدد على ما ينبغي، وقد فصلت هذه الأقوال، ومنها عرضية بمنزلة الحسّ والجمال، ومنها تمامية وهي من تمام الأفعال واستمرارها على الكمال وكل عضو تم فعله فهو صحيح. ووجه الاستدلال من الأفعال على الأعضاء الرئيسة، أما على الدماغ فبأحوال الأفعال الإرادية وأفعال الحس، وأفعال التوهم، وأما على القلب فبالنبض والنفس، وأما على الكبد فبالبراز والبول، فإن ضعفها يتبعها براز وبول شبيهان بغسالة اللحم الطري. والأعراض الدالة على الأمراض: منها دالة على نفس المرض كاختلاف النبض في السرعة في الحمى فإنه يدل على نفس الحمى، ومنها دالة على مرض الموضع كالنبض المنشاري إذا كان الوجع في نواحي الصدر فإنه يدل على أن الورم في الغشاء والحجاب وكالنبض الموجي في مثله، فإنه يدل على أن الورم في جرم الرئة، ومنها دالة على سبب المرض كعلامات الإمتلاء باختلاف أحوالها الدال كل فن منها على فن من الإمتلاء.
الأعراض :
منها ما هي مؤقتة يبتدىء وينقطع مع المرض، كالحمى الحادة والوجع الناخس وضيق النفس والسعال والنبض المنشاري مع ذات الجنب، ومنها ما ليس له وقت معلوم، فتارة يتبع المرض، وتارة لا يتبع مثل الصداع للحمى، ومنها ما يأتي آخر الأمر فمن ذلك علامات البحران ، ومن ذلك علامات النضج، ومن ذلك علامات العطب وهذه أكثرها في الأمراض الحادة.
العلامات :
منها ما يدل في ظاهر الأعضاء، وهي مأخوذة، إما عن المحسوسات الخاصة مثل أحوال اللون وأحوال اللمس في الصلابة واللين والحر والبرد وغير ذلك، وإما عن المحسوسات المشتركة، وهي المأخوذة من خلق الأعضاء وأوضاعها وحركاتها وسكوناتها، وربما دلّ ذلك منها على الأحوال الباطنة مثل اختلاج الشفة على القيء ومقاديرها، هل زادت أو نقصت وأعدادها وربما دل ذلك منها على أحوال أعضاء باطنة مثل قصر الأصابع على صغر الكبد.
والإستدلال من البراز، هل هو أسود أو هو أبيض أو أصفر على ماذا يدلّ ، بَصَري.
ومن القراقر على النفح وسوء الهضم، سمعِي. ومن هذا القبيل الاستدلال من الروائح ومن طعوم الفم وغير ذلك، والاستدلال من تحدب الظفر على السل. والدقّ بصري ولكن من باب المحسوسات المشتركة.
وقد يدلّ المحسوس الظاهر منها على أمر باطن كما تدل حمرة الوجنة على ذات الرئة، وتحدّب الظفر على قرحة الرئة. والاستدلال من الحركات والسكونات مما يقتضي فضل بسط نبسطه. فالأعراض المأخوذة من باب السكون هي مثل السكتة والصرع والغشي والفالج. والمأخوذة من باب الحركة فهي مثل القشعريرة والنافض والفواق والعطاس والتثاؤب والتمطي والسعال والاختلاج والتشنج عندما يبتدىء بتشنج، فمن ذلك ما هو عن فعل الطبيعة الأصلية كالفواق، ومن ذلك ما هو عن فعل طبيعة عارضة كالتشنج والرعشة. ومنها ما هي إرادية صرفة لقلق والململة، ومنها ما هي مركبة من طبيعية وارادية مثل السعال والبول، فمن ذلك ما يسبق فيه الإرادة الطبيعة مثل السعال، ومنها ما يسبق فيه الطبيعة الإرادة إذا لم تبادر إليها الإرادة مثل البول والبراز والعارض عن الطبيعة دون إرادة. ومنها ما يكون المنبه عليه الحس كالقشعريرة، ومنها ما لا ينبه عليه الحس لأنه لا يحسّ كالاختلاخ.
وهذه الحركات تختلف إما باختلاف ذواتها، فإن السعال أقوى في نفسه من الاختلاج، وإما باختلاف عدد المحرِّكات فإن العطاس أكثر عدد محركات من السعال، لأن السعال يتم بتحريك أعضاء الصدر، وأما العطاس فيتم باجتماع تحريك أعضاء الصدر والرأس جميعاً.
وإما بمقدار الخطر فيها فإن حركة الفواق اليابس أعظم خطراً من حركة السعال وإن كان السعال أقوى.
وإما بما تستعين به الطبيعة فقد تستعين بآلة ذاتية أصلية كما تستعين في إخراج الثفل بعضل البطن، وقد تستعين بآلة غريبة كما تستعين في السعال بالهواء، وإما باختلاف المبادىء لها من الأعضاء مثل السعال والتهوّع ، وإما باختلاف القوى الفعالة فإن الاختلاج مبدؤه طبيعي، والسعال نفساني. وإما باختلاف المادة فإن السعال عن نفث، والاختلاج عن ريح فهذه علامات تدل من ظاهر الأعضاء. وأكثر دلالتها على أحوال ظاهرة وقد تدل على الباطنة كحمرة الوجنة على ذات الرئة.
