من تأمل عواقب المعاصي رآها قبيحة.
ولقد تفكرت في أقوام أعرفهم يقرون بالزنا وغيره، فأرى من تعترهم في الدنيا مع جلادتهم ما لا يقف عند حد.
وكأنهم قد ألبسوا ظلمة، فالقلوب تنفر عنهم.
فإن اتسع لهم شيء فأكثره من مال الغير، وإن ضاق بهم أمر أخذوا يتسخطون على القدر.
هذا وقد شغلوا بهذه الأوساخ عن ذكر الآخرة.
ثم عكست فتفكرت في أقوام صابروا الهوى، وتركوا ما لا يحل.
فمنهم من قد أينعت له ثمرات الدنيا من قوت مستلذ، ومهاد مستطاب، وعيش لذيذ، وجاء عريض، فإن ضاق بهم أمر وسعه الصبر، وطيبه الرضى، ففهمت بالحال معنى قوله تعالى: " إِنَّهُ مَنْ يَتّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ المُحْسِنِين " .
● [ فصل ] ●
التذلل إلى الله تعالىينبغي للعاقل أن يلازم باب مولاه على كل حال، وأن يتعلق بذيل فضله إن عصى وإن أطاع.
وليكن له أنس في خلوته به، فإن وقعت وحشة فليجتهد في رفع الموحش، كما قال الشاعر:
أمستوحش أنت مما جني ... ت فأحسن إذا شئت واستأنس
فإن رأى نفسه مائلاً إلى الدنيا طلبها منه، أو إلى الآخرة سأله التوفيق للعمل لها.
فإن خاف ضرر ما يرومه من الدنيا سأل الله إصلاح قلبه، وطب مرضه، فإنه إذا صلح لم يطلب ما يؤذيه.
ومن كان هكذا كان في العيش الرغد غير أن من ضرورة هذه الحال ملازمة التقوى، فإنه لا يصلح الأنس إلى بها.
وقد كان أرباب التقوى يتشاغلون عن كل شيء إلا عن اللجأ والسؤال.
وفي الخبر: إن قتيبة بن مسلم لما صاف الترك هاله أمرهم فقال: أين محمد بن واسع ؟ فقيل: هو في أقصى الميمنة جانح على سية قوسه يومىء بإصبعه نحو السماء، فقال قتيبة: تلك الأصبع الفاردة أحب إلي من مائة ألف سيف شهير، وسنان طرير، فلما فتح عليهم قال له: ما كنت تصنع ؟ قال: آخذ لك بمجامع الطرق.
● [ فصل ] ●
الثرثرة بالنعمينبغي لمن تظاهرت نعم الله عز وجل عليه أن يظهر منها ما يبين أثرها، ولا يكشف جملتها، وهذا من أعظم لذات الدنيا التي يأمر الحزم بتركها، فإن العين حق.
وإني تفقدت النعم فرأيت إظهارها حلواً عند النفس، إلا أنها أظهرت لوديد لم يؤمن تشعث باطنه بالغيظ.
وإن أظهر لعدو فالظاهر إصابته لموضع الحسد، إلا أنني رأيت شر الحسود كاللازم، فإنه في حال البلاء يتشفى، وفي حال النعم يصيب بالعين.
ولعمري إن المنعم عليه يشتهي غيظ حسوده، ولكنه لا يؤمن أن يخاطر بنعمته، فإن الغالب إصابة الحاسد لها بالعين، فلا يساوي الالتذاذ بإظهار ما غيظ به ما أفسدت عينه بإصابتها.
وكتمان الأمور في كل حال فعل الحازم، فإنه إن كشف مقدار سنه استهرموه إن كان كبيراً، واحتقروه إن كان صغيراً.
وإن كشف ما يعتقده ناصبه الأضداد بالعداوة: وإن كشف قدر ماله استحقروه إن كان قليلاً، وحسدوه إن كان كثيراً، وفي هذه الثلاثة يقول الشاعر:
احفظ لسانك لا تبح بثلاثة ... سن ومال ما استطعت ومذهب
فعلى الثلاثة تبتلى بثلاثة ... بمموّه وممخرق ومكذب
وقس على ما ذكرت ما لم أذكره، ولا تكن من المذاييع الغر الذين لا يحملون أسرارهم حتى يفشوها إلى من لا يصلح.
ورب كلمة جرى بها اللسان هلك بها الإنسان.
● [ فصل ] ●
تتابع العثراترأيت كل من يعثر بشيء أو يزلق في مطر يلتفت إلى ما عثر به، فينظر إليه، طبعاً موضوعاً في الخلق.
إما ليحذر منه إن جاز عليه مرة أخرى، أو لينظر - مع احترازه وفهمه - كيف فاته التحرز من مثل هذا.
فأخذت من ذلك إشارة وقلت: يا من عثر مراراً هلا أبصرت ما الذي أعثرك فاحترزت من مثله، أو قبحت لنفسك مع حزمها تلك الواقعة.
فإن الغالب ممن يلتفت أن معنى التفاته كيف عثر مثلي مع احترازه بمثل ما أرى.
فالعجب لك كيف عثرت بمثل الذنب الفلاني والذنب الفلاني ؟.
كيف غرك زخرف تعلم بعقلك باطنه، وترى بعين فكرك مآله ؟ كيف آثرت فانياً على باق ؟ كيف بعت بوكس ؟ كيف اخترت لذة رقدة على انتباه معاملة.
آه لك لقد اشتريت بما بعت أحمال ندم لا يقلها ظهر، وتنكيس رأس أمسى بعيد الرفع، ودموع حزن على قبح فعل ما لمددها انقطاع.
وأقبح الكل، أن يقال لك: بماذا ؟ ومن أجل ماذا ؟ وهذا على ماذا ؟ يا من قلب الغرور عليه الصنجة ووزن له والميزان راكب.
● [ فصل ] ●
ثمرة التقوىتأملت قوله تعالى: " فَمنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلاَ يَضِلُّ وَلاَ يَشْقَى " .
قال المفسرون: هداي رسول الله صلى الله عليه وسلم وكتابي.
فوجدته على الحقيقة أن كل من اتبع القرآن والسنة وعمل بما فيهما، فقد سلم من الضلال بلا شك، وارتفع في حقه شقاء الآخرة بلا شك، إذا مات على ذلك.
وكذلك شقاء الدنيا فلا يشقى أصلاً، ويبين هذا قوله تعالى: " وَمَنْ يَتّقِ اللّهَ يَجْعلْ لَهُ مَخْرجاً " .
فإن رأيته في شدة فله من اليقين بالجزاء ما يصير الصاب عنده عسلاً.
وإلا غلب طيب العيش في كل حال.
والغالب أنه لا ينزل به شدة إلا إذا انحرف عن جادة التقوى.
فأما الملازم لطريق التقوى فلا آفة تطرقه، ولا بلية تنزل به، هذا هو الأغلب فإن وجد من تطرقه البلايا مع التقوى، فذاك في الأغلب لتقدم ذنب يجازي عليه، فإن قدرنا عدم الذنب. فذاك لإدخال ذهب صبره كير البلاء حتى يخرج تبراً أحمر، فهو يرى عذوبة العذاب. لأنه يشاهد المبتلي في البلاء الألم.
