منتدى نافذة ثقافية

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

    الفن الثالث: تشريح العين: المقالة الرابعة

    بص وطل
    بص وطل
    Admin


    عدد المساهمات : 2283
    تاريخ التسجيل : 29/04/2014

    الفن الثالث: تشريح العين: المقالة الرابعة Empty الفن الثالث: تشريح العين: المقالة الرابعة

    مُساهمة من طرف بص وطل الثلاثاء ديسمبر 11, 2018 9:17 am

    الفن الثالث: تشريح العين: المقالة الرابعة B310

    بّسم اللّه الرّحمن الرّحيم
    القانون فى الطب لإبن سينا
    الكتاب الثالث: الأمراض الجزئية
    الفن الثالث : تشريح العين
    المقالة الرابعة : أحوال القوّة الباصرة وأفعالها
    الفن الثالث: تشريح العين: المقالة الرابعة 1410
    ● [ فصل في ضعف البصر ] ●

    ضعف البصر وآفته، إما أن يوجبه مزاج عام في البدن من يبوسة غالبة، أو رطوبة غالبة خلطية، أو مزاجية بغير مادة، أو بخارية ترتفع من البدن والمعدة خاصة، أو برد في مادة، أو غير ذي مَادة، أو لغلبة حرارة مادّية، أو غير مادية.
    وإما أن يكون تابعاً لسبب في الدماغ نفسه من الأمراض الدماغية المعروفة، كانت في جوهر الدماغ، أو كانت في البطن المقدم كله، مثل ضربة ضاغطة تعرض له، فلا يبصر العين، أو في الجزء المقدّم منه. وأكثر ذلك رطوبة غالبة، أو يبوسة تعقب الأمراض، والحركات المفرطة البدنية، والنفسانية والاستفراغات المفرطة تسقط لها القوة وتجف المادة.
    وإما أن يكون لأمر يختصّ بالروح الباصر نفسه، ما يليه من الأعضاء، مثل العصبة المجوفة، ومثل الرطوبات والطبقات والروح الباصر، وقد يعرض أن يرق، ويعرض له أن يكثف، ويعرض له أن يغلظ، ويعرض له أن يقل. وأما الكثرة، فأفضل شيء وأنفعه، وأكثر ما يحدث الرقة تكون من يبوسة، وقد تكون من شدة تفريق يعرض عند النظر إلى الشمس ونحوها من المشرقات، وربما أدى الاجتماع المفرط جداً إلى احتقان محلل، فيكثف فيه أولاً، ثم يرق جداً ثانياً وهذا كما يعرض عند طول المقام في الظلمة والغلظ، يكون لرطوبة، ويكون من اجتماع شديد ليس بحيث يؤدي إلى استعمال مزاج مرقق، وقد يكون السبب فيهما واقعاً في أصل الخلقة.
    والقلة قد تكون في أصل الخلقة، وقد تكون لشدة اليبس، وكثرة الاستفراغات، أو لضعف المقدّم من الدماغ جداً، وصعوبة الأمراض، ويقرب الموت إذا تحللت الروح. وأما الضعف والآفة التي تكون بسبب طبقات، وأكثرها بسبب الطبقات الخارجة دون والذي يكون بسبب الطبقة نفسها، فيكون لمزاج رديء، وأكثره احتباس بخار فيها، أو فضل رطوبة تخالطها، أو جفاف ويبس وتقشف وتحشف يعرض لها، وخصوصاً للعنبيّة والقرنية، أو فساد سطحها بآثار قروح ظاهرة، أو خفية، أو مقاساة رمد كثير يذهب إشفافها، أو لون غريب يداخلها، كما يصيب القرنيّة في اليرقان من صفرة، أو آفة من حمرة، أو انسلاخ لون طبيعي، مثل ما يعرض للعنبيّة، فيزداد إشفافاً وتمكيناً لسطوة الضوء من البصر، ومن تفرقه للروح الباصرة، وربما أحدث تجفيفاً وتسخيناً لتمكن الهواء والضياء من الرطوبات، أو يرقق منها بسبب تأكّل عرض، فلا يتدرّج الضوء في النفوذ فيها، بل ينفذ دفعة نفوذاً حاملاً على الجليدية أو لنبات غشاء عليها كما في الظفرة، أو انتفاخ وغلظ من عروقها كما في السبل.
    وأما العارض للثقبة والمنفذ: فإما أن يضيق فوق الطبيعي لما نذكره من الأسباب في بابه، وإما أن يتسع، وإما يفسد سدّة كاملة أو غير كاملة، كما عند نزول الماء أو عند القرحة الوسخة العارضة للقرنية حيث تمتلئ ثقب العنبية من الوسخ، ونحن نذكر هذه الأبواب كلها باباً باباً.
    وأما الكائن بسبب الرطوبات: فأمّا الجليدية منها، فبأن تتغير عن قوامها المعتدل، فتغلظ، أو تشتد دفعة، أو تزول عن مكانها الطبيعي، فتصير متأذّية عن حمل الضوء والألوان الباهرة لها، وأما البيضية، فأن تكثر جداً، أو تغلظ، ويكون غلظها، إما في الوسط بحذاء النقب، وإما حول الوسط، وإما في جميع أجزائها فيكون ذلك سبباً لقلة إشفافها، أو لرطوبات وأبخرة تخالطها وتغير إشفافها، فإن الأبخرة والأدخنة الغريبة الخارجة تؤذيها، فكيف الداخلة. وجميع الحبوب النفّاخة المبخرة مثقلة للبصر، وأما الزجاجية، فمضرّتها بالإبصار غير أولية، بل إنما تضرّ بالإبصار من حيث تضرّ بالجليدية، فتحيل قوامها عن الاعتدال لما تورده عليها من غذاء غير معتدل. وأما الطبقة الشبكية فمضرتها بالإبصار تفرق اتصالها، إما في بعضها فيقل البصر، وإما في كلها فيعدم البصر. وأما الآفة التي تكون بسبب العصبة، فأن يعرض لها سدّة، أو يعرض لها ورم، أو اتساع بها أو انهتاك.
    العلامات:
    أما الذي يكون بشركة من البدن، فالعلامات فيه ما أعطيناه من العلامات التي تدل على مزاج كلية البدن، والذي يكون بشركة الدماغ، فأن يكون هناك علامة من العلامات الدالة على آفة في الدماغ مع أن تكون سائر الحواس مؤفة مع ذلك، فإن ذلك يفيد الثقة بمشاركة الدماغ، وربما اختص بالبصر أكثر اختصاصه، وبالشم دون السمع، مثل الضربة الضاغطة إذا وقعت بالجزء المقدم من الدماغ جداً، فربما السمع بحاله، وتبقى العين مفتوحة لا يمكن تغميض الجفن عليها، ولكن لا يبصر.
    وعلامة ما يخصّ الروح نفسه، إنه إن كان الروح رقيقاً، وكان قليلاً رأى الشيء من القرب بالاستقصاء، ولم ير من البعد من الاستقصاء، وإن كان رقيقاً كثيراً كان شديد الاستقصاء للقريب وللبعيد، لكن رقته إذا كانت مفرطة لم يثبت الشيء المنير جداً، بل يبهره الضوء الساطع ويفرّقه، وإن كان غليظاً كثيراً لم يعجزه استقصاء تأمل البعيد ولم يستقص رؤية القريب، والسبب فيه عند أصحاب القول بالشعاع، وإن الإبصار إنما يكون بخروج الشعاع، وملاقاته المبصر، إن الحركة المتّجهة إلى مكان بعيد يلطف غلظها، ويعدل قوامها كما أن مثل تلك الحركة يحلل الروح الرقيقة، فلا يكاد يعمل شيئاً.
