من طرف بص وطل الإثنين مايو 28, 2018 10:09 pm
بّسم الله الرّحمن الرّحيم
مكتبة العلوم الشرعية
فقه العبادات
سؤال وجواب
{ تابع أسئلة في الطهارة }
● السؤال العاشر
مَا هِيَ الأَعضَاءُ الْمَمْسُوحَة فِي الطَّهَارَةِ ؟ وَكَيْفِيَّةِ ذَلِكَ ؟
● الجواب
أمَّا طَهَارَةُ التَّيمّمِ :
فتشترك الطَّهَارَتَانِ الكُبرَى والصُّغرَى :
بِوُجُوب مسحِ المتيمِّمِ بِوَجْهِهِ جميعِه وَيَدْيه إِلَى الْكُوعَيْنِ .
حيث تعذَّرَ استِعمَالُ الماءِ ؛ لعَدَمِهِ ، ولضَرَرٍ يُلحَقُ بِاسْتِعْمَالِهِ ؟ عَلَى مَا هُوَ مُفَصَّلٌ فِي بَابه ، وَلكِنَّهُ رَاجِع إِلَى هَذَا الضابِطِ .
ومن الحِكمَةِ في أن الطَّهَارَتَيْنِ في التيمم تَسَاوَتَا في ذَلِكَ :
أَنَّ البَدَلَ لا يَجِبُ أَن يُسَاوِيَ الْمُبْدَل مِنْهُ ، بل يَحْصُلُ فِيهِ من التَّخفِيفِ بِحَسَبِ الحَالِ المناسِبَةِ وهَذَا مِنْهُ .
ولأن القَصْدَ التَّعَبُّدُ لِلَّهُِ بتعفِيرِ الوَِجهُِ واليَدَينِ بالتُّرَابِ ، وَلِيَسْ فِيَهُ نَظَافَة حِسِّيَّة فاشتَرَكَا .
وَأَمَّا طَهَارَةُ الْمَاء :
فالطَّهَارَةُ الكُبْرَى :
لا مَسْحَ فِيهَا لا عضو أَصْليّ ، وَلا شَيء مِنَ الْحَوَائِل الْمَوْضُوعَة عَلَى الأعضَاءِ للحَاجَةِ إِليهَا .
إلا الْجَبِيرَة الْمَوْضُوعَة عَلَى كَسْرٍ أو جرحٍ ؛ فإِنَّها تُمسَحُ كُلُّهَا في الطَّهَارَتَيْنِ للضرُورَةِ .
وَلِذَلِكَ لا تَوْقِيت لَهَا ، بَل تُمسَحُ مَادَامَتْ عَلَى الْعُضْو المحتَاجِ إِلَيهَا .
وَأَمَّا الطهَارَةُ الصُّغرَى :
فَالْمَمْسُوح فيها نَوَعَان : أَصليٌّ وَحَوَائِل عَوَارِض .
أمَّا الأَصليُّ : فَهُوَ مَسحُ الرأس وَالأُذُنِينَ .
فَيَجِب مَسْحُ ذَلِكَ كُلِّهُ كلَّما وَجَبَتْ الطَّهَارَةُ .
وَيَصِيرُ حُكْمُهُ حُكْمَ الأَعْضَاءِ الْمَغْسُولَة ببَقَاءِ الطَّهَارَةِ حَتّى وَلَوْ زَالَ شَعْرُ الرَّأْسِ بَعْدَ الطَّهَارَةِ لم تَنتَقِضِ الطَّهَارَةُ إلا بِنَوَاقِضِهَا المعرُوفَةِ .
وَأَمَّا الْحَوَائِل العَوَارِضُِ: فالعمَامَةُ عَلَى الرَّأْسِ للرَّجُلِ .
- وَكَذَلِكَ الخمارُ للمَرْأَةِ ، حَيثُ حَصَلَ نَوْع مشَقةٍ بنَزع ذَلِكَ .
