منتدى نافذة ثقافية

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

    الفصل الأول من الباب الثاني

    بص وطل
    بص وطل
    Admin


    عدد المساهمات : 2283
    تاريخ التسجيل : 29/04/2014

    الفصل الأول من الباب الثاني Empty الفصل الأول من الباب الثاني

    مُساهمة من طرف بص وطل الخميس أبريل 22, 2021 12:45 pm

    الفصل الأول من الباب الثاني Akeda_10

    بّسم اللّه الرّحمن الرّحيم
    مكتبة العقيدة
    أصول الإيمان في ضوء الكتاب والسنة
    الفصل الأول : الإيمان بالملائكة
    الفصل الأول من الباب الثاني 1410
    ● [ الباب الثاني : بقية أركان الإيمان ] ●
    ● [ الفصل الأول : الإيمان بالملائكة ] ●

    يشتمل الفصل الأول على ثلاثة مباحث:
    المبحث الأول : تعريف الملائكة وأصل خلقتهم وصفاتهم وبعض خصائصهم.
    المبحث الثاني : منزلة الإيمان بهم وكيفيته وأدلة ذلك.
    المبحث الثالث : وظائفهم.
    [ المبحث الأول ]
    تعريف الملائكة وأصل خلقتهم ، وصفاتهم ، وخصائصهم
    أولآ : تعريفهم

    الملائكة : جمع مَلَك . أخذ من (الأَلُوكِ) وهي : الرسالة .
    وهم : خلق من مخلوقات الله ، لهم أجسام نورانية لطيفة قادرة على التشكل والتمثل والتصور بالصور الكريمة ، ولهم قوى عظيمة ، وقدرة كبيرة على التنقل ، وهم خلق كثير لا يعلم عددهم إلا الله ، قد اختارهم الله واصطفاهم لعبادته والقيام بأمره ، فلا يعصون الله ما أمرهم ، ويفعلون ما يؤمرون.
    ثانيآ : أصل خلقهم

    والمادة التي خلق الله منها الملائكة هي " النور " . فعن عائشة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « خلقت الملائكة من نور . وخلق الجان من مارج من نار ، وخلق آدم مما وصف لكم » (1) . والمارج هو : اللهب المختلط بسواد النار.
    ثالثآ : صفاتهم


    قد تضمن الكتاب والسنة الكثير من النصوص المبينة صفات الملائكة وحقائقها فمن ذلك :
    أنهم موصوفون بالقوة والشدة . كما قال تعالى { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ } (التحريم : 6) . وقال تعالى في وصف جبريل عليه السلام { عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى } (النجم : 5) . وقال في وصفه أيضا { ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ } (التكوير : 20) .
    وهم موصوفون بعظم الأجسام والخلق . ففي صحيح مسلم من حديث عائشة رضي الله عنها وقد سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن معنى قوله تعالى { وَلَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ } (التكوير : 23) فقال : « إنما هو جبريل لم أره على صورته التي خلق عليها غير هاتين المرتين رأيته منهبطا من السماء سادا عظم خلقه ما بين السماء إلى الأرض » (2).
    وروى الإمام أحمد عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال : « رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم جبريل في صورته ، وله ستمائة جناح ، كل جناح منها قد سد الأفق يسقط من جناحه من التهاويل والدر والياقوت ما الله به عليم » (3) ، قال الحافظ ابن كثير : إسناده جيد.
    وروى أبو داود من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « أذن لي أن أحدث عن ملك من ملائكة الله من حملة العرش إن ما بين شحمة أذنه وعاتقه مسيرة سبعمائة عام » (4) قال الهيثمي في المجمع : رجاله رجال الصحيح .
    ومن صفاتهم أنهم يتفاوتون في الخلق والمقدار فهم ليسوا على درجة واحدة ، فمنهم من له جناحان ومنهم من له ثلاثة ، ومنهم من له أربعة ، ومنهم من له ستمائة جناح . قال تعالى { الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ } (فاطر : 1) .
    ومن صفاتهم الحسن والجمال فهم على درجة عالية من ذلك . قال تعالى في حق جبريل عليه السلام { عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى }{ ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى } (النجم : 5 ، 6) قال ابن عباس رضي الله عنهما ( ذو مرة : ذو منظر حسن) وقال قتادة : (ذو خلق طويل حسن).
    وقال تعالى مخبرا عن النسوة عند رؤيتهن ليوسف عليه السلام : { فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَذَا بَشَرًا إِنْ هَذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ } (يوسف : 31) وإنما قلن ذلك لما هو مقرر عند الناس من وصف الملائكة بالجمال الباهر .
    ومن صفاتهم التي وصفهم الله بها أنهم كرام أبرار . قال تعالى { بِأَيْدِي سَفَرَةٍ }{ كِرَامٍ بَرَرَةٍ } (عبس : 15 ، 16) . وقال عز وجل { وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ }{ كِرَامًا كَاتِبِينَ } (الانفطار : 10 ، 11) .
    ومن صفاتهم الحياء لقول النبي صلى الله عليه وسلم في حق عثمان رضي الله عنه : « ألا أستحي من رجل تستحي منه الملائكة » (5) .
    ومن صفاتهم أيضا العلم . قال تعالى في خطابه للملائكة { قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ }{ ما لا تعلمون } (البقرة : 30) فأثبت الله عز وجل للملائكة علمًا وأثبت لنفسه علمًا لا يعلمونه . وقال تعالى في حق جبريل عليه السلام { عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى } (النجم : 5) قال الطبري : (علم محمدًا صلى الله عليه وسلم هذا القرآن جبريل عليه السلام) أ . هـ ، وهذا متضمن وصف جبريل بالعلم والتعليم.
    إلى غير ذلك مما ثبت في الكتاب والسنة من صفاتهم العظيمة وأخلاقهم الكريمة الدالة على علو شأنهم وسمو منازلهم عليهم السلام.
    رابعآ : خصائصهم

