بّسم اللّه الرّحمن الرّحيم
الباب الخامس
فيما جاء من الأمثال في أوله الجيم
المثل المضروب
جري المذكيات غلاب
تفسير هذا المثل
أراد أن اللسان تؤخذ بالمغالبة والقوة، والصغار تدارى ولا تحمل على غلظ ومشقة. وروي: غلاء يراد أنها تتغالى في الجري، أي تتباعد. والمذكي: المسن، وقد ذكى، والاسم: الذكاء. قال الراجز:
جري المذكي حسرت عنه الحمر حسر، فهو حاسر، وحسر للجميع، إذا سقط من الإعياء، وليس ذا موضعه.
وفي معنى المثل قولهم:
الشيخ أقوى عصاً من الصبي
والمثل لقيس بن زهير العبسي، وذلك أنه راهن حذيفة بن بدر الفزاري على داحس والغبراء وهما فرسان وراهنه حذيفة على الخطار والحنفاء والخطر بينهما عشرون من الإبل. والغاية من واردات إلى ذات الإصاد، وهي مائة غلوة، وجعل السابق أول من شرع في ماء كان هناك، فلما أرسلت الحلبة قال حذيفة: خدعتك يا قيس، قال: ترك الخداع من أجرى من مائة وقد تقدم هذا المثل. ثم قال: سبقت والله يا قيس، فقال: جري المذكيات غلاب. ثم قال له: سبقت ورب الكعبة، فقال: رويد يعلون الجدد وكانت بنو فزارة جعلت كميناً، فلما طلع داحس سابقاً أمسكه الكمين، ولم يعرف الغبراء، وهي خلف داحس مصلية، فوردت سابقةً، فلطمتها بنو فزارة وحلئوها عن الماء، وأبت أن تقر لقيس بالسبق ومنعوه الخطر، فوقع بينهم الشر، فقال بعضهم يذكر ذلك:
لطمن بأعلى ذي الإصاد وجمعهم * يرون الأذى من ذلة وهوان
فغزاهم قيس، فلحق عوف بن بدر، أخا حذيفة فقتله، ثم وداه مائة ناقة متلية عشراء والعشراء: التي قد أتى على حملها عشرة أشهر. والمتلية: التي قد نتج بعضها، والباقي يتلوها بالنتاج؛ فالحامل متلية، والتي يتبعها ولدها أيضاً متلية ثم قتل حمل بن بدر الفزاري مالك بن زهير أخا قيس، فأرسل إليه: أن اردد إلينا إبلنا مع أولادها وكانت قد ولدت عندهم فقد قتلتم بقتيلكم، فقالت بنو فزارة: أنعطيهم أكثر مما أعطونا، وأمسكوا أولادها، وأبى قيس إلا أن يأخذها مع أولادها. ثم قتل جنيدب بن خلف العبسي مالكاً أخا حذيفة، فهاج الحرب بين بني عبس وفزارة نحواً من أربعين سنة، فقال قيس:
ولكن الفتى حمل بن بدر * بغى والبغي مرتعه وخيم
أظن الحلم دل علي قومي * وقد يستجهل الرجل الحليم
ومارست الأمور ومارستني * فمعـوج علي ومستقيم
المثل المضروب
جاور بحراً أو ملكاً
تفسير هذا المثل
معناه: اطلب الخصب. وقد اتفقت العرب والفرس في جميع أمثالها إلا في هذا المثل؛ فإن العرب قالت: جاور بحراً أو ملكاً وقالت الفرس: نه شاه آشنا ونه روذ همذوره والمعنى: لا الملك معرفة، ولا البحر جار، أي لا تتعرف إلى الملك، ولا تجاور البحر، وقال أبو العتاهية على مذهب الفرس:
إن الملوك بلاء حيثما حلوا * فلا يكن لك في أكنافهم ظـل
ماذا ترجي بقوم إن هم غضبوا * جاروا عليك وإن أرضيتهم ملوا
وإن نصحت لهم ظنوك تخدعهم * واستثقلوك كما يستثقـل الكل
فاستغن بالله عن أبوابهم كرماً * إن الوقـوف عـلى أبوابهم ذل
وأخذ كشاجم معنى المثل فقال يخاطب ابن مقلة الخطاط:
أصبحت جارك فاكنفني برأيك من * دهـر أراه لصدري مرصداً نبله
إني لموضع أنس حين تفرغ لي * وإن شغلت فكاف ترتضي شغله
وقيل كن جار بحر أو فنا ملك * وأنت جاري وساباطي على دجله
ولا أسومك إلا الجاه تبذله * فتستعيض به من مدحتي حله
المثل المضروب
جدك لا كدك
تفسير هذا المثل
الجد: قسم الله تعالى للعبد حظه من الدنيا؛ فمن قسم له شيئأ ناله، ومن لم يقسم له حرمه وإن اجتهد في طلبه. يقول: إن كان لك جد فزت بما تطلب وإن لم يكن لك لم ينفعك الكد. وهو من قول الحارث بن حلزة:
عش بجد لا يضر * ك النوك ما لاقيت جدا
وقيل:
غنما عيش من ترى بالجدود
وقال بعض الأوائل: إذا لم يساعد الجد فالحركة خذلان. ورب لازم لعرصته قد فاز ببغيته. بمفتاح عزيمة الصبر تعالج مغاليق الأمور. لا يغرنك المرتقى السهل إذا كان المنحدر وعرا. تأمل موضع قدمك تقلل فواحش زللك، ووافق هذا قول زهير:
ومن لا يمكن رجله مطمئنةً * ليثبتها في مستوى الأرض تزلق
وقال بعض العرب:
وما لب اللبيب بغير حظ * بأغنى في المعيشة من فتيل
رأيت الحظ يستر كل عيب * وهيهات الجدود من العقول
وقال غيره:
لا جد لي فالجد ليس ينفع
وقال غيره:
خلط الدهر في القضاء علينا * رب جهل أحظ من كل عقل
وقال بعضهم: طلب المعاش أذل عز العلماء، وأحوج الأدباء إلى الجهلاء، ورب مجتهد مكد، وذي حظ قليل الحيلة، وحريص قد خاب، ومقتصد قد فاز، وفي حسن الظن بالله درك الدارين.
المثل المضروب
جروا له الخطير ما انجر
تفسير هذا المثل
الخطير: زمام الناقة، يقول: اتبعوه ما صلح، فإذا كان اتباعه فساداً فتوقوه.
والمثل لعمار بن ياسر؛ قاله في عثمان رضي الله عنه حين نقم عليه ما نقم. وقريب من هذا قولهم: امش بدائك ما حملك، ونحوه قول الشاعر:
البس قميصك ما اهتديت لجيبه * فإذا أضلك جيبه فتبدل
المثل المضروب
جاحش عن خيط رقبته
تفسير هذا المثل
يضرب مثلاً للرجل يحذر على نفسه، ويدافع عنها. والمجاحشة: المدافعة، قال الأعشى:
أجاحش عن أعراضكم وأعيرها * لساناً كمقراض التهامي ملحبا
وخيط الرقبة: النخاع.
ومثله قولهم: عن ظهرها تحل وقراً والوقر: الثقل، أي تخفف عن نفسها.
المثل المضروب
جمع جراميزك
تفسير هذا المثل
يقال ذلك للرجل يؤمر بالجد في الأمر والاجتهاد فيه. وهو مثل قولهم: اشدد حيازيمك للأمر؛ وروي عن علي رضي الله عنه أنه قال:
حيازيمك للموت * فإن الموت لاقيك
ولا تجزع من الموت * إذا حل بواديك
فحذف اشدد وأضمره، فنصب حيازيمك على إضماره، والجراميز هاهنا: الأطراف وما يتشعب منها، وأصل الجرموز: الحوض الصغير يتخذ للإبل؛ وبه سمي الرحل. والحيزوم والحزيم: الصدر وما والاه، ويقال: تجرمز الليل، إذا ذهب، وقال الأصمعي: جمع زررك، أي اجمع شأنك وانقبض، قال: ولا أعرف ما الزرر
المثل المضروب
الجحش لما بذك الأعيار
تفسير هذا المثل
أي اقتصد على صيد الجحش إذا لم تقدر على العير، والمعنى: خذ القليل إذا فاتك الكثير، وبذ: غلب فذهب فلم يلحق. وهو مثل قول العامة: إذا لم يكن ما تريد فأرد ما يكون. وقال نهشل بن حري: أنشدنا أبو أحمد، عن أبي بكر:
ومولىً رفدت النصح حتى يرده * علي وحتى يعذر الرأي عاذره
إذا كان لا يرضى برأيك صدره * ولا أنت إن لم يرض رأيك قاسره
فصبر جميل إن في اليأس راحةً * إذا الغيث لم يمطر بلادك ماطره
قال: هذا مثل قول الناس: إذا لم يكن ما تريد فأرد ما يكون.
إن لم يكن ما يريد الناس من سبب * فواجب أن يريد المرء ما كانا
المثل المضروب
جزاء سنمار
تفسير هذا المثل
يضرب مثلاً لسوء الجزاء، يقال: جزاه جزاء سنمار، وكان سنمار بناءً مجيداً من الروم، فبنى الخورنق للنعمان بن امرئ القيس، فلما نظر إليه النعمان استحسنه، وكره أن يعمل مثله لغيره، فألقاه من أعلاه فخر ميتاً، فقال الشاعر:
جزتنا بنو سعد لحسن فعالنا * جزاء سنمار وما كان ذا ذنب
وقال غيره:
جزاني جزاه الله شر جزائه * جزاء سنمار بما كان قدما
والناس يقولون في هذا المعنى: جازاه مجازاة التمساح، ويحكون أن التمساح يأكل اللحم، فيدخل في خلال أسنانه، فيفتح فاه، فيجئ طائر فيسقط عليها، فيخللها ويأكل اللحم، فيكون طعاماً للطائر، وراحةً للتمساح، فربما ضم التمساح فاه على الطائر فيقتله. وروي فيه خرافة فتركتها. وأعجب من هذا الطائر يطير في البحر، ويتبعه طائر صغير، لا يفارقه حيث ذهب، فإذا أضجره ذرق فلا يخطئ فمه، فيبتلعه وينصرف ويتركه.
المثل المضروب
جانيك من يجني عليك
تفسير هذا المثل
يقال ذلك للرجل يأخذ البرئ بجرم المجرم. ويقولون: لا تجني يمينك على شمالك، والمعنى أن القريب لا يؤخذ بذنب القريب. وأما قول النبي صلى الله عليه وسلم لرجل وابنه: لا يجني عليك ولا تجني عليه، فالمعنى أن الرجل إذا قتل رجلاً خطأً لم يؤخذ بالدية ولا ابنه، ولا بنو أعمامه، ويقولون: كل شاة تناط برجليها.
والمثل من شعر لذؤيب بن كعب بن عامر، وهو:
جانيك من يجني عليك وقد * تعدي الصحاح فتجرب الجرب
والحرب قد تضطر جانيها إلى * سوء المضيق ودونها الرحب
وفي خلاف ذلك يقول الشاعر:
جنى ابن عمك ذنباً فابتليت به * إن الفتى بابن عم السوء مأخوذ
المثل المضروب
جدح جوين من سويق غيره
تفسير هذا المثل
يضرب مثلاً للرجل يسمح بمال صاحبه، ويضن بماله، والجدح: شرب السويق، جدح السويق، إذا شربه، والمجدح: ما يجدح به، نحو الملعقة. والمجدح أيضاً: الدبران وفي حديث عمر رضي الله عنه: استسقيت بمجاديح السماء جمعه وهو واحد، كما تجمع الشمس على شموس، وإنما تجمع على مطالعها في كل يوم، ونحو المثل قول بعضهم:
يحب الخمر من كيس الندامى
المثل المضروب
جلت الهاجن عن الولد
تفسير هذا المثل
جلت هاهنا، بمعنى صغرت. والجلل: الصغير والكبير، يقال: أمر جلل، أي جليل كبير، وهذا في جنب ذاك جلل، أي صغير حقير. والهاجن: الصغيرة، والجمع هواجن. ومنه قيل: اهتجنت الجارية، إذا نكحت وهي صغيرة، وربما سميت النخلة التي تحمل وهي صغيرة مهتجنة، وغنم هواجن: تقرع قبل وقتها. يضرب مثلاً في إنزال الصغير منزلة الكبير.