- ومَا يُلْبَسُ في الرِّجلِ مِنْ خفّ وَنَحْوه للرَّجُلِ وَالْمَرْأَة ، فَهَذِهِ للمَسْحِ عَلَيهَا شُرُوطٌ ، وَهي تَقَدُّمُ الطَّهَارَةِ بِالْمَاءِ بأَن يلْبِسَهَا وَهُوَ طاهرٌ كامل الطَّهارَةِ قَوْلاً وَاحِدًا في هذا كُلِّهِ .
وَيُشْتَرَطُ أَيضًا عَلَى المذْهَبِِ: أَنْ يَكُونَ الخفُّ سَاتِرًا سترًا تَامًّا ، لا فَتْقَ فَيهَ وَلا خَرقَ ، لا صغير وَلا كَبِير .
والصَّحِيحُ : عَدَمُ اعتِبَارِ هَذَا الشَّرْطِ ؛ لعُمُوِمَاتِ النُّصُوص المبيحة للمَسْحِ عَلَيْها مِن دُون قَيدٍ ، مَعَ أنه لوِ كَانَ شَرطًا لَبيّنَه الشَّارِع بيانًا وَاضحًا لشدَّة الْحَاجَة إِلَيْهِ .
ولأَنهُ يعلم أَن خفافَ الصَّحَابَةِ - رضي الله عنهم - لا تَخلُوِ مِنْ فَتقٍ أَو شَقّ ، وَلِذَلِكَ عَفَا الأصحَابُ في العمَامَةِ عن بروز بَعضِ الرَّأْسِ الذي جَرَتْ بهُ العَادَةُ .
فَدَلّ عَلَى : أَن العَادَةَ لها حُكمٌ وَاعْتِبَار في هَذَا الْوَضْع .
وَأَمَّا كيفية مَسْحِ ذَلِكَ :
فلا يجبِ استِيعَابُهُ بَل يَكفِي فِيهَ أَكثرُ ظَاهِرِ الخفينِ وأَكْثَرُ العِمَامَةِ والخمار؛ لأنه لما انتقل إِلَى المسْحِ وَسهل فِيهَ زَادَتِ السُّهُولَة بعدم وُجُوب الاستيعاب .
وَهَذَا النَّوْع من المسْحِ مُخْتَصّ بالطَّهَارَةِ الصُّغْرَى .
وَلذَلِكَ وُقّتَ فِيهِ : لِلْمُقِيمِ يوم وَلَيْلَة ، وَلَلْمَسَافِر ثَلاثةُ أَيامٍ بِلَيَالِيهَا.
وَالابْتِدَاء : مِنَ الحَدَثِ عَلَى الْمَشْهُور مِنَ الْمَذْهَب ؛ لأَنَّهُ السَّببُ المُوجِبُ.
وَعلى الصَّحِيحِ : الابتداءُ مِن أَوَّلِ المسْحِ .
لأَن النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - جَعَلَ هَذِهِ المدةَ كُلَّهَا تمسحُ .
ثم ما كَانَ مَمْسُوحًا ، لا يُشْرَعُ فِيهِ تكرارٌ ، بل مرَّةٌ واحدةٌ كافيةٌ .
وهَذَا النَّوْع الأَخِيرُ هَل إذا زَالَ الْمَمْسُوح وَالطَّهَارَة باقِيَة تَبْطُلُ الطَّهَارَةُ بِزَوَالِهِ كما هُوَ المذهبُ ، أو الطَّهَارَةُ بَاقِيَةٌ ما لم يُوجَد ناقِضٌ شَرعيٌّ؟
وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ : ولا فرقَ في الحقيقة بينَ زَوَالِ الخُفِّ وَزوَال شَعرِ الرَّأسِ .
وَكَذَلِكَ الخِلافُ إذا تمَّتِ المدةُ ، هل تُنتقَضُ الطَّهَارَةُ أَوْ تَزُولُ مُدَّةُ المَسْحِ فَقَط ، وَهُوَ الصَّحِيحُ .