    للملائكة عليهم السلام خصائص وصفات قد اختصهم الله تعالى بها ، وامتازوا بها عن الجن والإنس وسائر المخلوقات . فمنها :
    أن مساكنهم في السماء وإنما يهبطون إلى الأرض تنفيذًا لأمر الله في الخلق وما أسند إليهم من تصريف شؤونهم . قال تعالى : { يُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ } (النحل : 2) وقال تعالى : { وَتَرَى الْمَلَائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ } (الزمر : 75) . وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل ، وملائكة بالنهار ، ويجتمعون في صلاة الصبح وصلاة العصر ، ثم يعرج الذين باتوا فيكم فيسألهم الله وهو أعلم بهم كيف تركتم عبادي ؟ فيقولون : تركناهم وهم يصلون ، وأتيناهم وهم يصلون » (6) . والنصوص في هذا كثيرة جدًّا يصعب حصرها هنا.
    ومن خصائصهم أنهم لا يوصفون بالأنوثة ، قال تعالى منكرا على الكفار ذلك : { وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ } (الزخرف : 19) . وقال تعالى : { إِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ لَيُسَمُّونَ الْمَلَائِكَةَ تَسْمِيَةَ الْأُنْثَى } (النجم : 27) .
    ومن خصائصهم أنهم لا يعصون الله في شيء ، ولا تصدر منهم الذنوب ، بل طبعهم الله على طاعته ، والقيام بأمره : كما قال تعالى في وصفهم : { لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ } (التحريم : 6) . وقال أيضا { لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ } (الأنبياء : 27).
    ومن خصائصهم أيضا أنهم لا يفترون عن العبادة ولا يسأمون . قال تعالى : { وَمَنْ عِنْدَهُ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ }{ يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ } (الأنبياء : 19 ، 20) . وقال في آية أخرى : { فَإِنِ اسْتَكْبَرُوا فَالَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُمْ لَا يَسْأَمُونَ } (فصلت : 38) .
    فهذه بعض خصائص الملائكة التي اختصهم الله بها دون الثقلين من الإنس والجن . وبالجملة فالملائكة جنس آخر ، يتميزون في أصل خلقتهم وتكوينهم عن الإنس والجن . كما أن لكل من الإنس والجن خصائصهما التي يتميز بها أحد الجنسين عن الآخر والله أعلم .
    _________
    (1) صحيح مسلم برقم (2996) .
    (2) صحيح مسلم برقم (177) .
    (3) مسند الإمام أحمد : (1 / 395) ، (6 / 294) .
    (4) سنن أبي داود : (5 / 96) ، برقم (4727) .
    (5) صحيح مسلم برقم (2401) .
    (6) صحيح البخاري برقم (555) وصحيح مسلم برقم (632) .
    [ المبحث الثاني ]
    منزلة الإيمان بالملائكة وكيفيته وأدلة ذلك
    أولآ : منزلة الإيمان بهم