    وعند القائلين بتأدية المشف شجّ المرئي غير ذلك، وهو أن الجليدية تشتدّ حركتها عند تبصّر ما بعد، وذلك مما يرقّق الروح الغليظ المستكنّ فيها، ويحلل الروح الرقيق خصوصاً القليل. وتحقيق الصواب من القولين إلى الحكماء دون الأطباء. وأما تعرّف ذلك من حال الطبقات والرطوبات الغائرة، فمما يصعب إذا لم يكن شيء آخر غيرها، ولكن قد يفزع إلى حال لون الطبقات وحال انتفاخها وتمددها، أو تحشّفها وذبولها، وحال صغر العين لصغرها، وحال ما يترقرق عليها من رطوبة، ويتخيل من شبه قوس قزح، أو يرى فيها من يبوسة.
    والكدورة التي تشاهد من خارج ويكاد لا بصر معها إنسان العين، وهو صورة الناظر فيها، ربما دلّت على حال القرنية، وربما دلّت على حال البيضية. وصاحبها يرى دائماً بين عينيه كالضباب، فإن رؤيت الكدورة بحذاء الثقبة فقط، ولم يكن سائر أجزاء القرنية كدراً، دل على أن الكدورة في البيضية، وأنها غير صافية.
    وإن عمت الكدورة أجزاء القرنية لم يشك أنها في القرنية، وبقي الشك أنها هل هي كذلك في البيضية أم لا. وقد يعرض للبيضة يبس، وربما عرض من ذلك اليبس أن اجتمع بعض أجزائه، فلم يشفّ فرأى حذاءه كوة أو كوى، وربما كان ذلك لآثار بثور في القرنية خفيّة تختل خيالات، فربما غلظ فيها ويظن أنها خيالات الماء، ولا يكون، وأما الضيق والسعة والماء وأحوال العصبة، فلنؤخر الكلام فيها. وَأما علامة تفرق اتصال الشبكية إذا كانت في جملتها، فيعدم البصر بغتة، واعلم أن كل فساد يكون عن اليبس، فإنه يشتد عند الجوع، وعند الرياضة المحللة، وعند الاستفراغات، وفي وقت الهاجرة والرطب بالضد.
    المعالجات:
    إن كان سبب الضعف يبوسة، انتفع بماء الجبن والمرطبات، وحلب اللبن وشربه، وجعل الأدهان مرطبة على الرأس، وخصوصاً إن كان ذلك في الناقهين، وينفعه النوم والراحة والسعوطات المرطبة، وخصوصاً دهن النيلوفر، وما كان من ذلك في الطبقة، فيصعب علاجه. وأما إن كانت عن رطوبة، فاستعمال ما يحلل بعد الاستفراغات. وأما القيء فالرقيق منه مما ينفع، وخصوصاً للمشايخ، والعتيق يضرّ جداً، والغراغر والمخوطات والعطوسات نافعة. ومن الإستفراغات النافعة في ذلك شرب دهن الخروع بنقيع الصبر واستعمال ما يمنع البخار من الرأس كالإطريفل، وخصوصاً عند النوم نافع أيضاً.
    وينتفع برياضات الأطراف، وخصوصاً الأطراف السفلى، وكذلك يجب أن يستعمل دلكها، فإن كان السبب غلظاً، فيعالج بما يجلو من الأدوية المذكورة في لوح العين، ويجب إذا استعملت الأدوية الحادّة أن تستعمل معها أيضاً الأدوية القابضة. وعن الأشياء النافعة في ذلك التوتيا المغسول المربى بماء المرزنجوش، أو ماء الرازيانج، أو ماء الباذروخ، وعصارة فراسيون.
    وإدامة الاكتحال بالحضض تنفع العين جداً، وتحفظ قوتها إلى مدة طويلة، والاكتحال بحكّاكة الهليلج بماء الورد، وينفع جداً إذا كانت الرطوبة رقيقة مع حرارة وحكة.
    ومن الأكحال النافعة في مثل ذلك المرارات كانت مفردة مثل مرارة القبّج، ومرارة الرق والشبّوط، والرخمة، والثور، والدب، والأرنب، والتيس، والكركي، والخطّاف، والعصافير، والثعلب، والذئب، والسنّور، والكلب السلوقي، والكبش الجبلي. ولمرارة الحبارى خاصةً خاصية عجيبة جداً، أو مركّبة.
    ومن الأدهان النافعة دهن الخروع، والنرجس، ودهن حبّ الغار، ودهن الفجل، ودهن الحلبة، ودهن السوسن، ودهن المرزنجوش، ودهن البابونج، ودهن الأقحوان، والاكتحال بماء الباذروج نافع.
    ومن الأدوية الجيدة المعتدلة، أن يحرق جوزتان، وثلاثون نواة من نوى الهليلج الأصفر، ويسحق ويلقى عليه مثقال فلفل غير محرق ويكتحل به. ومن الأدوية النافعة أن يؤخذ عصارة الرمان المزّ ويطبخ إلى النصف، ويدفع ويخلط به نصفه عسلاً ويشمس، ويستعمل.
    وكذلك إن أخذ ماء الرمانين، وشُمس شهرين في القيظ، وصُفِّي، وجعل فيه دار فلفل، وصبر، ونوشادر، وقد يكون بلا نوشادر ينعّم سحق الجميع، ويلقى على الرطل منه ثلاثة دراهم ويحفظ، وكلما عتق كان أجود، ومن النوافع مع ذلك الوفي مع ماميران إذا سحقا كالاكتحال.
    والاكتحال بماء البصل مع العسل نافع، وشياف المرارات قوي، والمرارات القوية هي مثل مرارة البازي، والنسر، أو يؤخذ صلابة وفهر كل من النحاس، يقطر عليها قطرات في خل، وقطرة من لبن، وقطرة عن عسل، ثم يسحق حتى يسود ذلك، ويكتحل به.
    واعلم أن تناول الشلجم دائماً مشوياً ومطبوخاً مما يقوي البصر جداً، حتى أنه يزيل الضعف المتقادم، ومن قَدرَ على تناول لحوم الأفاعي مطبوخة على الوجه الذي يطبخ في الترياق وعلى ما فصِّل في باب الجذام حفظ صحة العين حفظاً بالغاً.
    ومن الأدوية الجيدة للمشايخ، ولمن ضعف بصره من الجماع ونحو ذلك. ونسخته: يؤخذ توتيا مغسول ستّة، وشراب بقدر الحاجة، دهن البلسان أكثر من التوتيا بقدر ما يتفق، يسحق التوتيا ثم يلقى عليه دهن البلسان، ثم الشراب، ويسحق سحقاً بالغاً كما ينبغي، ويرفع ويستعمل.
    وأيضاً دواء عظيم النفع حتى أنه يجعل العين بحيث لا يضرّها النظر في جرم الشمس. ونسخته: يؤخذ حجر باسفيس، وحجر مغناطيس، وحجر أحاطيس، وهو الشبّ الأبيض، والشادنج، والبابونج، وعصارة الكندس، من كل واحد جزء، ومن مرارة النسر ومرارة الأفعى من كل واحد جزء، يتخذ منه كحل. واستعمال المشط على الرأس نافع، وخصوصاً للمشايخ، فيجب أن يستعمل كل يوم مرات لأنه يجذب البخار إلى فوق، ويحركه عن جهة العين والشروع في الماء الصافي والانغطاط فيه وفتح العينين قدر ما يمكن، وذلك مما يحفظ صحة العين ويقويها، وخصوصاً في الشبان. ويحب خصوصاً لمن يشكو بخارات المعدة ومضرّة الرطوبة، أن يستعمل قبل الطعام طبيخ الأفسنتين، ، وسكنجبين العنصل، وكل ما يلين ويقطع الفضول التي في المعدة.
    ● [ فصل في الأمور الضارّة بالبصر ] ●

