بّسم الله الرّحمن الرّحيم
شرح تشريح القانون لإبن سينا
تأليف : إبن النفيس
تابع القسم الثاني : تشريح الأعضاء الآلية
● [ فصل ] ●
تشريح المرارة
قال الشيخ الرئيس رحمة الله عليه إن المرارة كيس معلق ... إلى قوله: إلى الأمعاء بإفراط أو رثت الإسهال المراري والسحج.
الشرح
لما كانت المعدة تدفع الغذاء إلى الأمعاء وتأخذ الكبد منه خالصه وصفاوته، ويبقى في المعاء ثفله وفاسده. وذلك لا محالة رديء شديد القبول للعفونة والفساد، وإذا فسد أفسد ما يجاوره من جرم الأمعاء. لا جرم أنعم الخالق سبحانه وتعالى وأجري على ظاهر جرم الأمعاء من داخل رطوبة لكن ذلك الثفل الفاسد وتلك الرطوبة لا محالة مع أنها تمنع وصول ضرر ذلك الثفل إلى جرم الأمعاء فهي لا محالة تمنع جرم الأمعاء عن إدراكه والشعور به وإلا كانت تتضرر لحدته ولذعه، وإذا كان كذلك لم يكن في الأمعاء ما يوجب الاهتمام بدفعه وإذا طال زمانه فيها تضرر خاصة الأعضاء العالية بما يتصعد منه من الأبخرة، فلذلك احتيج عند طول احتباسه وخوف التضرر ببخاره وعفنه أن يخالطه ما ينفذ إلى جرم الأمعاء ويلذعها ويحوجها إلى الاهتمام بدفعه وإنما يمكن ذلك إذا كان ذلك المخالط شديد الحدة واللذع رقيق القوام جداً يتمكن من قوة النفوذ وسرعته إلى جرم الأمعاء ويفعل فيها ذلك وليس في البدن سوى أعضاء وأرواح ورطوبات وهذا الذي يفعل ذلك لا يمكن أن يكون من الأعضاء ولا من الأرواح فهو إذاً من الرطوبات وليس في البدن رطوبة تفعل ما قلناه سوى الصفراء فلذلك لا بد عند الحاجة إلى إخراج الثفل من أن ينفذ إلى تجاويفها قسط من الصفراء ويخالط الثفل المحتبس فيها وينفذ إلى جرم الأمعاء ويلذعه ويحوجه إلى دفعه ودفع ما يخالطه من الثفل لأجل اختلاطه به وهذه الصفراء ليس يمكن أن يكون نفوذها إلى هناك من عروق البدن، ومن الأعضاء البعيدة وإلا كانت تنقطع عن النفوذ إلى تجاويف الأمعاء كثيراً لكثرة العوائق لها عن ذلك فلذلك احتيج أن يكون بقرب الأمعاء قسط متوفر من الصفراء مدخر لهذه المنفعة ونحوها. وتلك الصفراء لا بد أن تكون في وعاء يحفظها من التبدد والسيلان إلى وفق الحاجة إليها وذلك الوعاء هو المرارة فلذلك هذه المرارة لا بد منها في تنقية الأمعاء من الثفل الذي هو قد فسد واحتيج إلى إخراجه. ومع ذلك فإنها ينتفع بها في أمور أخر لتسخين المعدة والمعاء وتنقية الأمعاء أيضاً من الرطوبات اللزجة والبلغم ولذلك إذا امتنع نفوذ الصفراء من هناك إلى داخل الأمعاء حدث عن ذلك رياح وآلام شديدة كالقولنج ومع ذلك فإنها تجذبها الصفراء إليها لأجل ما ذكرناه من المنافع فإنها بهذا الجذب تنقي الدم من المرار الزائد على ما يحتاج إليه البدن ولذلك إذا بطل نفوذ الصفراء إلى المرارة كثر لذلك المرار في البدن وحدثت منها آفات منها اليرقان الأصفر.
قوله: وفم ومجرى إلى ناحية المعدة والأمعاء يرسل فيهما إلى ناحيتهما فضل الصفراء. هذا هو المشهور: وهو أن المرارة ينفذ منها إلى أسفل المعدة مجرى تصب الصفراء في أسفل المعدة وينفذ منها إلى الأمعاء مجرى آخر تنفذ منه الصفراء إلى تجاويف الأمعاء وهذا لا محالة باطل.