    الإيمان بالملائكة ركن من أركان الإيمان في الدين الإسلامي ، لا يتحقق الإيمان إلا به . وقد نص الله على ذلك في كتابه . وأخبر عنه النبي صلى الله عليه وسلم في سنته .
    قال تعالى : { آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ } (البقرة : 285) فأخبر أن الإيمان بالملائكة مع بقية أركان الإيمان مما أنزله على رسوله وأوجبه عليه وعلى أمته وأنهم امتثلوا ذلك .
    وقال تعالى في آية أخرى : { لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ } (البقرة : 177) . فجعل الإيمان بهذه الخصال دليل البرِّ- والبرُّ اسم جامع للخير- وذلك أن هذه الأشياء المذكورة هي أصول الأعمال الصالحة ، وأركان الإيمان التي تتفرع منها سائر شعبه.
    كما أخبر الله عز وجل في مقابل هذا أن من كفر بهذه الأركان فقد كفر بالله : فقال : { وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا } (النساء : 136) فأطلق الكفر على من أنكر هذه الأركان ، ووصفه بالبعد في الضلال . فدل ذلك أن الإيمان بالملائكة ركن عظيم من أركان الإيمان وأن تركه مخرج من الملة.
    وقد دلت السنة كذلك على هذا . وهو ما جاء موضحًا في حديث جبريل المشهور الذي أخرجه الإمام مسلم في صحيحه من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : « بينما نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب ، شديد سواد الشعر ، لا يرى عليه أثر السفر ، ولا يعرفه منا أحد ، حتى جلس إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فأسند ركبتيه إلى ركبتيه ، ووضع كفيه على فخذيه ، وقال : يا محمد ! أخبرني عن الإسلام ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وتقيم الصلاة ، وتؤتي الزكاة وتصوم رمضان ، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا . قال : صدقت . قال : فعجبنا له ، يسأله ويصدقه . قال : فأخبرني عن الإيمان ؟ قال : أن تؤمن بالله ، وملائكته ، وكتبه ، ورسله ، واليوم الآخر . وتؤمن بالقدر خيره وشره . قال : صدقت . قال : فأخبرني عن الإحسان . قال : أن تعبد الله كأنك تراه ، فإن لم تكن تراه فإنه يراك . قال : فأخبرني عن الساعة ؟ قال ما المسؤول عنها بأعلم من السائل . قال : فأخبرني عن أماراتها ؟ قال : أن تلد الأمة ربَّتها . وأن ترى الْحُفاة العُراة ، العَالة ، رِعاءَ الشاء ، يتطاولون في البنيان . قال : ثم انطلق فلبثت مليًّا ثم قال لي : يا عمر ! أتدري من السائل ؟ قلتَ : الله ورسوله أعلم . قال : فإنه جبريل ، أتاكم يعلمكم دينكم » (1) .
    فهذا حديث عظيم اشتمل على أصول الدين ومراتبه كلها وهو منهج فريد في تعليم هذا الدين جاء على طريقة الحوار بين الرسول الملكي ، أفضل الملائكة وهو جبريل عليه السلام وبين الرسول الإنسي أفضل البشر ، وهو محمد صلى الله عليه وسلم ، فينبغي للمسلمين أن يعنوا بهذا الحديث العظيم وأن يستمدوا منهجهم في التعلم والتعليم منه كما كان على ذلك السلف رضوان الله عليهم . وقد تضمن الحديث ذكر الملائكة وأن الإيمان بهم ركن من أركان الإيمان وهو المقصود هنا . . والله أعلم.
    _________
    (1) صحيح مسلم برقم (8) .
    ثانيآ : كيفية الإيمان بالملائكة