    وأما الأمور الضارة بالبصر، فمنها أفعال وحركات، ومنها أغذية، ومنها حال التصرّف في الأغذية، فأما الأفعال والحركات فجميع ما يجفف مثل الجماع الكثير، وطول النظر إلى المشرفات، وقراءة الدقيق بإفراط، فإن التوسّط فيه نافع. وكذلك الأعمال الدقيقة والنوم على الامتلاء، والعشاء، بل يجب على من به ضعف في البصر أن يصير حتى ينهضم، وكل امتلاء يضره، وكل ما يجفف الطبيعة يضره، وكل ما يعكّر الدم من الأشياء المالحة والحريفة وغيرها يضرّه، والسكر يضرّه، وأما القيء فينفعه، من حيث ينقي المعدة، ويضره من حيث يحرك مواد الدماغ، فيدفعه إليه، وإن كان لا بد، فينبغي أن يكون بعد الطعام وبرفق.
    والاستحمام ضار، والنوم المفرط ضار، والبكاء الشديد، وكثرة الفصد، وخاصة الحجامة المتوالية. وأما الأغذية، فالمالحة، والحريفة، والمفجّرة، وما يؤذي فم المعدة، والشراب الغليظ الكدر، والكزاث، والبصل، والبافروج أكلاً، والزيتون النضيج، والشبث، والكرنب، والعدس.
    ● [ فصل في العشاء ] ●

    هو أن يتعطل البصر ليلاً، ويبصر نهاراً، ويضعف في آخره. وسببه كثرة رطوبات العين وغلظها، أو رطوبة الروح الباصر وغلظه. وأكثر ما يعرض للكحل دون الزرق، ولصغار الحدق، ولمن تكثر الألوان والتعاريج في عينه، فإن هذه تدل على قلة الروح الباصر في خلقته، وقد تكون هذه العلة لمرض في العين نفسها، وقد تكون بمشاركة المعدة والدماغ، وتعرف ذلك بالعلامات التي عرفتها.
    المعالجات:
    إن كان هناك كثرة، فليفصد القيفال، والمأقين، ويستعمل سائر المستفرغات المعروفة، ويكرر، وربما استفرغ بسقمونيا وجندبيدستر، فانتفع به، ويسقون قبل الطعاه شراب زوفا، أو زوفا وسذاب يابس سفوفاً، ويسقون بعد الهضم التام قليلاً من الشراب العتيق. ومن الأدوية المُجَرية سيالة كبد المعزى المغزوز بالسكين، المكببة على الجمر، فإذا سالت أخذ مما يسيل، وذر عليه ملح هندي، ودار فلفل، واكتحل به، وربما ذر عليه الأدوية عند التكبيب. والانكباب على بخاره والأكل من لحمه المشوي كل ذلك نافع جداً، وربما قطع قطعاً عريضةً، وجعل منها شياف، ومن دار فلفل شياف، وجعل الشياف الأسفل والأعلى من الكبد، ويشوى في التنور، ولا يبالغ، ثم يؤخذ وتصفى عنه المائية، ويكتحل بها، وكذلك كبد الأرنب، وكذلك الشياف المتخذ من دار فلفل، والذي على هذه النسخة، وصفته: يؤخذ فلفل، ودار فلفل، وقنبيل أجزاء سواء يكتحل به. والمرارات أيضاً نافعة، وخاصة مرارات التيوس، والكباش الجبلية، وكذلك الاكتحال بدهن البلسان مكسوراً بقليل أفيون، والاكتحال بالفلافل الثلاثة مسحوقة كالغبار نافع جداً. وكذلك بالشب المصري، والاكتحال بالعسل، وماء الرازيانج يغمّض عليها العين مدة طويلة نافع جداً، وأقوى منه العسل إذا كان فيه قوة من الشب والنوشادر، ودماء الحيوان الحارة المزاج ينفع الاكتحال بها. وينفع الاكتحال بعصارة قثاء الحمار مكسورة ببزر البقلة الحمقاء، وشياف القلي، وشياف الزنجار. وينفع منه خرء الورل، والاصقنقور، أو يؤخذ منه مرارة الحدأة جزء، وفلفل جزآن، أشجّ ثلاثة أجزاء، يعجن بعسل، ويستعمل، وينفع منه فصد عرق الماقين إن لم يكن مانع حسب ما تعلم ذلك.
    ● [ فصل في الجهر وهو أن لا يرى نهاراً ] ●