ومن العلامات علامات يستدل بها على الأمراض الباطنة وينبغي أن يكون المستدل على الأمراض الباطنة قد تقدّم له العلم بالتشريح حتى يحصل منه معرفة جوهر كل عضو أنه هل هو لحمي أو غير لحمي، وكيف خلقته ليعرف مثلاً أنه هل هذا الورم بهذا الشكل فيه أو في غيره من جهة أنه هل هو مناسب لشكله أو غير مناسب. ويتعرّف أنه هل يجوز أن يحتبس فيه شيء أو لا يجوز، إذ هو مزلق لما يحصل فيه كالصائم، وإن كان يجوز أن يحتبس فيه شيء أو يزلق عنه شيء، فما الشيء الذي يجوز أن يحتبس فيه أو يزلق عنه، وحتى يعرف موضعه فيقضي بذلك على ما يحس من وجع أو ورم هل هو عليه أو على بعد منه، وحتى يعرف مشاركته حتى يقضي على أن الوجع له من نفسه أو بالمشاركة، وأن المادة انبعثت منه نفسه أو وردت عليه من شريكه، وأن ما انفصل منه هو من جوهره أو هو ممرّ ينفذ فيه المنفصل من غيره، وحتى يعرف أن على ماذا يحتوي فيعرف أنه هل يجوز أن يكون مثل المستفرغ مستفرغاً عنه وأن يعرف فعل العضو حتى يستدلّ على مرضه من حصول الآفة في فعله هذا كله مما يوقف عليه بالتشريح ليعلم أنه لا بد للطبيب المحاول تدبير أمراض الأعضاء الباطنة من التشريح، فإذا حصل له علم التشريح، فيجب أن يعتمد بعد ذلك في الاستدلال على الأمراض الباطنة قوانين ستة:
أولها: من مضار الأفعال، وقد علمت الأفعال بكيفيتها وكميتها ودلالتها دلالة أولية دائمة.
والثاني: مما يستفرغ ودلالتها دائمة وليست بأولية، أما دائمة فلأنها توقع التصديق دائماً، وأما غير أولية فلأنها تدل بتوسط النضج وعدم النضج.
والثالث: من الوجع، والرابع: من الورم، والخامس: من الوضع، والسادس: من الأعراض الظاهرة المناسبة. ودلالتها ليست بأولية ولا دائمة ولنفصل القول في واحد واحد منها.
أما الاستدلال من الأفعال فهو أنه إذا لم يجر فعل العضو على المجرى الطبيعي الذي له، دلّ على أن القوة أصابتها آفة. وآفة القوة تتبع مرضاً في العضو الذي القوة فيه. ومضار الأفعال على وجوه ثلاثة فإن الأفعال، إما أن تنقص كالبصر تضعف رؤيته، فيرى الشيء أقل اكتناهاً ومن أقرب مسافة والمعدة تهضم أعسر وأبطأ وأقل مقداراً، وإما أن يتغير كالبصر يرى ما ليس، أو يرى الشيء رؤية على غير ما هو عليه، وكالمعدة تفسد الطعام وتسيء هضمه. وإما أن تبطل كالعين لا ترى والمعدق لا تهضم البتة.
وأما دلائل ما يستفرغ ويحتبس فمن وجوه، إما أن يدل من طريق احتباس غير طبيعي مثل احتباس شيء من شأنه أن يستفرغ لمن يحتبس بوله أو برازه، أو يدل من طريق استفراغ غير طبيعي وذلك: إما لأنه من جوهر الأعضاء، وإما لا. كذلك والذي يكون من جوهر الأعضاء فيدل بوجوه ثلاثة لأنه: إما أن يدل بنفس جوهره كالحلق المنفوثة تدل على تآكُلٍ في قصبة الرئة، وإما أن يدل بمقداره كالقشرة البارزة في السحج فإنها إن كانت غليظة دلت على أن القرحة في الأمعاء الغلاظ. أو رقيقة دلت على أنها في الرقاق. وإما أن يدل بلونه كالرسوب القشري الأحمر فإنه يدل على أنه من الأعضاء اللحمية، كالكلية والأبيض. فإنه يدل على أنه من الأعضاء العصبية كالمثانة. والذي يدلّ على أنه لا من جوهر الأعضاء فيدلّ إما لأنه غير طبيعي الخروج، كالأخلاط السليمة والدم إذا خرج وإما لأنه غير طبيعي الكيفية، كالدم الفاسد كان معتاد الخروج أو لم يكن وإما لأنه غير طبيعي الجوهر على الإطلاق مثل الحصاة. وإما لأنه غير طبيعي المقدار وإن كان طبيعي الخروج، وذلك إما بأن يقل أو يكثر كالثفل والبول القليلين والكثيرين، وإما لأنه غير طبيعي الكيفية وإن كان معتاد الخروج كالبراز والبول الأسودين وإما لأنه غير طبيعي جهة الخروج، وإن كان معتاد الخروج مثل البراز إذا خرج في علّةإيلاوس من فوق.
وأما دلائل الوجع فهي تنحصر في جنسين: وذلك أن الوجع، إما أن يدلّ بموضعه فإنه مثلاً إن كان عن اليمين فهو في الكبد، وإن كان في اليسار فهو في الطحال.
وقد يدل بنوعه على سببه على ما فصلناه في تعليم الأسباب مثلاً، إن كان ثقيلاً دلّ على ورم في عضو غير حساس أو باطل حسه، والممدد يدل على مادة كثيرة واللذاع على مادة حادة.
وأما دلائل الورم فمن ثلاثة أوجه: إما من جوهره كالحمرة على الصراء والصلب على السوداء، وإما من موضعه كالذي يكون في اليمين فيدل مثلاً على أنه عند الكبد، أو في اليسار فيدل على أنه في ناحية الطحال، وإما بشكله فإنه إن كان عند اليمين وكان هلالياً دل على أنه في نفس الكبد، وإن كان مطاولاً دل على أنه في العضلة التي فوقها.
وأما دلائل الوضع، فإما من المواضع، وإما من المشاركات. أما من المواضع فظاهر. وأما من المشاركات فكما يستدلّ على ألم في الأصبع من سبب سابق أنه لآفة عارضة في الزوج السادس من أزواج العصب الذي للعنق.