    الإيمان بالملائكة يتضمن عدة أمور لا بد للعبد من تحقيقها حتى يتحقق له الإيمان بالملائكة وهي :
    1 - الإقرار بوجودهم والتصديق بهم كما دلت على ذلك النصوص المتقدمة من أن الإيمان بهم ركن من أركان الإيمان فلا يتحقق الإيمان إلا بذلك.
    2 - الإيمان بأنهم خلق كثير جدًّا لا يعلم عددهم إلا الله تعالى كما دلت على ذلك النصوص . قال تعالى { وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ } (المدثر : 31) .
    أي لا يعلم جنود ربك وهم الملائكة إلا هو وذلك لكثرتهم . قال بذلك بعض السلف .
    وجاء في حديث الإسراء الطويل الذي أخرجه الشيخان من حديث مالك بن صعصعة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( . . . « ثم رفع لي البيت المعمور ، فقلت : يا جبريل ! ما هذا ؟ قال : هذا البيت المعمور . يدخله كل يوم سبعون ألف ملك ، إذا خرجوا منه لم يعودوا فيه آخر ما عليهم » (1) .
    وفي صحيح مسلم عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « يؤتى بجهنم يومئذ لها سبعون ألف زمام ، مع كل زمام سبعون ألف ملك يجرونها » (2) . فدل الحديثان على كثرة الملائكة ، فإذا كان البيت المعمور يدخله كل يوم سبعون ألف ملك ثم لا يعودون إليه وإنما يأتي غيرهم ، وجهنم يأتي بها يوم القيامة هذا العدد من الملائكة ، فكيف بغيرهم من الملائكة الموكلين بأعمال أخرى ممن لا يعلم عددهم إلا خالقهم تبارك وتعالى.
    3 - الإقرار لهم بمقاماتهم العظيمة عند ربهم وكرمهم عليه وشرفهم عنده كما قال تعالى : { وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ }{ لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ } (الأنبياء : 26 ، 27) . وقال جل وعلا { بِأَيْدِي سَفَرَةٍ }{ كِرَامٍ بَرَرَةٍ } (عبس : 15 ، 16) . فوصفهم بأنهم مكرمون منه سبحانه . وقال تعالى في حقهم { فَالَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُمْ لَا يَسْأَمُونَ } (فصلت : 38) فوصفهم بأنهم عنده وهذا تشريف لهم ، مع مقام التعبد له بلا سآمة . كما أنه تعالى أقسم بهم في غير موطن من كتابه وهذا لشرفهم عنده . فقال : { وَالصَّافَّاتِ صَفًّا }{ فَالزَّاجِرَاتِ زَجْرًا }{ فَالتَّالِيَاتِ ذِكْرًا } (الصافات : 1-3) . وقال عز وجل : { فَالْفَارِقَاتِ فَرْقًا }{ فَالْمُلْقِيَاتِ ذِكْرًا } (المرسلات : 4 ، 5) . وشواهد صور إكرام الملائكة وتنوع أساليبها وتعدد سياقاتها من كتاب الله كثيرة لا تخفى على متدبر مما يحتم تقرير هذا في الشرع والله أعلم.
    4 - اعتقاد تفاضلهم وعدم تساويهم في الفضل والمنزلة عند الله على ما دلت على ذلك النصوص : قال تعالى : { اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ } (الحج : 75) . وقال عز وجل : { لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا لِلَّهِ وَلَا الْمَلَائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ } (النساء : 172) فأخبر أن منهم مصطفين بالرسالة ومقربين ، فدل على فضلهم على غيرهم . وأفضل الملائكة : المقربون مع حملة العرش . وأفضل المقربين الملائكة الثلاثة الوارد ذكرهم في دعاء النبي صلى الله عليه وسلم الذي كان يفتتح به صلاة الليل فيقول : « اللهم رب جبريل وميكائيل وإسرافيل فاطر السماوات والأرض عالم الغيب والشهادة » . . ) (3).
    وأفضل الثلاثة جبريل عليه السلام وهو الموكل بالوحي ، فشرفه بشرف وظيفته . وقد ذكره الله في كتابه بما لم يذكر غيره من الملائكة ، وسماه بأشَرف الأسماء ، ووصفه بأحسن الصفات . فمن أسمائه الروح : قال تعالى : { نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ } (الشعراء : 193) . وقال عز وجل : { تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا } (القدر : 4) . وقد ورد هذا الاسم مضافًا إلى الله تعالى إضافة تشريف . قال تعالى : { فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا } (مريم : 17) . وورد مضافًا إلى القدس ، قال تعالى { قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ } (النحل : 102) والقدس هو الله على الصحيح من أقوال المفسرين . ومما جاء في وصفه قوله تعالى : { إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ }{ ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ }{ مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ } (التكوير : 19- 21) . وقال تعالى { عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى }{ ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى } (النجم : 5 ، 6) فوصفه الله تعالى بأنه رسول وأنه كريم عنده ، وأنه ذو قوة ومكانة عند ربه سبحانه ، وأنه مطاع في السماوات ، وأنه أمين على الوحي وأنه ذو مرة (أي مظهر حسن) .