وهَذَا الْقَوْلُ الصَّحِيح : في الْمَسْأَلَتَيْنِ هَذَا هُوَ أَحد القَوْلَينِ في الْمَذْهَبِ اختَارَهُ جماعَةٌ مِنَ الأصحَابِ وَاللْهُ أَعلَمُ.
● السؤال الحادى عشر
هَل يَجِبُ إِيصَالُ الطَّهارَةِ إِلَى مَا تَحتَ الشّعرِ كَاللِّحْيَةِ وَنَحوِهَا أَم لا ؟
● الجواب
أمَّا التيمم : فيكفي مَسْحُ ظَاهِرِ الشَّعْرِ ، خَفِيفًا كَانَ أو كَثِيفًا ، في الحَدَثِ الأَكْبَرِ والأَصْغَرِ .
وأما طَهَارَةُ الماء :
- فإن كَانَ الحَدَثُ أَكبر : فلابد من إِيصَال الْمَاء إِلَى بَاطِنِ الشَّعْرِ كَظَاهِرِهِ [خَفِيفًا كَانَ أو كثيفًا .
- فإن كَانَ الحَدَث أصغَرَ : فَيَجِب إِيصَاله إِلَى بَاطِنِ الشَّعْرِ الخَفِيفِ، وَهَوّ الَّذِي تُرَى البَشرَةُ مِن وَرَائِهُ ، ويَكْفِي ظَاهِرُ الشَّعرِ الكَثِيفِ .
وَيُسَنُّ : إِيصَاله إِلى بَاطِنِه في شَعْرِ الْوَجْه دُونَ شَعْرِ الرَّأْسِ.
● السؤال الثانى عشر
عَن كَيفِيَّةِ تَطهِيرِ الأشيَاءِ المتنجِّسَةِ وَهَل يَجِبُ للصَّلاةِ أَمْ لا ؟
● الجواب
النَّجاسَاتُ ثلاثةُ أَنْوَاع :
1- خَفِيف 2 - وثَقِيلٌ 3- وَمُتَوَسَّط .
(1) فأَمَّا الخَفِيفُ مِنَ النَّجَاسَات :
فمثل : بَوْل الغُلامِ الصَّغِيرِ ، الَّذِي لم يأكل الطَّعَامَ لشهوة.
فهذا يكفِي فيه غَمْرُهُ بِالْمَاءِ مَرَّةً وَاحِدَةً ؛ قَوْلاً وَاحِدًا في الْمَذْهَبِ .
كمَا صَحت به الأحادِيثُ.
و « قَيْؤُهُ » أَخَفُّ حُكمًا من « بَوْلِهِ » .
وَكَذَلِكَ عَلَى الصَّحيحِ « المذي » : فإنَّهُ يكفي فِيهِ النَّضحُ .
كَما ثَبَتَ بِهِ الحَدِيث.
وَهُوَ الْمُوَافَق لحكمةِ المشقةِ .
- وَمِثْلُه : النَّجَاسَةُ عَلَى أَسفلِ الخُفِّ وَالحِذَاءِ وَنَحْوه فيكفي مَسْحُهَا بالأَرْضِ وَالتِّرَاب .
كما صَحتْ بِهِ الأحَادِيث.
وَهُوَ الْمُوَافَق للحكمَةِ الشرعية.
- ومِثلُ هَذَا : مسحُ السيفِ الصَّقيلِ وَسِكِّين الجزارِ ونَحوِهَا .
ولكن الْمَشْهُور من المذهَبِ في هذه الصَّوْر : لابد مِن غَسلِهَا .
وَقَد تَفْدِم مما هَوّ خفيف : النَّجَاسَةِ الخارِجَةِ من السبيلين عَلَيهِمَا أنهُ يَكفِي فِيهَا الاسْتِجْمَار بِالاتِّفَاقِ .
فكُلَّما شَقّ وَاشْتُدَّتْ الحاجَةُ إِِلَيهُِ سَهَّل فِيهِ الشَّارِع .