بّسم الله الرّحمن الرّحيم
● [ الفصل الثاني: الفرق بين الأمراض الخاصية والمشارك فيها ] ●
ولما كانت الأمراض قد تعرض بدءآ في عضو، وقد تعرض بالمشاركة كما يشارك الرأس المعدة في أمراضهما، فواجب أن نحد الفرق بين الأمرين بعلامة فاصلة فنقول: أنه يجب أن يتأمل أيهما عرض أولاً فيحدس أنه الأصلي، والآخر مشارك ويتأمل أيهما يبقى بعد فناء الثاني فنحدس الأصلي، والآخر مشارك، وبالضد فإن المشارك يحدس من أمره أنه هو الذي يعرض أخيراً، وأنه يسكن مع سكون الأول. لكن قد يعرض من هذا غلط وهو أنه ربما كانت العلة الأصلية غير محسوسة وغير مؤلمة في ابتدائها، ثم يحس ضررها بعد ظهور المرض الشركي. وهو بالحقيقة عارض بعدها تالٍ لها فيظن بالمشارك والعارض أنه والمرض الأصلي، أو ريما لم يفطن إلا بالعارض وحده، وغفل عن الأصلي أصلاً وسيل التحرز من هذا الغلط أن يكون الطبيب عالم مشارك الأعضاء ، وذلك من علمه بالتشريح، وعارفاً بالآفات الواقعة بعضو عضو، وما كان منها محسوساً أو غير محسوص فيتوقف في المرض ولا يحكم فيه أنه أصلي إلا بعد تأمله لما يمكن أن يكون عروضه تبعاً له، فيسائل المريض عن علامات الأمراض التي يمكن أن تكون في الأعضاء المشاركة للعضو العليل، أو تكون غير محسوسة ولا مؤلمة ألماً ظاهراً ولا مثيرة عرضاً قريباً منها، لكنها إنما يتبعها أمور بعيدة عنها محسوسة. ويجعل المريض أنها عوارض لمثل ذلك الأصل البعيد، بل إنما يهدي إلى ذلك معرفة الطبيب. وأكثر ما يهتدي منه تأمله لمضار الأفعال، وإذا وجدها سابقة حكم بأن المرض مشارك فيه.
على أن الأعضاء أعضاء أكثر أحوالها أن تكون أمراضها متأخرة عن أمراض أعضاء أخرى، فإن الرأس في أكثر الأحوال تكون أمراضه بمشاركة المعدة، وإما عكس ذلك فأقل. ونحن نضع بين يديك علامات الأمزجة الأصلية والعارضة بوجه عام. فأما التي يخصق منها عضواً عضواً فسيقال في بابه. وأما علامات أمراض التركيب، فإن ما كان منها ظاهراً، فإن الحس يعرفه، وما كان من باطن، فإن ما سوى الامتلاء والسدة والأورام وتفرق الاتصال يعسر حصره في القول الكلي، وكذلك ما يخص من الامتلاء والسدة والورم والتفرق عضواً عضواً، فالأولى لجميع ذلك أن يؤخر إلى الأقاويل الجزئية.
بّسم الله الرّحمن الرّحيم
● [ الفصل الثالث : علامات الأمزجة ] ●
علامات الأمزجة أجناس الدلائل التي منها يتعرّف أحوال الأمزجة عشرة.
أحدها: الملمس، ووجه التعرف منه أن يتأمل أنه هل هو مساوٍ للمس الصحيح في البلدان المعتدلة والهواء المعتدل، فإن ساواه دل على الاعتدال، وإن انفعل عنه اللامس الصحيح المزاج فبرد أو سخن، أو استلانه استلانة فوق الطبيعي أو استصلبه واستخشنه فوق الطبيعي، وليس هناك سبب من هواء أو استحمام بماء وغير ذلك مما يزيده ليناً أو خشونة فهو غير معتدل المزاج، وقد يمكن أن يتعزف من حال أظفار اليدين في لينها وخشونتها ويبسها حال مزاج البدن، إن لم يكن ذلك لسبب غريب. على أن الحكم من اللين والصلابة متوقف على تقدم صحة دلالة الاعتدال في الحرارة والبرودة، فإنه إن لم يكن كذلك أمكن أن يلين الحارة الملمس الصلب والخشن فضلاً عن المعتدل بتحليله، فيتوهم أنه لين بالطبع ورطب، وأن يصلب البارد الملمس اللين فضلاً عن المعتدل بفضل إجماده وتكثيفه فيتوهم يابساً مثل الثلج والسمين. أما الثلج فلانعقاده جامداً، وأما السمين فلغلظه وأكثر من هو بارد المزاج لين البدن، وإن كان نحيفاً لأن الفجاجة تكثر فيه.
والثاني: حسن الدلائل المأخوذة من اللحم والشحم، فإن اللحم الأحمر إذا كان كثيراً دل على الرطربة والحرارة ويكون هناك تلزز.
وإن كان يسيراً وليس هناك شحم كثير دل على اليبس والحرارة.
وأما السمين والشحم فيدلان على البرودة ويكون هناك ترهل، فإن كان مع ذلك ضيق من العروق وقلّة من الدم وكان صاحبه يضعف على الجوع لعقدة الدم الغريزي المهيىء لحاجة الأعضاء إلى التغذية به، دل على أن هذا المزاج جبلي طبيعي،وإن لم تكن هذه العلامات الأخرى دل على أنه مزاج مكتسب. وقلة السمين والشحم تدل على الحرارة، فإن السمين والشحم، مادته دسومة الدم وفاعله البرد، ولذلك يقل على الكبد ويكثر على الأمعاء، وإنما يكثر على القلب فوق كثرته على الكبد للمادة لا للمزاج والصورة ولعناية من أطبيعة متعلقة بمثل تلك المادة والسمين والشحم، فإن جمودهما على البدن يقلّ ويكثر بحسب قلة الحرارة وكثرتها.
والبدن اللحيم بلا كثرة من السمين والشحم هو البدن الحار الرطب وإن كان كثير اللحم الأحمر، ومع سمين وشحم قليل، دل على الإفراط في الرطوبة، وإن أفرطا دل على الإفراط في البرد والرطوبة وأن البدن بارد رطب.
وأقصف الأبدان البارد اليابس ثم الحار اليابس ثم اليابس المعتدل في الحرّ والبرد ثم الحار المعتدل في الرطوبة واليبس.
والثالث: جنس الدلائل المأخوذة من الشعر، وإنما يؤخذ من جهة هذه الوجوه وهي سرعة النبات وبطؤه وكثرته وقلته ورقته وغلظه وسبوطته وجعودته. ولونه أحد الأصول في ذلك. وأما الاستدلال من سرعة نباته وبطئه أو عدم نباته، فهو أن البطيء النبات أو فاقد النبات إذا لم يكن هناك علامات دالة على أن البدن عادم للدم أصلاً يدل على أن المزاج رطب جداً، فإن أسرع فليس البدن بذلك الرطب، بل هو إلى اليبوسة، ولكن يستدلّ على حرارته وبرودته من دلائل أخرى مما ذكرناه. لكنه إذا اجتمعت الحرارة واليبوسة، أسرع نبات الشعر جداً وكثر وغلظ، وذلك لأن الكثرة تدل على الحرارة، والغلظ يدلّ على كثرة الدخانية كما في الشبان دون ما في الصبيان، فإن الصبيان مادتهم بخارية لا دخانية، وضدهما يتبع ضدهما.