    5 - موالاتهم والحذر من عداوتهم لقوله تعالى : { وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ } (التوبة : 71) فدخل الملائكة في هذه الآية لأنهم مؤمنون قائمون بطاعة ربهم كما أخبر الله عنهم { لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ } (التحريم : 6) . وأخبر جل وعلا عن موالاة الملائكة لرسوله وللمؤمنين فقال : { وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ } (التحريمَ : 4) وقال عز وجل : { هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ } (الأحزاب : 43) . وقال : { إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا } (فصلتَ : 30) . فوجبت موالاة الملائكة على المؤمنين لموالاتهم لهم ونصرهم وتأييدهم واستغفارهم لهم . وقد حذر الله تعالى من عداوة الملائكة فقال : { مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ } (البقرة : 98) . فأخبر أن عداوة الملائكة موجبة لعداوة الله وسخطه ، وذلك لأنهم إنما يصدرون عن أمره وحكمه ، فمن عاداهم فقد عادى ربه.
    6 - الاعتقاد بأن الملائكة خلق من خلق الله لا شأن لهم في الخلق والتدبير وتصريف الأمور ، بل هم جند من جنود الله يعملون بأمر الله ، والله تعالى هو الذي بيده الأمر كله لا شريك له في ذلك . كما أنه لا يجوز صرف شيء من أنواع العبادة لهم ، بل يجب إخلاص العبادة لخالقهم وخالق الخلق أجمعين ، الذي لا شريك له في ربوبيته وألوهيته ولا مثيل له في أسمائه وصفاته . وقد بين الله تعالى ذلك فقال عز من قائل : { وَلَا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلَائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَابًا أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ } (آل عمران : 80) . وقال تعالى : { وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ }{ لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ }{ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ }{ وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلَهٌ مِنْ دُونِهِ فَذَلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ } (الأنبياء : 26-29) . فأخبر سبحانه أنه لم يأمر بعبادتهم وكيف يأمر بعبادتهم وهي كفر بالله العظيم ثم أبطل تعالى دعوى من زعم أن الملائكة بنات الله ونزه نفسه عن ذلك ، وبين أنهم عباد مكرمون بكرامته لهم عاملون بأمره مشفقون من خشيته وأنهم لا يملكون الشفاعة لأحد إلا من رضي الله عنه من أهل التوحيد . ثم ختم السياق ببيان جزاء من ادعى الألوهية منهم وأن جزاءه جهنم ، فظهر من ذلك أهم عباد مربوبون لا حول لهم ولا قوة إلا بربهم وخالقهم .
    7 - الإيمان المفصل بمن جاء التصريح بذكرهم من الملائكة على وجه الخصوص في الكتاب والسنة : كجبريل ، وميكائيل ، وإسرافيل ، ومالك ، وهاروت وماروت ، ورضوان ، ومنكر ونكير ، وغيرهم ممن جاءت النصوص بتسميتهم . وكذلك من جاءت النصوص بالإخبار عنه بالوصف : كرقيب وعتيد ، أو بذكر وظيفته : كملك الموت وملك الجبال ، أو من جاءت النصوص بذكر وظائفهم في الجملة : كحملة العرش ، والكرام الكاتبين والموكلين بحفظ الخلق ، والموكلين بحفظ الأجنة والأرحام ، وطواف البيت المعمور ، والملائكة السياحين ، إلى آخر من أخبر الله ورسوله صلى الله عليه وسلم عنهم.
    فيجب الإيمان بذلك إيمانا مفصلا على نحو ما جاء في النصوص من أسمائهم وصفاتهم ، ووظائفهم ، وأخبارهم ، والتصديق بكل ذلك مما سيأتي بيانه في المبحث القادم إن شاء الله تعالى .
    فهذه جملة ما يجب اعتقاده في حق الملائكة الكرام مما دلت عليه النصوص الشرعية والله تعالى أعلم.
    _________
    (1) صحيح البخاري برقم (3207) ، ومسلم برقم (164) ، واللفظ لمسلم .
    (2) صحيح مسلم برقم (2842) .
    (3) رواه الإمام أحمد في المسند : 6 / 156 ، والنسائي في السنن : 3 / 173 ، برقم (1625) ، ونحوهما مسلم في الصحيح ، برقم (770) ، وابن ماجه ، برقم (1357).
    [ المبحث الثالث ]
    وظائف الملائكة