المثل المضروب
الجواد يعثر
تفسير هذا المثل
يضرب مثلاً للرجل الصالح يسقط السقطة، ويقولون: لكل حسام نبوة، ولكل جواد كبوة، ولكل حليم هفوة، ولكل كريم صبوة. سمعت بعض الشيوخ يقولون: أول من قال: لكل جواد كبوة ابن القرية، ولا اعرف ما صحة ذلك، ولعله ألم بقول ابن القرية فقال ذلك؛ وهو الذي أخبرنا به أبو أحمد، قال: أخبرنا أبي، عن عسل بن ذكوان، عن رجل من قريش، قال: دخل ابن القرية على الحجاج، فقال: يا عدو الله، خرجت علي مع ابن الأشعث، قال: أصلح الله الأمير، كيف مقالة الأسير المقهور الضرير، المغلول حده، التعس جده، ليس له من ظالمه نصير، ولا في أمره مشير، ولا له ملجأ ولا عشير، إني لما وصفتك لهم بالعلاء، وخصصتك بالحمد والثناء شددت بالوثاق، وضيق علي الخناق، وتلألأت فوقي السيوف، وتعرضت لي الحتوف، فإن لم يجد الأمير لي عذراً فليحل بي عقابه، وليبسط علي عذابه، فقال: كذبن يا بن اللخناء، الفنج النوكاء، بل كان قلبك منافقاً، ولسانك مماذقاً، وأردت إخفاء ما الله مظهره من غدرك، وإسرار ما الله معلنه من أمرك. ثم قال: نعم السمير أنت يا بن القرية، لولا تصديرك الكتب لعبد الرحمن بن الأشعث، فصر إلى هند، فأبلغها عني طلاقها، الكلمتين لا تزد عليهما، وقد أمرت لك بمائة ألف درهم فصار إليها، فقال: إن الأمير يقول لك: كنت فبنت، فقالت: والله ما فرحنا به إذ كان، ولا حزنا عليه إذ بان، قال: وقد أمر لك بمائة ألف درهم متاعاً، قالت: هي لك بشرى. ثم انصرف، فقال له الحجاج: أعد لي خطبةً أخطب بها، فأعدها، قال: وتقدمني إلى المسجد لتنظر ما يكون لي فيها. ولما انصرف قال: كيف رأيتني، قال: رأيت الأمير خطيباً مصعقاً، قال: لتخبرني، قال: رأيت الأمير يشير باليد، ويكثر بالرد، ويستعين بأما بعد. قال: ثم دعا بالنطع، فقال ابن القرية: إن رأيت أن تأذن لي بكلمات أتكلم بهن يكن بعدي مثلاً، قال: هاتهن، قال: أيها الأمير، لكل جواد كبوة، ولكل شجاع نبوة، ولكل كريم هفوة، ثم أنشأ يقول:
أقلني أقلني لا عدمتك عـثرتي * فكل جواد لا محالةً يعثر
لعمري لقد حذرتني ونعـيتني * وبصرتني لو أنني كنت أبصر
ليالي سهامي في اليدين صحيحة * ألا كل سهم مرةً يتكسر
وأحسن ما يأتي امرؤ من فعاله * تجاوزه عن مذنب حين يقدر
قال الحجاج: هيهات يا بن القرية، ليس ذا بحين مزاح، وأنشأ يقول:
لتركك تغرير وقـتلك راحة * ومالي والتغرير والقلب يعصر
وتالله لاستعليت في القوم سادراً * تحرض أقواماً علي وتهمر
ويروى أعدائي وهو أجود، ثم وضع الحربة في نحره، فأشخب أوداجه. وفي معنى المثل قول الشاعر:
فإن الغـمام الغر يخلف ودقه * وإن الحسام العضب تنبو مضاربه
وقول غيره:
والسيف ينكل وهو بادي الرونق
وقريب منه قولهم: من لك بأخيك كله ونظمه أبو تمام فقال:
ما غبن المغبون مثل عقله * من لك يوماً بأخيك كله
وروي هذا المعنى عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ أخبرنا أبو أحمد، قال: حدثنا أبي، قال: حدثنا بن أبي طاهر، قال: حدثنا حماد بن إسحاق، عن أبيه، عن ابن وهب، عن عمرو بن الحارث، عن أبي الهيثم، عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا حليم إلا ذو أناة، ولا عليم إلا ذو عثرة، ولا حكيم إلا ذو تجربة ".
المثل المضروب
جرى منه مجرى اللدود
تفسير هذا المثل
ويقال ذلك للخلق الذي لا يفارقه الإنسان، كأنه لدبه. واللدود: الدواء الذي يلد به الإنسان، وهو أن يصب في شدق فمه. وفيه تفسير آخر؛ قيل: معناه أنه بلغ منه كل مبلغ. وأصله من اللديدين، وهما صفحتا العنق. ومن ثم قيل: فلان يتلدد، إذا نظر يمناً وشمالاً من التحير، والإناء الذي يلد به: الملدة.
المثل المضروب
جاء يفري ويقد
جاء يجر بقره
جاء وعلى حاجبه صوفة
جاء بوركي خبر
جاء سبهللا
جاء بالأربى
جاء يتهبى وجاء يتبرسن
تفسير هذا المثل
● جاء يفري ويقد
وأوردت هذا وما شاكله في باب الجيم، لأنه جاء عن العلماء كذلك، وإن جاز أن يقال: أتى يفري ويقد؛ إلا أن لفظ المثل عنهم كذلك. ويقال هذا للرجل إذا جاء يعمل عملاً محكماً، ومثله قولهم: جاء يفري الفرى أي يفعل الفعل العجب. وفي القرآن: (لقد جئت شيئاً فرياً)
أخبرنا أبو القاسم بن شيران، قال: حدثنا الجوهري، عن أبي زيد، عن عقاب، عن وهب، عن موسى بن عقبة، عن سالم، عن عبد الله في رؤيا النبي صلى الله عليه وسلم في أبي بكر رضى الله عنه وعمر رضي الله عنه، قال: رأيت الناس اجتمعوا، فقام أبو بكر فنزع ذنوباً أو ذنوبين، وفي نزعه ضعف، والله يغفر له، ثم قام عمر بن الخطاب فاستحالت غرباً، فما رأيت عبقرياً من الناس يفري فريه، حتى ضرب الناس بعطن فما والغرب: الدلو الكبيرة، والنزع: الاستقاء باليد على غير بكرة. والمتح: الاستقاء على البكرة.
---------------------------------------------------
● جاء يجر بقره
أي جاء ومعه عيال كثير. والبقر: العيال عند العرب.
---------------------------------------------------
● جاء وعلى حاجبه صوفة
أي جاء مغلوباً قد فلج عليه، ولم يخرج لأصله.
---------------------------------------------------
● جاء بوركي خبر
يراد: جاء بالخبر بعد أن عرف بعضه، فكأنهم علموا بأوله، فجاء هذا بآخره.
---------------------------------------------------
● جاء سبهللا
يقولون ذلك للرجل إذا جاء فارغاً، ومنه: جاء يضرب أصدريه أي جاء فارغاً.
---------------------------------------------------
● جاء بالأربى
إذا جاء بالداهية، قال ابن أحمر:
فلما غسى ليلي وأيقنت أنها * هي الأربى جاءت بأم حبو كرى
وليس في العربية فعلى إلا ثلاث كلمات: الأربى، وهي الداهية، وشعبى وأدمى: موضعان. قال الشاعر:
أعبد حل في شعبى غريباً * ألـؤمـاً لا أبـالـك واغـتـرابـا
---------------------------------------------------
● جاء يتهبى
وجاء يتبرسن
إذا جاء ينفض يديه.
المثل المضروب
جاء بالحظر الرطب
تفسير هذا المثل
إذا جاء بكثرة الكذب، قال الشاعر:
وجاءت بنو عجلان بالحظر الرطب
ويقال ذلك للكذاب أيضاً، إذا جاء يكذب كذباً مستشنعاً، ويقال للنمام: إنه ليوقد في الحظر الرطب؛ قال الشاعر:
من البيض لم تصطد على حبل لامة * ولم تمش بين القوم بالحظر الرطب
أي لم توجد على أمر تلام عليه، هكذا قال ابن السكيت.
المثل المضروب
جاء بعائرة عين
تفسير هذا المثل
إذا جاء بالمال الكثير يملأ العين، حتى يكاد يعورها. يقال: عرت عينه أعورها؛ إذا فقأتها؛ وقيل: معناه ما كانت العرب تزعم أن الإبل إذا بلغت ألفاً، فعيرت عين فحلها وقيت وحرست من العين، وإن لم يفعل به ذلك هلكت وفنيت، ومنه قول الشاعر:
وكان شكر القوم عند المنن * كي الصحيحات وفقء الأعين
أخبرنا أبو أحمد، قال: أخبرنا أبو بكر بن دريد، عن أبي عثمان، عن التوزي، عن أبي عبيدة قال: خرج رؤبة بن العجاج يبغي ضالة، فورد ماءً لعكل، فوجد عليه شابةً ضناكاً، فقال لها: هل لك أن أتزوجك، قالت: ومن أنت، قال: رؤبة بن العجاج، قالت: فما مالك، قال: كان غائرة عينين فحطم، قالت: كم أتى لك، قال: ستون سنة، فنادت: يا لعكل، أقلة ذات يد وهرماً، فقال رؤبة:
لما ازدرت نقدي وقلت إبـلـي * تألقت واتصلت بعكل
خطبي وهزت رأسها تستبلي * تسألني عن السنين كم لي
فقلت لو عمرت عمر حسل * أو عمر نوح زمن الفطحل
والصخر مبتل كطين الوحل * كنت رهين هرم أو قتل
المثل المضروب
جاء بالطم والرم
تفسير هذا المثل
قالوا: الطم: البحر، والرم، الثرى، ومعناه: جاء بالكثرة.
وقال الأصمعي: لا أعرف أصل الطم والرم. وقال المفضل: أي جاء بالكثير والقليل.
والطم: الماء الكثير وغيره، والرم: ما كان بالياً، مثل العظم وما أشبهه مما يتغير، والواحدة: رمة.
المثل المضروب
جاءوا قضهم بقضيضهم
جاء تضب لثاته
تفسير هذا المثل
● جاءوا قضهم بقضيضهم
إذا جاءوا مجتمعين لم ينتشروا، ولم يتخلف منهم أحد، قال الشماخ:
وجاءت جحاش قضها بقضيضها * تمسح حولي بالبقيع سبالها
وقيل: معناه جاء صغيرهم وكبيرهم، قالوا: وأصل القض الحصى الصغار. والقضيض: كسارها، وهو قض وقضض، وقد أقض المكان: إذا صار فيه قضض، قال أبو ذؤيب:
إلا أقض عليك ذاك المضجع
ومثله قولهم: " جاءوا جماً غفيراً، وجاءوا جماً غفيرة، وجاءوا بأزملهم، وجاءوا بحذافيرهم، وجاءوا في الحرشف والدخيس والعرمرم " كل ذلك إذا جاءوا بكثرة.
و" جاءوا على بكرة أبيهم " إذا جاءوا بأجمعهم، لم يتخلف منهم أحد، وليس ثم بكرة.
---------------------------------------------------
● جاء تضب لثاته
يضرب مثلاً للرجل يشتد حرصه على الحاجة؛ يقال: ضبت لثته وبضت، أي سالت للحرص والشهوة؛ قال بشر:
خيل تضب لثاتها للمغنم
وقال غيره:
أبينا أبينا أن نضب لثاتكم * على مرشقات كالظباء عواطيا
فأما ذبت شفته فمعناه يبست من العطش، قال الراجز:
إذا رأى عبد حبي ذبا
أي يبس فوه، لما يلقى من شدة الغيرة.
المثل المضروب
جعلته نصب عيني
جاء ينفض مذرويه
تفسير هذا المثل
● جعلته نصب عيني
يعني به شدة العناية بالشيء، وترك الغفلة عنه، والنسيان له. وذلك أن الشيء إذا كان بحيث تراه لم تنسه، وقريب منه قول امرئ القيس:
وبات بعيني قائماً غير مرسل
ومثله قول الله تعالى: (تجري بأعيننا)، وفي خلاف ذلك: " جعلته دبر أذني، وجعلته بظهري ". ومنه قوله تعالى: (واتخذتموه وراءكم ظهرياً).
---------------------------------------------------
● جاء ينفض مذرويه
معناه يتهدد من غير حقيقة، والمذروان: فرعا الأليتين. وفي كلام الحسن: ما تشاء أن ترى أحدهم أبيض بضاً، يملخ في الباطل ملخاً، ينفض مذرويه، ويضرب أصدريه، يقول: هأنذا فاعرفوني. البض: الرخص، والملخ: التثني والتكسر، وقيل: السرعة، وهذا أصح.
وقال الأصمعي: " جاء يجر رجليه " أي جاء مثقلاً، " وجاء يجر عطفيه ". قال ابن الأعرابي: أي جاء متبختراً يجر ناحيتي ثوبه.
المثل المضروب
جاء صكة عمى
تفسير هذا المثل
معناه: جاء حين قام قائم الظهيرة، وعمى: رجل غزا قوماً في قائم الظهيرة، فصكهم صكة شديدة، قصار مثلا لكل من جاء في ذلك الوقت، لأنه كان خالف العادة في الغارة؛ لأن وقتها الغداة، كما قال الشاعر:
صبحناهم بكل أقب نهد
وقال غيره:
فلم أر مثل الحي حياً مصبحاً * ولا مثلنا يوم التقينا فوارساً
وقيل: عمى: تصغير أعمى، وهو تصغير الترخيم، ويعني به الظبي، ويراد أنه يسدر من حر الشمس في الهواجر، فهو يصطك بما ستقبله.