فإن المرارة شاهدناها مراراً، ولم نجد فيها ما ينفذ لا إلى المعدة ولا إلى الأمعاء وإنما تنفذ الصفراء منها إلى هذين الموضعين على سبيل الرشح. وذلك لأن هذه المرارة إذا كثرت فيها الصفراء وذلك عندما يأتيها الدم المراري من معقر الكبد يتمدد لذلك جرمها وتتسع مسامها فيرشح منها قسط كثير من الصفراء وينفذ من هناك في مسام التخلخل أسفل المعدة إلى داخلها ومن مسام الأمعاء إلى تجاويفها. فمن تكون هذه المرارة فيه مرتفعة قليلاً، أو يكون أسفل المعدة فيه شديد التخلخل كان ما ينفذ إلى داخل معدته من تلك الصفراء المترشحة من المرارة كثيراً جداً. وكان ما ينفذ منها إلى تجاويف الأمعاء قليلاً خاصة إذا كان جرم أمعائه مع ذلك مستحصفاً يقل نفوذها هذه الصفراء في خلله. ومن تكون هذه المرارة فيه منخفضة فإنه يقل جداً نفوذ ما يرشح منها من الصفراء إلى أسفل معدته، وأكثر ترشح تلك الصفراء يكون إلى تجاويف أمعائه وربما بلغ انخفاض المرارة في بعض الناس إلى أن لا يندفع منها إلى معقر المعدة شيء البتة وإنما لا يندفع من هذه الصفراء شيء ما إلى أعالي المعدة لان هذه المرارة ليست ترتفع إلى قرب أعالي المعدة فذلك فائدة فإن الصفراء لو نفذت إلى أعالي المعدة لأسقطت شهوة الطعام ولما كان أعالي المعدة لا يندفع إليه الصفراء بالطبع فهولا محالة يكثر فيه البلغم وغيره من الرطوبات فلذلك يحتاج إلى إخراج ذلك بالقيء فلذلك كان القيء من الأمور التي تكاد تكون ضرورية في حفظ صحة المعدة، وذلك شرط في حفظ صحة البدن كله فلذلك كان القيء من الأمور التي تكاد تكون ضرورية في حفظ الصحة.
والله ولي التوفيق.
بّسم الله الرّحمن الرّحيم
● [ فصل ] ●
تشريح الطحال
قال الشيخ الرئيس رحمة الله عليه إن الطحال بالجملة مفرغة ثفل الدم ... إلى قوله: فإن غشاء الحجاب أيضاً مثل الصفاق.
الشرح
فالتخلخل والحاجة إلى الغذاء لا زمان لكل واحد من الأعضاء وأما الجوع فليس بلازم لكل واحد منها فإن الجوع إحساس ما، والحس ليس يمكن أن يعم الأعضاء. فإن بعض الأعضاء تمنع عليه الحس، لأن الحس إنما يكون مع اعتدال المزاج أو القريب من الاعتدال وليس يمكن أن تكون الأعضاء جميعها كذلك فلذلك لا يمكن أن يكون عضو جوع يخرجه إلى طلب الرزق فلا بدمن عضو يتكفل للأعضاء جميعها بشدة طلب الغذاء وإنما يمكن ذلك بأن يكون الجوع يحدث له ألماً شديداً يحوجه إلى شدة طلب الغذاء ويحوج صاحبه إلى شدة السعي في تحصيله وذلك العضو هو المعدة وهذا الألم الذي يحدث لها عند الجوع، إنما يكون لأمر يحدث لها حينئذٍ إذ لو كان دائماً لكان ما يحدثه من الجوع دائماً، وهذا الحادث لا بد من أن يكون إيلامه للمعدة مقوياً له إذ لو لا ذلك لكانت تضعف جداً بكثرة حدوث ذلك الألم لها وإنما يمكن ذلك أن يكون إحداثه لذلك ليس بإحداث سوء مزاج يحدث للمعدة وإلا كان كثرة حدوث ذلك موحياً لفساد مزاج المعدة، وذلك محدث لضعفها فلا بد من أن يكون ذلك الألم بإحداث تفرق اتصال ويكون ذلك التفرق من شأنه أن يفارق ويرتد الاتصال بسهولة وبطبيعة المعدة من غير احتياج إلى شيء آخر يرد ليرد ذلك الاتصال وإنما يمكن إذا كان ذلك التفرق يسيراً جداً فإن التفرق الكثير الشديد تعسر إزالته بنفس الطبيعة والتفرق اليسير لا يكون ألمه ظاهراً شديداً ما لم يكثر عدده كثيراً جداً حتى يكون كل واحد من أفراده مع أنه غير محسوس فإن الحمل يحس ويؤلم ألماً ظاهراً. وهذا التفرق الذي هو كذلك هو التفرق الحادث عن الشيء اللاذع فإن اللذاع يحدث في العضو تفريقات كثيرة ليس يحس واحد منها لكن يحس بجملتها وتكون جملتها هي المؤلمة وهذا كما يحدث في الفم عند المضمضة بالخل مع الخردل المسحوق فلا بد من أن يكون في المعدة عند خلوها وخلو الأعضاء من الغذاء والاحتياج إلى ورود الغذاء يرد إليها ما له لذع يؤلم المعدة ويحوج إلى تكلف تحصيل الغذاء وهذا اللاذع لا يمكن أن يكون لذعه بحرارته كما في الصفراء وإلا كان منفرداً عن الغذاء لا محرضاً على تناوله ولا بد من أن يكون لذعه غير ذلك ولا بد من أن يكون هذا الشيء من الرطوبات كما بيناه في تشريح المرارة وليس في رطوبات البدن ما يلذع بغير المرارة إلا ما طعمه حامض ولا بد من أن تكون فيه هذه الحموضة مع قبض يشد المعدة ويقويها وليس في الرطوبات ما يجمع هذين الطعمين إلا السوداء وذلك بعد غليانها المحدث لنضجها إذن بدون ذلك تكون السوداء الطبيعية طعمها بين حلاوة وعفوصة فلا بد إذن من أن تكون السوداء التي قد نضجت بالغليان وحمض طعمها ينصب إلى المعدة عند الحاجة إلى الغذاء ليحرض على تناوله ولا يمكن أن تكون السوداء ترد إلى المعدة من موضع بعيد كما قلناه في الصفراء المندفعة إلى الأمعاء ولا بد من أن تكون هذه السوداء ترد مخزونة في عضو بقرب المعدة، وذلك العضو هو الطحال فلا بد من أن يكون هذا الطحال من شأنه جذب السوداء وإصلاحها بعد ذلك وإنضاجها ثم دفع ما فضل عنه إلى المعدة عند الحاجة إلى تناول الغذاء ولا بد من أن يكون بالقرب منها ليسهل اندفاع السوداء منه إليها وإذا ضعف الطحال كثرت السوداء في الدم الواصل إلى البدن فلزم ذلك حدوث الأمراض السوداوية سواء ضعف عن جذب السوداء أو عن دفعها إلى المعدة.