    فنقول: سبب الجهر وهو أن لا يبصر بالنهار رقة الروح وقلته جداً، فيتحلل مع ضوء الشمس، ويجتمع في الظلمة، وربما كان سبب الجهر قليلاً، فيرى في الظلمة والظل ليلاً ونهاراً، ويضعف في الضوء، وعلاجه من الزيادة في الترطيب، وتغليظ الدم ما تعلم.
    ● [ فصل في الخيالات ] ●

    الخيالات هي ألوان يحس أمام البصر كأنها مبثوثة في الجو، والسبب فيها وقوف شيء غير شفّاف ما بين الجليدية وبين المبصرات. وذاك الشيء، إما أن يكون مما لا يحرك مثله في العادة أصلاً، وإنما يدركه القوي البصر الخارج عن العادة إدراكاً، وإما أن يكون مما تدركه الأبصار إذا توسطت، وإن لم تكن في غاية الذكاء، بل كانت على مجرى العادة. ومعنى الأول أن البصر إذا كان قوياً أدرك الضعيف الخفي من الأمور التي تطير في الهواء قرب البصر من الهباءات التي لا يخلو منها الجر وغيره، فتلوح له، ولقربها، أو لضوئها لا يحققها. وكذلك إذا كانت في الباطن من آثار الأبخرة القليلة التي لا يخلو عنها مزاج وطبع البتة، إلا أن هذين يخفيان على الأبصار ليست التي في غاية الذكاء، وإنما يتخيلان لمن هو شديد حدة البصر جداً، وهذا مما لا ينسب إلى مضرة.
    وأما القسم الآخر: فإما أن يكون في الطبقات، وإما أن يكون في الرطوبات. والذي يكون في الطبقات، فهو أن يكون على الطبقة القرنية آثار خفية جداً بقيت عن الجدري، أو عن رمد وبثور أو غير ذلك، فلا يظهر للعين من خارج، ويظهر للعين من باطن من حيث لا يشف المكان الذي هو فيه، فيخفى تحته من المحسوس ومن الهواء الشاف أجزاء ترى كثيرة، بمقدار ما لو كانت بالحقيقة موجودة من خارج، لكان ذلك الجزء الصغير قدر شجها من الثقبة العنبية.
    وأما التي تكون في الرطوبات، فهي على قسمين، لأنها، إما أن تكون قد استحال إليها جوهر الرطوبة نفسه، أو تكون قد وردت على جوهر الرطوبة مما هو خارج عنها.
    والتي تكون قد استحال إليها جوهر الرطوبة نفسه، فإما أن يعرض لجزء منها سوء مزاج يغير لونها ويزيل شفيفها، فلا يشفّ ذلك القدر منها لبرد، أو لرطوبة، أو لحرارة يغلى ذلك القدر، ويثير فيه هوائية، ومن شأن الهوائية إذا خالطت الرقيقة الشفافة أن تجعلها كثيفة اللون، زبدية غير شافة، أو ليبوسة مكثفة جماعة جداً.
    والذي يكون الوارد عليها منه هو من غيره فلا يخلو، إما أن يكون عرضياً غير متمكن، وهو من جنس البخارات التي تتصعد من البدن كله، أو من المعدة، أو من الدماغ إذا كانت لطيفة تحصل وتتحلل، وكما يكون في البُحرانات وبعد القيء وبعد الغضب، وإما أن يتمكن فيها، وينذر بالماء.
    وتختلف هذه الخيالات في مقاديرها، فتكون صغيرة وكبيرة، وقد تختلف في قوامها، فتكون كثيفة ورقيقة خفية، وقد تختلف في أوضاعه فتكون متخلخلة، وقد تكون متكاثفة ضبابية، وقد تختلف في أشكالها، فتكون حبيبية، وتكون بقية وذبابية، وقد تكون خيطية وشعرية بالطول.
    العلامات:
    علامة ما يكون من ذكاء الحس أن يكون خفيفاً ليس على نهج واحد وشكل واحد، ويصحب الإنسان مدة صحة بصره من غير خلل يتبعه. والذي يكون بسبب القرنية، تحل عليه أسبابه المذكورة، وأن يثبت مدة لا يتزايد، ولا يؤدي إلى ضرر في البصر غيره.
    والذي يكون من سبب في البيضية، فأن تكون مدته طويلة ولم يؤد إلى آفة عظيمة ويكون، إما عقيب رمد حار، وإما عقيب سبب مبرد أو مسخن، وهو مما يعلم بالحدس، وخصوصاً إذا وجدت القرنية صقيلة صافية لا خشونة فيها بوجه، ثم كان شيء ثابت لا يزيد ولا يؤدي إلى ضرر عظيم. وأما الذي يكون سببه بخارات معدية وبدنية، فيعرف بسبب أنها تهيج مع المبخرات، وعند الامتلاء والهضم، وعند الحركات والدوار والسدر، ولا يثبت على حالة واحدة، بل يزيد وينقص، ولا يختص بعين واحدة، بل يكون في العينين، وإذا كان معه الغثيان صحت دلالته، وإذا كان القيء والاستفراغ بالأيارج وتلطيف الغذاء والعناية بالهضم يزيده أو ينقصه. وقد علمت في باب ضعف البصر علامات ما سببه يبس البيضية أو غيره، وإذا استمرت صحة العين والسلامة بصاحب الخيالات ستة أشهر، فهو على الأكثر في أمن، والذي هو من الخيالات مقدمة للماء، فإنه لا يزال يتدرج في تكدير البصر إلى أن ينزل الماء، أو ينزل يعده الماء دفعةً، وقلما يجاوز ستة أشهر، فإذا رأيت الخيالات تزول وتعود وتزيد وتنقص، فاعلم أنها ليست مائية. وإذا رأيت الثانية تطول مدتها ولا تستمر في إضعاف البصر، فاعلم أنها ليست مائية.
    المعالجات لابتداء الماء والخيالات:
    أولى الخيالات بأن يقبل على علاجه ما كان منذراً بالماء، وأما سائر ذلك فما كان منه من يبوسة، فربما نفع منه المرطبات المعلومة. وإن كان عن رطوبة وغير ذلك مما ليس عن يبوسة تقع منه كل ما يجلو من الأكحال. وأما المنذر بالماء، فيجب أن يبدأ فينقي البدن، وخصوصاً المعدة، ثم تقبل على تنقية الرأس بالغرغرات والسعوطات والمضوغات.
    وأما العطوصات فمن جهة ما ترخي وتنقي، يرجى منها التنقية، وتنقي من جهة عنف تحريكها، فيخاف منها تحريك الماء، وخصوصاً إن كان واقعاً دون العصبة وبقربها. واعلم أن أيارج فيقرا جليل النفع فيه. وكذلك حب الذهب، وما يقع فيه من أدوية القنطوريون، والقثاء المر، وقد علمت في أبواب علاج الرأس وتنقيته ما ينبغي أن تعتمده، ويجب أن تكون التنقية بأيارج فيقرا وحب الذهب على سبيل الشبيار متواترة جداً، ولا يستعمل لأدوية الملطفة والجلاءة أكحالاً إلا بعد التنقية.
    وينفع في ابتداء الماء فصد شريان خلف الأذن، وينبغي أن يبتدأ بالأدوية اللينة مثل ماء الرازيانج بعسل وزيت، وبمثل ما قيل من أن شم المرزنجوش نافع لمن يخاف نزول الماء إلى عينه، وكذلك ينشف دهنه، وقد قيل أن إرسال الحرق على الصدغين ينفع في ابتدائه، وقد مُدح الاكتحال ببزر الكَتَم، وذكر أنه يزيل الماء ويحلله وأنه غاية، ثم يتدرّج إلى الأدوية المركَّبة من السكبينج وأمثاله، من ذلك: السكبينج ثلاثة، الحلتيت والخربق الأبيض من كل واحد عشرة، العسل ثمانية قوطوليات.
    وعما هو مجرّب جداً، رأس الخطّاف بعسل يكتحل به، وشياف أصطفطيقان، وجميع المرارات المذكورة في باب ضعف البصر. وأقوى منه شياف المرارة المارستاني، وأيضاً كحل أوميلاوس، والكحل المذكور في الكتاب الخامس، وهو القراباذين، بمرارة السلحفاة، أو دواء اتعاسيوس بماء الرازيانج، أو شياف المرزنجوش، والساروس، والمرحومون. ودهن البلسان نافع فيه. ومما ينفع في ابتداء الماء أن يؤخذ مرارة ثور شاب صحيح البدن، فتجعل في إناء نحاس، وتترك قريباً من عشرة أيام إلى أسبوعين، ثم يؤخذ من المرّ والزعفران المسحوقين، ومن مرارة السلحفاة البرية، ومن دهن البلسان من كل واحد وزن درهمين، ويخلط الجميع ويجمع جمعاً بالغاً ويُكْتَحَل به.
    وأيضاً يؤخذ من الخربق جزء، ومن الحلتيت جزء، ومن السكبينج خمس وعشر جزء، وهو ثلاثة أعشار جزء، ويُتَّخذ شياف ويُكتحل به. وأيضاً من الخربق الأبيض، والفلفل جزء، ومن الأشق ثلاثة أجزاء، ويتخذ منه شياف بعصارة الفجل، ويستعمل، ويجتنب السمك والمغلظات من الأغذية، والمبخرات والشرب الكثير من الماء، والشراب أيضاً ومتواترة الفصد والحجامة، بل يؤخر ذلك ما أمكن، إلا أن يشتد مساس الحاجة إلى ذلك والثقة بأن الدم حار وكثير.
    ● [ فصل في الانتشار ] ●