يضرب مثلاً في المجيء هاجرةً. وروي: " صكة عمي " على فعل، مثل حبلى وهو اسم رجل.
المثل المضروب
جذها جذ العير الصليانة
تفسير هذا المثل
يقال ذلك في اليمين إذا أمرها، ولم يتتعتع فيها. والصليانة: ضرب من النبات، خصوه لأنك إذا جذبتها انقلعت بأصولها، ويقال: يمين جذاء وهي اليمين المنكرة، يقتطع بها الرجل حق صاحبه، قال الشاعر في الجرأة على مثلها:
إذا طلبوا مني يميناً غليظةً * حلفت ولم يعسر علي علاجها
منعت التلاد الرمك منها بحلفة * قليل لدى باب الأمير اعوجاجها
وقال غيره:
يهتز حين تمر حجة خصمه * خوف الهضيمة كاهتزاز الأشجع
وإذا يذكر حلفةً أصغى لها * وإذا يذكر بالتقى لم يسمع
وقال ابن الرومي يعذر المعسر إذا حلف كاذباً:
وإني لذو حلف حاضر * إذا ما اضطررت وفي المال ضيق
وهل من جناح على معسر * يدافع بالله ما لا يطيق
ونحوه قول الآخر في معناه:
ماذا على المرء أن يمضي الغموس إذا * ما خاف ضيماً ويلقى الله بالندم
المثل المضروب
جاء وقد لفظ لجامه
جاء بالهيل والهيلمان
جاء بالضح والريح
تفسير هذا المثل
● جاء وقد لفظ لجامه
أي جاء مجهوداً من الإعياء والعطش. ومثله قولهم: جاء وقد قرض رباطه، فإذا جاء مستحيياً قيل: جاء كخاصي العير فإن جاء وقد قضى حاجته قيل: جاء ثانياً من عنانه فإن جاء متكبراً قيل: جاء ثانياً عطفه فإن جاء فارغاً قيل: جاء يضرب أصدريه.
ولفظ لجامه، أي تركه ولم يمسكه بأسنانه، وأصل اللفظ أن تخرج الشيء من فيك، تقول: لفظت النواة؛ إذا ألقيتها من فيك، ومنه سمي لفظ الكلام. وفي كلام بعضهم لرجل يغتاب رجلاً: لقد تلمظت بمضغة طالما لفظها الكرام، وقال غيره لرجل: لفظني البلاء إليك، ودلني فضلك عليك، والرباط: الحبل، وثانياً من عنانه، أي قد ثناه على عنق الدابة مستريحاً لا يجاذبه.
---------------------------------------------------
● جاء بالهيل والهيلمان
إذا جاء بالكثرة، ومثله قولهم: جاء بما صاء وما صمت أي بما نطق من الدواب والرقيق وما صمت، يعني العين والورق. وأول من تكلم به الزباء حين قدم عليها قصير من العراق بما قدم من المال. وهذا أصل قولهم: مال ناطق، ومال صامت. وأصل الهيل من قولهم: هال التراب؛ إذا أرسله من يده كأنه هال المال هيلاً. والهيلمان: إنباع وتوكيد.
---------------------------------------------------
● جاء بالضح والريح
أي جاء بكل شيء، قال ابن الأعرابي: الضح: ما ضحى للشمس، والريح ما نالته الريح. وقال الأصمعي: الضح: الشمس نفسها، وقال أبو عبيدة: يقال ذلك في موضع التكثير، والضح: البراز الظاهر.
المثل المضروب
جرى الوادي فطم على القري
تفسير هذا المثل
يضرب مثلاً للأمر العظيم، يجئ فيعم الصغير والكبير، والوادي النهر الكبير، والقري: مجرى الماء إلى الروضة، والجمع: قريان وأقرية. وطم: علا وقهر، ومنه سميت القيامة الطامة، وطما أيضاً، إذا علا وكثر. وروي: على القليب وهو تحريف، والصحيح على القري.
المثل المضروب
جاري بيت بيت
تفسير هذا المثل
أي بيته إلى جانب بيتي، بفتح التاء فيهما جميعاً، فأما كيت وكيت فقد تكسر التاء فيهما جميعاً وتفتح، وربما قيل: ذيت وذيت. ويقولون: هو جاري مكاسري، أي كسر بيتي إلى كسر بيته، ومطانبي أي طنب بيتي إلى طنب بيته.
المثل المضروب
جبلت القلوب على حب من أحسن إليها
تفسير هذا المثل
هو من كلام النبي صلى الله عليه وسلم؛ أخبرنا أبو أحمد، قال: حدثني أحمد بن أبي إسحاق التمار، قال: حدثنا زيد بن أجذم، قال: حدثنا ابن عائشة قال: حدثنا محمد بن عبد الرحمن، عن رجل من قريش، قال: كنت عند الأعمش فقيل: إن الحسن بن عمارة ولي المظالم، فقال: ما للحائك بن الحائك وللمظالم، فخرجت حتى أتيت الحسن بن عمارة، وأجريته له، فقال: علي بمنديل وأثواب، فوجه بها إليه، فلما كان من الغد بكرت إلى الأعمش، وقلت: أجري الحديث قبل أن يجتمع الناس، فأجريته، فقال: بخ بخ، هذا الحسن بن عمارة زان العمل وما زانه، فقلت: بالأمس قلت ما قلت، واليوم تقول هذا، قال: دع هذا عنك، حدثني خيثمة عن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: جبلت القلوب على حب من أحسن إليها، وبغض من أساء إليها، قال أبو هلال رحمه الله: جبلت؛ أي خلقت وطبعت، والجبلة: الخلق. وفي القرآن: والجبلة الأولين يعني الخلق الأول.
المثل المضروب
جباب فلا تعن آبراً
الجرع أروى والرشف أشرب
تفسير هذا المثل
● جباب فلا تعن آبراً
يضرب مثلاً للرجل القليل الخير، أي لا تكلمه فإنه لا خير عنده. والجباب جمار النخل، يقول: جباب ولا طلع فيه. والآبر: الملقح المصلح للنخل، أبر النخل يأبره أبراً؛ إذا أصلحه ولقحه، والمؤتبر: صاحب النخل الذي يأمر بالإبار.
---------------------------------------------------
● الجرع أروى والرشف أشرب
يضرب مثلاً للقصد في النفقة، والمراد أن الجرع أجلب للري، ورشف الماء أدوم لشربه.
بّسم اللّه الرّحمن الرّحيم
الأمثال المضروبة في التناهي والمبالغة
الواقع في أوائل أصولها الجيم
المثل المضروب
أجبن من المنزوف ضرطاً
تفسير هذا المثل
وهو رجل كان يتبجح بالشجاعة، فأرادت النساء تجربته، فأيقظنه ذات غداة، وقلن: هذه نواصي الخيل، فجعل يقول: الخيل الخيل، ويضرط حتى مات. وقيل: بل هو رجل خرج مع صاحب له في فلاة، فلاحت لهما شجرة، فقال أحدهما لصاحبه: أرى قوماً رصدونا، فقال: إنهم عشرة، فجعل يقول: وما غناء اثنين بين عشرة! ويضرط حتى نزف روحه ومات. وقيل: إنه مولىً للأحرن، ضرب أثال بن لجيم على رجله فحنفها، فسمي حنيفة، وضرب حنيفة الأحرن فجذمه، فسمي جذيمة، فلما رأى مولى الأحرن ذلك جعل يضرط حتى مات. وقيل إن حديث المثل ما نذكره في الباب الرابع عشر عند قولهم: الصيف ضيعت اللبن.
المثل المضروب
أجبن من صافر
أجبن من الهجرس
أجبن من الرباح
أجبن من صفرد
أجبن من الوطواط
أجبن من ليل
أجبن من النهار
أجبن من ثرملة
تفسير هذا المثل
● أجبن من صافر
وهو كل ما يصفر من الطير، وقيل: هو طائر يأخذ غصن شجرة برجليه ويتدلى منكوساً، ويصفر طول الليل مخافة أن ينام فيؤخذ. وقيل: إنهم أرادوا المصفور به، وذلك أنه إذا صفر به هرب. وقيل: الصافر: الذي يصفر بالمرأة لريبة، فهو يجبن، ويخاف الظهور على أمره، وأنشد أبو عبيدة للكميت:
أرجو لكم أن تكونوا في مودتكم * كلباً كورهاء تقلي كل صفار
لمـا أجـابت صفيراً كان آيتها * من قابس شيط الوجعاء بالنار
وحديث ذلك أن رجلاً كان يعتاد امرأةً فيجيئها فيصفر؛ فتخرج عجزها من وراء البيت، وهي تحدث ولدها، فيقضي حاجته منها، فعلم بذلك بعض ولدها فغاب عنها، ثم جاء يصفر، ومعه مسمار محمىً، فلما جاءت لعادتها كواها، فجاء خليلها فقالت: قد قلينا صفيركم.
---------------------------------------------------
● أجبن من الهجرس
وهو القرد هاهنا. وحكى أن القرود إذا كان الليل أخذت في أيديها الأحجار، ووقف كل واحد منها إلى جنب الآخر، فربما نام أحدها، فيسقط من يده الحجر، فتفزع جماعتها، وتتأخر، وتصبح من الموضع الذي باتت فيه على أميال، وذلك من خوف الذئب. وقيل: الهجرس: الثعلب. وقيل: ولد الثعلب.
---------------------------------------------------
● أجبن من الرباح
وهو ولد القرد.
---------------------------------------------------
● أجبن من صفرد
وأجبن من كروان
وهما طائران معروفان.
---------------------------------------------------
● أجبن من الوطواط
وهو الخفاش.
---------------------------------------------------
● أجبن من ليل
وهو فرخ الكروان.
---------------------------------------------------
● أجبن من النهار
وهو فرخ الحبارى.
---------------------------------------------------
● أجبن من ثرملة
وهو الثعلب.
المثل المضروب
أجرأ من ذباب
تفسير هذا المثل
بالهمز، لأنه يقع على أنف الملك وتاجه، وعلى أنف الأسد، ويزاد فيرجع. قال الشاعر:
ولأنت أجرأ حين تغدو سادراً * رعش الجنان من القدوح الأقدح
القدوح: الذباب، لأنه يحك ذراعه بذراعه، كأنه يقدح والأقدح شبه بالفرس الأقدح للبياض الذي بين عينيه، وأنشد:
هزجاً يحك ذراعه بذراعه * فعل المكب على الزناد الأجذم
المثل المضروب
أجرأ من فارس خضاف
أجرأ من خاصى خصاف
أجرأ من خاصي الأسد
أجرأ من ذي لبدة
أجرأ من أسامة
أجرأ من قسورة
أجرأ من ليث بخفان
أجرأ من الماشي بترج
تفسير هذا المثل
● أجرأ من فارس خضاف
وخضاف بالضاد معجمةً، و هو رجل من غسان، وكان من أجبن أهل زمانه، يقف في آخر الصف، وينهزم أول منهزم، فبينا هو ذات يوم واقف جاء سهم، فوقع بين يديه، فرآه يهتز فتأمله، فإذا هو قد أصاب يربوعاً في جحر بين يديه، فقال: أترى هذا اليربوع وظن أن السهم لا يصيبه وهو في جحره لا الإنسان في شيء ولا اليربوع، فأرسلها مثلاً. ثم استقدم فكان من أشد الناس. وقيل: هو سمير بن ربيعة، وكان من حديثه أن كسرى بعث جيشاً عليهم مرزبان يقال له قولي إلى قيس، فاجتمع إليه قوم من اليمن وكانوا بالعقيق، فلما نظروا إلى المرازبة واليمن في الحديد قالوا: لا يموت هؤلاء أبداً، فبرز رجل من المرازبة، فأحجمت قيس كلها عنه، فتجاسر سمير فبرز إليه، فطعنه فأذراه عن فرسه وقال: يا قوم إنكم تموتون، وانهزم الفرس واليمن فقال سمير:
فككت الإمارة عن عامر * وأعجلت قولى بضرب خضم
وطعن كإيزاغ خور المخاض * إذا انتزع الرمح منه سجم
إذا هاجت الحرب هجنالها * بصرب دراك كخفق الضرم
نفـلق أقحاف صم الشئون * كبيض النعام إذا ما انحطم
فقال الناس: أجرأ من فارس خضاف لإقدامه حين أحجم الناس.
---------------------------------------------------
● أجرأ من خاصى خصاف
وهو فرس طلبه بعض الملوك فخصاه صاحبه، فتمثل به لاجترائه على الملك.
---------------------------------------------------
● أجرأ من خاصي الأسد
معروف.
---------------------------------------------------
● أجرأ من ذي لبدة
يعني الأسد، ولبدته وزبرته: ما تلبد على منكبه من الشعر.
---------------------------------------------------
● أجرأ من أسامة
وهو اسم من أسماء الأسد، غير مصروف.
---------------------------------------------------
● أجرأ من قسورة
وهو الأسد، أخذ من القسر، وهو القهر.
---------------------------------------------------
● أجرأ من ليث بخفان
خفان: موضع للأسود.
---------------------------------------------------
● أجرأ من الماشي بترج
وهو مأسدة معروفة.