    الملائكة جند من جنود الله تعالى ، أسند الله إليهم كثيرًا من الأعمال الجليلة ، والوظائف الكبيرة ، وأعطاهم القدرة على تأديتها على أكمل وجه . وهم بحسب ما هيأهم الله تعالى له ووكلهم به على أقسام :
    فمنهم الموكل بالوحي من الله تعالى إلى رسله عليهم الصلاة والسلام وهو جبريل عليه السلام ، قال تعالى : { نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ }{ عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ }{ بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ } ( الشعراء : 193- 195) وقد تقدم أنه أفضل الملائكة وأكرمهم على الله ، وقد وصفه الله بالقوة والأمانة على تأدية مهمته .
    ولم يره النبي صلى الله عليه وسلم في صورته التي خُلق عليها إلا مرتين ، وبقية الأوقات يأتيه في صورة رجل . رآه مرة بالأفق من ناحية المشرق وفي ذلك يقول الله تعالى : { وَلَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ } (التكوير : 23) . ورآه مرة ثانية ليلة الإسراء في السماء وهذا ما أخبر الله عنه بقوله : { وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى }{ عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى }{ عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى } (النجم : 13- 15).
    وفي صحيح مسلم من حديث عائشة رضي الله عنها أنها سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن تفسير الآيتين المتقدمتين فقال : « إنما هو جبريل لم أره على صورته التي خُلق عليها غير هاتين المرتين . رأيته منهبطًا من السماء سادًّا عِظَمُ خَلْقِه ما بين السماء إلى الأرض » (1) .
    ومنهم الموكل بالقطر والنبات وهو ميكائيل عليه السلام وقد ورد ذكره في القرآن . قال تعالى : { مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ } (البقرةَ : 98) وهو ذو مكانه عالية ، ومنزلة رفيعة عند ربه ، ولذا خصه الله هنا بالذكر مع جبريل ، وعطفهما على الملائكة ، مع أنهما من جنسهم لشرفهما ، من قبيل عطف الخاص على العام . وكذا ورد ذكره في السنة على ما تقدم في دعاء النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة الليل أنه يقول : « اللهم رب جبريل وميكائيل وإسرافيل » . . ) (2) . ولذا قال العلماء إن هؤلاء الثلاثة المذكورين هم أفضل الملائكة .
    ومنهم الموكل بالصُّور وهو إسرافيل عليه السلام وهو ثالث الملائكة المفضلين المتقدم ذكرهم . وهو أحد حملة العرش . والصور : قرن عظيم ينفخ فيه . روى الإمام أحمد في المسند عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال : « جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : ما الصور ؟ فقال : قرن ينفخ فيه » (3) ورواه أيضا الحاكم وصححه ووافقه الذهبي . (4) .
    وأخرج الإمام أحمد والترمذي من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « كيف أنعم وقد التقم صاحب القرن القرن وحنى جبهته وأصغى سمعه ينظر متى يؤمر ، قال المسلمون : يا رسول الله فما نقول ؟ قال : قولوا حسبنا الله ونعم الوكيل على الله توكلنا » (5) قال الترمذي حديث حسن . وصححه غيره من أهل العلم.
    وينفخ إسرافيل في الصور ثلاث نفخات : نفخة الفزع ، ونفخة الصعق ، ونفخة البعث . قال تعالى : { وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ } (النمل : 87) . وهذه هي نفخة الفزع وقد دل على النفختين الأخريين قوله تعالى : { وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ } (الزمر : 68) .
    ومنهم الموكل بقبض الأرواح وهو ملك الموت قال تعالى : { قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ } (السجدة : 11) .
    ولملك الموت أعوان من الملائكة ، يأتون العبد بحسب عمله ، وإن كان محسنًا ففي أحسن هيئة ، وإن كان مسيئًا ففي أشنع هيئة .
