منتدى نافذة ثقافية

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

    القسم الثاني: تشريح الأعضاء الآلية [ الفصول من 10 الى 11 ]

    بص وطل
    بص وطل
    Admin


    عدد المساهمات : 2283
    تاريخ التسجيل : 29/04/2014

    القسم الثاني: تشريح الأعضاء الآلية [ الفصول من 10 الى 11 ] Empty القسم الثاني: تشريح الأعضاء الآلية [ الفصول من 10 الى 11 ]

    مُساهمة من طرف بص وطل الأربعاء ديسمبر 14, 2016 4:45 pm

    القسم الثاني: تشريح الأعضاء الآلية [ الفصول من 10 الى 11 ] Nafes10

    بّسم الله الرّحمن الرّحيم
    شرح تشريح القانون لإبن سينا
    تأليف : إبن النفيس
    تابع القسم الثاني : تشريح الأعضاء الآلية
    القسم الثاني: تشريح الأعضاء الآلية [ الفصول من 10 الى 11 ] 1410
    ● [ فصل ] ●
    تشريح المريء والمعدة

    إن الحيوان يخالف النبات في أمر الغذاء من وجوه المحتاج إلى ذكره ها هنا وجهان: أحدهما: أن الحيوان ليس يتناول الغذاء دائماً، فإنه يشتغل عنه بالنوم وبتحصيل مادة الغذاء ونحو ذلك. وثانيهما: أنه يتناول الغذاء بالإرادة وبالشهوة، ولا يقتصر على ما هو في نفس الأمر النافع بل على ما تدعو إليه الشهوة. ولا كذلك في النبات فإنه دائماً يجتذب الغذاء من الأرض، وإن كان هذا الجذب قد يضعف في بعض الأزمان كما في الشتاء. فإن النبات في الشتاء يقل جذبه للغذاء إنما هو بالطبع، وبالجذب الطبيعي، وأما دوام التحلل فهو مشترك بين الحيوان والنبات. ولما كان التحلل في الحيوان دائماً وورود الغذاء ليس دائماً فلا بد من أن يكون في أبدان الحيوان مادة معدة لتغذيته أو لاً فأولا حتى لا تجف أعضاؤه إلا أن يرد الغذاء إليه من خارج، وهذه المادة لا بد أن تكون صالحة لتغذية أعضاء الحيوان، وإنما يكون كذلك إذا كانت مركبة فإن الأجسام البسيطة لا يمكن أن تغذوا لأعضاء، ولا أن يتكون منها عضو أو جزء عضو لذلك لا بد من أن تكون هذه المادة جسماً مركباً، ولا بد من أن يكون مع ذلك ذا رطوبة يسهل انفعالها واستحالتها إلى جواهر الأعضاء. ولا بد من أن يكون مع ذلك سيالة حتى يتمكن من التحرك إلى كل واحد من الأعضاء الملاقية، فيتمكن ذلك العضو من إحالتها إلى طبيعته، وهذه المادة هي الأخلاط، فإذاً لا بد من أن يكون في أبدان الحيوان أخلاط. لكن هذه الأخلاط تقل في بعض الحيوان كما في السمك ويكثر في بعضها كما في الإنسان والفرس ونحو ذلك. والأخلاط لا يمكن أن تكون حاصلة في بدن الحيوان من أو ل زمان الخلقة إلى أن يفسد من غير أن تكون مستمدة من أجسام أخر يرد إليها من خارج فإن بدن الحيوان عند أو ل الخلقة لا يمكنه أن يتسع لما يكفي في تغذيته زماناً فيه تتم خلقته، فإن بدنه حينئذٍ يكون لا محالة أصغر من ذلك بكثير فكيف تكون فيه ما يكفي لهذه التغذية مدة عمر الحيوان، فلذلك لا بد من أن تكون هذه الأخلاط تستمد من أجسام أخر ترد إليها من خارج وتستحيل طبيعته إلى طبيعة تلك الأخلاط فإن من المستحيل أن يوجد في خارج البدن أخلاط حاصلة بالفعل حتى يمكن ورودها إلى أبدان الحيوانات، ويكون منها أخلاط بدون أن تستحيل على حالها التي هي عليها وهي في خارج البدن، فلا بد من أجسام أخر ترد إلى أبدان الحيوانات وتستحيل فيها إلى مشابهة المادة المعدة لتغذيتها، وتلك الأجسام تسمى أيضاً أغذية. وهي مثل الخبز واللحم والطعام للإنسان ولا بد أن تكون لهذه الأجسام التي تسمى أغذية في بدن الإنسان ونحوه عضو يحيلها إلى طبائع الأخلاط وذلك العضو هو الذي نسميه الكبد، وسندل على ذلك إذا بلغنا إلى تشريح الكبد. وهذه الكبد سنبين أن جذبها للغذاء لا بد أن يكون طبيعياً والجذب الطبيعي إنما يكون لما هو نافع موافق للغرض الطبيعي، وأخذ الحيوان الأجسام التي تسمى أغذية كما قلناه هو بالإرادة وبالشهوة وذلك ما لا يشترط فيه أن يكون في نفس الأمر موافقاً، فلذلك إذا أخذت الكبد منه النافع الموافق فلا بد أن يبقى منه ما ليس بموافق ولا نافع غير منجذب إلى الكبد. وهذا الشيء إن بقي في البدن دائماً فسد وأفسد الأخلاط وغيرها. فلا بد من أندفاعه وخروجه من البدن، وإنما يمكن ذلك بعد تمييزه عن الطبيعي والنافع. وإنما يمكن ذلك بعد أن يفعل فيه عضو آخر فيحيله إلى حالة يتمكن الكبد من جذب النافع منه دون غيره، وذلك العضو هو المعدة فإذا لا بد في اغتذاء الإنسان ونحوه من أن يكون له معدة يهضم الأجسام التي تسمى أغذية فتحيلها إلى حالة يتمكن الكبد بسببها من تخليص موافقها من غيره فتجتذب ذلك الموافق وتخطي من غيره فيحتاج إلى دفعه، وهذه المعدة لا يمكن أن تكون موضوعة عند الفم حتى يمكن أن ترد إليها الأجسام الغذائية من الفم من غير توسط يقبلها من الفم ويؤديها إلى المعدة. وذلك لأن المعدة لو كانت موضوعة هناك لكانت الكبد إذا أخذت النافع من تلك الأجسام احتاجت المعدة إلى دفع ما يبقى من الفضلات إلى أسفل لتخرج من مخارج الفضول التي بينا مراراً أنها لا بد من أن تكون في جهة مقابلة لجهة مورد الغذاء فلذلك لا بد من أن يكون في أسفل البدن فكانت تلك الفضول في اندفاعها لا بد من أن تمر على القلب إذ قد بينا أنه لا بد من أن يكون موضوعاً في الصدر، وكان يلزم ذلك
    شدة تضرره وتضرر أرواحه بقذارات تلك الفضول، فلذلك ليس يمكن أن تكون المعدة موضوعة في موضع أعلى من القلب ولا يمكن أن تكون معه في الصدر وإلا كان القلب يتضرر بما يلزم من فعلها من الأبخرة والأدخنة لأنها كالمطبخ للغذاء، فلذلك لا بد من أن تكون موضوعة تحت الصدر وذلك في الجوف الأسفل. وإذا كانت المعدة موضوعة تحت الصدر هناك فصول الأجسام الغذائية إليها من الفم لا بد من أن يكون في وعاء يتصل بالحلق وبالمعدة حتى يمكن تأدية الأجسام الغذائية إليها من هناك إلى المعدة، وهذا الوعاء هو الذي يسمى بالمريء، فلذلك لا بد في تغذية الإنسان ونحوه من معدة ومريء. فلنتكلم الآن في تشريح كل واحد من هذين، بعون الله وتوفيقه، ونجعل الكلام في ذلك مشتملاً على ستة مباحث.