المثل المضروب
أجرأ من الأيهمين
أجرأ من الليل
أجرأ من السيل
تفسير هذا المثل
● أجرأ من الأيهمين
قيل: هما السيل والحريق، وقيل: السيل والجمل الهائج، قال الشاعر:
ولما رأيتك تنسى الـذمام * ولا قدر عندك للمعدم
وتجفو الشريف إذا ما أخل * وتدني الدني على الدرهم
وهـبت إخـاءك للأيهمين * وللأعميين ولم أظلم
ويروى الأثرمين والأعميين، والأثرمان: الدهر والموت، والأعميان: السيل والنار.
---------------------------------------------------
● أجرأ من الليل
وأجرأ من السيل
مهموز، من الجرأة، وغير مهموز من الجري. ويقال: لا أفعل ذاك حتى يرد وجه السيل.
المثل المضروب
أجول من قطرب
تفسير هذا المثل
وهي دابة تجول الليل كله، والنهار كله لا تنام. وأخبرنا أبو القاسم، عن العقدي، عن أبي جعفر، عن المدائني، عن محمد بن إبراهيم بن نصر بن سيار، قال: كان عظماء الترك يقولون: ينبغي للقائد العظيم القيادة أن تكون فيه عشرة أخلاق من أخلاق البهائم؛ شجاعة الديك، وتحرز الدجاجة، وقلب الأسد، وحملة الخنزير، وروغان الثعلب، وصبر الكلب على الجراح، وحراسة الكركي، وحذر الغراب، وغارة الذئب، وسمن يعرو وهو دابة تسمن على الكد وجولان قطرب.
المثل المضروب
أجوع من كلبة حومل
أجوع من زرعة
أجوع من لعوة
أجوع من الذئب
أجوع من قراد
تفسير هذا المثل
● أجوع من كلبة حومل
وهي امرأة من العرب جوعت كلبتها، حتى أكلت ذنبها، قال الشاعر:
كما رضيت بخلاً وسوء رعاية * لكلبتها في سالف الدهر حومل
---------------------------------------------------
● أجوع من زرعة
وهي كلبة لبني ربيعة، قتلها الجوع، ولم يطعموها حتى ماتت.
---------------------------------------------------
● أجوع من لعوة
وهي الكلبة، والجمع لعىً، كما تقول: بدرة وبدر، ودولة ودول.
---------------------------------------------------
● أجوع من الذئب
وهو دهره جائع، وذلك لأنه لا يأكل إلا ما يصيد، ولا يرجع إلى فريسته، فإذا اشتد جوعه استقبل النسيم حتى يمتلئ جوفه منه، فيكتفي به. ويقولون: رماه الله بداء الذئب يعنون الجوع. وقيل: هو الموت؛ وذلك أن الذئب لا تصيبه علة إلا علة الموت.
---------------------------------------------------
● أجوع من قراد
لأنه بلصق ظهره بالأرض سنة، ولا يأكل شيئاً حتى يجد إبلاً، فإذا كانت الإبل منه على مسافة بعيدة تحرك، فربما كان الخراب وهم سراق الإبل يستدلون بحركته على إقبالها، فيتهيئون للذهاب بها، حتى إذا قربت وثبوا عليها، فالقراد أصدق الحيوان حساً.
المثل المضروب
أجل من الحرش
أجور من سدوم
أجشع من أسرى الدخان
أجشع من كلب
أجهل من فراشة
أجهل من حمار
أجهل من عقرب
أجهل من راعي ضان
أجمع من ذرة وأجمع من نملة
أجرد من جراد
أجرد من صخرة
أجرد من صلعة
تفسير هذا المثل
● أجل من الحرش
تقوله لمن يخاف شيئاً، فيبتلى بأشد منه. والحرش: صيد الضب، وهو أن يأتي الرجل جحره، فيضربه بيده، فيقدر الضب أن حيةً أتته، فيخرج مذنباً ليقاتلها، فيأخذه، وربما فطن فخدع وفات. وزعمت العرب أن الضب كان يحذر حسلة ذلك، فرأى رجلاً يهدم جحره، فقال له: أهذا الحرش يا أبت، فقال: هذا أجل من الحرش، وحكيت فيه حكاية أخرى مرت من قبل.
---------------------------------------------------
● أجور من سدوم
من الجور، وسدوم: رجل كان في قديم الزمان يتمثل به في الجور، وذكر أنه كان على قنطرة، يأخذ من كل إنسان يعبرها درهماً، فقال له رجل: أنا أعبر تحتها، فقال: إذن تعطي درهمين، فتمثل به في الجور.
---------------------------------------------------
● أجشع من أسرى الدخان
يذكر حديثهم فيما بعد.
---------------------------------------------------
● أجشع من كلب
والجشع: شدة الحرص والشره، وذلك موجود في طباع كل سبع؛ فتراه إذا أكل أكل بسرعة، كأنما يبادر شيئاً يجاذبه.
---------------------------------------------------
● أجهل من فراشة
لأنها تلقي نفسها في النار.
---------------------------------------------------
● أجهل من حمار
من قول الناس للجاهل: هو حمار، ومن بديع ما جاء في هذا قول الشاعر:
هذا الحمار من الحمير حمار
---------------------------------------------------
● أجهل من عقرب
لأنها إذا مرت بالصخرة ضربتها بإبرتها، فلا تضرها وتضر إبرتها.
---------------------------------------------------
● أجهل من راعي ضان
قالوا: لأن بعده عن الناس فوق بعد راعي الإبل.
---------------------------------------------------
● أجمع من ذرة
وأجمع من نملة
والذرة: النملة الصغيرة، وليس في الحيوان غير الإنسان شيء يدخر من يومه لغده كادخارها، وكذلك النحل يدخر العسل لطعمه.
---------------------------------------------------
● أجرد من جراد
قيل: هي رملة لا تنبت شيئاً، ويقال للرجل المشئوم الذي يقتلع الأصول بشؤمه: إنه أجرد من الجراد، لأن الجراد إذا وقع في زرع جرده حتى لم يبق منه شيئاً.
---------------------------------------------------
● أجرد من صخرة
وأصل الجرد القشر.
---------------------------------------------------
● أجرد من صلعة
معروف.
المثل المضروب
أجمل من ذي العمامة
تفسير هذا المثل
وهو سعيد بن العاص بن أمية، وكان إذا لبس العمامة لم يلبسها قرشي. وقيل: لم يلبس قرشي عمامةً على لونها، وإذا خرج لا تبقى امرأة إلا برزت إليه للنظر إلى جماله، قال الشاعر:
أبو أحيحة من يعتم عمته * يضرب وإن كان ذا مال وذا ولد
ومن عادات الملوك ألا تسوغ لرعاياها موافقتها في شيء من الأمور. وقيل: أريد بالعمامة هاهنا السيادة، وفلان معمم، أي سيد يعصب برأسه كل جناية تجنيها عشيرته، وعمم الرجل إذا سود، كما يقال في العجم: قد توج، ومن ثم قيل: العمائم تيجان العرب.
المثل المضروب
أجود من الجواد المبر
أجود من كعب بن مامة
تفسير هذا المثل
● أجود من الجواد المبر
يقال: أبر عليه؛ إذا زاد عليه، وسئل رجل عن الجواد المبر فقال: الذي لهز لهز العير، وأنف تأنيف السير، إذا عدا اسلهب، وإذا انتصب اتلأب، قيل: فما البطئ المقرف، قال: هو المدلوك الحجبة، الضخم الأرنبة؛ الغليظ الرقبة، الكثير الجبلة، الذي إذا قلت: أمسكه قال: أرسلني، وإذا قلت: أرسله قال: أمسكني.
---------------------------------------------------
● أجود من كعب بن مامة
وقد مر خبره في الباب الأول.
المثل المضروب
أجود من حاتم
تفسير هذا المثل
وهو حاتم بن عبد الله الطائي، وكان ينحر كل يوم، فلما رأى أبوه إهلاكه المال وهب له فرساً وفلواً وجارية، وألحقه بمواشيه، فبينا هو فيها إذ مر به ركب فيه بشر بن أبي خازم والحطيئة يريدان النعمان بن المنذر، فقالا له: هل من قرىً، قال: أتسألان عن القرى وأنتما تريان الإبل والغنم، فأنزلهما ونحر لكل واحد منهما جزوراً، فقالا: إنما تكفينا شاة، قال: أردت أن يحدث كل واحد منكما بما رأى، قالا: من أنت، قال: حاتم بن عبد الله بن سعد، فقال بشر: تالله ما رأيت غلاماً قط أندى كفاً، ولا أقرب عطفاً، ولا أحضر عرفاً منك، وأنشأ يرتجز:
ما إن رأيت كابن سعد رجلا * في الناس أندى راحةً وأكملا
فتـىً إذا مـا قـال شـيئاً فـعـلا
وقال الحطيئة:
مجداً يحوز حاتم وعقلا * وكلماً ما مثله وبـذلا
فقال: إنما أردت أن أفضل عليكما، فأما إذ مدحتماني فقد أفضلتما علي، هي بدن إن لم تقتسماها؛ فاقتسما الإبل والغنم، وبلغ أباه الخبر، فقال: أين إبلي وغنمي، فقال: أرأيت إن هلكت ما كنت فاعلاً، قال: كنت أصبر. قال: فالآن فاصبر. فارتحل عنه أبوه، وتركه في الدار، فمر به ركب فسألوه راحلةً لصاحب لهم، فقال: دونكم الفرس، فربطت الجارية الفلو بخمارها، فنزع إلى أمه فأفلت، وتبعته الجارية، فقال لهم حاتم: لكم ما تبعكم، فبلغ أباه، فقال: إن الذي خلق الله منه لحم حاتم وعظامه للجود، وقال حاتم يذكر تحول أبيه عنه:
وإني لعـف الفقر مشترك الغنى * تروك لثـكل لا يوافقه شكلي
ولي نيقة في الجود والبذل لم يكن * تأنقها مما مضى أحد قبلي
وما ضرني أن سار سعد بأهله * وخلفني في الدار ليس معي أهل
فما من كريم عاله الدهر مرةً * فيذكرها إلا تردد في البـذل
وما من بـخيل عاله الدهر مرةً * فيذكرها إلا تردد في البخل
ومر حاتم في أرض عنزة، فناداه أسير لهم: يا أبا سفانة أكلني القد والقمل، فقال: أسأت إلي حين نوهت باسمي، وما أنا ببلاد قومي، وليس عندي ما أفديك به، ثم اشتراه من العنزيين وخلاه، وأقام في قده، حتى أتى بفدائه عنه. وما روي مثل هذا عن أحد قبله ولا بعده.
المثل المضروب
أجود من هرم
تفسير هذا المثل
وهو هرم بن سنان، وكان من أجود الناس، قال أبو عبيدة: لم يضرب به المثل. وقد سمعناه نحن، ومدحه زهير فقال:
إن البخيل ملوم حيث كان ولكـ * ن الجود على علاته هرم
هو الجواد الذي يعـطيك نائله * عفواً ويظلم أحياناً فيظلم
وقال:
إن تلق يوماً على علاته هرماً * تلق السماحة منه والندى خلقا
وكان قد جعل هرم على نفسه ألا يسلم عليه زهير إلا أعطاه، فأشفق عليه زهير، فكان يمر بالقوم وهرم فيهم، فيقول: السلام عليكم دون هرم. وسمع عمر رضي الله عنه أصحابه يتذاكرون الشعر، فأقبل ابن عباس فقال: قد جاءكم ابن بجدتها، وقال: يا بن عباس، ما أشعر بيت قالته العرب، قال: قول زهير:
قوم سنان أبوهم حين تنسبهم * طابوا فطاب من الأولاد ما ولدوا
لو كان يقعد فوق الشمس من كرم * قوم بآبائهم أو مجدهم قعدوا
محسدون على ما كان من نعم * لا ينزع الله عنهم ماله حسدوا
إنس إذا أمنوا، جن إذا فزعوا * مرزءون بها ليل إذا جهدوا
فقال عمر: ما أحد أولى بهذا الشعر منكم يا بني هاشم، فقال ابن عباس: فينا ما هو أكبر منه، كتاب الله، والنبوة.
المثل المضروب
أجرأ من قاتل عقبة
تفسير هذا المثل
وهو عقبة بن مسلم الهنأي. وكان المنصور أراد أن يقطع الحلف بين ربيعة واليمن، فقلد عقبة اليمامة والبحرين والبصرة، وقلد معن بن زائدة اليمن، وبسط أيديهما في القتل، وأخذ الأموال، فأسرع كل واحد منهما في قوم صاحبه، وصارت بينهما الطوائل، فانقطع الحلف، وكان عقبة ظالماً مهيباً، فقتله رجل من ربيعة في المسجد الجامع، وقتل مكانه، فضرب به المثل، فقيل: أجرأ من قاتل عقبة، وقتل معن بعده غيلة، قتله قوم من الخوارج، وهو يلي طبرستان، وكان قد كتب معن إلى عقبة: كف حتى أكف، فكتب إليه عقبة: لا والله أو تعلم أينا يسبق زوامله إلى النار
مُختصر كتاب جمهرة الأمثال لأبو هلال العسكري
جري المذكيات غلاب
تفسير هذا المثل
أراد أن اللسان تؤخذ بالمغالبة والقوة، والصغار تدارى ولا تحمل على غلظ ومشقة. وروي: غلاء يراد أنها تتغالى في الجري، أي تتباعد. والمذكي: المسن، وقد ذكى، والاسم: الذكاء. قال الراجز:
جري المذكي حسرت عنه الحمر حسر، فهو حاسر، وحسر للجميع، إذا سقط من الإعياء، وليس ذا موضعه.