    قال تعالى : { حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لَا يُفَرِّطُونَ } (الأنعام : 61).
    ومنهم الموكل بالجبال وهو ملك الجبال ، وقد ورد ذكره في حديث خروج النبي صلى الله عليه وسلم إلى أهل الطائف في بداية البعثة ودعوته إياهم وعدم استجابتهم له وفيه يقول النبي صلى الله عليه وسلم : « فإذا أنا بسحابة قد أظلتني ، فنظرت فإذا فيها جبريل ، فناداني فقال : إن الله قد سمع قول قومك لك وما ردوا عليك ، وقد بعث الله إليك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم ، فناداني ملك الجبال . فسلم عليّ ثم قال : يا محمد . فقال : ذلك فيما شئت ، إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين . فقال النبي صلى الله عليه وسلم بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئًا » (6) . والأخشبان : هما جبلا مكةَ : أبو قبيس والذي يقابله .
    ومنهم الملك الموكل بالرحم على ما دل عليه حديث أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « إن الله عز وجل وكَّل ملكًا يقول : يا ربِّ! نطفة . يا ربِّ! علقة . يا ربِّ مضغة . فإذا أراد أن يقضي خلقه ، قال : أذكر أم أنثى ؟ شقي أم سعيد ؟ فما الرزق والأجل ؟ فيكتب في بطن أمه » (7).
    ومنهم حملة العرش قال تعالى : { الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا } (غافر : 7) .
    وقال تعالى : { وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ } (الحاقة : 17) . قال بعض العلماء : الذين حول العرش هم الملائكة (الكروبيون) وهم مع حملة العرش أشرف الملائكة (8) .
    ومنهم خزنة الجنة . قال تعالى : { وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ } (الزمر : 73) . وقال تعالى : { جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ } (الرعد : 23).
    ومنهم خزنة النار عياذاَ بالله منها وهم الزبانية ورؤساؤهم تسعة عشر . قال تعالى : { وَقَالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْمًا مِنَ الْعَذَابِ } (غافر : 49) . وقال تعالى : { فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ }{ سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ } (العلق : 17 ، 18) . وقال تعالى : { عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ }{ وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلَّا مَلَائِكَةً وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا } (المدثر : 30 ، 31) .
    وقال تعالى : { وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ } (الزخرف : 77) . وقد جاء في السنة ذكر مالك وأنه خازن النار ورؤية النبي صلى الله عليه وسلم له ، ففي صحيح البخاري من حديث سَمُرَة بن جُنْدُب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « رأيت الليلة رجلين أتياني فقالا : الذي يوقد النار مالك خازن النار ، وأنا جبريل ، وهذا ميكائيل » (9).
    ومنهم زوار البيت المعمور : يدخل في كل يوم منهم البيت المعمور سبعون ألف ملك ثم لا يعودون إليه على ما ثبت من حديث مالك بن صعصعة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( . . . « ثم رفع لي البيت المعمور ، فقلت : يا جبريل! ما هذا ؟ قال : هذا البيت المعمور . يدخله كل يوم سبعون ألف ملك ، إذا خرجوا منه لم يعودوا فيه آخر ما عليهم » (10).
    ومنهم ملائكة سياحون يتبعون مجالس الذكر فقد روىَ الشيخان من حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : « إن لله ملائكة يطوفون في الطرق يلتمسون أهل الذكر فإذا وجدوا قومًا يذكرون الله تنادوا هلموا إلى حاجتكم قال فيحفونهم بأجنحتهم إلى السماء الدنيا » . . . ) (11) قال العلماء : وهؤلاء الملائكة زائدون عن الحفظة وغيرهم من المرتبين مع الخلائق .