أما إذا ضعف عن جذبها فلأنها حينئذٍ تبقى مخالطة للدم.
وإذا ضعف عن دفعها إلى المعدة فلأنها حينئذٍ تكثر فيه وتملاً أو عيته فلا يتمكن من جذب شيء آخر فتكثر السوداء في الدم كما قلناه عند ضعف الجذب فلذلك لا شيء أنفع من الأمراض السوداوية من تقوية الطحال فإن ذلك يلزمه نقصان السوداء في الدم.
قوله: والطحال مستطيل لساني. السبب في خلقه مستطيلاً أن يكون ممتداً في بعض طول المعدة حتى يسهل اندفاع ما يندفع منه من السوداء إليها ولم يخلق مستديراً لئلا يكثر جرمه. فإن تقليل جرمه أولى. ولذلك إذا سمن تضرر البدن ونحف. وإنما لم يخلق مشتملاً على المعدة كما في الكبد لئلا تكثر ملاقاته لها فيفسد هضمها برداءة مزاجه.
والله ولي التوفيق.
بّسم الله الرّحمن الرّحيم
● [ فصل ] ●
تشريح الأمعاء الستة
والكلام فيه يشتمل على خمسة مباحث :
● [ البحث الأول ] ●
منفعة الأمعاء
منفعة الأمعاء
قال الشيخ الرئيس رحمة الله عليه إن الخالق تعالى بسابق عنايته ... إلى قوله: من امتصاص صفاوته التي فاتت الطائفة الأولى.
الشرح
قد علمت أن المعدة لا بد منها في هضم الغذاء وتهيئته في للإنهضام في الكبد ليتكون منه الدم وغيره من الأخلاط التي لا بد منها في التغذية التي لا بد منها في بقاء الإنسان ونحوه من الأجسام المغتذية وقد عرفت أن هضم المعدة يتم بأمرين: أحدهما: فعل صورتها في الغذاء لتحيله إلى مشابهة جوهرها.
وثانيهما: فعل الحرارة الطابخة للغذاء حتى تتشابه أجزاؤه وتصلح لفعل الكبد فيه فإذا تم انهضام الغذاء فيها لهذين الأمرين وجب أن يندفع منها ولا يلزم فيها بعد ذلك زماناً له قدر يعتد به لأنه لو بقي فيها بعد ذلك زماناً كثيراً لزم ذلك أمران: أحدهما تعذر نفوذ غذاء آخر إليها فتهضمه كما هضمت الأول إذ لا يكون لهذا الثاني مكان ويلزم ذلك تضرر البدن بانقطاع الغذاء الثاني عنه إلى أن يندفع الأول.
وثانيها: إن الغذاء إذا بقي في المعدة بعد تمام انهضامه فسد لأن الحرارة لا بد وأن يستمر عملها فيه. ويلزم ذلك أن يتدخن أو يحترق وبالجملة أن يصير بحال لا يصلح لفعل الكبد فيه فلذلك وجب أن يندفع الغذاء من المعدة إذا تم انهضامه فيها واندفاعه حينئذٍ لا يمكن أن يكون إلى الكبد فإن عروق الكبد لأجل ضيقها لا يمكن نفوذ الغذاء فيها دفعه وفي زمان قصير جداً ولو اندفع إلى فوق فخرج بالقيء مثلاً لغابت منفعته فلا بد من أن يكون اندفاعه حينئذٍ إلى داخل البدن وأن يكون ذلك في تجويف يمكن نفوذه فيه دفعة، وهذا التجويف لا يمكن أن يكون بحيث يخرج هذا الغذاء منه دفعة أيضاً بل لا بد وأن يقيم فيه الغذاء مدة في مثلها يتمكن الكبد من أخذ الصالح منه الصافي فلذلك لا بد من أن يكون هذا التجويف بقرب الكبد ولا بد من أن يكون مع قبوله لجملة الغذاء دفعة يتعذر مع ذلك خروجه منه دفعة، وإنما يمكن ذلك بأن يكون لهذا التجويف امتداد كبير حتى يكون بعضه مستسفلاً على الاستقامة حتى يقبل نفوذ الغذاء فيه من المعدة دفعة ويكون بعضه مع ذلك ملتوياً متعرجاً حتى يعسر نفوذ هذا الغذاء منه إلى خارج دفعة فيفوت الكبد أخذ الصالح منه ولا بد من أن يكون مع تعاريجه والتواءه يصعد بعضه إلى فوق حتى يعسر نفوذ الغذاء في ذلك الصاعد إلا بفعل الطبيعة وذلك عند الحاجة إلى دفعه وذلك عند فراغ الكبد من جذب ما من شأنها جذبه منه.