    ● [ البحث الأول ] ●
    تشريح المريء

    قال الشيخ الرئيس رحمة الله عليه أما المريء فهو مؤلف من لحم وطبقات غشائية ... إلى قوله: ثم يستعرض بعد النفوذ في تبسط متوسعاً متصوراً فماً للمعدة.
    الشرح
    إذا عرض مرض يلزمه تألم فم المعدة، فإنا نحس الوجع عند آخر عظام القص من أسفل. وذلك خلف الغضروف المسمى بالخنجري وكذلك إذا عرض خفقان معدي، فإنا نجده يجذب خلف هذا الغضروف ونحس به تحت القص، وكذلك إذا انصب إلى فم المعدة مادة حارة صفراوية كما يعرض كثيراً للصائمين في الصيف. وكذلك عند الإفراط في إخراج الدم في الفصد ونحوه فإنا نحس لذع تلك المادة عند آخر عظام القص، وكذلك إذا كثر انصباب السوداء إلى فم المعدة خاصة إذا كانت السوداء رديئة كما في كثير من أصحاب المراقيا فإنا نحس حينئذٍ لذع تلك السوداء عند آخر عظام القص وكذلك إذا حدث للطعام الكثير التخمة ونحوها فساد يحدث اللذع، فإنا نحس حينئذٍ ذلك اللذع عند آخر هذا الموضع. أعني عند آخر عظام القص من أسفل، وجميع هذا مما يوجب أن يكون فم المعدة هو في ذلك الموضع فلذلك فغن المشهور أن من جملة منافع الغضروف المعروف بالخنجري أنه وقاية لفم المعدة، وإذا كان كذلك إنما اشتهر بين الأطباء من أن المريء ينتهي عند الفقرة الثانية عشرة من فقرات الظهر، وأنه هناك يخرق الحجاب ويتسع ليكون منه فم المعدة، ظاهر أنه حديث باطل.
    فإن هذه الفقرة هي آخر فقار الظهر، ويتصل بفقار القطن، ويتصل بها الضلع الذي هو أقصر أضلاع الخلف. وهو الضلع الآخر، وهذا الموضع لا شك أنه أنزل من الموضع المذكور، وهو عند آخر عظام القص بكثير ثم من المعلوم أن المعدة لا يمكن أن تكون عند فقار القطن فإن ذلك الموضع هو موضع الكلى والرحم، وكيف يمكن أن تكون المعدة هناك، وكثير من المعاء خاصة الدقاق موضع فوق السرة.
    وقد عرفنا أن جميع المعاء موضوعة تحت المعدة ولو كانت المعدة عند القطن فالموضع الذي أعلاه عند آخر عظام القطن وأسفله عند محاذاة عظام القطن الذي يكون فيه من الأعضاء والمعلوم أن الكبد يشتمل على الجانب الأيمن من المعدة والطحال موضوع عند جانبها الأيسر، وأنزل من موضع الكبد ومع ذلك فإنا نحس الطحال عند الشراسيف اليسرى والكبد عند الشراسيف اليمنى يظهر ذلك إذا حدث لهذين العضوين ورم خاصة في الجانب المحدب، وهذا إنما يمكن إذا كان وضع المعدة فوق السرة فيما بين الجانبين ومن هذا يعرف أن ما قالوه في موضع انتهاء المريء وابتداء المعدة كاذب قبيح وذلك لأنهم يجعلون ذلك عند الفقرة الثانية عشرة، وذلك إذا كانت المعدة تبتدئ يلزم ذلك أن تكون موضوعة في اسفل البطن. ويكون أكثر الأمعاء فوقها.
    وذلك لا محالة كذب محال.
    والمريء كالجزء من المعدة لأنه يفعل فعلها في أخذ الغذاء وهضمه وأخذه للغذاء وهو بجذبه له بما فيه من الليف الطولي ويدفع ذلك المجذوب إلى أسفل فيعان ذلك بجذب الأجزاء السفلية، وهذا الدفع هو بالليف المستعرض وليس المراد أن جذبه ودفعه إنما بهذين الليفين فقط بل وبما فيه من الجذب والدفع الطبيعيين كما في جذب حجر مغناطيس الحديد، وأما جذبه ودفعه بالليف فقد بينا أن ذلك إنما يكون بفعل إرادي. ولكن الإرادة ها هنا من الإرادات الطبيعية كما بيناه فيما سلف. وإنما احتيج إلى هاتين القوتين أعني الإرادية والطبيعية ليتعاضدا على الجذب والدفع فيكون هذا الفعلان في المريء قويين وإنما احتيج إلى قوتهما فيه مع أن حركة الثقيل إلى أسفل سهلة، وذلك لأن نفوذ المريء إلى أسفل ليس على الاستقامة بل مع انحراف، قد بينا وجوبه حيث تكلمنا في تشريح الشرايين خاصة والمجذوب به والمدفوع لم يتصغر بعد أجزاؤه تصغيراً تاماً حتى يسهل نفوذه في المجرى مع ضيقه ولذلك فإن الغصص يقع كثيراً مع وجود هذه القوى في المريء، وإنما يهضم المريء للغذاء بما فيه من الأجزاء اللحمية فإن ذلك اللحم بحرارته يعين على الهضم الذي يتم بالطبخ، وأما الذي يكون بإحالة الصورة النوعية للمادة إلى مشابهة جوهرها، فلذلك مما لا يحتاج فيه إلى حرارة. وإنما خلق المريء كذلك لأنه جزء من المعدة، والمعدة تفعل أفعالها بهذه الأجزاء أعني أنها تهضم باللحمية وتجذب وتدفع بما فيها من الليف، وبما فيها من القوى الطبيعية، وكذلك يجب أن يكون المريء.
    والله ولي التوفيق.