    الانتشار هو أن تصير الثقبة العَنبية أوسع مما هي بالطبع، وقد يكون ذلك عقيب صداع، أو سبب باد من ضربة أو صدمة، وقد يكون لأسباب في نفس الحدقة، وذلك، إما في البيضية، وإما في العنبيّة، فإن البيضية إن رطبت وكثرت، زحمت العنبية وحركتها إلى الاتساع.
    وأما يبوسة البيضية، فلا يوجب الاتساع بالذات، بل بالعرض من حيث يتبعها يبوسة العنبية.
    والعنبية نفسها إن يبست وتمددت إلى أطرافها تمدد الجلود المثقبة عند اليبس، عرض لها أن تتسع كما يتسع ثقب تلك الجلود، وخصوصاً إذا زوحمت من الرطوبات، وقد يعرض لها ذلك من رطوبة تداخل جوهرها، وتزيد في ثخنها وتمددها إلى الغلظ، فيعرض للثقبة أن تتسع، وقد يعرض ذلك لورم ممدد يحدث فيها، وقد تكون سعة العين طبيعية، ويضر ذلك بالبصر، فإنه يرى الأشياء أصغر مما يجب أن ترى، وقد يكون عارضاً، فيكون كذلك، وربما بالغ إلى أن لا يرى شيئاً، فإنه كثيراً ما تتسع العين حتى تبلغ السعَة الإكليل، ولا يبقى من البصر ما يُعتدّ به.
    وما كان من ضربة أو صدمة، فلا علاج له، وقد سمعت من ثقة أنه عالج الاتساع الذي حصل من ضربة، بأن فصد المريض في الحال، وأعطاه حب الصبر فبرئ بعد أيام قلائل.
    وإذا كان الاتساع من تفرق اتصال الطبقة الشبكية فلا علاج له بتة من كل وجه، وما كان من اتساع العصب المجوّف، فبرؤه عسير.
    العلامات:
    قد ذكرناها في باب ضعف العين.
    المعالجات:
    ما كان من ذلك طبيعياً، فلا علاج له، وما كان من يبوسة، فينفع منه ترطيب العين بالمرطبات المذكورة، وما كان من رطوبة، فينفع منه الفصد إن كان في البدن كثرة، وأيضاً فصد عررق المأقين يستفرغ من الموضع، وينفع منها، وكذلك فصد عروق الصاع وسلها، والاستفراغات التي علمتها وصب الماء الملح والمملح على الرأس، خصوصاً ممزوجاً بالخلِّ، ولا ينبغي أن يكثر الاستفراغات بالمسهّلات، فيضعف القوة ولا يستفرغ المطلوب، بل ربما كفاه الاستفراغ كل عشرة أيام بدرهم، أو درهم ونصف من حب القوقايا.
    والغذاء ماء حمص بشيرج، ويكحل العين الأخرى بالتوتيا لئلا تنتشر كالأولى، ويجب أن يستعمل الأكحال المذكورة في باب الخيالات والماء. وينفع منه الحجامة على القفا لما فيه من الجذب إلى خلف.
    وأما الكائن عقيب ضربة، فمما يتكلف في علاجه أن يفصد، ثم يحمم الرأس ثم يستعمل المبردات، ويُضمد بدقيق الباقلا من غير قشره، أو دقيق الشعير مبلولاً بماء ورق الخلاف، أو بماء الهندبا، وبصوفة مبلولة بمحّ بيض مضروب بدهن الورد وقليل شراب، ويقطر في العين دم الشفانين والفراخ، وفي اليوم الثالث يقطر فيها اللبن، والأكحال التي هي أقوى.
    وبالجملة، فإن أكثر علاج هذا من جنس علاج الورم الحار، وبعد ذلك، فيستعمل شيافاً متخذاً من كندر، وزعفران، ومرّ من كل واحد جزء ومن الزرنيخ نصف جزء.
    وهذا الدواء نافع من أمور ياسفيس وهو الإتساع. ونسخته: يؤخذ مرارة الجدي، ومرارة الكركي، مثقالان مثقالان، زعفران درهم، فلفل مائة وسبعين عمداً، رب السوس خمسة مثاقيل وثلثين، أشجّ مثقالان، عسل مقدار الحاجة، ويستعمل منه كحل يسحق بماء الرازيانج، ويخلط بالعسل. وللكائن من ضربة نصف مثقال، يسحق بعصارة الفجل إلى أن يجف، ويستعمل يابساً، وأيضاً مرارة التيس مثقال واحد، بعر الضب أو الورل يابساً مثقال ونصف، نطرون مثقال، فلفل، مرارة الكركي، من كل واحد مثقالان، زعفران مثقال أشج نصف مثقال، خربق أبيض مثقال، يسحق أيضاً بماء الرازيانج، ويخلط بالعسل، وما كان من الاتساع من انحراف الطبقة الشبكية أو اتساع العصبتين المجوّفتين، فلا علاج له اللهم إلا أن اتساع العصبتين المجوفتين عسر العلاج ومع ذلك يرجى.
    ● [ فصل في الضيق ] ●