ولا بد من أن يكون مع ذلك يسهل نفوذ الصالح منه إلى الكبد وهذا إنما يمكن بأحد أمرين: إما أن يكون فيه مجار ينفذ منها إلى داخل الكبد والكبد يجذب ذلك الصالح من تلك المجاري كما هو مذهبهم، وإما أن يكون جرم هذا التجويف واسع المنافذ والمسام حتى يسهل رشح ذلك الصالح من باطن التجويف إلى خارجه فيأخذ الكبد يجذبها له بعضها بنفسها وبعضه بانتشاف العروق التي هي كالأصول للعرق النافذ في مقعر الكبد الذي هو الباب وذلك كما هو مذهبنا. ولكن اتصال المجاري بهذا التجويف قد بينا أنه باطل لأمرين: أحدهما: الوجود كما بيناه فيما سلف مراراً .
وثانيهما: أن هذا التجويف لما كان الغذاء يحصل فيه وهو بعد كثير الرطوبة مستعد لأن تتولد منه الرياح والأبخرة والكبد والمرارة مجاورتان له فهما بحرارتهما يحدثان فيه ذلك وإذا حصلت هذه الرياح ولأبخرة في هذا التجويف فهي لا محالة تمدده وتغير وضع بعض أجزائه عن بعض فلو كان له عروق تتصل به وبالكبد لكانت تلك العروق تعرض لها كثيراً أن تتمدد تمدداً كثيراً ويلزم ذلك تقطعها وكان يلزم ذلك تعذر نفوذ الغذاء وخروج الرطوبات التي في الكبد من ذلك المنقطع من تلك العروق وكان يلزم ذلك فساد البدن، فلذلك نفوذ الغذاء من هذا التجويف إلى الكبد لا يمكن أن يكون بعروق تتصل به وبالكبد كما قالوه. فلا بد من أن يكون على الوجه الذي ذكرناه وإنما يمكن ذلك بأن يكون هذا التجويف ذا مسام كثيرة واسعة وإنما يمكن ذلك بأن يكون جرم هذا التجويف له ثقب حتى يمكن نفوذ الغذاء من خلله، وهذا التجويف هو العضو المسمى بالمعاء.
قوله: خلق أمعاؤه التي هي آلات دفع الفضل اليابس كثيرة العدد والتلافيف.
قد ذكر ها هنا لكثرة عدد الأمعاء وكثرة تلافيفها منفعتين:
إحداهما: أن يتأخر خروج الثفل منها فلا يخرج كما يدخل فيلزم سرعة خروجه سرعة الحاجة إلى التغذي لأنه إذا خرج بسرعة خرج قل أخذ الكبد منه الغذاء الكافي فاحتيج إلى إدخال غذاء آخر ليأخذ منه القدر الكافي ويلزم ذلك أن يكون حال الإنسان في كثرة عدد اغتذائه كحال الدواب وتلك حال مستنكرة ولذلك فإن من يفعل ذلك من الناس ينسب إلى الشره، والغذاء الوارد بعمل ذلك يكون حاله كحال الأول فيخرج أيضاً بسرعة، ويلزم ذلك كثرة حاجة الإنسان إلى القيام للتبرز وذلك أيضاً مستنكر شاغل له عن المهام ونحوها.
وثانيتهما: أن كثرة عدد الأمعاء وتلافيفها يلزمه تغيير أو ضاع الغذاء الذي في تجويفها وذلك لأن ما كان منه في موضع في العمق يرجع في موضع آخر في المحيط أو ما يقرب منه فيسهل نفوذ ما ينفذ منه إلى الكبد.
أما عندهم فبسبب قربه من العروق الماصة عند حصوله من المحيط.
وأما عندنا فلأجل قربه حينئذٍ من مسام المعاء التي يخرج منها على سبيل الرشح.
ولقائل أن يقول: إن هاتين المنفعتين ليستا متوقفتين على كثرة عدد الأمعاء لأنها لو كانت واحدة ولكنها طويلة وكثيرة التلافيف لكانت هاتان المنفعتان متحققتين مع أن الأمعاء واحد? وجوابه: أن اختلاف الأمر في هذا ليس إلا في العبارة فقط، فإن قولنا أن عدد الأمعاء ستة ليس معناه، أن ستة أمعاء منفصل بعضها عن بعض كل واحد منها يقال له معاء بل جميع هذه متصلة. وإنما قلنا إنها كثير ة العدد بمعنى أن بعضها رقيق الجرم ضيق التجويف، وبعضها غليظ الجرم، واسع التجويف. وبعضها ذاهب في الاستقامة. وبعضها ملتو آخذ على الاستدارة وغير ذلك. والكل في الحقيقة شيء واحد متصل فلا فرق بين أن يقال: إنها معاء واحد مختلف الأجزاء فيما ذكرنا، وبين أن يقال إن كل جزء منها معاء برأسه إذ الجميع متصل كشيء واحد. والخلاف في العبارة فقط. والغرض بطول بقاء الغذاء في الأمعاء بالذات ليس تأخر خروجه أو تأخر طلب الغذاء بل الغرض الذاتي بذلك أن يكثر ما يصل إلى الكبد من الغذاء عند طول لبثه في الأمعاء لكثرة ما يجذبه إليها منه.