    ● [ البحث الثاني ] ●
    تشريح المعدة

    قال الشيخ الرئيس رحمة الله عليه وبعد المريء جرم المعدة المنفتح ... إلى قوله: وأحسنهما المقابل لهما للطحال هذا.
    الشرح
    إن المريء لما كان فعله يشابه فعل المعدة، وذلك هو جذب الغذاء وإحالته ليتهيأ لفعل الكبد فيه، لا جرم خلق جرمه مشابهاً لجرم المعدة إذ يحتاج كما تحتاج المعدة إلى سطح حساس باطن وسطح لحمي خارج فلذلك كأنه جزء من المعدة، ولا كذلك الأمعاء فإن فعلها أن يخزن الغذاء فيها مدة أخذ الكبد منه صفاوته وخالصته ثم يندفع الباقي ولذلك فعلها يباين فعل المعدة فلذلك جوهرها غير شبيه بجوهر المعدة فلذلك الأمعاء كالشيء القريب عن المعدة لكنها متصلة به من أسفل ويجب أن يكون المريء أو سع تجويفاً من أو ل الأمعاء لأن المعاء الأول إنما يحتوي على الغذاء بعد أن رق وسال ولا كذلك المريء فإن الغذاء ينفذ فيه، وهو باق على تكاتفه ويبوسته فيحتاج أن يكون تجويفه أو سع كثيراً من تجاويف الأمعاء الأولى وأما الأمعاء السفلى فإن تجاويفها قد لا ينقص عن سعة تجويف المريء وذلك لأن هذه الأمعاء يكثر فيها اجتماع ثفل الغذاء وأرضيته وكثيراً ما يعرض لذلك الثفل أن يخف ويجتمع منه مقدار كثير، فلذلك يحتاج أن تكون تجاويف هذه الأمعاء أو سع كثيراً من تجاويف تلك الأمعاء العليا، وكذلك بطانة المريء أكثف وأغلظ كثيراً من بطانة الأمعاء العليا لأن ما ينفذ في هذه الأمعاء من الغذاء يكون قد لان وسال ولم يحدث له بعد تكاثف ولا كذلك الأمعاء السفلى، فإن بطانتها تحتاج أن تكون كثيفة لتقوى على تمديد الثفل اليابس ونحوه.
    وأما المعدة فبطانتها كالمتوسطة بين بطانتي المريء والأمعاء العليا وذلك لأن الغذاء في المعدة لا شك أنه ألين مما يكون وهو بعد في المريء وأما الذي في الأمعاء الأولى فإنه لا يكون إلا ليناً سيالاً فلذلك كانت بطانة المعدة كالمتوسطة بين بطانتي المعدة والأمعاء العليا، ولعل بطانة المعدة مع ذلك ألين من بطانة المعاء الغلاظ. فإن هذه الأمعاء تحتاج أن تقوى على تمديد ما يبس فيها من الثقل ويغلظ جداً.
    قوله: وألينها عند فم المعدة إنما كانت بطانة المعدة عند فمها ألين لأن هذا الموضع منها يحتاج أن يكون حسه قوياً ليشتد إدراكه للجوع وإنما يكون كذلك إذا كان جرمه إلى لين ليكون أقبل للانفعال الذي به الحس.
    قوله: أكثر لحمية مما للمعدة إنما كان كذلك لأن المعدة مع حاجتها إلى قوة الهضم فإنها محتاجة إلى قوة الحس فلذلك احتيج أن يكون جرمها اقرب إلى الاعتدال فلذلك لم يحتج إلى تكثير اللحم فيها خاصة والسخونة المعينة على هضمها يتوجه إليها كثيراً من مجاورتها من الأعضاء ولا كذلك المريء فإنه مع حاجته إلى قوة الهضم غير محتاج إلى قوة الحس لأن الغذاء ينهضم فيه في زمان قصير جداً وذلك في مدة نفوذه في تجويفه ولا كذلك المعدة فإن الغذاء يبقى فيها زمناً طويلاً حتى ينهضم فلذلك احتيج أن يكون هضم المريء قوياً ومع ذلك هو غير محتاج إلى قوة الحس بل يلزمه لأجل زيادة تضرره بلذع الأغذية اللذاعة ونحوها ومع ذلك فليس له من خارج معين على تقوية حرارته الهاضمة إلا بما يقرب منه من القلب وأما غير ذلك من أجزائه فإن أكثر الأعضاء المجاورة له باردة وإلى يبوسة فلذلك احتيج أن يكون الجوهر اللحمي في المريء إذا قيس إلى باقي جرمه أكثر منه إذا قيس لحم المعدة إلى باقي جرمها.
    وأما جرم الأمعاء فيخلو عن اللحمية البتة. وذلك لأن اللحمية فيه وإن إفادته بعضها يكمل فيه الهضم المعدي ويزيد في استعداده للهضم الكبدي فإن اللحم يضيق مسامه فلا يسهل رشح ما يرشح منه من الغذاء ولا نفوذ ما ينفذ إلى داخله من الفضلات التي يقطر من الأعضاء الأخر فإن الحق أن نفوذ الغذاء من الأمعاء إلى الكبد وغيرها من الأحشاء إنما هو على طريق الرشح. ومن هناك يدخل كثير منه إلى داخل العروق التي هي عندنا كالأصول للعرق المسمى بالباب. وهي التي في الثرب وغيره. وذلك ما يقع على الأمعاء من الفضول ومن الأجسام المنقطعة عن الأعضاء الأخر فإنه ينفتح له مسام الأمعاء وينفذ فيها ذلك الجرم إلى داخل الأمعاء ثم يخرج من المخرج وكذلك خروج القطع اللحمية من الكبد والكلى ونحوها في الإسهالات ونحوها. إنما هو بهذا الطريق.
    وأما الأمعاء والمعدة يتصل بجرمها عروق تنفذ إلى داخل هذه الأعضاء وتأخذ منها صفاوة الغذاء فلذلك عندنا مما لا يصح.
    فقد بينا ذلك في مواضع أخر غير هذا الموضع.
    وجعلت المعدة كرية الشكل لتتسع لغذاء أكثر. وسطحت من ورائها قليلاً لئلا يلاقي تحدبها عظام الصلب فتتضرر بذلك وفائدة التفاف العصب النازل من الدماغ إلى المعدة على المريء أن هذا العصب يعرض له الامتداد كثيراً إلى أسفل وذلك عند ثقل المعدة بالغذاء أو بالورم ونحو ذلك وهذا الامتداد يميله إلى الاستقامة فلا يضره ذلك ولو كان النازل الأول مستقيماً لتهيأ للانقطاع عند هذا الامتداد فإن المستقيم أقصر الخطوط. وباقي ألفاظ الفصل ظاهرة.
    والله ولي التوفيق.