وفي معنى المثل قولهم:
الشيخ أقوى عصاً من الصبي
والمثل لقيس بن زهير العبسي، وذلك أنه راهن حذيفة بن بدر الفزاري على داحس والغبراء وهما فرسان وراهنه حذيفة على الخطار والحنفاء والخطر بينهما عشرون من الإبل. والغاية من واردات إلى ذات الإصاد، وهي مائة غلوة، وجعل السابق أول من شرع في ماء كان هناك، فلما أرسلت الحلبة قال حذيفة: خدعتك يا قيس، قال: ترك الخداع من أجرى من مائة وقد تقدم هذا المثل. ثم قال: سبقت والله يا قيس، فقال: جري المذكيات غلاب. ثم قال له: سبقت ورب الكعبة، فقال: رويد يعلون الجدد وكانت بنو فزارة جعلت كميناً، فلما طلع داحس سابقاً أمسكه الكمين، ولم يعرف الغبراء، وهي خلف داحس مصلية، فوردت سابقةً، فلطمتها بنو فزارة وحلئوها عن الماء، وأبت أن تقر لقيس بالسبق ومنعوه الخطر، فوقع بينهم الشر، فقال بعضهم يذكر ذلك:
لطمن بأعلى ذي الإصاد وجمعهم * يرون الأذى من ذلة وهوان
فغزاهم قيس، فلحق عوف بن بدر، أخا حذيفة فقتله، ثم وداه مائة ناقة متلية عشراء والعشراء: التي قد أتى على حملها عشرة أشهر. والمتلية: التي قد نتج بعضها، والباقي يتلوها بالنتاج؛ فالحامل متلية، والتي يتبعها ولدها أيضاً متلية ثم قتل حمل بن بدر الفزاري مالك بن زهير أخا قيس، فأرسل إليه: أن اردد إلينا إبلنا مع أولادها وكانت قد ولدت عندهم فقد قتلتم بقتيلكم، فقالت بنو فزارة: أنعطيهم أكثر مما أعطونا، وأمسكوا أولادها، وأبى قيس إلا أن يأخذها مع أولادها. ثم قتل جنيدب بن خلف العبسي مالكاً أخا حذيفة، فهاج الحرب بين بني عبس وفزارة نحواً من أربعين سنة، فقال قيس:
ولكن الفتى حمل بن بدر * بغى والبغي مرتعه وخيم
أظن الحلم دل علي قومي * وقد يستجهل الرجل الحليم
ومارست الأمور ومارستني * فمعـوج علي ومستقيم
المثل المضروب
جاور بحراً أو ملكاً
تفسير هذا المثل
معناه: اطلب الخصب. وقد اتفقت العرب والفرس في جميع أمثالها إلا في هذا المثل؛ فإن العرب قالت: جاور بحراً أو ملكاً وقالت الفرس: نه شاه آشنا ونه روذ همذوره والمعنى: لا الملك معرفة، ولا البحر جار، أي لا تتعرف إلى الملك، ولا تجاور البحر، وقال أبو العتاهية على مذهب الفرس:
إن الملوك بلاء حيثما حلوا * فلا يكن لك في أكنافهم ظـل
ماذا ترجي بقوم إن هم غضبوا * جاروا عليك وإن أرضيتهم ملوا
وإن نصحت لهم ظنوك تخدعهم * واستثقلوك كما يستثقـل الكل
فاستغن بالله عن أبوابهم كرماً * إن الوقـوف عـلى أبوابهم ذل
وأخذ كشاجم معنى المثل فقال يخاطب ابن مقلة الخطاط:
أصبحت جارك فاكنفني برأيك من * دهـر أراه لصدري مرصداً نبله
إني لموضع أنس حين تفرغ لي * وإن شغلت فكاف ترتضي شغله
وقيل كن جار بحر أو فنا ملك * وأنت جاري وساباطي على دجله
ولا أسومك إلا الجاه تبذله * فتستعيض به من مدحتي حله
المثل المضروب
جدك لا كدك
تفسير هذا المثل
الجد: قسم الله تعالى للعبد حظه من الدنيا؛ فمن قسم له شيئأ ناله، ومن لم يقسم له حرمه وإن اجتهد في طلبه. يقول: إن كان لك جد فزت بما تطلب وإن لم يكن لك لم ينفعك الكد. وهو من قول الحارث بن حلزة:
عش بجد لا يضر * ك النوك ما لاقيت جدا
وقيل:
غنما عيش من ترى بالجدود
وقال بعض الأوائل: إذا لم يساعد الجد فالحركة خذلان. ورب لازم لعرصته قد فاز ببغيته. بمفتاح عزيمة الصبر تعالج مغاليق الأمور. لا يغرنك المرتقى السهل إذا كان المنحدر وعرا. تأمل موضع قدمك تقلل فواحش زللك، ووافق هذا قول زهير:
ومن لا يمكن رجله مطمئنةً * ليثبتها في مستوى الأرض تزلق
وقال بعض العرب:
وما لب اللبيب بغير حظ * بأغنى في المعيشة من فتيل
رأيت الحظ يستر كل عيب * وهيهات الجدود من العقول
وقال غيره:
لا جد لي فالجد ليس ينفع
وقال غيره:
خلط الدهر في القضاء علينا * رب جهل أحظ من كل عقل
وقال بعضهم: طلب المعاش أذل عز العلماء، وأحوج الأدباء إلى الجهلاء، ورب مجتهد مكد، وذي حظ قليل الحيلة، وحريص قد خاب، ومقتصد قد فاز، وفي حسن الظن بالله درك الدارين.
المثل المضروب
جروا له الخطير ما انجر
تفسير هذا المثل
الخطير: زمام الناقة، يقول: اتبعوه ما صلح، فإذا كان اتباعه فساداً فتوقوه.
والمثل لعمار بن ياسر؛ قاله في عثمان رضي الله عنه حين نقم عليه ما نقم. وقريب من هذا قولهم: امش بدائك ما حملك، ونحوه قول الشاعر:
البس قميصك ما اهتديت لجيبه * فإذا أضلك جيبه فتبدل
المثل المضروب
جاحش عن خيط رقبته
تفسير هذا المثل
يضرب مثلاً للرجل يحذر على نفسه، ويدافع عنها. والمجاحشة: المدافعة، قال الأعشى:
أجاحش عن أعراضكم وأعيرها * لساناً كمقراض التهامي ملحبا
وخيط الرقبة: النخاع.
ومثله قولهم: عن ظهرها تحل وقراً والوقر: الثقل، أي تخفف عن نفسها.
المثل المضروب
جمع جراميزك
تفسير هذا المثل
يقال ذلك للرجل يؤمر بالجد في الأمر والاجتهاد فيه. وهو مثل قولهم: اشدد حيازيمك للأمر؛ وروي عن علي رضي الله عنه أنه قال:
حيازيمك للموت * فإن الموت لاقيك
ولا تجزع من الموت * إذا حل بواديك
فحذف اشدد وأضمره، فنصب حيازيمك على إضماره، والجراميز هاهنا: الأطراف وما يتشعب منها، وأصل الجرموز: الحوض الصغير يتخذ للإبل؛ وبه سمي الرحل. والحيزوم والحزيم: الصدر وما والاه، ويقال: تجرمز الليل، إذا ذهب، وقال الأصمعي: جمع زررك، أي اجمع شأنك وانقبض، قال: ولا أعرف ما الزرر
المثل المضروب
الجحش لما بذك الأعيار
تفسير هذا المثل
أي اقتصد على صيد الجحش إذا لم تقدر على العير، والمعنى: خذ القليل إذا فاتك الكثير، وبذ: غلب فذهب فلم يلحق. وهو مثل قول العامة: إذا لم يكن ما تريد فأرد ما يكون. وقال نهشل بن حري: أنشدنا أبو أحمد، عن أبي بكر:
ومولىً رفدت النصح حتى يرده * علي وحتى يعذر الرأي عاذره
إذا كان لا يرضى برأيك صدره * ولا أنت إن لم يرض رأيك قاسره
فصبر جميل إن في اليأس راحةً * إذا الغيث لم يمطر بلادك ماطره
قال: هذا مثل قول الناس: إذا لم يكن ما تريد فأرد ما يكون.
إن لم يكن ما يريد الناس من سبب * فواجب أن يريد المرء ما كانا
المثل المضروب
جزاء سنمار
تفسير هذا المثل
يضرب مثلاً لسوء الجزاء، يقال: جزاه جزاء سنمار، وكان سنمار بناءً مجيداً من الروم، فبنى الخورنق للنعمان بن امرئ القيس، فلما نظر إليه النعمان استحسنه، وكره أن يعمل مثله لغيره، فألقاه من أعلاه فخر ميتاً، فقال الشاعر:
جزتنا بنو سعد لحسن فعالنا * جزاء سنمار وما كان ذا ذنب
وقال غيره:
جزاني جزاه الله شر جزائه * جزاء سنمار بما كان قدما
والناس يقولون في هذا المعنى: جازاه مجازاة التمساح، ويحكون أن التمساح يأكل اللحم، فيدخل في خلال أسنانه، فيفتح فاه، فيجئ طائر فيسقط عليها، فيخللها ويأكل اللحم، فيكون طعاماً للطائر، وراحةً للتمساح، فربما ضم التمساح فاه على الطائر فيقتله. وروي فيه خرافة فتركتها. وأعجب من هذا الطائر يطير في البحر، ويتبعه طائر صغير، لا يفارقه حيث ذهب، فإذا أضجره ذرق فلا يخطئ فمه، فيبتلعه وينصرف ويتركه.
المثل المضروب
جانيك من يجني عليك
تفسير هذا المثل
يقال ذلك للرجل يأخذ البرئ بجرم المجرم. ويقولون: لا تجني يمينك على شمالك، والمعنى أن القريب لا يؤخذ بذنب القريب. وأما قول النبي صلى الله عليه وسلم لرجل وابنه: لا يجني عليك ولا تجني عليه، فالمعنى أن الرجل إذا قتل رجلاً خطأً لم يؤخذ بالدية ولا ابنه، ولا بنو أعمامه، ويقولون: كل شاة تناط برجليها.
والمثل من شعر لذؤيب بن كعب بن عامر، وهو:
جانيك من يجني عليك وقد * تعدي الصحاح فتجرب الجرب
والحرب قد تضطر جانيها إلى * سوء المضيق ودونها الرحب
وفي خلاف ذلك يقول الشاعر:
جنى ابن عمك ذنباً فابتليت به * إن الفتى بابن عم السوء مأخوذ
المثل المضروب
جدح جوين من سويق غيره
تفسير هذا المثل
يضرب مثلاً للرجل يسمح بمال صاحبه، ويضن بماله، والجدح: شرب السويق، جدح السويق، إذا شربه، والمجدح: ما يجدح به، نحو الملعقة. والمجدح أيضاً: الدبران وفي حديث عمر رضي الله عنه: استسقيت بمجاديح السماء جمعه وهو واحد، كما تجمع الشمس على شموس، وإنما تجمع على مطالعها في كل يوم، ونحو المثل قول بعضهم:
يحب الخمر من كيس الندامى
المثل المضروب
جلت الهاجن عن الولد
تفسير هذا المثل
جلت هاهنا، بمعنى صغرت. والجلل: الصغير والكبير، يقال: أمر جلل، أي جليل كبير، وهذا في جنب ذاك جلل، أي صغير حقير. والهاجن: الصغيرة، والجمع هواجن. ومنه قيل: اهتجنت الجارية، إذا نكحت وهي صغيرة، وربما سميت النخلة التي تحمل وهي صغيرة مهتجنة، وغنم هواجن: تقرع قبل وقتها. يضرب مثلاً في إنزال الصغير منزلة الكبير.