قوله: فيتمكن طائفة أخرى من العروق من امتصاص صفاوته التي فاتت الطائفة الأولى إن أراد بهذا الطائفة من العروق بعض العروق الملاقية للأمعاء وهي التي في الثرب مثلاً فذلك صحيح وإن أراد بعض العروق التي نعتقد أنها نافذة في أجرام الأمعاء إلى تجاويفها فذلك مما أبطلناه فيما سلف.
والله ولي التوفيق.
● [ البحث الثانى ] ●
تعديد الأمعاء وتمييز بعضها عن بعض
تعديد الأمعاء وتمييز بعضها عن بعض
قال الشيخ الرئيس رحمة الله عليه وعدد الأمعاء ست .. إلى قوله: لزجة مخاطية تقوم مقام التشحيم.
الشرح
إن عدد الأمعاء يجب أن يكون ستة. وذلك لأن المعاء المتصل بقعر المعدة وهو المعروف بالإثني عشري لابد من أن يكون مستقيماً ليسهل نفوذ الغذاء إلى تجويفه سريعاً. وسمي كذلك لأنه بقدر اثني عشر إصبعاً بأصابع صاحبه. إنما كان كذلك لأنه يحتاج مع تسفله أن لا يبعد كثيراً عن الكبد فيقرب ما يبعد منه عنها ما يحدث بسبب حرارتها وقوتها الهاضمة من زيادة انهضام الغذاء أعني بذلك الانهضام الذي بعد الغذاء هضم الكبد لا الانهضام الكيلوسي. فإن ذلك الهضم يتم في المعدة وإفادة المعدة له أولى من إفادة المعاء له فلذلك لم يجعل طوله كثيراً بل بقدر ما يتسع لما ينزل إليه من الغذاء فقط ولما كان هذا المعاء ينزل مستقيماً وابتداؤه من المنفذ الذي في أسفل المعدة. وذلك المنفذ في وسط عرض البدن لزم أن يكون نفوذ هذا المعاء قدام فقرات الصلب ولذلك قالوا إنه يرتبط بها ليبقى وضعه محفوظاً ولا ينحرف بما يحدث له من الرياح ونحوها، وهذا لا يصح فإن هذا الموضع قدام أسفل الحجاب، والحجاب يحول بينه وبين عظام الصلب فلذلك لا يمكن ارتباطه بتلك العظام البتة كما أن هذا المعاء يجب أن يكون مستقيماً ليسهل نفوذ الغذاء إلى تجويفه كذلك المعاء الآخر وهو المسمى بالسرم وهو المتصل بالمخرج الذي هو الدبر يحتاج أيضاً أن يكون مستقيماً ليسهل خروج الثقل منه ولذلك يسمى هذا المعاء المستقيم وإنما يختص بهذا الاسم له مشاركة الأول في ذلك لأن الأول لقصره ليست تلزمه الاستقامة بخلاف هذا المعاء فإن هذا يأخذ في الانحدار من قرب المعدة إلى الدبر منحدراً على فقار الظهر لأنه يمتد من الدبر إلى الموضع المحاذي له من فوق والدبر في وسطه ثخانة البدن فلذلك يكون هذا المعاء ممتداً في وسط عرض البدن فلذلك يكون ممتداً على فقرات الظهر وقد وسع هذا المعاء وطول ليتمكن أن يتسع لقدر كثير من الثقل، وإنما يمكن لأن هذا الثقل قد يجف ولا يسهل خروجه ويحتبس أياماً فيحتاج هذا المعاء أن يكون تجويفه بحيث يتسع لما يجتمع في تلك الأيام من الثقل. وإنما يمكن ذلك بأن يكون هذا المعاء مع كثرة سعته كثير الطول وأما المعاء الذي بعد الإثني عشري فلا يمكن أن ينزل أيضاً مستقيماً فإن الغذاء ينحدر من المعاء الإثني عشري دفعة. وكان هذا الثاني يتعدى إلى الكبد بكثير وينحدر الغذاء منه سريعاً جداً فلا يتمكن الكبد ولا العروق التي حوله والتي في الثرب من أن يمتص منه غذاء كثيراً، ولا كانت قوة الكبد الهاضمة تقوى على هضم الغذاء الذي فيه فلذلك احتيج أن يكون هذا المعاء يأخذ أو لاً إلى جهة اليمين ليصل إلى الكبد ثم ينحرف عنها آخذاً إلى اليسار وإنما كان كذلك لأن ابتداء هذا المعاء هو من آخر المعاء الإثني عشري فلو نفذ على الاستقامة نازلاً لخرج الغذاء منه ومن الإثني عشري دفعة فلم يكن له منفعة ما في هضم الغذاء ولا في أخذ الكبد منها الصفاوة ولو نفذ أو لاً إلى اليسار لبعد أو لاً عن الكبد وقل جداً ما يأخذ الكبد منه من الغذاء فلذلك احتيج أن ينفذ أو لاً إلى اليمين، ولا يكفي وصوله إلى هناك وإلا كان قصيراً جداً فيقل لذلك منفعته، فلذلك جعل له طول يعتد به ونفذ من اليمين إلى اليسار، وتعدى