    وقد ثبت أيضًا أنهم يبلغون النبي صلى الله عليه وسلم من أمته السلام لما روى أحمد والنسائي بإسناد صحيح عن عبد الله بن مسعود قال ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « إن لله عز وجل ملائكة سياحين في الأرض يبلغوني من أمتي السلام » (12).
    ومنهم الكرام الكاتبون وعملهم كتابة أعمال الخلق وإحصاؤها عليهم . قال تعالى : { وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ }{ كِرَامًا كَاتِبِينَ }{ يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ } (الانفطار : 10- 12) وقال تعالى : { إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ }{ مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ } (ق : 17 ، 18) قال مجاهد في تفسير الآية : ملك عن يمينه وآخر عن يساره فأما الذي عن يمينه فيكتب الخير ، وأما الذي عن شماله فيكتب الشر .
    ومنهم الموكلون بفتنة القبر وسؤال العباد في قبورهم وهما مُنْكَر ونَكِير . وقد دلت على ذلك الأحاديث الصحيحة . أخرج الشيخان من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « إن العبد إذا وضع في قبره وتولى عنه أصحابه ، وإنه ليسمع قرع نعالهم أتاه ملكان ، فيقعدانه فيقولان : ما كنت تقول في هذا الرجل لمحمد صلى الله عليه وسلم فأما المؤمن فيقول أشهد أنه عبد الله ورسوله فيقال له : انظر إلى مقعدك من النار قد أبدلك الله به مقعدًا من الجنة فيراهما جميعًا » . (13).
    وأخرج الترمذي وابن حبان عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « إذا قبر الميت أو قال أحدكم- أتاه ملكان أسودان أزرقان يقال لأحدهما المنكر والآخر النكير فيقولان : ما كنت تقول في هذا الرجل » . . . ) (14) الحديث . قال الترمذي حديث حسن .
    فهؤلاء هم أشهر من جاءت النصوص بذكر وظائفهم وأسمائهم من الملائكة ممن يتعين على العبد الإيمان بهم والتصديق بمدلولات النصوص في حقهم والله تعالى أعلم.
    _________
    (1) صحيح مسلم برقم (177) .
    (2) رواه الإمام أحمد في المسند : 6 / 156 ، والنسائي في السنن : 3 / 213 ، برقم (1625) ، ونحوهما مسلم في الصحيح برقم (770) ، وابن ماجه برقم (1357).
    (3) المسند : 2 / 162 ، 192 .
    (4) المستدرك : 2 / 506 ، 4 / 589 ، واللفظ للحاكم .
    (5) المسند : 3 / 7 ، وسنن الترمذي 4 / 620 ، برقم (2431) ، 5 / 372- 373 ، برقم (3243).
    (6) صحيح البخاري ، برقم (3231) ، ومسلم برقم (1795) .
    (7) صحيح البخاري برقم (318) ، ومسلم برقم (2646) .
    (8) تفسير ابن كثير (7 / 120) .
    (9) صحيح البخاري برقم (3236) .
    (10) صحيح البخاري برقم (3207) ، ومسلم برقم (164) واللفظ لمسلم .
    (11) صحيح البخاري برقم (6408) ، ومسلم برقم (2689) واللفظ للبخاري .
    (12) المسند : 1 / 452 ، وسنن الترمذي : 3 / 43 ، برقم (1282) ، واللفظ لأحمد.
    (13) صحيح البخاري برقم (1374) ، ومسلم برقم (2870) ، واللفظ للبخاري.
    (14) سنن الترمذي : 3 / 385 ، برقم (1073) ، والإحسان في تقريب صحيح ابن حبان : 7 / 386 ، برقم (3117) ، واللفظ للترمذي.
    [ ثمرات الإيمان بالملائكة ]

    وللإيمان بالملائكة ثمراته العظيمة على المؤمن فمن ذلك :
    1- العلم بعظمة خالقهم عز وجل وكمال قدرته وسلطانه .
    2- شكر الله تعالى على لطفه وعنايته بعباده حيث وكل بهم من هؤلاء الملائكة من يقوم بحفظهم وكتابة أعمالهم وغير ذلك مما تتحقق به مصالحهم في الدنيا والآخرة .
    3- محبة الملائكة على ما هداهم الله إليه من تحقيق عبادة الله على الوجه الأكمل ونصرتهم للمؤمنين واستغفارهم لهم .

    الفصل الأول من الباب الثاني Fasel10

    كتاب أصول الإيمان في ضوء الكتاب والسنة
    المؤلف : نخبة من العلماء
    منتدى توتة و حدوتة ـ البوابة
    الفصل الأول من الباب الثاني E110


      الوقت/التاريخ الآن هو الخميس نوفمبر 21, 2024 8:49 pm