وأما من جهة الشكل فإن الجعودة تدل على الحرارة وعلى اليبس وقد تدلّ على التواء الثقب والمسام، وهذا لا يستحيل بتغيّر المزاج. والسببان الأولان يتغيران. والسبوطة تدل على أضداد ذلك. وأما من جهة اللون فالسواد يدل على الحرارة، والصهوبة تدلُ على البرودة، والشقرة والحمرة تدلان على الاعتدال، والبياض يدل، إما على رطوبة وبرودة كما في الشيب، وإما على يبس شديد كما يعرض لنبات عند الجفاف من انسلاخ سواده وهو الخضرة إلى البياض. وهذا إنما يعرض في الناس في أعقاب الأمراض المجففة. وسبب الشيب عند (أرسطوطاليس)، هو الإستحالة إلى لون البلغم، وعند (جالينوس)، هو التكرّج الذي يلزم الغذاء الصائر إلى الشعر إذا كان بارداً وكان بطيء الحركة مدة نفوذه في المسام. وإذا تأملت القولين وجدتهما في الحقيقة متقاربين، فإن العلّة في بياض اللون البلغم. والعلة في ابيضاض المتكرج واحد وهو إلى الطبيعي، وبعد هذا فإن للبلدان والأهوية تأثيراً في الشعر ينبغي أن يراعى، فلا يتوقع من الزنجي شقرة شعر ليستدلّ به على اعتدال مزاجه الذي له، ولا في الصقلبي سواد شعر حتى يستدل به على سخونة مزاجه الذي يحسبه . وللأسنان أيضاً تأثير في أمر الشعر فإن الشبان كالجنوبيين، والصبيان كالشماليين والكهول كالمتوسطين، وكثرة الشعر في الصبي تدلّ على استحالة مزاجه إلى السوداوية إذا كبر، وفي الشيخ على أنه سوداوي في الحال.
وأما الرابع: فهو جنس الدلائل المأخوذة من لون البدن، فإن البياض دليل عدم الدم وقلّته مع برودة، فإنه لو كان مع حرارة وخلط صفراوي لاصفر والأحمر دليل على كثرة الدم وعلى الحرارة، والصفرة والشقرة يدلان على الحرارة الكثيرة، لكن الصفرة أدل على المرار ، والشقرة على الدم أو الدم المراري، وقد تدلّ الصفرة على عدم الدم وإن لم يوجد المرار كما تكون في أبدان الناقهين. والكمودة دليل على شدّة البرد فيقل له الدم ويجمد ذلك القليل ويستحيل إلى السواد. وتغير لون الجلد والأدم دليل على الحرارة. والباذنجاني دليل على البرد، واليبس، لأنه لون يتبع صرف السوداء. والجصي يدل على صرف البرد والبلغمية. والرصاصي دليل للبرودة والرطوبة مع سوداوية ما لأنه بياض مع أدنى خضرة، فيكون البياض تابعاً للون البلغم أو المزاج الرطوبة. والخضرة تابعة لدم جامد إلى السواد ما هو قد خالط البلغم فخضره. والعاجي يدل على برد بلغمي مع مرار قليل. وفي أكثر الأمر فإن اللون يتغير بسبب الكبد إلى صفرة وبياض، وبسبب الطحال إلى صفرة وسواد، وفي علل البواسير إلى صفرة وخضرة، وليس هذا بالدائم بل قد يختلف. والاستدلال من لون اللسان على مزاج العروق الساكنة والضاربة في البدن قوي. والاستدلاد من لون العين على مزاج الدماغ قوي، وربما عرض في مرض واحد اختلاف لوني عضوين مثل أن اللسان قد يبيض، وبشرة الوجه تسود، في مرض واحد مثل اليرقان العارض لشدة الحرقة من المرار.
وأما الخامس: فهو جنس الدلائل المأخوذة من هيئة الأعضاء، فإن المزاج الحار يتبعه سعة الصدر وعظم الأطراف وتمامها في قدورها من غير ضيق، وقصر وسعة العروق وظهورها وعظم النبض وقوته وعظم العضل وقربها من المفاصل، لأن جميع الأفاعيل النسبية والهيئات التركيبية يتم بالحرارة. والبرودة يتبعها أضداد هذه لقصور القوى الطبيعية بسببها عن تتميم أفعال الانشاء والتخليق. والمزاج اليابس يتبعه قشف وظهور مفاصل وظهور الغضاريف في الحنجرة والأنف وكون الأنف مستوياً.