قال الشبلي:
أحبك الناس لنعمائك ... وأنا أحبك لبلائك
● [ فصل ] ●
الاستكانة للمعصيةلا ينال لذة المعاصي إلا سكران بالغفلة.
فأما المؤمن فإنه لا يلتذ لأنه عند التذاذه يقف بإزائه علم التحريم، وحذر العقوبة.
فإن قويت معرفته رأى بعين علمه قرب الناهي فيتنغص عيشه في حال التذاذه.
فإن غلب سكر الهوى كان القلب متنغصاً بهذه المراقبات، وإن كان الطبع في شهوته.
وما هي إلا لحظة، ثم خذ من غريم ندم ملازم، وبكاء متواصل، وأسف على ما كان مع طول الزمان.
حتى أنه لو تيقن العفو وقف بإزائه حذر العتاب، فأف للذنوب ما أقبح آثارها وما أسوأ أخبارها، ولا كانت شهوة لا تنال إلا بمقدار قوة الغفلة.
● [ فصل ] ●
زهد يهدم الدين والدنيابكرت يوماً أطلب الخلوة إلى جامع الرصافة، فجعلت أجول وحدي وأتفكر في ذلك المكان ومن كان به من العلماء والصالحين.
ورأيت أقواماً قد جاوروا فيه فسألت أحدهم: منذ كم أنت ها هنا ؟ فأومأ إلى قريب من أربعين سنة.
فرأيته في بيت كثير الدرن والوسخ. وجعلت أتفكر في حبسه لنفسه عن النكاح هذه المدة، فأخذت النفس تحسن ذلك، وتذم الدنيا والاغترار بها.
فأقبل العلم ينكر على النفس، وخضه الفهم لحقائق الأمور، وموضوع الشرع يقوي ما قال العلم. فينحل من ذلك أن قلت للنفس: اعلمي أن هؤلاء على ضربين.
منهم من يجاهد نفسه في الصبر على هذه الأحوال فتفوته فضائل المخالطة لأهل العلم والعمل وطلب الولد، ونفع الخلق، وانتفاع نفسه بمجالسة أهل الفهم، فيحدث له من نفسه حالة تشابه فيها الوحش فتؤثر الانفراد لنفس الانفراد.
وربما يبس الطبع، وساء الخلق، وربما حدث من حبس مائه المحتقن سمية أفسدت بدنه وعقله، وربما أورثته الخلوة وسوسة، وربما ظن أنه من الأولياء واستغنى بما يعرفه، وربما خيل له الشيطان أشياء من الخيالات وهو يعدها كرامات وربما ظن أن الذي هو فيه الغاية ولا يدري أنه إلى الكراهة أقرب.
فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم: نهى أن يبيت الرجل وحده، وهؤلاء كل منهم يبيت وحده، ونهى عن التبتل وهذا تبتل، ونهى عن الرهبانية وهذا من خفي خدع إبليس التي يوقع بها في ورطات الضلال بألطف وجه وأخفاه.
والضرب الثاني: مشايخ قد فنوا فانقطعوا ضرورة، إذ ليس لأحدهم مأوى، فهم في مقام الزمنى.
وإن كان الضرب الأول قد قطعوا حبل نفوسهم في العلم والعمل والكسب وتعلقت هممهم بفتوح يطرق عليهم الباب، فرضوا بالعمى بعد البصر، وبالزمن بعد الإطلاق.
فقالت لي النفس: لا أرضى هذا الذي تقوله، فإنك إنما تميل إلى إيثار نكاح المستحسنات والمطاعم المشتهيات. فإذا لم تكن من أهل التعبد فلا تطعن فيهم.
فقلت لها: إن فهمت حدثتك وإن كنت تقلدين صور الأحوال فلا فهم لك.
أما المستحسنات فإن المقصود من النكاح أشياء منها طلب الولد، ومنها شفاء النفس بإخراج الفضلة المؤذية، وكمال خروجها لا يكون إلا بوجود المستحسن. واعتبر هذا بالوطء دون الفرج فإنه يخرج من الفضلات ما لا يخرج بالوطء في الفرج وبتمام خروج تلك الفضلة تفرغ النفس عن شواغلها فتدري أين هي.
كما نأمر القاضي بالأكل قبل الحكم، وننهاه عن الحكم وهو غضبان أو حاقن.
وبكمال بلوغ هذا الغرض يكون كمال الولد لتمام النطفة التي تخلق منها.
ثم للنفس حظ فهو يستو فيه استيفاء الناقة حظها من العلف في السفر، وذلك يعين على سيرها.
وأما المطاعم فالجاهل من يطلبها لذاتها أو لنفس لذاتها. وإنما المراد إصلاح الناقة لجمع هممها، ونيل مرادها من غرضها الصارف لها عن الفكر في هواها.
وإذا تأملت حال الشرب الأول رأيت من هذا عجباً، فإن النبي صلى الله عليه وسلم اختار لنفسه عائشة رضي الله عنها وكانت مستحسنة ورأى زينب فاستحسنها فتزوجها وكذلك اختار صفية وكان إذا وصفت له امرأة بعث يخطبها. وكان لعلي رضي الله عنه أربع حرائر، وسبع عشرة سرية مات عنهن.
وقبل هذه الأمة فقد كان لداود عليه السلام مائة امرأة ولسليمان عليه السلام ألف امرأة، فمن ادعى خللاً في هذه الطرق، أو أن هؤلاء آثروا هواهم، وأنفقوا بضائع العمر في هذه الأغراض وغيرها أفضل. فقد ادعى على الكاملين النقصان وإنما هو الناقص في فهمه لا هم.
وقد كان سفيان الثوري إذا سافر ففي سفرته حمل مشوية وفالوذج، وكان حسن المطعم، وكان يقول إن الدابة إذا لم تحسن إليها لم تعمل.
وهذه الفنون التي أشرت إليها أن قصدت للحاجة إليها، أو لقضاء وطر النفس منها، أو لبلوغ الأغراض الدينية والدنيوية منها، فكله قصد صحيح لا يعكر عليه من يقوم ويقعد في ركعات لا يفهم معناها، وفي تسبيحات أكثر ألفاظها ردية.
كلا ليس إلا العلم الذي هو أفضل الصفات، وأشرف العبادات، وهو الآمر بالمصالح، والناطق بالنصائح.
ثم منفعة العلم معروفة، وزهد الزاهد لا يتعدى عتبة بابه، وقد قال صلى الله عليه وسلم: لأن يهدي الله بك رجلاً خير لك مما طلعت عليه الشمس.
ثم اعتبر فضل الرسل على الأنبياء عليهم الصلاة والسلام. والجوارح على التي لا تصيد. والطين الذي يعمل منه ما ينتفع به على الطين في المطلع.
وغاية العلماء تصرفهم بالعلم في المباح، وأكثر المتزهدين جهلة يستعبدهم تقبيل اليد لأجل تركهم ما أبيح.
فكم فوتت العزلة علماً يصلح به أصل الدين، وكم أوقعت في بلية هلك بها الدين، وإنما عزلة العالم عن الشر فحسب، والله الموفق.
