من طرف بص وطل الخميس يونيو 14, 2018 8:41 pm
بّسم الله الرّحمن الرّحيم
مكتبة العلوم الشرعية
فقه العبادات
سؤال وجواب
{ أسئلة من كتاب الصلاة }
وقد يتناول غيرها من بقية العبادات
● السؤال الرابع والثلاثون
الَّذِي يقضيه المسبُوقُ هَلْ هُوَ أوَّلُ صَلاتِه أوْ آخرها ؟
● الجواب
لَيسَ بأوَّلِهَا في ابتِدَاءِ النِّيَّةِ وتَكبِيرَةُ الإِحرَامِ قَولاً وَاحِدَا .
وكَذَلِكَ : إِذَا أَدرَكَ المسبوقُ مِنَ الثُّلاثيَّةِ أَو الرُّبَاعِيَّةِ رَكعَةً فإِنَّه إذَا قَامَ يَقضِي مَا عَلَيهِ ، لا يسردُ رَكْعَتين بَل يُصَلِّي ركعَة ، ثم يَجلسُ للتشَهُّدِ ثمَّ يتمّ مَا عَلَيهِ .
ومَا سوَى هَذِه الصَّوَرِ الثَّلاثِ : فِيهَا قَولانِ في المذهَبِ ، هما رِوَايتَانِ عَنِ الإِمامِ أَحمد ، المشهورُ عِندَ المتَأَخِّرينَ أنَّ مَا يَقضِيهِ أَوَّلُ صَلاتهِ فيَستَفتِحُ له ، ويَستَعِيذُ ، ويَقرَأُ مَعَ الفَاتِحَةِ غَيرَهَا ، وهَذَا لأَنّ آلْقَضَاء يَحكِي الأدَاءَ ، فيقتَضِي أَنَّ الَّذِي يَقضِيهِ يَكُونُ بصفَةِ مَا فَاتَهُ سِوَى الصُّورِ المتقدِّمَةِ .
هَذَا حُجة هَذَا القَولِ .
وأَمَّا استِدلالُ بَعْضِهِم بأنّ فِي بَعضِ أَلفَاظِ حَدِيثِ أَبِي هُرَيرةَ : « فَمَا أَدْرَكْتُم فَصَلَّوا وَمَا فَاتَكُمْ فَاقْضُوا ».
فليسَ الاستِدلالُ صحيحًا ؛ لأنَ القَضَاء بمعنى الإِتمامِ كَما هُوَ طَرِيقَةُ الكِتَابِ والسُّنَّةِ .
والقَولُ الآخر : أن اَلَّذِي يَقضِيه هُو آخِرُ صَلاتِه .
وَهُوَ الصَّحِيحُ الَّذِي تَدل عَلَيهِ الأَدِلَّةُ والأُصُولُ والوَاقِعُ ، فإِنّ اَلْحَدِيث صَح بِلا شَكّ قوله : « وَمَا فَاتَكُمْ فأتموا » ، والإتمامُ بِنَاءُ الآخرِ على الأوَّلِ وتَتمِيمُه لَهُ ، ولفظَةُ : « فاقضُوا » بمعنَاهَا .
ويَدلّ عَلَى ذَلِكَ : الصُّوَر السَّابِقَةُ فَلَوْ كَانَ مَا يَقْضِيهِ أَوْل صَلاته لَوَجَبَ عَلَيهِ ابتدَاءُ النيةِ وتَكبِيرَةُ الإِحْرامِ في قَضَائه .
وأَيضًا : هَذَا خِلافُ الوَاقِع فَليسَ آخر الشَّيءِ هُوَ أوله ، لكن قَالَ بَعْضُ القَائِلينَ بِهَذَا القَولِ إذَا قَامَ لِقَضَاءِ أُولَتِي الرُّبَاعِيَّةِ أَو الثُّلاثِيَّةِ فَرَأ مَعَ الفَاتِحَةِ اسْتِدْراكًا للقِرَاءَة الفَائِتَةِ ، وهَذَا قَول حَسَنٌ.
● السؤال الخامس والثلاثون
إذَا سَبَقَ اَلْمَأْمُوم إِمَامَهُ فما حُكمُ ذَلِكَ ؟
● الجواب
المشرُوعُ أنَّ المأمُومَ لا يَشْرَعُ فِي رُكْنٍ حَتَّى يَصِلَ إِمَامُهُ إِلَى الرُّكنِ الَّذِي يليه كَمَا دَلَّتْ عَلَيهِ الأحَادِيثُ ، وعَمَلُ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّه عَنهُم .