وأما السادس: فهو جنس الدلائل المأخوذة من سرعة انفعال الأعضاء، فإنه إن كان العضو يسخن سريعاً بلا معاسرة فهو حار المزاج إذ الاستحالة في الجنس المناسب تكون أسهل من الاستحالة إلى المضادة وإن كان يبرد سريعاً فالأمر بالضد لذلك بعينه، فإن قال قائل: إن الأمر يجب أن يكون بالضد فإنا نعرف يقيناً أن الشيء إنما ينفعل عن ضده لا عن شبهه، وهذا الكلام الذي قدمته يوجب أن يكون الإنفعال من الشبه أولى. والجواب عن هذا أن الشبيه الذي لا ينفعل عنه هو الذي كيفيته وكيفية ما هو شبيه به واحدة في النوع والطبيعة. والأسخن ليس شبيهاً بالأبرد، بل السخينان واحدهما أسخن، يختلفان، فيكون الذي ليس بأسخن هو بالقياس إلى الأسخن بارداً، فينفعل من حيث هو بارد بالقياس إليه لا حار، وينفعل أيضاً عن الأبرد منه وعن البارد، إلا أن أحدهما ينمّي كيفيته ويعيّن أقوى ما فيه والآخر ينقص كيفيته فيكون استحالته إلى ما ينمي كيفيته ويعين أقوى ما فيه أسهل. على أن ههنا شيئاً اَخر يختصّ ببعض ما يشاركه في الكيفية وهو ناقص فيها مثل أن الحار المزاج في طبعه إنما يسرع قبوله، لتأثير الحار فيه لما يبطل الحار من تأثير الضدّ الذي هو البرد المعاوق لما ينحوه المزاج الحار من زيادة تسخين، فإذا التقيا وبطل المانع تعاونا على التسخين، فيتبع ذلك التعاون اشتداد تام من الكيفيتين. وأما إذا حاول الحار الخارجي أن يبطل الاعتدال فإن الحار الغريزي الداخل أشد الأشياء مقاومة له، حتى إن السموم الحارة لا يقاومها ولا يدفعها ولا يفسد جوهرها إلا الحرارة الغريزية. فإن الحرارة الغريزية آلة للطبيعة تدفع ضرر الحار الوارد بتحريكها الروح إلى دفعة وتنحية بخاره وتحليله وإحراق مادته، وتدفع أيضاً ضرر البارد الوارد بالمضادة. وليست هذه الخاصية للبروعة فإنها إنما تنازع وتعاوق الوارد الحار بالمضادة فقط ولا تنازع الوارد البارد. والحرارة الغريزية هي التي تحمي الرطوبات الغريزية عن أن تستولي عليها الحرارة الغريبة، فإن الحرارة الغريزية إذا كانت قوية تمكنت الطبيعة بتوسّطها من التصرّف في الرطوبات على سبيل النضج والهضم وحفظها على الصحة فتحرّكت الرطوبات على نهج تصريفها وامتنعت عن التحرك على نهج تصريف الحرارة الغريبة فلم يعفن.
أما إن كانت هذه الحرارة ضعيفة خلت الطبيعة عن الرطوبات لضعف الآلة المتوسطة بينها وبين الرطوبات، فوقفت وصادفتها الحرارة الغريبة غير مشغولة بتصريف فتمكنت منها واستولت عليها وحركتها حركة غريبة فحدثت العفونة، فالحرارة الغريزية آلة للقوى كلها، والبرودة منافية لها لا تنفع إلا بالعرض، فلهذا يقال حرارة غريزية، ولا يقال برودة غريزية، ولا ينسب إلى البرودة من كدخدائية البدن ما ينسب إلى الحرارة.
وأما السابع: فحال النوم واليقظة، فإن اعتدالهما يدلّ على اعتدال المزاج لا سيما في الدماغ، وزيادة النوم بالرطوبة والبرودة وزيادة اليقظة لليبس والحرارة خاصة في الدماغ. وأما الثامن: فهو الجنس المأخوذ من دلائل الأفعال، فإن الأفعال إذا كانت مستمرة على المجرى الطبيعي تامة كاملة، دلت على اعتدال المزاج، وإن تغيرت عن جهتها إلى حركات مفرطة دلت على حرارة المزاج، وكذلك إذا أسرعت فإنها تدل على الحرارة مثل سرعة النشو وسرعة نبات الشعر وسرعة نبات الأسنان، وإن تبلدت أو ضعفت وتكاسلت وأبطأت، دلت على برودة المزاج. على أن قد يكون ضعفها وتبلدها وفتورها واقعاً بسبب مزاج حار، إلا أنه لا يخلو مع ذلك عن تغيير عن المجرى الطبيعي مع الضعف، وقد يفوت بسبب الحرارة أيضاً كثيراً من الأفعال الطبيعية وينقص مثل النوم، فربما بطل بسبب المزإج الحار أو نقص، ولذلك قد يزداد بعض الأحوال الطبيعية للبرد مثل النوم، إلا أنها لا تكون من جملة الأحوال الطبيعية مطلقاً بل بشرط وبسبب فان النوم ليس محتاجاً إليه في الحياة. والصحة حاجة مطلقة بل بسبب تخل من الروح عن الشواغل لما عرض له من التعب، أو لما يحتاج إليه من الإكباب على هضم الغذاء لعجزه عن الوفاء بالأمرين.
فإذن: النوم إنما يحتاج إليه من جهة عجز ما، وهو خروج عن الواجب الطبيعي. وإن كان ذلك الخروج طبيعياً من حيث هو ضروري، فإن الطبيعي يقال على الضرورة باشتراك الإسم. وهذا القسم أصح دلائله إنما هو على المزج المعتدل، وذلك بأن تعتدل الأفعال وتتم. وأما دلالته على الحر والبرد واليبوسة والرطوبة فدلالة تخمينية. ومن جنس الأفعال القوية الدالة على الحرارة قوة الصوت وجهارته وسرعة الكلام واتصاله والغضب وسرعة الحركات والطرف وإن كان قد تقع هذه لا بسبب عام، بل بسب خاص بعضو الفعل. والجنس التاسع: جنس دفع البدن للفضول وكيفية ما يدفع، فإن الدفع إذا استمر وكان ما يبرز من البراز والبول والعرق وغير ذلك حاراً له رائحة قوية وصبغ لما له من صبغ وانشواء وانطباخ لما له انشواء وانطباخ فهو حار، وما يخالفه فهو بارد.
والجنس العاشر: مأخوذ من أحوال قوى النفس في أفعالها وانفعالاتها مثل أن الحرد القوي والضجر والفطنة والفهم والإقدام والوقاحة وحسن الظن وجودة الرجاء والقساوة والنشاط ورجولية الأخلاق وقلة الكسل وقلة الإنفعال من كل شيء، يدلّ على الحرارة وأضدادها على البرودة. وثبات الحرد والرضا والمتخيل والمحفوظ وغير ذلك يدل على اليبوسة وزوال الإنفعالات بسرعة يدل على الرطوبة. ومن هذا القبيل الأحلام والمنامات، فإن من غلب على مزاجه حرارة يرى كأنه يصطلي نيراناً أو يشمس ومن غلب على مزاجه برد فيرى كأنه يثلج، أو هو منغمس في ماء بارد ويرى صاحب كل خلط ما يجانس خلطه فيما يقال. وهذا الذي ذكرناه كله أو أكثره إنما هو من باب علامات الأمزجة الواقعة في أصل البنية.