● [ فصل ] ●
نهاية العصاةينبغي لكل ذي لب وفطنة أن يحذر عواقب المعاصي. فإنه ليس بين الآدمي وبين الله تعالى قرابة ولا رحم، وإنما هو قائم بالقسط، حاكم بالعدل.
وإن كان حلمه يسع الذنوب، إلا أنه شاء عفا فعفا كل كثيف من الذنوب، وإذا شاء أخذ وأخذ باليسير، فالحذر الحذر.
ولقد رأيت أقواماً من المترفين كانوا يتقلبون في الظلم والمعاصي الباطنة والظاهرة، فتعبوا من حيث لم يحتسبوا. فقلعت أصولهم. ونقض ما بنوا من قواعد أحكموها لذراريهم.
وما كان ذلك إلا أنهم أهملوا جانب الحق عز وجل، وظنوا أن ما يفعلونه من خير يقاوم ما يجري من شر، فمالت سفينة ظنونهم. فدخلها من ماء الكيد ما أغرقهم.
ورأيت أقواماً من المنتسبين إلى العلم أهملوا نظر الحق عز وجل إليهم في الخلوات. فمحا محاسن ذكرهم في الجلوات. فكانوا موجودين كالمعدومين، لا حلاوة لرؤيتهم، ولا قلب يحن إلى لقائهم.
فالله الله في مراقبة الحق عز وجل. فإن ميزان عدله تبين فيه الذرة، وجزاؤه مرصد للمخطىء ولو بعد حين.
وربما ظن أنه العفو - وإنما هو إمهال - وللذنوب عواقب سيئة.
فالله الله الخلوات. الخلوات.
البواطن البواطن. النيات النيات.
فإن عليكم من الله عيناً ناظرة.
وإياكم والاغترار بحلمه وكرمه، فكم قد استدرج.
وكونوا على مراقبة الخطايا مجتهدين في محوها.
وما شيء ينفع كالتضرع مع الحمية عن الخطايا، فلعله...
● وهذا فصل إذا تأمله المعامل لله تعالى نفعه
ولقد قال بعض المراقبين لله تعالى: قدرت على لذة هي غاية وليست بكبيرة.
فنازعتني نفسي إليه، اعتماداً على صغرها، وعظم فضل الله تعالى وكرمه.
فقلت لنفسي: إن غلبت هذه فأنت أنت، وإذا أتيت هذه فمن أنت ؟.
وذكرتها حالة أقوام كانوا يفسحون لأنفسهم في مسامحة كيف انطوت أذكارهم، وتمكن الإعراض عنهم.
فارعوت ورجعت عما همت به. والله الموفق.
● [ فصل ] ●
هذه ليست صغائركثير من الناس يتسامحون في أمور يظنونها قريبة. وهي تقدح في الأصول، كاستعارة طلاب العلم جزءاً لا يردونه. وقصد الدخول على من يأكل ليؤكل معه، والتسامح بعرض العدو التذاذاً بذلك واستصغاراً لمثل هذا الذنب.
وإطلاق البصر في المحرم استهانة بتلك الخطيئة.
وأهون ما يصنع ذلك بصاحبه أن يحطه من مرتبة المتميزين بين الناس، ومن مقام رفعة القدر عند الحق. أو فتوى من لا يعلم لئلا يقال: هو جاهل ونحو ذلك مما يظنه صغيراً وهو عظيم.
وربما قيل له بلسان الحال: يا من اؤتمن على أمر يسير فخان. كيف ترجو بتدليك رضا الديان؟.
قال بعض السلف: تسامحت بلقمة فتناولتها فأنا اليوم من أربعين سنة إلى خلف.
فالله الله، اسمعوا ممن قد جرب، كونوا على مراقبة. وانظروا في العواقب. واعرفوا عظمة الناهي. واحذروا من نفخة تحتقر، وشررة تستصغر فربما أحرقت بلداً.
وهذا الذي أشرت إليه يسير يدل على كثير، وأنموذج يعرف باقي المحقرات من الذنوب.
والعلم والمراقبة يعرفانك ما أخللت بذكره، ويعلمانك إن تلمحت بعين البصيرة أثر شؤم فعله، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
● [ فصل ] ●
كيف تدعو وماذا تبغيرأيت من نفسي عجباً: تسأل الله عز وجل حاجاتها، وتنسي جناياتها.
فقلت: يا نفس السوء أو مثلك ينطق ؟.
فإن نطق فينبغي أن يكون السؤال العفو فحسب.
فقالت: فممن أطلب مراداتي ؟ قلت: ما أمنعك من طلب المراد. إنما أقول حققي التوبة، وانطقي.
كما نقول في العاصي بسفره إذا اضطر إلى الميتة لا يجوز له أن يأكل، فإن قيل لنا: أفيموت ! قلنا لا بل يتوب ويأكل.
فالله الله من جراءة على طلب الأغراض مع نسيان ما تقدم من الذنوب التي توجب تنكيس الرأس، ولئن تشاغلت بإصلاح ما مضى والندم عليه جاءتك مراداتك.
كما روي: من شغله ذكري عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين.
وقد كان بشر الحافي يبسط يديه للسؤال ثم يسبلهما ويقول: مثلي لا يسأل وما أبقت الذنوب لي وجهاً.
وهذا يختص ببشر لقوة معرفته، كان وقت السؤال كالمخاطب كفاحاً فاستحي للزلل.
فأما أهل الغفلة فسؤالهم على بعد، فافهم ما ذكرته، وتشاغل بالتوبة من الزلل ثم العجب من سؤالاتك فإنك لا تكاد تسأل مهما من الدنيا، بل فضول العيش.
ولا تسأل صلاح القلب والدين مثل ما تسأل صلاح الدنيا.
فاعقل أمرك فإنك من الانبساط والغفلة على شفا جرف.
وليكن حزنك على زلاتك شاغلاً لك من مراداتك، فقد كان الحسن البصري شديد الخوف؛ فلما قيل له في ذلك قال: وما يؤمنني أن يكون اطلع على بعض ذنوبي فقال اذهب لا غفرت لك.
● [ فصل ] ●
غرور المتعبدينأعجب العجب دعوى المعرفة مع البعد عن العرفان. بالله، ما عرفه إلا من خاف منه، فأما المطمئن فليس من أهل المعرفة.
وفي المتزهدين أهل تغفيل، يكاد أحدهم يوطن نفسه على أنه ولي محبوب ومقبول.
وربما توالت عليه ألطاف ظنها كرامات ونسي الاستدراج الذي لفت مساكنته الألطاف.
وربما احتقر غيره وظن أن محلته محفوظة به، تغره ركيعات ينصب فيها، أو عبادة ينصب بها.
وربما ظن أنه قطب الأرض وأنه لا ينال مقامه بعده أحد.
وكأنه ما علم أنه بينما موسى مكالم نبىء يوشع.
وبينا زكريا عليه السلام مجاب الدعوة نشر المنشار.
وبينا يحيى عليه السلام يوصف بأنه سيد سلط عليه كافر احتز رأسه.
وبينا بلعام معه الاسم الأعظم صار مثله كمثل الكلب.
وبينا الشريعة يعمل بها نسخت وبطل حكمها.