    الضيق هو أن تكون الثقبة العنبية أضيق من المعتاد، فإن كان ذلك طبيعياً، فهو محمود، وإن كان مرضياً، فهو رديء أردأ من الانتشار،.وربما أدى إلى الانسداد.
    وأسبابه: إما يبس من القرنية محشف يجمعه، فتنقبض الثقبة ويحدث الضيق أو السدة، وإما رطوبة ممددة للقرنية من الجوانب إلى الوسط، فتتضايق الثقبة مثل ما يعرض للمناخل إذا بقت واسترخت وتمددت في الجهات، وإما يبس شديد من البيضية، فتقل وتساعدها الطبقة إلى الضمور والاجتماع المخالف لحال الجحوظ. وكثر ما يعرض هذا يعرض من اليبوسة، وقد يمكن أن يكون ضيق الثقب من ضيق العصب المجوف حسب ما يكون اتساع الحدقة من اتساع العصبة المجوفة.
    العلامات:
    قد ذكرناها في باب ضعف العين.
    المعالجات:
    أما اليابس منه، فعلاجه بالمرطّبات من القطورات، والسعوطات، والنطولات من العصارات الرطبة، وغيرها كما تعلم، والأغذية اللينة والدسمة. وفي الأحيان لا تَجد بُداً من استعمال شيء فيه حرارة ما ليجذب المادة الرطبة إلى العين، ويجب أن يستعمل دَلْك الرأس والوجه والعين دلكاً متتابعاً قصير الزمان، وذلك كله ليجذب، فإن استعمال المرطبات الصرفة قد يضر أيضاً، وإذا استعملت أكحالاً جاذبة، فعاود المرطّبات.
    وأما الرطب منه، فالأكحال المعروفة المذكورة في باب ضعف البصر والماء والخيالات، ومنها شياف بهذه النسخة. ونسخته: يؤخذ زنجار أشق من كل واحد جزء، زعفران جزء وثلث، صبر خمسة أجزاء، مسك نصف جزء، يتخذ منه شياف.
    وأيضاً أشق مثقالان، زنجار أربعة مثاقيل، زبل الورل ثلاثة مثاقيل، زعفران مثقالان، صمغ مثقال واحد، يعجن بعسل، ويستعمل. وأيضاً فلفل وأشج من كل واحد جزءان، دهن البلسان تسع جزء، زعفران جزء، يُحلىّ الأشج في ماء الرازيانج، ويلقى عليه دهن البلسان، ويُستعمل بعد أن يعجن بعسل، فإن هذا جيد جداً.
    وقد عالجت أنا من كان به ضيق قد حصل بعد اندمال القرحة القرنية، وكانت القرحة غير غائرة، فعالجت بالمجلّيات المحلول بلبن النساء تارة، وبعصارة شقائق النعمان تارةً، وبعصارة الرازيانج الرطب الذي يعقد بالعسل تارةً، فبرأ، وكالة يرى الأشياء مثل ما كان يرى قبل ذلك.
    ● [ فصل في نزول الماء ] ●