وأمَّا سبقُ المأْمومِ لاٍمَامِهِ : فهذَا مُحَرَّم ، منهِي عَنهُ ، مُتَوَعِّد عَلَيهِ بالعقُوبَةِ، كما قَالَ النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - : « أَمَا يَخْشَى الَّذِي يَرْفَع رَأْسَهُ قَبْلَ الإمَامِ أن يُحَوِّلَ اللَّهُ رَأْسَهُ رأس حِمَارٍ ، أَوْ يَجْعَلَ صُورَتَهُ صُورَةَ حِمَارٍ ».
وقال : « إنما جُعِلَ الإمَامُ لِيُؤْتَم بِهِ ».
والحديثَانِ في الصَّحِيحين .
وأمًّا حُكْمُ سَبْقِهِ لَهُ ، فلا يَخلُو الحالُ :
- إِمَّا أَن يَكُونَ السَّبْقُ عَمدًا .
- وإِمَّا أَنْ يَكُونَ جَهلاً أَو نسيانًا .
فالعَمدُ : يبحَثُ فيه عَنِ الإثمِ ، وعَن بُطلانِ اَلرَّكْعَة ، وبُطلان الصَّلاةِ .
والجهلِ والنِّسيَانِ : إنما يُبحَثُ فِيهِما عَن بُطْلان الركعَةِ فَقَط .
وبيان ذَلِكَ : أَنَّه إِن سَبَقَهُ عَمْدًا ذَاكِرًا بِرُكْنِ الرُّكوعِ أَو بِرُكنَينِ غَير الركُوعَ ؛ فإن صِلاته تَبْطُلُ بمجرّدِ هَذَا السَّبقِ .
مِثَالُ سَبقِهِ بِرُكنِ : الرُّكُوع أَن يَركَعَ المأمومُ ، ويَرفَعَ مِنَ الرُّكُوعِ قَبلَ أَن يَصِلَ الإِمَامُ للرُّكُوعِ .
ومثَالُ السَّبقِ بِرُكْنين : أَن يَسجُدَ المأمُومُ قَبْلَ سُجُودِ إِمامِه ثُم يرفع ثم يسجُدُ السَّجدَةَ الثَّانِيَةَ قبل أن يَصِلَهُ الإِمَامُ : فهذَا تَبطُلُ صَلاتُه ويُعِيدُهَا مِن أوَّلِهَا.
وإنْ سَبَقَه بِركنٍ غَيرِ ركُوعٍ أَو إِلَى رَكْن الرُّكُوعِ بأَنْ رَكَعَ مثلاً قبل رُكُوعِ إِمَامه : فَهَذا عَلَيه أَنْ يَرجِعَ ليَأتيَ بالرُّكُوعِ بَعدَ إِمَامِه .
فَإنْ لَم يَفعَلْ حتَّى أَدرَكَهُ الإِمَامُ فيه : بَطُلَتْ صَلاتُه .
وَلا تَبطُلُ صَلاتَهُ بِمُجَرَّد هَذَا السَّبقِ إِلى رُكْن الرُّكُوعِ أَو برُكنٍ وَاحِدٍ غيرِ الرُّكُوعِ عَلَى المذهَب .
وعَن أحمَد مَا يَدُلُّ على بُطلانِ صَلاتِه بِمُجَرَّد السَّبقِ وَهُوَ ظَاهِرُ الأَدِلَّةِ.
فَهَذَا حُكمُ المتعمِّد .
وأَمَّا إِذَا وَقَعَ السَّبقُ نِسيَانًا أو جَهلاً : فَلا يَخلُو : إِمَّا أَنْ يَرجِعَ فِيَأتِي بما سُبِقَ بِهِ مَعَ الإِمَامِ ، أَوْ لا .
فإِنْ رجعَ : صَحَّتْ رَكْعَته مطلقًا سَوَاءً كان السَّبقُ إِلى رُكْنٍ أَو بِرُكْنٍ أَوْ بركنين أَوْ أَكثر .
فإنْ لم يرجِعْ حَتَّى لحَقَهُ الإِمَامُ :
فإِنْ كَانَ سَبقُه إِلَى رُكنِ الركُوع ، بأن رَكَعَ سَاهِيًا أو جَاهِلاً فبل إمَامِه ثُمَّ رَكَعَ الإمَامُ والسَّابِقُ في رُكُوعِه : صَحَّت رَكْعَته واعتَدّ بِهَا ومِثلُه : السَّبق بِرُكنٍ وَاحِدٍ غَيرِ الرُّكُوعِ .