وبينا البدن معمور خرب وسلط البلى عليه.
وبينا العالم يدأب حتى ينال مرتبة يعتقدها، نشأ طفل في زمانه ترقى إلى سبر عيوبه وغلطه.
وكم من متكلم يقول: ما مثلي !!، لو عاش فسمع ما حدث بعده من الفصاحة عد نفسه أخرس.
هذا وعظ ابن السماك، وابن عمار، وابن سمعون، لا يصلح لبعض تلامذتنا ولا يرضاه.
فكيف يعجب من ينفق شيئاً. وربما أتى بعدنا من لا يعدنا ؟.
فالله الله من مساكنة مسكن، ومخالفة مقام.
وليكن المتيقظ على انزعاج، محتقراً للكثير من طاعاته، خائفاً على نفسه من تقلباته، ونفوذ الأقدار فيه.
واعلم أن تلمح هذه الأشياء التي أشرت إليها بضرب عنق العجب، ويذهب بطر الكبر.
● [ فصل ] ●
الإعداد للنهاية باليقينمن عاش مع الله عز وجل طيب النفس في زمن السلامة خفت عليه زمن البلاء، فهناك المحك.
إن الله عز وجل بينا يبني نقض، وبينا يعطي سلب، فيطيب النفس والرضا هناك بين.
فأما من تواصلت لديه النعم فإنه يكون طيب القلب لتواصلها، فإذا مسته نفحة من البلاء فبعيد ثباته.
قال الحسن البصري: كانوا يتساوون في وقت النعم فإذا نزل البلاء تباينوا.
فالعاقل من أعد ذخراً، وحصل زاداً، وازداد من العدد للقاء حرب البلاء.
ولا بد من لقاء البلاء، ولو لم يكن إلا عند صرعة الموت، فإنها إن نزلت والعياذ بالله فلم تجد معرفة توجب الرضى أو الصبر، أخرجت إلى الكفر.
ولقد سمعت من كنت أظن فيه كثرة الخير وهو يقول في ليالي موته: ربي هو ذا يظلمني، فلم أزل منزعجاً مهتماً بتحصيل عدة ألقى بها ذلك اليوم.
كيف وقد روى أن الشيطان يقول لأعوانه في تلك الساعة: عليكم بهذا، فإن فاتكم لم تقدروا عليه.
وأي قلب يثبت عند إمساك النفس، والأخذ بالكظم، ونزع النفس والعلم بمفارقة المحبوبات إلى ما لا يدري ما هو، وليس في ظاهره إلا القبر والبلاء.
فنسأل الله عز وجل يقيناً يقيناً شر ذلك اليوم، لعلنا نصبر للقضاء، أو نرضى به.
ونرغب إلى مالك الأمور في أن يهب لنا من فواضل نعمه على أحبابه، حتى يكون لقاؤه أحب إلينا من بقائنا، وتفويضنا إلى تقديره أشهى لنا من اختيارنا.
ونعوذ بالله من اعتقاد الكمال لتدبيرنا، حتى إذا انعكس علينا أمر عدنا إلى القدر بالتسخط.
وهذا هو الجهل المحض، والخذلان الصريح، أعاذنا الله منه.
● [ فصل ] ●
سعادة العارفينليس في الدنيا ولا في الآخرة أطيب عيشاً من العارفين بالله عز وجل، فإن العارف به مستأنس به في خلوته.
فإن عمت نعمة علم من أهداها، وإن مراً مذاقه في فيه، لمعرفته بالمبتلى.
وإن سأل فتعوق مقصوده، صار مراده ما جرى به القدر، علماً منه بالمصلحة بعد يقينه بالحكمة، وثقته بحسن التدبير.
وصفة العارف أن قلبه مراقب لمعروفه، قائم بين يديه، ناظر بعين اليقين إليه، فقد سرى من بركة معرفته إلى الجوارح ما هذبها.
فإن نطقت فلم أنطق بغيركم ... وإن سكت فأنتم عقد إضماري
إذا تسلط على العارف أذى أعرض نظره عن السبب، ولم ير سوى المسبب، فهو في أطيب عيش معه.
إن سكت تفكر في إقامة حقه، وإن نطق تكلم بما يرضيه، لا يسكن قلبه إلى زوجة ولا إلى ولد، ولا يتشبث بذيل محبة أحد.
وإنما يعاشر الخلق ببدنه، وروحه عند مالك روحه.
فهذا الذي لا هم عليه في الدنيا، ولا غم عنده وقت الرحيل عنها.
ولا وحشة له في القبر، ولا خوف عليه يوم المحشر.
فأما من عدم المعرفة فإنه معثر لا يزال يضج من البلاء لأنه يعرف المبتلى.
ويستوحش لفقد غرضه لأنه لا يعرف المصلحة.
ويستأنس بجنسه لأنه لا معرفة بينه وبين ربه.
ويخاف من الرحيل لأنه لا زاد له ولا معرفة بالطريق.
وكم من عالم وزاهد لم يرزقا من المعرفة إلا ما رزقه العامي البطال، وربما زاد عليهما.
وكم من عامي رزق منها ما لم يرزقاه مع اجتهادهما.
وإنما هي مواهب وأقسام. " ذلك فضل اللّه يؤتيه من يشاء " .
● [ فصل ] ●
حلاوة الكفاح في سبيل الحقبالله عليك يا مرفوع القدر بالتقوى لا تبع عزها بذل المعاصي.
وصابر عطش الهوى في هجير المشتهى وإن أمض وأرمض.
فإذا بلغت النهاية من الصبر فاحتكم وقل، فهو مقام من لو أقسم على الله لأبره.
تالله لولا صبر عمر ما انبسطت يده بضرب الأرض بالدرة.
ولولا جد أنس بن النضر في ترك هواه، وقد سمعت من آثار عزمته: لئن أشهدني الله مشهداً ليرين الله ما أصنع، فأقبل يوم أحد يقاتل حتى قتل فلم يعرف إلا ببنانه فلولا هذا العزم ما كان انبساط وجهه يوم حلف والله لا تكسر سن الربيع.
بالله عليك تذوق حلاوة الكف عن المنهى، فإنها شجرة تثمر عز الدنيا. وشرف الآخرة.
ومتى اشتد عطشك إلى ما تهوى، فابسط أنامل الرجاء إلى من عنده الري الكامل.
وقل قد عيل صبر الطبع في سنيه العجاف، فعجل لي العام والذي فيه أغاث وأعصر.
بالله عليك تفكر فيمن قطع أكثر العمر في التقوى والطاعة ثم عرضت له فتنة في الوقت الأخير، كيف نطح مركبه الجرف فغرق وقت الصعود.
أف والله للدنيا، لا بل للجنة إن أوجب نيلها إعراض الحبيب.
إنما نسب العامي باسمه واسم أبيه، فأما ذوو الأقدار فالألقاب قبل الأنساب.
قل لي: من أنت ؟ وما عملك ؟ وإلى أي مقام ارتفع قدرك ؟ يا من لا يصبر لحظة عما يشتهي.
بالله عليك أتدري من الرجل ؟.
الرجل والله من إذا خلا بما يحب من المحرم وقدر عليه وتقلل عطشاً إليه نظر إلى نظر الحق إليه فاستحى من إجالة همه فيما يكرهه، فذهب العطش.