المثل المضروب
الجواد يعثر
تفسير هذا المثل
يضرب مثلاً للرجل الصالح يسقط السقطة، ويقولون: لكل حسام نبوة، ولكل جواد كبوة، ولكل حليم هفوة، ولكل كريم صبوة. سمعت بعض الشيوخ يقولون: أول من قال: لكل جواد كبوة ابن القرية، ولا اعرف ما صحة ذلك، ولعله ألم بقول ابن القرية فقال ذلك؛ وهو الذي أخبرنا به أبو أحمد، قال: أخبرنا أبي، عن عسل بن ذكوان، عن رجل من قريش، قال: دخل ابن القرية على الحجاج، فقال: يا عدو الله، خرجت علي مع ابن الأشعث، قال: أصلح الله الأمير، كيف مقالة الأسير المقهور الضرير، المغلول حده، التعس جده، ليس له من ظالمه نصير، ولا في أمره مشير، ولا له ملجأ ولا عشير، إني لما وصفتك لهم بالعلاء، وخصصتك بالحمد والثناء شددت بالوثاق، وضيق علي الخناق، وتلألأت فوقي السيوف، وتعرضت لي الحتوف، فإن لم يجد الأمير لي عذراً فليحل بي عقابه، وليبسط علي عذابه، فقال: كذبن يا بن اللخناء، الفنج النوكاء، بل كان قلبك منافقاً، ولسانك مماذقاً، وأردت إخفاء ما الله مظهره من غدرك، وإسرار ما الله معلنه من أمرك. ثم قال: نعم السمير أنت يا بن القرية، لولا تصديرك الكتب لعبد الرحمن بن الأشعث، فصر إلى هند، فأبلغها عني طلاقها، الكلمتين لا تزد عليهما، وقد أمرت لك بمائة ألف درهم فصار إليها، فقال: إن الأمير يقول لك: كنت فبنت، فقالت: والله ما فرحنا به إذ كان، ولا حزنا عليه إذ بان، قال: وقد أمر لك بمائة ألف درهم متاعاً، قالت: هي لك بشرى. ثم انصرف، فقال له الحجاج: أعد لي خطبةً أخطب بها، فأعدها، قال: وتقدمني إلى المسجد لتنظر ما يكون لي فيها. ولما انصرف قال: كيف رأيتني، قال: رأيت الأمير خطيباً مصعقاً، قال: لتخبرني، قال: رأيت الأمير يشير باليد، ويكثر بالرد، ويستعين بأما بعد. قال: ثم دعا بالنطع، فقال ابن القرية: إن رأيت أن تأذن لي بكلمات أتكلم بهن يكن بعدي مثلاً، قال: هاتهن، قال: أيها الأمير، لكل جواد كبوة، ولكل شجاع نبوة، ولكل كريم هفوة، ثم أنشأ يقول:
أقلني أقلني لا عدمتك عـثرتي * فكل جواد لا محالةً يعثر
لعمري لقد حذرتني ونعـيتني * وبصرتني لو أنني كنت أبصر
ليالي سهامي في اليدين صحيحة * ألا كل سهم مرةً يتكسر
وأحسن ما يأتي امرؤ من فعاله * تجاوزه عن مذنب حين يقدر
قال الحجاج: هيهات يا بن القرية، ليس ذا بحين مزاح، وأنشأ يقول:
لتركك تغرير وقـتلك راحة * ومالي والتغرير والقلب يعصر
وتالله لاستعليت في القوم سادراً * تحرض أقواماً علي وتهمر
ويروى أعدائي وهو أجود، ثم وضع الحربة في نحره، فأشخب أوداجه. وفي معنى المثل قول الشاعر:
فإن الغـمام الغر يخلف ودقه * وإن الحسام العضب تنبو مضاربه
وقول غيره:
والسيف ينكل وهو بادي الرونق
وقريب منه قولهم: من لك بأخيك كله ونظمه أبو تمام فقال:
ما غبن المغبون مثل عقله * من لك يوماً بأخيك كله
وروي هذا المعنى عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ أخبرنا أبو أحمد، قال: حدثنا أبي، قال: حدثنا بن أبي طاهر، قال: حدثنا حماد بن إسحاق، عن أبيه، عن ابن وهب، عن عمرو بن الحارث، عن أبي الهيثم، عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا حليم إلا ذو أناة، ولا عليم إلا ذو عثرة، ولا حكيم إلا ذو تجربة ".
المثل المضروب
جرى منه مجرى اللدود
تفسير هذا المثل
ويقال ذلك للخلق الذي لا يفارقه الإنسان، كأنه لدبه. واللدود: الدواء الذي يلد به الإنسان، وهو أن يصب في شدق فمه. وفيه تفسير آخر؛ قيل: معناه أنه بلغ منه كل مبلغ. وأصله من اللديدين، وهما صفحتا العنق. ومن ثم قيل: فلان يتلدد، إذا نظر يمناً وشمالاً من التحير، والإناء الذي يلد به: الملدة.
المثل المضروب
جاء يفري ويقد
جاء يجر بقره
جاء وعلى حاجبه صوفة
جاء بوركي خبر
جاء سبهللا
جاء بالأربى
جاء يتهبى وجاء يتبرسن
تفسير هذا المثل
● جاء يفري ويقد
وأوردت هذا وما شاكله في باب الجيم، لأنه جاء عن العلماء كذلك، وإن جاز أن يقال: أتى يفري ويقد؛ إلا أن لفظ المثل عنهم كذلك. ويقال هذا للرجل إذا جاء يعمل عملاً محكماً، ومثله قولهم: جاء يفري الفرى أي يفعل الفعل العجب. وفي القرآن: (لقد جئت شيئاً فرياً)
أخبرنا أبو القاسم بن شيران، قال: حدثنا الجوهري، عن أبي زيد، عن عقاب، عن وهب، عن موسى بن عقبة، عن سالم، عن عبد الله في رؤيا النبي صلى الله عليه وسلم في أبي بكر رضى الله عنه وعمر رضي الله عنه، قال: رأيت الناس اجتمعوا، فقام أبو بكر فنزع ذنوباً أو ذنوبين، وفي نزعه ضعف، والله يغفر له، ثم قام عمر بن الخطاب فاستحالت غرباً، فما رأيت عبقرياً من الناس يفري فريه، حتى ضرب الناس بعطن فما والغرب: الدلو الكبيرة، والنزع: الاستقاء باليد على غير بكرة. والمتح: الاستقاء على البكرة.
---------------------------------------------------
● جاء يجر بقره
أي جاء ومعه عيال كثير. والبقر: العيال عند العرب.
---------------------------------------------------
● جاء وعلى حاجبه صوفة
أي جاء مغلوباً قد فلج عليه، ولم يخرج لأصله.
---------------------------------------------------
● جاء بوركي خبر
يراد: جاء بالخبر بعد أن عرف بعضه، فكأنهم علموا بأوله، فجاء هذا بآخره.
---------------------------------------------------
● جاء سبهللا
يقولون ذلك للرجل إذا جاء فارغاً، ومنه: جاء يضرب أصدريه أي جاء فارغاً.
---------------------------------------------------
● جاء بالأربى
إذا جاء بالداهية، قال ابن أحمر:
فلما غسى ليلي وأيقنت أنها * هي الأربى جاءت بأم حبو كرى
وليس في العربية فعلى إلا ثلاث كلمات: الأربى، وهي الداهية، وشعبى وأدمى: موضعان. قال الشاعر:
أعبد حل في شعبى غريباً * ألـؤمـاً لا أبـالـك واغـتـرابـا
---------------------------------------------------
● جاء يتهبى
وجاء يتبرسن
إذا جاء ينفض يديه.
المثل المضروب
جاء بالحظر الرطب
تفسير هذا المثل
إذا جاء بكثرة الكذب، قال الشاعر:
وجاءت بنو عجلان بالحظر الرطب
ويقال ذلك للكذاب أيضاً، إذا جاء يكذب كذباً مستشنعاً، ويقال للنمام: إنه ليوقد في الحظر الرطب؛ قال الشاعر:
من البيض لم تصطد على حبل لامة * ولم تمش بين القوم بالحظر الرطب
أي لم توجد على أمر تلام عليه، هكذا قال ابن السكيت.
المثل المضروب
جاء بعائرة عين
تفسير هذا المثل
إذا جاء بالمال الكثير يملأ العين، حتى يكاد يعورها. يقال: عرت عينه أعورها؛ إذا فقأتها؛ وقيل: معناه ما كانت العرب تزعم أن الإبل إذا بلغت ألفاً، فعيرت عين فحلها وقيت وحرست من العين، وإن لم يفعل به ذلك هلكت وفنيت، ومنه قول الشاعر:
وكان شكر القوم عند المنن * كي الصحيحات وفقء الأعين
أخبرنا أبو أحمد، قال: أخبرنا أبو بكر بن دريد، عن أبي عثمان، عن التوزي، عن أبي عبيدة قال: خرج رؤبة بن العجاج يبغي ضالة، فورد ماءً لعكل، فوجد عليه شابةً ضناكاً، فقال لها: هل لك أن أتزوجك، قالت: ومن أنت، قال: رؤبة بن العجاج، قالت: فما مالك، قال: كان غائرة عينين فحطم، قالت: كم أتى لك، قال: ستون سنة، فنادت: يا لعكل، أقلة ذات يد وهرماً، فقال رؤبة:
لما ازدرت نقدي وقلت إبـلـي * تألقت واتصلت بعكل
خطبي وهزت رأسها تستبلي * تسألني عن السنين كم لي
فقلت لو عمرت عمر حسل * أو عمر نوح زمن الفطحل
والصخر مبتل كطين الوحل * كنت رهين هرم أو قتل
المثل المضروب
جاء بالطم والرم
تفسير هذا المثل
قالوا: الطم: البحر، والرم، الثرى، ومعناه: جاء بالكثرة.
وقال الأصمعي: لا أعرف أصل الطم والرم. وقال المفضل: أي جاء بالكثير والقليل.
والطم: الماء الكثير وغيره، والرم: ما كان بالياً، مثل العظم وما أشبهه مما يتغير، والواحدة: رمة.
المثل المضروب
جاءوا قضهم بقضيضهم
جاء تضب لثاته
تفسير هذا المثل
● جاءوا قضهم بقضيضهم
إذا جاءوا مجتمعين لم ينتشروا، ولم يتخلف منهم أحد، قال الشماخ:
وجاءت جحاش قضها بقضيضها * تمسح حولي بالبقيع سبالها
وقيل: معناه جاء صغيرهم وكبيرهم، قالوا: وأصل القض الحصى الصغار. والقضيض: كسارها، وهو قض وقضض، وقد أقض المكان: إذا صار فيه قضض، قال أبو ذؤيب:
إلا أقض عليك ذاك المضجع
ومثله قولهم: " جاءوا جماً غفيراً، وجاءوا جماً غفيرة، وجاءوا بأزملهم، وجاءوا بحذافيرهم، وجاءوا في الحرشف والدخيس والعرمرم " كل ذلك إذا جاءوا بكثرة.
و" جاءوا على بكرة أبيهم " إذا جاءوا بأجمعهم، لم يتخلف منهم أحد، وليس ثم بكرة.
---------------------------------------------------
● جاء تضب لثاته
يضرب مثلاً للرجل يشتد حرصه على الحاجة؛ يقال: ضبت لثته وبضت، أي سالت للحرص والشهوة؛ قال بشر:
خيل تضب لثاتها للمغنم
وقال غيره:
أبينا أبينا أن نضب لثاتكم * على مرشقات كالظباء عواطيا
فأما ذبت شفته فمعناه يبست من العطش، قال الراجز:
إذا رأى عبد حبي ذبا
أي يبس فوه، لما يلقى من شدة الغيرة.
المثل المضروب
جعلته نصب عيني
جاء ينفض مذرويه
تفسير هذا المثل
● جعلته نصب عيني
يعني به شدة العناية بالشيء، وترك الغفلة عنه، والنسيان له. وذلك أن الشيء إذا كان بحيث تراه لم تنسه، وقريب منه قول امرئ القيس:
وبات بعيني قائماً غير مرسل
ومثله قول الله تعالى: (تجري بأعيننا)، وفي خلاف ذلك: " جعلته دبر أذني، وجعلته بظهري ". ومنه قوله تعالى: (واتخذتموه وراءكم ظهرياً).
---------------------------------------------------
● جاء ينفض مذرويه
معناه يتهدد من غير حقيقة، والمذروان: فرعا الأليتين. وفي كلام الحسن: ما تشاء أن ترى أحدهم أبيض بضاً، يملخ في الباطل ملخاً، ينفض مذرويه، ويضرب أصدريه، يقول: هأنذا فاعرفوني. البض: الرخص، والملخ: التثني والتكسر، وقيل: السرعة، وهذا أصح.
وقال الأصمعي: " جاء يجر رجليه " أي جاء مثقلاً، " وجاء يجر عطفيه ". قال ابن الأعرابي: أي جاء متبختراً يجر ناحيتي ثوبه.
المثل المضروب
جاء صكة عمى
تفسير هذا المثل
معناه: جاء حين قام قائم الظهيرة، وعمى: رجل غزا قوماً في قائم الظهيرة، فصكهم صكة شديدة، قصار مثلا لكل من جاء في ذلك الوقت، لأنه كان خالف العادة في الغارة؛ لأن وقتها الغداة، كما قال الشاعر:
صبحناهم بكل أقب نهد
وقال غيره:
فلم أر مثل الحي حياً مصبحاً * ولا مثلنا يوم التقينا فوارساً
وقيل: عمى: تصغير أعمى، وهو تصغير الترخيم، ويعني به الظبي، ويراد أنه يسدر من حر الشمس في الهواجر، فهو يصطك بما ستقبله.
يضرب مثلاً في المجيء هاجرةً. وروي: " صكة عمي " على فعل، مثل حبلى وهو اسم رجل.