وإِن كَانَ السَّبق بِرُكنِ الرُّكوعِ أو بِرُكنَينِ غَيرِ الرُّكوع :
- فَإن رَجَعَ قَبْلَ وُصُولِ الإِمَامِ له : صَحتْ أيضًا رَكْعتُه .
- وإِنْ لحَقَه الإِمَامُ : لغت الركعَة الَّتِي وَقَعَ فيها السَّبقُ .
هَذَا تَفصِيلٌ جَامِعٌ لأَحْوَالِ اَلْمُسَابَقَة ، وَقَدْ تبَيَّنَ : أنَّ الجَاهِل لا تَبطُلُ صَلاتُهُ على كُلِّ حَالٍ ، وكَذَلِكَ النَّاسِي ، وإنما التَّفصِيلُ المذكُورُ في رَكعَتِهِ هَل يُعْتَدَّ بِهَا أَمْ لا ؟
● السؤال
مَا هِيَ الصِّفَاتُ المعتَبرَةُ فِي الإِمَامِ فِي الصَّلاةِ اشْتِرَاطًا وأَوْلَوِيَّةً ؟
● الجواب
إِذَا جَمَعَ الإِمَامُ خَمْسَةَ أُمُورٍ :
1- اَلذُّكُورِيَّة.
2- والتَّكلِيفُ .
3- والإِسْلامُ.
4 -والعَدَالَةُ.
5- والقُدرَةُ عَلَى جَمِيعِ شُرُوط الصَّلاةِ وأَرْكَانِهَا : صَحَّتْ إِمَامَته في كُلِّ الأَحْوَالِ إِلا الجمعة فيُشتَرَطُ مَعَ الخمسَةِ:
1- اَلْحُرِّيَّة.
2- والاستِيطَانُ في القَريَةِ .
فَإِنِ اخْتل مِن هَذِهِ الأُمُورِ شيْء :
- فَإِمَّا أن لا تَصِح صَلاتُهُ وإمَامَتُه كالكَافِرِ .
- وإِمَّا أَنْ تَصِح صَلاته دُونَ إِمَامَتِه كالفَاسِقِ .
- وإمَّا أَنْ تَصِح إمَامَتُهُ في النَّفلِ مُطلقًا ، وفي الفَرضِ بمثلِهِ كالصَّبيِّ المميَّزِ .
- وإِمَّا أَنْ تَصِح إِمَامَتُه بمثْلِهِ فَقَطْ ، كَالْمَرْأَةِ والعَاجِزِ عَن شَيْء مِنَ اَلأَرْكَان وَالشُّرُوط .
ويُستَثنَى : الإمَامُ اَلرَّاتِب ، إِذَا عَجَزَ عَنِ القِيَامِ فَتَصِح إِمَامَتُه بالقَادِرِينَ عَلَيهِ.
وكَذَلِكَ : اَلرَّقِيق ، والمسَافِرُ ، وغَيرُ المتَوَطِّنِ : لا تَصِحُّ إمَامَتهُم في الجُمعَةِ.
هَذَا اَلتَّفْصِيل المذكُورُ هُوَ المشهُور في المذهَبِ .
وفِيهِ قَولٌ آخرُ : وَهُوَ الأَصَحُّ دَلِيلاً : أنَّ كُل مَن صَحَّتْ صَلاتُهُ لِنَفسِهِ صَحَّتْ إمَامَتُه ، بَلْ مَن لم تَصِح صَلاتُهُ لنفسِه إذا لم يَعلم به اَلْمَأْمُوم حتَّى فَرغَ فَلا إِعَادَةَ .
وَلَيسَ ثَمّ دَلِيل يَجِبُ المصِيرُ إِلَيهِ في إبطَالِ إِمَامَةِ الفَاسِقِ والعَاجِزِ عَنِ اَلشُّرُوط والأَرْكَانِ والصَّبيُّ البَالِغُ بل عُمُومُ اَلأَدْلَة تدلُّ على جَوَازِ ذَلِكَ :
وَالنَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ في أَئمَّةِ الجورِ : « يُصَلُّونَ لَكمْ فإِنْ أَصَابُوا فَلَهُمْ وَلَكمْ وَإِنْ أَخْطئوا فَعَلَيْهِمْ وَلَكمْ » .