كأنك لا تترك لنا إلا ما لا تشتهي، أو بما لا تصدق الشهوة فيه، أو ما لا تقدر عليه..
كذا والله عادتك إذا تصدقت أعطيت كسرة لا تصلح لك، أو في جماعة يمدحونك.
هيهات والله لا نلت ولايتنا حتى تكون معاملتك لنا خالصة. تبذل أطايبك. وتترك مشتهياتك، وتصبر على مكروهاتك.
علماً منك تدخر ثوابك لدينا إن كنت معاملاً بأنك أجير وما غربت الشمس.
فإن كنت محباً رأيت ذلك قليلاً في جنب رضى حبيبك عنك.
وما كلامنا مع الثالث.
● [ فصل ] ●
أسرار الحكمةرأيت في العقل نوع منازعة للتطلع إلى معرفة جميع حكم الحق عز وجل في حكمه.
وربما لم يبين له شيء منها - مثل النقض بعد البناء - فيقف متحيراً.
وربما انتهز الشيطان تلك الفرصة، فوسوس إليه: أين الحكمة من هذا ؟.
فقلت له احذر أن تخدع يا مسكين، إنه قد ثبت بالدليل القاطع فيما رأيت من إتقان الصنائع مبلغ حكمة الصانع، فإن خفي عليك بعض الحكم فلضعف إدراكك.
ثم ما زالت للملوك أسرار فمن أنت حتى تطلع بضعفك على جميع حكمه ؟.
يكفيك الجمل وإياك إياك أن تتعرض لما يخفى عليك.
فإنك بعض موضوعاته وذرة من مصنوعاته.
فكيف تتحكم على من صدرت عنه ؟.
ثم قد ثبتت عندك حكمته وحكمه وملكه فأعمل آلتك على قدر قوتك في مطالعة ما يمكن من الحكم، فإنه سيورثك الدهش.
وغمض عما يخفى عليك فحقيق بذي البصر الضعيف ألا يقاوي نور الشمس.
● [ فصل ] ●
سياسة النفسأعجب الأشياء مجاهدة النفس. لأنها تحتاج إلى صناعة عجيبة.
فإن أقواماً أطلقوها فيما تحب، فأوقعتهم فيما كرهوا.
وإن أقواماً بالغوا في خلافها حتى منعوها حقها، وظلموها.
وأثر ظلمهم لها في تعبداتهم فمنهم من أساء غذاءها فأثر ذلك ضعف بدنها عن إقامة واجبها.
ومنهم من أفردها في خلوة أثمرت الوحشة من الناس وآلت إلى ترك فرض أو فضل من عيادة مريض، أو بر والدة.
وإنما الحازم من تعلم منه نفسه الجد وحفظ الأصول. فإذا فسح لها في مباح لم تتجاسر أن تتعداه.
فيكون معها كالملك إذا مازح بعض جنده، فإنه لا ينبسط إليه الغلام. فإن انبسط ذكر هيبة المملكة.
فكذلك المحقق يعطيها حظها ويستوفي منها ما عليها.
● [ فصل ] ●
إضاعة الوقترأيت عموم الخلائق يدفعون الزمان دفعاً عجيباً.
إن طال الليل فبحديث لا ينفع، أو بقراءة كتاب فيه غزاة وسمر.
وإن طال النهار فبالنوم.
وهم في أطراف النهار على دجلة أو في الأسواق.
فشبهتهم بالمتحدثين في سفينة وهي تجري بهم، وما عندهم خبر.
ورأيت النادرين قد فهموا معنى الوجود، فهم في تعبئة الزاد والتأهب للرحيل.
إلا أنهم يتفاوتون وسبب تفاوتهم قلة العلم وكثرته بما ينفق في بلد الإقامة.
فالمتيقظون منهم يتطلعون إلى الأخبار بالنافق هناك، فيستكثرون منه فيزيد ربحهم.
والغافلون منهم يحملون ما اتفق، وربما خرجوا لا مع خفير.
فكم ممن قد قطعت عليه الطريق فبقي مفلساً.
فالله الله في مواسم العمل.
والبدار البدار قبل الفوات.
واستشهدوا العلم، واستدلوا الحكمة، ونافسوا الزمان، وناقشوا النفوس، واستظهروا بالزاد. فكأن قد حدا الحادي فلم يفهم صوته من وقع مع الندم.
● [ فصل ] ●
أنواع التخطيطأضر ما على المريض التخليط، وما من أحد إلا وهو مريض بالهوى، والحمية هي رأس الدواء.
والتخليط يديم المرض، وتخليط أرباب الآخرة على ضربين.
أحدهما: تخليط العلماء، وهو إما لمخالطة الأضداد كالسلاطين فإنهم يضعفون قوي يقينهم وكلما زادت المخالطة، يفقدون دليلهم عند المريدين.
والثاني: تخيط الزهاد، وقد يكون بمخالطة أرباب الدنيا، وقد يكون بحفظ الناموس في إظهار التخشع، لاجتلاب محبة العوام.
فالله الله فإن ناقد الجزاء بصير، والإخلاص في الباطن، والصدق في القلب.
ونعم طريق السلامة ستة الحال.
● [ فصل ] ●
العلماء العاملونلقيت مشايخ، أحوالهم مختلفة يتفاوتون في مقاديرهم في العلم.
وكان أنفعهم لي في صحبة العامل منهم بعلمه وإن كان غيره أعلم منه.
ولقيت جماعة من علماء الحديث يحفظون ويعرفون ولكنهم كانوا يتسامحون بغيبة يخرجونها مخرج جرح وتعديل، ويأخذون على قراءة الحديث أجرة، ويسرعون بالجواب لئلا ينكسر الجاه وإن وقع خطأ.
ولقيت عبد الوهاب الأنماطي فكان على قانون السلف لم يسمع في مجلسه غيبة، ولا كان يطلب أجراً على سماع الحديث، وكنت إذا قرأت عليه أحاديث الرقائق بكى واتصل بكاؤه.
فكان - وأنا صغير السن حينئذ - يعمل بكاؤه في قلبي، ويبني قواعد.
وكان على سمت المشايخ الذين سمعنا أوصافهم في النقل.
ولقيت الشيخ أبا منصور الجواليقي، فكان كثير الصمت، شديد التحري فيما يقول، متقناً محققاً.
وربما سئل الظاهرة التي يبادر بجوابها بعض غلمانه فيتوقف فيها حتى يتيقن.
وكان كثير الصوم والصمت فانتفعت برؤية هذين الرجلين أكثر من انتفاعي بغيرهما.
ففهمت من هذه الحالة أن الدليل بالفعل أرشد من الدليل بالقول.
ورأيت مشايخ كانت لهم خلوات في انبساط ومزاح، فراحوا عن القلوب وبدد تفريطهم ما جمعوا من العلم. فقل الانتفاع بهم في حياتهم، ونسوا بعد مماتهم، فلا يكاد أحد أن يلتفت إلى مصنفاتهم.
فالله الله في العلم بالعمل فإنه الأصل الأكبر.