بذلك موضع ابتدائه ليطول، وهو في أخذه إلى اليمين يأخذ مرتفعاً لئلا يخرج الغذاء من الإثني عشري بسرعة لان نفوذ الثفل إلى فوق عسر ثم إذا انعطف إلى اليسار آخذاً إلى أسفل لأنه لا يجد مسافة مستقيمة لأن سلوكه إلى اليسار تحت مسلكه إلى اليمين وهو في سلوكه إلى اليمين يسلك مرتفعاً فلذلك في سلوكه إلى اليسار لا بد وأن ينحدر ويلزم ذلك سرعة انحدار الغذاء من تجويفه فلذلك نفوذ الغذاء إلى هذا المعاء يطول ويعسر ونفوذه عنه يقصر فلذلك يبقى تجويفه خالياً أعني بذلك تجيفه من عند قرب الكبد إلى آخره وذلك عندما يأخذ في الانعطاف ويلزم ذلك أن يخلو آخر تجويفه الآخذ إلى اليمن عند قرب الكبد لأن الغذاء إذا انحدر من ابتداء انعطافه إلى اليسار جذب ما وراءه لئلا يخلو المكان فيلزم ذلك خلو أكثر تجويفه الآخذ إلى جهة الكبد ولذلك يسمى هذا المعاء بالصائم لأنه بحسب وضعه يخلو تجويفه بسرعة كخلو جوف الصائم ومع ذلك فإن المرارة موضوعة بحذائه فلذلك يكثر ما يترشح منها إليه من الصفراء. وذلك بلذعه يسرع خروج ما في تجويفه من الغذاء وكذلك العروق الماصة هي بقربه كثيرة.
فكثيراً ما تأخذ منه من الغذاء وذلك موجب لخلوه وكذلك الكبد لقربها منه يكثر ما يمتصه من الغذاء وجميع ذلك موجب لخلو تجويفه لذلك يسمى بالصائم. وإذا كان كذلك فالمعاء الذي بعد هذين لا بد من أن يكون كثير التلافيف لكثير مقام الغذاء فإن بقاءه في هذين المكانين قليل.
أما الأول فلأجل استقامته. وأما الثاني فلما قلناه.
وهذا المعاء الثالث يسمى بالدقيق. ولكن هذه الثلاثة جميعها دقاق لأن ما فيها من الغذاء يكون بعد رقيق القوام سيالاً، ومع ذلك فإن جرمها دقيق وذلك ليسهل ترشيح الغذاء من مسامها ولما اختص الأول منها باسم الاثني عشرى واختص الثاني باسم الصائم بقي هذا الثالث ليس له حالة يستحق لأجلها اسماً خاصاً فخصوه بالاسم العام للثلاثة وهو الدقيق.
وهذا المعاء طويل ملتف ليطول بقاء الغذاء فيه ليستوفي منه الكبد ما يحتاج أن يأخذ منه من الغذاء والذي يأخذه من هذه الثلاثة إنما هو الدقيق الجرم. وأما ما لم يتم هضمه ولم تكمل رقة قوامه، فإن أخذ الكبد له كالمتعذر فلذلك احتيج أن يبقى الغذاء في معاء آخر مدة طويلة ليتم انهضام باقي الغذاء فيه فلا يبقى منه ما يتعذر نفوذه إلى الكبد، وإنما يمكن بقاء الغذاء في ذلك المعاء مدة طويلة إذا كان كثير التلافيف جداً كثير الطول أو كان ذا فم واحد ليكون الفم الذي يدخل فيه الغذاء هو الذي يخرج منه ولابد من أن يكون مع ذلك شديد القرب من الكبد حتى يمكن عملها فيه وأخذها الغذاء منه ويلزم ذلك أن يكون هذا المعاء على الوجه الثاني اعلأي يكون ذا فم واحد إذ لو كان على الوجه الأول أعني كثير الطول كثير التلافيف لم يتسع المكان حتى تكون جميع أجزائه بقرب الكبد فلا بد أن يكون على الوجه الثاني وهو أن يكون ذا فم واحد وإنما يمكن ذلك بأن يكون طرفه الأخير وهو الذي في اليمين مسدوداً أعني أنه لا يكون له هناك فم، ويكون طرفه الأخير وهو البعيد عن الكبد متصلاً بما بعده من الأمعاء وتكون المعاء المعروف بالدقيق نافذاً في جرمه عند قرب اتصاله بالمعاء الذي بعده وهذا المعاء يسمى بالأعور وهو متسع كأنه كيس والغرض بذلك أن يكون فيه الغذاء مدة طويلة ليتم انهضامه فيه، ويكثر ما يأخذه الكبد منه وأما المعاء الذي بعده وهو الذي يتصل بفمه فيجب فيه أن لا يكون مستقيماً وذلك لأن الغذاء إذا تم انهضامه في المعاء الأعور فإن الواصل منه إلى الكبد إنما يكون بما هو بقرب ظاهره فقط. وإما أن يكون في عمقه فإنه لا يتمكن من الرشح حتى يأخذه الكبد إلا بأن يصير بقرب الظاهر وذلك إنما يمكن بأن ينفذ في معاء كثير التلافيف طويل حتى يحدث بسبب