والعَاجِزُ عَن وَاجِبَاتِ الصَّلاةِ لا يَصِيرُ مُخِلاًّ بِوَاجِبٍ عَلَيهِ ، فَكَما أنهُ مَعْذُور ؛ فالمصلِّي خَلفَهُ كَذَلِكَ .
وعموم قوله - صلى الله عليه وسلم - : « يؤم القَوْمَ أَقْرَؤهُم لِكِتَابِ اللَّهِ فَإِن كَانُوا فِي القِرَاءَةِ سَوَاءً فَأَعْلَمُهُم بِالسَّنَّةِ فَإِن كَانُوا بِالسُّنَّةِ سَوَاءً فَأقْدَمُهُمْ هِجْرَة » - وَهُوَ في الصَّحِيحِ - يتناول العَدلَ ، والفَاسِقَ ، والحرُّ ، والعَبْدَ ، والكَبِير وَالصَّغِير ، والمسَافِرَ ، والمقِيمَ ، والجُمعَةَ ، والجَماعَةَ ، والقَادِرَ ، عَلَى جَمِيعِ اَلأَرْكَان والشُّروطِ والعَاجِزُ عَن بَعضِهَا .
وَقَد أَمَّ عَمرو بن سَلمَةَ قَومَهُ وَهُوَ ابنُ سَبعِ سِنين في زَمَنِ النبي - صلى الله عليه وسلم - .
هَذَا في صِحَّةِ الإِمَامَةِ بَل فَقَط بِقَطعِ النَّظَرِ عَن اَلأَوْلَوِيَّة .
وأَمّا مَن هُوَ أَولَى بالإِمَامَةِ : فاعلم أَنَّ جَمِيعَ الوِلايَاتِ والتَّقدِيمَاتِ الشَّرعِيَّةِ يُنظَرُ فِيهَا إِلَى مَن هُوَ أقوَمُ بمقاصِدِ تِلكَ الوِلايَةِ ، وأعظَمُهُم كَفاءَةً وقُدرَةً عَليهَا وَمِنهَا الإِمَامَةُ .
وقَد فَصَّلَ النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - فِيهَا الأَمرَ فِي الحَدِيثِ السَّابِقِ ، وجَعَلَ العِلمَ بالكِتَابِ والسُّنَّةِ والدِّين هي أولَى مَا يُقَدَّمُ بِهِ الإِمَامُ .
فمن جَمَعَ القِرَاءَةَ والعِلمَ والدِّينَ فَهُوَ أَحقُّ بالإِمَامَةِ .
فَإِن اِشْتَرَكَ اثنَانِ فأكْثَر فِي هَذِه الصِّفَاتِ ، فَالْمُتَمَيِّز مِنهُما وَالرَّاجِح يُرجّحُ ، والتَّرجِيحَاتُ مُتَعَدِّدَةٌ فد ذَكَرَهَا الفُقَهَاءُ . ومَعَ الاستوَاءِ في وُجُودِهَا أو عَدَمِهَا الأَسَن ، وهَذَا في ابتِدَاءِ الأَمرِ ، وَإِلاّ مَنْ كَانَ مُتَرَتِّبًا في مَسجِدٍ أو في بَيتِه فَهُوَ أحق بالإِمَامَةِ مِن غَيرِهِ ، وإنْ كَانَ الغَيرُ أَفضَلَ مِنهُ بِتِلكَ الصِّفَاتِ .
وَهَذَا مُطَّرِدٌ في جَمِيعِ الوِلايَاتِ والوَظَائِفِ الدِّينيَّةِ إذَا كَانَ المتولَّي لها غَيرَ مُخِلِّ بمقصُودِهَا ، فَلا يُفتَاتُ عَلَيهِ ويُقَدَّمُ غَيرُه وَلَو أَفضَل مِنهُ .
وأمَّا الَّذِي يُعتَبرُ التقدِيمَ بهِ في الفَضلِ في الصِّفَات المقصُودَة ففي ابتِدَاءِ الأَمرِ لا في استِمرَارِهِ ودَوَامِه ، فَلا تُؤْخَذُ أَحكَامُ الابتِدَاءِ مِن أَحْكَامِ الدوامِ وَلا بِالعَكسِ ، واللَّهُ أعلَمُ.
كتاب: إرشاد أولى البصائر والألباب
لنيل الفقة بأيسر الطرق والاسباب
تأليف: عبد الرحمن بن ناصر بن عبد الله السعدي
منتدى ميراث الرسول ـ البوابة