وأما الأمزجة الغريبة العرضية: فالحار منها يدل على اشتعال للبدن مؤذ وتأذ بالحميّات وسقوط قوة عند الحركات لثوران الحرارة وعطش مفرط والتهاب في فم المعدة ومرارة في الفم ونبض إلى الضعف والسرعة الشديدة والتواتر وتأذ بما يتناوله من المسخنات وتشف بالمبردات ورداءة حال في الصيف.
وأما دلائل المزاج البارد الغير الطبيعي، فقلة هضم وقلة عطش واسترخاء مفاصل وكثرة حميات بلغمية وتأذ بالنزلات. وبتناول المبردات وتشف بتناول ما يسخن ورداءة حال في الشتاء.
وأما دلائل الرطب الغير الطبيعي فمناسبة لدلائل البرودة وتكون مع ترهّل وسيلان لعاب ومخاط وانطلاق طبيعة وسوء هضم وتأذ بتناول ما هو رطب وكثرة نوم وتهيج أجفان.
وأما دلائل اليبس الغير الطبيعي فتقشف وسهر ونحول عارض وتأذ بتناول ما فيه من يبس وسوء حال في الخريف وتشف بما يرطب وانتشاف في الحال للماء الحار والدهن اللطيف وشدة قبول لهما فاعلم هذه الجملة.
بّسم الله الرّحمن الرّحيم
● [ الفصل الرابع : حاصل علامات المعتدل المزاج ] ●
علاماته المجموعة الملتقطة مما قلنا هي: اعتدال الملمس في الحر والبرد واليبوسة والرطوبة واللين والصلابة، واعتدال اللون في البياض والحمرة، واعتدال السحنة في السمن والقصافة ، وميل إلى السمن وعروقه بين الغائرة ويين الركبة على اللحم المتبرية عنه بارزاً، واعتدال الشعر في الزبب والزعر والجعودة والسبوطة ، إلى الشقرة ما هو في سن الصبا، وإلى السواد ما هو في سن الشباب، واعتدال حال النوم واليقظة ومواتاة الأعضاء في حركاتها وسلاسة وقوة من التخيل والتفكر والتذكر وتوسط من الأخلاق بين الإفراط والتفريط، أعني التوسط بين التهور والجبن والغضب والخمول والدقة والقساوة والطيش والتيه وسقوط النفس وتمام الأفعال كلها وصحة وجودة النمو وسرعته وطول الوقوف. وتكون أحلامه لذيذة مؤنسة من الروائح الطيبة والأصوات اللذيذة والمجالس البهيجة، ويكون صاحبه محبباً طلق الوجه هشاً معتدل شهوة الطعام والشراب جيد الاستمراء في المعدة والكبد والعروق والنسبة في جميع البدن معتدل الحال في انتقاض الفضول منه من المجاري المعتادة.
بّسم الله الرّحمن الرّحيم
● [ الفصل الخامس: علامات من ليس بجيد الحال في خلقته ] ●
هذا هو الذي لا يتشابه مزاج أعضائه، بل ربما تعاندت أعضاؤه الرئيسة في الخروج عن الاعتدال، فخرج عضو منها إلى مزاج، والآخر إلى ضده فإذا كانت بنيته غير متناسبة كان رديئاً حتى في فهمه وعقله مثل الرجل العظيم البطن القصير الأصايع المستدير الوجه والهامة العظيم الهامة أو الصغير الهامة لحيم الجبهة والوجه والعنق والرجلين وكأنما وجهه نصف دائرة، فإن كان فكاه كبيرين فهو مختلف جداً ، وكذلك إن كان مستدير الرأس والجبهة، لكن وجهه شديد الطول ورقبته شديدة الغلظ في عينيه بلادة حركة فهو أيضاً من أبعد الناس عن الخير.
بّسم الله الرّحمن الرّحيم
● [ الفصل السادس : العلامات الدالة على الامتلاء ] ●
الامتلاء على وجهين: امتلاء بحسب الأوعية، وامتلاء بحسب القوة. والامتلاء بحسب الأوعية هو أن تكون الأخلاط والأرواح وإن كانت صالحة في كيفيتها قد زادت في كميتها حتى ملأت الأوعية ومددتها. وصاحبه يكون على خطر من الحركة فإنه ربما صدع الامتلاء للعروق وسالت إلى المخانق، فحدث خناق وصرع وسكتة. وعلاجه هو المبادرة إلى الفصد .
وأما الامتلاء بحسب القوة فهو أن لا يكون الأذى من الأخلاط لكميتها فقط بل لرداءة كيفيتها فهي تقهر القوة برداءة كيفيتها ولا تطاوع الهضم والنضج ويكون صاحبها على خطر من أمراض العفونة.
أما علامات الامتلاء جملة: فهي ثقل الأعضاء والكسل عن الحركات واحمرار اللون وانتفاخ العروق وتمدد الجلد وامتلاء النبض وانصباغ البول وثخنه وقلة الشهوة وكلال البصر ، والأحلام التي تدلّ على الثقل مثل من يرى أنه ليس به حراك أو ليس به استقلال للنهوض أو يحمل حملاً ثقيلاً، أو ليس يقدر على الكلام، كما أن رؤيا الطيران وسرعة الحركات تدل على أن الأخلاط رقيقة وبقدر معتدل، وعلامات الامتلاء بحسب القوة. أما الثقل والكسل وقلة الشهوة فهو يشارك فيها الامتلاء الأول ولكن إذا كان الامتلاء بحسب القوة ساذجاَ لم تكن العروق شديدة الانتفاخ، ولا الجلد شديد التمدد، ولا النبض شديد الامتلاء والعظم ولا الماء كثير الثخن، ولا اللون شديد الحمرة، ويكون الانكسار والإعياء إنما يهيج فيه بعد الحركة والتصرف وتكون أحلامه تريه حكة ولذعاً وإحراقاً وروائح منتنة. ويدلّ أيضاً على الخلط الغالب بدلائله التي سنذكرها. وفي أكثر الأمر فإن الامتلاء بحسب القوة يولّد المرض قبل استحكام دلائله.