المثل المضروب
جذها جذ العير الصليانة
تفسير هذا المثل
يقال ذلك في اليمين إذا أمرها، ولم يتتعتع فيها. والصليانة: ضرب من النبات، خصوه لأنك إذا جذبتها انقلعت بأصولها، ويقال: يمين جذاء وهي اليمين المنكرة، يقتطع بها الرجل حق صاحبه، قال الشاعر في الجرأة على مثلها:
إذا طلبوا مني يميناً غليظةً * حلفت ولم يعسر علي علاجها
منعت التلاد الرمك منها بحلفة * قليل لدى باب الأمير اعوجاجها
وقال غيره:
يهتز حين تمر حجة خصمه * خوف الهضيمة كاهتزاز الأشجع
وإذا يذكر حلفةً أصغى لها * وإذا يذكر بالتقى لم يسمع
وقال ابن الرومي يعذر المعسر إذا حلف كاذباً:
وإني لذو حلف حاضر * إذا ما اضطررت وفي المال ضيق
وهل من جناح على معسر * يدافع بالله ما لا يطيق
ونحوه قول الآخر في معناه:
ماذا على المرء أن يمضي الغموس إذا * ما خاف ضيماً ويلقى الله بالندم
المثل المضروب
جاء وقد لفظ لجامه
جاء بالهيل والهيلمان
جاء بالضح والريح
تفسير هذا المثل
● جاء وقد لفظ لجامه
أي جاء مجهوداً من الإعياء والعطش. ومثله قولهم: جاء وقد قرض رباطه، فإذا جاء مستحيياً قيل: جاء كخاصي العير فإن جاء وقد قضى حاجته قيل: جاء ثانياً من عنانه فإن جاء متكبراً قيل: جاء ثانياً عطفه فإن جاء فارغاً قيل: جاء يضرب أصدريه.
ولفظ لجامه، أي تركه ولم يمسكه بأسنانه، وأصل اللفظ أن تخرج الشيء من فيك، تقول: لفظت النواة؛ إذا ألقيتها من فيك، ومنه سمي لفظ الكلام. وفي كلام بعضهم لرجل يغتاب رجلاً: لقد تلمظت بمضغة طالما لفظها الكرام، وقال غيره لرجل: لفظني البلاء إليك، ودلني فضلك عليك، والرباط: الحبل، وثانياً من عنانه، أي قد ثناه على عنق الدابة مستريحاً لا يجاذبه.
---------------------------------------------------
● جاء بالهيل والهيلمان
إذا جاء بالكثرة، ومثله قولهم: جاء بما صاء وما صمت أي بما نطق من الدواب والرقيق وما صمت، يعني العين والورق. وأول من تكلم به الزباء حين قدم عليها قصير من العراق بما قدم من المال. وهذا أصل قولهم: مال ناطق، ومال صامت. وأصل الهيل من قولهم: هال التراب؛ إذا أرسله من يده كأنه هال المال هيلاً. والهيلمان: إنباع وتوكيد.
---------------------------------------------------
● جاء بالضح والريح
أي جاء بكل شيء، قال ابن الأعرابي: الضح: ما ضحى للشمس، والريح ما نالته الريح. وقال الأصمعي: الضح: الشمس نفسها، وقال أبو عبيدة: يقال ذلك في موضع التكثير، والضح: البراز الظاهر.
المثل المضروب
جرى الوادي فطم على القري
تفسير هذا المثل
يضرب مثلاً للأمر العظيم، يجئ فيعم الصغير والكبير، والوادي النهر الكبير، والقري: مجرى الماء إلى الروضة، والجمع: قريان وأقرية. وطم: علا وقهر، ومنه سميت القيامة الطامة، وطما أيضاً، إذا علا وكثر. وروي: على القليب وهو تحريف، والصحيح على القري.
المثل المضروب
جاري بيت بيت
تفسير هذا المثل
أي بيته إلى جانب بيتي، بفتح التاء فيهما جميعاً، فأما كيت وكيت فقد تكسر التاء فيهما جميعاً وتفتح، وربما قيل: ذيت وذيت. ويقولون: هو جاري مكاسري، أي كسر بيتي إلى كسر بيته، ومطانبي أي طنب بيتي إلى طنب بيته.
المثل المضروب
جبلت القلوب على حب من أحسن إليها
تفسير هذا المثل
هو من كلام النبي صلى الله عليه وسلم؛ أخبرنا أبو أحمد، قال: حدثني أحمد بن أبي إسحاق التمار، قال: حدثنا زيد بن أجذم، قال: حدثنا ابن عائشة قال: حدثنا محمد بن عبد الرحمن، عن رجل من قريش، قال: كنت عند الأعمش فقيل: إن الحسن بن عمارة ولي المظالم، فقال: ما للحائك بن الحائك وللمظالم، فخرجت حتى أتيت الحسن بن عمارة، وأجريته له، فقال: علي بمنديل وأثواب، فوجه بها إليه، فلما كان من الغد بكرت إلى الأعمش، وقلت: أجري الحديث قبل أن يجتمع الناس، فأجريته، فقال: بخ بخ، هذا الحسن بن عمارة زان العمل وما زانه، فقلت: بالأمس قلت ما قلت، واليوم تقول هذا، قال: دع هذا عنك، حدثني خيثمة عن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: جبلت القلوب على حب من أحسن إليها، وبغض من أساء إليها، قال أبو هلال رحمه الله: جبلت؛ أي خلقت وطبعت، والجبلة: الخلق. وفي القرآن: والجبلة الأولين يعني الخلق الأول.
المثل المضروب
جباب فلا تعن آبراً
الجرع أروى والرشف أشرب
تفسير هذا المثل
● جباب فلا تعن آبراً
يضرب مثلاً للرجل القليل الخير، أي لا تكلمه فإنه لا خير عنده. والجباب جمار النخل، يقول: جباب ولا طلع فيه. والآبر: الملقح المصلح للنخل، أبر النخل يأبره أبراً؛ إذا أصلحه ولقحه، والمؤتبر: صاحب النخل الذي يأمر بالإبار.
---------------------------------------------------
● الجرع أروى والرشف أشرب
يضرب مثلاً للقصد في النفقة، والمراد أن الجرع أجلب للري، ورشف الماء أدوم لشربه.
بّسم اللّه الرّحمن الرّحيم
الأمثال المضروبة في التناهي والمبالغة
الواقع في أوائل أصولها الجيم
المثل المضروب
أجبن من المنزوف ضرطاً
تفسير هذا المثل
وهو رجل كان يتبجح بالشجاعة، فأرادت النساء تجربته، فأيقظنه ذات غداة، وقلن: هذه نواصي الخيل، فجعل يقول: الخيل الخيل، ويضرط حتى مات. وقيل: بل هو رجل خرج مع صاحب له في فلاة، فلاحت لهما شجرة، فقال أحدهما لصاحبه: أرى قوماً رصدونا، فقال: إنهم عشرة، فجعل يقول: وما غناء اثنين بين عشرة! ويضرط حتى نزف روحه ومات. وقيل: إنه مولىً للأحرن، ضرب أثال بن لجيم على رجله فحنفها، فسمي حنيفة، وضرب حنيفة الأحرن فجذمه، فسمي جذيمة، فلما رأى مولى الأحرن ذلك جعل يضرط حتى مات. وقيل إن حديث المثل ما نذكره في الباب الرابع عشر عند قولهم: الصيف ضيعت اللبن.
المثل المضروب
أجبن من صافر
أجبن من الهجرس
أجبن من الرباح
أجبن من صفرد
أجبن من الوطواط
أجبن من ليل
أجبن من النهار
أجبن من ثرملة
تفسير هذا المثل
● أجبن من صافر
وهو كل ما يصفر من الطير، وقيل: هو طائر يأخذ غصن شجرة برجليه ويتدلى منكوساً، ويصفر طول الليل مخافة أن ينام فيؤخذ. وقيل: إنهم أرادوا المصفور به، وذلك أنه إذا صفر به هرب. وقيل: الصافر: الذي يصفر بالمرأة لريبة، فهو يجبن، ويخاف الظهور على أمره، وأنشد أبو عبيدة للكميت:
أرجو لكم أن تكونوا في مودتكم * كلباً كورهاء تقلي كل صفار
لمـا أجـابت صفيراً كان آيتها * من قابس شيط الوجعاء بالنار
وحديث ذلك أن رجلاً كان يعتاد امرأةً فيجيئها فيصفر؛ فتخرج عجزها من وراء البيت، وهي تحدث ولدها، فيقضي حاجته منها، فعلم بذلك بعض ولدها فغاب عنها، ثم جاء يصفر، ومعه مسمار محمىً، فلما جاءت لعادتها كواها، فجاء خليلها فقالت: قد قلينا صفيركم.
---------------------------------------------------
● أجبن من الهجرس
وهو القرد هاهنا. وحكى أن القرود إذا كان الليل أخذت في أيديها الأحجار، ووقف كل واحد منها إلى جنب الآخر، فربما نام أحدها، فيسقط من يده الحجر، فتفزع جماعتها، وتتأخر، وتصبح من الموضع الذي باتت فيه على أميال، وذلك من خوف الذئب. وقيل: الهجرس: الثعلب. وقيل: ولد الثعلب.
---------------------------------------------------
● أجبن من الرباح
وهو ولد القرد.
---------------------------------------------------
● أجبن من صفرد
وأجبن من كروان
وهما طائران معروفان.
---------------------------------------------------
● أجبن من الوطواط
وهو الخفاش.
---------------------------------------------------
● أجبن من ليل
وهو فرخ الكروان.
---------------------------------------------------
● أجبن من النهار
وهو فرخ الحبارى.
---------------------------------------------------
● أجبن من ثرملة
وهو الثعلب.
المثل المضروب
أجرأ من ذباب
تفسير هذا المثل
بالهمز، لأنه يقع على أنف الملك وتاجه، وعلى أنف الأسد، ويزاد فيرجع. قال الشاعر:
ولأنت أجرأ حين تغدو سادراً * رعش الجنان من القدوح الأقدح
القدوح: الذباب، لأنه يحك ذراعه بذراعه، كأنه يقدح والأقدح شبه بالفرس الأقدح للبياض الذي بين عينيه، وأنشد:
هزجاً يحك ذراعه بذراعه * فعل المكب على الزناد الأجذم
المثل المضروب
أجرأ من فارس خضاف
أجرأ من خاصى خصاف
أجرأ من خاصي الأسد
أجرأ من ذي لبدة
أجرأ من أسامة
أجرأ من قسورة
أجرأ من ليث بخفان
أجرأ من الماشي بترج
تفسير هذا المثل
● أجرأ من فارس خضاف
وخضاف بالضاد معجمةً، و هو رجل من غسان، وكان من أجبن أهل زمانه، يقف في آخر الصف، وينهزم أول منهزم، فبينا هو ذات يوم واقف جاء سهم، فوقع بين يديه، فرآه يهتز فتأمله، فإذا هو قد أصاب يربوعاً في جحر بين يديه، فقال: أترى هذا اليربوع وظن أن السهم لا يصيبه وهو في جحره لا الإنسان في شيء ولا اليربوع، فأرسلها مثلاً. ثم استقدم فكان من أشد الناس. وقيل: هو سمير بن ربيعة، وكان من حديثه أن كسرى بعث جيشاً عليهم مرزبان يقال له قولي إلى قيس، فاجتمع إليه قوم من اليمن وكانوا بالعقيق، فلما نظروا إلى المرازبة واليمن في الحديد قالوا: لا يموت هؤلاء أبداً، فبرز رجل من المرازبة، فأحجمت قيس كلها عنه، فتجاسر سمير فبرز إليه، فطعنه فأذراه عن فرسه وقال: يا قوم إنكم تموتون، وانهزم الفرس واليمن فقال سمير:
فككت الإمارة عن عامر * وأعجلت قولى بضرب خضم
وطعن كإيزاغ خور المخاض * إذا انتزع الرمح منه سجم
إذا هاجت الحرب هجنالها * بصرب دراك كخفق الضرم
نفـلق أقحاف صم الشئون * كبيض النعام إذا ما انحطم
فقال الناس: أجرأ من فارس خضاف لإقدامه حين أحجم الناس.
---------------------------------------------------
● أجرأ من خاصى خصاف
وهو فرس طلبه بعض الملوك فخصاه صاحبه، فتمثل به لاجترائه على الملك.
---------------------------------------------------
● أجرأ من خاصي الأسد
معروف.
---------------------------------------------------
● أجرأ من ذي لبدة
يعني الأسد، ولبدته وزبرته: ما تلبد على منكبه من الشعر.
---------------------------------------------------
● أجرأ من أسامة
وهو اسم من أسماء الأسد، غير مصروف.
---------------------------------------------------
● أجرأ من قسورة
وهو الأسد، أخذ من القسر، وهو القهر.
---------------------------------------------------
● أجرأ من ليث بخفان
خفان: موضع للأسود.
---------------------------------------------------
● أجرأ من الماشي بترج
وهو مأسدة معروفة.