    ● [ البحث الثالث ] ●
    تشريح الثرب

    قال الشيخ الرئيس رحمة الله عليه وقد يدفيها من قدام الثرب الممتد ... إلى قوله: وتحفظها للزوجتها الدسمة.
    الشرح
    قد بينا فيما سلف وجه حاجة المعدة إلى الأعضاء المدفئة لها من خارج ولا كذلك غيرها من سائر الأعضاء الهاضمة. وبينا أيضاً السبب في أن هذه الحرارة هي التي تحتاج إليها المعدة في الاستعانة على الهضم لم يخلق لها بذاتها وذلك لأن المعدة تحتاج أن يكون مزاجها قريباً من الاعتدال لأنها مع حاجتها إلى أن تكون هاضمة للأغذية فهي أيضاً محتاجة إلى أن تكون قوية الحس لتكون شديدة الإدراك للحاجة للغذاء. وذلك لشدة إدراكها للخلو وللذع السوداء المنصبة إليها حينئذ وقوة الحس إنما تكون مع الاعتدال فلذلك يجب أن تكون حرارة المعدة غير قوية مخرجة لها عن الاعتدال وهضمها للغذاء إنما يتم بحرارة قوية فلذلك هي محتاجة إلى استفادة هذه الحرارة من خارج. ولذلك فإن أكثر الأدوية المقوية للهضم بذواتها حارة المزاج وإنما كان هضم المعدة يحوج إلى حرارة كثيرة لأن هضمها لا يتم بإحالة صورتها النوعية للغذاء إلى مشابهة جوهرها فقط كما هو الحال في الكبد وفي هضم الأعضاء الهضم الرابع بل هضم المعدة إنما يتم بذلك وبطبخ الغذاء في تجويفها وإحالة الصورة وإن كان غير محتاج فيه إلى حرارة قوية فإن طبخ الغذاء إنما يكون بحرارة قوية تجذب لذلك المطبوخ غلياناً شديداً به ينطبخ وهذه الحرارة محال أن تكون للمعدة بذاتها فلا بد من أن تكون مستفيدة لها من خارج والحاجة إلى استفادة تلك الحرارة من قدام أشد لألأ مقدم المعدة في الجهة التي يلاقيها في الهواء الخارجي فيبردها فلذلك تحتاج إلى هذا المسخن لإفادتها الحرارة ولتعديل ما أفاده الهواء الخارجي من البرد فاحتيج بذلك أن يوضع أمام المعدة ما يفعل ذلك وإنما يمكن ذلك إذا كان ذلك الشيء شديد الحرارة. لكن هذا الشديد الحرارة لا يمكن أن يكون ملاقياً للمعدة، وإلا كان تسخنها شديداً فيخرجها عن الاعتدال الذي يحتاج إليه لأجل الحس، فلذلك لا بد من أن يكون حائلاً بينه وبين المعدة وهذا الحائل لا يمكن أيضاً أن يكون بذاته حاراً وإلا لم يمنع الحار الآخر من زيادة تسخين المعدة، فلا بد من أن يكون بذاته بارداً، ولا يمكن أن يكون كذلك. وهو لا يقبل التسخين بسرعة وإلا لكان يبرد المعدة بالملاقاة مع منعه لتسخين الحار الآخر الذي ليس بملاق فلذلك لا بد للمعدة من جوهر حار شديد الحرارة يوضع أمامها ولا يلاقيها ومن جوهر آخر بارد يقبل أن يلاقيها ومع ذلك يقبل الحرارة من الحار الخارجي ومن غيره فيسخن المعدة باعتدال فلذلك جعل قدام المعدة عضلات البطن وهي شديدة الحرارة لأنها كثيرة اللحم وجعل خلف كل هذه العضلات جسم آخر بارد بذاته شديد القبول للتسخن بغيره وذلك هو الثرب فإن هذا الثرب فيه عروق كثيرة فهي تفيد حرارة يسيرة وجوهره شحمي فهو بذاته بارد ولكنه بدهنيته ودسومته يقبل التسخن بغيره كثيراً فلذلك مجموعه وإن كان بذاته قريباً من الاعتدال وإلى برد فإنه يقبل من الحرارة التي يستفيدها من غيره وهو تسخن المعدة سخونة معتدلة لا تضرها في جودة الحس وذلك يعينها على الهضم، والذي يستفيد منه الشحم هذه الحرارة هي العضلات التي أمامه هذا هو السبب التمام.
    وأما السبب المادي لذلك فإن العضو الذي يلاقي المعدة هولا محالة بالقرب من مقعر الكبد فلذلك الدم الآتي إليه إنما يأتي في العرق المسمى بالباب ماراً إلى ذلك العضو في شعب هذا العرق، والدم الذي في شعب هذا العرق إذا تصفى عن الأجزاء الصفراوية التي تخالطه، وذلك باندفاع تلك الأجزاء إلى المرارة وعن الأجزاء السوداوية التي تخالطه أيضاً وذلك باندفاع تلك السوداء إلى الطحال بقي الباقي من ذلك الدم مائياً كثير المائية جداً. ومثل هذا الدم أكثر ما يتولد عنه الشحم أو السمين فإن تولد عن لحم فذلك اللحم لا بد من أن يكون كثير المائية فيكون غددياً ولذلك فإن الأعضاء التي تغتذي من الدم الآتي من هذا العرق منها ما هو شحم كالثرب ومنها ما هو لحم رخو كاللحم الذي يسمى بانقراس.
    وأما ظاهر المعدة فإنه وإن كان يأتيه الدم من هذا العرق فإن المعدة بحراراتها تحلل منه المائية الكثيرة فلا جرم يكون ما يتولد منه من اللحم عليها متيناً. ولذلك هذا الجرم الذي يلاقي المعدة من قدامها لا بد من أن يكون جوهره كثير المائية ولا يمكن أن يكون لحماً رخواً رهلاً لأن مثل هذا اللحم ليس فيه من الدسومة والدهنية ما يقبل لأجل ذلك الحرارة من غيره قبولاً كثيراً كما في الشحم ولذلك فإن الشحم يشتعل كثيراً بالنار. ولا كذلك هذا اللحم الرخو ولذلك وجب أن يكون الملاقي للمعدة لإدفائها جرماً شحمياً لا لحماً رخواً. وإنما لا يكون من جوهر السمين لأن جوهر السمين ليس فيه من البرد ما يعدل من حرارة العروق فلذلك كان هذا الملاقي للمعدة لإدفائها بتوسط قبوله الحرارة من غيره جرماً شحمياً. وذلك هو الثرب وجعل هذا الثرب رقيق الجرم أي ليس كثير الثخن لئلا تلزمه زيادة كثيرة في كبر البطن، وجعل جوهره كثيفاً ليفي مع رقته بحصر الحرارة في جرم المعدة فلا يتحلل بسرعة ولا كذلك لو كانت مسامه متسعة.
    والله ولي التوفيق.