بّسم الله الرّحمن الرّحيم
● [ الفصل السابع : علامات غلبة خلط خلط ] ●
أما الدم إذا غلب، فعلاماته : مقارنة لعلامات الامتلاء بحسب الأوعية، ولذلك قد يحدث من غلبته ثقل في البدن في أصل العينين خاصة والرأس والصدغين وتمط وتثاؤب و غشيان ونعاس لازب ، وتكدر الحواس وبلادة في الفكر وإعياء بلا تعب سابق وحلاوة في الفم غير معهودة وحمرة في اللسان، وربما ظهر في البدن دماميل، وفي الفم بثور ويعرض سيلان دم من المواضع السهلة الانصداع، كالمنخر والمقعدة واللثة.
وقد يدلّ عليه المزاج والتدبير السالف والبلد والسن والعاثة وبعد العهد بالفصد، والأحلام الدالة عليه مثل الأشياء الحمر يراها في النوم، ومثل سيلان الدم الكثير عنه ومثل الثخانة في الدم وما أشبه ما ذكرنا.
وأما علامات غلبة البلغم: فبياض زائد في اللون وترهّل ولين ملمس وبرودة وكثرة الريق ولزوجته وقلة العطش، إلا أن يكون مالحاً وخصوصاً في الشيخوخة وضعف الهضم والجشاء الحامض وبياض البول وكثرة النوم والكسل واسترخاء الأعصاب والبلادة ولين نبض إلى البطء والتفاوت ، ثم السن والعادة والتدبير السالف والصناعة والبلد والأحلام التي يرى فيها مياه وأنهار وثلوج وأمطار وبرد برعدة.
وأما علامات غلبة الصفراء: فصفرة اللون والعينين ومرارة الفم وخشونة اللسان وجفافه ويبس المنخرين واستلذاذ النسيم البارد وشدّة العطش وسرعة النفس وضعف شهوة الطعام والغثيان والقيء الصفراوي الأصفر والأخضر والاختلاف اللاذع وقشعريرة كغرز الأبر، ثم التدبير السالف والسن والمزاج والعادة والبلد والوقت والصناعة والأحلام التي يرى فيها النيران والرايات الصفر، ويرى الأشياء التي لا صفرة لها مصفرة ويرى التهاباً وحرارة حمام أو شمس وما يشبه ذلك.
وأما علامات غلبة السوداء: فقحل اللون وكمودته وسواد الدم وغلظه وزيادة الوسواس والفكر واحتراق فم المعدة والشهوة الكاذبة وبول كمد وأسود وأمر غليظ، وكون البدن أسود أزب ، فقلما تتولد السوداء في الأبدان البيض الزعر وكثرة حدوث البهق الأسود والقروح الرديئة وعلل الطحال والسن والمزاج والعادة والبلد والصناعة والوقت والتدبير السالف والأحلام الهائلة من الظلم والهوات والأشياء السود والمخاوف.
بّسم الله الرّحمن الرّحيم
● [ الفصل الثامن : العلامات الدالة على السدد ] ●
إنه إذا احتقنت مواد ودلت الدلائل عليها وأحس بتمدّد ولم يحس بدلائل الامتلاء في البدن كله، فهناك سدد لا محالة، وأما النقل فيحسّ في السدد إذا كانت السدد في مجار لا بد من أن يجري فيها مواد كثيرة، مثل ما يعرض من السدد في الكبد، فإن ما يصير من الغذاء إلى الكبد إذا عاقته السدد عن النفوذ، اجتمع شيء كثير واحتبس وأثقل ثقلاً كثيراً فوق ثقل الورم ويميز عن الورم بشدة الثقل وعدم الحمى. وأما إذا كانت السدّة في غير هذه المجاري لم يحس بثقل وأحس باحتباس نفوذ الدم وبالتمدّد وأكثر من به سدد في العروق يكون لونه أصفر لأن الدم لا ينبعث في مجاريه إلى ظاهر البدن.
بّسم الله الرّحمن الرّحيم
● [ الفصل التاسع : العلامات الدالة على الرياح ] ●
الرياح قد يستدل عليها بما يحدث في الأعضاء الحساسة من الأوجاع، وذلك تابع لما يفعله من تفرّق الاتصال، ويستدلّ عليها من حركات تعرُّض للأعضاء، ويستدلّ عليها من الأصوات ويستدل عليها باللمس.
وأما الأوجاع الممددة، تدل على الرياح لا سيما إذا كانت مع خفة،فإن كان هناك انتقال من الوجع فقد تمت الدلالة، وهذا إنما يكون إذا كان تفرق الاتصال في الأعضاء الحساسة. وأما مثل العظم واللحم الغددي فلا يبين ذلك فيها بالوجع، فقد يكون من رياح العظام ما يكسر العظام كسراً ويرضّها رضًّا ولا يكون له وجع إلا تابعاً لحس المنكسر بما يليه.
وأما الاستدلال على الرياح من حركات الأعضاء فمثل الاستدلال من الاختلاجات على رياح تتكون وتتحرك على الإقلال والتحلّل.
وأما الاستدلال عليها من الأصوات فإما أن تكون الأصوات منها أنفسها كالقراقر ونحوها وكما يحس في الطحال إذا كان وجعه من ريح بغمز وإما أن يكو الصوت يفعل فيها بالقرع كما يميّز بين الاستسقاء الزقيّ والطبلي بالضرب .
وأما الاستدلال عليها من طريق المس يميز بين النفخة والسلعة بما يكون هناك من تمدّد مع انغماز في غيررطوبة سيّالة مترجرجة أو خلط لزج، فإن الحسّ اللمسي يميّز بين ذلك والفرق بين النفخة والريح ليس في الجوهر بل في هيئة الحركة والركود والإنزعاج.
بّسم الله الرّحمن الرّحيم
● [ الفصل العاشر : العلامات الدالة على الأورام ] ●
أما الظاهرة: فيدل عليها الحس والمشاهدة، وأما الباطنة، فالحار منها يدلّ عليه الحمّى اللازمة والثقل إن كان لا حس للعضو الذي هو فيه، أو التفل مع الوجع الناخس إن كان للعضو الوارم حسّ. ومما يدل أيضاً أو يعين في الدلالة الآفة الداخلة في أفعال ذلك العضو ومما يوكد الدلالة، إحساس الانتفاخ في ناحية ذلك العضو كان للحس إليه سبيل. وأما البارد فليس يتبعه لا محالة وجع، وتعسر الإشارة إلى علاماته الكلية وإن سهل أحوج إلى كلام ممل، والأولى أن نؤخر الكلام فيه إلى الأقاويل الجزئية في عضو عضو. والذي يقال ههنا أنه إذا أحس بثقل ولم يحس بوجع وكان معه دلائل غلبة البلغم، فليحدس أنه بلغمي.