المثل المضروب
أجرأ من الأيهمين
أجرأ من الليل
أجرأ من السيل
تفسير هذا المثل
● أجرأ من الأيهمين
قيل: هما السيل والحريق، وقيل: السيل والجمل الهائج، قال الشاعر:
ولما رأيتك تنسى الـذمام * ولا قدر عندك للمعدم
وتجفو الشريف إذا ما أخل * وتدني الدني على الدرهم
وهـبت إخـاءك للأيهمين * وللأعميين ولم أظلم
ويروى الأثرمين والأعميين، والأثرمان: الدهر والموت، والأعميان: السيل والنار.
---------------------------------------------------
● أجرأ من الليل
وأجرأ من السيل
مهموز، من الجرأة، وغير مهموز من الجري. ويقال: لا أفعل ذاك حتى يرد وجه السيل.
المثل المضروب
أجول من قطرب
تفسير هذا المثل
وهي دابة تجول الليل كله، والنهار كله لا تنام. وأخبرنا أبو القاسم، عن العقدي، عن أبي جعفر، عن المدائني، عن محمد بن إبراهيم بن نصر بن سيار، قال: كان عظماء الترك يقولون: ينبغي للقائد العظيم القيادة أن تكون فيه عشرة أخلاق من أخلاق البهائم؛ شجاعة الديك، وتحرز الدجاجة، وقلب الأسد، وحملة الخنزير، وروغان الثعلب، وصبر الكلب على الجراح، وحراسة الكركي، وحذر الغراب، وغارة الذئب، وسمن يعرو وهو دابة تسمن على الكد وجولان قطرب.
المثل المضروب
أجوع من كلبة حومل
أجوع من زرعة
أجوع من لعوة
أجوع من الذئب
أجوع من قراد
تفسير هذا المثل
● أجوع من كلبة حومل
وهي امرأة من العرب جوعت كلبتها، حتى أكلت ذنبها، قال الشاعر:
كما رضيت بخلاً وسوء رعاية * لكلبتها في سالف الدهر حومل
---------------------------------------------------
● أجوع من زرعة
وهي كلبة لبني ربيعة، قتلها الجوع، ولم يطعموها حتى ماتت.
---------------------------------------------------
● أجوع من لعوة
وهي الكلبة، والجمع لعىً، كما تقول: بدرة وبدر، ودولة ودول.
---------------------------------------------------
● أجوع من الذئب
وهو دهره جائع، وذلك لأنه لا يأكل إلا ما يصيد، ولا يرجع إلى فريسته، فإذا اشتد جوعه استقبل النسيم حتى يمتلئ جوفه منه، فيكتفي به. ويقولون: رماه الله بداء الذئب يعنون الجوع. وقيل: هو الموت؛ وذلك أن الذئب لا تصيبه علة إلا علة الموت.
---------------------------------------------------
● أجوع من قراد
لأنه بلصق ظهره بالأرض سنة، ولا يأكل شيئاً حتى يجد إبلاً، فإذا كانت الإبل منه على مسافة بعيدة تحرك، فربما كان الخراب وهم سراق الإبل يستدلون بحركته على إقبالها، فيتهيئون للذهاب بها، حتى إذا قربت وثبوا عليها، فالقراد أصدق الحيوان حساً.
المثل المضروب
أجل من الحرش
أجور من سدوم
أجشع من أسرى الدخان
أجشع من كلب
أجهل من فراشة
أجهل من حمار
أجهل من عقرب
أجهل من راعي ضان
أجمع من ذرة وأجمع من نملة
أجرد من جراد
أجرد من صخرة
أجرد من صلعة
تفسير هذا المثل
● أجل من الحرش
تقوله لمن يخاف شيئاً، فيبتلى بأشد منه. والحرش: صيد الضب، وهو أن يأتي الرجل جحره، فيضربه بيده، فيقدر الضب أن حيةً أتته، فيخرج مذنباً ليقاتلها، فيأخذه، وربما فطن فخدع وفات. وزعمت العرب أن الضب كان يحذر حسلة ذلك، فرأى رجلاً يهدم جحره، فقال له: أهذا الحرش يا أبت، فقال: هذا أجل من الحرش، وحكيت فيه حكاية أخرى مرت من قبل.
---------------------------------------------------
● أجور من سدوم
من الجور، وسدوم: رجل كان في قديم الزمان يتمثل به في الجور، وذكر أنه كان على قنطرة، يأخذ من كل إنسان يعبرها درهماً، فقال له رجل: أنا أعبر تحتها، فقال: إذن تعطي درهمين، فتمثل به في الجور.
---------------------------------------------------
● أجشع من أسرى الدخان
يذكر حديثهم فيما بعد.
---------------------------------------------------
● أجشع من كلب
والجشع: شدة الحرص والشره، وذلك موجود في طباع كل سبع؛ فتراه إذا أكل أكل بسرعة، كأنما يبادر شيئاً يجاذبه.
---------------------------------------------------
● أجهل من فراشة
لأنها تلقي نفسها في النار.
---------------------------------------------------
● أجهل من حمار
من قول الناس للجاهل: هو حمار، ومن بديع ما جاء في هذا قول الشاعر:
هذا الحمار من الحمير حمار
---------------------------------------------------
● أجهل من عقرب
لأنها إذا مرت بالصخرة ضربتها بإبرتها، فلا تضرها وتضر إبرتها.
---------------------------------------------------
● أجهل من راعي ضان
قالوا: لأن بعده عن الناس فوق بعد راعي الإبل.
---------------------------------------------------
● أجمع من ذرة
وأجمع من نملة
والذرة: النملة الصغيرة، وليس في الحيوان غير الإنسان شيء يدخر من يومه لغده كادخارها، وكذلك النحل يدخر العسل لطعمه.
---------------------------------------------------
● أجرد من جراد
قيل: هي رملة لا تنبت شيئاً، ويقال للرجل المشئوم الذي يقتلع الأصول بشؤمه: إنه أجرد من الجراد، لأن الجراد إذا وقع في زرع جرده حتى لم يبق منه شيئاً.
---------------------------------------------------
● أجرد من صخرة
وأصل الجرد القشر.
---------------------------------------------------
● أجرد من صلعة
معروف.
المثل المضروب
أجمل من ذي العمامة
تفسير هذا المثل
وهو سعيد بن العاص بن أمية، وكان إذا لبس العمامة لم يلبسها قرشي. وقيل: لم يلبس قرشي عمامةً على لونها، وإذا خرج لا تبقى امرأة إلا برزت إليه للنظر إلى جماله، قال الشاعر:
أبو أحيحة من يعتم عمته * يضرب وإن كان ذا مال وذا ولد
ومن عادات الملوك ألا تسوغ لرعاياها موافقتها في شيء من الأمور. وقيل: أريد بالعمامة هاهنا السيادة، وفلان معمم، أي سيد يعصب برأسه كل جناية تجنيها عشيرته، وعمم الرجل إذا سود، كما يقال في العجم: قد توج، ومن ثم قيل: العمائم تيجان العرب.
المثل المضروب
أجود من الجواد المبر
أجود من كعب بن مامة
تفسير هذا المثل
● أجود من الجواد المبر
يقال: أبر عليه؛ إذا زاد عليه، وسئل رجل عن الجواد المبر فقال: الذي لهز لهز العير، وأنف تأنيف السير، إذا عدا اسلهب، وإذا انتصب اتلأب، قيل: فما البطئ المقرف، قال: هو المدلوك الحجبة، الضخم الأرنبة؛ الغليظ الرقبة، الكثير الجبلة، الذي إذا قلت: أمسكه قال: أرسلني، وإذا قلت: أرسله قال: أمسكني.
---------------------------------------------------
● أجود من كعب بن مامة
وقد مر خبره في الباب الأول.
المثل المضروب
أجود من حاتم
تفسير هذا المثل
وهو حاتم بن عبد الله الطائي، وكان ينحر كل يوم، فلما رأى أبوه إهلاكه المال وهب له فرساً وفلواً وجارية، وألحقه بمواشيه، فبينا هو فيها إذ مر به ركب فيه بشر بن أبي خازم والحطيئة يريدان النعمان بن المنذر، فقالا له: هل من قرىً، قال: أتسألان عن القرى وأنتما تريان الإبل والغنم، فأنزلهما ونحر لكل واحد منهما جزوراً، فقالا: إنما تكفينا شاة، قال: أردت أن يحدث كل واحد منكما بما رأى، قالا: من أنت، قال: حاتم بن عبد الله بن سعد، فقال بشر: تالله ما رأيت غلاماً قط أندى كفاً، ولا أقرب عطفاً، ولا أحضر عرفاً منك، وأنشأ يرتجز:
ما إن رأيت كابن سعد رجلا * في الناس أندى راحةً وأكملا
فتـىً إذا مـا قـال شـيئاً فـعـلا
وقال الحطيئة:
مجداً يحوز حاتم وعقلا * وكلماً ما مثله وبـذلا
فقال: إنما أردت أن أفضل عليكما، فأما إذ مدحتماني فقد أفضلتما علي، هي بدن إن لم تقتسماها؛ فاقتسما الإبل والغنم، وبلغ أباه الخبر، فقال: أين إبلي وغنمي، فقال: أرأيت إن هلكت ما كنت فاعلاً، قال: كنت أصبر. قال: فالآن فاصبر. فارتحل عنه أبوه، وتركه في الدار، فمر به ركب فسألوه راحلةً لصاحب لهم، فقال: دونكم الفرس، فربطت الجارية الفلو بخمارها، فنزع إلى أمه فأفلت، وتبعته الجارية، فقال لهم حاتم: لكم ما تبعكم، فبلغ أباه، فقال: إن الذي خلق الله منه لحم حاتم وعظامه للجود، وقال حاتم يذكر تحول أبيه عنه:
وإني لعـف الفقر مشترك الغنى * تروك لثـكل لا يوافقه شكلي
ولي نيقة في الجود والبذل لم يكن * تأنقها مما مضى أحد قبلي
وما ضرني أن سار سعد بأهله * وخلفني في الدار ليس معي أهل
فما من كريم عاله الدهر مرةً * فيذكرها إلا تردد في البـذل
وما من بـخيل عاله الدهر مرةً * فيذكرها إلا تردد في البخل
ومر حاتم في أرض عنزة، فناداه أسير لهم: يا أبا سفانة أكلني القد والقمل، فقال: أسأت إلي حين نوهت باسمي، وما أنا ببلاد قومي، وليس عندي ما أفديك به، ثم اشتراه من العنزيين وخلاه، وأقام في قده، حتى أتى بفدائه عنه. وما روي مثل هذا عن أحد قبله ولا بعده.
المثل المضروب
أجود من هرم
تفسير هذا المثل
وهو هرم بن سنان، وكان من أجود الناس، قال أبو عبيدة: لم يضرب به المثل. وقد سمعناه نحن، ومدحه زهير فقال:
إن البخيل ملوم حيث كان ولكـ * ن الجود على علاته هرم
هو الجواد الذي يعـطيك نائله * عفواً ويظلم أحياناً فيظلم
وقال:
إن تلق يوماً على علاته هرماً * تلق السماحة منه والندى خلقا
وكان قد جعل هرم على نفسه ألا يسلم عليه زهير إلا أعطاه، فأشفق عليه زهير، فكان يمر بالقوم وهرم فيهم، فيقول: السلام عليكم دون هرم. وسمع عمر رضي الله عنه أصحابه يتذاكرون الشعر، فأقبل ابن عباس فقال: قد جاءكم ابن بجدتها، وقال: يا بن عباس، ما أشعر بيت قالته العرب، قال: قول زهير:
قوم سنان أبوهم حين تنسبهم * طابوا فطاب من الأولاد ما ولدوا
لو كان يقعد فوق الشمس من كرم * قوم بآبائهم أو مجدهم قعدوا
محسدون على ما كان من نعم * لا ينزع الله عنهم ماله حسدوا
إنس إذا أمنوا، جن إذا فزعوا * مرزءون بها ليل إذا جهدوا
فقال عمر: ما أحد أولى بهذا الشعر منكم يا بني هاشم، فقال ابن عباس: فينا ما هو أكبر منه، كتاب الله، والنبوة.
المثل المضروب
أجرأ من قاتل عقبة
تفسير هذا المثل
وهو عقبة بن مسلم الهنأي. وكان المنصور أراد أن يقطع الحلف بين ربيعة واليمن، فقلد عقبة اليمامة والبحرين والبصرة، وقلد معن بن زائدة اليمن، وبسط أيديهما في القتل، وأخذ الأموال، فأسرع كل واحد منهما في قوم صاحبه، وصارت بينهما الطوائل، فانقطع الحلف، وكان عقبة ظالماً مهيباً، فقتله رجل من ربيعة في المسجد الجامع، وقتل مكانه، فضرب به المثل، فقيل: أجرأ من قاتل عقبة، وقتل معن بعده غيلة، قتله قوم من الخوارج، وهو يلي طبرستان، وكان قد كتب معن إلى عقبة: كف حتى أكف، فكتب إليه عقبة: لا والله أو تعلم أينا يسبق زوامله إلى النار
مُختصر كتاب جمهرة الأمثال لأبو هلال العسكري