    ● [ البحث الرابع ] ●
    تشريح الصّفاق المسمى باريطارون

    قال الشيخ الرئيس رحمة الله عليه وفوق الثرب الغشائي الصفاق المسمى باريطارون ... إلى قوله: ومنه ينبت الغشاء المستبطن للصدر.
    الشرح
    كما أن آلات التنفس يحويها الغشاء المستبطن للأضلاع كذلك آلات الغذاء ودفع الفضول والرحم هذه جميعها يحويها الغشاء الذي يسمى الصفاق، وهو الذي نتكلم فيه ها هنا، وإنما لم تحجب آلات الغذاء عن آلات دفع الفضول بحجاب، وكذلك كلا هذين عن آلة التوليد التي هي في الرحم مع أن ذلك أولى وقاية لآلات الغذاء عن أبخرة تلك الآلات وقذاراتها لأنه لو فعل ذلك لكثرت الحجب والتكثير إنما يكون لأمر ضروري وها هنا ليس كذلك فإن تضرر آلات الغذاء بقدارات آلات الفضول وآلات التوليد بدون خلقة ما يحجب بينها ليس بأزيد من تضررها بذلك مع خلقة الحجب بقدر يعتد به، وذلك لأن آلات الغذاء لا بد من أن يكون لها منافذ إلى آلات الفضول وإلا لم يمكن اندفاع تلك الفضول غليها، ومن تلك المنافذ لا بد من نفوذ قذارات تلك الآلات وأبخرتها إلى آلات الغذاء سواء خلق مع ذلك حجب أو لم يخلق فلذلك لم يكن ضرورة إلى خلقة الحجب بين هذه الأعضاء، ولا بد من غشاء يحوي هذه الآلات فإذا لم يكن حجب كانت هذه الآلات جميعها في غشاء واحد وذلك هو المسمى بالصفاق. وهذا الصفاق مع أنه يحفظ هذه الآلات ويحرسها عن نفوذ ما ينفع نفوذه إليها فإنه أيضاً يحفظ أو ضاعها لأن بينه وبين عظام الصلب تنفذ العلايق المعلقة لهذه الآلات كما أن العلايق لآلات التنفس جميعها متصلة مع عظام الصلب بالغشاء المستبطن للأضلاع فوق هذا الغشاء المسمى باريطارون غشاء آخر يسمى المراق. وفوقه عضلات البطن ثم الجلد وإنما احتيج في آلات الغذاء إلى هذا الغشاء الآخر ولم يكتف بغشاء واحد كما في آلات التنفس لأن آلات التنفس تحيط بها الأضلاع وهي شديدة التوقية لها وكذلك هذه الآلات فإنها لا يمكن أن تحيط بها عظام كما في آلات التنفس وإلا لزم ذلك تعذر الانحناء والانثناء والانتكاس إلى قدام وخلف ونحو ذلك فلذلك احتاجت إلى وقاية أخرى لا تمنع عن هذه الحركات وتلك هي هذا الغشاء الذي هو المراق.
    قوله: ومن خلفها الصلب ممتداً عليه عرق ضارب، وقد ذكر أو لاً ما يدفئ المعدة من جانبها ومن قدامها والمذكور منها ها هنا هو ما يدفئها من ورائها والصلب من عظام وهي باردة فليس فيه أدفأ للمعدة إلا بما عليه من العروق المذكورة فتكون تلك العروق هي المدفئة من ورائها لا الصلب نفسه.
    قوله: ومنافعه وقاية تلك الأحشاء والحجز بين المعاء وعضل المراق لئلا يتخللها فيشوش فعلها، أما منفعة الصفاق في وقاية الأحشاء التي في داخله فظاهرة. وأما منفعة الحجز بين المعاء وعضل المراق فذلك لأن هذه العضلات لو لاقت الأمعاء لكانت بحركتها تغير أو ضاع تلك الأمعاء بتخلل العضل فيها.
    قوله: فإنها تعصر المعدة بحركة العضل معها. الحركة العاصرة للمعدة وغيرها من الأحشاء المحتاجة في دفع فضولها إلى ذلك إنما هي للعضل التي للبطن وأما المراق بذاته فلا حركة له ولكنه قد ينفع في هذا العصر بسبب المزاحمة.
    قوله: وأغلظه أسفله وأيسره. أما أغلظ أسفل الصفاق، فليكون هناك قوياً على حمل الأحشاء وليتدارك بذلك ما يوجبه الثقبان اللذان فيه من وهن الجرم، فلا تكثر عروض الإنخراق له وأما غلظ اليبس فلأن الرياح المحرقة، وهي الملازمة لضعف الطحال يكثر هناك فيحتاج أن يكون جرمه هناك قوياً لئلا ينخرق بقوة تمديد تلك الرياح.
    والله ولي التوفيق.