وكذَلِكَ النَّجاسَةُ إِذَا كانت على الأرض : فيكفِي فِيهَا غَسلَةٌ وَاحِدَةٌ تذهَب بُِعَينِ النَّجَاسَةِ .
كما : أَمَرَ النبي - صلى الله عليه وسلم - في غَسلِ بَوْل الأعرابي ، أَن يُصَبَّ عَلَيه ذَنُوبٌ مِن مَاءٍ.
- ومثلهِ: ما انَّصَلَ بالأرْضِ مِن الأحوَِاضِ والأحجَارِ وَنحوها ، يكفِي فِيهَا مرَّةٌ واحِدَةٌ ؛ قولاً واحِدًا في هذْا كُله .
وكذلك على الصَّحِيحِ : النَّجَاسًةُ الَّتي في ذيلِ المرأة.
كما ثبت به الحديث .
وَالمذْهَبُ: لابد مِن غَسْله .
وَكل هَذِهِ المسَائِلِ تُعَلَّلُ بِالْمَشَقَّةِ بل قَد تَكَون الْمَشَقَّة مُوجِبَةً لِعَدَمِ إِيجَاب غَسلِ المتنجِّسِ .
كَقَوْل الأَصحابِ رَحِمَهُمُ اللَّهُ : وَلا يَجِبُ غَسْلُ جَوَانِب بئرٍ نُزِحَتْ للمشَقةِ.
وكذلك الإِنَاءُ الذي تَخمَّرَ فِيهِ العصيرُ ثم تخلَّل : لا يجبِ غَسْله .
وَكَذَلِكَ الحفِيرَةُ الَّتي فيها مَاءٌ نجسٌ إِذا طهر .
وكُلُّ هذا : قَوْل وَاحِد في الْمَذْهَب .
وَكَذَلك عَلَى الصحيح : لا يَجِبُ غَسْلُ مَا أَصَابَه فَم كَلْب الصَّيْد مِنَ الصَّيْد لعدم أَمرِ الشَّارعِ بِغَسْلِ مَحَلِّ ذَلِكَ .
وَالمذَهَبِ: لابد مِنْ غَسْله وَهُوَ ضَعِيفٌ .
وَكَذَلِكَ النَّجَاسَةُ وَالْجَنَابَة في دَاخِلِ العَينِ لا يَجِب غسلُهَا .
وَكُلُّ هَذِهِ يُحْكَمُ لَهَا بِالطَّهَارَةِ مَعَ وُجُود سَبَب التَّنَجُّس للحكْمَةِ الَمَذْكُورَة .
وأمَّا الاضطِرَارُ عَلَى بقَاءِ النَّجَاسَةِ في بدنٍ أو ثَوْب أوبُقْعَة ، وصحة الصَّلاةِ مَعَ ذَلِكَ : فتِلكَ مسألة أُخرَى ترجع إِلى أصلِ صَحَّة العبادةِ مَعَ فَقْدِ شَرْطِهَا الْمَعْجُوزِ عنهُ كما يأتي .
(2) وأَمَّا الثقِيلُ من النَّجَاسَات :
- فَنَجَاسَةُ الكلبِ .
- وَمَا أُلحِقَ به من الخنْزِيرِ .
فإنَّه لابِد فيهَا مِن : سَبعِ غَسلاتٍ ، وأن يَكُون إِحْدَاهَا بِتُرَابٍ وَنَحْوه .
كما أمر به النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - في نجاسَةِ الْكَلْب.
وَأَلحَقَ العلماءُ فِيه: الخنْزِير ؛ لأَنَّهُ شَرّ منْه .
(3) وَالنَّوْع الثَّالِث : مَا سُوَى ذَلِكَ مِنَ النَّجَاسَاتِ عَلَى البَدَنِ ، أو الثَّوْب، أو الأَوَانِي وَنَحْوهَا ، فَلابدّ فِيهَا مِنْ زِوَال عينهَا قولاً واحدًا .