ذلك الغذاء تغير في أو ضاعه فإذا صار ما كان في عمق المعاء الأعور في قرب ظاهر هذا المعاء الذي بعده يمكن من الترشح حتى يأخذه الكبد بنفسها وبانتشاف العروق التي هناك ثم نقلها إياه إلى الكبد من العرق المسمى بالباب فلذلك المعاء الذي يندفع إليه الغذاء من المعاء الأعور لابد من أن يكون كثير الطول كثير التلافيف فلذلك يستحيل أن يكون هو المعاء المستقيم المسمى بالسرم فلا بد من أن يكون غيره ومن ذلك المعاء يجب أن ينفذ الثفل إلى المعاء المستقيم لأنه يكون حينئذٍ قد يخلص من الغذاء الذي يحتاج إلى نفوذه إلى الكبد وبقي ثفلاً فقط، ومن ذلك المعاء المستقيم يندفع إلى خارج برازاً، وهذه المعاء الذي يندفع إليه الغذاء من المعاء الأعور هو المعاء المسمى بالقولون وسمي بذلك لأن حدوث القولنج في أكثر الأمر يكون فيه وذلك لأن الغذاء يندفع إليه من الأعور. وهو كثير مجتمع قد غلظ جرمه بكثرة ما انفصل من المعاء من المعدة الرقيق الرطب الصافي، وإذا كان هذا المندفع كذلك وجب في كثير من الأحوال أن تحدث شدة لأن الغذاء ينتقل إليه بعد أن كان في وعاء متسع فينتقل من سعة إلى مضيق وذلك محدث للشدة فلذلك الانسداد الحادث في الأمعاء المحدث للقولنج الحقيقي، إنما يحدث في هذا المعاء ولذلك يسمى قولون مشتقاً من اسم القولنج وهذه الثلاثة جرمها غليظ ليكون قوياً فلا تنخرق بقوة تمديد الثفل وحدته وتجويفها كثير السعة خاصة الأعور فإنه كالكيس كثير السعة وبعده في السعة المعاء المستقيم أما زيادة سعته فليتسع ثفلاً كثيراً كما قلناه أو لاً وأما أنه أقل سعة من الأعور فلأن الأعور يحتاج أن يجتمع فيه شيء من مادة الغذاء والثفل لينضج فيه كما قلناه فلذلك اقل هذه منفعة هو المعاء القولون.
هذه الأمعاء الثلاثة الأمعاء الغلاظ، كما تسمى تلك الثلاثة الأولى الأمعاء الدقاق. ولما كانت هذه الغلاظ تحتاج أن يكون جرمها أقوى واصبر على خدش الثفل في داخلها جرم شحمي ليمكنها من ملاقاة الثفل فيقل تضررها به.
والله ولي التوفيق.
● [ البحث الثالث ] ●
المخالفة بين المريء والمعاء الاثني عشري
المخالفة بين المريء والمعاء الاثني عشري
قال الشيخ الرئيس رحمة الله عليه والمعاء الاثني عشري ... إلى قوله: وسعتها سعة فمها المسمى بواباً.
الشرح
قوله إن النافذ من المريء لا يتعاطاه من القوى الطبيعية إلا قوة واحدة وإن كانت الإرادية تعينها. نفوذ الغذاء في المريء هو عندنا بقوة إرادية فقط لا بقوة طبيعية لكن هذه الإرادية عندنا منها إرادية مطلقة وهي التي معها شعور بالفعل وبأن ذلك الفعل مراد وهذه هي التي تسمى في المشهور إرادية. ومنها إرادية طبيعية وهي التي الإرادة فيها للقوة الحيوانية التي لنا، وهي إرادية لتلك القوة ولا يلزم ذلك أن تكون إرادية لنا، وكذلك اندفاع الغذاء عن المعدة إلى الاثني عشري هو أيضاً عندنا بهذه الإرادة الطبيعية، وبالقوة الجاذبة التي هي في هذا المعاء. وهي أيضاً إرادة طبيعية فنفوذ الغذاء في هذين العضوين هو في كل واحد منهما بقوتين لكن القوتان اللتان ينفذ بهما الغذاء في المريء من نوعين متقاربين بالجنس، وكلاهما إرادي وهما جاذبتان لكن إحداهما تجذب بالإرادة المطلقة، والأخرى تجذب بالإرادة الطبيعية وأما القوتان اللتان ينفذ بهما الغذاء في المعاء الاثني عشري، فهما أيضاً إراديتان والإرادة فيهما من نوع واحد وهي الإرادة الطبيعية لكنهما مختلفتان بالجنس اختلافاً كبيراً، وذلك لأن إحداهما جاذبة، والأخرى دافعة لأن نفوذ الغذاء في هذا المعاء يتم بجاذبة هذا المعاء، ودافعة المعدة وقد عرفت أنا قد بينا أو لاً أن جميع الأفعال التي تتم بالليف وهي الجذب والدفع والإمساك جميعها عندنا إرادية ولكن من الإرادات الطبيعية.