    اعلم أن نزول الماء مرض سدي، وهو رطوبة غريبة تقف في العقبة العنبية بين اِلرطوبة البيضيّة والصفاق القرني، فتمنع نفوذ الأشباح إلى البصر، وقد تختلف في الكمّ، وتختلف في الكيف.
    واختلافها في الكم، أنه ربما كان كثيراً بالقياس إلى الثقبة يسد جميع الثقبة، فلا ترى الحين شيئاً، وربما كان قليلاً بالقياس إليها، فتسد جهة، وتخلي جهة مكشوفة، فما كان من المرئيات بحذاء الجهة المسدودة لم يحركه البصر، وما كان بحذاء الجهة المكشوفة أدركه، وربما أدرك البصر من شيء من الأشياء نصفه، أو بعضه، ولم يحرك الباقي إلا بنقل الحدقة، وربما أدركه بتمامه تارة، ولم يدركه بتمامه أخرى، وذلك بحسب موضعه. فإنه إذا حصل بتمامه بإزاء السدة لم يدرك منه شيئاً، وإذا حصل بتمامه لإزاء الكشف أدرك جميعه.
    وهذه السدة الناقصة، قد تقع إلى فوق ففوق، أو إلى فوق وأسفل، وقد يتفق أن يكون ذلك في حاق واسطة الثقبة وما يطيف بها مكشوفاً، وحينئذ إنما يرى من كل شيء جوانبه، ولا يرى وسطه، بل يرى في وسطه ككوة أو هوة ومعنى ذلك أنه لا يرى، فيتخيل ظلمة.
    وأما اختلافه في الكيف، فتارة في القوام، فإن بعضه رقيق صاف لا يستر الضوء والشمس، وبعضه غليظ جداً. وفي اللون، فإن بعضه هوائي اللون، وبعضه أبيض جصي اللون، وبعضه أبيض لؤلؤي اللون، وبعضه أبيض إلى الزرقة أو الفيروزجية والذهبية، وبعضه أصفر، وبعضه أسود، وبعضه أغبر. وأقبله للعلاج من جهة اللون الهوائي، والأبيض اللؤلؤي، والذي إلى الزرقة قليلاً، وإلى الفيروزجيّة.
    وأما الجبسي الجصي، والأخضر، والكدر، والشديد السواد، والأصفر، فلا يقبل القدح.
    ومن أصناف الغليظ، صنف ربما صار صلباً جداً حتى يخرج أن يكون ماء، ولا علاج له.
    وأقبله للعلاج من جهة القوام، هو الرقيق الذي إذا تأملته في الفيء النير فغمزت عليه إصبعك، وجدته يتفرق بسرعة، ثم يعود فيجتمع، فهذا يرجى زواله بالقدح، على أن مداومة هذا الامتحان مما يشوش الماء ويعشر القدح، وربما جربوا ذلك بوجه آخر. وهو أن يوضع على العين قطنة، ويُنفخ فيها نفخ شديد، ثم ينحى وينظر بسرعة هل يرى في الماء حركة، فإن رأى فهو منقدح، وكذلك إن كان التغميض لعين يوجب اتساع الأخرى. وما كان بعد سقطة أو مرض دماغي فحدث بعده عسر برؤه.
    العلامات:
    العلامة المنذرة بالماء الخيالات المذكورة التي ليست عن أسباب أخرى، وقد شرحنا أمرها في باب الخيالات، وأن يحدث معها كدورة محسوسة، خصوصاً إذا كان في إحدى العينين، وأن تتخيل له الأشياء المضيئة كالأسرجة مضاعفة، وقد يفرق بين الماء والسدة الباطنة، بأن إحدى العينين إذا غمضت اتسعت الأخرى في الماء، ولم تتسع في السدة، وذلك لأن سبب ذلك الاتساع إندافع الروح الذي كان في العين المغمضة إلى الأخرى بقوة، فإذا أصابت سدة من وراء لم تنفذ، وهذا في أكثر الأمر، وفي أكثر الأمر تتسع الأخرى، إلا أنا يكون الماء شديد الغلظ، وإن لم تكن سدة، وفي الانتشار لا يكون شيء من هذا.
    المعالجات:
    إني قد رأيت رجلاً ممن كان يرجع إلى تحصيل وعقل قد كان حدث به الماء، فعالج نفسه بالاستفراغات، والحمية، وتقليل الغذاء، واجتناب الأمراق والمرطبات، والاقتصار على المشويات والقلايا، واستعمال الأكحال المحتلة الملطفة، فعاد إليه بصره عوداً صالحاً، وبالحقيقة أنه إذا تدورك الماء في أوله، نفع فيه التدبير، وأما إذا استحكم، فليس إلا القدح، فيجب أن يهجر صاحبه الامتلاء والشرب والجماع، ويقتصر على الوجبة نصف النهار، ويهجر السمك والفواكه واللحوم الغليظة خاصة. فأما القيء، فإنه، وإن نفع من جهة تنقية المعدة، فهو ضار في خصوصية الماء، وقد عرفنا قانون علاجه الدوائي في باب الخيالات.
    ولنذكر أشياء مجربة: وصفتها: يؤخذ حب الغار المقشر عشرة أجزاء، والصمغ جزء واحد، يسحقان ببول صبي غير مراهق، للماء ولضعف البصر بالماء الساذج، ويستعمل. وكذلك أطيوس الأمدي يعجن بمرارة الأفعى بالعسل، ويكتحل به جيد جداً. أقول قد جرب ناس محصلون مرارة الأفعى، فلم يفعل فعل السموم البتة، وهذه التجربة مما ينقص وجوب الاحتراز منها، وأيضاً هذا الدواء مجرب جيد. ونسخته: يؤخذ عصارة الحب المنسوب إلى جزيرة فنقدس، وكمادريوس، ويسد من كل واحد مثقال يعجن بماء الرازيانج. وأما التدبير بالقدح، فيجب أن يتقدم قبله بتنقية البدن والرأس، خاصة، ويفصد إن كان يحتاج إليه، ثم يراعى أن لا يكونا المقدوح مصدوعاً، فيخاف أن يحدث في الطبقات ورم، أو مبتلى بسعال، أو شديد الضجر سريع الغضب، فإن الضجر والغضب كلها مما يحرك إلى العود، ويجب أن يهجر الشراب والجماع والحمام، ومع هذا فلا يجب أن يستعمل القدح، إلا بعد أن يقف الماء، وينزل ما يريد أن ينزل منه، ويغلظ قوامه قليلاً، ومن هذا يسمى الاستكمال وبعد المنفذ أسبه.
    والفصد ضار له وغناؤه ماء الحمص ليلزم المرضع الذي تحركه إليه المقدحة من أسفل العين ولذلك قد يؤخر ذلك من المبدأ، وإذا أرادت أن تقدح، تقدم إلى صاحب الماء بأن يغتذي بالسمك الطري، والأغذية المرطبة المثقلة للماء، ويستعمل شيئاً مما هو مقوّ لمضرة الماء، ثم يقدح.
    وبالجملة، فإن الماء إن كان رقيقاً جداً، أو غليظاً جداً، لم يطع القدح، فإذا أردت أن تقدح ألزم العليل النظر إلى الموق الإنسي، وإلى الأنف، ويحفظ على ذلك الشكل، فلا يكون بحذاء الكوة، ولا في موضع شديد الضَوء جداً، ثم يقدح، يبتدئ ويثقب بالمثقبة، أي بالمقدحة، فيمر بين الطبقتين إلى أن يحاذي الثقبة، ويجد هناك كفضاء وجوبة، ثم من الصناع من يخرج المقدحة، ويدخل فيها ذنب المهت، وهو الأقليد إلى موافاة الثقبة، ليهيئ للطرف الحاد من المهت مجالاً. وليعود العليل الصبر، ثم يدخل المهت إلى الحد المحدود، ويعلو به الماء ولا يزال يحطه حتى تصفو العين، ويكبسن الماء خلف القرني من تحت، ثم يلزم المهت موضعه زماناً صالحاً ليلزم الماء ذلك المكان، ثم يشيل عنه المهت، وينظر هل عاد، فإن عاد أعاد التدبير حتى يأمن، وإن كان الماء لا يجيب إلى ناحية خطه وإمالته، بل إلى ناحية أخرى، دفعه إلى النواحي التي يميل إليها، وفرقه فيها، فإن رأيت الماء عاد في الأيام التي تعالج فيها العين، فأعد المهت في ذلك الثقب بعينه، فإنه يكون باقياً، لا يلتحم. وإذا سال إلى الثقبة دم، فيجب أن يكبس أيضاً، ولا يترك يبقى هناك، فيجمد فلا يكون له علاج.
    وإذا قدحت، فضع على عين المقدوح محّ بيض مضروباً بدهن البنفسج بقطنة، ويجب أن تشدّ الصحيحة أيضاً لئلا تتحرك، فتساعدها العليلة. ويلزمه النوم على القفا ثلاثة أيام في ظلمة، وربما احتيج إلى معاودات كثيرة لهذا التضميد، ومحافظة هذه النصبة، والاستلقاء أسبوعاً، وذلك إذا كان هناك ورم، أو صداع أو غير ذلك. لكن الورم يوجب حل الرباط القوي وإرخاءه. وبالجملة، فالأولى أن يحفظ العليل نصبته إلى أن يزول الوجع، فلا يحل الرباط، إلا في كل ثلاثة أيام، ويجدّد الدواء، ويجوز أن يكمد عند الحل بماء ورد وماء خلاف، أو قرع، أو ماء عصا الراعي وما أشبه ذلك. وللناس طرق في القدح، حتى أنَ منهم من يعتق أسفل القرنية، ويخرج الماء منها، وهذا فيه خطر، فإن الماء إذا كان أغلظ خرجت معه الرطوبة البيضيّة.
    ● [ فصلان في بُطلان البصر ] ●