وهَلْ يُشْتَرَطُ مَعَ هَذَا غَيرُه أَمْ لا ؟
وَالصَّحِيح : أَن النَّجَاسَة مَتَى زَالَتْ عَلَى أَيِّ وَجَهَ كَانَ بأَيِّ مُزِيلٍ كَانَ فَإِن المحل ّ يطْهر ، مِن غَيرِ اشتراطِ عددٍ وَلا مَاء .
وَهُوَ ظَاهِرُ النُّصُوص ؛ حَيثُ أَمَرَ الشَّارِعُ بِإِزَالَة النَّجَاسَةِ .
- وأزَالَهَا تَارَةً بِالْمَاءِ .
- وَتَارَة بِالْمَسْحِ .
- وَتَارَةً بِالاسْتِجْمَارِ .
- وتَارةً بِغَيرِ ذلك .
وَلْم يَأمُر بغَسْلِ النجاسات سَبعًا ، سُوَى نَجَاسَةِ الكَلْب .
وكما أَنه مُقتَضَى النُّصُوص الشرعية فإِنهُ مناسب غايةَ المناسَبَةِ ؛ لأن إِزالةَ النَّجَاسةِ من بَاب إِزالَةِ الأَشيَاءِ المَحْسُوسَة .
وَلِذَلِكَ قَالَ الفُقَهَاءُ : إِنَّهَا مِنْ بَاب التُّرُوكِ ؛ الَّتي القَصْدُ إِزَالَة ذَاتِهَا بقَطْعِ النَّظر عَنِ المُزيل لَهَا .
وَلِهَذَا لم يَشْتَرِطُوا فِيهَا نية ولا فِعْلَ آدميٌّ . فلوِ غسلَهَا مِن غَيرِ نية أو غَسَلَهَا غيرُ عَاقِلٍ أَو جاءَهَا الماءُ فانصبَّ عَلَيهَا : طَهُرَتْ .
بِخِلافِ طَهَارَةِ الحَدَث التي هِيَ عِبَادَة لابد مِن نيتها ، واشتَرَطَ لَهَا الشَّارِعُ مِنَ التَّرْتِيب ، وَالْمُوَالاة ، وَالكَيْفِياتِ ، والنية مَا يُوجَب أَن تَكَون عِبَادةً مَقْصُودَة .
وَلِهَذَا شُرِعَ في هَذَا النَّوْع : العَدَدُ ، والتَّثليثُ في الوُضُوء .
وَفي الغُسلِ كله ؛ عَلَى الْمَذْهَب .
وعَلَى الصَّحِيحِ : لا يُشْرَعُ إلا تثليثُ إِفَاضَة المَاء عَلَى الرَّأسِ .
حَيثُ وَرد فِيهِ الحَدِيثُ.
وأمَّا الْمَشْهُور من الْمَذْهَب فِي هَذَا النَّوْع : فَلابدّ مِنْ غَسْله بِالْمَاءِ سَبْعِ مرات ؛ قِيَاسًا عَلَى نجاسَةِ الْكَلْب .
وَلكنَّهُ قَوْل في غايةِ الضَّعفِ وَالقِيَاسُ لابدّ فِيه منْ مُسَاوَاةِ الأَصْل للفرع وأَن يُحْكَمَ عَلَى الأمرَينِ بحكمٍ واحدٍ .
فَالْمُسَاوَاة مُنْتَفِيَة ، بعدَمَا خص الشَّارِعُ الْكَلْب بذلك .
والحكم مختلف .
فعِندَ القائلين بهذا الْقِيَاس : لا يُوجِبُونَ التّرَاب ، وَحَيثُ تبين كَيْفِيَّة إِزالَةِ النَّجَاسَةِ باختلافِ أَحْوَالهَا .
فكُلُّ نَجَاسَةٍ يَجِب إِزَالَتهَا ، فإزَالَتُهَا من البَدَنِ والبُقْعَةِ وَالثَّوْب شَرط لَصَحَّة الصَّلاةِ لأمْر الشَّارِع بِتَطْهِير البَدَنِ وَالثِّيَاب .