    ● [ البحث الخامس ] ●
    تتمة الكلام في الثرب

    قال الشيخ الرئيس رحمة الله عليه ويفضل من منبت الصفاق فضل من الجانبين ... إلى قوله: تسخين المعدة تعاونها في وقايتها.
    الشرح
    عبارة الكتاب في هذا بينة ويريد بالمناوط المنابت التي ينبت منها الثرب.
    وهذا على الرأي المشهور. وأما الحق فإن تلك ليست بمنابت، وإنما هي مواضع اتصال ما به يتعلق بتلك الأعضاء.
    والله ولي التوفيق.

    ● [ البحث السادس ] ●
    تتمة الكلام في المعدة

    قال الشيخ الرئيس رحمة الله عليه وفي اسفل المعدة ثقب ... إلى قوله: ويعني به فم المعدة حسب تأويله.
    الشرح
    قوله والثالث أنه قد ينصب إليها عند الجوع الشديد من الكبد دم أحمر نقي فيغذوها.
    إن هذا مما لا أصدقه وذلك لأن الجوع الشديد يلزمه شدة جذب الكبد وغيرها من الأعضاء المادة من المعدة وذلك يشتد حينئذٍ الامتصاص من المعدة فكيف يدفع إليها ما هو بعدها من الأعضاء فضلاً لذلك عن الكبد وخاصة والكبد عند الجوع الشديد يكون لا محالة خالية من الدم، وإن كان فيها شيء منه كانت شديد ة التمسك به فكيف يدفعه إلى المعدة، ولو اندفع من الكبد دم من جهة مقعرها لكان يقع على الأمعاء ويخرج بالأسهل لا أنه يندفع من المعدة ومن أين ينفذ إلى باطن المعدة، ولا منفذ إلا على ما يقولون من أن ألماساً ريقاً يتصل بعضها بالمعدة نافذة إلى تجويفها وهذا شيء قد بينا كذبه فيما سلف ولو نفذ إلى باطن المعدة الدم، لكان ذلك الدم إما أن يخرج بالقيء على الفور أو يجمد في المعدة إن دام فيها، ويستحيل سماً بل قد يندفع حينئذٍ إلى المعدة من السوداء ما يشبه هذا الدم وذلك لأجل شدة امتصاص فم المعدة للعرق الآتي إليه من الطحال ولقائل أن يقول هذا: قد شاهد شيئاً من ذلك فطنه دماً. وباقي ألفاظ الكتاب ظاهرة.
    والله ولي التوفيق.