    إنَ بطلان البصر، قد يقع من أسباب ضعف البصر، إذا أفرطت، فلينظر من هناك، ولكنا نقول من رأس، ولنترك ما يكون بمشاركة الدماغ وغيره، فإن ذلك مفهوم من هناك. فاعلم أن بطلان البصر، إما أن يكون وأجزاء العين الظاهرة سليمة في جوهرها، أو يكون ذلك، وقد أصابتها آفة محرقة، أو مسيلة، أو ما يجري مجراهما. وكلامنا في الأول، فإن كانت أجزاء العين في الظاهر سليمة في جواهرها، ولكنها أصابتها آفة من جهة أخرى غير ظاهرة للجمهور والعامة، فإما أن تكون الثقبة على حال صحتها، أو لا تكون.
    فإن كانت الثقبة على حال صحتها، فإما أن يكون هناك سدة مائية، أو تكون السدة ليست هناك، بل في القصبة المجوفة، إما لشيء واقف في أنبوبتها، وإما لانطباق عرض لها من جفاف، أو من استرخاء أو ورم فيها، أو ورم في عضلاتها ضاغط في نفسه، أو تابع لضغط عرض لمقدّم الدماغ على ما فسرناه فيما سلف، أو عرض لها انهتاك، أو تكون الجليدية أصابها زوال عن محاذاة الثقبة، أو يكون فسد مزاجها، فلم يصلح أن تكون آلة للإبصار. وأكثر ما يعرض ذلك لرطوبة تغلب عليها جداً، أو ليبوسة تغلب عليها، فتجتمع إلى ذاتها، وتستحصف، وتسمى هذه العلة علقوماً. ولا دواء لها، وتصير لها العين منخسفة شهلاء. وإما إن لم تكن الثقبة سليمة، فإما أنه يكون قد بلغ بها الاتساع الغاية القصوى، أو بلغ بها، الضيق الانطباق.
    العلامات:
    أما علامة الماء والاتّساع والضيق وغير ذلك، فهو ما ذكر في بابه، وأما السبب فيما يكون للعصبة المجوفة، فذلك مما يسهل الإحاطة به جملة بالعلامة المذكورة فيِ باب الماء. وأما تفصيل الأمر فيه، فيصعب ولا يكاد يحاط به علماً، وإذا كان هناك ضرَبان وحمرة، فاحدس أن في العصبة ورماً حاراً. فإن كان ثقل وقلّة حرارة، فاحدس أن هناك ورماً بارداً. وإن كان الثقل شديداً والعين رطبة جداً، فالمادة رطبة. وإن كانت العين يابسة، فالمادة سوداوية. وإذا عرض على الرأس ضربة أو سقطة أجحظت العين أولاً، ثم تبعه غور منها وبطلان العين، فاحدس أن العصبة قد انهتكت.
    ● [ فصل في بغض العين للشعاع ] ●

    ذلك مما يدلّ على تسخن الروح واشتعاله وترققه، وينذر كثيراً بقرانيطس، إلا أن يكون بسبب جَرب الأجفان، وعلاجه ما تعرف.
    ● [ فصل في القمور ] ●

    قد يحدث من الضوء الغالب والبياض الغالب كما يغلب، إذا أديم النظر في الثلج، فلا يرى الأشياء، أو يراها من قريب، ولا يراها من بعيد لضعف الروح، وإذا نظر إلى الألوان تختل أن عليها بياضاً.
    المعالجات:
    يؤمر بإدامة النظر في الألوان الخضر، والاسمانجونية، وتعليق الألوان السود أمام البصر، فإن كان قد اجتمع مع آفة الثلج ببياضه آفته ببرده، قطر في العين ماء طُبخ فيه تبن الحنطة فاتراً لا يؤذي، وقد يُكتحل عشية بالعسل، وبعصارة الثوم، وأيضاً قد يفتح العين على بخار نبيذ مقطور على حجر رحى محماة، أو تكمد العين بنبيذ صلب، أو يكب على بخار ماء طبخ فيه الحشائش المحللة الملطفة المعروفة، كالزوفا وإكليل الملك والبابونج ونحو ذلك.
    ● [ تمت المقالة الرابعة وتم الفن الثالث ] ●

    الفن الثالث: تشريح العين: المقالة الرابعة Fasel10

    القانون فى الطب لإبن سينا
    الكتاب الثالث: الأمراض الجزئية
    منتدى حكماء رحماء الطبى - البوابة
    الفن الثالث: تشريح العين: المقالة الرابعة E110


      الوقت/التاريخ الآن هو الجمعة نوفمبر 22, 2024 1:08 am