والمسكين كل المسكين من ضاع عمره في علم لم يعمل به، ففاتته لذات الدنيا وخيرات الآخرة فقدم مفلساً مع قوة الحجة عليه.
● [ فصل ] ●
وأملي لهمسبحان الملك العظيم الذي من عرفه خافه، ومن أمن مركه قط ما عرفه.
لقد تأملت أمراً عظيماً أنه عز وجل يمهل حتى كأنه يهمل فترى أيدي العصاة مطلقة كأنه لا مانع.
فإذا زاد الانبساط ولم ترعو العقول أخذ أخذ جبار.
وإنما كان ذلك الإمهال ليبلو صبر الصابر، وليملي في الإمهال للظالم، فيثبت هذا على صبره، ويجزي هذا بقبيح فعله.
مع أن هنالك من الحلم في طي ذلك ما لا نعلمه.
فإذا أخذ أخذ عقوبة رأيت على كل غلطة تبعة.
وربما جمعت فضربت العاصي بالحجر الدامغ.
وربما خفي على الناس سبب عقوبته فقيل فلان من أهل الخير فما وجه ما جرى له ؟.
فيقول القدر: حدود لذنوب خفية صار استيفاؤها ظاهراً.
فسبحان من ظهر حتى لا خفاء به، واستتر حتى كأنه لا يعرف.
وأمهل حتى طمع في مسامحته، وناقش حتى تحيرت العقول من مؤاخذته، لا حول ولا قوة إلا بالله.
● [ فصل ] ●
سياسة النفستأملت العلم والميل إليه والتشاغل به، فإذا هو يقوي القلب قوة تميل به إلى نوع قساوة.
ولولا قوة القلب وطول الأمل لم يقع التشاغل به.
فإني أكتب الحديث أرجو أن أرويه، وأبتدىء بالتصنيف أرجو أن أتمه، فإذا تأملت باب المعاملات قل الأمل، ورق القلب، وجاءت الدموع، وطابت المناجاة، وغشيت السكينة، وصرت كأني في مقام المراقبة.
إلا أن العلم أفضل وأقوى حجة، وأعلى رتبة، وإن حدث منه ما شكوت منه.
والمعاملة وإن كثرت الفوائد التي أشرت إليها منها، فإنها قريبة إلى أحوال الجبان الكسلان، الذي قد اقتنع بصلاح نفسه عن هداية غيره، وانفرد بعزلته عن اجتذاب الخلق إلى ربهم.
فالصواب العكوف على العلم مع تلذيع النفس بأسباب المرققات تلذيعاً لا يقدح في كمال التشاغل بالعلم.
فإني لأكره لنفسي من جهة ضعف قلبي ورقته أن أكثر زيارة القبور، وأن أحضر المحتضرين؛ لأن ذلك يؤثر في فكري، ويخرجني من حيز المتشاغلين بالعلم إلى مقام الفكر في الموت، ولا أنتفع بنفسي مدة.
وفصل الخطاب في هذا أنه ينبغي أن يقاوم المرض بضده.
فمن كان قلبه قاسياً شديد القسوة، وليس عنده من المراقبة ما يكفه عن الخطأ قاوم ذلك بذكر الموت ومحاضرة المحتضرين.
فأما من قلبه شديد الرقة فيكفيه ما به، بل ينبغي له أن يتشاغل بما ينسيه ذلك لينتفع بعيشه، وليفهم ما يفتي به.
وقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم يمزح ويسابق عائشة رضي الله عنها، ويتلطف بنفسه؛ فمن سار سيرته عليه الصلاة والسلام فهم من مضمونها ما قلته من ضرورة التلطف بالنفس.
● [ فصل ] ●
ساعة الاحتضارمن أظرف الأشياء إفاقة المحتضر عند موته، فإنه ينتبه انتباهاً لا يوصف، ويقلق قلقاً لا يحد، ويتلهف على زمانه الماضي.
ويود لو ترك كي يتدارك ما فاته ويصدق في توبته على مقدار يقينه بالموت، ويكاد يقتل نفسه قبل موتها بالأسف.
ولو وجدت ذرة من تلك الأحوال في أوان العافية حصل كل مقصود من العمل بالتقوى.
فالعاقل من مثل تلك الساعة وعمل بمقتضى ذلك.
فإن لم يتهيأ تصوير ذلك على حقيقته تخايله على قدر يقظته.
فإنه يكف كف الهوى ويبعث على الجد.
فأما من كانت تلك الساعة نصب عينيه كان كالأسير لها.
كما روي عن حبيب العجمي أنه كان إذا أصبح يقول لامرأته: إذا مت اليوم ففلان يغسلني، وفلان يحملني.
وقال معروف لرجل صل بنا الظهر، فقال: إن صليت بكم الظهر لم أصل بكم العصر، فقال: وكأنك تؤمل أن تعيش إلى العصر، نعوذ بالله من طول الأمل.
وذكر رجل رجلاً بين يديه بغيبة، فجعل معروف يقول له: اذكر القطن إذا وضعوه على عينيك.
● [ فصل ] ●
أهل الإشارةربما أخذ المتيقظ بيت شعر فأخذ منه إشارة فانتفع بها.
قال الجنيد: ناولني سري رقعة مكتوب فيها سمعت حادياً في طريق مكة شرفها الله تعالى يقول:
أبكي وما يدريك ما يبكيني ... أبكي حذاراً أن تفارقيني
وتقطعي حبلي وتهجريني
فانظر رحمك الله ووفقك، إلى تأثير هذه الأبيات عند سري حتى أحب أن يطلع منها الجنيد على ما اطلع عليه، ولم يصلح للاطلاع على مثلها إلا الجنيد.
فإن أقواماً فيهم كثافة طبع، وخشونة فهم.
قال بعضهم لما سمع مثل هذه. إلام يشار بهذه ؟.
إن كان الحق؛ فالحق عز وجل لا يشار إليه بلفظ تأنيث.
وإن كان إلى امرأة فأين الزهد ؟.
ولعمري إن هذا حدآء أهل الغفلة إذا سمعوا مثل هذا، ولذلك ينهى عن سماع القصائد وأقوال أهل الغناء، لأن الغالب حمل تلك الأبيات على مقاصد النفس، وغلبات الهوى.
ومن أين لنا مثل الجنيد وسري ؟.
وإذا وجدنا مثلهما فهما خبيران بما يسمعان.
وأما اعتراض هذا الكثيف الطبع فالجواب: أن سرياً لم يأخذ الإشارة من اللفظ، ولم يقس ذلك على مطلوبه فيصيره تأنيثاً أو تذكيراً.
وإنما أخذ الإشارة من المعنى؛ فكأنه يخاطب حبيبه بمعنى الأبيات، فيقول: أبكي حذاراً من إعراضك وإبعادك. فهذا الحاصل له.
وما التفت قط إلى تذكير ولا إلى لفظ تأنيث فافهم هذا.
وما زال المتيقظون يأخذون الإشارة من مثل هذا حتى كانوا يأخذونها من هذا الذي تقوله العامة ويلقبونه بكان وكان.