وذَلِكَ لا يَجِب لِغَيرِ الصَّلاة ، فتَعينَ وَجُوبه لَلصَّلاة .
وقولنَا : ''كُلُّ نَجَاسَة يجبُ إِزَالَتهَا احتراز مِن أَمرَينِ : أَحدهما : إِذَا اُضْطُرَّ الإِنسَانُ إِلَى بَقَائِهَا بأَنْ :
- عَجَزَ عَنِ الْمَاء الذي يزيلها وغيره .
- أو كَانَ تَضره إِزَالَتهَا .
- أَو لم يَجِدْ إلا ثَوْبًا نَجِسَا يُصَلِّي بِهِ .
- أو حُبِسَ بِبُقعةٍ نَجِسَةٍ لا يَسْتَطِيعُ الخُرُوج مِنْهَا.
فهذا مُضْطَرّ ، وَالمضطر معذور اتِّفاقًا ، وَعَلَيْهِ أن يصلِّي في هَذِهِ الحالِ وَلا يُعِيدُ فِيهَا كُلِّها عَلَى القَولِ الصَّحِيحِ الذي تدل عَلَيهِ الأُصُول الَشَرْعِيَّة .
وأمَّا الْمَشْهُور مِنَ المذْهَب فيها : فإِنَّهُ أيضًا لا يُعِيدُ ؛ إِذا حبِسَ ببقعَةٍ نَجِسَةٍ ، وَلا إِذَا صَلَّى وَعَلَى بَدنه نَجَاسَةٌ يَعجَزُ أو يَتَضَرَّر بِإِزَالَتِهَا ، لكن يتيمَّمُ عَنهَا إذا كَانَتْ عَلَى البَدَنِ ، قِيَاسًا عَلَى التَّيمُّمِ للحَدَثِ .
وأمَّا نَجَاسَةُ الثوب والبُقعَةِ : فَلا يتيمم لَهُما قولا وَاحِدًا .
والصَّحِيحُ أيضًا : وَلا نَجَاسَةُ البَدَنِ ؛ لأَن القِيَاسَ عَلَى الحَدَثِ غيرُ صَحِيحٍ .
وَلَوِ كَانَ صَحِيحًا ؛ لَوَجَبَ أَنَّ يعم الذِي عَلَى البَدَنِ وَالثَّوْب والبُقعَةِ.
وَالشَّارِعُ إِنَّمَا شَرَعَ التَّيمُّمَ للأحدَاثِ فَقَط.
وأَمَّا إذا صَلَّى في ثوب نَجِسٍ : فَعَليهِ الإِعَادَة عَلَى الْمَذْهَب .
وَلَيسَ لِهَذَا الْقَوْل حَجَّة أَصْلاً .
وَالصَّوَاب كَما تَقدم : أَنْهِ يُصَلِّي وَلا يُعِيدُ .
فإِن اللَّهُ لم يُوجَب عَلَى أَحَدٍ أَنْ يُصَلِّي الفَرْضَ مَرْتَيْنِ إِلا إِذَا أَخَلْ بمَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ منِ وَاجِبَاتهَا الشرعية .
الأمر الثاني : احترازٌ مِنَ النَّجاسَاتِ التي يُعفَى عَنهَا ، أو يُعفَى عَن يَسِيرِهَا.
كالدَّمِ والقَيء ونَحْوِهما .
فإِذَا صَلَّى مَعَ وَجُودهَا حَيثُ عُفِيَ عَنهَا : فَإن صَلاته صَحِيحَة اتِّفَاقًا وهَذَا مَعنَى الْعَفْوَ عَنهَا واللَّهُ أَعلم.
كتاب: إرشاد أولى البصائر والألباب
لنيل الفقة بأيسر الطرق والاسباب
تأليف: عبد الرحمن بن ناصر بن عبد الله السعدي
منتدى ميراث الرسول ـ البوابة