قوله: إذا كانت المعدة تحتاج إلى جذب لما ينفذ فيه. لكن حاجة المعدة إلى الجذب أكثر لأن المجذوب إليها الغذاء، والغذاء من شأنه أن يجذب إلى الأعضاء، وأما المجذوب إلى الأمعاء فهو أكثر فضل الغذاء والفضلات من شأنها أن تندفع لا أن تجذب فلذلك كان من الغالب على ليف الأمعاء هو الليف العرضي العاصر فإن هذا الليف فعله الدفع.
قوله: وكالطحال يسره أما أن بعض الكبد يحصل في الجانب الأيمن تحت المعدة فذلك ظاهر فإن بعض زوائدها تكون كذلك، وأما الطحال فإنه ليس يكون تحت المعدة بل عن يسارها من أسفل أي من أسفل يسارها لأنه يكون تحتها بجملته.
والله ولي التوفيق.
● [ البحث الرابع ] ●
تشريح المعاء الصائم والمعاء الدقيق
تشريح المعاء الصائم والمعاء الدقيق
قال الشيخ الرئيس رحمة الله عليه والجزء من الأمعاء الدقيقة ... إلى قوله: كما يخلو عن عروق كبدية تأتيها لمص وجذب.
الشرح
زيادة هضم الأمعاء الدقيقة على الأمعاء الغليظة ليست بجواهرها فإن الجوهر الدقيق أقل حصراً للحرارة لكن استيلاء الأجرام الأخرى عليه أكثر لأن الرقيق يتمكن بقوة المجاورة له من النفوذ في جرمه أكثر فإذا كان ذلك العضو المجاور ذا قوة قوية الهضم كما هو المجاور للأمعاء الدقاق جرم الكبد وهي قوية الهضم جداً كان هضم ذلك الرقيق بذلك أكثر فلذلك يكون هضم هذه الأمعاء الدقاق بسبب مجاورتها للكبد أشد من هضم الأمعاء الغلاظ بكثير، وأما الأمعاء الغلاظ فإن قوتها على دفع ما في داخلها وإخراجه أقوى كثيراً من قوة الأمعاء الدقاق وذلك لأن الأمعاء الدقاق في غالب تكون ما في داخلها سيالاً شديد القبول للتحرك والسيلان، فلذلك يكفي في دفعه إلى الأمعاء الأخر أيسر قوة فلذلك لم يحتج أن يخلق قوى هذه الأمعاء قوية الدفع. ولا كذلك الأمعاء الغلاظ فإن ما في داخلها في أكثر الأمر يكون غليظاً عسر الإجابة إلى الاندفاع فلذلك احتيج أن تخلق قواها الدافعة قوية، وأما هضمها بذواتها فقد يكون أقوى بكثير من هضوم الأمعاء الدقاق بذواتها وأما الهضم بسبب مجاورتها الكبد فإنه في الدقاق أقوى لأجل قربها من الكبد مع رقة جرمها.
والله ولي التوفيق.
● [ البحث الخامس ] ●
الكلام في بقية الأمعاء وهي الأمعاء الغلاظ
الكلام في بقية الأمعاء وهي الأمعاء الغلاظ
قال الشيخ الرئيس رحمة الله عليه ويتصل بأسفل الدقاق معاء يسمى الأعور ... إلى قوله: أكثر من عضل الكبد لحاجتها إلى حس كثير.
الشرح
إن هذا المعاء المسمى بالأعور اختص بأمور: أحدها: أنه ذو فم واحد يدخل فيه الغذاء من المعاء المعروف بالدقاق ومن ذلك الفم يخرج منه المعاء المسمى قولون.
وثانيها: أن هذا المعاء مع أنه من الغلاظ فإن هضمه أقوى من هضم جميع الأمعاء غليظها ورقيقها، وإنما كان كذلك لأنه مع قربه من الكبد فإن الغذاء فيه ثابت لا يتحرك من موضع إلى غيره، وذلك أقوى الأسباب على قوة الهضم فلذلك في هذا المعاء يتم هضم جميع ما فات المعدة إتمام هضمه فلذلك نسبته إلى الأمعاء الغلاظ الأخر كنسبة المعدة إلى الأمعاء الدقاق.
وثالثها: إنه مع أن الثفل يدوم فيه مدة طويلة فإنه شديد الإعانة على دفعه جملة وذلك لأن الشيء القليل قد يعسر دفعه بطريق العصر بخلاف الكثير المجتمع فإن جرم العصر يتمكن منه أكثر من تمكنه من القليل المتفرق. وباقي ألفاظ الكتاب ظاهرة.
والله ولي التوفيق.
●[ يتم متابعة القسم الثاني : تشريح الأعضاء الآلية ]●
شرح تشريح القانون لإبن سينا
تأليف : إبن النفيس
منتدى حُكماء رُحماء الطبى . البوابة
شرح تشريح القانون لإبن سينا
تأليف : إبن النفيس
منتدى حُكماء رُحماء الطبى . البوابة