فرأيت بخط ابن عقيل عن بعض مشايخه الكبار أنه سمع امرأة تنشد:
غسلت له طول الليل ... فركت له طول النهار
خرج يعاين غيري ... زلق وقع في الطين
فأخذ من ذلك إشارة معناها: يا عبدي إني حسنت خلقك، وأصلحت شأنك، وقومت بنيتك، فأقبلت على غيري، فانظر عواقب خلافك لي.
وقال ابن عقيل: وسمعت امرأة تقول: من هذا لكان. وكانت كلمة بقيت في قلقها مدة:
كم كنت بالله أقول لك ... لذا التواني غائله
وللقبيح خميرة ... تبين بعد قليل
قال ابن عقيل: فما أوقعه من تخجيل على إهمالنا لأمور غداً تبين خمايرها بين يدي الله تعالى.
● [ فصل ] ●
حساب الورعينأمكنني تحصيل شيء من الدنيا بنوع من أنواع الرخص.
فكنت كلما حصل شيء منه فاتني من قلبي شيء، وكلما استنارت لي طريق التحصيل، تجدد في قلبي ظلمة.
فقلت يا نفس السوء - الإثم حواز القلوب - وقد قال استفت قلبك فلا خير في الدنيا كلها إذا كان في القلب من تحصيلها شيء أوجب نوع كدر.
وإن الجنة لو حصلت بسبب يقدح في الدين أو في المعاملة ما لذت، والنوم على المزابل مع سلامة القلب من الكدر ألذ من تكآت الملوك.
وما زلت أغلب نفسي تارة وتغلبني أخرى، ثم تدعى الحاجة إلى تحصيل ما لا بد لها منه. وتقول: فما أتعدى في الكسب المباح في الظاهر.
فقلت لها: أوليس الورع يمنع من هذا ؟ قالت: بلى.
قلت: أليست القوة في القلب تحصل به ؟ قالت: بلى.
قلت: فلا خير لك في شيء هذا ثمرته.
فخلوت يوماً بنفسي فقلت لها: ويحك اسمعي أحدثك.
إن جمعت شيئاً من الدنيا من وجه فيه شبهة أفأنت على يقين من إنفاقه ؟ قالت: لا.
قلت: فالمحنة أن يحظى به الغير ولا تنالين إلا الكدر العاجل، والوزر الذي لا يؤمن.
ويحك اتركي هذا الذي يمنع منه الورع لأجل الله فعامليه بتركه.
وكأنك لا تريدين أن لا تتركي إلا ما هو محرم فقط أو ما لا يصح وجهه.
أو ما سمعت أن من ترك شيئاً لله عوضه لله خيراً منه ؟.
أما لك عبرة في أقوام جمعوا فحازه سواهم، وأملوا فما بلغوا مناهم ؟.
كم من عالم جمع كتباً كثيرة ما انتفع بها.
وكم من منتفع ما عنده عشرة أجزاء، وكم من طيب العيش لا يملك دينارين.
وكن من ذي قناطير منغص.
أما لك فطنة تتلمح أحوال من يترخص من وجه فيسلب منه من أوجه ؟.
ربما نزل المرض بصاحب الدار أو ببعض من فيها فأنفق في سنته أضعاف ما ترخص في كسبه، والمتقي معافى.
فضجت النفس من لومي وقالت: إذا لم أتعد واجب الشرع فما الذي تريد مني ؟.
فقلت: لها أضن بك عن الغبن وأنت أعرف بباطن أمرك.
قالت: فقل لي ما أصنع. قلت: عليك بالمراقبة لمن يراك، ومثلي نفسك بحضرة معظم من الخلق فإنك بين يدي الملك الأعظم يرى من باطنك ما لا يراه المعظمون من ظاهرك.
فخذي بالأحوط، واحذري من الترخص في بيع اليقين، والتقوى بعاجل الهوى.
فإن ضاق الطبع مما تلقين فقولي له: مهلاً، فما انقضت مدة الإشارة، والله مرشدك إلى التحقيق، ومعينك بالتوفيق.
● [ فصل ] ●
جزاء الفسوقما زلت أسمع عن جماعة من الأكابر وأرباب المناصب إنهم يشربون الخمور ويفسقون ويظلمون، ويفعلون أشياء توجب الحدود.
فبقيت أتفكر أقول متى يثبت على مثل هؤلاء ما يوجب حداً ؟ ولو ثبت فمن يقيمه ؟.
وأستبعد هذا في العادة لأنهم في مقام احترام لأجل مناصبهم.
فبقيت أتفكر في تعطيل الحد الواجب عليهم، حتى رأيناهم قد نكبوا وأخذوا مرات، ومرت عليهم العجائب.
فقوبل ظلمهم بأخذ أموالهم، وأخذت منهم الحدود مضاعفة بعد الحبس الطويل، والقيد الثقيل، والذل العظيم.
وفيهم من قتل بعد ملاقاة كل شدة، فعلمت أنه ما يهمل شيء، فالحذر الحذر فإن العقوبة بالمرصاد.
● [ فصل ] ●
الغنى من العافيةاجتهاد العاقل فيما يصلحه لازم له بمقتضى العقل والشرع.
فمن ذلك حفظ ماله، وطلب تنميته والرغبة في زيادته، لأنه سبب بقاء الإنسان ماله فقد نهى عن التبذير فيه، فقيل له: " ولا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أموالَكم " فاعلم أنه سبب لبقائه: " التي جَعَلَ اللّه لكمُ قِيَاماً " أي قواماً لمعاشكم.
وقال عز وجل: " ولا تَبْسُطها كلَّ البسطِ " ، وقال تعالى: " ولا تبذِّرْ تبذيراً " وقال تعالى: " لَمْ يُسرفوا ولَمْ يَقتُرُوا وكان بين ذلك قواماً " .
ومن فضيلة المال أن الله تعالى قال: " مَنْ ذَا الذِي يُقرِضُ اللَّهَ قَرْضاَ حسناً " . وقال تعالى: " وأنفقوا في سبيل اللّه " وقال تعالى: " ينفقون أموالهم " وقال تعالى: " لا يَستوِي منكم من أنفقَ مِنْ قبل الفَتح " ، وجعل المال نعمة، وزكاته تطهيراً، فقال تعالى: " خُذْ مِنْ أموَالِهِمْ صَدقَةَ تُطهرُهُمْ وتزكيهمْ بهَا " .
وقال صلى الله عليه وسلم: نعم المال الصالح للرجل الصالح، وقال: ما نفعني مال كمال أبي بكر.
وكان أبو بكر رضي الله عنه يخرج إلى التجارة ويترك رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا ينهاه عن ذلك.
وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: لأن أموت بين شعبتي جبل أطلب كفاف وجهي أحب إلي من أن أموت غازياً في سبيل الله.
وكان جماعة من الصحابة رضي الله عنهم يتجرون، ومن سادات التابعين سعيد ابن المسيب. مات وخلف مالاً، وكان يحتكر الزيت - أي ينفرد ببيعه - .
وما زال السلف على هذا ثم قد تعرض نوائب كالمرض يحتاج فيها إلى شيء من المال فلا يجد الإنسان بداً من الاضطراب في طلبته، فيبذل عرضه أو دينه.
ثم للنفس قوة بدنية عند وجود المال، وهو معدود عند الأطباء من الأدوية.
وتلك حكمة وضعها الواضع.