    القسم الثاني: تشريح الأعضاء الآلية [ الفصول من 10 الى 11 ] Fasel10

    بّسم الله الرّحمن الرّحيم
    ● [ فصل ] ●
    تشريح الكبد

    إنا قبل الكلام في تعريف الكبد نقدم مقدمة نبين فيها وجه الحاجة إلى الكبد فنقول. قد بينا مراراً كثيرة أن الحاجة إلى خلقة الكبد هي أن تحيل الغذاء إلى مشابهة جوهرها فيصير لذلك دماً وخلطاً وذلك بعد استعداده في المعدة لذلك. وذلك لطبخ المعدة له وإحالتها إياه إلى حالة يشابه جوهرها مشابهة ما، فتصير بذلك مع أنه أقرب مشابهة لجوهر المعدة مما كان أو لاً لأنه هو أيضاً أقرب مشابهة لجوهر الكبد فلذلك تقرب استحالته إلى مشابهة جوهر الكبد وذلك إذا فعلت فيه بصورتها النوعية فإن الأجسام في هذا العالم جميعها تتفاعل إذا تلاقت وذلك بأن يفعل كل واحد منها في مادة الآخر فعلاً يقرب تلك المادة إلى مشابهة جوهره ولذلك إذا تلاقت العناصر تفاعلت ولزم ذلك حصول المزاج وبيان هذا أن مادة أجسام هذا العالم جميعها واحدة وإنما تختلف في الأجسام باختلاف حالها من الصور، وكل صورة في جسم فإن من شأنها أن تجعل المادة التي هي قائمة بها على الكيفيات التي بها تكون تلك المادة شديدة الملاءمة لتلك الصورة حتى تكون تلك الصورة حينئذٍ أثبت في تلك المادة مثال ذلك الماء فإن صورته من شأنها أن يجعل مادته باردة رطبة وتلك المادة بذلك شديدة المناسبة لصورته حتى إن تلك المادة ما دامت كذلك استحالت أن تفارقها تلك الصورة وإذا حدث لها قاسر يخرج له عن طبيعته كالنار مثلاً إذا سخنته فإن تلك السخونة إذا كانت شديدة جداً أعدت مادته لقبول تلك الصورة الهوائية واستحال ذلك الماء هواء. وإن كانت تلك السخونة أضعف من ذلك الماء لو يفارق صورته لمادته ولكنها تكون في طريق أن يفارق وذلك إذا تزيدت الماء سخونة ثم إذا بطل تأثير ذلك القاسر، وكان الماء لم يفارق صورته لمادته كانت تلك الصورة حينئذٍ مجتهدة في إبطال تلك السخونة لتزول عن مادته التأهب لأن يفارق صورته ومع ذلك فلا يقتصر على إبطال تلك السخونة فقط بل تحيله مع ذلك إلى الكيفية المناسبة لصورته حتى يصير بارداً رطباً ومادة جميع هذا العالم واحدة فإن المادة التي في النار هي بعينها المادة التي في الماء لكن تلك تصورت بصورة النار وهذه تصورت بصورة الماء فلذلك صورة النار تحيل المادة المصورة بصورة الماء إلى طبيعتها فتصير مناسبة لصورة النار فتصير ناراً ومادة الماء تحيل مادة النار إلى طبيعتها فتصير مناسبة لصورة الماء فيصير ماء وكذلك الأجسام المختلفة الصور جميعها كل منها يفعل في غيره هذا الفعل وإن كان بعض الأجسام في ذلك أقوى من بعض فما كان من الأجسام قوى الكيفيات فهو أقوى على إحالة غيره إلى طبيعته من الأجسام إلى كيفياتها ضعيفة فلذلك فإن إحالة النار للماء حاراً أكثر كثيراً من إحالة الهواء إلى الحرارة وكذلك إحالة النطرون لغيره نطروناً أشد وأسرع من إحالة الماء وغيره مادة خاصة إذا كان المستحيل بصورة يعسر قبولها لصورة المحيل لو كانت الاستحالة إلى صورة المحيل عسرة جداً ولذلك فإن استحالة الماء ناراً أعسر من استحالة الأرض ناراً مع أن الأرض أشد كثافة من الماء وأبعد في ذلك عن طبيعة النار وذلك لأن الماء لأجل قوة برده، ورطوبة مادته تعسر استحالة مادته ناراً ولا كذلك الأرض فإن بردها أضعف ومادتها يابسة وكذلك استحالة الأجسام رصاصاً أسرع كثيراً وأسهل من استحالتها ذهباً. وذلك لأن الذهب إنما يتحقق بمزاج شديد وذلك مما يعسر تكيف الأجسام بمزاجه ولا كذلك الرصاص. ولذلك إذا طال مقام الرصاص في موضع ندي كبر جرمه، ولذلك يزداد بخلاف الذهب وقد يحيل جسم جسماً آخر إلى جسم بصورة ثالثة ليست لو أحد منهما فإن النار إذا سخنت الماء سخونة شديدة صار لذلك هواء وكذلك يقال إن الأكسير يحيل الرصاص فضة أو النحاس ذهباً مع أنه ليس بصورة واحد منها وذلك لأن هذا المحيل لا يحيل المادة فيكون بصورة ذلك الثالث بل لأنه يحيلها للتصور بصورته ولكنها في طريق تلك الاستحالة يستعد لصورة ذلك الثالث. والله تعالى لكرمه لا يمنع مستعداً ما استعد له. فلذلك الماء إذا تسخن بفعل النار فالنار تسخنه ليصير ناراً لكنه قبل أن يندفع إلى الحد الذي به يصير ناراً يستعد لصورة الهواء فيعطيه الخالق تعالى صورة الهواء لأجل استعداده لها.
    وكذلك الأكسير يحيل الرصاص مثلاً لأن يكون بصورته وقبل بلوغه إلى ذلك الحد يستعد لصورة الفضة فيفاض عليه، ولذلك المعدة تحيل الغذاء المستحيل إلى صورتها وقبل ذلك يستعد بعض الاستحالة إلى صورة جسم آخر وأجسام أخر فإن الماء إذا استحال هواء استعد قريباً بذلك من الاستعداد لاستحالة ما وكذلك الحال في الكبد فإن الغذاء إذا استحال إلى صورتها قريباً بذلك من الاستحالة إلى جواهر الأعضاء كلها فهذه فائدة الكبد فإنها إذا أحالت الغذاء دماً استعد بذلك الاستحالة إلى جوهر كل عضو فكان جوهر الكبد كالمتوسط بين جواهر الأغذية وجواهر الأعضاء الأخر. ونحن قد تساهلنا في هذا الكلام فأطلقنا لفظ الاستحالة على التغير في الجوهر. وذلك لأجل تسهيل التعليم وكلامنا في تشريح الكبد يشتمل على بحثين:

    ● [ البحث الأول ] ●
    هيئة الكبد وموضعها وأفعالها

    قال الشيخ الرئيس رحمة الله عليه إن الكبد هو العضو الذي ... إلى قوله: وأكثر القوى الأخرى في ليفيته.
    الشرح
    قوله وإن كان الماساريقاً قد يحيل الكيلوس إلى الدم إحالة ما إن عني بالدم الخلط الذي لو نه أحمر فإحالة الماساريقا الكيلوس إليه إنما يكون بتقريبه إلى طبيعة الدم أعني أن الماساريقا يقرب الكيلوس إلى أن يصير في الكبد دماً وذلك بأن يحيله بعض الإحالة التي بها يستعد لقبول الصورة الدموية وهذا كما أن الفم والمريء يحيلان الغذاء إلى أن تسهل صيرورته في المعة كيلوساً. وأما إن عني بالدم ما يصلح لتغذية عضو وإن لم يكن لو نه أحمر فلا يبعد أن تقوى الماساريقا على ذلك وذلك بأن تحيل الكيلوس إلى أن يصير صالحاً لتغذيتها، وإن لم ينفذ إلى الكبد البتة وذلك فإن السطح الباطن من المعدة يحيل الكيلوس إلى حالة تصلح بها تغذيته ولكنه لا يصير بذلك أحمر اللون لأنه إنما يصير بذلك أحمر اللون لأنه إنما يصير كذلك باستحالته إلى مشابهته جوهر باطن المعدة، وهذا الجوهر ليس بأحمر اللون فما يستحيل إلى مشابهته محال أن يكون لو نه أحمر.
    قوله: كأنه دم جامد يريد بالجمود هاهنا مسمى الانعقاد على سبيل التجوز وذلك لأن الجمود إنما يقال حقيقة لانعقاد الشيء بالبرد. وأمامنا ينعقد بالحرارة كانعقاد جرم الكبد فلذلك إذا قيل له جمود كان على سبيل التجوز.
    قوله: وهو يمتص من المعدة والأمعاء بتوسط شعب الباب المسماة ماساريقا من تقعيره وبطبخه هناك دماً وتوجهه إلى البدن بتوسط العرق الأجوف النابت من حدبته قد علمت مما سلف من كلامنا أن الكبد يأخذ مادة الغذاء بعضها بانتشار فيها لما يرشح من المعدة والأمعاء من ذلك وبعضها بما يستسقيه أجزاء الباب التي نسميها نحن: أصولاً ويسمونها هم: فروعاً وشعباً.
    وعلمت أن هذه المادة تنفذ أو لاً إلى الجزء المقعر من الكبد، وهو الذي تنبت فيه أكثر فروع الباب التي يسمونها هم أصولاً. وفي ذلك الجزء المقعر يستحيل أو لاً إلى الأخلاط الأربعة ثم تجذبها أصول العرق المسمى بالأجوف من فوهاتها الملاقية لفوهات فروع الباب وإنما ينجذب حينئذٍ في تلك الأصول الدم والبلغم وما بقي من الكيلوس وذلك لأن هذه جميعها تصلح لتغذية محدب الكبد وإنما هو يجذب لأجل هذه التغذية فلذلك تتخلف السوداء والصفراء في مقعر الكبد ويحتاج إلى دفعها ليخلو المكان لجذب غذاء آخر واندفاعها حينئذٍ لا يمكن أن يكون إلى جهة المحدب فإنه لا يقبلها لأنهما لا يصلحان للتغذية فلذلك إنما يندفع من المقعر إلى الجهة التي فيها المعدة والأمعاء وتندفع الصفراء في فرع من فروع الباب إلى المرارة من غير أن ينفذ في الباب وأما السوداء فيندفع في الباب، وينفذ ويندفع في الطحال كما بيناه في كلامنا في تشريح الأوردة وبذلك تتميز الصفراء والسوداء المندفعتان إلى مجاريهما.
    قوله: وتوجه المائية إلى الكليتين من طريق الحدبة.
    لقائل أن يقول: إنكم قلتم إن اندفاع الصفراء والسوداء من المقعر إنما كان لأن المحدب لا يجذبهما لأنهما لا يصلحان لتغذية عضو من الأعضاء فهي أولى بأن لا يجذبها المحدب. وكان ينبغي أن يكون اندفاعها من المقعر،
    وجوابه: أن هذا لا يصح فإن نفوذ المائية في المقعر لا لأجل التغذي بل ليرقق الغذاء فتمكن نفوذه في مجاري الكبد، وهذا مما يحتاج إليه في المحدب أيضاً فلذلك ينجذب إليه الماء فإذا انفصل الدم وغيره من الأخلاط من الكبد إلى العرق الأجوف جذبت الأعضاء تلك الأخلاط لتغتذي بها ولم يجذب من المائية إلا ما يحتاج إليه في التغذية فيبقى ما كانت الحاجة إليه لأجل نفوذ الغذاء في مجاري الكبد مستغنياً عنه فلذلك يحتاج إلى دفعه ويندفع حينئذٍ إلى الكليتين لأنهما مخلوقتان لذلك ثم منهما إلى المثانة ثم إلى سبيل البول.
    قوله: ويعد لها بالنبض. هذا لا يصح، فإن نفوذ الشرايين في الأعضاء إنما هو لإفادتها الحياة والحرارة الغريزية لا لتعديلها فإن تعديل النبض إنما هو بنفوذ الهواء البارد إلى تجاويف الشرايين، وذلك فإن أفاد تبريداً فإن تبريده إنما هو لما هو في داخل الشرايين لا للعضو الذي فيه شريان فإن ذلك لا يصل إليه بتبريد هذا الهواء المجذوب إلى داخل الشريان.
    قوله: والفضاء الذي يحوي الكبد يربطها بالغشاء المجلل للمعدة والأمعاء يريد بهذا الغشاء الشحمي الذي هو الثرب فإن هذا الثرب يغشي الأمعاء والمعدة ونحوها من أعضاء الغذاء والفضول.
    قوله: وإذا اختل في التميز اختل أيضاً تولد الدم الجيد واختلال التمييز قد لا يلزمه اختلال في تولد الدم بل في الدم الواصل إلى الأعضاء وإن كان تولده على أفضل الوجوه وذلك لأن اختلال التمييز إن كان بسبب غير الكبد فظاهر أن ذلك لا يلزمه اختلالها في توليد الدم ولا في غيره وإن كان اختلال التمييز لأجل خلل في الكبد فقد لا يلزم ذلك أيضاً وقوع خلل في توليدها الدم لأن القوة المميزة مغايرة للقوة الهاضمة. ومن الجائز أن يعرض خلل في القوة المميزة مع سلامة غيرها من القوى.
    والله ولي التوفيق.

    ● [ البحث الثانى ] ●
    نقض مذهب قيل في القوى التي في الماساريقا

    قال الشيخ الرئيس رحمة الله عليه ولا يبعد أن يكون في الماساريقا ... إلى قوله: وكذلك الهواء بين الحديد والمغناطيس عند أكثر أهل التحقيق.
    الشرح
    أما أن الماساريقا ونحوها من الأعضاء فيها قوى يتصرف في غذائها فذلك مما لا شك فيه فإن جميع الأعضاء لا تخلو عن ذلك وقد وقع الاتفاق على ذلك بين الأطباء والفلاسفة وأما أن فيها قوى يتصرف فيها في الغذاء العام كتصرف المعدة والكبد فذلك ما لا أجزم بثبوته ولا أنفيه وإن كنت إلى ثبوته أميل وذلك ليستفيد الغذاء فيها تهيئة بفعل الكبد. وألفاظ الكتاب ظاهرة.
    والله ولي التوفيق.

    ●[ يتم متابعة القسم الثاني : تشريح الأعضاء الآلية ]●
    القسم الثاني: تشريح الأعضاء الآلية [ الفصول من 10 الى 11 ] Fasel10
    شرح تشريح القانون لإبن سينا
    تأليف : إبن النفيس
    منتدى حُكماء رُحماء الطبى . البوابة

    القسم الثاني: تشريح الأعضاء الآلية [ الفصول من 10 الى 11 ] E110

      الوقت/التاريخ الآن هو الجمعة نوفمبر 22, 2024 7:48 am