وإن كان معه دلائل غلبة السوداء فهو سوداوي، وخصوصاً إذا لمس وكان صلباً. والصلابة من أفضل الدلائل عليها. وإذا كانت الأورام الحارة في الأعصاب، كان الوجع شديداً والحميات قوية وسارعت إلى الإيقاع في التمدد وفي اختلاط العقل، وأحدثت في حركات القبض والبسط آفة.
وجميع أورام الأحشاء يحدث رقة ونحولاً في المراق وإذا أجمعت أورام الأحشاء وأخذت في طريق الخراجية اشتد الوجع جداً، والحمى وخشن اللسان خشونة شديدة، واشتد السهر وعظمت الأعراض وعظم الثقل، وربما أحس الصلابة والتركز وربما ظهر في البدن نحافة عاجلة، وفي العينين غؤر مغافص ، فإذا تقيّح الجمع سكنت ثورة الحمى والوجع والضربان وحصل بدل الوجع شيء كالحكة، وإن كانت حمرة وصلابة خفت الحمرة ولان المغمز وسكّنت الأعراض المؤلمة كلها وبلغ الثقل غايته، فإذا انفجر عرض أولاً نافض للذع المدة، ثم ظهرت حمى بسبب لذع المادة، واستعرض النبض للاستفراغ واختلف وأخذ طريق الضعف والصغر والإبطاء والتفاوت، وظهر في الشهوة سقوط. وكثيراً ما تسخن له الأطراف. وأما المادة فتندفع بحسب جهتها، إما في طريق النفث أو في طريق البول أو فى طريق البراز. والعلامة الجيدة بعد الانفجار تمام سكون الحمى وسهولة التنقس، وانتعاش القوة وسرعة اندفاع المادّة في جهتها، وربما انتقلت المادة في الأورام الباطنة من عضو إلى عضو، وذلك الانتقال قد يكون جيداً وقد يكون رديئاً والجيد أن ينتقل من عضو شريف إلى عضو خسيس، مثل ما ينتقل في أورام الدماغ إلى ما خلف الأذنين وفي أورام الكبد إلى الأربيتين. والرديء أن ينتقل من عضو إلى عضو أشرف منه أو أقلّ صبراً على ما يعرض به مثل أن ينتقل من ذات الجنب إلى ناحية القلب أو إلى ذات الرئة. ولانتقال الأورام الباطنة وميلان الخراجات الباطنة التي تحت وإلى فوق علامات، فإنها إذا مالت في انتقالها إلى ما تحت ظهر في الشراسيف تمدد وثقل، وإذا مالت في انتقالها إلى ما فوق دلّ عليه سوء حال النفس وضيقه وعسره وضيق الصدر والتهاب يبتدىء من تحت إلى فوق وثقل في ناحية الترقوة وصداع، وربما ظهر أثره في الترقوة والساعد. والمائل إلى فوق إن تمكّن من الدماغ كان رديئاً فيه خطر، وإن مال إلى اللحم الرخو الذي خلف الأذنين كان فيه رجاء خلاص. والرعاف في مثل هذا دليل جيد وفي جميع أورام الاحشاء. وانتظر في استقصاء هذا ما نقوله من بعد حيث نستقصي الكلام في الأورام، وحيث نذكر حال ورم عضو عضو من الباطنة.
بّسم الله الرّحمن الرّحيم
● [ الفصل الحادي عشر : علامات تفرق الاتصال ] ●
تفرق الاتصال إن عرض في الأعضاء الظاهرة وقف عليه الحس، وإن وقع في الأعضاء الباطنة دل عليه الوجع الثاقب والناخس والآكال، ولا سيما إن لم يكن معه حمى. وكثيراً ما يتبعه سيلان خلط كنفث الدم وانصبابه إلى فضاء الصدر وخروج مدة وقيح، إن كان بعد علامات الأورام ونضجها. والذي يكون عقيب الأورام فربما كان دالا" على انفجار عن نضج وربما لم يكن. فمان كان عن نضج سكن الحمى مع الانفجار واستفراغ القيح وسكن الثقل وخف. وإن لم يكن كذلك اشتد الوجع وزاد. وقد يستدل على تفرق الاتصال بانخلاع الأعضاء عن مواضعها وبزوال العضو عن موضعه، وإن لم ينخلع كالفتق. وقد يستدل عليه باحتباس المستفرغات عن المجاري فإنها ربما انصبت إلى فضاء يؤدي إليه تفرق الاتصال، ولم ينفصل عن المسلك الطبيعي كما يعرض لمن انخرق أمعاؤه أن يحتبس برازه وربما خفي تفرق الاتصال ولم يوقف عليه بالعلامات الكلية المذكورة واحتيج في بيانه إلى الأقوال الجزئية بحسب عضو عضو، وذلك بأن يكون العضو لا حس له، أو لا يحتوي على رطوبة فيسيل ما فيه، أو لا مجال له فيزول عن موضعه، أو ليس يعتمد على عضو فيزول بانخلاعه. واعلم أن أصعب الأورام أعراضاَ وأصعب تفرق الاتصال أعراضاً ما كان في الأعضاء العصبية الشديدة الحس فإنها ربما كانت مهلكة وأما الغشي والتشنج فيلحقها دائماً. أما الغشي فلشدة الوجع. وأما التشنّج فلعصبية العضو ثم اللاتي تكون على المفاصل فإنها يبطؤ قبولها للعلاج لكثرة حركة المفصل وللفضاء الذي يكون عند المفصل المستعد لانصباب المواد إله، ولأن النبض والبول من العلامات الكلية لأحوال البدن فلنقل فيهما.
● [ تمت بداية التعليم الثالث وهى احدى عشر فصلآ ] ●
القانون فى الطب لإبن سينا
الكتاب الأول: الأمور الكلية فى علم الطب
منتدى حُكماء رُحماء الطبى . البوابة