وإنما نبغ أقوام طلبوا طريق الراحة فادعوا أنهم متوكلة وقالوا: نحن لا نمسك شيئاً. ولا نتزود لسفر، ورزق الأبدان يأتي.
وهذا على مضادة الشرع، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن إضاعة المال.
وموسى عليه السلام لما سافر في طلب الخضر تزود.
ونبينا صلى الله عليه وسلم لما هاجر تزود، وأبلغ من هذا قوله تعالى: " وَتَزَوَّدُوا فإن خيرَ الزاد التقوَى " .
ثم يدعي هؤلاء المتصوفة بغض الدنيا، فلا يفهمون ما الذي ينبغي أن يبغض.
ويرون زيادة الطلب للمال حرصاً وشرهاً.
وفي الجملة إنما اخترعوا بآرائهم طريقاً فيها شيء من الرهبانية إذا صدقوا.
وشيء من البهرجة إذا نصبوا شباك الصيد بالتزهد فسموا ما يصل إليهم من الأرزاق فتوحاً.
قال ابن قتيبة في غريب الحديث عند شرح قوله صلى الله عليه وسلم: واليد العليا.
قال: هي المعطية.
قال فالعجب عندي من قوم يقولون هي الآخذة.
ولا أرى هؤلاء القوم إلا قوماً استطابوا السؤال، فهم يحتجون للدناءة.
فأما الشرائع فأنها بريئة من حالهم، وفي الحديث: ضاق البلد بمواشي إبراهيم ولوط عليهما السلام فافترقا.
وكان شعيب عليه السلام كثير المال. ثم قد ند طمعه في زيادة الأجر من موسى عليه السلام فقال: " فإنْ أتممتَ عشراً فمنْ عندِك " .
وكان ابن عقيل رحمه الله يقول: من قال إني لا أحب الدنيا فهو كذاب.
فإن يعقوب عليه السلام لما طلب منه ابنه يامين قال: " هَلْ آمنكُم عليهِ " . فقالوا: " وتزدَادُ كيْلَ بعِير " ؛ فقال: خذوه.
وقال بعض السلف: من ادعى بغض الدنيا فهو عندي كذاب إلى أن يثبت صدقه، فإذا ثبت صدقه فهو مجنون.
وقد نفر جماعة من المتصوفة خلقاً من الخلق عن الكسب، وأوحشوا بينهم وبينه، وهو دأب الأنبياء والصالحين.
وإنما طلبوا طريق الراحة وجلسوا على الفتوح.
فإذا شبعوا رقصوا؛ فإذا انهضم الطعام أكلوا.
فإذا لاحت لهم حيلة على غني أوجبوا عليه دعوة، إما بسبب شكر أو بسبب استغفار.
وأطم الطامات ادعاؤهم أن هذا قربة.
وقد انعقد إجماع العلماء أن من ادعى الرقص قربة إلى الله تعالى كفر.
فلو أنهم قالوا مباح كان أقرب حالاً، وهذا لأن القرب لا تعرف إلا بالشرع، وليس في الشرع أمر بالرقص ولا ندب إليه.
ولقد بلغني عن جماعة منهم أنهم كانوا يوقدون الشمع في وجوه المردان وينظرون إليهم، فإذا سئلوا عن ذلك سخروا بالسائل فقالوا: نعتبر بخلق الله !!!.
أفتراهم أقوى من النبي صلى الله عليه وسلم حين أجلس الشاب الذي وفد عليه من وراء ظهره وقال: وهل كانت فتنة داود إلا من النظر ؟.
هيهات ! لقد تملك الشيطان تلك الأزمة فقادها إلى ما أراد.
والعجب ممن يذم الدنيا وهو يأكل فيشبع، ولا ينظر من أين المطعم.
وما زال صالحوا السلف يفتشون على المطعم حتى كان إبراهيم بن أدهم يسهر هو وأصحابه ويقولون مع من نعمل غداً.
وكان سري السقطي يعرف بطيب الغذاء، وله في الورع مقامات، فجاء قوم يتسمون بالصوفية يدعون أتباع أولئك السادة، ويأكلون من مال فلان، وهم يعرفون أصول تلك الأموال، ويقولون رزقنا.
فواعجباً إذا كان الآكل لا يبالي به من أين، ولا لديه امتناع من شهوة ولا تقلل، ولا يخلو الرباط من المطبخ، ولا ينقطع ليلة، وأصله من مال قد عرق من أين هو والحمام دائر والمغني يدق بدف فيه جلاجل ورفيقه بالشبابة، وسعدى وليلى في الإنشاد، والمردان في الشمع، ثم يذم الدنيا بعد هذا.
فقولوا لنا: من يتلهى بالناس إلا هؤلاء ؟ ولكن من مرت عليه زرجتهم فإنهم أخس منهم.
● [ فصل ] ●
عجائب الكونعرض لي في طريق الحج خوف من العرب فسرنا على طريق خيبر، فرأيت من الجبال الهائلة والطرق العجيبة ما أذهلني، وزادت عظمة الخالق عز وجل في صدري، فصار يعرض لي عند ذكر تلك الطرق نوع تعظيم لا أجده عند ذكر غيرها.
فصحت بالنفس: ويحك اعبري إلى البحر وانظري إليه وإلى عجائبه بعين الفكر، تشاهدي أهوالاً هي أعظم من هذه، ثم اخرجي عن الكون والتفتي إليه فإنك ترينه بالإضافة إلى السموات والأفلاك كذرة في فلاة.
ثم جولي في الأفلاك وطوفي حول العرش وتلمحي ما في الجنان والنيران.
ثم اخرجي عن الكل والتفتي إليه، فإن تشاهدين العالم في قبضة القادر الذي لا تقف قدرته عند حد.
ثم التفتي إليك فتلمحي بدايتك ونهايتك، وتفكري فيما قبل البداية، وليس إلا العدم، وفيما بعد البلى وليس إلا التراب.
فكيف يأنس بهذا الوجود من نظر بعين فكره المبدأ والمنتهى ؟.
وكيف يغفل فعل القلوب عن ذكر هذا الإله العظيم ؟.
بالله لو صحت النفوس عن سكر هواها لذابت من خوفه، أو لغابت في حبه.
غير أن الحس غلب فعظمت قدرة الخالق عند رؤية جبل، وإن الفطنة لو تلمحت المعاني لدلت القدرة عليه أو في من دليل الجبل.
سبحان من شغل أكثر الخلق بما هم فيه عما خلقوا له، سبحانه.
التذلل إلى الله تعالى
الثرثرة بالنعم
تتابع العثرات
ثمرة التقوى
الاستكانة للمعصية
زهد يهدم الدين والدنيا
نهاية العصاة
هذه ليست صغائر
كيف تدعو وماذا تبغي
غرور المتعبدين
الإعداد للنهاية باليقين
سعادة العارفين
حلاوة الكفاح في سبيل الحق
أسرار الحكمة
سياسة النفس
إضاعة الوقت
أنواع التخطيط
العلماء العاملون
وأملي لهم
سياسة النفس
ساعة الاحتضار
أهل الإشارة
حساب الورعين
جزاء الفسوق
الغنى من العافية
عجائب الكون